دراسات قانونية
كيفية مواجهة الجريمة المعلوماتية في القانون
مواجهة الجريمة المعلوماتية في التشريع الجزائري
بحث مقدم إلى الملتقى المغاربى حول القانون والمعلوماتية المزمع عقده بأكاديمية الدراسات العليا بليبيا فى أكتوبر 2009
فشار عطاءالله جامعة زيان عاشور بالجلفة كلية الخقوق والعلوم السياسية:
أولا: من خلال النصوص التقليدية (الكلاسيكية)
الفرع 01: مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال جرائم الأموال المقررة في قانون العقوبات الجزائري
إن ظهور المعلوماتية وتطبيقاتها المتعددة أدى إلى بروز مشاكل قانونية جديدة، أي ظهور ما يسمى بأزمة القانون الجنائي في مواجهة واقع المعلوماتية فرض حلها البحث في الأوضاع القانونية القائمة ومدى ملائمتها لمواجهة هذه المشاكل، ولما كان القاضي الجزائي مقيدا عند نظره في الدعوى الجنائية بمبدأ شرعية الجرائم، فانه لن يستطيع أن يجرم أفعالا لم ينص عليها المشرع حتى ولو كانت أفعالا مستهجنة وعلى مستوى عال من الخطورة الإجرامية .
فما مدى إمكانية استعانة القاضي بقانون العقوبات التقليدي لتوفير الحماية لهذه القيمة الاقتصادية الجديدة ألا وهي أموال الإعلام الآلي في ظل النصوص التقليدية ؟ خاصة وان المشرع لم يكن في ذهنه وقت وضع النصوص التقليدية هذا النوع من الاستثمار الجديد، وهنا تكمن خطورة المحاولة لان القانون الجنائي له مبادئه وأصوله وعلى رأسها مبدأ الشرعية والذي يتفرع عنه مبدأي التفسير الضيق وخطر القياس في مجال التجريم .
فالإشكال المطروح: هل يستطيع القاضي الجزائي من خلال النصوص الحالية لجرائم الأموال تحقيق حماية جزائية معلوماتية دون الإطاحة بالمبادئ الراسخة التي يرتكز عليها القانون الجنائي ؟ ولهذا الغرض ارتأينا تركيز دراستنا على نقطتين أساسيتين وهما :
1- مدى اعتبار المعلوماتية موضوع لجرائم الأموال.
2- مدى خضوع المعلوماتية للنشاط الإجرامي لجرائم الأموال .
أولا: مدى اعتبار المعلوماتية موضوع لجرائم الأموال :
لتحديد مدى إمكانية إخضاع الاعتداءات الواردة على أموال الإعلام الآلي للنصوص التقليدية لجرائم الأموال وجب :
مدى انطباق وصف المال على المعلوماتية :
يقصد بالمال ألمعلوماتي الحاسوب بكل مكوناته وهو عبارة عن مجموعة من الكيانات التي تسمح بدخول المعلومات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها عند الطلب وهو يتكون من كيانين :
-كيان مادي
-كيان معنوي
ويضم الكيان المادي الأجهزة المادية المختلفة وهي جهاز الإدخال، جهاز الإخراج ووحدات التشغيل المركزية التي يتم من خلالها معالجة المعلومات وتخزينها و إخراجها. أما الكيان المعنوي فيشمل البرامج المختلفة التي تتحقق من خلالها قيام الحاسب بوظائفها المختلفة بالإضافة إلى المعلومات المطلوب معالجتها بالفعل
فإذا كانت الأجهزة المادية للحاسبات لا تحتاج إلى نصوص خاصة لحمايتها جزائيا إذ تشملها نصوص الجرائم التقليدية ، فالأمر يختلف بصدد الكيان المعنوي لتلك الحاسبات لان جرائم الاعتداء على الأموال يشترط بشأنها عادة أن يكون موضوعها شيئا ماديا ، وطبيعة الكيان المعنوي ليس كذلك وعليه فالسؤال يطرح حول مدى اعتبار الكيان المعنوي للحاسوب مالا.
المال هو كل ما يصلح أن يكون محلا للحق ذو القيمة المالية والشيء هو محل الحق ،وتقسم الأشياء، إلى أشياء مادية وأشياء غير مادية أو معنوية، علما بان الأموال من وجهة النظر التقليدية لا ترد على أشياء مادية ولهذا كان تعريف المال بصدد جرائم الأموال بأنه ” كل شيء مادي يصلح لان يكون محلا حق من الحقوق المالية”
ولكن مع التطور ازدادت الأشياء المعنوية عددا وتفوق بعضها من حيث قيمتها على الأشياء المادية مما استدعى البحث عن معيار أخر غير طبيعة الشيء الذي يرد عليه الحق المالي حتى يمكن إسباغ صفة المال على الشيء المعنوي.
ومن هذه الأشياء المعنوية ذات القيمة الاقتصادية العالية برامج الحاسب الآلي -هذه البرامج تكون عادة مثبتة على دعامة أو حامل SUPPORT -مثل الأقراص أو الشرائط الممغنطة من البلاستيك أو الورق المقوى أو أي مادة أخرى .
والبرنامج المستقل عن دعامته لا جدال في انه شيء معنوي وبالتالي لا يصدق عليه وصف المال طبقا للتحديد التقليدي للاموا ل الذي يشترط أن يكون محله شيئا ماديا، أما إذا سجل البرنامج أو نقش على دعامته فان تلك الدعامة بما عليها من برامج تصلح لان تكون محلا لجرائم الأموال على الرغم من أن الدعامة منفصلة عن البرنامج تعتبر ضئيلة القيمة إذا ما قيست بقيمة البرنامج وعلى الرغم أيضا من أن الاعتداء عليها ليس في غاية في ذاته، وإنما الباعث على ذلك هو البرنامج نفسه لا دعامته ومع ذلك لا تأثير لهذه البواعث في القانون الجنائي
ويعتبر الاعتداء على الدعامة في هذه الحالة قد وقع على شيء مادي مما يصلح تكييفه حسب النشاط الإجرامي بإحدى جرائم الأموال التي يتطابق نموذجها مع هذا النشاط ، أما إذا وقع الاعتداء على البرنامج مستقلا عن دعامته ،فان الأمر يختلف حيث يكون قد وقع على شيء معنوي ،هذا الشيء المعنوي لابد وان تثبت له صفة المال أولا حتى يمكن البحث بعد ذلك في مدى إمكانية وقوع جرائم الأموال عليه .
وقد انقسم الفقه في هذا الصدد إلى اتجاهين:
– الاتجاه الأول: الفقه المؤيد لإضفاء وصف المال على البرنامج
يرى جانب من الفقه أن المعلومات صالحة لان تكون محلا للاعتداء عليها طالما كانت هذه المعلومات تعكس الرأي الشخصي لصاحبها ولا تتوقف عند نطاق المعلومات العامة ، وذلك على أساس أن هذه المعلومات صادرة عن صاحبها أي أنها ترتبط بشخصيته وهو الذي فكر فيه ،أو هذا يعني أنها من الحقوق اللصيقة بشخصية صاحبها ،وهذه المعلومات ذاتها هي موضوع هذا الحق ومن خصائصها القابلية للانتقال وهذا يعني أن هناك طرفا أخر يستقبل هذه المعلومات ،ومن هنا تنشا علاقات إما بينها وبين صاحبها وأما بين صاحبها والغير،
فالمعلومات باعتبارها نتاجا ذهنيا لمن يعطيها شكل المعلومة فهي تعد محور العلاقات مثل تلك التي تنشا بين المالك وبين ما يملك فيكون له نقلها وإيداعها وحفظها وتأجيرها وبيعها. ومن أمثلة هذه المعلومات برامج الحاسب الآلي ،إذ أن هذه البرامج ترتب حقوقا لصاحبها وتخول له إبرام عقود متعلقة بها مثل الإيجار والبيع والحفظ وأي صورة أخرى من صور الاستغلال، لان من خصائصها القابلية للانتقال .
كل هذه التصرفات والحقوق هي التي دفعت جانبا من الفقه إلى القول بان المعلومات مال ليس فقط لوجود علاقة حق استئثار خاص عليها، وإنما أيضا لأنها تعتبر قيمة اقتصادية، فهي تطرح في السوق للتداول مثلها في ذلك مثل أي سلعة ولها سوق تجاري يخضع لقوانين السوق الاقتصادية .
وإذا كان الفقه التقليدي قد استبعد المعلومات من طائفة الأموال على أساس أنها غير مادية أي أن عدم مادية المعلومات هو الذي أدى إلى عدم الاعتراف لها بصفة المال فان الفقه الحديث يرى على العكس أن المعيار في اعتبار الشيء مالا ،ليس على أساس ماله من كيان مادي وإنما على أساس قيمته الاقتصادية، وان القانون الذي يرفض إصباغ صفة المال على شيء له قيمة اقتصادية هو بلا جدال قانون ينفصل تماما عن الواقع
ومادامت البرامج في جوهرها معلومات معالجة بطريقة ما ولها قيمة اقتصادية فانه يجب معاملتها على أنها مال .ما يؤكد هذا المعنى أن المشرع الحديث يعترف لصاحب هذه المعلومات بما يطلق عليه الحق في الملكية الفكرية ،ولولا أن المعلومات مالا ما كان المشرع ليستطيع التسليم لها بهذا الحق، وان كانت طبيعة هذه الملكية محل جدل فقهي .
فإنها على كل حال نوع من الملكية أو الحق الذي لصاحبه في القليل الحق في احتكار استغلال هذا المال غير المادي أي المعلومات والتي منها برامج الحاسب الآلي .
– الاتجاه الثاني: الفقه المعارض لإضفاء وصف المال على البرنامج
الجانب الأخر من الفقه يرى عدم صلاحية المعلومات لان تكون محلا للاعتداء عليها ، حيث ذهب جانب من الفقه في فرنسا إلى أن المعلومة في حالتها المجردة والفكرة في حد ذاتها لا تقبل التملك والاستئثار ،وان تداولها والانتفاع بها من حق الكافة دون تمييز ومن ثم لا يمكن أن تكون محلا للملكية الفكرية .
ويفرق البعض الأخر بين المعلومات والبيانات التي تمت معالجتها الكترونيا فيرون أن الأولى باعتبار أن عنصرها الأساسي هو الدلالة لا الدعامة التي تجسدها ، لها طبيعة غير مادية ولا سبيل من ثم إلى اختلاسها أما البيانات التي تمت معالجتها الكترونيا، فتتحدد في كيان مادي يتمثل في نبضات أو إشارات ممغنطة يمكن تخزينها على وسائط معينة ونقلها واستغلالها وإعادة إنتاجها فضلا عن إمكانية تقديرها كميا وقياسها فهي إذن ليست شيئا معنويا كالحقوق والآراء والأفكار بل شيئا له في العالم الخارجي المحسوس وجود مادي وفقا لهذا الرأي فان المعلومات إذا لم تعالج أليا عن طريق الحاسب لا تعتبر من قبيل الأموال الخاضعة للحماية الجنائية باعتبار أن هذه المعالجة تتم في صورة نبضات الكترونية ،مما يمكن القول معه بأنه لعملية المعالجة تلك تتحول من أموال معنوية إلى أموال مادية، الأمر الذي يخضعها للنصوص التقليدية لجرائم الأموال ،ويأخذ نفس حكمها البيانات المخزنة سواء في برامج الحاسب أو في ذاكرته وبالتالي تأخذ برامج وبيانات الحاسب وحكم الأموال عليه وبالتالي تتمتع بالحماية الجنائية المقررة لها .
إن اعتبار المعلومات مالا قابلا للتملك أو الاستغلال كما سبق أن وضحنا يزيل أمامنا عقبة كبيرة تسمالتملك. هذا النوع من الأموال إلى مجموعة الأموال التي يحميها القانون الجنائي والتي تتمثل في ضرورة أن يكون المال موضوع جرائم الاعتداء على الأموال شيئا منقولا مملوكا للغير، فانه يمكن إسباغ حماية النصوص التقليدية عليه وذلك على أساس أن هذه النصوص جاءت عامة ولم يشترط أن تقع جرائم الأموال على منقول مادي .
وعليه يكون من المتصور أن تقع هذه الجرائم على مجال غير مادي طالما اعترف لها بصفة المال وقابلية التملك .وقد سايرت هذا الاتجاه محكمة النقض الفرنسية في العديد من أحكامها .1-2 مدى برامج الحاسب استنادا إلى هذه الصفة تحت مفهوم الشيء الذي يصلح محلا لجرائم الأموال ؟
مدى اعتبار المعلوماتية مالا بصدد جرائم الأموال :
ذكرنا في الفرع السابق أن برامج الحاسب وفقا للفقه الراجح ينطبق عليها وصف المال فإذا كانت المعلومات شيئا منقولا لا مملوكا للغير إلا أنها شيء غير مادي فهل تدخل البرامج استنادا إلى هذه الصفة تحت مفهوم الشيء الذي يصلح محلا لجرائم الأموال ؟
أ / مدى اعتبار البرنامج مالا بصدد جريمة السرقة :
طبقا للمادة 350 من قانون العقوبات الجزائري فان “كل من اختلس شيئا غير مملوك له يعد سارقا ” نص المادة 350 لم يشترط صراحة ضرورة أن يكون المال موضوع الجريمة ماديا مما يجعل وقوع جريمة السرقة على مال معنوي أمرا لا يصطدم بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات .
يجد هذا الرأي تسويغه في أن الشيء وهو محل السرقة حسبما يصفه نموذجها في التشريع الجزائري لا يقتصر لورود لفظه بغير نعت أو تخصيص على الأشياء المادية المجسمة فحسب بل يشمل الأشياء غير المادية كذلك، وهذا التفسير الراجح فقها ، ولكن يبقى اعتبار البرنامج كمحل للسرقة غير قطعي ومن باب الإمكان لا غير .
ب/ مدى اعتبار البرنامج كمحل لجريمة النصب :
طبقا للمادة 372 من قانون العقوبات الجزائري فان “كل من توصل إلى استلام أو تلقي أموال أو منقولات أو سندات أو تصرفات أو أوراق مالية وعود أو مخالصات أو إبراء من التزامات أو إلى الحصول على أي منها أو شرع في ذلك وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها أو الشروع فيه إما باستعمال أسماء أو صفات كاذبة أو سلطة خيالية أو اعتماد مالي خيالي أو بإحداث الأمل بالفوز بأي شيء أو في وقوع حاد أو أية واقعة أخرى وهمية أو الخشية من وقوع شيء منها يعاقب بالحبس من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر وبغرامة من 500 إلى 20000 دج “.
نستنتج من نص المادة 372 بأنه ليس كل شيء مادي ومنقول يصلح أن يكون محلا لجريمة النصب بل يجب أن يكون ضمن الأشياء التي عددتها المادة 372 على سبيل الحصر.
