دراسات قانونية

الحقوق والحريّات المعترف بها في الدستور الأردني – بحث قانوني كبير

قيمة الحقوق والحريّات المعترف بها في الدستور الأردني

دراسة تحليلية

د.نفيس مدانات

ABSTRACT

There are three conditions that permit human rights to enjoy active protection within the legal system. The first of political nature. Registeration of human rights in positive law in carried on by the the existence of the “Stsate of Right”. This state of right cannot guarantee the effectiveness of its legal system unless its subjects have practiced self-determination in complete freedom, and unless there is a clear distinction between the legislative and the excutive autorities.
The second of condition is of legal nature. This concerns the preparation of a well-defined and protected legal framework that allows the registeration and guaranteeing of recognized reights. This framework stems, in actual fact, from the existence of a balance between the political authority and peoples’ liberties.
The third condition concerns the internal guarantees which mean that those who have rights and liberty also have the means to protect them and, at the same time, to allow the punishment of those who breach them. In spite of the importance of this last condition, it has proven insufficient in some countries. This is why I chose to write about the value of rights and liberties recognized in the Jordanian constitution.

ملخص
هناك شروط ثلاثة تسمح لحقوق الإنسان بالتمتّع بنظام قانوني هي : الأول : وهو ذو طبيعة سياسية، إذ أن تسجيل حقوق الإنسان في القانون الوضعي يتم بوجود دولة الحق، ودولة الحق هذه لا يمكنها أن تضمن فعالية نظامها الحقوقي إلا إذا كان مواطنوها قد قرّروا مصيرهم بحرية تامة، وكان هناك تمييزاً بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
الثاني : ذو طبيعة قانونية، وهو إعداد إطار قانوني محدد ومضمون يسمح بتسجيل الحقوق المعترف بها وضمانها. و هذا الإطار ينبع في الحقيقة من وجود توازن بين السلطة السياسية وحرية الأشخاص .
الثالث: يتعلق بالضمانات الداخلية التي تعني أن يكون لدى أصحاب الحقوق والحريات، الوسائل التي تكفل حمايتها وتسمح في الوقت نفسه بمعاقبة حالات خرقها .
ورغم أهمية هذا الشرط الأخير، فقد ثبت عدم كفايته في بعض الدول ما دفعني إلى اختيار “قيمة الحقوق والحريات المعترف بها في الدستور الأردني” موضوعاً لهذا البحث.

المقدمة
إذا أردنا أن نلقي نظرة على فعالية النصوص الدستورية فيما يتعلّق بحقوق الإنسان، فينبغي أن نتساءل عن المدى القانوني للتسجيل الدستوري لها. وهذا التساؤل يقودنا إلى مشكلة العلاقة بين الحرية وتدخّل الدولة أو بين السلطة والفرد. كما يشير إلى أن دراسة القوة القانونية لتأكيد حقوق الإنسان تعني كذلك التصدّي لقيمة الأنظمة التي تسعى لمعالجتها .
وعليه، فإنّ وضع قواعد حقوقية وإعداد أنظمة للحريات يتكشّف دائماً عن ميل يهدّد بتحديد الحقوق مهما كانت طبيعتها. وضمن هذا الإطار التحديدي فإنّه يحق لنا أن نتساءل فيما إذا كان للاعتراف بحقوق الإنسان أية فعالية. ومن أجل الإجابة عن هذه التساؤلات، نرى من الضروري أن نبحث في “نوعية” معالجتها – على المستوى الداخلي – معالجة تتضمن احترام حقوق الإنسان.
في الحقيقة إنّ النص على الحقوق السياسية والاقتصادية في صلب الدستور الذي هو قمّة التسلسل الهرمي للقواعد القانونية، يعني إعطاءها مكانة رفيعة، فالدستور إذن وليس القانون هو الذي يضمن تقرير الحقوق الأساسية في القانون الوضعي وإثباتها .
أمّا فيما يتعلق بالمعالجة الحسّية لها، فإنها تعود للمشرّع وفي بعض الأحيان للسلطة التنفيذية نفسها. كذلك يجب ألا يغيب عن بالنا أن بعض المعاهدات لها قوة قانونية في بعض الدول تفوق قوة القوانين الوطنية(1).
ويسعى هذا البحث إلى معالجة هذه المبادئ نافذاً من خلالها إلى إجراء دراسة تحليلية للنظام القانوني الأردني وهو نظام نموذجي من جهة الصعوبات التي تثيرها الضمانات الداخلية للحقوق والحريات الأساسية. في الحقيقة إنّ دستور المملكة الأردنية الهاشمية لعام 1952 يقدّم مثلاً جيداً للنظام القانوني الأردني، فهو في مجال الأنظمة يحدّد صلاحية السلطة التنظيمية على سبيل الحصر. وعليه، فإنّ هذا البحث سيشمل على ثلاثة مباحث هي :
الأول: حقوق الأردنيين وحرياتهم؛ والثاني: الصلاحية التشريعية والصلاحية التنظيمية في مادة حقوق الإنسان؛ والثالث: الجزاءات المترتبة على خرق الحقوق والحريات المعترف بها في الدستور.

النظام القانوني الأردني

إنّ للنظام القانوني الأردني سمة متميّزة، والذي أعطى له هذه الخاصية هو اتجاه رجال السلطة القضائية – وهم الأغلبية في المجلس العالي لتفسير الدستور – من خلال سلوكهم في تفسير نص المادة (123) من الدستور(2). مما عكس الشيء الكثير على اجتهاد محكمة العدل العليا في مجال حماية الحقوق المعترف بها بالدستور. وهذا ما سنلاحظه من خلال دراستنا لهذا النظام الذي يفرض علينا معالجة حقوق وحريات الإنسان الأردني بشيء من التفصيل في مبحث أولي.

المبحث الأول
حقوق الأردنيين وحرياتهم

في معرض البحث في النظام القانوني الأردني المتعلّق بالضمانات الداخلية لحقوق الإنسان وحرياته يتوجّب علينا أن ندرس المطالب التالية :
– موضوع حقوق الأردنيين في الدساتير في الدساتير الأردنية المتعاقبة (مطلب أول).
– أنواع الحقوق المعترف بها للأردنيين (مطلب ثاني).
– القضايا التي يثيرها الاعتراف بالحقوق الجماعية (مطلب ثالث).

المطلب الأول
موضوع حقوق الأردنيين في الدساتير الأردنية المتعاقبة

منذ أن تأسّست الإمارة في شرقي الأردن وحتى يومنا هذا تمّ وضع ثلاثة دساتير هي :
القانون الأساسي لشرق الأردن وصدر بتاريخ 16/4/1928، ثم صدر أول دستور بتاريخ 1/2/1947، وذلك بعد أن أصبحت مملكة مستقلة، وأخيراً صدر الدستور الحالي بتاريخ 8/1/1952. وعليه فإننا سنتصدّى لموضع حقوق الإنسان الأردني وحرياته في كل منها في بند مستقل. على أنه بادئ ذي بدء يتوجّب علينا أن نشير إلى أن هناك فلسفتين رئيسيتين في العالم فيما يتعلق بمكانة الحقوق المعترف بها في الدستور. ففي تقاليد البلدان الحرّة مثل أمريكا وفرنسا نجد أن مكانتها في مقدّمة الدستور والسبب في ذلك أن رجال القرن الثامن عشر كانوا يرون أن لحقوق الإنسان الأفضلية على تنظيم المجتمع، وهذه الحقوق موجودة قبل المجتمع، وأنّ هذه الدساتير تضمّنت هذه الحقوق، إذن يجب تعريف الحقوق أولاً، وسواء أكانت موضوعة في المقدمة أو في متن الدستور فإن لها قيمة دستورية.
في حين إنه من وجهة النظر الماركسية، نجد أن مكانة الحقوق في نهاية الدستور وسبب ذلك هو الاختلاف في الفلسفة. ففي رأي السوفيات سابقاً أن “الإنسان لم يولد حراً ولكنه يصبح حراً عندما يصل المجتمع : أولاً، إلى المرحلة الاشتراكية، ثم ثانياً، إلى المرحلة الشيوعية، أي عندما يتملك وسائل الإنتاج. وبالتالي فإن الحرية في رأيهم ليست معطية بل إن الإنسان يكتسبها بالصراع.

البند الأول : القانون الأساسي لشرق الأردن الصادر بتاريخ 16/4/1928
يتضمن هذا القانون (72) مادة تقع في مقدمة وسبعة فصول، وقد اعترف بحقوق الشعب وعالجها في الفصل الأول منه، من المادة الرابعة حتى المادة الخامسة عشر. أمّا المقدمة فلم تتعرض لهذه الحقوق، وعليه فالمشكلة التي أثارتها مقدمات الدساتير في فرنسا لا تعرض هنا، إذ أن النص على حقوق الشعب وارد في متن القانون الأساسي، وبالتالي فلا خلاف حول قيمتها القانونية. إنّ نية واضعي هذا القانون قد اتجهت إلى إعطاء الحقوق المعترف بها نفس المدى والقوة التي لباقي النصوص في القانون الأساسي .

البند الثاني : أول دستور للمملكة الأردنية الهاشمية بتاريخ 1/2/1947
ويتضمن هذا الدستور أيضاً (79) مادة تقع في مقدمة وثمانية فصول. وهو يعترف بحقوق الشعب ويعالجها في الفصل الأول منه في المادة الخامسة حتى المادة الحادية والعشرين .

إنّ المقارنة بين هذا الدستور والقانون الأساسي الذي سبقه في الوجود تبرز لنا ما يلي :
– إنّ دين الدولة وهو الإسلام الذي كان منصوصاً عليه في المادة العاشرة من الفصل الأول من القانون الأساسي، قد أصبح منصوصاً عليه في المادة الثانية من مقدمة هذا الدستور.
– إن مسألة دين الدولة قد تطرح علينا التسؤال التالي: ما هو المقصود بنسبة ديانة معينة للدولة، ما دامت أنها شخصاً اعتبارياً لا يستطيع القيام بالصلاة أو الصوم أو العبادة .
في الحقيقة إنّ نسبة دين الدولة إمّا أن يقصد به الأصل الذي تستوحي منه الدول أصول تشريعاتها، وهنا يلاحظ أن بعض الدول بالرغم من أنها تنسب لنفسها ديناً معيناً إلا أنها تستمد قوانينها من أصول غير دينها، وأما أن يقصد به جعل المواطنين الذين يتبعون دين الدولة في وضع متميّز. أمّا المملكة الأردنية الهاشمية فقد اعتادت على التمسك بالتقاليد العربية الإسلامية الأصلية وذلك باللجوء إلى الدين الإسلامي الحنيف كي تستوحي منه أصول تشريعاتها(3).
عند مقارنة المادة الخامسة من القانون الأساسي الذي تنص على أنه “لا فرق في الحقوق أمام القانون بين الأردنيين ولو اختلفوا في العرق والدين واللغة”، بالمادة السادسة من الدستور الأول والتي جاء فيها “الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييز في الحقوق والواجبات بينهم وإن اختلفوا في الأصل أو اللغة أو الدين”، نجد أنّ الحقوق يتواضع معها واجبات. وعليه لنا أن نتساءل ماذا يعني هذا التواضع”. إنّ هذا التواضع، أولاً: خطر. ثانياً: غير مفيد .
فالحقوق والواجبات لا تعود لنفس النظام القانوني، فالواجبات تعود للنظام الخلقي في حين أن الحقوق تعود للنظام القانوني؛ فالقاضي أو البوليس لا يهتمّان بالواجبات “مثال ذلك الصديق غير الوفي” لأنها تعود للنظام الخلقي. أيضاً أنّ الواجبات تضع الشبهة على الحقوق.
فالاتصال بينهما يحوّل الواجبات إلى التزامات “مثال السوفيات” فقد استطاعت الدولة أن تستخلص منها :
1. وضع قيود على الحقوق .
2. ثم أنها قد أدّت إلى انزلاق الواجبات إلى التزامات مما أدّى إلى التحوّل من الحرية إلى التسلط.
3. وهذا يؤدي إلى الخطورة، فالدساتير التي تعرّف واجبات المواطنين نحو المجتمع مثل دفع
الضريبة أو الخدمة العسكرية، لا يمكن أن تعرّف بنفس الوقت الحقوق والواجبات لأنه يمكن
أن تؤدي إلى التزامات .
ثم إنّ ذكر الواجبات غير مفيد، لأنه هناك خلق اجتماعي مفاده أن الاعتراف بحق من الحقوق يؤدي إلى تأكيده واحترام، أي احترام الحق من قبل الغير، فمثلاً رب العمل عليه أن يحترم حق المستخدم .

