دراسات قانونية

الأسباب الاقتصادية والاجتماعية للسرقة – بحث قانوني

البطالة من الاسباب الاقتصادية للسرقة :

بجانب الفقر والحاجة المادية التي تقود بعض الافراد الى جريمة السرقة هناك عامل البطالة الذي يعتبر من العوامل الاجتماعية والاقتصادية المهمة التي تلزم الافراد بالقيام بهذا السلوك الاجرامي. والبطالة بمعناها الاقتصادي الدقيق هي عدم قدرة الافراد القادرين على العمل على ايجاد فرص للاعمال المطلوبة، او هي زيادة نسبة الراغبين في العمل للاعمال في المجتمع(1) . وكما هو معروف ان البطالة تؤدي الى تعطيل الطاقات البشرية وشلها واستنزاف موارد المجتمع وقتل معنويات الافراد العاطلين وتحطيم عوائلهم عن طريق وقوعهم في الفقر والعوز المادي وعدم قدرتهم على سد حاجاتهم الاساسية والعيش تحت ظروف صعبة وقاهرة ومثل هذه الظروف تقود الافراد الى ارتكاب انواع الجرائم كالسرقة والاختلاس والتزوير والاحتيال، هذه الجرائم التي قد تسد رمقهم وتنفس من حدة الضغوط التي يتعرضون لها نتيجة فقرهم وبؤسهم غير انها تجلب للمجتمع شتى انواع المتاعب وتسبب له الاضطراب والتخلف. مما تقدم يمكن القول ان ظاهرة البطالة تعتبر مشكلة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية وانسانية وتتعدد اثارها بالنسبة الى الفرد والاسرة والمجتمع، فبالنسبة الى آثارها على الفرد فان ذلك يتمثل في فقدان الدخل والحركة والعيش في فراغ والنقمة على الغير، اما خطورتها على الاسرة فتتمثل بفقدان العائل شعوره بالقدرة على تحمل المسؤولية وما ينجم عن ذلك من فقدان الشعور بالاطمئنان على المستقبل والثقة بعائلها ومواجهة حالات التوتر والقلق والخوف من المستقبل المجهول، اما بالنسبة الى الاثار على المجتمع، فان ذلك يكمن في تعطيل الطاقات الانتاجية حيث يؤدي الى ارتكاب جرائم السرقة وتناول المخدرات والقتل، وهكذا تمثل البطالة اهداراً لموارد ممثلة بعنصر العمل الذي يعتبر اقوى واهم الموارد، كما تعتبر مؤشرا على فشل النظام الاقتصادي في اشباع احتياجات السكان والارتقاء بمستوى المعيشة مما يضر بالاهداف الرئيسة للتنمية(2).

_______________

[1] -Hanson، J.L.، Atext book of Economics، N.Y. 1977، p.537.

2- د.سيد شوربجي عبد المولى، تاثير الجريمة على خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية، المركز العربي للدراسات الامنية والتدريبية، الرياض، 1994، ص76.

الظروف الاقتصادية من الاسباب الاقتصادية للسرقة :

تشير احدى الدراسات التي اجريت على اثر تفكك العائلة في جنوح الاحداث، ان الحاجة الاقتصادية قد دفعت 142 جانحا من مجموع 160 تمت مقابلتهم من قبل الباحث ويشكلون نسبة قدرها89% على ارتكاب انواع الجرائم وفي مقدمتها جرائم القتل والسرقة، ان الظروف الاقتصادية السيئة للعوائل التي ينتمي اليها هؤلاء الاحداث هي التي دفعت عوائلهم الى العيش في احياء سكنية متخلفة لا تتوافر فيها ابسط شروط ومقومات العيش الكريم، وهي التي لم تمكن عوائلهم من ارسالهم الى المدارس لطلب العلم والمعرفة، والتزود بالأخلاق الحميدة والقيم الفاضلة وهي التي الزمت آباءهم واولياء امورهم بحثهم على امتهان العمل الحر منذ صغرهم هذا العمل الذي قادهم الى ترك الدراسة والتحصيل العلمي، حيث اندفع اغلبهم الى ممارسة السرقة والاعتداء على الاخرين بغية سد حاجاتهم ومتطلبات معيشتهم(1). ان التقاطع والتنافر الذي يحدث بين طموحات وامال الفرد وبين واقعه يجعله غير مقتنع بأحواله وظروفه ناقما ومتمردا على مجتمعه الذي لم يحقق اماله وطموحاته(2). هذا التقاطع يكفي لكي يخلق منه انسانا متمردا على مجتمعه حاقدا على الاخرين مندفعا في البحث عن اية فرصة يستغلها من اجل الحصول على منافعه الشخصية وبغض النظر عن الطريقة والاسلوب الذي سيعتمده في تنفيذ ذلك، وغالبا ما يلجأ الى السلوك المنحرف معتبرا اياه الاسلوب الامثل والاكثر فائدة على وفق ما يمليه عليه قانونه الخاص فيندفع الى السرقة والايذاء والسطو الى غير ذلك من الجرائم(3).

________________

1 – د. احسان محمد الحسن، مشكلة جنوح الاحداث، مجلة العدالة، العدد الاول، السنة السابعة، اذار 1981، ص22.

2- Stewart، E. The Human BonD، N.Y.1978، p.200.

3- د.مازن بشير محمد ، مصدر سابق ، ص 47 .

الفقر من الاسباب الاقتصادية للسرقة :