تجدر الإشارة إلى أن النص على المنقول ورد دون تحديد لطبيعته ودون أن يقيده المشرع بان يكون ماديا مما يسمح بتفسير هذا النص على نحو يسمح بدخول برامج الحاسب ضمن الأشياء التي تقع عليها جريمة النصب إلا انه حتى وان أخذنا بهذا التفسير، نصطدم بعدم وجود نشاط مادي ملموس يحصل به التسليم والاستلام ،وحتى على فرض أن التسليم قد تم ،فان المجني عليه لا يحرم من حيازة البرنامج والبيانات التي تبقى تحت سيطرته التامة .
ج/ مدى اعتبار البرنامج كمحل لجريمة خيانة الأمانة :
طبقا للمادة 376 من قانون العقوبات الجزائري ” كل من اختلس أو بدد بسوء نية أوراقا تجارية أو نقودا أو بضائع أو أوراقا مالية أو مخالصات أو أية محررات أخرى تتضمن أو تثبت التزاما أو ابراءا لم تكن قد سلمت إليه إلا على سبيل الإجازة أو الوديعة أو الوكالة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو لأداء عمل بأجر أو بغير اجر بشرط ردها أو تقديمها أو لاستعمالها أو لاستخدامها في عمل معين وذلك إضرارا بمالكيها أو واضعي اليد عليها أو حائزيها يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة ….”
يستنتج من نص المادة 376 إن الاختلاس يقع على مال منقول سلم إلى الجاني بمقتضى عقد من عقود الأمانة، وعليه لا تقع جريمة خيانة الأمانة على غير المنقولات المادية.
وقد حددت المادة 376 الأشياء التي تصلح محلا لهذه الجريمة وهي على سبيل الحصر أوراق تجارية ، نقود بضائع ،أوراق مالية ، مخالصات ،محررات تتضمن أو تثبت التزاما أو ابراءا وعليه فان إخضاع الاعتداءات الواردة على المال ألمعلوماتي إلى نصوص خيانة الأمانة يثير بعض المشاكل القانونية نظرا للطبيعة غير المادية للقيم في حقل الجريمة المعلوماتية .
الحل الوحيد هو الاقتداء بما اخذ به القضاء الفرنسي باعتباره بعض القيم في المجال ألمعلوماتي من قبيل( البضائع) أي التوسع في مفهوم البضاعة، وعليه فان تطبيق نصوص خيانة الأمانة في مجال المعلوماتية يكون في نطاق محدود ومن باب الإمكان لا غير .
د/ مدى اعتبار البرنامج كمحل لجريمة الإتلاف :
طبقا للمادة 407 من قانون العقوبات الجزائري “كل من خرب أو اتلف عمدا أموال الغير المنصوص عليها في المادة 396 بأية وسيلة أخرى كليا أو جزئيا بعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 5000 دج”.
كما تنص المادة 412 من قانون العقوبات الجزائري “كل من اتلف عمدا بضائع أو مواد أو محركات أو أجهزة أيا كانت مستعملة في الصناعة وذلك بواسطة مواد من شانها الإتلاف أو بأية وسيلة أخرى يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة من500 دج إلى 5000 دج”
بالرجوع إلى نص المادة 412 نجدها قد حددت الأشياء الخاضعة للإتلاف وبالتالي فإنها تشمل المكونات المادية للحاسوب سواء بوصفها أجهزة أو بضائع .كما أن الكيان المنطقي يمكن أن يخضع لهذا النص ألتجريمي باعتباره مالا بالنظر لما له من قيمة اقتصادية .
ثانيا : مدى خضوع المعلوماتية للنشاط الإجرامي لجرائم الأموال :
المطروح للبحث هو مدى خضوع برامج الحاسب الآلي أو المعلومات بصفة عامة للسلوك الإجرامي الذي يتحقق به الركن المادي في جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة والإتلاف.
مدى خضوع المعلوماتية للنشاط الإجرامي في جريمة السرقة :
بالنسبة للنشاط الإجرامي المكون لجريمة السرقة وهو الاختلاس وبتطبيقه على برامج الحاسب الآلي أو المعلومات المعالجة بصفة عامة ، نلاحظ أن الجاني وان كان يدخل في ذمته ما استولى عليه من برامج إلا انه في نفس الوقت لم يخرج هذه البرامج من ذمة صاحبها الشرعي إذ تظل رغم مباشرة أفعال الاختلاس عليها تحت سيطرة هذا الأخير دون انتقاص من محتواها ، كما يلاحظ إن الاستيلاء على البرامج باعتبارها معلومات لا يتصور من الوهلة الأولى إلا على انه انتقال لهذه المعلومات من ذهن إلى ذهن أو من ذاكرة إلى ذاكرة وهذه عقبة ثانية ويلاحظ ثالثا أن المعلومات التي تحويها البرامج من طبيعة غير المادية أي أنها شيء معنوي فكيف يتصور أن يرد فعل الاختلاس الذي هو من طبيعة مادية على شيء معنوي وهذه عقبة ثالثة.
نتيجة لهذه العقبات فليس من السهل بسط أحكام السرقة على برامج الحاسب الآلي وخاصة في الحالات التالية :
أ/ سرقة المعلومات عن طريق النسخ غير المشروع للبيانات المخزنة الكترونيا:
أي عن طريق إعادة إنتاج الوثيقة أو الدعامة التي تحتويها، لمحاولة بسط أحكام السرقة على حالات النسخ غير المشروع يمكننا اعتماد ما توصل إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي في هذا الصدد بإعلانه صراحة أن المعلومات التي نسخت أو أعيد إنتاجها هي التي سرقت كما انه لم يخرج عن مبدأ الشرعية الجنائية وحافظ على مبدأ مادية الاختلاس وعلاوة على ذلك فان إقرار الحكم باختلاسه المعلومات عن طريق إعادة إنتاج المستند الذي يحويها يحمل في طياته ثروة مستترة ولكنها عميقة لأنها تسمح بالعقاب على إعادة الإنتاج الذي لا يمكن أن يقع تحت طائلة جريمة التقليد .
وتجدر الإشارة إلا انه لا يجب الخلط بين جريمة سرقة المعلومات عن طريق النسخ غير المشروع وبين جريمة التقليد لان السرقة تحوي البيانات في ذاتها، بينما تنصب الحماية التي يكفلها المشرع للمصنفات بتجريم تقليدها على طريقة التعبير عن أفكار المؤلف .
ب/ سرقة وقت الآلة :
يكيفها فقهاء القانون الجنائي على أنها سرقة استعمال ، وفي هذه الحالة ليس من السهل بسط أحكام جريمة السرقة على وقت الآلة لان المشرع الجزائري لا يأخذ بما يسمى سرقة الخدمة وعليه تتطلب تدخلا تشريعيا على غرار ما فعل المشرع الفرنسي بتجريمه البقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات ، فإذا كانت هذه الجريمة تهدف أساسا إلى حماية نظام المعالجة الآلية للمعطيات بصورة مباشرة إلا أنها تحقق أيضا وبصورة غير مباشرة حماية للمعلومات ذاتها .
ج/ الالتقاط الذهني للبيانات :
كأن يقوم شخص بالتقاط معلومات ظهرت على شاشة الحاسب وقام بحفظها و اختزانها في ذاكرته ، هذا المسلك يمكن أن يكون اختلاسا رغم انه لم يرد على ذات مادة المستند وإنما اقتصر الشيء المختلس على مضمون المستند مع بقائه في حيازة صاحبه لان هذا المضمون شيء منقول مملوك للغير منحصر في منفعة المستند كجزء من حق صاحبه في ملكيته ، إلا إن المشرع الجزائري لا يأخذ بسرقة الاستعمال وعليه ضرورة تدخل تشريعي يشمل حالتي الالتقاط الذهني للبيانات وحالة سرقة المعطيات دون استنساخها ودون المساس بسلامتها أو أصالتها
د/ تكييف الالتقاط الهوائي للبيانات المعالجة أو المنقولة الكترونيا :
من المعلوم أن الطاقة والقوى الطبيعية أو الصناعية تعد من الأموال المنقولة وتصلح لان تكون محلا للسرقة إلا انه لا يمكننا أن نطبق أحكام سرقة الطاقة على الإشعاعات والموجات والنبضات المنبعثة من الحاسب الآلي أثناء تشغيله رغم أنها كهربائيا قابلة للقياس والتقدير الكمي وذات قيمة
ولهذا نخلص لعدم وقوع السرقة في الحالات السابقة لان طبيعة البرامج والمعلومات تأبى تحقيق الأخذ أو الاختلاس بمعناه الدقيق المسلم به في جريمة السرقة والذي يعني الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء بدون رضا مالكه أو حائزه السابق لأنه إذا تصورنا وقوع الاختلاس من خلال النسخ أو التصوير على المعلومات فان هذه المعلومات الأصلية ذاتها تظل في نفس الوقت كما كانت من قبل تحت سيطرة صاحبها الأصلي ولا تخرج من حيازته ، ولما كان قانون العقوبات الجزائري لا يجرم سرقة الاستعمال بصفة عامة ، فان المخرج الوحيد لا يكون إلا بتدخل صريح من المشرع، لتفادي الجدل حول سرقة المعلومات وسرقة وقت الآلة أو سرقة استعمال الأصل وتحقق حماية مباشرة للبرامج والمعلومات .
مدى خضوع برامج الحاسب الآلي للنشاط الإجرامي في جرائم النصب وخيانة الأمانة والإتلاف :
أ / بتطبيق النشاط الإجرامي لجريمة النصب في المجال ألمعلوماتي :
نجد أن لجوء الجاني إلى إحدى الطرق الاحتيالية وحمل المجني عليه على تسليمه دعامة مادية مثبتا عليها احد البرامج ثم استيلاء الجاني عليها فان النشاط الإجرامي في جريمة النصب يتحقق .
لكن هل من المتصور أن يتحقق النشاط الإجرامي لجريمة النصب من خلال الطرق الاحتيالية التي يلجا إليها الجاني والتي يترتب عليها وقوع المجني عليه في غلط يدفعه إلى أن ينقل إليه شفويا أي عن طريق القول محتويات برنامجه الذي يلتقطه الجاني ويحفظه في ذاكرته ؟
هل النقل من خلال القول يعادل التسليم بناء على غلط منصوص عليه في م 376 من قانون العقوبات؟ وهل التقاط أو سماع الجاني للمعلومات يعادل الاستيلاء ؟
لايوجد نشاط مادي يتحقق به التسليم والاستلام في جريمة النصب ، وحتى لو فرضنا جدلا إمكانية وقوع التسليم والاستلام، فانه لن ينتج عن ذلك حرمان المجني عليه من المعلومات التي نقلها بالقول بل تظل تحت سيطرة من نقلها وفي حوزته وهو أمر وان كان يتفق وطبيعة البرامج والمعلومات إلا انه لا يتفق و طبيعة النشاط الإجرامي في جريمة النصب وهذا يعني عدم صلاحية البرامج للخضوع للنشاط الإجرامي في جريمة النصب .
ب / بتطبيق النشاط الإجرامي لجريمة خيانة الأمانة في المجال ألمعلوماتي :
نجد انه تطبيق نسبي فلا جدال في وقوع جريمة خيانة الأمانة بالنسبة للدعامات المثبتة عليها البرامج والمعلومات وذلك في الحالة التي يقوم فيها الأمين بنسخ البرنامج لحسابه الخاص متجاوزا الاتفاق الذي يربطه بصاحب البرنامج إذ يتحقق بهذا النسخ فعل الاستعمال والذي يقصد به استخدام الأمين للمال استخداما يستنزف قيمته كلها أو بعضها مع بقاء مادته على حالها إلا انه من الصعب القول بقيام جريمة خيانة الأمانة في حالة البرامج والمعلومات المستقلة عن الدعامة وذلك لعدم إمكانية قيام النشاط الإجرامي للجريمة ألا وهو التسليم بناء على عقد من عقود الأمانة لعدم وجود نشاط مادي مجسم يتحقق به فعل الاستلام، مما يحول دون صلاحية البرامج والمعلومات للخضوع للنشاط الإجرامي في جريمة خيانة الأمانة .
ج/ بتطبيق النشاط الإجرامي لجريمة الإتلاف في المجال ألمعلوماتي :
نجد أن المشرع الجزائري لم يقيد النشاط الإجرامي في جريمة الإتلاف بوسيلة معينة إذ هي من الجرائم ذات القالب الحر ولهذا لا يوجد ما يحول دون وقوع جريمة الإتلاف على برامج الحاسب الآلي خاصة وان المشرع الجزائري لم يحدد طريقة بعينها لوقوع الجريمة ولم يحدد نتيجة وحيدة محددة لقيامها، فانه من المتصور أن يتجه الجاني بنشاطه الإجرامي إلى البرنامج والدعامة المسجل عليهما معا ،أو إلى البرنامج فقط دون الدعامة، وقد تقع الجريمة عن طريق الاتصال المباشر بالجهاز كما قد تقع من خلال الاتصال عن بعد .
وعليه فان جريمة الإتلاف المنصوص عليها في قانون العقوبات تحقق حماية جنائية كاملة لبرامج الحاسب على خلاف باقي جرائم الأموال التي توفر حماية نسبية فقط.
الفرع 02: مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال قانون الملكية الفكرية الجزائري
نظرا لنسبية الحماية المقررة من خلال النصوص التقليدية في قانون العقوبات الجزائري ارتأينا البحث في مدى إمكانية الحماية من خلال نصوص قانون الملكية الفكرية ،وسنفصل في ذلك من خلال نقطتين أساسيتين :
1- الحماية في إطار قانون الملكية الصناعية
2- الحماية في إطار قانون الملكية الأدبية والفنية
أولا : مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال قانون الملكية الصناعية
من خلال أحكام العلامات التجارية :
ينظمها الأمر 03/06 المؤرخ في : 19/07/2003 المتعلق بالعلامات المعدل والمتمم للأمر 66/57 المؤرخ في 19/03/1966 المتعلق بعلامات المصنع والعلامات التجارية والمعدل للأمر رقم 67/223 المؤرخ في 19/10/1967 المتضمن أحكام العلامات التجارية و العلامات التجارية هي كل ما يتخذ من تسميات أو رموز أو أشكال توضع على البضائع التي يبيعها التاجر أو يصنعها المنتج أو يقوم بإصلاحها أو تجهيزها أو ختمها لتمييزها عن بقية المبيعات أو المصنوعات أو الخدمات ،ويشترط في العلامة أن تكون مميزة وجديدة وغير مخالفة للنظام والآداب
السؤال المطروح: هل تستفيد برامج الحاسب الآلي من الحماية الجنائية للعلامات التجارية ؟
نعلم أن كل برنامج يحمل اسما خاصا به، لذلك فقد عمد أصحاب البرامج إلى تسجيل هذا الاسم كعلامة تجارية للبرنامج، ولما كانت هذه الحماية قاصرة على الاسم دون المحتوى فقد لجا أصحاب البرامج إلى وضع الاسم مقترنا به.