البند الثالث: دستور المملكة الأردنية الهاشمية الصادر بتاريخ 8/1/1952
إنّ دستور عام 1952 يخلو من مقدمة ويتألف من (131) مادة تقع في تسعة فصول. وقد بحث الفصل الثاني منه في حقوق الإنسان الأردني وواجباته. وعند مقارنة هذا الدستور بما سبقه نلاحظ أن الفصل الأول الذي عالج حقوق الإنسان الأردني في كل من القانون الأساسي لعام 1928 والدستور الأول لعام 1947 يحمل عنوان “حقوق الشعب” بينما الفصل الثاني من الدستور الحالي له عنوان” حقوق الأردنيين وواجباتهم”، وهذا يقودنا إلى إبداء الملاحظات التالية :
أولاً : إذا كان ذكر الواجبات ورد في سياق المادة السادسة من دستور عام 1947، نجدها في الدستور الحالي عنواناً للفصل الثاني منه وهذا دليل على إصرار المشرّع الدستوري عليها بالرغم من خطورتها وعدم فائدتها .
ثانياً: نلاحظ أن الدستور الحالي قد استبدل عبارة “حقوق الشعب” التي ورد ذكرها في القانون الأساسي ودستور عام 1947 بعبارة “حقوق الأردنيين….” وهذا التبدّل له علاقة بالحقوق السياسية للمواطن، وعليه لا بد من ذكر كلمة في هذا المجال :
إنّ مفهوم الشعب هو مفهوم غامض ليس له حقيقة واقعية، وإنّ ما يوجد من الناحية الحسّية هو السكان. لكن السكان ليسوا الشعب من الناحية السياسية، فالشعب لا يوجد إلا من خلال تعريف قانوني في حين أن السكان هيئة غير منظمة من الأفراد تتضمن المهاجرين والأطفال ومختلّي العقل والمحكومين جزائياً والمفلسين وغيرهم، وهؤلاء ليس لهم وجود سياسي. ومفهوم الشعب يستبعد جميع هذه الفئات، وعليه، فإن مفهوم الشعب لا يمكن إلا أن يقوم على التحكم. وكما أن التحكم يلازم مفهوم الشعب، فهو يلازم أيضاً الطريقة التي يدعى بها أفراده للتعبير عن إرادتهم .
إنّ روسو كان قد عرّف الشعب في كتابه “العقد الاجتماعي” بأنه يتألف من مجموع الأفراد الذين يقيمون في الإقليم الخاضع للدولة. ولهذا فكل فرد هو مواطن وهو لم يقبل بالخضوع إلى الإرادة العامة إلاّ بعد أن ضُمن له في المقابل الحق في المشاركة في إعداد هذه الإرادة. وفي نظرية السيادة الشعبية كما يراها روسو يملك كل فرد من الأفراد الذين يشكلون الهيئة الاجتماعية جزءاً من السيادة، وأنه من خلال أخذ رأي كل واحد من الأفراد نستطيع التوصّل إلى إرادة المجموع. وعليه، فإنّ الاقتراع السياسي حق لكل مواطن. وهذا الحق يجب ممارسته شخصياً، وإذا فوّض فرداً سلطته فإنه يتخلّى عن حريته، فالسيادة لا يمكن أن تمثل، ولنفس السبب لا يمكن التخلّي عنها. فكل قانون لم يصدّق عليه الشعب باطل، وهو ليس بقانون .
وبدلاً من هذه النظرية فضّلت الهيئة التأسيسية نظرية سيادة الأمة، وهي أقل ديمقراطية على الأقل فيما ستؤدي إليه.
– إنّ دستور عام 1952 كسابقيه لم يعترف بالحقوق إلا للإنسان الأردني فقط، وبالتالي فإن هذا الاعتراف ليس له الصفة العالمية، ويا حبّذا لو أن هذه الفصل كان له كعنوان “حقوق الإنسان والمواطن الأردني” لكان أفضل وخصوصاً وإنّ الحقوق المدنية لها الصفة العالمية وموروثة في الطبيعة الإنسانية .
– أيضاً إنّ هذا الدستور يعترف بالحقوق لطوائف أخرى غير الأردنيين والجماعات والجمعيات، كالأحزاب السياسية واللاجئين السياسيين، والعامل والنساء والأحداث .
– ويلاحظ أن الدولة الأردنية قد انتقلت إلى مرحلة “الدولة رعاية وعناية”، فإلى جانب سلطة الأمر ظهر الالتزام بالعمل، وبدأت الدولة تتدخل من أجل تقديم الخدمات للمواطنين. وهذا ما نلاحظه بوضوح من تكاثر عدد الوزارات(4).
– وفي هذا الدستور نجد عنصراً رائعاً وهو تقديم المساواة على الحرية(5)، إذ أنّ الحرية لا معنى لها بدون المساواة، ولهذا أتى الدستور على ذكر المساواة في المادة السادسة منه قبل أن يتعرّض للحريات. وهذا له أهمية كبيرة، فهذه المساواة هي للرجال والنساء، وهذا يمنع كل تمييز مهما كان نوعه بشكل مبدئي “باستثناء بعض الدساتير مثل جنوب إفريقيا سابقاً”.

وبعد أن تمّ استعراض مكانة الحقوق في الدساتير الأردنية المتعاقبة، نرى من الواجب الانتقال للبحث في نوعيّة هذه الحقوق ومضمونها .
المطلب الثاني
أنواع الحقوق المعترف بها للأردنيين في دستور عام 1952

يمكن تصنيف الحقوق والحريات المعترف بها في هذا الدستور إلى طائفتين رئيسيتين هما :
أولاً: طائفة الحقوق المدنية والسياسية

1- الحقوق الفردية :
الأمن :
إنّ حقوق الإنسان قد ولدت من الصراع ضد التحكّم، فهي على ما يبدو مرتبطة بالديمقراطية، وهي شكل من أشكال تنظيم الدولة وتتضمن حرية الأشخاص في العلاقات السياسية وكذلك في النصوص القانونية. وأول حق يتوجب علينا ذكره هو الحرّية الفردية وهي تسمى “الأمن الحقوقي” أو الأمن. ونقصد بالأمن، التأكيد للمواطنين بأنهم لم يتحملوا أية وسيلة يمكن أن تسلبهم حريتهم الشخصية وعلى الأخص من جانب السلطة السياسية .

حريات الشخص الطبيعي :
إنّ الحماية العامة لحريات الأفراد تتضمن بعض الحقوق التي تضمن إلى جانب الأمن، ضمانة حريات الشخص الطبيعي، وضمن إطار هذه الحماية الخاصة يصنّف من ناحية تقليدية:
– حرية التصرّف بالجثة “الحق في السلامة الجسدية، وحق الإنسان على جثته مثلاً”.
– حرية التنقل، فهي غير قابلة بالنسبة للمواطن الأردني الذي يتنقل على إقليم الدولة الأردني لأي قيد من جانب الإدارة إلاّ في الأحوال المبيّنة في القانون .
– حماية الحياة الخاصة، وهي تشمل النصوص التي تسعى لحماية محيط خاص بالفرد ويكون حراً في رفض دخول الآخرين إليه، أو الكشف عن الحالة المدنية للأشخاص، وحرية اختيار السكن… ألخ.
– حرية الضمير، إنّ الحقوق التي تتضمنها هذه الحرية عديدة، منها حرية الرأي وحرية التعبير عن الأفكار وحرية نشرها وحرية الاعتقاد، وهنا يجب أن لا نخلط بين حرية الأديان وحرية الاعتقاد. وقد نصّ الدستور على ما يلي :
م/7 الحرية الشخصية مصونة .
م/8 لا يجوز أن يوقف أحد أو يحبس إلا وفق أحكام القانون.

م/9 1. لا يجوز إبعاد أردني من ديار المملكة
2. لا يجوز أن يحظر على أردني الإقامة في جهة ما ولا يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون.

م/10 للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها في القانون .

م/13 لا يفرض التشغيل الإلزامي على أحد .
م/18 تعتبر جميع المراسلات البريدية والرقية والمخاطبات الهاتفية سرية فلا تخضع للمراقبة أو التوقيت إلا في الأحوال المعينة في القانون .

م/15 1. تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعبّر بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط أن لا يتجاوز حدود القانون .

2- الحقوق السياسية :

وهي تعني الحق لكل أردني بأن يتولّى المناصب العامة في الدولة، وكذلك حرية الانتخاب وذلك من أجل تمكين المواطنين المشاركة في عملية الاختيار السياسي والمساهمة في تسيير المؤسسات السياسية في الدولة، وقد أتى الدستور على ذكرها .
– م/22 فقرة /1 : لكل أردني حق تولّي المناصب العامة بالشروط المعينة في القانون والأنظمة.
إنّ الحقوق السياسية والحقوق المدنية تشكّل معاً ما يسمى بحقوق الجيل الأول، وتختلف الحقوق السياسية عن الحقوق المدنية بأنها ليست حريات بل إنها سلطات عمل وهي تعود للمواطن فقط، ولا يمكن ممارستها إلا في داخل الدولة التي يتبع لها الفرد، وتشكل أساس النظام السياسي. أمّا الحقوق المدنية فهي حريات وتعود للجميع بدون التدخل التحكمي للدولة. وعليه فالحريات هي الحقوق الأساسية .
وإذا كان بالإمكان تمييز طائفة الحقوق المدنية من طائفة الحقوق السياسية فإن ليس بالإمكان فصلهما، لأنه إذا لم تكن حقوق المواطن مضمونة فكيف يمكننا القول إذن بأن حقوق الإنسان مصونة؟
إنّ التدخلية التي تميز دستور عام 1952 عمّا سبق من دساتير هي إحدى الأسس الرئيسة لتراجع الفردية والسماح بظهور أصحاب حقوق جدد، وتؤدي إلى نبذ الأنانية وبالتالي فهي إعلان لمجيء الحقوق الجماعية.

ثانياً : الحقوق الجماعية
إنّ مضمون بعض دساتير القرن التاسع عشر قد أبدى تطوّراً ملحوظاً في مفهوم الحقوق التي تعترف بها(6)، وبشكل عام فإن التحوّلات الرئيسة تدور حول محورين : الأول : هو تراجع الفردية، والثاني : هو أن الحقوق الفردية المطلقة عظيمة الشأن قد أصبحت نسبية. والدستور الأردني لعام 1952 يسير في نفس الاتجاه. إذ أنّ المادة/23 منه في فقرتها الأولى تؤكد بأنّ : العمل حق لجميع المواطنين وعلى الدولة أن توفره للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به، فهذه المادة تحمل آثار المفهوم الديمقراطي وكلك المفهوم الاشتراكي لحقوق الإنسان، أيضاً إنّ المواد 21، 23 من هذا الدستور كانت قد أبرزت أصحاب حقوق جدد غير الأفراد أو المواطنين وذلك كالعامل واللاجئين السياسيين والنساء والأحداث .في الحقيقة أنه للحقوق الجماعية مضمونين متميزين :
– الأول : هو أنها مجموع الحقوق التي تضمن لجماعات من الأفراد غير معينين عدداً من الحريات مثل حرية الاجتماع وحرية تشكيل الجمعيات والأحزاب السياسية وحرية الأديان والصحافة … (7).
– الثاني : هو أن هذه الحقوق تستفيد منها مجتمعات لها خصائص معينة، أو هي الحقوق التي تحمي هذه المجتمعات ضد أنواع التمييز العرقي أو الخلقي أو اللغوي وأخيراً الديني(8).