يكون الفرد فقيرا اذا كان مازال في حاجة الى العناصر المعيشية الاساسية اللازمة لوجوده المادي وسلامة بقائه ويمكن تحديد معنى الفقر اذا تمكنا ان نحدد المستوى الادنى للمعيشة ونميزه بخط وهمي يسميه البعض (خط الفقر) ويتدرج تحت هذا الخط جميع الاشخاص الذين لا يمكن دخلهم المتواضع في الوصول الى هذا المستوى الادنى وهذه هي الطريقة التي اتبعها دارسي البحث الاجتماعي في هذا المجال لتحديد معالم الانسان الفقير وتحديد الدرجات المتفاوته للفقر(1). ان مفهوم الفقر وبصفه عامة وبنطاق واسع يعتمد على درجة المدنية والتحضر في المجتمع وعندما نميز الطبقة بالنسبة الى الفقر يجب ان نوافق على عدم وجود تعريف موحد للفقر وقد يعرف الفقر النسبي بانه متوسط الدخل الفردي الذي تحصل عليه النسبة المئوية الدنيا للسكان في مجتمع ما(2). والفقر باعتباره الحالة التي لا يكفي فيها دخل الاسرة عن اشباع حاجاتهم الاساسية المتغيرة للمحافظة على ثباتها المادي والنفسي والاجتماعي تؤدي الى نتائج خطيرة على الصحة ونوع الثقافة السائدة في حياة الاسرة، وما يتوافر لها من فرص التعليم والفقر قبل كل شيء اخر هو الذي يحرم الاسرة من المشاركة الاجتماعية بصفه خاصة في الحالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية(3). يؤمن المشرع العربي الحديث بان ثمة علاقة وثيقة عريقة بين الفقر والجريمة بشكل عام والجرائم الواقعة على الاموال بشكل خاص، ويبدو اثر ذلك في التشريعات القائمة في معظم الأقطار العربية، التي تهدف الى محاربة الفقر بوجه عام كما يبدو اثر ذلك في السياسة العامة للدولة، التي تقوم على التنمية الاقتصادية ومضاعفة الدخل القومي، و زيادة الرقعة المزروعة والتوسع في التصنيع وهي كلها امور تهدف في النهاية الى رفع مستوى المعيشة او بعبارة اخرى القضاء على الفقر واقتلاعه من جذوره الاصلية والى جانب هذه السياسة بعيدة المدى فان الدولة لم تهمل شان المساهمة في القضاء على الفقر والعوز والفاقة بتقديم المساعدة للأسر الفقيرة ولكن هذه المساعدة محدودة بنطاق الذي تفرضه الموارد المالية ومن هنا تبرز خطورة العبء الذي يجب ان تضطلع به المؤسسات الشعبية والجهود الاهلية في هذا السبيل(4). ومما هو جدير بالذكر ان العوامل التي توقظ الميل الى السرقة وترتب علية مفعوله عديدة وان اولها واهمها هو عامل الشعور بالحاجة، ولا يقاس هذا الشعور بمعيار مادي بل يتوقف على التقدير الشخصي للمجرم نفسه ومدى ما يطمح اليه من متع مادية او من متع غير مادية ولكنها تتطلب المادة وسيلةً للحصول عليها مثل المتعة بالنساء ومن منبهات الميل الى السرقة كذلك تعاطي الخمر ولو لم يقضِ الى السكر والايحاء الذاتي الناشئ من العشرة السيئة والمثل السيء ومن الصحف والسينما كما ان الميل الى السرقة كما يفضي الى النوع البسيط منها يؤدي كذلك الى السرقة بطريق الاكراه والى النصب وغيره من جرائم الاعتداء على الاموال بصفة عامة. وتشير نتائج البحث الميداني الذي اقيم لدراسة جريمة السرقة في بغداد ان عامل الافلاس والحاجة الاقتصادية من اهم العوامل المسؤولة عن ارتكاب جرائم السرقة في بغداد، فقد ظهر ان 74% من مجموع المحكوم عليهم بهذه الجريمه، ان فقرهم وعوزهم وافلاسهم هو الذي دفعهم الى القيام بالسرقات التي قادت بهم الى السجن وترجع حاجة هؤلاء السراق المحكومين الى المادة والاموال الى عدة عوامل منها قلة رواتبهم واجورهم بسبب الوظائف والاعمال غير المربحة التي كانوا يزاولونها وكبر حجم عوائلهم وسوء تنظيم التوازن بين مدخولاتهم ومصروفاتهم و إن معظم هؤلاء يعانون من مستوى ثقافي منخفض وتردي ظروفهم المعيشية والسكنية، وهبوط مستوياتهم الاجتماعية والخلقية وتحلل قيمهم ومقاييسهم ومثلهم الاجتماعية وتفكك سلوكهم وعلاقاتهم الاجتماعية(5). كما توصل مركز البحوث و التطوير في وزارة الداخلية الذي تناول في الدراسة والبحث الى ظاهرة سرقة السيارات في القطر، ((ان من الاسباب الرئيسة التي دفعت القائمين بهذا السلوك المنحرف عدم قدرتهم على الزواج واندفاعهم لتطمين غريزتهم الجنسية بأشكال غير مشروعة وفي مقدمتها سرقة السيارات، لمعالجة هذا الموقف وخاصه ان معظم هؤلاء المجرمين من مستويات علمية متدنية، فضلا عن كون معظم هؤلاء 84% من مجموع افراد العينة قد فقدوا احد الوالدين او كليهما، وان الاسباب الاساسية التي دفعتهم لارتكاب هذه الجرائم هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية من جراء الحصار المفروض على العراق واستمراره مدةً طويلة وتاثيره في الوضع الاقتصادي مما دفع العناصر المنحرفة لارتكاب انواع مختلفة من جرائم السرقة على الاموال والسيارات وغيرها)(6). ومن النتائج التي توصلت بعض الدراسات والبحوث إليها انه في فترات الرفاه ينخفض معدل بعض الجرائم ويزداد في فترات الكساد ومنها جرائم السرقة، وتهريب النقد والمساس بالشرف حيث ان هنالك طائفة اخرى من الجرائم يزداد معدلها في فترات الرخاء وتنخفض في فترات الكساد مثل جرائم الاعتداء على الأشخاص. قد يتبادر الى الذهن للوهلة الاولى ان الجرائم التي ترجع الى العوامل الاقتصادية هي جرائم الاموال، التي تدفع اليها فقر المجرم او حاجته ولكن هذا القول غير سليم. فمن ناحية لا تقتصر الجرائم التي ترجع الى عوامل اقتصادية على جرائم الاموال وانما تمتد الى جرائم كثيرة اخرى، كجرائم الاعتداء على الاشخاص وجرائم الاعتداء على العرض والجرائم الاقتصادية ومن ناحية اخرى فان الدوافع الاقتصادية الى الجرائم لا تقتصر على الفقر والحاجة بل قد يكون الميل الى الجشع والنهب وقد تكون الرغبة في الاستمتاع بمزيد من الرخاء او مزيد من متع الحياة. ليس من شك في ان الكثير من جرائم الاموال ترجع الى دوافع اقتصادية فالأنسان لا يستطيع ان يشبع حاجته المادية بطريق شريف الا اذا مكنته حالته الاقتصادية من ذلك فاذا عجز عن اشباع حاجاته الضرورية عن هذا الطريق فانه قد يلجأ الى سبيل غير مشروع فيرتكب جرائم الاعتداء على الاموال واهم ما يرتكب في هذه الحالة جرائم السرقة(7). ولكن جرائم الاموال قد لا يكون الدافع اليها هو الرغبة في اشباع الحاجة بل الرغبة في استغلال حاجة الغير ويتسع المجال امام هذا الدافع في الازمات الاقتصادية حين يقل وجود بعض السلع ويتسارع الناس على شرائها فيلجأ المجرم الى بيعها بأسعار تزيد على التسعيرة الرسمية او الى غش هذه السلع او تزوير الاذن باستيرادها. كذلك قد يلجأ المجرم الى الاحتيال على المجني عليه فيحصل منه بعد ايهامه بانه يستطيع ان يحصل على سلعة غير موجودة. كذلك قد يكون الدافع الاقتصادي الى ارتكاب جرائم الاموال ليس هو الفقر والحاجة انما هو الرغبة في تحقيق مزيد من الرخاء والحصول على وسائل للترف والرفاهية ومن امثلة ذلك ان كثيراً من المجرمين يكون لديهم من الموارد ما يكفيهم لا شباع حاجاتهم المادية الضرورية او ما يزيد على ذلك فيتطلعون الى تحقيق مستوى اعلى من الرخاء فيقدمون على ارتكاب جرائم الاموال لشراء وسائل ترفيه واكثر ما تكون هذه الجرائم وقوعا من قبل الشباب الذي يدفعه الطموح غير المشروع الى ارتكابها، وقد لوحظ خلال الحرب العالمية الاولى عندما التحق كثير من الشباب بالمصانع الحربية مقابل اجور مرتفعة ان نسبة الاجرام قد ارتفعت(8). كما دلت الاحصاءات الجنائية في دول كثيرة وعلى راسها فرنسا وانكلترا والمانيا ان ارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية كالقمح مثلا يترتب عليه زيادة نسبة ارتكاب بعض الجرائم وبصفة خاصة السرقة(9). وتفسير ذلك فيما يتعلق بزيادة نسبة جرائم السرقة ان ذوي الدخل المحدود وهم العمال غالبا يعجزون عن اشباع احتياجاتهم الكاملة من هذه المواد بالطرق المشروعة فيلجا كثير منهم الى السرقة لتوفير وسيلة إشباع هذه الاحتياجات ومن ناحية اخرى فان ارتفاع هذه السلع يترتب عليه نقص في حجم الطلب عليها فيقل تصريف المعروض منها مما يترتب عليه قلة ربح المنتجين لها فيعمدون الى الإقلال من الإنتاج حتى يتناسب المعروض من الطلب عليه وقلة الإنتاج تعني الاستغناء عن بعض العمال فيتعرض هؤلاء للبطالة والبطالة تعتبر عاملا دافعا إلى ارتكاب جرائم السرقة. ومن البحوث التي حاولت تفسير العلاقة بين الفقر وجريمة السرقة تلك التي قام بها العالم الإيطالي F.di verce ، الذي اثبت ان الطبقة الفقيرة في ايطاليا وكانت تبلغ نسبة 60% من مجموع الشعب، كانت مصدر نسبة تتراوح بين 85-90% من المجرمين المحكومين عليهم، والعالم الهولندي W.Bonger يقول ان الفقر من اهم مصادر الجريمة بسبب ما يأتي عنه من نزاع لا حد له، ثم يضيف ان الفقراء يقعون في الجريمة لكثرة ما يستهلكون من المشروبات الكحولية(10).