الحماية بإحكام العلامات التجارية قد تكون فعالة بالنسبة للنسخ البسيط، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للنسخ المعقد.
من خلال أحكام براءة الاختراع :
عرفت المادة 02 من الأمر 03/07 الاختراع بأنه فكرة لمخترع تسمح عمليا بإيجاد حل لمشكل محدد في مجال التقنية. وبشان الشروط التي يجب توافرها في الاختراع فتتمثل فيما يلي:
– شرط الابتكار
– شرط الجدة
– القابلية للتطبيق الصناعي
– المشروعية
في حال توافر هذه الشروط يتحصل المخترع على براءة الاختراع وهي الوثيقة التي تمنحها الدولة للمخترع فتخول له حق استغلال اختراعه والتمتع بالحماية القانونية المقررة لهذا الغرض وذلك لمدة محدودة وبشروط معينة والجهاز المانح لهذه الشهادة هو المعهد الجزائري لحماية الملكية الصناعية .
السؤال المطروح هل تستفيد برامج الحاسب من الحماية بواسطة براءات الاختراع ؟
التشريعات المعاصرة بصفة عامة تستبعد البرامج المعلوماتية من مجال الحماية بواسطة براءات الاختراع لأحد سببين أساسين هما:
– إما تجرد البرامج من أي طابع صناعي
– إما صعوبة البحث في مدى جدة البرنامج لتقدير مدى استحقاق البرنامج للبراءة فليس من الهين توافر شرط الجدة في البرمجيات وليس من الهين إثبات توافر هذا الشرط، إذ يجب أن يكون لدى الجهة التي تقوم بفحص طلبات البراءة قدرا معقولا من الدراية لتقرر ما إذا كان قد سبق تقديم اختراعات مشابهة للاختراع المقدم الطلب بشأنه أم لا ، الأمر يتطلب أن تكون هذه الجهة على درجة عالية من الكفاءة والتمييز في المجال الذي تتولى بحثه.
و الجهة المكلفة بتقرير توافر شرط الجدة في الجزائر هي المعهد الجزائري لحماية الملكية الصناعية إذ يأخذ المشرع الجزائري بمبدأ الجدة المطلقة الذي يتنافى مع وجود أية سابقة دون تحديد زماني أو مكاني، إنما يشرط أن تتوافر علانية هذه السابقة .
إضافة إلى التحفظ العملي لمنتجي برامج الحاسب على استعمال قوانين براءة الاختراع ، ويتمثل هذا التحفظ في الإجراءات المعقدة للحصول على البراءة والتكلفة العالية والمدد الطويلة التي يستغرقها هذا التسجيل ، فعمر البرنامج قصير نسبيا لا يتعدى ثلاثة سنوات بينما قد تمتد إجراءات تسجيل البراءة مثل ذلك أو أكثر وعليه بمكن للغير الوصول إلى سر البرنامج واستغلاله قبل صدور البراءة .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد استبعد البرامج المعلوماتية صراحة من مجال الحماية بواسطة براءات الاختراع وذلك طبقا للمادة 07 من الأمر 03/07 المتضمن براءة الاختراع ” لا تعد من قبيل الاختراعات في مفهوم هذا الأمر برامج الحاسوب “.
ثانيا: مواجهة الجريمة المعلوماتية من خلال قانون الملكية الأدبية والفنية الجزائري
نظم المشرع الجزائري قانون الملكية الأدبية والفنية بمقتضى الأمر 73/14 المؤرخ في 03/04/1973 المعدل والمتمم بمقتضى الأمر 97/10 المؤرخ في 06/03/1997 المعدل والمتمم بموجب الأمر 03/05 المؤرخ في 19/07/2003 المتعلق بحق المؤلف والحقوق المجاورة.
لتحديد مدى خضوع برامج الحاسب الآلي للحماية المقررة بمقتضى قانون حق المؤلف الجزائري
وجب مناقشة نقطتين أساسيتين :
مدى اعتبار البرنامج كموضوع من موضوعات حق المؤلف الجزائري :
موضوع حق المؤلف هو” المصنف الأدبي والفني” وقد عرف المشرع الجزائري المصنف في المادة الأولى من الأمر 73/14 كما نصت المادة 2 من الأمر 73/14 على أن المصنفات التي تشملها حماية حق المؤلف هي كالتالي:
– الكتب والمنشورات وغيرها من المؤلفات الأدبية والعلمية والفنية
– المحاضرات والخطب والمواعظ والمؤلفات الأخرى المماثلة
– مؤلفات الدراسة والدراسات الموسيقية
– مؤلفات الألحان الإيقاعية والمسرحيات الإيمائية المعبر عنها كتابة أو بطريقة أخرى
– أعمال التصوير والرسم والهندسة والنحت والنقش والطباعة الحجرية
– مؤلفات الفنون التطبيقية
– الصور والخرائط الجغرافية والتصميمات والرسوم والأعمال التشكيلية الخاصة بالجغرافيا والهندسة المعمارية أو العلوم
– المؤلفات الفلكلورية وبصفة عامة المؤلفات التي هي جزء من التراث الثقافي التقليدي الجزائري .
إذن فالمشرع الجزائري لم ينص صراحة من خلال الأمر 73/14 على حماية البرامج المعلوماتية في إطار حق المؤلف، لكن رغم عدم التنصيص فان بعض المختصين يرون إمكانية الحماية واردة بدليل الصياغة المرنة عند ذكر المصنفات المشمولة بالحماية.
أي يمكن إسباغ الحماية على برامج الحاسوب كمصنفات فكرية ضمن عمومية نص المادة 2 الواردة في شان المصنفات التقليدية المحمية .
فنص المادة 2 وان كان لم يذكر صراحة برامج الحاسوب ضمن المصنفات المحمية لحماية حق المؤلف إلا أن صياغتها قد جاءت في صورة عامة ، هذا التعداد ورد على سبيل المثال لا الحصر .
ومنعا لأي لبس ،كان من الأفضل النص على البرامج صراحة ضمن قائمة المصنفات المحمية، وهذا مافعله المشرع الجزائري في تعديل قانون حق المؤلف بمقتضى الأمرين 97/10 – 03/05 حيث ادمج برامج الإعلام الآلي ضمن المصنفات الأصلية .
من استقراء الأمرين 97/10-03/05 المعدل والمتمم للأمر 73/14 نستخلص مايلي :
– مجموعة المصنفات والأساليب والقواعد، كما يمكن أن يشمل الوثائق المتعلقة بسير ومعالجة المعطيات
– إن مدة الحماية تحدد من 25 سنة إلى 50 سنة بعد وفاة المبدع تماشيا مع اتفاقية “بارن” التي حددت كمدة للحماية 50 سنة .
– تشديد العقوبات الناجمة عن المساس بحقوق المؤلفين لاسيما مؤلفي المصنفات المعلوماتية (المادة 151 الأمر 97/10) إذ كان في السابق التعدي على الملكية الفكرية يخضع للمواد 390/394 من قانون العقوبات لكنها أخرجت بموجب الأمر 97/10 من مظلة قانون العقوبات وأصبح لها تجريم خاص إذ أن قانون العقوبات كان يقرر بموجب المادة 390 الغرامة كعقوبة للاعتداء على حق المؤلف بينما الأمر 97/10 يقرر عقوبتي الحبس والغرامة .
تجدر الإشارة إلى أن هذه المستجدات التي اعتمدها المشرع الجزائري من خلال الأمرين 97/10 – 03/05 تعود لأسباب أهمها الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة هو المصادقة على اتفاقية بارن وهو مافعلته الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي 97/341 .
إضافة إلى تبني أحكام اتفاق جوانب الملكية الفكرية المتعلق بالتجارة وذلك نظرا لانعكاسات حقوق المؤلف على المستوى الاقتصادي ولضمان حماية المؤلفات الأجنبية في الخارج وقد ورد في نص المادة 8 من الاتفاق أن على الدول الأعضاء عند تعديل أو تبني قوانين اتخاذ التدابير المناسبة بشرط أن تكون متوافقة مع الاتفاق لتفادي الاستعمال المتعسف لحقوق الملكية الفكرية من طرف حائزي الحقوق واللجوء إلى تصرفات تمس بالتجارة أو تضر بعقود نقل التكنولوجيا .
ومن أهم ما ورد في اتفاق جوانب الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة هو ما ورد في نص المادة 10 أن برامج الإعلام الآلي سواء كانت في صورة برنامج مصدر أو الصورة المنقوشة فهي محمية على أساس أنها مصنفات أدبية ،كما أن الاتفاقية حول الإجرام ألمعلوماتي نصت على تجريم الاعتداءات على حق المؤلف والحقوق المجاورة تطبيقا لأحكام اتفاق جوانب الملكية إذا ارتكبت هذه الاعتداءات عن طريق نظام معلوماتي في نطاق تجاري.
مدى خضوع برامج الحاسب الآلي للنشاط الإجرامي لجرائم التقليد في التشريع الجزائري :
قانون حق المؤلف يوفر الحماية الجزائية لمصنفات الإعلام الآلي بعد إدماجها صراحة ضمن المصنفات المحمية. في السابق كانت أفعال التعدي على حقوق الملكية الأدبية والفنية معاقب عليها في قانون العقوبات المواد( 390 إلى 394) غير أن هذه المواد ألغيت بمقتضى المادة 165 من الأمر 97/10.
الملاحظ أن الاعتداءات على حقوق المؤلف أخرجت بموجب الأمر 97/10 من تحت مظلة قانون العقوبات، حيث كان منصوصا عليها في القسم التاسع المعنون بجنح التعدي على الملكية الأدبية والفنية من الفصل الثالث الخاص بالجنايات والجنح ضد الأموال. لكن حاليا أخرجت من نطاق قانون العقوبات وأصبح لها تجريم خاص في إطار قانون حق المؤلف .
وتجدر الإشارة إلى الأمر 97/10 فقد شدد في العقوبات المقررة للاعتداءات على حقوق المؤلف مقارنة بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات (المادة 75 الأمر 73/14) تحيل إلى المادة 390 من قانون العقوبات تقرر الغرامة كعقوبة للاعتداء على حق المؤلف بينما الأمر 97/10 يقرر عقوبتي الحبس والغرامة .
1) جرائم التقليد وبرامج الحاسب الآلي في التشريع الجزائري :
مادام المشرع الجزائري قد ادمج برامج الحاسب الآلي ضمن قائمة المصنفات المحمية عن طريق القانون المتعلق بحق المؤلف ، فان أي اعتداء على الحق المالي أو الأدبي لمؤلف البرنامج يشكل فعلا من أفعال التقليد ، وقد نص المشرع الجزائري في الأمر 97/10 على جريمة التقليد والجرائم المشابهة لها .
تنص المادة 149 من الأمر 97/10 (المادة 151 الأمر 03/05) عن وجود جنحة التقليد في الحالات التالية:
– الكشف غير المشروع عن مصنف أدبي أو فني
– المساس بسلامة مصنف أدبي أو فني
– استنساخ مصنف أدبي أو فني بأي أسلوب من الأساليب في شكل نسخ مقلدة أو مزورة
– استيراد نسخ مقلدة أو تصديرها
– بيع نسخ مزورة من مصنف أدبي أو فني
– تأجير مصنف أدبي أو فني مقلد أو عرضه للتداول
نستنتج من هنا ستة جرائم تعتبر من جنح التقليد ويمكن تصنيفها إلى ثلاث :
الصنف الأول: الجنح المتعلقة بالحق المعنوي للمؤلف
– الكشف غير المشروع من مصنف أدبي أو فني (م22 الأمر 03/05)
– المساس بسلامة المصنف الأدبي أو الفني (م 25 الأمر 03 /05)
الصنف الثاني: الجنح المتعلقة بالحق الأدبي للمؤلف
– استنساخ مصنف بأي أسلوب من الأساليب في شكل نسخ مقلدة، هذا الصنف من جرائم التقليد هو الأكثر شيوعا في المجال ألمعلوماتي أي عملية استنساخ البرامج (النسخ غير الشرعي)
– الإبلاغ الغير شرعي للمصنف فطبقا للمادة 150 من الأمر 97/10 يعد مرتكبا لجنحة التقليد كل من يقوم بإبلاغ المصنف الأدبي أو الفني للجمهور عن طريق التمثيل أو الأداء العلني أو البث السمعي البصري أو بواسطة التوزيع أو أية وسيلة أخرى لبث الإشارات الحاملة للأصوات أو الصور و الأصوات معا أو بأي نظام من نظم المعالجة المعلوماتية .
الصنف الثالث: الجنح المشابهة لجنحة التقليد والمتمثلة في:
– استيراد النسخ المقلدة وتصديرها
– بيع نسخ مزورة من المصنف ( برنامج)
– تأجير مصنف ( برنامج) مقلد أو عرضه للتداول
– الجنحتين المتعلقتين بالمساعدة والمشاركة في المساس بحقوق المؤلف والرفض عمدا دفع المكافأة المستحقة بمقتضى الحقوق المقررة للمؤلف
نخلص من هذه الأصناف الثلاث أن جريمة التقليد تتضمن اعتداء على احد الحقوق المالية أو الأدبية دون موافقة المؤلف، والقصد الجنائي في جريمة التقليد مفترض.
• الاعتداء على الحق المالي :
1- الاعتداء على حق النسخ (المواد 41-46-53-54 الأمر 03/05) إن استنساخ المصنف هو إمكانية استغلال المصنف في شكله الأصلي أو المعدل بفضل تثبيته المادي على أية دعامة أو بكل وسيلة تسمح بإبلاغه وبالحصول على نسخة أو أكثر من كامل المصنف أو جزء منه ونطاق الحق في الاستنساخ واسعد جدا سواء بالنسبة لمصنف المستنسخ أو لأسلوب الاستنساخ والمصنف المستنسخ يمكن إن يكون في شكل برنامج إعلام ألي .
2- الاعتداء على حق المؤلف في إبلاغ المصنف للجمهور (المادة 150 الأمر 03/05) ويعتبر الإبلاغ عموميا حينما يبقى خارج الإطار العائلي بالمفهوم الدقيق ويحتوي حق الإبلاغ على كل إبلاغ سواء كان مباشرا أو غير مباشر عن طريق تثبيتات كالاسطوانات أو الفيلم أو الفيديو … الخ
3- الاعتداء على حق المؤلف في تحويل البرنامج أي حق المؤلف في استغلال مصنفه وفي ترخيص انجاز مصنفات مشتقة كالاقتباسات والترجمات والتعديلات …. الخ .