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

إنّ ما يميّز الحقوق السياسية هو أنها تسمح للأفراد بالمشاركة في عملية تسيير المؤسسات الديمقراطية في بلادهم، إلاّ أنّ الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ناشئ في الواقع عن تغيّر في العلاقة بين السلطة والمواطن. فالمطلوب من الدولة من الآن فصاعداً هو أن تتدخّل من أجل تأمين الحاجات التي يشعر بها الرجال وعلى هذا فإنّ ظهور الحقوق الاجتماعية والاقتصادية قد جعل مضمون حقوق الإنسان مزدوجاً. فهناك الحقوق الأساسية التي تشكل الحريات التقليدية إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يقع على عاتق الدولة تأمينها للمواطن. كما أن أحد الأسباب التي دعت إلى ضرورة الاعتراف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية هو البحث عن جعل الحقوق الأساسية حقوقاً واقعية وحسّية. إذن فهي ضرورية لممارسة حقوق الجيل الأول (الحريات الأساسية) التي هي قطاع محفوظ ضد تدخل الغير وعلى الأخص الدولة، لكن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تشكّل حقوق الجيل الثاني تتطلب من الدولة التدخل، بمعنى أن لي الحق أن أطلب من الدولة شيئاً وهي عليها أن تقدّم ما يطلب منها، فهي تضع على الدولة التزام إشباع الحق الذي يوضع في مواجهتها. في إذن دين على الدولة (المجتمع)، أي أنها حقوق ديون، بينما حقوق الجيل الأول تتطلب من الدولة الامتناع .
أيضاً أن حقوق الجيل الثاني لها صفة نسبية، لا يمكن إشباعها إلا إذا وضعت الدولة الوسائل لدى الأفراد، كما لا يمكن فرضها على الخاصة وأن المجتمع الدولية لم يضع بعد ضمانة كافية لهذه الحقوق، وعليه، فالدول النامية أو غير النامية لا يمكن أن تكفي هذه الحقوق أنّ الإنسان يحتاج إلى الحرية والطعام، لكن ليس لهما نفس الطبيعة، فمثلاً يلاحظ الخلاف بينهما في دستور ألمانيا الاتحادية سابقاً إذ أنه قد نظم ضمانة الحقوق بصورة مفصلة بينما نجده يؤكد الحرية، في حين أن حقوق الجيل الثاني أي الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن ضمانها بنفس الصورة.
– ويندرج تحت طائفة الحقوق الاقتصادية: حق الملكية وهو ناتج عن إيحاء ليبرالي، فالملكية حق لكل إنسان. أمّا حرية تأسيس المشروعات فهي مقبولة في الفكر الليبرالي ومرفوضة في الفكر الماركسي، كما أن الاشتراكية تمنع تملك وسائل الإنتاج. ويندرج أيضاً حرية التجارة وحرية التبادل التجاري وحرية تحديد الاثمان والأجور في ضوء حالة السوق وقانون العرض والطلب(9). وقد جاء في الدستور الأردني: م/11: لا يستملك ملك أحد إلا للمنفعة العامة وفي مقابل تعويض عادل حسبما يعين في القانون.
– الحقوق الاجتماعية : وتتكون الحقوق الاجتماعية من أربعة أنواع من الحقوق هي الحق في تشكيل النقابات، وهو مرتبط بالحق بالإضراب ويسمح للعمال بالدفاع ضد سيطرة القوى الصناعية على حقوقهم، ثم الحق في الاستخدام والحق في الضمان وهذين الحقين ناشئين عن عدم التوافق بين متطلبات العمال ومبادىء المشروع الحر، وأخيراً الحق في الثقافة(10).

أمّا وقد تمّ استعراض طوائف الحقوق المعترف بها بدستور المملكة الأردنية الهاشمية لعام 1952، فإننا نرى لزاماً علينا أن نتعرض للقضايا التي يثيرها الاعتراف بالحقوق الجماعية.

المطلب الثالث
القضايا التي يثيرها الاعتراف”بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية”

إنّ تمييز حقوق الإنسان إلى حقوق فردية “مدنية وسياسية”، وحقوق جماعية “اقتصادية واجتماعية” يثير مشكلتين :
الأولى : وهي مشكلة تكامل هذه الحقوق فيما بينها .
الثاني: فهي مشكلة التوفيق بين هذين النوعين من الحقوق .

في الواقع إنّ قضية التكامل لا تستوقفنا كثيراً بالرغم من بعض الحالات الاستثنائية، فمثلاً، ما فائدة حرية الصحافة لشخص لا يعرف القراءة، أو حرية التعبير والتنقل لمن هو مختل العقل. فإذا تركنا هذه الحالات الاستثنائية جانباً، فإنه باستطاعتنا القول بأنّ الشخص هو مجموعة مركبة من الحاجات العديدة والضرورية لوجوده، فإذا حصل على بعض منها وحرم من البعض الآخر فكأنه قد حرم من كل الحقوق، لأنّ كل واحد منها يشكّل حجر الزاوية في مجموعة هذه الحقوق، لكن إذا كانت هذه الحقوق في مجموعها تؤثر في تقدّمها وفي مستقبلها بصورة متبادلة، وإذا كان تواجدها مع بعضها أمراً مرجواً لأنه مفيد، فقد تحقق أنه يصعب هذا التواجد بسبب عدم التوافق الذي تجره فيما بينها. إنّ عدم التوافق هذا ليس أمراً عارضاً أو ظرفياً، بل على العكس أنه تعارض عميق ودائم، مثل حرية التظاهر التي تعطل حرية السير، أو حق الجماعة الذي يتعارض مع حق أحد الأفراد. وادّعاء البعض بحقوقه يتعارض مع حقوق الآخرين، كما أن الحاجة إلى المساواة تهدد الحرية. وعلاوة على ذلك، فإنّ إرادة الحرية تصطدم بحق الأمن، وغير ذلك من النزعات المكشوفة أو المستترة بين هذه الحقوق. ومن الطبيعي أنّ هذا التعارض والتصادم يحتاج إلى قاضٍ خاص لكي يقيم بينهما التوازن الصعب الدقيق.
أمّا وقد تمّ استعراض مكانة ونوعية الحقوق المعترف بها في دستور المملكة الأردنية الهاشمية لعام 1952، فإنه لا بدّ لنا استكمالاً للبحث من دراسة مدى الصلاحيتين التشريعية والتنظيمية في هذا المجال.

المبحث الثاني
الصلاحية التشريعية والصلاحية التنظيمية في مادة حقوق الإنسان
في دستور المملكة الأردنية الهاشمية لعام 192

إنّ التصدي للصلاحيتين التشريعية والتنظيمية في مادة حقوق الإنسان يحتاج لمطلبين أساسيين للمعالجة، وعليه فإننا سنتعرض في
مطلب أول : لتعريف القانون والنظام في ظل دستور عام 1952؛
وفي مطلب ثاني : لمجال القانون الشكلي ومجال النظام.

المطلب الأول
تعريف القانون والنظام في ظل دستور عام 1952

من استقراء نصوص الدستور (10). نجد أنّ القانون الصادر عن البرلمان يجب تعريفه شكلياً، فهو القرار الصادر عن السلطة التشريعية المعترف بها بالدستور وحسب الأشكال المحددة بالدستور أيضاً. فالقانون الشكلي إذن هو القرار الذي صوّت عليه مجلسا النواب والأعيان وأصدره الملك. وليس لأي عنصر مادي – يتعلق بمضمون القانون – أي اعتبار، أي لو أن نصاً اتخذ على الشكل التشريعي وكان له غرض خاص فإن ذلك لن يرفع عنه صفة القانون(12).
وبالمقابل فإنه يتوجّب تعريف النظام شكلياً ومادياً: فمن الناحية الشكلية هو عمل إداري وقرار نافذ اتخذ من قبل رئيس السلطة التنفيذية، أو فيما يتعلق بالأنظمة الثانوية من قبل السلطات الإدارية الخاضعة له .
أما من الناحية المادية، فإن النظام يتميّز من بين مجموع القرارات الإدارية بأنه يتضمّن أوامر عامة وغير شخصية، وهو بذلك يختلف عن بقية القرارات الإدارية غير التنظيمية .
وعلى هذا، فإنّ بين القانون والنظام تشابهاً من الناحية المادية واختلافاً من الناحية الشكلية، فمن الناحية المادية نجد الأنظمة كمعظم القوانين تتضمّن إصدار “قواعد عامة وغير شخصية Des Regles Generales et Impersopnnelles. أمّا من الناحية الشكلية فإنّ القانون هو “التعبير عن الإرادة العامة”.
هذا ما كان من تعريف القانون والنظام في التقاليد الدستورية في المملكة الأردنية الهاشمية. أمّا دراسة مجال كل منهما فهو ما سيتناوله المطلب الثاني من هذا المبحث.

المطلب الثاني
مجال القانون الشكلي ومجال النظام

سنقتصر في بحثنا هذا فقط على الأنظمة التي تتّخذ من قبل رئيس السلطة التنفيذية ثم تسعى لدراسة القوانين المؤقتة والمادة /91 من الدستور. فإنّ هذا المطلب سيتضمن البنود الثلاث التالية:
– البند الأول : المجال المحفوظ للقانون الشكلي والنظام .
– البند الثاني : القانون المؤقت .
– البند الثالث : المادة /91 من الدستور .

البند الأول : المجال المحفوظ للقانون الشكلي والنظام
‌أ- الدستور لم يحاول تعريف السلطة التشريعية من خلال مجال مادي ولكنه عرّفها من خلال المواد 91، 92، 93 بأنّها السلطة التي يمارسها مجلس الأمة .
‌ب- هناك بعض المواضيع المحفوظة للمجال التشريعي، كحقوق الأردنيين(13) والجنسية(14). وفرض الضرائب وتحديد مقدارها(15)، وتعيين أنواع المحاكم ودرجاتها وأقسامها واختصاصاتها وكيفية أدائها(16).
‌ج- هناك أيضاً مجال مخصص للسلطة التنفيذية تحدّد بالمواد 45 فقرة /2، 114، 120(17).
‌د- وأمّا ما تبقّى من المواضيع فهو من اختصاص السلطة التشريعية، تشرّع فيه بدون حدود. والسلطة التنظيمية هنا لا يمكن ممارستها إلا من أجل وضع وسائل تطبيق القوانين .
وبذلك فهي تبدو سلطة خاضعة وتمارس بالقدر الذي تسمح به القوانين وبشرط أن لا تخالف أحكامها، والسلطة التنظيمية نجد أساسها في المادة/31 من الدستور التي تنص على أن “الملك يصدّق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها بشرط أن لا تتضمن ما يخالف أحكامها”.
هـ- لدى الحكومة والبرلمان إجراءات دستورية تمنح كل منهما الحق بأن يعطل أو يمنع العديات التي ترتكبها أحدهما على مجال الآخر، إذ جاء في المادة /122 من الدستور: “للمجلس العالي المنصوص عليه في المادة /57 حق تفسير أحكام الدستور إذا طلب إليه ذلك بقرار صادر عن مجلس الوزراء أو بقرار يتخذه أحد مجلسي الأمة بالأكثرية المطلقة ويكون نافذ المفعول بعد نشره في الجريدة الرسمية.
ولقد قرّر المجلس العالي(18) لتفسير الدستور أنه لا يجوز أن يتناول القانون العادي أي أمر من الأمور المحدّدة في المادة /120 من الدستور، وأن القانون الشكلي الذي يتناول مثل هذه الأمور يعتبر مخالفاً للدستور، وهذا نص قراره “وبعد التدقيق والمذاكرة تبيّن لنا أن الدستور في المواد 24-27 أقرّ مبدأ الفصل بين سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فأناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة والملك، والسلطة التنفيذية بالملك يتولاها بواسطة وزرائه، والسلطة القضائية بالمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون بإسم الملك، فبالنسبة للسلطة التشريعية فإنها تملك حق التشريع في كل الموضوعات باستثناء المسائل التي أنيط حق التشريع فيها لسلطة أخرى بمقتضى نص خاص في الدستور. وقد أناطت المادة/120 من الدستور بالسلطة التنفيذية حق التشريع في مسائل عينتها بطريق الحصر…..، وعلى ذلك فإنّ السلطة التشريعية لا تملك حق التشريع في المسائل المنصوص عليها في هذه المادة لأنّ الدستور قد أناط هذا الحق بالسلطة التنفيذية على اعتبار أنه من الضمانات الدستورية اللازمة لاستقلال السلطة التنفيذية .
وتأسيساً على ذلك نخرج بالتفسير التالي :
1. إنّ أي تشريع يتعلّق بالتنظيمات الإدارية وشؤون الموظفين يجب أن يصدر عن السلطة التنفيذية بنظام إذا كانت الموضوعات التي يتناولها ذلك التشريع من المسائل المنصوص عليها في المادة /120 من الدستور.
2. بما أن الأمور المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية رقم (48) لسنة 1963 تدخل في نطاق المسائل الواردة في المادة/120 سالفة الذكر، فإنّ تنظيمها يجب أن يتم بنظام تصدره
السلطة التنفيذية استناداً لهذه المادة، وبذلك يعتبر القانون المشار إليه مخالفاً لأحكام الدستور وهذا يجعله غير قائم بل لا بدّ من إلغائه بقانون جديد”.
إذن الدفاع عن مجال السلطة التنظيمية من تعديات المشرّع وكذلك الدفاع عن المجال التشريعي ضد تعديات السلطة التنظيمية يضمنه المجلس العالي، وفي ذلك خلاف للمعتاد. إذ أن المفروض أن تكون حماية المجال التشريعي من تعديات السلطة التنظيمية موكول أمرها لمحكمة العدل العليا بناءً على البند/و من الفقرة /3 من المادة/10 من قانون تشكيل المحاكم النظامية آنذاك(19). إذ يحق لمحكمة العدل العليا النظر ” في الطلبات التي يقدّمها الأفراد والهيئات العامة بإلغاء القرارات الإدارية”. وكان من الأفضل لو جاء نص المادة/122 من الدستور قاصراً على منح الحق بمراجعة المجلس العالي على مجلس الوزراء وحده. لكن ما يلاحظ أن هذا الوضع منسجم تماماً مع قرار المجلس العالي الذي يحمل رقم (3) لسنة 1955 الذي أعطى فيه للديوان الخاص بتفسير القوانين صلاحية تفسير الأنظمة لأنها قوانين في نظر المجلس العالي لتفسير الدستور”.
ومن جهة ثانية فقد ترتّب على فقه المجلس العالي القائل بأنّ المادة/120 من الدستور قد أناطت بالسلطة التنفيذية “حق التشريع” في مسائل عيّنتها بطريق الحصر، إن التزمت محكمة العدل العليا بهذا الاجتهاد واعتبرت أن الأنظمة المستقلة تشريعاً وامتنعت عن قبول دعوى الإلغاء المباشرة في مواجهتها، والنتيجة الحتمية لذلك هي تجريد الأفراد من وسيلة فعّالة للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم المعترف بها في الدستور.
في الحقيقة أن هناك شيئاً من الغرابة في هذا القرار. فهو ينص على أن المواد 24-27 قد أقرت مبدأ لفصل السلطات، وأنّ السلطة التشريعية قد أنيطت بمجلس الأمة والملك معاً “وبهما وحدهما فقط” إذ لم تنص المادة /25 من الدستور على أي استثناء، وبالتالي فإنه لم يناط بالسلطة التنفيذية أي جزء من السلطة التشريعية لتمارسه. فكيف يمكننا إذن الإدّعاء بأنّ السلطة التنظيمية عندما تمارس من خلال المادة/120 تصبح تشريعاً(20).
هناك تفسير لهذا الموقف هو تبنّي المعيار الموضوعي القائل بأنّ كل نص يتضمن قواعد عامة وغير شخصية هو القانون، لكن المعتمد هو المعيار الشكلي الذي ينظر إلى الجهة التي صدر عنها القرار الحقوقي.