________________________

1-د . طه ابو الخير ، منير العصره ، انحراف الاحداث في التشريع العربي والمقارن، الاسكندرية، 1961م، ص307.

2-قصي قاسم الكيليدار، قياس مستوى المعيشة في العراق، ضمن حدود الفقر ومستوى الكفاية ومستوى الرفاهية، اطروحة ماجستير، بغداد، 1990، ص25.

3-د. محمود حسن ، مشكلات الاسرة ، القاهرة 1967، ص 75 .

4- د. طه ابو الخير، مصدر سابق، ص31.

5- الدكتور مازن بشير، د.احسان محمد الحسن، السرقة كمشكلة اجتماعية، بغداد، 1983،وزارة الداخلية ، مديرية الشرطة العامة ص27-29 .

6- د. مازن بشير محمد واخرون، ظاهرة سرقة السيارات، المشكلة والحلول المقترحة ، وزارة الداخلية، مركز البحوث والتطوير بغداد، 1995، ص41-45.

7- د. فوزية عبدالستار، مبادئ علم الاجرام والعقاب، القاهرة،1973، ص179.

8 – د.فوزية عبدالستار، نفس المصدر السابق ، ص181.

9- د.فوزية عبدالستار، مصدر سابق ، ص 187.

10- د.حسن الساعتي، علم الجريمة، القاهرة، 1966، ص128.

العلاقات الاجتماعية واثرها في سلوك الابناء من الاسباب الاجتماعية للسرقة :

الاسرة هي المجتمع الانساني الاول الذي يمارس فيه الصغير اولى علاقاته الانسانية لذلك كانت المدرسة الاولى التي تؤثر فيه ولانماط السلوك الاجتماعي الذي يتعلمه في محيطها قيمه كبرى في حياته المستقبلية وكثير من مظاهر التكيف وعدم التكيف يمكن ارجاعها بسهوله الى نوع العلاقات الانسانية التي سادت بين افراد الاسرة في سنين حياة الفرد(1). فالعلاقات الأسرية (داخل الأسرة) تمثل المناخ الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل ويتأثر به نمو وتطور شخصيته وللعلاقات الأسرية دور كبير في توثيق بناء الأسرة وتقوية التماسك بين أعضائها وإيصال أبنائها إلى مرحلة التكامل والاستقلال والأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي تخلقها الأسرة للطفل تمنحه القدرة على التكيف الجدي مع نفسه ومع أسرته ومع المجتمع، فالطفل يتفاعل مع مجتمع الأسرة اكثر من تفاعله مع أي مجتمع آخر، ويعتبر الطفل السعيد حقاً ثمرة للبيت السعيد، والعلاقات الأسرية الطيبة بين الأبوين وبين الاخوة والأخوات وبين الأسرة وسائر أفراد المجتمع فكلما كانت تلك العلاقات قائمة على التفاهم والتودد والتنظيم الصحيح على أساس من الأخذ والرد بصورة منسجمة ومتناسقة كانت نظرة الطفل الناشئ إلى المجتمع الذي يعيش فيه متسمة بالشعور بالأمن والاطمئنان(2).