• الاعتداء على الحق الأدبي :
1- الاعتداء على حق مؤلف البرنامج في الكشف عن برنامجه في الوقت وبالطريقة التي يراهما مناسبين.
2- الاعتداء على الحق في سلامة المصنف إذ يحمي المشرع جنائيا حق المؤلف في تعديل وتحوير أو تغيير أو حذف أو إضافة ترد على البرنامج من شخص أخر دون إذن من المؤلف، فمن يرتكب احد الأفعال السابقة يتوافر في حقه النشاط الإجرامي لجريمة التقليد .
2) الجزاءات المقررة لجرائم التقليد :
العقوبات المقررة للاعتداءات على حقوق الملكية الأدبية والفنية محددة في المواد 153-156-157-158-159 من الأمر 03/05 .
كانت في السابق تتناولها المواد 390 إلى 394 من قانون العقوبات غير أن أحكام هذه المواد ألغيت بمقتضى المادة 165 من الأمر 97/10 المعدل والمتمم بالأمر 03/05 إذ أخرجت من تحت مظلة قانون العقوبات وأصبح لها تجريم خاص في إطار قوانين حقوق المؤلف.
تجدر الإشارة إلى انه تم التشديد في العقوبات على النحو التالي:
– للقاضي أن يطبق كعقوبة أصلية الحبس من 06 أشهر إلى 03 سنوات وغرامة قدرها 500 ألف دج إلى 01 مليون دج سواء تمت عملية النشر في الجزائر أو في الخارج .
– للقاضي سلطة تقرير عقوبات تكميلية تتمثل في مصادرة المبالغ المساوية لإقساط الإيرادات المحصلة من الاستغلال غير المشروع للمصنف (البرنامج) وكل النسخ المقلدة والمصادرة تدبير تكميلي.
– وتأمر الجهة القضائية بتسليم العتاد أو النسخ المقلدة أو قيمة ذلك وكذلك الإيرادات موضوع المصادرة للمؤلف أو أي مالك حقوق أخر لتكون عند الحاجة بمثابة تعويض
– للقاضي إن يضاعف العقوبات المقررة وذلك في حالة العود مع إمكانية غلق المؤسسة التي يستغلها المقلد أو شريكه مدة لا تتعدى 06 أشهر، وإذا اقتضى الحال تقرير الغلق النهائي
تجدر الإشارة إلى إجراء هام يتم أثره اكتشاف جريمة التقليد وهو مايسمى بالحجز الناتج عن التقليد يمكن بواسطته لمؤلف البرنامج المحمي أو ذوي حقوقه المطالبة بحجز الوثائق والنسخ الناتجة عن الاستنساخ غير المشروع أو التقليد ،وذلك حتى في غياب ترخيص قضائي أو انه إيقاف لأية عملة جارية ترمي إلى الاستنساخ غير المشروع للبرنامج أو حجز الدعائم المقلدة والإيرادات المتولدة عن الاستغلال غير المشروع للمصنفات .
– نصت المادتان 145، 146 على أن من اختصاص ضباط الشرطة القضائية معاينة انتهاك حقوق المؤلف وهم مؤهلون بصفة تحفظية بحجز النسخ المقلدة من المصنف أو من دعائم المصنفات ولكن بشروط:
1 – النسخ المقلدة يجب أن تكون موضوعة تحت الحراسة ليس من طرف ضباط الشرطة القضائية ولكن من الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
2- المحضر الذي يثبت بان النسخ المقلدة المحجوزة يجب أن تقدم لرئيس الجهة القضائية المختصة إقليميا .
– كما يختص بعملية الحجز الأعوان المحلفون التابعون للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لكن بشروط :
1- يشترط من الأعوان المحلفين وضع النسخ المقلدة تحت حراسة الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة .
2- الإخطار الفوري لرئيس الجهة القضائية المختصة إقليميا بمحضر مؤرخ وموقع قانونيا يثبت النسخ المقلدة المحجوزة .
رغم اعتراف المشرع الجزائري لبرنامج الحاسب الآلي بصفة المصنف المحمي إلا انه اغفل نقاطا هامة نظرا لوجود بعض المفاهيم التقليدية لحقوق المؤلف لا تتماشى مع طبيعة برنامج الحاسب الآلي نجملها فيما يلي:
1- قرن المشرع الحماية المقررة لحق المؤلف بضرورة الإيداع ، بحيث لا يضفي هذا القانون حماية على البرنامج الذي لم يتم إيداعه ، وان كان من الأفضل أن يربط المشرع هذه الحماية بتاريخ الانتهاء من الابتكار أو تاريخ النشر و التوزيع لأول مرة أسوة بما سار عليه المشرع الفرنسي و تماشيا مع نصوص اتفاقية بارن كما انه من الأجدر وضع نظام خاص بإيداع برامج الحاسب الآلي
2-مدة حماية المصنفات هي 50سنة بعد الوفاة طبقا لتوصيات معاهدة برن ، هذه المدة طويلة نسبيا وليس من مصلحة المجتمع و تقدمه احتكار أفراد لتلك المعرفة التكنولوجية الحديثة مددا طويلة فالاحتكار في تطبيقات الإعلام الآلي يجب أن يكون قصير المدة كما هو الحال في جميع الوسائل التطبيقية .
3- ضرورة وضع معيار حصول الاعتداء على حقوق المؤلف البرنامج أو أي صاحب حق فيه ، يجب أن يكون هذا المعيار مختلفا عن معايير حقوق الملكية الفكرية التقليدية لتحديد الاعتداء لان خضوع البرامج لنفس المعايير التقليدية يعني أننا لا نحمي البرامج إلا بصورة الاعتداء المباشر الذي يتمثل بالنسخ المجرد فيجري التحقق من الاعتداء في مدى التشابه الظاهر بين العمل الأصلي والعمل المنسوخ ، لكن برامج الحاسب قد تكون بصورة تظهر متطابقة تمام التطابق ولكنها تؤدي إلى نتائج تختلف عن بعضها كما أن هناك برامج تكتب بصورة قد تظهر أنها مختلفة تماما ولكنها تأتي بنفس النتائج ، وتطبق معيار قانون حق التأليف السابق يؤدي في مثل هذه الأحوال إلى تقرير الاعتداء في الأول حيث لا يوجد اعتداء وتقرير عدم الاعتداء في الثانية حيث أن هناك اعتداء بالفعل .
4-تسري الحماية علي مصنفات الجزائريين سواء نشرت هذه المصنفات في الجزائر أو في الخارج أخذا بالمعيار الشخصي.أما بالنسبة لمؤلفات الأجانب فنفرق بين المؤلفات التي لم يسبقها أن نشرت والتي تنشر للمرة الأولى في الجزائر ، وهي تتمتع بنفس الحماية التي تتمتع مؤلفات الجزائريين وهذا معيار إقليمي أما مؤلفات الأجانب التي نشرت في الخارج من قبل فإنها لاتمتع بالحماية إلا على أساس المعاملة بالمثل .
وعليه ضرورة تنسيق الجزائر مع باقي الدول فيما يتعلق بالمصنفات المعلوماتية نظرا لكثرة تداولها ،واعتمادا على المذكرة الإيضاحية للنصوص النموذجية التي وضعتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي تقصر الحماية على واقعة النقل المادي للبرامج بل نصت صراحة على صلاحية النقل المعنوي لها عن طريق شبكات الحاسب التي تربط العديد من الدول ويطلق عليها شبكات الانترنت .
5- عادة ماتكون المصنفات المعلوماتية عبارة عن مصنفات يتعدد مؤلفوها المساهمون في إيداعها وهي عبارة عن مصنفات مشتركة أو جماعية خاصة تلك المبرمجة من قبل مؤسسات ضخمة بمساهمة عدة اختصاصيين محللين ومبرمجين .
بالنسبة للمشرع الجزائري نص على المصنف المشترك للأشخاص الطبيعية المشاركة في انجازه لكن نظرا لكون عملية الاستثمار الاقتصادي الذي يتطلب انجاز المصنفات المعلوماتية مرتفع جدا في بعض الحالات أو بالاعتماد على هذه الأسس ولضمان الاستقلال الكافي لهذا المصنف كان من الأجدر أن يأخذ المشرع الجزائري بما سارت عليه الدول الانجلوساكسونية التي تمنح للمنتج صفة المؤلف ولا تمنحها لغيره من المشاركين تجنبا لمشكلة اعتراض المؤلفين لاستغلال المصنف .
كان من الأجدر في هذا الإطار أن يضع المشرع نصا خاصا بالمصنفات المشتركة في مجال الإعلام الآلي كما هو الحال بالنسبة للمصنفات السمعية البصرية .
نخلص إلى انه نظرا لقصر أحكام العلامات التجارية ونصوص براءة اختراع في مواجهة الجريمة المعلوماتية ، ونظرا لكون قانون الملكية الأدبية والفنية ورغم اعتراف المشرع الجزائري لبرامج الإعلام الآلي وقواعد البيانات بصفة المصنف المحمي إلا انه لايخفى علينا أن الحماية الجزائية للبرامج من خلال حق المؤلف تنصب بصفة أساسية على شكل البرنامج أو مضمونه ألابتكاري فقط دون أن تغطي تلك الحماية كل مضمون البرنامج .
لهذا السبب كان البحث عن نوع أخر ينضم إلى الحماية السابقة من الحماية الجزائية لهذه البرامج في مثل هذه الحالات ،ولذلك فلا مفر من ضرورة اللجوء إلى استحداث نصوص تجريمية خاصة بالمعلوماتية وذلك ما اعتمده المشرع الجزائري في مشروع تعديل قانون العقوبات الجزائري باستحداث فصل خاص بالاعتداءات على أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات .
ثانيا: من خلال النصوص القانونية المستحدثة (قانون 04/15)
لما كانت الحاجة ملحة و ضرورية لحماية المال ألمعلوماتي، فقد استقر الفكر القانوني على ضرورة وجود نصوص خاصة لهذا الغرض، و قد استجابت عدة دول لهذا الاتجاه منها الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، ألمانيا، النرويج و فرنسا…الخ .
و بالنسبة للتشريع الجزائري، فقد تدارك المشرع الجزائري مؤخرا – ولو نسبيا- الفراغ القانوني في مجال الإجرام ألمعلوماتي و ذلك باستحداث نصوص تجريمية لقمع الاعتداءات الواردة على المعلوماتية بموجب القانون رقم 04/15 المتضمن تعديل قانون العقوبات ، لكن تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد ركز على الاعتداءات الماسة بالأنظمة المعلوماتية، و أغفل الاعتداءات الماسة بمنتوجات الإعلام الآلي و المتمثلة في التزوير ألمعلوماتي، و لذلك ارتأينا و حتى لا تكون دراستنا لموضوع الحماية الجزائية ناقصة أن نتعرض للاعتداءات الواردة على المعلوماتية من خلال الفرعين التاليين :
الفرع الأول : الاعتداءات الماسة بالأنظمة المعلوماتيـة
الفرع الثاني : الاعتداءات الماسة بمنتوجات الإعلام الآلي
الفرع 01 : الاعتداءات الماسة بالأنظمة المعلوماتية
تشير الإحصائيات إلى وقوع ما بين 200 إلى 250 اعتداء يوميا على الأنظمة المعلوماتية في الجزائر .
إن تفاقم الاعتداءات على الأنظمة المعلوماتية خاصة مع ضعف الحماية الفنية ، استدعى تدخلا تشريعيا صريحا سواء على المستوى الدولي أو الداخلي فدوليا وضعت أول اتفاقية حول الإجرام ألمعلوماتي بتاريخ 08/11/2001 تضمنت مختلف أشكال الإجرام ألمعلوماتي أما على المستوى الوطني,فقد استدرك المشروع الجزائري الفراغ القانوني من خلال التعديل الأخير لقانون العقوبات الذي تم الفصل الثالث من الباب الثاني من الكتاب الثالث من الأمر رقم66/156 بقسم سابع مكرر عنوانه “المساس بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات ” ويشمل المواد من 394 مكرر إلى 394 مكرر 7.
الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية وان كانت تختلف في أركانها و عقوباتها إلا أن ما يجمعها أنهما تحقق حماية جزائية تنظم المعالجة الآلية للمعطيات ,أي أن القاسم المشترك بينهما هو نظام المعالجة الآلية ،ولذلك فان دراسة تلك الجرائم تقتضي منا أولا توضيح وبيان مفهوم نظام المعالجة الآلية للمعطيات.
أولا : مفهوم نظام المعالجة الآلية للمعطيات
يمثل نظام المعالجة الآلية للمعطيات المسالة الأولية أو الشرط الأولي الذي يلزم تحققه حتى يمكن البحث في توافر أو عدم توافر أركان أية جريمة من جرائم الاعتداء على هذا النظام .
فان ثبت تخلف هذا الشرط الأولي ,لا يكون هناك مجال لهذا البحث, ويؤدي توافر هذا الشرط إلى الانتقال إلى المرحلة التالية وهي بحث توافر أركان أية جريمة من الجرائم السابقة , إذ أن هذا الشرط يعتبر عنصر لازما لكل منها , ولذلك يكون من الضروري تحديد مفهوم نظام الآلية للمعطيات .
نظام المعالجة الآلية للمعطيات تعبير فني تقني يصعب على المشتغل بالقانون إدراك حقيقته بسهولة، فضلا عن انه تعبير متطور يخضع للتطورات السريعة و المتلاحقة في مجال فن الحاسبات الآلية .
ولذلك فالمشرع الجزائري على غرار التشريع الفرنسي لم يعرف نظام المعالجة الآلية للمعطيات فأوكل بذلك مهمة تعريفه كل من الفقه و القضاء.
تعريف نظام المعالجة الآلية للمعطيات .
الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي قدمت تعريف للنظام ألمعلوماتي في مادتها الثانية على النحو التالي:
Système informatique désigne tout dispositif isolé ou ensemble de dispositifs interconnecté ou apparentés, qui assure ou dont un ou plusieurs éléments assurent, en exécution d’un programme, un traitement ou tonatisé de données.
أما الفقه الفرنسي فقد عرفه كما يلي:
كل مركب يتكون من وحدة أو مجموعة وحدات معالجة والتي تتكون كل منها من الذاكرة البرامج والمصطلحات وأجهزة الإدخال والإخراج وأجهزة الربط والتي يربط بينها مجموعة من العلاقات التي عن طريقها تحقق نتيجة معينة وهما معالجة المعطيات على أن يكون هذا المركب خاضع لنظام الحماية الفنية .
بناء على التعريفات السابقة, تخلص إلى أن تعريف نظام المعالجة الآلية للمعطيات يعتمد على عنصرين:
– العنصر الأول: مركب يتكون من عناصر مادة ومعنوية مختلفة ترتبط بينهما نتيجة علاقات توحدهما نحو تحقيق هدف محدد.
