دراسات قانونيةسلايد 1
دراسة حول شرط المصلحة في الدعوى الدستورية وفقاً لقضاء المحكمة الاتحادية العليا العراقية
من المبادئ المسلم بها لإقامة الدعاوى عموماً وقبولها من المحكمة المختصة، أن تكون هناك مصلحة لرافع الدعوى عند رفعها، والمصلحة هي الفائدة العملية التي تعود على المدعي في حال الحكم له بطلباته، وبذلك استقر المبدأ القائل بانه “لا دعوى حيث لا مصلحة” ومقتضى ذلك ان على المحكمة أن تقضي برد الدعوى إن لم يكن لرافعها مصلحة برفعها. ويشترط في هذه المصلحة أن تكون شخصية ومباشرة لتنطبع بذلك بطابع عملي ولينحصر نطاق حق التقاضي عن المصالح النظرية المجردة.
وشرط المصلحة من الشروط المقررة لقبول الدعوى الدستورية ، إذ لا يكفي أن يكون النص المطعون فيه مخالفاً في ذاته للدستور ، بل يجب أن يكون تطبيقه على المدعي قد أخل بأحد الحقوق الدستورية ، على النحو الذي الحق به ضرراً مباشراً ، فان لم يكن النص الطعين قد طبق أصلاً على المدعي أو كان غير مخاطب به أو كان الاخلال بالحقوق التي يدعيها لاتعود إليه ، ففي هذه الحالات جميعها لن يكون المدعي صاحب مصلحة في رفع الدعوى الدستورية مما يتوجب معه على المحكمة رد الدعوى ، ذلك ان الدعوى الدستورية ليست من دعاوى الحسبة المعروفة في الفقه القانوني الإسلامي( ) .
وهذا ما تم تنظيمه في قانون المحكمة الاتحادية العليا وفي نظامها الداخلي أيضاً ، إذ نصت المادة (4) من قانون المحكمة على ان من مهامها (ثانياً : الفصل في المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين ….. ويكون ذلك بناءً على طلب من …. مدع ذي مصلحة .) . أما النظام الداخلي للمحكمة المذكورة فقد أشترط بان ( تتوافر في الدعوى الشروط الآتية :
أولاً: أن تكون للمدعي في موضوع الدعوى مصلحة حالة ومباشرة ومؤثرة في مركزه القانوني أو المالي أو الاجتماعي.
ثانياً: أن يقدم المدعي الدليل على ان ضرراً واقعياً قد لحق به من جراء التشريع المطلوب الغـاؤه.
ثالثاً: أن يكون الضرر مباشراً ومستقلاً ….
رابعاً: أن لا يكون الضرر نظرياً. …..
سادساً: أن يكون النص المطلوب الغاؤه قد طبق على المدعي فعلاً أو يراد تطبيقه عليه.).
وواضح مما تقدم ان قانون ونظام المحكمة الاتحادية العليا قد اشترطا توافر شرط المصلحة لرافع الدعوى الدستورية ، وان اتجه النظام الداخلي إلى ذكر المصلحة في الدعوى وذكر شروط أخرى وكأنها منفصلة عن شرط المصلحة المذكور في (أولاً) ، ولكنها في حقيقتها ما هي إلا أوصاف قانونية لشرط المصلحة( ) .
غير ان المحكمة الاتحادية العليا قد خالفت قانونها ونظامها الداخلي في حكمها الذي قضت فيه بعدم دستورية قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (112) لسنة 2013( )، إذ قضت بان (…. دفوع وكيل المدعى (رئيس مجلس النواب / أضافة إلى وظيفته) انصبت بغالبيتها على عدم وجود مصلحة للمدعي في إقامة الدعوى فتجد المحكمة الاتحادية العليا ان المدعي وهو عضو في مجلس النواب ورئيس كتلة نيابية وهو يمثل مجموع الشعب العراقي …. وان القانون موضوع الطعن هو ليس طلباً شخصياً حتى يتطلب الطعن به وجود مصلحة خاصة للطاعن وانما هو قانون عام يخص المصلحة العامة فيكون الطعن بعدم دستوريته مسألة تخص العراقيين جميعا ويمثلهم نواب الشعب ومنهم المدعي استناداً إلى أحكام المادة (93/ثالثاً) من الدستور…).