اولاً .العلاقة بين الوالدين واهميتها في بناء شخصية الابناء:-

تعد العلاقة بين الوالدين من اهم العلاقات التي تؤثر في نوع المعاملة التي يتلقاها الابناء من ابائهم كما انها تؤثر تأثيرا كبيراً على الجو السائد في محيط الاسرة، فالجو الاسري المستقر هو الواقع الذي يوفر للأبناء البيئة النفسية والصحية السليمة للنمو وتتصف بان الوالدين يحب كل منهما الاخر ويحبان الطفل ويمنحانه الدفء العاطفي والامان. وكذلك مشاركة الوالدين في اصدار القرارات التي تتعلق بأمور الاسرة وعدم فرض راي احدهما على الاخر. ان الشخصية السوية للأبناء هي التي تنشأ في جو يسودة الانسجام والتفاهم بين الوالدين وتقدير كل منهما الاخر وهما من اهم مقومات السعادة على تغلبهما بسهولة على ما قد يحدث بينهما احياناً من اختلاف في وجهات النظر وقد ينقلب نزاعاً مستمراً يهدد سعادة الاسرة ويعكر صفو العلاقات الاجتماعية السائدة فيها ويهدد امن الابناء استقراراً. لقد اثبتت الابحاث التي اجريت في مجال الكشف عن العلاقة بين الوالدين وتأثيرها في بناء شخصية الابناء وتحديد سلوكهم ان (( معظم الاطفال المشكلين يأتون من منازل مفككة ومنازل تكثر فيها الاحتكاكات بين الزوجين اكثر مما يأتون من منازل تتوافر فيها علاقات سليمة، فحيثما يكون جو المنزل متوتراً بسبب اختلاف الابوين فان الطفل عادةً يكون حائراً بين خضوعه للاب او خضوعه للام وفي بعض الاحيان يتعلم الطفل أن يستخدم أحد الابوين ضد الاخر، أو أن يستخدم أحد الابوين الطفل بنفس الطريقة، او قد يهمل كلا الابوين الطفل ويجعله يعتقد انه غير محبوب او عديم القيمة، وهو سلوك يهدد امن الطفل ويتركه فريسه للشك والوحدة مما يؤدي به الى الاضطرابات السلوكية المتنوعة، وقد تختلف في الشدة من مجرد صورة الغضب لجذب الانتباه الى السلوك المنحرف كالسرقة او التخلف الدراسي او السلوك العدواني او الخروج عن السلطة وتحديها…….. الى غير ذلك))(3). ان استمرار الحياة الزوجية المضطربة يترك اثاره الخطيرة في الابناء ويبدو ذلك في اكثر من صورة حيث ان هذه الاضطرابات تؤدي الى انهيار أمل الطفل في مصدر السلطة وهو الاب ومظهر العطف وهي الام وعدم استطاعتهما تهيئة الجو النفسي السليم لنموه وعجزهما عن رعايته وصيانته مما قد يدفع بالأبناء الى الانسحاب بعيداً عن المنزل والانضمام الى العصابات التي يجد فيها متنفساً ومجالاً للإشباع العاطفي الذي يفتقده في أسرته، وقد يهرب الى الشارع عسى ان يجد فيها ايضاً متنفساً عما يجده من متاعب في المنزل حيث يبدأ سلسلة من السلوك غير المرغوب فيه والذي يتسم دائماً بمعارضة القانون وتحديه للمجتمع، كما يؤدي هذا الجو الاسري المشحون بالمشاكل الى انعدام ثقة الابناء بانفسهم وبالاخرين ويحولهم الى اعداء لانفسهم وللمجتمع الذي ينتمون اليه مما يدفعهم الى انماط سلوكية منحرفة لعل في مقدمتها الاعتداء على الاخرين او الاموال، كممارسة السرقة(4).