– العنصر الثاني: ضرورة خضوع النظام لحماية فنية.
مكونات نظام المعالجة الآلية للمعطيات :
العناصر المادية والمعنوية التي يتكون منها المركب ومثال ذلك:الذاكرة، البرامج، المعطيات, أجهزة الربط… الخ. هذه العناصر واردة على سبيل المثال لا الحصر.
وهذا يفتح المجال أمام إضافة عناصر جديدة أو حذف بعضها حسب ما يفرزه التطور التقني في هذا المجال , وعلى ذلك لا يتوافر نظام المعالجة الآلية للمعطيات ,ولا تقع بالتالي أي جريمة من جرائم الاعتداء عليه المنصوص عليها إذا وقع الاعتداء على برامج معروضة للبيع , أو على جهاز حاسب لم يدخل الخدمة أو على عنصر مودع بالمخازن، أو على قطع الغيار، أو على الأجهزة التي مازالت في حالة التجربة، أو حتى الأنظمة التي خرجت من الخدمة تماما و لكن على العكس من ذلك، تقع الجريمة إذا وقع الاعتداء على النظام خارج ساعات تشغيله العادية، أو إذا كانت أحد عناصره في حالة عطل أو حتى لو كان النظام كله في حالة عطل تام، و كان يمكن إصلاحه.
و تقع الجريمة أيضا إذا وقع الاعتداء على عنصر يشكل جزءا من أنظمة متعددة، فإذا تصورنا عدة أنظمة ترتبط فيما بينها بأجهزة اتصال و وقع اعتداء على جهاز حاسب آلي في نظام من تلك الأنظمة المرتبطة، فإن الجريمة تقع في هذه الحالة.
و إذا كان الدخول إلى هذا الجهاز مشروع ،فإن البحث في توافر الجريمة يتوقف على ما إذا كانت توجد علاقة سببية بين هذا الدخول المشروع و الاعتداء المفروض على الأنظمة ككل ،و ومدى حسن اوسوء نية المتدخل كما تقع الجريمة إذا وقع الاعتداء على شبكة الاتصال التي تربط بين أكثر من نظام ،لان تلك الشبكة تعتبر عنصر في كل نظام من الأنظمة التي تربط بينهما .
ضرورة خضوع النظام لحماية فنية :
يسعى المتخصصون بأمن المعلومات للحفاظ على خصوصية البيانات المتناقلة عبر الشبكات وبالأخص حاليا شبكة الانترانت فهم يسعون لتامين سرية الرسائل الالكترونية وسرية البيانات المتناقلة وخاصة بالأعمال التجارية الرقمية . ويمثل التشفير أفضل وسيلة للحفاظ على سرية البيانات المتناقلة ، ويرى الخبراء ضرورة استخدام أسلوب التشفير لمنع الآخرين من الاطلاع على الرسائل الالكترونية .
و تنقسم الأنظمة إلى ثلاثة أنواع :
– أنظمة مفتوحة للجمهور.
– أنظمة قاصرة على أصحاب الحق فيها ولكن بدون حماية فنية.
– أنظمة قاصرة على أصحاب الحق فيها و تتمتع بحماية فنية.
و مقتضى تطبيق هذا العنصر أن النوع الثالث فقط من تلك الأنظمة هو الذي يتمتع بالحماية الجنائية أما النوع الأول و الثاني فلا يتمتعان بتلك الحماية، و هناك من يصرون عليه لأن الحماية الجزائية في نظرهم يجب أن تقتصر على الأنظمة المحمية.
فنيا لأنه من الطبيعي في نظرهم، أن ما يقوم بالاستغلال يضع الوسائل الفنية اللازمة لمنع الغش و أن القانون الجنائي لا يحمي إلا الأشخاص الذين لديهم حرص على أموالهم، و ليس من يهمل منهم في توفير الحد الأدنى لحماية أمواله ، و يكون دور القانون الجنائي في هذه الحالة دور وقائي و هذا أيضا هو ما يتفق و سياسة المشرع الجنائي و ما نلاحظه من المفهوم العام للحماية الجزائية للملكية.
بالرجوع إلى النصوص المتعلقة بجرائم الاعتداء على أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات لا تتضمن شرط الحماية الفنية و خرجت تلك النصوص الخالية منه تماما. و من المبادئ العامة المستقرة في تفسير القانون الجنائي أنه لا يجوز تقييد النص المطلق، أو تخصيص النص العام، إلا إذا وجد نص يجيز ذلك. و لا يوجد في حالتنا نص خاص يقيد إطلاق النص أو يخصص عمومه، و لذلك فإن عدم ذكر المشرع لشرط الحماية الفنية يعني أن المشرع أراد استبعاده. هذا بالإضافة إلى أن الحماية الجزائية يجب أن تمتد لتغطي كل أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات سواء كانت تتمتع بحماية فنية أم لا.
و تطبيقا لذلك، فإنه لا يشترط لوجود الجريمة أن يكون الدخول إلى النظام مقيدا بوجود حماية فنية و لكن إذا نظرنا للوقائع ، نلاحظ أن غالبية أنظمة المعالجة الآلية للمعطيات تتمتع بنظام حماية فنية، بالإضافة إلى أن وجود مثل تلك الحماية يساعد على إثبات أركان الجريمة و بصفة خاصة الركن المعنوي .
ثانيا: الأركان الأساسية
و تتمثل هذه الأركان فيما يلي :
1- الركن المادي :
يتمثل الركن المادي في أشكال الاعتداء على نظم المعالجة الآلية للمعطيات و التي هي:
– الدخول و البقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات.
– الاعتداءات العمدية على نظام المعالجة الآلية للمعطيات.
– الاعتداءات العمدية على سلامة المعطيات الموجودة داخل النظام.
هذه الاعتداءات تتطلب وجود نظام المعالجة الآلية للمعطيات كشرط مسبق بخلاف الاعتداءات على منتوجات النظام و سنتعرض إليها بالتفصيل فيما يلي:
الدخول و البقاء غير المشروع في نظام المعالجة الآلية للمعطيات:
نصت عليه المادة 394 مكرر قانون العقوبات: “يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة و بغرامة من 50000 إلى 100000 دج كل من يدخل أو يبقى عن طرق الغش في كل أو جزء من منظومة للمعالجة الآلية للمعطيات أو يحاول ذلك” تضاعف العقوبة إذا ترتب عن ذلك حذف أو تغيير لمعطيات المنظومة و إذا ترتب عن الأفعال المذكورة أعلاه تخريب نظام اشتغال المنظومة “تكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين و الغرامة من 50000 إلى 150000 دج”.
كما نصت عليه المادة 02 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي.
الصورة البسيطة للجريمة تتمثل في مجرد الدخول أو البقاء غير المشروع فيما الصورة المشددة، تتحقق بتوافر الظرف المشدد لها، و يكون في الحالة التي ينتج فيها عن الدخول أو البقاء غير المشروع إما محو أو تغيير في المعطيات الموجودة في النظام أو تخريب لنظام اشتغال المنظومة.
* الصورة البسيطة:
أ- فعل الدخول : لا يقصد بالدخول هنا الدخول بالمعنى المادي، أي الدخول إلى مكان أو منزل أو حديقة، و في نفس الاتجاه إلى جهاز الحاسب الآلي و إنما يجب أن ينظر إليه كظاهرة معنوية، تشابه تلك التي نعرفها عندما نقول الدخول إلى فكرة أو إلى ملكة التفكير لدى الإنسان، أي الدخول إلى العمليات الذهنية التي يقوم بها نظام المعالجة الآلية للمعطيات. و لم يحدد المشرع وسيلة الدخول أو الطريقة التي يتم الدخول بها إلى النظام، و لذلك تقع الجريمة بأية وسيلة أو طريقة و يستوي أن يتم الدخول مباشرة أو عن طريق غير مباشر .
ب- فعل البقاء Le maintien :
قد يتخذ النشاط الإجرامي الذي يتكون منه الركن المادي في الجريمة محل الدراسة صورة البقاء داخل النظام، و يقصد بفعل البقاء التواجد داخل نظام المعالجة الآلية للمعطيات ضد إرادة من له الحق في السيطرة على هذا النظام و قد يتحقق البقاء المعاقب عليه داخل النظام مستقلا عن الدخول على النظام، وقد يجتمعان.
و يكون البقاء معاقبا عليه استقلالا حين يكون الدخول إلى النظام مشروعا.و من أمثلة ذلك:
إذا تحقق الدخول إلى النظام بالصدفة أو عن طريق الخطأ أو السهو، إذ كان يجب في هذه الحالة على المتدخل أن يقطع وجوده و ينسحب فورًا، فإذا بقي رغم ذلك فإنه يعاقب على جريمة البقاء غير المشروع إذا توافر لها الركن المعنوي.
و يكون البقاء جريمة إذا تجاوز المتدخل المدة المسموح بها للبقاء بداخل النظام، أو في الحالة التي يطبع فيها نسخة من المعلومات في الوقت الذي كان مسموحا له فيه الرؤية و الإطلاع فقط و يتحقق ذلك أيضا بالنسبة للخدمات المفتوحة للجمهور مثل الخدمات التلفونية، و التي يستطيع فيها الجاني الحصول على الخدمة التلفونية دون أن يدفع المقابل الواجب دفعه أو يحصل على الخدمة مدة أطول من المدة التي دفع مقابلها عن طريق استخدام وسائل أو عمليات غير مشروعة، و قد يجتمع الدخول غير المشروع و البقاء غير المشروع معا و ذلك في الفرض الذي لا يكون فيه الجاني الحق في الدخول إلى النظام ، و يدخل إليه فعلا ضد إرادة من له حق السيطرة عليه، ثم يبقى داخل النظام بعد ذلك، و يتحقق في هذا الفرض الاجتماع المادي للجرائم و إذا كانت تلك الجريمة على هذه الصورة تهدف أساسا إلى حماية نظام المعالجة الآلية للمعطيات بصورة مباشرة، إلا أنها تحقق أيضا و بصورة غير مباشرة حماية المعطيات أو المعلومات ذاتها بل يمكن من خلالها تجريم سرقة وقت الآلة ، و ذلك بالنسبة للموظف أو العامل أو غيرهما حين يسرق وقت الآلة ضد إرادة من له الحق السيطرة على النظام، و يقوم بطبع أو نسخ بعض المعلومات أو المعطيات أو البرامج .
كما يمكن أن تطبق على الاستخدام غير المشروع البطاقات الممغنطة إما لسرقتها أو التزوير ثم استخدامها أو حتى إذا استخدمها صاحبها في سحب مبالغ دون أن يكون لديه رصيد كاف، أو عند عدم وجود الرصيد و تكون الجريمة في هذه الحالة هي جريمة البقاء غير المشروع داخل النظام بشرط أن يكون صاحب البطاقة يعلم مقدما بأنه ليس له رصيد كاف و يمكن أيضا تطبيقها على التصنت على المحادثات الهاتفية طالما أن أرقام الهواتف معالجة آليا في نظام خاص بها. هذه الجريمة تعد جريمة سلوك مجرد، أي أنها تقع و تكتمل بمجرد الانتهاء من السلوك المكون لها و هو الدخول أو البقاء دون أن يطلب المشرع في نموذجها القانوني حسب نصوص التجريم أية نتيجة إجرامية .
* الصورة المشددة:
نصت المادة 394 مكرر 2/3: ” تضاعف العقوبة إذا ترتب على ذلك حذف أو تغيير لمعطيات المنظمة و إذا ترتب عن الأفعال المذكورة أعلاه تخريب نظام اشتغال المنظومة تكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين و الغرامة من 50000 دج إلى 150000 دج”.
نصت المادة 394 مكرر 2/3 قانون العقوبات على ظرفين تشدد بهما عقوبة جريمة الدخول و البقاء داخل النظام، و يتحقق هذان الظرفان عندما ينتج عن الدخول أو البقاء إما محو أو تعديل المعطيات التي يحتويها النظام و إما عدم صلاحية النظام لأداء وظائفه ، و يكفي لتوفر هذا الظرف وجود علاقة سببية بين الدخول غير المشروع أو البقاء غير المشروع و تلك النتيجة الضارة، و لا يشترط أن تكون تلك النتيجة الضارة مقصودة، لأن تطلب مثل هذا الشرط يكون غير معقول ، حيث أن المشرع نص على تجريم الاعتداء المقصود على النظام عن طريق محو أو تعديل المعطيات التي يحتويها باعتباره جريمة مستقلة.
كما لا يشترط أن تكون تلك النتيجة مقصودة، أي على سبيل الخطأ غير ألعمدي، فالظرف المشدد هنا ظرف مادي يكفي أن توجد بينه و بين الجريمة العمدية الأساسية و هي جريمة الدخول أو البقاء غير المشروع علاقة سببية للقول بتوافره إلا إذا أثبت الجاني انتفاء تلك العلاقة، كأن يثبت أن تعديل أو محو المعطيات أو أن عدم صلاحية النظام للقيام بوظائفه يرجع إلى القوة القاهرة أو الحادث المفاجئ.
الاعتداء ألعمدي على سير نظام المعالجة الآلية للمعطيات:
نصت عليه المادتين 05 و 08 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي .
لم يورد المشرع الجزائري نصا خاصا بالاعتداء ألعمدي على سير النظام و اكتفى بالنص على الاعتداء ألعمدي على المعطيات الموجودة بداخل النظام و ربما يجد ذلك تفسيره في أن الاعتداء على المعطيات قد يؤثر على صلاحية النظام للقيام بوظائفه، و قد وضع الفقه معيارا للتفرقة بين الاعتداء على المعطيات و الاعتداء على النظام على أساس ما إذا كان الاعتداء وسيلة أم غاية.
فإذا كان الاعتداء الذي وقع على المعطيات مجرد وسيلة فإن الفعل يشكل جريمة الاعتداء ألعمدي على النظام، أما إذا كان الاعتداء الذي وقع على المعطيات غاية فإن الفعل يشكل جريمة الاعتداء ألعمدي على المعطيات.
سبق و أن ذكرنا أن الاعتداء على سير النظام الناجم عن الدخول أو البقاء غير المشروع لا يشترط أن يكون مقصودا، لكن الإشكال المطروح أن أفعال الاعتداء على سير النظام الناجمة عن الدخول المشروع للنظام تفلت من العقاب خاصة مع عدم وجود نص خاص بالاعتداء ألعمدي على سير النظام.
يتمثل هذا السلوك المادي في فعل توقيف نظام المعالجة الآلية للمعطيات من أداء نشاطه العادي و المنتظر منه القيام به، و إما في فعل إفساد نشاط أو وظائف هذا النظام، و لا يشترط أن يقع فعل التعطيل أو فعل الإفساد على كل عناصر النظام جملة، بل يكفي أن يؤثر على أحد هذه العناصر فقط سواء المادية جهاز الحاسب الآلي نفسه، شبكات الاتصال، أجهزة النقل …الخ، أما المعنوية مثل البرامج و المعطيات.