في الواقع أن الاعتراف بأنّ ممارسة السلطة التنظيمية من خلال الأنظمة المستقلة هو ممارسة لجزء من السلطة التشريعية يحتاج لوجود نص صريح في الدستور، الذي لا يتضمن شيئاً من هذا القبيل.

وأخيراً، إن مراجعة المجلس العالي لتفسير الدستور هي مسألة اختيارية وتخضع لعوامل سياسية، وهي مصورة على الطبقة السياسية وحدها ولا يستطيع الأفراد اللجوء إلى المجس العالي من أجل الفاع عن حقوقهم وحرياتهم، كما أنّ المجلس العالي نفسه لا يستطيع أن يقوم بالرقابة من تلقاء نفسه.

البند الثاني : القوانين المؤقتة الصادرة عن السلطة التنفيذية
تنص المادة /94 من الدستور الأردني الصادر عام 1952 على ما يلي : “عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل ويكون لهذه القوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف احكام هذا الدستور قوة القانون على أن تعرض على المجلس في أول اجتماع يعقده، وللمجلس أن يقرّ بطلانها فوراً ومن تاريخ ذلك الإعلان يزول مفعولها على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة”.

“يسري مفعول القوانين المؤقتة بالصورة التي يسري فيها مفعول القوانين بمقتضى حكم الفقرة الثانية من المادة /93 من هذا الدستور”.
قبل تحليلنا هذه المادة نرى لزاماً علينا أن نقول كلمة في موضوع القوانين المؤقتة. فبناءً على المعيار الشكلي الذي ينظر إلى الجهة التي أصدرت القرار الحقوقي تكون القوانين المؤقتة أنظمة تشريعية لها قوة القانون ولها أن تعدّل قانوناً قائماً أو أن تلغيه”.
ويقول الدكتور عادل الحياري(21) في ذلك: “وقد تكون القوة التي تتمتع بها هذه الأنظمة هي السبب الذي كان وراء التسمية التي اطلقها المشرع الأردني على هذا النوع من الأنظمة، إذا أطلق عليها “قوانين مؤقتة” بدلاً من أنظمة أو لوائح تشريعية أو مراسيم لها قوة القانون”.
ويضيف الدكتور الحياري قائلاً بأن هذه التسمية غر موفقة من الناحية القانونية بسبب أن لفظ “قانون” لا يطلق في البلاد الديمقراطية إلا على القواعد القانونية التي سبق أن قررتها السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص بإصدار القوانين.
في الحقيقة أن ما يصدر عن السلطة التنفيذية من قرارات حقوقية لا يمكن تسميته قانوناً بناءً على المعيار الشكلي حتى لو كانت تعدل أو تلغي قانوناً قائماً. وقد يكون ما جال في خاطر المشرع الدستوري هو إعطاء هذه الأنظمة التشريعية اسم قانون حتى يجعلها في منجى من الرقابة القضائية عليها ولهذا أكد في المادة /94 على أن تكون لها قوة القانون.
وحتى تكون الصورة لدينا واضحة لا بد لنا أن نبحث في الأنظمة القانونية الأخرى لنرى فيما إذا كان لها ما يشابهها ونتعرف على أسباب وجودها في دستورنا الأردني.
إن المظاهر الأولى للميل نحو تقوية السلطة التنفيذية كانت قد ظهرت في عام 1930 وكانت قد اتخذت شكل تفويض السلطة التشريعية للحكومة. وهذه الظاهرة كما نعلم تشكل خرقاً فاضحاً لمبدأ فصل السلطات ومع ذلك ا نتشرت في كل الديمقراطيات الغربية، وتفسر بشكل أساسي من خلال عجز الجمعيات التشريعية عن تطبيق ا لوسائل الفنية التي يفرضها الوضع الاقتصادي.
إلا أن هناك عوامل أخرى كانت قد تدخلت أيضاً ولكن بدرجة أقل فمثلاً كانت فرنسا تعاني ما بين 1932-1935 من أزمة وتريد أن تخرج منها بتبني سياسة تخفيف التضخم النقدي عن طريق رفع الضرائب وضغط النفقات العامة إلى الحد الأعلى، ومن الطبيعي أن مثل هذه السياسة ستؤدي إلى استنكار قسم هام من الرأي العام، ولهذا السبب لم يكن لدى البرلمان الرغبة بالتصويت بنفسه على الوسائل الضرورية لذلك، الواحدة تلو الأخرى، فقد فضل أن يمنح الحكومة “السلطات الكاملة Pleins Pouvoirs” وأن يستنكر فيما بعد أمام الناخبين تصرفات الحكومة .
أما من الناحية التاريخية، فقد ظهرت ممارسة تفويض السلطة التشريعية خلال الحرب العالمية في الدول المتحاربة، لكنها كانت تعتبر اعتداء استثنائي على مبدأ التصويت على القانون من قبل البرلمان وتوقفت مع توقف الحرب. ثم عادت من جديد ممارستها في فرنسا عام 1924 لكن الحكومة تجاه رد الفعل في الرأي العام لم تستطع أن تستخدم التفويض التشريعي. وفي عام 1926 عادت الحكومة وطلبت تفويضاً جديداً، من أجل تنفيذ برنامجها في تثبيت الفرنك الفرنسي، إلا أن العمل بالتفويض التشريعي لم يستقر نهائياً إلا اعتباراً من عام 1934. فكل الحكومات كانت تطلب “السلطة الكاملة Pleins Pouvoirs” من البرلمان من أجل تطبيق برامجها. والأمر كذلك في الولايات المتحدة اعتباراً من عام 1933، إذ حصل الرئيس روزفلت على تفويض واسع للسلطة التنفيذية من الكونغرس ومثله الحكومات البريطانية. أمّا من الناحية الحقوقية فإن التفويض التشريعي كان يتم بموجب قانون يصدر عن البرلمان يسمح للحكومة بأن تعدل بموجب مراسيم، قوانين قائمة من أجل تحقيق برنامجاً محدداً خلال فترة هي أيضاً محددة. وهذه المراسيم كانت تدعى “مراسيم – بقانون”، وتدخل في التطبيق العملي حال نشرها ولكن على الحكومة التزام بتقديمها للبرلمان من أجل التصديق عليها، قبل تاريخ معين ومحدد بموجب “قانون التأهيل Loi d’Habilitation” وإذا لم يتم تقديمها خلال هذه الفترة تصبح باطلة لا مفعول لها من التاريخ الذي كان يتوجب فيه إيداعها للبرلمان .
ومن الناحية العملية، كانت البرامج التي طلب التأهيل من أجلها تحقيقها تعلن بعبارات تزداد غموضا ًمن الزمن، والمراسيم بقانون إذا كانت تودع لدى البرلمان نراه يمتنع عن تسجيل تصديقها على جدول أعماله، بحيث تبقى في التطبيق العملي بدون التصديق عليها صراحة، وهذا من شأنه أن يجعل الرقابة البرلمانية في فرنسا على التفويض التشريعي الذي كان يتزايد مع الزمن رقابة وهمية. وكذلك الأمر في بريطانيا فقد كان من النادر أن نجد قانون التأهيل هناك يخضع بقاء المرسوم بقانون الذي يسمى “Statutory Instrument” في العمل إلى تصديق صريح من البرلمان. وكقاعدة عامة، كان هناك فقط التزام على الحكومة بأن تودع المرسوم بقانون أمام البرلمان حيث كانت هناك لجنة خاصة مسؤولة عن مراقبة احترام الحكومة لحدود التفويض وأنها لم تستغل سلطاتها الموسّعة للاعتداء على الحريات الأساسية، وإذا لم تقدم اللجنة هذه أية ملاحظات خلال الأربعين يوماً التي تلي، فإن النص يعتبر أنه قد تم التصديق عليه، ويدخل بالتالي في التطبيق العملي. وكذلك الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية فإن أعمال الرئيس بناء على التفوض الموسع من قبل الكونغرس كانت تخضع لنفس الثلاثين يوماً التي تلي الإيداع “الاعتراض التشريعي Veto Legislatif” كما أنها تخضع لرقابة المحاكم المدنية التي تتحقق من أنها تدخل ضمن إطار السلطة المعترف بها للرئيس كبقية الأنظمة .
أما فيما يتعلق بدستورية التفويض التشريعي فقد أثيرت على وجه الضبط في الولايات المتحدة الأمريكية بصورة حادة عندما بدأت تتعمم ممارسة التفويض. إذ أن فصل السلطات المنشأة بالدستور لا يمكن العبث به حتى لو كان هناك اتفاق عام بين الأحزاب. ولقد جاءت المحكمة العليا في عدم دستورية التفويض التشريعي الممنوح للرئيس روزفلت من قبل الكونغرس وسيلة ممتازة كي تلغي تنظيمات النيو ديل “New Deal “(22)، لكن كما هو معلوم اضطرت هذه المحكمة أن تعدل وأن تبدل في موقفها بعد هزيمتها في عام 1937. أمّا اليوم فإن التفويض التشريعي مقبول على نطاق واسع في موضوع الشؤون الخارجية وعلى الأخص التجارة الدولية، أما في موضوع السياسة الداخلية فهو غير دستوري إذا منح الرئيس سلطة مطلقة وتقديرية لكنه مشروع إذا كان قد حدد الأهداف التي ينبغي الوصول إليها والوسائل المستخدمة. أما في بريطانيا لم تعرض المشكلة بسبب مرونة الدستور، إذ أنه عندما يصوت البرلمان على قانون يتنكر للدستور فهذا يعني أن الدستور نفسه قد تعدّل، ومع ذلك كان هناك نقد حاد لمبدأ التفويض لأن إعداد النصوص في المكاتب وفي الخفاء لا يعطي للحريات العامة نفس الضمانات التي توفرها المناقشة في وضع النهار في داخل البرلمان .
وفي فرنسا. كان العمل بالمراسيم بقانون قد انتقد منذ الأصل بشدة من قبل أغلبية الفقه هناك لأنه مخالف للمبدأ القائل “في القانون العام الفرنسي لصلاحية تمارس ولا يجوز تفريضها” ذلك أن دستور عام 1875 أي دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة عندما أعطى السلطة التشريعية للبرلمان لم يعطه إياه كملك له كي يتنازل عنها وإنما كاختصاص يمارسه بنفسه ووحده باسم الشعب الفرنسي لأنه كان قد انتخب من قبله، لكن لعدم وجود رقابة دستورية كانت هذه الاحتجاجات عديمة الفائدة .