ثانياً .العلاقة بين الوالدين والابناء واثرها في سلوك الابناء

ان العلاقة بين الوالدين والابناء لها تاثير فعال حيث ان دور الوالدين خطير للغاية فدورهما لا يستطيع أي مخلوق أن يقوم به لأهميته، ومتى ما قام به غير الوالدان فان هذا الدور يبقى مبتوراً وغير فعال فعلى نجاح دور البيت وعلى رأسه الوالدان يتوقف نمو شخصية الطفل في حاضره ومستقبله نمواً سليماً متوازناً(5). ووصف كل من (جونسون و ميدنيوس) العلاقة بين الوالدين والأبناء بأنها علاقة موجهه عاطفياً ويدرك الاباء الواعون دورهم في تنشئة أبنائهم بان المجتمع يتوقع منهم ان يقوموا بعمل جيد قدر الإمكان في إنضاج طفلهم. ان احترام شخصية الأبناء وحسن معاشرة الوالدين لهم من اهم المؤثرات في بناء شخصيتهم الرصينه حيث إن الشخص الذي يشعر بانه مقبول ومستحق يحب غيره وهم يسعون الى اكتساب مودته لا يقف هذا الشخص في موقف الدفاع عن نفسه لانه مطمئن الى انه غير عرضة للاتهام ان هذا الشخص شديد الثقة بنفسه وجرأته وهو قادر على ان يهب نفسه للاخرين دون خوف من هوان شخصيته، ان الاباء الذين يقومون باشعار ابنائهم باهميتهم وانهم قادرون على عمل اشياء ولا يقومون بانتقادهم بطريقة هادمة، أن النقد والزجر من شأنه ان يجعل فكرتهم عن انفسهم غير واثقة، ان نجاح الوالدين في تكوين شخصية ابنائهم هو نجاحهم في كسب ثقتهم ومودتهم لدرجة يتخذون منهم اصدقاء يلجأون اليهم كلما اعمتهم الحيل في مشكلة من مشكلات الحياة، ويتمتع الابناء بذلك الشعور الجميل الذي يتمَيز بالراحة النفسية والاطمئنان الذي يشعر به المرء اذا كان له شخص قوي موثوق به، وعلى العكس من ذلك فاذا فقد الابناء ثقتهم بالاباء والامهات نتيجة سوء معاملتهم وضعف علاقتهم بهم فأنهم (أي الابناء) يلجأون الى اشخاص خارج المنزل لطرح مشاكلهم ليشاركوهم في حلها وقد تستغل من قبل بعض العناصر المنحرفة، مما يؤدي بهم الى ارتكاب الجريمة. يرى (بولبي) ان الانفصال بين الطفل وامه، او من تأخذ صورة الام مدة طويلة متصلة في فترة السنوات الخمس الاولَ في حياته، يساعد على تكوين نوع من الخلق الاجرامي، تبدو علاماته في نقص شديد في مشاعرهم الرقيقة نحو الاخرين، ويميلون الى السرقة والتشرد والهروب من البيت(6). ان تعرض الابناء لاشكال الحرمان من قبل الوالدين سواء كان نوع الحرمان عاطفياً او حرماناً من اشباع الحاجات الضرورية، له دور في اضطراب شخصية الابناء التي غالباً ما تظهر في اعراض سلوكية منحرفة، حيث يعد الحرمان من اخطر اساليب التنشئة الاسرية الخاطئة فالابناء الذين تعرضوا للحرمان تكون استجابتهم دائماً ضعيفة لا يقوى على تحمل أعباء الحياة ومتاعبها وكل هذا يخلق لدى الابناء احساساً بعدم الاطمئنان والثقة بالنفس وبالاخرين وكذلك يبدو عليهم ضرب من التنافس كما لو انهم بحاجة الى تؤكيد ذاتهم امام الاخرين ويرى بعض العلماء ان اهم اسباب عصبية الابناء وقلقهم النفسي والشعور بالعداوة والعزلة هو نتيجة لحرمانهم من الدفء العاطفي في الاسرة وعدم اشباع الحاجة الى الشعور بالحب والقبول(7). ان سيطرة مشاعر العزلة والقلق النفسي والسعي الى تؤكيد الذات قد تدفعهم الى القيام بأعمال من شانها ان نشعرهم بمكانتهم ومنزلتهم بغض النظر عن كون هذه الاعمال مقبولة اجتماعياً او قانونياً ام غير مقبولة ولعل في مقدمة هذه الاعمال القيام بمغامرات عنيفة كسرقة السيارات او المتاجر وغيرها من الاعمال الاجرامية.(( ان افكار واتجاهات المراهق التي تتعلق بنفسه ((ذاته)) تؤثر وتؤثر باستجابته بكل شيء يحدث له في اثناء فترة المراهقة))(8). ومن الحقائق التي تم التوصل اليها ان صورة الذات المشوهة شائعة بين الاحداث الجانحين وانهم يشعرون بالعداء الصريح نحو والديهم مما يؤدي الى عجزهم عن تكوين العلاقات السوية مع الاخرين، وانهم لا يستطيعون تصوير انفسهم في الادوار التي يفضلون القيام بها، واهدافهم في الحياة غامضة ومحدودة ويتوقعون مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر هذا فضلاً عن انهم يشعرون بانهم غير مرغوب بهم ومرفوضون وان تقويمهم لانفسهم يتميز بالسلبية والقصور والشعور بالنقص، ان ادراكهم للقيمة ولفرص الحياة المتاحة لهم يتميز بالسلبية وعدم القدرة وانهم اقل كفاءة من الاخرين. ان هذه المشاعر الاساسية نعتقد انها كافية لدفعهم الى انماط سلوكية منحرفة ولعل في مقدمتها العدوان والسرقة. ومما يؤكد ما ذهبنا اليه ان الدراسة التي قام بها (( تولمان)) يفسر فيها الجنوح على اساس اعتباره رد فعل معين للذات لدى الفرد، يندفع الى الجريمة والجنوح، وفي ذلك يخرج تولمان بنتيجة عامة فوائدها ان الشعور بالأمن الذي ينشأ نتيجة إحراز النجاح يشبع لدى الفرد حاجة اساسية الى الشعور بقيمته الشخصية ويذكر ان اهم مصادر النجاح لدى المراهقين هو التقدم الدراسي او التفوق في نشاط رياضي، او غير ذلك من انواع النشاط التي تكسبه تقبل الجماعة واعجابها، ولما كان الجانحون مفلسين تماماً من هذه الاوجه من النشاط لذلك فان هذه الظروف تدفعهم الى انواع من السلوك البديل الذي يعوضهم عن الشعور المنتقد بقيمة ذواتهم فيندفعون الى الجريمة من اجل الحصول على الاموال وتطمين حاجاتهم التي حرموا منها مما يدفعهم الى السرقة وبخاصة سرقة الأشياء الثمينة كما هو الحال في سرقة متاجر الصاغة وبائعي الأجهزة الكهربائية والإلكترونية. مما تقدم يمكن القول ان للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد اكبر الأثر في سلوكه، وهذا مايؤكده عليه العالم ((ايتيان دي جريف ((Etinne de Greeff، استاذ العلوم الجنائية بجامعة لوفان (Louvain ) اذ يرى هذا العالم (( انه عندما يولد طفل فان مكانه الطبيعي هو أسرته واسرته تكون بالنسبة إليه وسطاً لا خيار له فيه وعليه ان يتحمله بالتمام خلال السنوات الأولى من عمره كما عليه ان يتحمل المكان من العالم الذي هو مرتبط به ولحظة التاريخ الذي يجيء فيها الى هذا الوجود فالأسرة تتضمن الوسط الجغرافي والتاريخي كما تتضمن الشارع الذي يقيم فيه والقرية او المنزل، وعندما يبلغ الطفل سن المدرسة تحدث اتصالاته الاجتماعية الاولى فيضاف الى الوسط غير الاختياري وسط اخر يصح ان نطلق عليه الوسط العارض Occasionnel milieu وتسمح الحياة عندئذ للطفل الذي يملك موارده بالافلات جزئياً من وسط غير المختار والدور الذي يؤديه الوسط دور ضخم جداً كما ثبت من التجربة حتى بالنسبة الى الاطفال العاديين.ان واقعة الميلاد في بلاد معينة تهيء لصاحبها قيماً يتشرب بالتقاليد والعادات وأساليب الوجود لهذا الاقليم ويبدو ان الاستعداد لا ينبع هنا من عامل جغرافي او حتى من عامل سلالي بمقدار ما ينبع من ظروف عامه للوجود والثقافة وهذا امر يمكن ان يعني علم الاجتماع الجنائي اكثر مما يعني دراسة الحالات الفردية على حدة فالوسط الاجتماعي هو الذي ينبغي ان يحسب له الف حساب لا الوسط الجغرافي وعند اجراء فحص فردي يهم ان نعرف العادات والتقاليد ومستوى الثقافة للوسط الاجتماعي الذي تخرج منه الشخص الخاضع للفحص(9). وفضلاً عما تقدم نجد ان (لافي بروص) يرى ان اغلب الجماعات تعتمد نموذجاً معيناً في السلوك هو عبارة عن خطة يرسمها الاهل لا بنائهم وهؤلاء لمن يأتي بعدهم فتنتقل من جيل الى آخر بواسطة التربية ووسائل الفرص المتعارف عليها ضمن هذه الجماعات ومع الزمن هذه الخطة عبر قيم سلوكية متعارف عليها يلتزم بها الافراد وان اصبحوا مستقلين اجتماعياً عمن فرضها عليهم ببلوغهم سن الرشد مثلاً او باختيارهم نهجاً استقلالياً في حياتهم(10).ولما كان الانسان كائناً اجتماعياً يسعى دوماً الى الانصهار في مجتمع معين يعكس تطلعاته ويتجاوب مع رغباته فيصبح جزءً منه من يشترك في صنع تراثه الثقافي كما يتعايش مع ذلك التراث ففي مثل هذا المجتمع يحدث نوع من الاصطفاء بين الافراد فيجذب بعضهم بعضاً انطلاقاً من مفاهيم معينه وشعور مشترك ووحدة في النظر الى الاشياء وتقبلها أو رفضها وكثيراً ما تتكون في المجتمع الواحد ثقافات ثانوية تسعى اما الى الانزواء او العيش على هامش الحياة العامة او تصطدم مع الثقافة السائدة فيتولد عن هذا الصدام مواقف عدائية تنقلب احياناً الى السلوك اجرامي.ان هذا الوضع الاجتماعي الذي يعيش في ظله الفرد يدفعنا من منطلق علمي الى ضرورة دراسة اهم ظواهر هذا التفاعل السلبي مع محيطه الاجتماعي بوصفها مؤشراً مباشراً في سلوكه مما يدفعه الى السلوك الاجرامي لارتكاب جريمة السرقة ومن بعض هذه الظواهر في المجتمع ما يأتي :-