الاعتداءات العمدية على المعطيات:
نصت عليها المادة 08،04،03 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي ، كما نص المشرع الجزائري عليها في المادة 394 مكرر2 في قانون العقوبات «يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و بغرامة من 500000 دج إلى 2000000 دج كل من أدخل بطريقة الغش معطيات في نظام المعالجة الآلية أو أزال أو عدّل بطريقة الغش المعطيات التي تتضمنها».
– الصورة الأولى: الاعتداءات العمدية على المعطيات الموجودة داخل النظام
النشاط الإجرامي في جريمة الاعتداء ألعمدي على المعطيات يتجسد في إحدى الصور الثلاث التالية :
* الإدخال L’intrusion.
*المحــوL’effacement.
*التعديل Modification.
لا يشترط اجتماع هذه الصور، بل يكفي أن يصدر عن الجاني إحداها فقـط لكي يتوافر الركـن المـادي.
و أفعال الإدخال و المحو و التعديل تنطوي على التلاعب في المعطيات التي يحتويها نظام المعالجة الآلية للمعطيات سواء بإضافة معطيات جديدة غير صحيحة، أو محو أو تعديل معطيات موجودة من قبل و هذا يعني أن النشاط الإجرامي في هذه الجريمة إنما يرد على محل أو موضوع محدد و هو المعطيات أو المعلومات التي تمت معالجتها آليا و التي أصبحت مجرد إشارات أو رموزا تمثل تلك المعلومات، و ليست المعلومات في ذاتها باعتبارها أحد عناصر المعرفة، كما أن محل هذا النشاط الإجرامي يقتصر على المعطيات الموجودة داخل النظام، أي التي يحتويها النظام و تشكل جزءا منه.
لا تقع الجريمة على مجرد المعلومات التي لم يتم إدخالها بعد إلى النظام أو تلك التي دخلت، و لم يتخذ حيالها إجراءات المعالجة الآلية، أما تلك التي في طريقها إلى المعالجة حتى و لو لم تكن المعالجة قد بدأت بالفعل تتمتع بالحماية الجنائية، و يكون هناك مجال للقول بتوافر الجريمة التامة أو الشروع على حسب الأحوال.
تجدر الإشارة إلى أن الحماية الجنائية تشمل المعطيات طالما أنها تدخل في نظام المعالجة الآلية، أي طالما كان يحتويها ذلك النظام و كانت تكون وحدة واحدة مع عناصره و يترتب على ذلك أن الجريمة لا تتحقق إذا وقع النشاط الإجرامي على المعطيات خارج النظام سواء قبل دخولها أم بعد خروجها و حتى ولو لفترة قصيرة، كما لو كانت مفرغة على قرص أو شريط ممغنط خارج النظام، فالحماية الجنائية تقتصر على المعطيات التي توجد داخل النظام أو تلك التي في طريقها إلى الدخول إليه، أو تلك التي دخلت بعد خروجها، و لا يشترط أن تقع أفعال الإدخال و المحو و تعديل المعطيات بطريق مباشر بل يمكن أن يتحقق ذلك بطريق غير مباشر سواء عن بعد أم بواسطة شخص ثالث .
و عمومًا التلاعب في المعطيات الموجودة داخل النظام يتخذ إحدى الأشكال التالية :
– الإدخال L’intrusion:
يقصد بفعل الإدخال إضافة معطيات جديدة على الدعامة الخاصة بها سواء كانت خالية، أم كان يوجد عليها معطيات من قبل، و يتحقق هذا الفعل في الغرض الذي يستخدم فيه الحامل الشرعي لبطاقات السحب الممغنطة، هاته الأخيرة ليسحب بمقتضاها النقود من أجهزة السحب الآلي و ذلك حين يستخدم رقمه الخاص و السري للدخول لكي يسحب مبلغا من النقود أكثر من المبلغ الموجود في حسابه، و كذلك الحامل الشرعي لبطاقة الائتمان و التي يسدد عن طريقها مبلغ أكثر من المبلغ المحدد له و بصفة عامة يتحقق فعل الإدخال في كل حالة يتم فيها الاستخدام التعسفي لبطاقات السحب أو الائتمان سواء من صاحبها الشرعي أم من غيره في حالات السرقة أو الفقد أو التزوير، كما يتحقق فعل الإدخال في كل حالة يتم فيها إدخال برنامج غريب« فيروس…الخ» يضيف معطيات جديدة .
– المحــو L’effacement :
يقصد بفعل المحو إزالة جزء من المعطيات المسجلة على دعامة و الموجودة داخل النظام أو تحطيم تلك الدعامة، أو نقل و تخزين جزء من المعطيات إلى المنطقة الخاصة بالذاكرة.
– التعديل Modification:
يقصد بفعل التعديل تغيير المعطيات الموجودة داخل نظام و استبدالها بمعطيات أخرى، و يتحقق فعل المحو و التعديل عن طريق برامج غريبة بتلاعب في المعطيات سواء بمحوها كليا أو جزئيا أو بتعديلها و ذلك باستخدام القنبلة المعلوماتية الخاصة بالمعطيات و برنامج الممحاة Gomme d’effacement أو برنامج الفيروسات بصفة عامة ، و هذه الأفعال المتمثلة في الإدخال و المحو و التعديل وردت على سبيل الحصر فلا يقع تحت طائلة التجريم أي فعل آخر غيرها حتى و لو تضمن الاعتداء على المعطيات الموجودة داخل نظام المعالجة الآلية للمعطيات فلا يخضع لتلك الجريمة فعل نسخ المعطيات أو فعل نقلها أو فعل التنسيق أو التقريب فيما بينهما، لأن كل تلك الأفعال لا تنطوي لا على إدخال و لا على تعديل بالمعنى السابق.
– الصورة الثانية: المساس ألعمدي بالمعطيات خارج النظام
وفر المشرع الجزائري الحماية الجزائية للمعطيات في حد ذاتها من خلال تجريمه السلوكات التالية:
1- نص المادة 394 مكرر2 يستهدف حماية المعطيات في حد ذاتها لأنه لم يشترط أن تكون داخل نظام المعالجة الآلية للمعطيات أو أن يكون قد تم معالجتها آليا، فمحل الجريمة هو المعطيات سواء كانت مخزنة كأن تكون مخزنة على أشرطة أو أقراص أو تلك المعالجة آليا أو تلك المرسلة عن طريق منظومة معلوماتية، ما دامت قد تستعمل كوسيلة لارتكاب الجرائم المنصوص عليها في القسم السابع مكرر من قانون العقوبات.
2- نص المادة 394 مكرر 2/2 يجرم أفعال الحيازة، الإفشاء، النشر، الاستعمال، أيا كان الغرض من هذه الأفعال التي ترد على المعطيات المتحصل عليها من إحدى الجرائم الواردة في القسم السابع مكرر من قانون العقوبات بأهداف المنافسة غير المشروعة،الجوسسة،الإرهاب، التحريض على الفسق …الخ.
2- الركن المعنوي
إن الركن المعنوي في مختلف الاعتداءات الماسة بالأنظمة المعلوماتية تتخذ صورة القصد الجنائي إضافة إلى نية الغش.
الدخول و البقاء غير المشروع داخل نظام المعالجة الآلية للمعطيات:
الولوج و التجول و البقاء داخل نظام المعالجة الآلية للمعطيات لا يجرمان إلا تما عمدا.
المادة 02 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي تسمح للدولة العضو أن تشترط بأن ترتكب الجريمة عن طريق خرق الحماية الفنية للنظام بهدف الحصول على المعطيات الموجودة بداخله.
جريمة الدخول أو البقاء داخل النظام جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة.
فيلزم لتوافر الركن المعنوي أن تتجه إرادة الجاني إلى فعل الدخول أو إلى فعل البقاء و أن يعلم الجاني بأنه ليس له الحق في الدخول إلى النظام و البقاء فيه، و عليه لا يتوافر الركن المعنوي إذا كان دخول الجاني أو بقاؤه داخل النظام مسموح به أي مشروع، كما لا يتوافر هذا الركن إذا وقع الجاني في خطأ في الواقع سواء كان يتعلق بمبدأ الحق في الدخول أو في البقاء أو في نطاق هذا الحق، كأن يجهل بوجود حظر للدخول أو البقاء، أو كان يعتقد خطأ أنه مسموح له بالدخول، فإذا توافر القصد الجنائي بعنصريه العلم و الإرادة فإنه لا يتأثر بالباعث على الدخول أو البقاء فيظل القصد قائما حتى و لو كان الباعث هو الفضول أو إثبات القدرة على المهارة و الانتصار على النظام .
بالنسبة لنية الغش تبدو من خلال الغش الذي يتم به الدخول من خرق الجهاز الرقابي الذي يحمي النظام، بالنسبة للبقاء فيستنتج من العمليات التي تمت داخل النظام.
في الحقيقة أن الدخول و البقاء بالغش لا يتضمن معنى خرق الجهاز الرقابي للنظام، إنما يظهر من خلال الولوج دون وجه حق إلى النظام إلاّ أن الجهاز الرقابي ما هو إلاّ وسيلة لإثبات أن الدخول للنظام غير مرخص به.
الاعتداءات على سير نظام المعالجة الآلية للمعطيات :
إن هذه الجريمة جريمة عمدية ، إذ أن من المفترض أن أفعال العرقلة والتعطيل لا تكون إلا عمدية وهذا ما يميزه عن الاعتداء غير ألعمدي لسير النظام الذي يشكل ظرفا مشددا لجريمة الدخول والبقاء الغير مشروع داخل النظام وعليه فالقصد الجنائي مفترض يستنتج من طبيعة الأفعال المجرمة .
الاعتداءات العمدية على المعطيات:
جريمة الاعتداء ألعمدي على المعطيات جريمة عمدية يتخذ فيها الركن المعنوي صورة القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى فعل الإدخال أو المحو أو التعديل كما يجب أن يعلم الجاني بان نشاطه ألجرمي يترتب عليه التلاعب في المعطيات، ويعلم أيضا أن ليس له الحق في القيام بذالك وانه يعتدي على صاحب الحق في السيطرة على تلك المعطيات بدون موافقته .
كما يشترط لتوافر الركن المعنوي بالإضافة إلى القصد الجنائي العام نية الغش ، لكن هذا لا يعني ضرورة توافر قصد الإضرار بالغير بل تتوافر الجريمة ويتحقق ركناها بمجرد فعل الإدخال أو المحو أو التعديل مع العلم بذالك واتجاه الإرادة إليه ، وان كان الضرر قد يتحقق في الواقع نتيجة النشاط الإجرامي إلا انه ليس عنصرا في الجريمة .
3 – استخدام المعطيات كوسيلة في ارتكاب الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية :
وذلك إما بالتصميم أو البحث أو التجميع أو التوفير أو النشر أو الاتجار في معطيات مخزنة أو معالجة أو مرسلة عن طريق منظومة معلوماتية.
حيازة أو إفشاء أو نشر أو استعمال لأي غرض كان للمعطيات المتحصل عليها من إحدى الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية .فان هذا الاستخدام يجب أن يكون عمدا وبطريق الغش أي بتوافر القصد الجنائي العام إضافة إلى القصد الجنائي الخاص المتمثل في نية الغش.
ثالثا : الجزاءات المقررة
وسنتناول فيما يلي الجزاءات التي قررها المشرع الجزائري لهذا النوع من الإجرام الحديث .
طبقا للمادة 13 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي فإن العقوبات المقررة للإجرام ألمعلوماتي يجب أن تكون رادعة وتتضمن عقوبات مالية للحرية ، والتي تتمثل في عقوبات أصلية وعقوبات تكميلية تطبق على الشخص الطبيعي ، كما توجد عقوبات تطبق على الشخص المعنوي بناءا على تبني مبدأ مسالة الشخص المعنوي الواردة في المادة 12من الاتفاقية.
1- العقوبات المطبقة على الشخص الطبيعي :
العقوبات الأصلية :
من خلال استقراء النصوص المتعلقة بالجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية يتبين لنا وجود تدرج داخل النظام العقابي. هذا التدرج في العقوبات يحدد الخطورة الإجرامية التي قدرها المشرع لهذه التصرفات ،إذ نجد سلم خطورة يتضمن ثلاث درجات ،جريمة الدخول أو البقاء بالغش في الدرجة الأولى وبعدها في الدرجة الثانية جريمة الدخول والبقاء المشددة،أما الدرجة الثالثة فتحتلها الجريمة الخاصة بالمساس ألعمدي بالمعطيات.
أ/ الدخول والبقاء بالغش (الجريمة البسيطة): العقوبة المقررة هي 3 أشهر إلى سنة حبس و 50000 دج إلى 100000 دج غرامة (المادة 394 مكرر) .
ب/ الدخول والبقاء بالغش (الجريمة المشددة): تضاعف العقوبة إذا ترتب عن هذه الأفعال حذف أو تغيير لمعطيات المنظومة ،وتكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 50000 دج إلى 150000 دج إذا ترتب عن الدخول أو البقاء غير المشروع تخريب لنظام اشتغال المنظومة (المادة 394 مكرر/02-03 ) .
ج/ الاعتداء ألعمدي
على المعطيات : طبقا لنص المادة 394 مكرر 2 فالعقوبة المقررة للاعتداء ألعمدي على المعطيات الموجودة داخل النظام هي الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من 500000 دج إلى 2000000 دج أما العقوبة المقررة لاستخدام المعطيات في ارتكاب الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية وكذا حيازة أو إفشاء أو نشر أو استعمال المعطيات المتحصل عليها من إحدى الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية، العقوبة المقررة هي الحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وغرامة من 1000000 دج إلى 5000000 دج .
العقوبات التكميلية:
نصت المادة 394 مكرر 3 قانون العقوبات على العقوبات التكميلية إلى جانب العقوبات الأصلية و المتمثلة في:
أ/ المصادرة: وهي عقوبة تكميلية تشمل الأجهزة والبرامج و الوسائل المستخدمة في ارتكاب جريمة من الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية، مع مراعاة حقوق الغير حسن النية.
ب/ إغلاق المواقع: والأمر يتعلق بالمواقع (les sites) التي تكون محلا لجريمة من الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية.
ج/ إغلاق المحل أو مكان الاستغلال: إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بعلم مالكها ومثال ذلك إغلاق المقهى الالكتروني الذي ترتكب منه مثل هذه الجرائم شرط توافر عناصر العلم لدى مالكها.