أما دستور عام 1946 أي دستور الجمهورية الفرنسية الرابعة فقد أبدى حساسية تجاه تفويض التشريع الذي كان يجري في ظل الجمهورية الثالثة فنص في المادة/13 منه على المبدأ التالي : “الجمعية الوطنية تصوت وحدها على القانون، ولا يمكنها تفويض هذا الحق. ويقول في ذلك الأستاذ برنارد شانتبو”(23). بدون شك أن صياغة هذه المادة كان أخرقاً لكن كان القصد في منع العودة إلى الممارسة التي كانت جارية في ظل الجمهورية السابقة وهي التعامل بالمراسيم بقانون واضحاً، إلا أنه مع ذلك عادت فرنسا لممارستها من خلال التحايل على المادة/13 بوسيلتين:
1. بتاريخ 17/8/1948 جاء للحكم وزارة جديدة تضم رجالاً من الجمهورية الفرنسية الثالثة، وصدر آنذاك قانوناً عن البرلمان بموجبه يرفع البرلمان الصفة التشريعية عن قوانينه السابقة التي كانت قد نظمت بعض الأمور. وهذه القوانين التي أزيلت عنها الصفة التشريعية تبقى معمولاً بها ولكن تصبح لها قيمة المراسيم مما يسمح للحكومة أن تعدلها بمراسيم جديدة، لكن رفع الصفة التشريعية هذا “وهو ما يسمى بالفرنسية – Delegalisation ” محدد بالمدة. فحالما تنتهي المدة المحددة بالقانون التي يسمح خلالها للحكومة بإصدار مراسيمها المعدلة، فإن القوانين التي أزيلت عنها الصفة التشرعية تعود لها هذه الصفة إذا لم تكن قد ألغيت أو عدلت .
2. قامت الحكومة وطلبت من مجلس الدولة الفرنسي أن يبدي رأيه في المدى الدقيق الذي يجب إعطاؤه للمادة /13 من دستور الجمهورية الرابعة التي سبق ذكرها. وقد كان رأي مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 6/2/1953 غامضاً لكنه متفهماً. إذ جاء فيه “أن اللجوء إلى أسلوب المراسيم بقوانين كما كانت الحال عليه في ظل الجمهورية الثالثة هو ممنوح صراحة بنص الدستور، لكنه لا يمنع على البرلمان توسيع الصلاحية التنظيمية للحكومة، بشرط أن يكون ذلك في مواضيع معنية ومحددة، بالإضافة إلى أنه يجب أن يتناول مواضيع محفوظة بموجب الدستورأو تقاليد الجمهورية لصلاحية المشرع وحده”.
أما من حيث الواقع، فإن فرنسا عادت للعمل بالمراسيم بقانون التي كان العمل جارياً عليها في ظل الجمهورية الثالثة. لكن استبدل تعبير “قوانين السلطة الكاملة Lois de pleins pouvoirs بتعبير “القوانين كادر Lois-Cadres” كما أن البرلمان كان أخضع إصدار المراسيم بقانون في بعض المناسبات التي استشاره بعض الهيئات، وحتى في عام 1954 إلى اللجنة المالية في الجمعية التشريعية.
في الحقيقة أن العودة لأسلوب المراسيم بقانون في ظل الجمهورية الرابعة بالرغم من المنع الصريح الموجود في دستور عام 1946 يثبت قطعاً أن اللجوء إلى تفويض السلطة التشريعية لا يمكن الاستغناء عنه بسبب الدور الجديد المعترف به للدولة، ويظهر أيضاً أن ظرورات العمل تتغلب على إرادة المشرع الدستوري وإن المنع الذي نص عليه في دستور لا فائدة منه ما دامت الظروف الواقعية تفرض ذلك.
وعليه فإن التفويض التشريعي يؤدي إلى تقوية السلطة التنفيذية، إذ أنها من خلال توسيع صلاحياتها تصبح تحت يدها كل التسهيلات لوضع سياساتها موضع التطبيق. فالأنظمة التي تصدرها تكون أكثر تلاحم وأكثر دقة من جميع النواحي من التشريع الصادر عن البرلمان. لأن النصوص الصادرة عنها لم تطالها التعديلات والتنقيح الذي يدخله البرلمانيون على النصوص التشريعية التي يفحصونها آخذين بعين الاعتبار حساسية الرأي العام ومصالح فرق الضغط التي تتدخل لديهم .
ويقول الأستاذ برنارد شانتبو في هذا الخصوص: “وبفضل المراسيم بقانون، نجد أن إرادة الحكومة في حالة الصرفة النفية هي التي تسجل في القانون الوضعي”(24) ومع ذلك فإن توسع الامتيازات القانونية للسلطة التنفيذية ليس بدون مقابل فيما يخص وضعها السياسي بالنسبة للغرف البرلمانية. ففي البلدان التي توجد فيها الحكومة في وضع قوي تجاه البرلمان، نجد أن الطلبات التي تتقدم بها من أجل تجريده من صلاحيته التشريعية تؤدي إلى شيء من عدم الارتياح، إذ يشعر البرلمانيون بأنهم أصبحوا عديمي الفائدة كلية. هذا هو الوضع في بريطانيا وفي فرنسا أيضاً في ظل الجمهورية الخامسة الحالية .
وبالعكس، فإن أسلوب التفويض التشريعي الذي يقوم به البرلمان بكل حرية لصالح سلطة تنفيذية ضعيفة يكون مقبولاً بشكل عام بصورة أفضل لأنه يعتبر كتعويض عن هذا الضعف ومع ذلك فإنه يؤدي في أغلب الحالات إلى آثار عكسية: فالبرلمان ما دام أنه من الناحية العلمية قد تجرد من وظيفته التشريعية سيكرس وقت أكثر من السابق لوظيفة الرقابة على الفعالية الحكومية ومشاجراتها الداخلية. وهذا يمكن أن ينتج عنه زيادة في عدم ثبات الحكومة، لأنه إذا كانت الحكومة تتمتع بسلطة كاملة، في حين أنها لن تبقى في الحكم لمدة طويلة، مما لا يساعد على السير في برنامجها السياسي كما يجب بحيث يصبح هناك نظام يتميز بأنه “الديكتاتورية التي تخفف من حدتها الفوضى”(25).
في الحقيقة أن تفويض السلطة التشريعية يترجم بالحاجة الملحة إلى تقوية السلطة التنفيذية، ولكنه لا يشكل الحل المثالي للتوصل إلى ذلك، ولهذا تم اللجوء إلى حلول أخرى تتضمن توسيع السلطة الطبيعية للحكومات. فمثلاً نجد أنه عن طريق العرف الدستورري تتأقلم سلطات الأجهزة السياسية مع الحاجات التي تستشعرها الأمة(26)، في حين أنه في بعض البلدان الأخرى حيث أن هذا التأقلم لم يستطع أن يأخذ الطريقة الطبيعية من خلال العرف، كان قد حصل عن طريق إعادة التشكيل الكامل للمؤسسات(27)، وفي ظل إعادة التشكيل هذا الذي حصل في دستور الجمهورية الخامسة لا بد من استعراض أنواع اللوائح التي نص عليها، لأننا نرى في ذلك شيئاً من الفائدة .
إن دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة ينص على ثلاثة أنواع من اللوائح وقد أوجد العمل نوعاً رابعاً منها، على أن ما يهمنا منها هو لوائح المادة /92 من الدستور وكذلك لوائح المادة /38 منه.

أولاً: لوائح المادة /92 من الدستور
وهي تلك التي كانت الحكومة قد اتخذتها في مدة الأربعة أشهر التي تلت إصدار الدستور الجديد بناءً على تأهيل صريح معطى من قبل الدستور في المادة/92 منه، ولها قوة القانون منذ إصدارها، ولا يمكن الطعن بها.

ثانياً: لوائح المادة /38 من الدستور :
وهي الأكثر عدداً، فإن طريقة إصدارها وطبيعتها القانونية مشابهة للمراسيم بقانون التي كانت تصدر في ظل الجمهوريتين الفرنسيتين الثالثة والرابعة، على أنه إذا كانت دستورية المراسيم بقانون موضع احتجاج في السابق نجد أن لوائح المادة/38 لا غبار على دستوريتها لأن الدستور الحالي ينص عليها. فالمادة/38 تنص على أنه : “باستطاعة الحكومة من أجل تنفيذ برنامجها أن تطلب من البرلمان أن تتخذ بموجب لوائح، ضمن مدة محددة، وسائل هي في العادة من مجال القانون…” ويضيف الدستور، أن هذه اللوائح المتخذة في مجلس الوزراء بناءً على رأي مجلس الدولة الفرنسي تدخل في العمل حال نشرها لكن يجب أن تعرض من أجل تصديقها على البرلمان، قبل التاريخ المحدد بقانون التأهيل. فإذا لم تقم الحكومة بتحقيق هذا الشرط الشكلي فإن لوائحها تتداعى وتصبح باطلة ويتوقف تطبيقها من اليوم الذي كان يتوجب عرضها فيه على البرلمان للتصديق عليها. والأمر كذلك إذا عرضت على البرلمان لكنه رفض التصديق عليها صراحة. لكن إذا صدق عليها البرلمان فإنها تأخذ قوة القانون مع الأثر الرجعي من تاريخ إصدارها(28).
أما من الناحية العملية، فإن الحكومة تعرض دائماً اللوائح على البرلمان في التاريخ المحدد، لكن البرلمان يرفض أن يسجل على جدول أعماله مشروع قانون التصديق عليها، كي يتجنب فتح مناقشة تتعلق بها ويمكن أن تؤدي إلى رفضها. وبالرغم من أن الحكومة لا تستطيع بعد انتهاء المهلة المنصوص عليها في قانون التأهيل أن تعدل هذه اللوائح المعروضة على البرلمان والتي تعالج مواضيع من مجال القانون، فإن هذه اللوائح التي لم يتم التصديق عليها تعتبر من قبل القاضي الإداري أعمالاً ذات طبيعة تنظيمية ويخضعها لرقابة المشروعية(29). أن النظام القانوني للوائح المادة/38 هو نفس النظام القانوني للمراسيم بقانون في ظل الجمهوريتين السابقتين، فيما عدا ما جاء في المادة /41 من الدستور من أنه باستطاعة الحكومة أن تقدم الدفع بعدم القبول في واجهة اقتراح قانون أو تعديلات يمكن أن تتصدى، في خلال مرحلة التأهيل لموضوع من مواضيع قانون التأهيل. إذن فالتصريح الممنوح للحكومة كي تعمل عن طريقه اللوائح يمكن أن يترجم بانتقال خط الحد الفاصل بين مجال القانون ومجال النظام مؤقتاً ويؤدي بالتالي إلى توسيع المجال الخاص بالأنظمة المستقلة.
نخلص مما سبق أن القانون المؤقت في الدستور الأردني يجمع بين خصائص لوائح المادة/92 وبعض خصائص لوائح المادة/38 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958. فالقانون المؤقت له قوة القانون كلوائح المادة/92 من الدستور الفرنسي الحالي ولا يخضع لرقابة المشروعية من جانب محكمة العدل العليا، ويختلف عن لوائح المادة/38 بأنه لا يمكن اتخاذه من قبل السلطة التنفيذية إلا في غياب البرلمان، في حين أن هذه اللوائح لايمكن إصدارها إلا بناءً على “قانون كادر” صادر عن البرلمان الفرنسي، أي لا يمكن إصدارها إلا بإذن في البرلمان، وفي حين أن القانون المؤقت لا يحتاج إصداره لإذن من البرلمان، إذ أن التفويض مُعطى مباشرة من المشرّع الدستوري إلى الحكومة، نرى أن التصريح مُعطى للبرلمان في فرنسا من خلال “قانون كادر” يوسّع صلاحية الحكومة الفرنسية.
وبمقارنة القانون المؤقت بالمراسيم بقانون التي كانت تصدر في ظل الجمهوريتين الفرنسيتين السابقتين، نجد أن المشرّع الدستوري الأردني كان حكيماً وتلافي قضايا عدم الدستورية التي أثيرت في فرنسا بصدد المرسوم بقانون وقوانين السلطة الكاملة التي كانت تتجاوز نصوص الدساتير الفرنسية المتعاقبة، فنص في المادة/94 على إمكانية إصدار القوانين المؤقتة في ظل الشروط التالية :
1. شرط عدم انعقاد مجلس الأمة :
لا تستطيع السلطة التنفيذية إصدار القوانين المؤقتة إلا في حال عدم انعقاد المجلس، والمقصود بذلك هو الزمن الذي يفصل بين دورتين من أدوار انعقاد البرلمان أي العطل البرلمانية. وكذلك الأمر فيما يتعلق بكون البرلمان منحلاً. أما إذا كان البرلمان مؤجلاً فلا يجوز إصدار القوانين المؤقتة.

2. أن يكون هناك أمور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو صرف نفقات مستعجلة لا تحتمل التأخير:
يستفاد من نص المادة/94 من أن القوانين المؤقتة لا يمكن إصدارها إلا في حالة الضرورة، وهذا الشرط متروك أمر تقديره للسلطة التنفيذية ابتداءً، لكن تحت رقابة مجلس الأمة، ويقول في ذلك الدكتور عادل الحياري(30):”لحسن الحظ أن العمل قد جرى على قيام مجلس الأمة ببسط رقابته على توافر شرط الضرورة أو عدم توافره” وأنه قد أبطلت قوانين مؤقتة لأن شرط الضرورة لم يكن متوافراً.