1-السلوك التلاحمي المنحرف:-

هدفاً لها او ممارسة لنشاطها الاجتماعي سواء اكان ذلك بصورة اصلية أم بصورة هامشية. هذا التلاحم يجمع بعض الاشخاص الذين يجدون انفسهم في اوضاع عائلية او نفسانية او اجتماعية او مهنية متشابهه يشكون نفس الشكوى ويشعرون بنفس النفور تجاه الاخرين فيعقدون العزم على التعويض عن هذا الوضع الذي يقاسون منه بنشاطات منحرفة تعوض في نظرهم عن ضعفه او مصيبتهم او الاضطهاد الذي يشعرون به، مما قد يدفع بعضاً منهم الى السرقة .أظهرت احدى الدراسات الميدانية التي اجريت في العراق وتناولت دراسة لاحدى (الزمر) المجاميع الاجرامية التي ارتكبت مجموعة من الجرائم ان هذه المجموعة تعاني ((من حالات الاحباط الجنسي والتعطش المستمر للجنس فضلاً عن كون هذه الحاله ممزوجة بمشاعر الغيرة والحسد ازاء الاخرين الذين يشبعون رغباتهم الجنسية عن طريق الزواج المشروع او باساليب تكفلها لهم مواردهم وامكانتهم، كما تتصف هذه المجموعة بكونها تعاني من تدنٍ في مستواهم الثقافي وعوزهم المادي الشديد مما ولد لديهم مشاعر الحقد على المجتمع واندفاعهم بشكل طائش لاشباع حاجاتهم ولاسيما الجنسية لكونها تعزز في نفوسهم المريضة الشعور بالقدرة والكفاءة والقوة والفحولة وفي نفس الوقت التحدي للمجتمع ولقيمه وتقاليده ومعاييره الاجتماعية، كما يعاني معظم افراد هذه (الزمرة) من كونهم قد تركوا الدراسة في مقتبل العمر،- المرحلة الابتدائية- لعدم قدرتهم التوفيق بين الدراسة والعمل فولد ذلك شعوراً لدى هؤلاء بكونهم اقل شاناً من بعض زملائهم الذين كانوا يعملون معهم ويحقدون عليهم بسبب ما وصلوا اليه من مستوى ثقافي واقتصادي حقق لهم حالة الرفاه ومكنهم من اشباع رغباتهم مما دفع بعناصر هذه الزمرة الى استخدام العنف وسيلة للاعتداء على الاخرين والتصدي لمن يقف امام اشباع حاجاتهم ورغباتهم وملذاتهم، حتى ان تطلب الامر استخدام العنف باشد انواعه، كما ظهر ان معظم عناصر هذه الزمرة تعاني من اضطراب في شخصيتهم فمنهم من يعاني من حالات عصبية مختلفة كالقلق والافكار التسلطية والاعمال القسرية والاكتئاب والهستيريا فضلاً عن كون البعض منهم يعاني من انفصام في الشخصية مضادة للمجتمع وكانت هذه الاعراض اكثر وضوحاً لدى العناصر التي كانت تقود هذه الزمرة، وان معظم عناصر هذه الزمرة قد اعتادوا على تناول الخمور منذ الصغر، وقد يرجع هذا الاعتياد على تناول الخمور الى معاناتهم من مشاعر الخوف والقلق والتوتر النفسي والاحباط وذلك للتخلص من مشاعر الذنب لسلوك او لمواقف قاموا بها(11). ومما تجدر الاشارة اليه ان الصيغ التي تلف هذه الجماعات وتقربها من بعضها بعضاً فمنها ما يتوقف عند التلاحم العرضي والمواقف زمناً ومكاناً ومنها مايتخذ هيكلية معينة على درجات متفاوته من التنظيم الهرمي الى ان يصل احياناً الى مستوى العصابات التي تسيطر عليها طبقة قيادية هي نفسها منظمة تنظيماً هرمياً تتوزع ضمن النشاطات القيادية. ويجري ضمن هذه التنظيمات التدريب على الاعمال الاجرامية وفقاً لخطط مدروسة واساليب عمل معينة مما يسهل التعريف بها عند ارتكابهم الجرائم.

2-الانقياد الجماعي للاجرام:-

يحدث في الحياة الاجتماعية نوع خاص من التلاحم المنحرف يتميز بعضويته وطريقته اذ يتكون بين اناس لا تربطهم رابطة سابقة بل ظرف عرضي عابر يصهرهم فيما يشبه الضمير الجماعي المستقل عن ضمير كل منهم الفردي فيعتدون بالانصهار في مجموعة واحدة على ارتكاب جرائم معينة لم يكن يفكر بها ويقدم عليها احدهم لو كان منفرداً، ويحصل ذلك نتيجة لانقياد جماعي نحو الجريمه يحدثه شخص او اشخاص ضمن المجموعة اما بصورة عفوية او نتيجة لتخطيط سابق يرمي الى الافادة من المجتمع في سبيل تحقيق اهداف اجرامية. وهذا ما يحدث اجمالاً في اثناء المظاهرات التي تنطلق سلمية للتعبير عن مطالبة بحق وشرعية او لابراز الاستنكار والاستياء من احداث معينة. فما تلبث هذه المظاهرات ان تنقلب بتأثير انقيادي مفتعل من قبل اشخاص منظمين لتلك المظاهرات الى زمرة المعتدين تهاجم المحلات التجارية فتحطم الابواب والواجهات وتسلب وتنهب وتسرق. ففي مثل هذه الحالة تقتضي الملاحظة ان الافراد المنظمين للمظاهرة لا يعرفون اجمالاً بعضهم بعضاً ولا رابطة تجمعهم من قبل، كل ما حدث ان شعاراً معيناً اطلق فجمعهم فصهرهم ضمن بوتقة معينة فقدوا ضمنها ذاتيتهم واكتسبوا صفة لا شخصية عابرة فاقدموا على ما اقدموا عليه بفعل انقيادهم لايحاء جارف ولتمثل حاصل واستفادة من ظرف مموه على حقيقة شخصهم. هؤلاء انفسهم لم يكونوا ليقدموا على السلب والنهب والسرقة لا افراداً ولا جماعات صغيرة لو لم تتهيأ لهم الظرف العفوي العابر الذي اطلق القوة الغريزية لديهم لشعورهم بفقدان الرقيب الاجتماعي وتسترهم بالطابع المغفل للمظاهرة كلها(12).

3-الهروب المنحرف:-

ان الانقياد الجماعي نحو الاجرام تقابله حالة اخرى تختلف كل الاختلاف عن حالة الانقياد هذه، وتتمثل بالهروب المنحرف من المجتمع يتصف بالابتعاد الذهني عن الحاضر ويتعاطى المخدر او المسكر. حيث اثبتت الدراسات التي حاولت تفسير الاسباب التي تقف وراء الادمان على المخدرات والمسكرات، اثبتت وجود حالة الهرب من الواقع نحو عالم الخيال حيث يتحرر هؤلاء من ضغوط الحاضر مع مايحدث لهم من انزعاج وكبت نفساني داخلي، حيث وجد ان بعضاً منهم يلجأ الى المخدرات والمسكرات سعياً وراء التحرر من الضغوط النفسية التي تولدها الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية كما يلجأ بعضهم الاخر الى السرقة لاشباع الحاجات التي تلبي رغباتهم الذاتية(13).

_______________________

1- د. رمزية الغريب، العلاقات الانسانية في حياة الصغير ومشكلاته اليومية، القاهرة، 1987، ص51.

2- شاكر عبد الحميد سليمان، الطفولة والابداع، الكويت،1989، ص4.

3- د. عثمان خراج، الصحة النفسية للاسرة، القاهرة، 1966، ص76.

4- د. محمد علي حسن، علاقة الوالدين بالطفل واثرها في جناح الاحداث، القاهرة، 1970، ص102.

5 – Biener jerry parent child ships، N. Y.، 1979، p. 25.

6- د. انور محمد الشرقاوي، انحراف الاحداث، القاهرة، 1977، ص103.

7- د. ملاك جرجيس، مشاكل الصحة النفسية للاطفال، ليبيا،1985، ص10.

8-Jersild Arthur T. The Psychology of Adolescence،U. S. A. 1963. P.118.

9 – Etieme De Gree، Introduction a la criminologie، Paris، 1948، Volume.I. p.88.