الظروف المشددة:
أ/ نصت المادة 394 مكرر /2-3 على ظرف تشدد به عقوبة جريمة الدخول والبقاء غير المشروع داخل النظام، ويتحقق هذا الظرف عندما ينتج عن الدخول و البقاء إما حذف أو تغيير المعطيات التي يحتويها النظام وإما تخريب نظام اشتغال المنظومة.
في الحالة الأولى تضاعف العقوبات المقررة في الفقرة الأولى من المادة 394 مكرر ،و في الحالة الثانية تكون العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة من 50000 دج إلى 150000 دج .
هذه الظرف المشدد هو ظرف مادي يكفي أن تقوم بينه وبين الجريمة الأساسية وهي جريمة الدخول والبقاء غير المشروع علاقة سببية للقول بتوافره.
ب/ نصت المادة 394 مكرر 3 على أن تضاعف العقوبات المقررة للجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية وذلك إذا استهدفت الجريمة الدفاع الوطني والهيئات والمؤسسات الخاضعة للقانون العام
2- العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي :
مبدأ مساءلة الشخص المعنوي وارد في المادة 12 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي ، بحيث يسأل الشخص المعنوي عن هذه الجرائم سواء بصفته فاعلا أصليا أو شريكا أو متدخلا كما يسأل عن الجريمة التامة أو الشروع فيها ،كل ذلك بشرط أن تكون الجريمة قد ارتكبت لحساب الشخص المعنوي بواسطة أحد أعضائه أو ممثليه.
هذا مع ملاحظة أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تستبعد المسؤولية الجزائية للأشخاص الطبيعيين بصفتهم فاعلين أو شركاء أو متدخلين في نفس الجريمة .
كما تجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري قد اقر في التعديل الأخير لقانون العقوبات المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي وذلك في نص المادة 18 مكرر من القانون 04/15 المتضمن قانون العقوبات الذي ينص على أن: ” العقوبات المطبقة على الشخص المعنوي في مواد الجنايات و الجنح هي :
أ/ الغرامة التي تساوي من مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقدرة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة.
ب/واحدة أو أكثر من العقوبات الآتية:
– حل الشخص المعنوي
– غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز 5 سنوات
– الإقصاء من الصفقات العمومية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات
– المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز 5 سنوات.
– مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.
– نشر أو تعليق حكم الإدانة.
– الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز 5 سنوات ،وتنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته .
بالنسبة لعقوبات الغرامة المطبقة على الشخص المعنوي عند ارتكابه أحد الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية فهي تعادل طبقا للمادة 394 مكرر 4 قانون العقوبات 5 مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي.
3- عقوبة الاتفاق الجنائي:
نصت عليه المادة 11 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي وقد تبنى المشرع الجزائري مبدأ معاقبة الاتفاق الجنائي بنص المادة 394 مكرر 5 ، بغرض التحضير للجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية ولم يخضعها لأحكام المادة 176 من قانون العقوبات المتعلقة بجمعية الأشرار ،حيث تنص المادة 394 مكرر 5 من قانون العقوبات : ” كل من شارك في مجموعة أو في اتفاق تألف بغرض الإعداد لجريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القسم وكان هذا التحضير مجسدا بفعل اوبعدة أفعال مادية ،يعاقب بالعقوبات المقررة بالجريمة ذاتها “.
إن الحكمة التي ارتآها المشرع من تجريم الاشتراك في مجموعة أو في اتفاق بغرض الإعداد لجريمة من الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية هو أن مثل هذه الجرائم تتم عادة في إطار مجموعات، كما أن المشرع ورغبته في توسيع نطاق العقوبة أخضع الأعمال التحضيرية التي تسبق البدء في التنفيذ للعقوبة إذا تمت في إطار اتفاق جنائي، بمعنى أن الأعمال التحضيرية المرتكبة من طرف شخص منفرد غير مشمولة بالنص.
ويعاقب المشرع الجزائري على الاشتراك في الاتفاق الجنائي بعقوبة الجريمة التي تم التحضير لها فإذا تعددت الجرائم التي يتم التحضير لها تكون العقوبة هي عقوبة الجريمة الأشد.
وشروط المعاقبة على الاتفاق الجنائي بمن استخلاصها من نص المادة 394 مكرر 5 م قانون العقوبات، والتي هي:
– مجموعة أو اتفاق.
– بهدف تحضير جريمة من الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية.
– تجسيد هذا التحضير بفعل مادي.
– فعل المشاركة في هذا الاتفاق.
– القصد الجنائي.
فبالنسبة لمجموعة أو الاتفاق يستوي أن يكون أعضاء الاتفاق في صورة شركة أو مؤسسة أو شخص معنوي، كما.يستوي. أن يعرف أشخاص الاتفاق بعضهم بعضا كما في العصابة أم تكون مجرد مجموعة من الأشخاص، لا يعرف أحدهم الأخر من قبل و لكن اتفقوا فيما بينهم على القيام بالنشاط الإجرامي ، المهم أن يتم الاتفاق بين شخصين على الأقل ، فإذا ارتكب الشخص العمل التحضيري المادي شخص واحد بمفرده أو بمعزل عن غيره فلا يعاقب في هذه الحالة، فالعقاب لا يتقرر إلا في حالة اجتماع شخصين أو أكثر.
وتكاثف الجهود لا يكفي بل يجب أن يكون بهذه تحضير جريمة من جرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية بمعنى أن الاتفاق يجب أن يكون له هدف إجرامي منذ البداية فعليه فإنشاء نادي للمعلوماتية بهدف التكوين أو التسلية العلمية يحول نشاطه لأهداف إجرامية لا يقع تحت طائلة المادة 394 مكرر 5 من قانون العقوبات .
الجنح التي يشكل تحضيرها هدف الاتفاق المنصوص عليه بالمادة 394 مكرر 5 قانون العقوبات هي الجنح الماسة بالأنظمة المعلوماتية وعليه لا يعاقب استنادا لهذا النص الاتفاق بهدف ارتكاب جنحة تقليد البرامج المعاقب عليها بنصوص حق المؤلف وحقوق المجاورة.
التحضير لا يكفي بل يتم تجسيده بفعل مادي، الأمر يتعلق بأعمال تحضيرية مثل تبادل المعلومات الهامة لارتكاب الجريمة كالإعلان على كلمة مرور mots de passe أو رمز الدخول code d’accès. الخ.
فعل المشاركة في الاتفاق إذ أن المجرم بنص المادة 394 مكرر5 ليس الاتفاق وإنما المشاركة من طرف شخص طبيعي أو معنوي فبمجرد الانضمام إلى الاتفاق غير كافي بل يجب توافر فعل إيجابي للمشاركة.
توافر القصد الجنائي لدى أعضاء الجماعة والمتمثل في توافر العلم لدى كل منهم بأنه عضو في الجماعة الإجرامية وأن تتجه إرادة كل عضو أي تحقيق نشاط إجرامي معين وهو العمل التحضيري.
4- عقوبة الشروع في الجريمة :
نصت عليه المادة 11 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي وتبناه المشرع الجزائري في المادة 394 مكرر 7 من قانون العقوبات، فالجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية لها وصف جنحي ولا عقاب على الشروع في الجنح إلا بنص.
نصت المادة 394 مكرر 7 قانون العقوبات:” يعاقب على الشروع في ارتكاب جنح المنصوص عليها في هذا القسم بالعقوبات المقررة للجنحة ذاتها “.
يبدو من خلال هذا النص رغبة المشرع في توسيع نطاق العقوبة لتشمل أكبر قدر من الأفعال الماسة بالأنظمة المعلوماتية ،إذ جعل الشروع في إحدى الجرائم الماسة بالأنظمة المعلوماتية معاقب بنفس عقوبة الجريمة التامة ،ومن خلال استقراء نص المادة نستنتج أن الجنحة الواردة بنص المادة 394 مكرر5 من قانون العقوبات مشمولة بهذا النص، أي أن المشرع الجزائري بهذا المنطق يكون قد تبنى فكرة الشروع في الاتفاق الجنائي .
بعض التشريعات المقارنة بما فيها التشريع الفرنسي أخرجت جنحة الاتفاق الجنائي لتحضير جرائم ماسة بالأنظمة المعلوماتية من نطاق الشروع لأنها تعتبر أن في ذلك مساس بالنظرية العامة في القانون الجنائي ،لأن التحضير للجرائم الذي يتم في إطار اتفاق أو مجموعة تشكل في حد ذاتها محاولة أو عمل تحضيري مما يؤدي إلى تبني فكرة الشروع في الشروع .
الفرع 02 :الاعتداءات على منتوجات الإعلام الآلي – التزوير ألمعلوماتي-
إن الدعامات المادية للحاسب الآلي قد احتلت مكانة المحررات والصكوك ونظرا لأهمية وخطورة ما تحتويه من بيانات والتي قد تكون محلا للاعتداء بتغيير حقيقتها بقصد الغش في مضمونها، والذي من شأنه إحداث أضرار مادية أو معنوية .كتزوير المستخرجات الإلكترونية كالأوراق المالية أو السحب على الجوائز.
جريمة التزوير في المجال ألمعلوماتي من اخطر صور غش المعلوماتية نظرا للدور الهام والخطير الذي أصبح يقوم به الحاسب الآلي الآن والذي اقتحم كافة المجالات وأصبحت تجري من خلال كم هائل من العمليات ذات الآثار القانونية الهامة والخطيرة والتي لا يصدق عليها وصف ” المكتوب” في القانونين المدني والجنائي ، وقد أثار هذا الوضع الشك حول دلالتها في الإثبات وحول إمكانية وقوع جريمة التزوير العادية ولهذا كان التدخل التشريعي ذو أهمية بالغة.
تجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات الجزائري لم يستحدث نصا خاصا بالتزوير ألمعلوماتي، ربما إقتداء بما فعله المشرع الفرنسي الذي أخضع أفعال التزوير ألمعلوماتي للنصوص العامة للتزوير وذلك بعد أن قام بتعديله بجعل موضوع التزوير أي دعامة مادية وليس محررا، الفرق أن النصوص الواردة في قانون العقوبات الجزائري الخاصة بالتزوير تجعل التزوير يرد على محرر وعليه لا يمكن إخضاع أفعال التزوير ألمعلوماتي للنصوص العامة للتزوير كما هو عليه الحال في التشريع الفرنسي مما يستدعي تدخلا تشريعيا ، إما بتعديل نصوص التزوير التقليدية أو بإدراج نص خاص بالتزوير ألمعلوماتي
أولا: مفهوم منتوجات الإعلام الآلي
سنعرض من خلال هذا العنوان التفرقة بين مفهومين هما المستند المعالج أليا والمستند ألمعلوماتي
المستند المعالج أليا :
يقصد بالمستند في الاصطلاح القانوني كل دعامة مادية (مكتوب أو أي شيء) تصلح لأن تكون عليها معلومات أو أراء والتي هي غير مادية، أو هي الشيء المادي الذي يمكن أن يدون عليه شيء معنوي، ويقصد بالمستند في مجال المعلوماتية كل شيء مادي متميز (قرص ،أو شريط ممغنط أو خلافه) يصلح لأن يكون دعامة أو محلا لتسجيل المعلومات المعالجة بواسطة نظام معالجة آلية، ويستوي بعد ذلك أن يكون هذا الشيء قد خرج من الآلة و ثم تصنيفه أو تخزينه أو أنه مازال بداخلها انتظارا لاستخراجه أو تعديله
المستند المعالج أليا هو كل دعامة مادية مهيأة لاستقبال المعلومات والتي تسجل المعطيات عليها من خلال تطبيق إجراءات المعالجة الآلية للمعلوماتية أي من خلال نظام المعالجة الآلية للمعلومات ,بعبارة أخرى يقصد بالمستند المعالج آليا الدعامة المادية التي تم تحويل المعطيات المسجلة عليها لغة الآلة .
المستند ألمعلوماتي :
وهو ذلك المستند غير المعالج آليا وتعتبر مستندات معلوماتية الأوراق المعدة لتسطير المعلومات عليها والأقراص الممغنطة التي لم يسجل عليها أي شيء بعد ،والملاحظات التي تكون على شكل كتب أو نشرة متعلقة بطريقة استخدام البرامج ،وكذلك أيضا البطاقات البنكية التي لم تدخل الخدمة بعد وهذه إن كان مسجلا عليها معلومات مكتوبة بخط اليد أو مطبوعة أو محفورة ،إلا أنه لم يتم معالجتها بعد، إذ أنها مازالت في مرحلة الإعداد فقط .
ثانيا : مدى خضوع منتوجات الإعلام الآلي لنصوص التزوير
الاعتداء على منتوجات الإعلام الآلي يتجسد في فعل التزوير ألمعلوماتي الذي نصت عليه المادة 7 من الاتفاقية الدولية للإجرام ألمعلوماتي إذ أن التلاعب في المعطيات الذي ينتج عنه معطيات غير أصلية يعد تزويرا .
الإشكال المطروح هو هل بمكن تطبيق نصوص التزوير الواردة في قانون العقوبات الجزائري على الاعتداءات الماسة بمنتوجات الإعلام الآلي ؟
للإجابة على هذا التساؤل وجب التطرق إلى مدى انطباق وصف المحرر على البيانات المعالجة آليا ومدى خضوعها لفعل تغيير الحقيقة.
مدى انطباق وصف المحرر على منتجات الإعلام الآلي:
موضوع جريمة التزوير هو المحرر والمحرر في مضمونه كتابة مركبة من حروف أو علامات تدل على معنى أو فكرة معينة، وإمكانية القراءة البصرية لمحتواه، وهو ما تفرضه نصوص التزوير التقليدية، وعليه يمكن إجمال خصائص المحرر في ثلاث نقاط:
– أن يتخذ المحرر شكلا كتابيا ويجب إدراك مضمون المحرر بالنظر إليه أو لمسه وإذا استحالت قرأته فلا يصلح وسيلة للإثبات و لا عقاب على مااحتواه من تغيير.
– أن تكون الكتابة منسوبة لشخص معين .
– أن يحدث المحرر أثارا قانونية.
فهل يعتبر البيان المعالج آليا من قبيل المحررات التقليدية التي يسري عليها النص الجنائي الخاص بالتزوير ؟
بإسقاط المفهوم التقليدي للمحرر على مجال المعالجة الآلية للبيانات ، نجد أن تغيير الحقيقة الذي يكون محله الأشرطة الممغنطة لا تقع به جريمة التزوير في المحررات وذلك لعدم وجود عنصر الكتابة فجريمة التزوير تشترط الكتابة فأي تغيير في الوعاء ألمعلوماتي لا يعتبر تزويرا لانتفاء هذا الشرط .
الفقيه (DEVEY) يقرر أن الكتابة مطلب تقليدي في جرائم التزوير، لكن تجدر الإشارة إلى أن بعض الفقه الفرنسي يرى إمكانية تغليب روح النصوص واعتبار ما يظهر على شاشة الحاسب شكلا مستحدثا للمحرر .