3. عدم مخالفة الدستور :
أن الدستور يأتي في قمة النظام القانوني في الدولة، وكما نعلم أن هناك تدرّج بين القواعد القانونية. فالقاعدة الأدنى تخضع للقاعدة الأعلى وهذا التدرّج شكلي مصدره خضوع الأجهزة في الدولة إحداها إلى الآخر. فإذا سمح للقانون أن يخالف الدستور فهذا يعني تعديل هذا الأخير بغير الطريقة التي نص عليها هو نفسه، وهذا يؤدي إلى زوال دولة الحق .
كما أن هذا الشرط يطرح التساؤل التالي : هي يجوز للقانون المؤقت أن يعالج مسائل نص الدستور على وجوب تنظيمها بقانون صادر عن مجلس الأمة؟ وللإجابة على هذا التساول نرى أن ننطلق من هذا الرأي الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 6/2/1953، إذ جاء فيه أن توسيع الصلاحية التنظيمية للحكومة الفرنسية يجب أن لا يتناول مواضيع محفوظة بموجب الدستور لصلاحية المشرّع وحده، ونحن نرى أن السبب في ذلك هو أن الحرّيات الأساسية للمواطنين تتطلب من الدولة الامتناع إلى جانب أنها مقدمة في دستورنا على تنظيم السلطات في الدولة، لا بل أن تنظيم السلطات وفصلها قد تمّ من أجل إضعاف الدولة حتى لا نستطيع الاعتداء عليها. إلا أنه بالرغم من ذلك كانت القوانين المؤقتة قد عالجت موضوعات أوجب الدستور معالجتها بقوانين صادرة عن مجلس الأمة(31).

4. شرط الإجراءات :
تنص المادة/93 فقرة /2 من الدستور الأردني على أنه “يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية، إلا إذا ورد نص خاص في القانون على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر”، حيث أن الفقرة الثانية من المادة /94 تنص على سريان مفعول القوانين المؤقتة بالصورة التي يسري فيها مفعول القوانين بمقتضى حكم الفقرة الثانية من المادة/93 من الدستور.
إذن فالقانون المؤقت ينفذ بمجرد إصداره من الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية، ما لم ينص على خلاف ذلك. هذه هي الإجراءات الواجب اتباعها قبل انعقاد مجلس الأمة. اما عند انعقاده فتتوقف إمكانية إصدار القوانين المؤقتة من جانب الحكومة، كما ينص الدستور على لزوم عرض القوانين المقتة على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده. وإن للمجلس أن يُقرّ هذه القوانين أو أن يعدّلها، أما إذا رفضها فيجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانها فوراً ومن تاريخ ذلك الإعلان يزول مفعوله على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المتكتسبة.
يلاحظ أن المادة/94 توجب عرض القانون المؤقت على مجلس الأمة. وبالتالي يمكن تصور الأوضاع التالية :
1. قيام السلطة التنفيذية بعرض القوانين المؤقتة على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده، لكن المجلس لم يصدر قراراً بالقبول أو الرفض، فالقانون المؤقت يبقى نافذاً .
2. قيام مجلس الأمة بإقرار القانون المؤقت كما ورد أو أدخل عليه تعديلاً ثم أقره فإنه يصبح قانوناً شكلياً وبأثر رجعي من تاريخ إصداره.
3. رفض مجلس الأمة القانون المؤقت، وعندها يجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانه، وبالتالي يزول مفعوله إعتباراً من تاريخ ذلك الإعلان، على أن لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبة التي تمت في ظل القانون المؤقت .
4. عدم قيام السلطة التنفيذية بعرض القانون المؤقت على المجلس في أول اجتماع يعقده. وعندها يصبح القانون المؤقت لاغياً لأن السلطة التنفيذية تكون بذلك قد ارتكبت مخالفة دستورية، إلا أنه يجب ملاحظة الفرق بين اجتماعات المجلس العادية واجتماعات المجلس الاستثنائية. فصلاحية مجلس الأمة في الدورات الاستثنائية محدّدة بالأمور المعينة في الإرادة الملكية إلا إذا كانت الإرادة تنص على النظر في القوانين المؤقتة .
بقي علينا أن نتساءل فيما إذا كان بإمكان المشرّع أن ينظم أمراً تم تنظيمه بقانون مؤقت وفي حالة الإيجاب ما هو مصير القانون المؤقت؟
من حيث الواقع العملي أن هذه الحالة غير واردة إلا إذا كان القانون المؤقت قد تم عرضه على مجلس الأمة لكن المجلس لم يقم بتسجيله على جدول أعماله ولم يصدر بحقه قراراً بالرفض أو القبول.
وللإجابة على هذا التساؤل نذكر قراراً لمحكمة التمييز الأردنية بهذا الخصوص: فهي تقول “وإذا أصدر مجلس الأمة قانوناً يحل محل القانون المؤقت، ففي هذه الحالة يزول مفعول القانون المؤقت كلياً…….”(32).
إن إصدار القوانين المؤقتة يمكن أن يترجم من حيث الواقع العملي بزوال خط الحد الفاصل بين مجال القانون ومجال النظام بصورة مؤقتة ويؤدي بالتالي إلى أن تجمع السلطة التنفيذية بين يديها السلطة التشريعية وتصبح حقوق وحرّيات المواطنين في خطر عظيم.

البند الثالث: مشاريع القوانين التي تفرض على مجلس النواب من قبل رئيس الوزراء بمقتضى المادة/91 من الدستور(33).
تنص المادة /91 من الدستور على أنه “يعرض رئيس الوزراء مشروع كل قانون على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه، وفي جميع الحالات يرفع المشروع إلى مجلس الأعيان ولا يصدر قانون إلا إذا أقرّه المجلسان وصدّق عليه الملك”.
وهذا يعني أن لمجلس النواب أن يقرّر قبول مشروع القانون المقدّم من الحكومة أو رفضه أو تعديله وفي جميع الحالات يرفع المشروع إلى مجلس الأعيان، وينحصر التعديل الذي يستطيع المجلس إجراءه في أن يكون في حدود أحكام المشروع وليس له أن يُدخل تعديلاً على المواد الأخرى من القانون ذاته.
وإذا أقرّ مجلس الأعيان المشروع كما ورد من مجلس النواب يرفع إلى الملك لتصديقه وإصداره ومن حق مجلس الأعيان قبول المشروع أو رفضه أو تعديله، فإذا رفض هذا المجلس مشروعاً كان قد رفضه مجلس النواب امتنع على الحكومة تقديم المشروع مرة ثانية لمجلس النواب في الدورة ذاتها التي رفض فيها المشروع. أما إذا اختلف المجلسان كأن لم يوافق مجلس الأعيان على مشروع القانون كما أقره مجلس النواب سواء رفضه مجلس الأعيان أو عدّله، فإنه يعيده إلى مجلس النواب مرفقاً بالصيغة التي يراها ويقوم مجلس النواب ببحث الأمر من جديد في ضوء الاقتراحات الواردة من مجلس الأعيان فإذا وافق عليه كما ورد، أعاد المشروع مرة ثانية إلى مجلس الأعيان للموافقة عليه ورفعه للملك للتصديق عليه وإصداره. أما إذا لم يوافق مجلس النواب على مشروع القانون بالصيغة التي ورد فيها من مجلس الأعيان وأصرّ على موقفه الأول، فإن المشروع يحال لمجلس الأعيان، فإذا قبله هذا المجلس يرفع للملك للتصديق، أما إذا أصر على عدم الموافقة، عندها يقوم رئيس مجلس الأعيان بالدعوى إلى مجلسة مشتركة بين المجلسين وفي هذه الحالة نصت المادة/92 من الدستور أن يصدر قرار المجلس بأكثرية ثلثي الأعضاء الحاضرين بقبول المشروع، فإذا رفض المشروع في الجلسة المشتركة لا يقدم مرة ثانية إلى المجلس في الدورة نفسها.
إذن ليس هناك في تقاليدنا الدستورية حالة مشابهة للحالة التي نصّت عليها المادة/94 في فقرتها الثالثة من دستور الجمهورية الخامسة، وهي الحالة التي تفترض بأن الجمعية الوطنية الفرنسية ترفض التصويت على نص ترى الحكومة أنها بحاجة له من أجل تسيير سياستها، فهي تعالج الحالة التي تعقد الحكومة مسؤوليتها فيها على أساس التصويت على نص. وهذه فرضية كلاسيكية موجودة في الأنظمة البرلمانية، حيث كانت تدعى في السابق في فرنسا “مسألة الثقة Question de Confiance”. حيث يعتبر النص كأنه مقبول، بدون تصويت من قبل الجمعية إذا لم تقدّم المعارضة سحب الثقة من الحكومة من أجل إقالتها خلال الأربعة وعشرين ساعة التي تليه. ويجب أن يوقع سحب الثقة من قبل عشر أعضاء الجمعية، فإذا قدّم سحب الثقة Motion de Censure. فإن التصويت يجري عليه، ويجري احتساب الأصوات لصالح سحب الثقة، فإذا حاز على الأغلبية المطلقة للأعضاء المكونين للجمعية، فإن النص يعتبر مرفوضاً والحكومة مستقيلة. ولكن في هذه الحالة يمكن أن تعرّض الجمعية نفسها لمخاطر الحل. أما إذا لم يحصل سحب الثقة على الأغلبية المطلقة، فعندها يعتبر النص مقبولاً، نلاحظ هنا أن التصويت لا يجري على مشروع النص بل سحب الثقة، وبهذا فإن المشروع يصبح مقبولاً بدون إجراء تصويت من الناحية الشكلية.
إذن فالقانون في المملكة الأردنية الهاشمية ثمرة لعمليات ثلاث مجتمعة هي :
‌أ- تقديم المشروع من رئيس الوزراء إلى مجلس الأمة .
‌ب- موافقة مجلس الأمة على هذا المشروع .
‌ج- تصديق الملك عليه .
“ولا يمكن أن يعتبر أي عمل من هذه الأعمال الثلاثة بمفرده هو التشريع وإنما التشريع هو ثلاثتها معاً ومجتمعة، إذ إن المادة/91 المذكورة جعلت مشروع الحكومة خاضعاً لموافقة السلطة التشريعية…..(34). وعليه فليس هناك فرض بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة وكل ما في الأمر هو إناطة حق وضع مشروع كل قانون بالحكومة وذلك من أجل ضمان حسن الأداء بالنظر لما لدى الحكومة من موظفين فنيين قادرين على صياغة القوانين صياغة متقنة وفق ما يتطلبه الصالح العام. هذا ما كان من مجال القانون الشكلي والنظام في دستور المملكة الأردنية الهاشمية الصادر عام 1952، لكن كما سبق القول كي يكون لحقوق الإنسان نظاماً قانونياً وجب أن يكون لدى أصحاب الحقوق والحريّات والوسائل التي تكفل حمايتها وتسمح في نفس الوقت بمعاقبة حالات خرقها، هذا ما سنعالجه في المبحث الثالث .

المبحث الثالث
الجزاءات المترتبة على خرق الحقوق المعترف بها بالدستور

سبق القول بأن الاعتداءات على حقوق الإنسان التي يضمنها الدستور يمكن أن تقع من جانب المشرّع أو السلطة التنفيذية، إلا أنه يجب التذكير بأن هذه الدراسة ستتناول فقط الفترة اللاحقة لصدور دستور عام 1952، لأنه في هذه الفترة كان قد تم توحيد القضاء في الضفتين وصدر الدستور الجديد وتبعه قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 ونقّح صلاحية محكمة العدل العليا الأردنية. و عليه سنتعرض في هذا المبحث لمطالب ثلاثة هي :
– خرق الحقوق المعترف بها من قبل المشرع .
– خرق الحقوق المعترف بها من قبل السطلة التنفيذية .
– موقف القضاء من هذه الاعتداءات .