10 – Henri Levy-Bruhl، Introduction soeiologique، premier International de criminology، paris، 1952، p.91.

11-د.مازن بشير محمد ، واخرون ، جرائم العنف دوافعها وأسبابها الاجتماعية و النفسية ، بغداد 1989 ، ص16-17

12- لمزيد من المعلومات الرجوع الى:

J. Pinatel، Les criminals par entrainement collectif d`ordre passionnel، Revae de science criminelle، Paris، 1958، p.664.

13- د. عثمان خراج ، مصدر سابق ، ص 79 .

التفكك الاسري من الاسباب الاجتماعية للسرقة :

ان الوضع الطبيعي لأي عائلة هو ان تتألف من زوج وزوجة بغض النظر عن وجود او عدم وجود اطفال(1). وفي بعض الاحيان نتيجة لعوامل وظروف عديدة وقد يشرح هذا الوضع الطبيعي محدثاً تفككاً او تصدعاً عائلياً وان اسباب هذا التصدع هي:-

1.وفاة احد الوالدين او كليهما او حدوث الطلاق بينهما او افتراقهما لاي سبب اخر كالانفصال الجنائي والهجر والسجن الطويل والمرض الطويل والهجرة الى بلد او اقليم آخر(2).

2.الحالة النفسية التي يعيشها الزوجان كحالة الخصام الدائم والعلاقات الزوجية المتنافرة والكراهية المتبادلة والشدة في معاملة بعضهم بعضاً(3).

3.كثرة عدد الاولاد.

ان كل حالة من الحالات السابقة ان لم تكن عاملاً حاسماً في دفع بعض افراد العائلة الى الجريمة، فهي في الاقل عوامل مساعدة لقيامه، ففي الحالة الاولى يلاحظ ان غياب احد الوالدين او كليهما يؤدي الى اضطراب العلاقات القائمة بين افراد العائلة لان الجو الطبيعي الملائم للنمو العاطفي والوجداني للأبناء هو عائلتهم التي يلقون فيها رعاية ابوية ويحسون فيها بسلطة الاب وبحنان الام وبالتماسك في العلاقات والتعاون بينهما(4). لكن فقدان الاب يؤدي الى فقدان النموذج الرجولي الذي يرغب الولد الذكر ان يحذو حذوه، لان وجود مثل هذا النموذج يساعد على تحقيق ذاته والقيام بدور الرجل البالغ الراشد في فترة لاحقة من حياته، ان انفصال الطفل عن امه مدة طويلة وخصوصاً خلال فترة الخمس سنوات الاٌوَل من حياته يساعد على تكوين نمط إجرامي تظهر علاماته في سلوكه اليومي داخل البيت وخارجه(5). ومما تجدر الاشارة اليه ان الاطفال يتعرضون نتيجة الطلاق الذي يحدث بين الابوين لمشكلات اخلاقية ناشئة عن التغير المفاجئ الذي يصيب حياتهم. الامر هذا ما يحرمهم من مقومات الشخصية المتكاملة وينمي فيهم النزعات العدوانية. ان ما يقال عن حالة الوفاة او الطلاق ينطبق ايضاً على الحالات الاخرى، حيث ان المرض الطويل او السجن الطويل يؤثر في الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للعائلة، كما يؤثر في تنشئة الابناء حيث يفقدون التوجيه السليم مما يعمل على دفع الابناء الى الانحراف من اجل سد متطلبات الحياة المعيشية للعائلة، وفي احدى الدراسات التي اجريت في جمهورية مصر العربية، ان 61.5% من الاحداث المجرمين كانت علاقتهم مع ابائهم سيئة وان 65% منهم كان الخلاف يسود العلاقة بين والديهم‘ كذلك اثبتت احصاءات اجريت في المانيا ان 63% من الاحداث الذكور المجرمين كانت العلاقة بين ابويهم سيئة وان 82% من الفتيات المجرمات ينتمين الى عائلات يسودها الخلاف وعدم التفاهم وفي احصاء اجري في الولايات المتحدة الامريكية تبين ان 90.5% من المجرمين نشأوا في اسر فيها سوء الخلق والاجرام وادمان الخمر(6). ويعتقد بعض العلماء بوجود علاقة بين عدد افراد العائلة والسلوك الاجرامي، لان الانحرافات السلوكية تحدث عادةً بنسبة اكبر في العوائل متعددة الاولاد وذلك لضعف رقابة الوالدين وانخفاض المستوى المعاشي وقسوة المعاملة، في حين يعتقد بعضهم الاخر ان الجنوح ينتشر في العوائل وحيدة الولد نتيجة لتدليله والتساهل الشديد في معاملته وعدم اختلاطه مع غيره فيصبح الطفل منعزلاً عدوانياً لا يفكر الا في ذاته(7). نخلص مما تقدم ان للأسرة اهمية كبيرة في بناء شخصية ابنائها عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية بما يؤدي الى تعزيز ثقتهم بأنفسهم وفي مساعدتهم على اتخاذ القرار وتظهر هذه الاهمية من خلال مراجعتنا للحقائق المتمثلة بكون الاسرة تمارس ادواراً عديدة لا يمكن تجاهلها في حياة الابناء وذلك لما لها من اهمية في تربيتهم وتشكيل شخصيتهم اذ ان مراحل العمر الاولى التي يقضيها الابناء في الاسرة تترك اثاراً عميقة في حياتهم وتمتد هذه الاثار الى حياتهم المستقبلية بدرجة لا يمكن تجاهلها ويظهر هذا في طريقة تكيف الابناء للأدوار الاجتماعية التي يطلب منهم ان يؤدوها، اذ ان الجو الانفعالي الذي يعيش فيه الابناء له اهميته في تحقيق توازنهم الانفعالي او اضطراب نموهم واضطراب شخصيتهم(8).

__________________

[1] -W. Ogburn and Nimkoff، Ahand book sociology fourth ed.، London، 1960، p.441.

2 -D. R. Taft، criminology، third ed. N. Y. 1956، p.191.

3- د. عدنان الدوري، جناح الاحداث، الكويت، 1985، ص243.

4- محمد طلعت عيسى، الخدمة الاجتماعية كاداة للتنمية، القاهرة، 1965، ص485.

5- J. D. W. Pearce، Juvenile Delinquency- London، 1952، p. 29.

6- د. فوزية عبد الستار، مبادئ علم الاجرام، القاهرة، 1973، ص157-158.

7- د. حسن شحاته سعفان، علم الجريمه، ط3، القاهرة، 1966، ص126.

8- د. مازن بشير محمد، دور الاسرة في تنشئة الابناء على الثقة بالنفس واتخاذ القرار، بغداد، 1987، ص8.