الفقه البلجيكي يرى أن نصوص التزوير في المحررات يمكن أن تنطبق في حالة ظهور المعلومات التي تم تزويرها في المستخرجات الورقية .
كما أن جانبا من الفقه السوري يرى تطبيق نصوص التزوير عندما تكون البيانات قد سجلت على أسطوانة أو شريط ممغنط بحيث يعتبر محررا.
وتغيير الحقيقة فيه يعد تزويرا وذلك بسبب انتقال المعلومات و المعطيات المخزنة إلى جسم مادي له سمات المحرر المكتوب و الذي يمكن قراءته بالعين باستخدام الحاسب للكشف على محتواه من قبل الغير فالعبرة بالمادة التي دوّن عليها.
و قد ذهبت بعض التشريعات كمصر (المادة 211) إيطاليا (المادة 485) بلجيكا (المادة 190) فنلندا وسويسرا إلى اشتراط وجود المحرر بمفهومه التقليدي لتطبيق جريمة التزوير، بان يكون محتوى الوثيقة أو الوعاء قابلا للمشاهدة البصرية، فلا يشمل ذلك البيانات المخزنة الكترونيا.
وقد عمدت بعض التشريعات الحديثة لمواجهة القصور في النصوص التقليدية ، إلى استحداث نصوص تجريمية جديدة أو إدخال تعديلات على التشريعات التقليدية، من أجل المعاقبة على جريمة التزوير الواقعة على المستندات المعلوماتية، حفاظا على الثقة الواجب توافرها في المستندات المعلوماتية . ومن أمثلة هذه التشريعات التشريع الفرنسي الذي استحدث نصا خاصا بالتزوير ألمعلوماتي و هو المادة 462/9 من قانون العقوبات وذلك بموجب تعديل 1988، غير أنه و بموجب تعديل 1994 تراجع المشرع الفرنسي عن موقفه وألغى النص الخاص بالتزوير ألمعلوماتي، و أخضعه لنصوص التزوير التقليدية.
وكان السبب الذي أدى إلى إلغاء النص الخاص بالتزوير ألمعلوماتي هو أن إفراد جرائم التزوير الواقعة على المستندات المعلوماتية سوف يكون من غير جدوى مادام مفهوم التزوير غير واضح،وهو ما دفع بالمشرع الفرنسي إلى إدراج تعريف للتزوير في نص المادة 441 من قانون العقوبات التي أصبحت تشمل كل صور التزوير الحديثة التي تنشأ عن استخدام الحاسب الآلي ،كما أن الغاية من تجريم أفعال التزوير هو حماية الثقة العامة، التي تنشأ من تعامل الأفراد بالمحررات بمفهومها التقليدي ، ووضع نص خاص بالتزوير ألمعلوماتي يحقق حماية للنظام ألمعلوماتي فقط دون الحفاظ على الثقة العامة، وعن طريق وضع نص خاص بالتزوير ألمعلوماتي تخرج المحررات المعلوماتية من المفهوم التقليدي للمحرر مما ينقص من ثقة المتعاملين بها، لذلك فإن إلغاء النص يخضع المحررات المعلوماتية إلى النصوص التقليدية الخاصة بالتزوير ،بالمفهوم الجديد للمحررات .
أما بالنسبة للتشريع الجزائري فيعد من التشريعات التقليدية ، حيث أدرج النصوص الخاصة بتزوير المحررات في الأقسام الثالث والرابع و الخامس من الفصل السابع من الباب الأول من الكتاب الثالث من قانون العقوبات في المواد 124 إلى 229 التي تشترط المحرر لتطبيق جريمة التزوير ،ولم يتخذ أي موقف لتوسيع مفهوم المحرر من أجل إدماج المستندات المعلوماتية ضمن المحررات محل جريمة التزوير ، وكان من الأفضل لو أضاف المشرع الجزائري في باب التزوير في المحررات نصا يعرف فيه التزوير .
وعليه نقترح إضافة نص إلى باب التزوير في المحررات يعرف فيه التزوير على النحو التالي: كل تغيير للحقيقة بطريق الغش في مكتوب أو في أي دعامة أخرى تحتوي تعبيرا عن الفكر.
وهذا النص قد يكون أشمل حيث يمكن أن تدرج فيه جميع المستندات المعلوماتية حتى وإن كانت غير معالجة آليا، وهو ما يتضمن حماية جزائية فعالة لكافة المنتجات المعلوماتية.
مدى خضوع منتوجات الإعلام الآلي للنشاط الإجرامي لجريمة التزوير:
النشاط الإجرامي لجريمة التزوير يتمثل في فعل تغيير الحقيقة و يعني استبدالها بما يخالفها وإذا انتفى هذا التغيير انتفى التزوير و المقصود هو تغيير الحقيقة القانونية النسبية وليس تغيير الحقيقة الواقعية المطلقة، إذ يكفي لتغيير الحقيقة الذي تتطلبه جريمة التزوير أن يكون هناك مساس بحقوق الغير، أو مراكزهم القانونية الثابتة في تلك المحررات، وعليه يمكن تصور تغيير الحقيقة في نطاق المعالجة المعلوماتية بالتلاعب في المعطيات مما يؤثر على أصالتها .
و تجدر الإشارة إلى أن تحويل البرامج أو قواعد البيانات لا يعد تزوير و إنما يقع تحت طائلة نصوص التقليد الواردة في قانون حق المؤلف و الحقوق المجاورة.
لا يتصور وقوع فعل تغيير الحقيقة من خلال طرق التزوير المعنوية – و التي كما هو معروف- لا تتحقق إلا أثناء تكوين المستند بالنسبة إلى للجريمة محل البحث.
بينما من المتصور وقوع فعل تغيير الحقيقة بالنسبة لهذه الجريمة من خلال طرق التزوير المادية ،ولكن بشرط أن يكون التزوير لاحقا على نشأة المستند الأصلي و الحقيقي المعالج آليا فلا تتحقق تلك الجريمة من خلال فعل تغيير الحقيقة باستخدام طريقة التزوير المادية أثناء نشأة المستند على خلاف جريمة التزوير العادية .
نخلص إلى أن المشرع الجزائري رغم تداركه من خلال القانون 04/15 و المتضمن قانون العقوبات الفراغ القانوني في مجال الإجرام ألمعلوماتي وذلك بتجريم الاعتداءات الواردة على الأنظمة المعلوماتية باستحداث نصوص خاصة، إلا أنه أغفل تجريم الاعتداءات الواردة على منتوجات الإعلام الآلي، فلم يستحدث نصا خاصا بالتزوير ألمعلوماتي ،و لم يتبنى الاتجاه الذي تبنته التشريعات الحديثة التي عمدت إلى توسيع مفهوم المحرر ليشمل كافة صور التزوير الحديث.
القانون الجديد: مشروع قانون :الوقاية من الجريمة الإلكترونية.( مازال هدا المشروع قيد الدراسة بالمجلس التشريعة)
إن مشروع هذا القانون يكتسي أهمية كبيرة بالنسبة للمنظومة التشريعية الوطنية التي تعنى بمحاربة أشكال جديدة من الجرائم كونه سيساهم أكثر في التصدي لتلك المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة والتي لها صلة مباشرة بالعمليات الإرهابية او تبييض الأموال.
أن مشروع القانون جمع بين القواعد الإجرائية المكملة لقانون الإجراءات المدنية، وبين القواعد الوقائية التي تسمح بالرصد المبكر للاعتداءات المحتملة مع التدخل السريع لتحديد مصدرها والتعرف على مرتكبيها.
وقد منح نص المشروع دورا ايجابيا لمقدمي الخدمات من خلال مساعدة السلطات العمومية في مواجهة الجرائم وكشف مرتكبيها حيث تنص المادة الثالثة منه على وضع ترتيبات تقنية لمراقبة الاتصالات الالكترونية وتجميع وتسجيل محتواها في حينها والقيام بإجراءات التفتيش والحجز داخل منظومة معلوماتية.
ونص مشروع القانون على أربع حالات يسمح فيها للسلطات الأمنية بممارسة الرقابة على المراسلات والاتصالات الإلكترونية، منها الوقاية من الأفعال الموصوفة بجرائم الإرهاب والتخريب والجرائم التي تمس بأمن الدولة، وكذلك في حال توفر معلومات عن احتمال اعتداء على منظومة معلوماتية على نحو يهدد مؤسسات الدولة أو الدفاع الوطني أو النظام العام، ولمقتضيات التحريات والتحقيقات القضائية، عندما يصعب الوصول إلى نتيجة تهم الأبحاث الجارية دون اللجوء إلى المراقبة الإلكترونية، وفي إطار تنفيذ طلبات المساعدة القضائية الدولية المتبادلة.
ويحدد القانون طبيعة الترتيبات التقنية الموضوعة لتجميع وتسجيل معطيات ذات صلة بالوقاية من الاعتداء على أمن الدولة ومكافحتها، وذلك تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات بالنسبة للمساس بالحياة الخاصة للغير.
وعلى هذا الأساس، يجوز للجهات القضائية وضباط الشرطة القضائية الدخول بغرض التفتيش ولو عن بعد إلى منظومة معلوماتية أو جزء منها، وكذا المعطيات المعلوماتية المخزنة فيها، مع إمكانية اللجوء إلى مساعدة السلطات الأجنبية المختصة من أجل الحصول على المعطيات المبحوث عنها في منظومة معلوماتية تقع في بلد أجنبي. ويسمح القانون للمحققين باستنساخ المعطيات محل البحث في حال تبين جدوى المعلومات المخزنة في الكشف عن الجرائم أو مرتكبيها.
ولأجل إشراك مزودي خدمات الإنترنت والاتصالات الثابتة والمتنقلة في محاربة الجرائم التكنولوجية، يلزم مشروع القانون هؤلاء بتقديم المساعدة للسلطات المختصة في مجال جمع وتسجيل المعطيات المتعلقة بمحتوى الاتصالات في حينها، وبوضع المعطيات الملزمين بحفظها. وتشمل هذه المساعدة المعطيات التي تسمح بالتعرف على مستعملي الخدمة، وتلك المتعلقة بالتجهيزات المستعملة في الاتصال، والخصائص التقنية وتاريخ وزمن ومدة كل اتصال، والمعطيات المتصلة بالخدمات التكميلية المطلوبة أو المستعملة ومقدميها، بالإضافة إلى المعلومات التي تسمح بالتعرف على المرسل إليه أو المرسل إليهم وعناوين المواقع المطلع عليها.
أما بالنسبة لنشاطات الهاتف، يقوم المتعامل بحفظ المعلومات التي تسمح بالتعرف على مصدر الاتصال وتحديد مكانه، على أن يلتزم متعاملو الهاتف بالاحتفاظ بالمعطيات لمدة سنة ابتداء من تاريخ التسجيل.
ويتضمن مشروع القانون أيضا إجراءات عقابية حيث أنه ولتفادي أي تهرب من التزامات القانون، يسلّط هذا الأخير على الأشخاص الطبيعيين الذين يعرقلون سير التحريات القضائية عقوبة السجن من خمس إلى ست سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين خمسة ملايين إلى خمسين مليون سنتيم، مع معاقبة المؤسسات المخالفة بالغرامات المالية المنصوص عليها في قانون العقوبات.
من جهة أخرى يجبر مشروع النص التشريعي مقدمي خدمات الأنترنت على الالتزام بالتدخل الفوري لسحب المحتويات التي بإمكانهم الاطلاع عليها بمجرد العلم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بمخالفتها للقوانين، وتخزينها أو جعل الدخول إليها غير ممكن، إضافة إلى وضع ترتيبات تقنية تسمح بحصر إمكانية الدخول إلى الموزعات التي تحتوي معلومات مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة وإخطار المشتركين لديهم بوجودها.
الخاتمة:
رغم جهود المشرع الجزائري لسد الفراغ التشريعي لمواجهة هذه الجرائم إلا أن نصوصه لا تزال ناقصة خاصة فيما يتعلق بالاعتداءات على الأموال المعلوماتية “التزوير المعلوماتي”.
ثامنا : من خلال آخر التطورات الحاصلة في الجزائر و في انتظار صدور القانون الخاص بجرائم الانترنت والحاسوب فقد تم حصرها في خمسة أنواع و هي :
الاختراق, التهديد, الدعاية الإرهابية, الاختلاسات المالية, القرصنة.
الاقتراحات:
و بالاعتماد على الدراسة و النتائج السابقة , فسنركز على موقف المشرع الجزائري الذي اتخذه حيال هذه الجرائم :
أولا : من خلال قانون الملكية الفكرية:
إن إضفاء حماية جزائية للمعلوماتية عن طريق حق المؤلف تتطلب ضرورة إدماج تطبيقات الإعلام الآلي ضمن المصنفات المحمية , و هذا ما فعله المشرع حيث ادمج من خلال أمر 03/05 للإعلام الآلي ضمن المصنفات الأدبية المكتوبة (المادة 04 من أمر 03/05 ) و لكن رغم هذا الإدماج إلا انه و نظرا لوجود بعض المفاهيم الخاصة بحقوق المؤلف لا تتماشى مع برامج الحاسب الآلي فنقترح :
_ إجراء تعديل لبعض أحكام قانون حق المؤلف ووضع نظام خاص بإيداع برامج الحاسب الآلي .
_ تقصير مدة الحماية (50 سنة بعد وفاة المؤلف) نظرا للتطور السريع للمعلوماتية .
ثانيا : من خلال النصوص الخاصة :
إن قانون الملكية الفكرية و لو انه يساعد في حماية بعض جوانب المعلوماتية فهو قاصر عن تغطية كل الاعتداءات على المعلوماتية , لذا فقد أضاف المشرع الجزائري في تعديله الأخير لقانون العقوبات
(قانون 04/15) في القسم السابع من الكتاب الثالث من الباب الثاني من الفصل الثالث و الذي يشمل المواد 394 مكرر إلى المادة 394 مكرر 7 , حيث ادمج المشرع الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات و هذا ما نستخلص منه انه قد اعتبر المعلومات مالا من نوع خاص .
و لكن رغم ذلك فان المشرع قد اغفل في نصوصه بعض النقاط و هي:
_ لم يتعرض للاعتداء على سير نظام المعالجة الآلية للمعطيات.
_ لم يتعرض للتزوير المعلوماتي .
إضافة لما سبق فإننا نقترح أيضا :
_ من المهم تكوين فرق من الضبطية القضائية المختصة تكلف بالبحث و التحري في هذا النوع من
الجرائم
مثلما فعلت الدول المتطورة.
_ ضرورة تكوين و تخصص القضاة في هذه الجرائم .
_ ضرورة التكافل الدولي لردع مثل هذه السلوكيات المنحرفة في مجال المعلوماتية