المطلب الأول
خرق الحقوق المعترف بها من قبل المشرّع

لم ينشئ دستور عام 1952 أي هيئة قضائية يمكن إقامة دعوى مباشرة أمامها للطعن في دستورية قانون أردني عادي. إلا أن محكمة العدل العليا الأردنية(35)، كانت قد قرّرت أن من حقّها أن تبحث في دستورية القوانين العادية وهي في معرض بحث شرعية أي قرار إداري. وقد كان هذا القضاء العالي في السابق يرفض أن يتعرض لدستورية القوانين(36). وحجة محكمة العدل العليا في نشر رقابتها على دستورية القوانين الشكلية وارد في قرار الفصل في الدعوى رقم 44/67(37). حيث جاء في هذا القرار: “ويفهم من هذه النصوص المواد 24-27 من الدستور إن الدستور وزع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية على هيئات ثلاث، فصل فيما بينها بصورة جعل استعمال السلطات لوظائفها ينتظمه دائماً تعاون متبادل بينها على أساس احترام كل منها للمبادئ التي قرّرها الدستور، فإذا وضعت السلطة التشريعية تشريعاً غير دستوري لم تستطع أن تجبر السلطة القضائية على تطبيقه دون الدستور و إلا كان في هذا إعتداء من السلطة التشريعية على السلطة القضائية، وكلتاهما مستقلة عن الأخرى. وكلتاهما خاضعة للدستور، ومن الواضح أن تشريعاً يصدر من جهة غير مختصة أو دون مراعاة لنص الدستور أو روحه. فإن على المحكمة أن لا تطبقه فيما يعرض عليه من القضايا، على اعتبار أن المحكمة تلتزم في تطبيقها للتشريعات المتفاوتة في القوة أن تطبق التشريع الأعلى عند تعارضه مع تشريع أدنى منه، وهي في ذلك لا تعتدي على السلطة التشريعية، ما دامت المحكمة لا تضع بنفسها قانوناً ولا تقضي بإلغاء قانون، ولا تأمر بوقف تنفيذه، وغاية الأمر أنها تفاضل بين قانونين قد تعارضا، فتفصل في هذه الصعوبة وتقرر أيهما الأولى بالتطبيق، وإذا كان القانون العادي قد استبعد تطبيقه، فمرد ذلك في الحقيقة والواقع إلى سيادة الدستور العليا على سائر القوانين، تلك السيادة التي يجب أن يلتزم بها كل من القاضي والمشرّع على حد سواء.
ويلاحظ في هذا القرار أن رقابة محكمة العدل العليا على دستورية القوانين ولا تتضمن إلغاء القانون أو الأمر بوقف تنفيذه، وكل ما في الأمر أن المحكمة لا تطبق القانون المخالف للدستور فيم يعرض عليها من قضايا، فهي لا تعتدي على السلطة التشريعية، كما أن استبعاد تطبيق الاقنون غير الدستوري مردّه سيادة الدستور العليا على سائر القوانين وهذه السيادة يجب أن يلتزم بها القاضي بأن يستبعد تطبق القانون المخالف للدستور في الخصومة المعروضة عليه .
نلاحظ هنا أن الأسلوب الذي تتّبعه محكمة العدل العليا في الرقابة على دستورية القوانين هو نفس الأسلوب المتّبع في الولايات المتحدة الأمريكية أي الرقابة بطريق الدفع مع الاختلاف هو أنه ليس في تقاليدنا هنا ما يجري في أمريكا من أنه بإمكان الأفراد أن يطلبوا من القاضي أن يصدر أمراً للموظفين المسؤولين عن تطبيق القانون غير الدستوري بالامتناع عن تطبقه أو بناءً على طلب من السلطات نفسها أن يصدر حكماً إعلانياً، تعلن فيه عدم دستورية القانون. ويلاحظ أيضاً أن هذا النوع من رقابة القوانين مقرّرة بدون نص كما في الولايات المتحدة الأمريكية.

المطلب الثاني
خرق الحقوق المعترف بها من قبل السلطة التنفيذية

تقوم السلطة التنفيذية بإصدار عدّة وسائل قد تعتدي من خلالها على الحقوق المعترف بها بالدستور، فما هي هذه الوسائل؟ وما هو موقف القضاء منها؟

أولاً: القوانين المؤقتة
لقد سبق القول أن محكمة العدل العليا قد قرّرت لنفسها الحق بنشر رقابتها على دستورية القوانين الشكلية، فمن باب أولى كانت قد مارست هذه الرقابة على القوانين المؤقتة وذلك في القضية رقم 75/67(38) إذ جاء فيها : “أما ما ورد في الفقرة /ج من قانون الانتخاب المؤقت لمجلس النواب رقم 24 لسنة 1960 من أنه يشترط في المرشح أن يكون قد أتم الثلاثين من عمره في أول كانون الثاني من السنة التي يجري فيها الانتخاب، فهو مخالف للدستور إذ أن المادة /70 لم تشترط أن يكون المرشح قد أتم الثلاثين من عمره في أول كانون الثاني من السنة التي يجري فيها الانتخاب وإنما جاء النص مطلقاً وهو يجري على إطلاقه بحيث يقبل الترشيح للنيابة إذا كان المرشح قد أتم الثلاثين من عمر وقت الترشيح، وحيث أن قانون الانتخاب المشار إليه هو قانون مؤقت وقد نصت المادة/94 من الدستور على أنه يجب أن لا تخالف القوانين المؤقتة أحكام الدستور، فإن الاشتراط الوارد في الفقرة /ج سالفة الذكر لا يعمل به”.
وإذا كانت محكمة العدل العليا لا تستند إلى نص في نشر رقابة الدستورية على القوانين الشكلية، إلا أنها قد وجدت السند القوي في الرقابة على القوانين المؤقتة في المادة/94 من الدستور التي اشترطت عند إصدار القوانين المؤقتة من قبل السلطة التنفيذية أن تحترم هذه الأخيرة نصوص الدستور، وفي حال خروجها عليه فإن من حق محكمة العدل العليا الأردنية أن لا تطبق القانون المؤقت.
إلا أنه كان قد صدر قانون محكمة العدل العليا رقم 12 لعام 1992 وقد جاء في البند/7 من الفقرة /أ من المادة /9 منه المتعلقة باختصاصات هذه المحكمة أن لها النظر في “الطعون التي يقدمها أي متضرر بطلب وقف العمل بأحكام أي قانون مؤقت مخالف للدستور….”.
وهنا نلاحظ أن المشرّع الأردني قد أدخل في تقاليدنا الأردنية تقليداً جديداً يشبه لحد ما ما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر بوقف العمل بقانون مؤقت تحققت محكمة العدل العليا من مخالفته للدستور، وهذا شيء حسن وغايته تجنّب بقاء الشك الذي يحوم حول القانون المؤقت لمدة طويلة ما دامت مخالفته للدستور قد تم التحقق منها. وقد جرت محاولة في هذا الخصوص ولكن لم يحالفها الحظ، وذلك في القرار الذي يحمل الرقم 214/92(39)، وقد كان المطلب في هذه القضية بوقف العمل بقانون بنك الإسكان، إلا أن هذا القانون قانوناً شكلياً وليس بقانون مؤقت ولا تعلم فيما إذا كانت محكمة العدل العليا ستسحب نص البند/7 من الفقرة/أ من المادة/9 على القوانين الشكلية أم لا لو كان المستدعي محقاً في طلبه.

ثانياً: الأنظمة المستقلة
سبق القول بأن الدستور الأردني الصادر عام 1952 قد عين مجالاً محدداً للسلطة التنفيذية بحيث لا يجوز للمشرّع الأردني أن يتدخّل فيه، وهو مجال إصدار الأنظمة المستقلة بناءً على المادة/45 فقرة/2 والمادتين/114 و 120 منه، وما يهمنا هنا هو قياس مدى رقابة محكمة العدل العليا على مشروعية هذه الأنظمة المستقلة، ومن أجل ذلك يجب أن نميز بين وضعين :
الأول: إمكانية قبول دعاوى الإلغاء المباشرة في مواجهة نظام مستقل معيب بعيب عدم المشروعية، وفي هذا الخصوص يقول الأستاذ الدكتور حنا نده: “فإذا أخذنا بالمعيار الموضوعي، تعتبر الأنظمة “تشريع” لأنها تتضمن قواعد عامة مجردة، وإذا أخذنا بالمعيار العضوي أو الشكلي، تعتبر هذه الأنظمة أعمالاً إدارية لأنها صادرة عن جهة إدارية”(40).
ونعتقد أنه بالإمكان إثبات أن محكمة العدل العليا قد طبقت المعيار الموضوعي بهذا الصدد وأنها قد اعتمدت المبدأ الذي طبقته في القرار رقم 41/63، ذلك لأن غالبية أعضاء الديوان الخاص بتفسير القوانين هم من أعضاء محكمة التمييز، وقد كانت هذه الأخيرة قبل عام 1989 تنعقد عن الحاجة بهيئة محكمة عدل عليا، فعندما يعرض على الديوان الخاص بتفسير القوانين، أنظمة مستقلة لتفسيرها فإنه لا يتردد بالقيام بذلك، ولو كان يعتبرها قرارات إدارية لامتنع عن تفسيرها .
وفيما بعد ذلك نلاحظ أن البند/7 من الفقرة الأولى من المادة التاسعة من قانون محكمة العدل العليا الصادرة في عام 1989 يسمح بإبطال أي قرار صدر بموجب نظام يخالف الدستور أو القانون، ومثله البند/6 من الفقرة الأولى من المادة التاسعة من قانون محكمة العدل العليا لعام 1992 حيث تقبل الطعون بطلب إلغاء أي قرار أو إجراء بموجب أي قانون مخالف للدستور أو أي نظام مخالف للدستور أو القانون، فيما تتضمنان ما جاء في البند/ز من الفقرة الثالثة من المادة العاشرة من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم (26) لسنة 1952، وإذا ذاك كانت محكمة العدل العليا تعتبر النظام تشريعاً(41) وتنكر صلاحيتها بالنظر في دعوى الإلغاء، واستقرت في ذلك بعد صدور قانون محكمة العدل العليا لعام 1989 فتراها تقول في القرار رقم 123/92 الصادر عنها(42):”وحيث أن الديوان الخاص بتفسير القوانين قد أكد ما بيناه في القرارين الصادرين رقم 21 لسنة 1990 و 7 لسنة 1991 وتعتبر هذه التفاسير جزءاً من نظام الخدمة المدنية يتعين الالتزام بها”.
وتضيف : “وحيث أن ما يثيره وكيل المستدعين حول صلاحية الديوان بتفسير الأنظمة أو الطعن بقرارات التفسير موضوعاً أو شكلاً هو أمر خارج عن اختصاص محكمتنا ويدخل في إعداد الأعمال التشريعية التي تكون في منأى عن رقابة القضاء …” ونحن نعتقد أن الوضع سيستمر كذلك بعد صدور القانون رقم 12 لسنة 1992، ذلك لأن محكمة العدل العليا ملتزمة بعرف دستوري متولد عن تفسير المجلس العالي بقراره المشار إليه الذي يحمل رقم (3) الصادر بتاريخ 28/2/1955.
الثاني : أن محكمة العدل العليا لا تتردد بقبول الدفع بعدم دستورية النظام المستقل وهي بصدد نظر دعوى إلغاء قرار إداري فردي، وهذا ما جاء في قرار هذا القضاء العالي الذي يحمل رقم 123/92 الذي أشرنا إليه قبل قليل حيق تقول : “لأن من الأمور المتفق عليها أن القرارات الصادرة عن الهيئات الإدارية بتفسير التشاريع والمستندة لنص تشريعي تخولّها إصدار ذلك يعتبر من الأعمال التشريعية وجزءاً مكملاً للتشريع المفسر وتأخذ حكمة وحصانته ما لم يكن هناك دفع بعدم دستورية التشريع حيث تمتنع المحكمة عن تطبيق التشريع غير الدستوري”.
ثالثاً: تنص المادة/31 من الدستور على أن : “الملك يصدّق القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها بشرط أن لا تتضمن ما يخالف أحكامها: ويمارس الملك هذه الصلاحية عن طريق مجلس الوزراء.
ولنا أن نتساءل فيما إذا كانت محكمة العدل العليا تعتبر النظام التنفيذي قراراً إدارياً عاماً وبالتالي تقبل الطعن فهي بالإلغاء. في الحقيقة أن هذا القضاء العالي في أول نشأته كان قد ا عتبر في الحكم الصادر عنه الذي يحمل رقم 40/53(43)، النظام التنفيذي قراراً إدارياً عاماً وإن الطعن فيه يدخل ضمن صلاحيته .
إلا أنه بعد صدور قرار المجلس العالي لتفسير الدستور والذي سمح به للديوان الخاص بتفسير القوانين بأن يفسّر الأنظمة بأنواعها على اعتبار أن كلمة قانون تشكل القانون الشكلي والنظام بأنواعه، كان من الطبيعي على محكمة العدل العليا الأردنية أن تعدّل موقفها وأن تتجه نحو المعيار المادي أو الموضوعي وذلك في حكمها الذي يحمل رقم 105/56(44)، حيث جاء فيه : “أما فيما يتعلق بطلب إلغاء النظام ذاته على اعتبار أنه قرار إداري تنظيمي فمن الرجوع لأحكام الفقرة /3 المشار إليها نجد أن محكمة العدل لا تملك صلاحية إلغاء الأنظمة المخالفة للقوانين وإنما صلاحيتها فيما يخص بذلك تقتصر على إبطال الإجراءات التي تصدر بموجب هذه الأنظمة كما هو ظاهر من نص البند /ز الذي قال ” إبطال أي إجراء صادر بموجب نظام يخالف الدستور أو القانون” وتضيف محكمة العدل العليا قائلة : “فلو أراد واضع القانون منح المحكمة سلطة إبطال النظام ذاته لما كان ثمة ضرورة لوضع البند المذكور، إذ أن الإجراء الصادر بموجب نظام مخالف لقانون لا يخرج عن كونه قراراً إدارياً ضمن مفهوم القرارات الإدارية المنصوص عليها في البند /ج من الفقرة /3 المشار إليها. فإضافة البند/ز إلى الفقرة الثالثة دليل على أن الشارع أراد أن يحدّ من صلاحية المحكمة في إبطال الأنظمة ذاتها”.
إلا أن المتتبع لاجتهاد محكمة العدل العليا الأردنية في مجال تعاملها مع الأنظمة التنفيذية يجد أن اجتهاد هذا القضاء العالي غير مستقر. ففي عام 1973 وبحكم صادر عنه يحمل الرقم 51/93 قد قرّر إلغاء المادة/67 من نظام التشكيلات الإدارية رقم (1) لسنة 1966، لأنها مخالفة للقانون(45). وفي قرار آخر لمحكمة العدل العليا يحمل الرقم 34/77 نجدها تقرّر بأنّ النظام أدنى درجة من القانون، فهي تقول : “أمّا كون هذه النصوص لم ترد في قانون تشكيل المحاكم وهو القانون الباحث عن اختصاصات المحاكم وإنما وردت في قانون التقاعد فإنّ ذلك لا يعيبها ولا ينحدر بها إلى قوة النظام…..”(46). وبالرغم من ذلك نجدها تعود من جديد لتؤكد بأنها لا تملك الصلاحية بإبطال النظام وذلك في القرار رقم 126/77(47)، ثم عادت من جديد لتذكر بأنّ النظام يجب أن يقتصر على قواعد تنفيذية محضة لا يكون من شأنها أن تزيد شيئاً على نصوص القانون أو تحد منها(48).
وفي عام 1982 وبالقرار رقم 66/81 ألغت محكمة العدل نظاماً يخالف المشروعية لأنه قد أعطى لنفسه الأثر الرجعي مخالفاً بذلك حكم القانون(49). ثم صدرت قرارات فيما بعد عن محكمة العدل مفاده أنه إذا تعارض نص القانون مع نظام فإنّ حكم القانون يسود لأنه يشترط لصحة النظام أن لا يخالف القانون(50)، أو أنه لا يجوز إجراء تصرّف بالاستناد إلى نظام يخالف القانون(51). إلى أن نصل إلى عام 1989 حيث صدر قانون محكمة العدل العليا الذي جعلها مستقلة، فكانت باكورة أعمالها آنذاك القرار الذي يحمل رقم 260/88 وفيه تلغي محكمة العدل تعليمات صادرة عن وزير الداخلية بناءً على تفويض تشريعي، لأنّ الوزير كان قد تجاوز حدود صلاحياته المخوّل له بالقانون(52)، وهي في ذلك تقول : “إنّ التعليمات التي يصدرها وزير الداخلية هي قرارات إدارية تنظيمية عامة لاحتوائها على قواعد موضوعية عامة قصد تطبيقها على أشخاص بأوصافهم لا بذواتهم ….. .وليس عملاً تشريعياً مما يدخل الطعن بها من ضمن صلاحية محكمة العدل العليا….”.
أمّا فيما يتعلق بموقف المحاكم النظامية من المسألة نجد أن هذه المحاكم قد قامت بإخضاع الأنظمة المستقلة لرقابة الدستورية، فإذا خالف النظام المستقل أحكام الدستور، فإنها تهدر النص المخالف ولا تعمل به. وفي ذلك تقول: “الدستور هو المصدر القانوني لسلطات الدولة وقد وزع الاختصاصات التشريعية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأوجب أن يكون تنظيم بعض المسائل بقانون يصدر عن السلطة التشريعية والبعض الآخر بنظام يصدر عن السلطة التنفيذية، لتنظيم المسائل المتعلقة بتعيين درجات المحاكم واختصاصاتها لا يكون إلا بقانون من السلطة التشريعية وتنظيم المسائل المتعلقة بتعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم يكون بنظام من السلطة التنفيذية، وعلى هذا يجب على كل سلطة من السلطتين التشريعية أو التنفيذية أن تمارس حق التشريع في الحدود المعينة لها من غير افتئات على الاختصاصات التشريعية للسلطة الأخرى، فإذا خرجت إحدى السلطتين عن هذا المبدأ أو تناولت بالتشريع موضوعات يعود حق التشريع فيها إلى السلطة الأخرى فإنّ تشريعها يكون مخالفاً للدستور، ولهذا فإن حكم المادة/162 من نظام الموظفين الذي أناط بمحكمة الاستئناف حق محاكمة الموظفين كمحكمة أول درجة مخالف لأحكام الدستور ولا يجوز الاستناد إليه في محاكمة الموظف المتهم أمام محكمة الاستئناف(52).
كذلك تبسط المحاكم النظامية رقابتها على شرعية الأنظمة التنفيذية. فإذا صدر قرار إداري فردي بالاستناد إلى نظام مخالف للقانون أو الدستور، وتعلق بمسألة داخله في اختصاصها فيحق لها أن تبحث في مشروعية النظام التنفيذي وتشل آثاره بالنسبة لرافع الدعوى. وقد جاء في قرار محكمة التمييز رقم 295/59: “للمحاكم النظامية العادية في معرض رؤية دعوى تدخل ضمن صلاحيتها، صلاحية تقرير بطلان أي إجراء اتخذ بموجب نظام مخالف للقانون”(54). وفي آخر المطاف لا بد لنا أن نفرد بنداً خاصاً بالمعاهدة الدولية، إذ أنها في بعض الأحيان تقرّر حقوقاً لصالح الأفراد .