في ضوء ما تقدم تتبدى لنا الملاحظات الآتية:
1. اتجهت المحكمة الاتحادية العليا إلى الاعتراف لنائب واحد وهو رافع الدعوى بمصلحته في رفعها وهو لم يطبق عليه القانون الطعين ولم تكن له أية فائدة عملية من إلغائه، وهي إذ اعترفت بهذه المصلحة لهذا النائب، فإنها تجعلنا أمام تساؤل عن السند القانوني لاتجاهها هذا؟
ان مطالعة سريعة لشرط المصلحة المنظم في قانونها ونظامها الداخلي تنفي لنا نفياً قاطعاً صحة ما ذهبت إليه المحكمة الاتحادية العليا ، من اعترافها للنائب بالمصلحة في رفع الدعوى أمامها ، فمصلحته ليست سوى مصلحة نظرية مجردة وقد فات المحكمة ان المصلحة في الدعوى الدستورية يجب أن لا تكون نظرية محضة( ) كتلك التي تتوخى تقرير حكم الدستور مجرداً عن موضوع معين لأغراض أكاديمية أو ايدلوجية سياسية أو دفاعاً عن قيم مثالية معينة أو لإرساء مضمون في مسألة معينة لم يترتب عليه ضرر للطاعن ولو كانت تثير اهتماماً عاماً( ) ، فإذا كان شرط المصلحة يعد من النظام العام ويجب على القاضي اثارته من تلقاء نفسه وان لم يتمسك به الخصوم( ) ، فكان من الواجب القانوني على المحكمة الاتحادية العليا أن تقضي برد الدعوى دون الدخول في موضوعها لا أن تعمل على تبرير وجوده بصورة مخالفة للقانون.
2. استندت المحكمة الاتحادية العليا في تسويغها لقبول الدعوى من النائب إلى نص المادة (93/ ثالثاً) من الدستور، وهذه المادة تنص على (….ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة.). فعلى ما يبدو ان المحكمة فسرت “وغيرهم” الواردة بالنص بانها تشمل أعضاء مجلس النواب، وهذا التفسير نراه يفتقر إلى الدقة العلمية ، ذلك لأن المشرع قصد بان من حق الاشخاص الطبيعيين رفع الدعوى الدستورية امام المحكمة واطلق عليهم “الأفراد” وأطلق على الأشخاص المعنوية التي لها حق الطعن أمام المحكمة اذا كانت لهم مصلحة في رفع الدعوى بعبارة “وغيرهم”( ) ، والقول بخلاف ذلك سيؤدي إلى نتائج غير مستساغة .
ولعل المحكمة الاتحادية العليا قد تأثرت ببعض الدول التي منحت الحق لأعضاء المجلس النيابي بالطعن بعدم الدستورية كما هو الحال في الدستور السوري لعام 1973 والدستور التركي لعام 1982 وقانون المحكمة الدستورية الكويتي لعام 1973.
إذ نجد ان الدستور السوري قد قضى في المادة (145) بان تبت المحكمة الدستورية العليا في دستورية القوانين (إذا أعترض رئيس الجمهورية أو ربع أعضاء مجلس الشعب على دستورية قانون قبل إصداره.)( ). وكذلك نص الدستور التركي في المادة (150) على أن (يكون ….. لخمس عدد أعضاء الجمعية الوطنية التركية الكبرى جميعهم كحد أدنى التقدم بطلب الى المحكمة الدستورية لتتخذ إجراءات الإبطال استناداً إلى دعوى بعدم دستورية قانون من حيث الشكل والمضمون….). أما قانون المحكمة الدستورية الكويتي رقم 14 لسنة 1973 فقد اتجه في المادة (4/أ) إلى منح مجلس الامة اختصاص الطعن بعدم دستورية القوانين ولكن يجب أن يكون ذلك بقرار صادر عن المجلس نفسه وليس من إحدى لجانه أو رئيسه مثلاً، وعلى ذلك يجب أن يصدر القرار برفع الدعوى بأغلبية الاعضاء الحاضرين بعد تحقق النصاب ( ).