التفكك الاجتماعي من الاسباب الاجتماعية للسرقة :

التفكك الاجتماعي مصدراً للجريمة مذهب قديم له صيغ متنوعة اخترنا منها صيغة واحدة، هي صيغة عالم الاجتماع الامريكي ثورستن سيللين Therston Sellin الذي يرى ان التفكك الاجتماعي يؤدي دوراً قوياً في نمو ظاهرة الجريمه لان كل فرد يرتبط بمجموعة من الوحدات الاجتماعية وكل وحدة منها تشبع له حاجة اجتماعية او بيولوجية، وداخل كل جماعة منها تقوم معايير سلوكية متنوعة قد تكون عامة ومشتركه بين عدة جماعات وقد لا تكون كذلك بل هي مقصورة على جماعة معينه بذاتها . فالفرد العادي ينتمي الى اسرة معينة تتمثل معاييرها السلوكية بشأن التصرف في مواقف حياته اليومية، وقد ينتمي في نفس الوقت الى جماعة اللهو واخرى للعمل واخرى للدين او للسياسة وفي كل منها يتعلم بعض معايير للسلوك توجه صلاته بأفرادها وهذه المعايير قد تلتئم مع معايير الاسرة وقد لا تلتئم معها بحسب الاحوال، وكلما تعددت الجماعات التي ينتمي اليها الفرد تعددت فرص انتقاء الالتئام بين المعايير السلوكية لهذه الجماعات مهما حدث من تداخل فيما بينها. ومن الملاحظ ان المجتمعات المتحضرة تختلف كل الاختلاف عن المجتمعات البدائية لان في هذه الاخيرة ومثلها المجتمعات الريفية تقل احتياجات الفرد وتتميز المؤثرات المحيطه بها بدرجة من التناسق ومن الثبات وفيها يجد الفرد جميع احتياجاته داخل الجماعة التي يعيش فيها ومن ثم يشعر بدرجة معينه من الامان ومن الاطمئنان الى مستقبله قد لا يشعر بها في غيرها من الجماعات وهو يشعر بهذا الامان حتى في حالات الكوارث وفي العجز والشيخوخة. كذلك تعيش كل جماعة من الناس في حالة اكتفاء ذاتي قد يغنيها عن الالتجاء الى غيرها من الجماعات الاخرى، وفي هذه الظروف تكون نسبة الجرائم قليلة وتقع في الغالب من افراد من جماعة معينه ضد افراد من جماعة اخرى(1). اما المجتمعات المتقدمة حضارياً فانها تنفذ هذه الصفات تدريجياً فتعدد الحاجات عند الافراد، ويتعذر عليهم تحقيقها كما لا يتوافر الشعور بالأمان المطلوب او بالاطمئنان الى مستقبلهم على النحو الموجود في الجماعات الاوَل ، كما هو الحال في المجتمع الريفي بل تتباين فيها اساليب السلوك وتتعدد على نطاق واسع ومن ثم تتعدد صور الصراع داخل هذه المجتمعات وتتباين وفي هذه المجتمعات تتعدد الصلات بين الفرد داخل هذه المجتمعات وبين الافراد وبين عدة بيئات متنوعة لكل منها بأسلوب خاص من السلوك فينشب صراع دائم بين أساليب السلوك ونتيجة لهذا الصراع المستمر، تفقد الشخصية حالة الاتزان النفسي كما تضعف قدرته على التوافق للمواقف الاجتماعية التي يتعرض لها، لذا نجد انه يندفع الكثير منهم إلى الأجرام وبشكل خاص في الظروف غير الطبيعية كما هو الحال عندما يتعرض لضائقة مالية فيندفع الى السرقة والاختلاس والتزوير لمعالجة هذه الأوضاع الاقتصادية التي يواجهها. وهكذا يمكن القول انه كلما تقدمت المجتمعات في الحضارة تقدمت فيها أساليب السلوك وتنوعت مع احتمال التنافر بين بعضها ، وهذه الظاهرة التي تمثل نوعاً من التفكك الاجتماعي ومن عدم التناسق تسبب ضغوطاً متزايدة من المجتمع على الفرد، وتفرض على هذا الأخير ان يتخذ اسلوباً من السلوك لا يتفق مع الأسلوب الذي تعود عليه، ولما كان التكامل الاجتماعي وما يرتبط به من تناسق وانسجام هو الذي يضع الضمير العام او الشعور بالتكامل الاجتماعي الذي يعد اقوى حاجز ضد الانحراف والجنوح فان هذا التفكك وضعف التناسق في المجتمع يؤدي الى ازدياد نسبة الاجرام ويجب اعتباره السبب الحقيقي الكامن وراء تزايد نسبة ظاهرة الاجرام في المجتمعات المتقدمة حضارياً. ان الفرد في المجتمعات الحضارية يشغل عدة ادوار اجتماعية في آن واحد وهذه الادوار تأخذ مكانها في الجماعات والمؤسسات التي ينتمي اليها علماً ان ادوار الفرد تكون بناءة وفاعلة ومتكاملة اذا كانت الجماعات المؤسسة التي ينتمي اليها متجاوبة بعضها مع بعض وذات درجة عالية من التنسيق والتعاون والتفاعل الايجابي الحي. ولكن من الناحية الواقعية لا تكون الجماعات المؤسسية او المرجعية من حيث اتجاهاتها وقيمها وافكارها ومصالحها متعاونة ومنسجمة ومتكاملة، وعلية فان الاثار التي تتركها في مبادئ وسلوكية وعلاقات افرادها تكون مختلفة ومتقاطعة بعضها مع بعض مما يؤثر تاثيراً سلبياً في شخصية الافراد واتزانهم النفسي والانفعالي واستقرارهم الاجتماعي والفكري والاثار السيئة التي تتركها الجماعات المؤسسة المختلفة والمتناقضة غالباً ماتقود الافراد الى الولوج في السلوك الاجرامي الذي لا يضر بالفرد وحده فحسب بل يضر بجماعته ومجتمعه الكبير(2). اذن الضغوط المتعارضة التي تسلط على الفرد من الجماعات المؤسسية التي ينتمي اليها غالبا ما تنتج في تصدع واضطراب شخصيته بحيث لا تقوى على اداء المهمات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها وعندما تكون الشخصية عاجزة عن اداء ادوارها الوظيفية الاساسية ولاسيما بعد تعرضها للاخفاقات والانتكاسات والعقوبات بسبب عدم قدرتها على تلبية حاجات واوامر الجماعات المرجعية التي تنتمي اليها فانها تكون عرضة للجنوح والانحراف وتكون مستعدة للقيام بالسلوك الاجرامي(3). اخيرا يمكن القول ان الضغوط المتعارضة التي تفرضها الجماعات المرجعية على الفرد هي ظهور شعور الانتقام والعداوة عنده ولاسيما بعد اضطراب وتحطم شخصيته، وان روح العداوة والانتقام التي يحملها المجرم ضد المجتمع انما هي آتية من حالات الاحباط والخيبة والفشل التي تعرض لها خلال فترة حياته الطويلة(4).

___________________________

1- د. رؤوف عبيد، جرائم الاعتداء على الاشخاص و الاموال ، ط 7 ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1978 ، ص356

2 – Sprott. W Human Groups، Apelican pook، England، 1967، p.143.

3Murphy، GAnqutline of Abnormal Psychology، N.Y.، 1954. p536.

4- Stewart، E. The Human Bond، John Wiely and Sons، N.Y. 1979،p.260.

المؤلف : عبود علوان منصور

إغلاق