غير انه قد غاب عن ذهن قضاة المحكمة الاتحادية العليا ان هذه التشريعات الدستورية المقارنة إنما حددت وبصورة صريحة عدد الأعضاء الذين يحق لهم تقديم الطعن بعدم الدستورية، والمصلحة في هذه الحالة تكون مفترضة –كما يقول الفقه الدستوري-هدف هذه الدعوى يكون تحقيق المصلحة العامة المجردة ( )، ولذلك تكون هذه الحالة استثنائية في تطلب شرط المصلحة وبناءً عليه نجد ان التشريعات الدستورية تنص على هذه الجهات المحددة بنص واضح وصريح، وهذا غير متوافر في دستورنا أو في قانون المحكمة الاتحادية العليا. هذا من جهة، ومن جهة ثانية نجد ان التشريعات الدستورية المقارنة لم تمنح النائب لوحده الحق في رفع دعوى عدم الدستورية بل حددت العدد المطلوب وهي بذلك لم تعترف للنائب الواحد بالمصلحة في رفع دعوى عدم الدستورية كما فعلت محكمتنا الاتحادية العليا.
لقد كان الأولى بقضاة المحكمة الاتحادية العليا أن يكونوا أكثر تفقهاً في القانون، وأكثر الماماً بمبادئه لاسيما وانهم يعملون بأعلى سلطة قضائية في العراق والتي دائماً ما تكون أحكامها باتة بحيث لا يجوز الطعن بها مرة أخرى بأي وجه من وجوه الطعن، وملزمة للسلطات جميعها وهو ما قرره دستور العراق لعام 2005 من قوة دستورية لأحكام هذه المحكمة. فحق عليهم أن لا يحابوا ولا يداهنوا في إعلاء كلمة القانون وإعلاء مبدأ سيادته –أي سيادة القانون-. فكان على المحكمة والحالة هذه أن تصدر حكمها برد الدعوى لانعدام شرط المصلحة لرافعها، لأنه من الشروط الشكلية الضرورية لقبول الدعوى الدستورية.
المصادر
ـــــــــــــ
1) لمزيد من التفاصيل حول شرط المصلحة في الدعوى الدستورية ينظر : د. عز الدين الدناصوري , د. عبد الحميد الشواربي : الدعوى الدستورية , الاسكندرية , منشأة المعارف , 2001 , ص 43 ومابعدها , د. عادل الطبطبائي : المحكمة الدستورية الكويتية , جامعة الكويت , 2005 , ص 359 ومابعدها , د. محمد فؤاد عبد الباسط : ولاية المحكمة الدستورية في المسائل الدستورية , الاسكندرية , منشأة المعارف, 2002 , ص 629 ومابعدها .
2) فكان على رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي “مدحت المحمود” أن يلتفت إلى ذلك وهو يضع هذا النظام الداخلي .
3) نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية –جريدة الوقائع العراقية- بالعدد 4266 وبتاريخ 4/2/2013 , ثم بادر أحد أعضاء مجلس النواب العراقي وهو النائب (خالد العطية) إلى الطعن بعدم دستورية هذا القانون , وبتاريخ 16/9/2013 أصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكمها بعدم دستورية القانون المذكور من الناحيتين الشكلية والموضوعية وانهت بذلك وجود هذا القانون من النظام القانوني العراقي للأسباب التي رأتها هذه المحكمة والتي أسست عليها حكمها بعدم الدستورية .
4) عوض المر : الرقابة القضائية على دستورية القوانين في ملامحها الاساسية , مركز رينيه – جان دبوي للقانون والتنمية , ص 392 – 393 .
5) د. عز الدين الناصوري , د. عبد الحميد الشواربي : المصدر السابق , ص 45 , 47.
6) د. محمد عبد الباسط : المصدر السابق , ص 634 .
7) قريب من هذا المعنى ينظر : د. عصمت عبد الله الشيخ : مدى استقلال القضاء الدستوري في شأن الرقابة على دستورية التشريعات , القاهرة , دار النهضة العربية , 2009 , ص 104 .
8 ) وكذلك فعل دستور سوريا لعام 1950 الذي حدد نسبة الربع من عدد أعضاء المجلس لرفع دعوى عدم الدستورية . ينظر د. كمال الغالي : مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية , دمشق , مطبعة الداودي , 1984 – 1985 , ص 157 .
9) ينظر د. عادل الطبطبائي : المصدر السابق , ص 261 .
10) المصدر أعلاه , ص 365 – 366 .