رابعاً : المعاهدة الدولية :
لقد جاء في المادة /33 من الدستور الأردني لعام 1952 ما يلي :
1. الملك هو الذي يعلن الحرب ويعقد الصلح ويبرم المعاهدات والاتفاقيات .
2. المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئاً من النفقات أو مساس في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السارية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية.
يستنتج من هذا النص الدستوري أن المعاهدات والاتفاقات على نوعين :
أ‌- النوع الأول هو تلك المعاهدات التي لا تحتاج لتصديق مجلس الأمة عليها .
ب‌- النوع الثاني هو تلك المعاهدات التي تحتاج لتصديق مجلس الأمة حتى تصبح ملزمة .
وهذا النوع من المعاهدات والاتفاقيات هو الذي يترتب عليه تحميل خزانة الدولة نفقات معينة أو فيها مساس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة .
وقد جاء في قرار لمحكمة العدل العليا: “أنّ جلالة الملك هو الذي يبرم المعاهدات على أن يوافق مجلس الأمة إذا كان يترتب عليها تعديل في أراضي الدولة أو نقص في حدود سيادتها أو تحميل خزانتها بشيء من النفقات … إنّ الاتفاقيات المعقودة بين وزير الاقتصاد ومدير البعثة الأميركية للأردن بتاريخ 17/9/1954 لا تعتبر نافذة المفعول لأنها لم تبرم من قبل المرجع المختص بمقتضى الدستور، لأنّ هذه الاتفاقية لا تخرج عن كونها معاهدة”(55).
وفي قرار آخر جاء على لسان محكمة التمييز الأردنية: “أنّ الاتفاقية بين الأردن ولبنان لتنظيم التبادل الاقتصادي الترانزيت هي معاهدة من المعاهدات التجارية التي لا تعتبر نافذة المفعول إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة”(56).
ومهما كانت التسمية، فإنّ لفظ “المعاهدة الدولية” يجب أن نحتفظ به لكل اتفاق بين أعضاء القانون الدولي بقصد إحداث الآثار القانونية(57). ومع ذلك فإنه من الواجب توضيح هذا التعريف. فالمعاهدة الدولية بالمعنى الواسع هي كل اتفاق بين أعضاء المجتمع الدولي، ولهذا يخرج عن وصف المعاهدة الدولة :
1. الاتفاقات المعقودة مع الشعوب غير المتحضّرة أو القبائل.
2. عقود الزواج بين الأمراء والعائلات الحاكمة، لأنّ الأمير هنا ليس ممثلاً للدولة.
3. الاتفاقات بين الدولة والأفراد الأجانب كالاتفاق المعقود بتاريخ 29/4/1933 بين الحكومة الإيرانية وشركة البترول الأنقلو- إيرانية.
4. الاتفاقات بين الأفراد الأجانب مثل اتفاقية الخط الأحمر المعقودة بتاريخ 31/7/1928 بين الشركات البترولية الخاصة من أجل تحديد مناطق كل منهما في الشرق الأدنى .

وبالعكس يمكن أن نصف بوصف المعاهدة بالرغم من أنها اتفاقات لم تعقد بين دولتين :
1. الاتفاقات المعقودة بين أعضاء الكومنولث.
2. الكونكوردا المعقودة بين البابا والدولة الكاثولوكية.
3. الاتفاق المعقود بين منظمة دولية ودولة مثل الاتفاق المعقود بين اليونسكو والحكومة الفرنسية في باريس بتاريخ 2/7/1954 بخصوص المقرّ، أو الاتفاق المعقود بين منظمتين دوليتين كالاتفاقات المعقودة بجنيف بتاريخ 19/4 و 19/7/1946 من أجل نقل ممتلكات عصبة الأمم إلى هيئة الأمم.
أمّا المعاهدة الدولية بالمعنى الضيّق: فيمكن تعريفها من خلال الإجراءات المستخدمة من أجل عقدها، أي من خلال الشكل وليس من خلال المضمون. وعندها يجب أن نحتفظ بالاصطلاح الفني “معاهدة” للاتفاقات الدولية المعقودة من خلال التدخل الشكلي للجهاز صاحب الصلاحية لعقد المعاهدات (Treaty – making power) وهذا يجري في معظم الدول حين يقوم رئيس الدولة بذلك. والمعاهدة بهذا المعنى تتميّز بخاصيتين هما :
1. الانعقاد غير المباشر، ويتضمن ثلاث مراحل متميّزة “المفاوضة، التوقيع، والتصديق”.
2. وحدة الأداة القانونية.
ومن خلال الواقع العملي نجد أن التعابير التي تطلق على المعاهدة الدولية بالمعنى الضيق متعددة مثل، معاهدة، اتفاق، ميثاق، إعلان، بروتوكول، دستور…..ألخ، وعليه، فليس هناك سبب ضروري يحكم الاصطلاح لهذه الأدوات الاتفاقية، إذ أنه بالإمكان استخدامها جميعها كيفما شاء لإنجاز عملية قانونية محدّدة، فالأعمال القانونية من نفس الموضوع يمكن إتمامها بأساليب فنية متعددة، إلا أنه بالرغم من هذا التنوّع في الشكل فإن هناك تساوي من حيث الموضوع بين هذه الأدوات القانونية المختلفة، فهي لها جميعها نفس القوة الإلزامية.
ويقابل المعاهدة الدولية التي تمّ تعريفه على هذا النحو الاتفاقات على الشكل المبسّط المسماة (Agreements) في الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الاتفاقات تنعقد بدون تدخل الجهاز صاحب الصلاحية في الدولة(Treaty-making power)، أي بدون تدخل رئيس الدولة، وعادة تحضر من قبل وزير الخارجية أو الموظفين الدبلوماسيين وهي تتميز بأنها :
1. دائماً تتم بالانعقاد المباشر “مفاوضة وتوقيع”.
2. في الغالب، وليس دائماً، بتعدد الأدوات القانونية “تبادل الكتب، المذكرات الدبلوماسية، التصريحات”.
يستنتج من ذلك أن التصديق هو المعيار الوحيد للتمييز بين المعاهدات وهذه الاتفاقات على الشكل المبسّط.
أمّا في المادة/33 من الدستور الأردني لا نجد فيها نص على الاتفاقات على الشكل المبسط (Agreements)، وكل ما هناك معاهدة أو اتفاقية لا تحتاج لتصديق من البرلمان لأنها تحمّل خزانة الدولة نفقات معينة أو لا تمس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة، أو معاهدة أو اتفاقية تحتاج لتصديق البرلمان لأنها تحمّل الخزينة نفقات معينة أو تمس بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة.
وتجري دراسة المعاهدة أو الاتفاقية على هذا النحو في مجلس الوزراء فإذا كانت من النوع الأول يعطي تفويضاً من مجلس الوزراء لأحد الوزراء بالتوقيع ثمّ ترفع لجلالة الملك للتصديق عليها. أمّا إذا كانت المعاهدة أو الاتفاقية من النوع الثاني، فلا بد من تصديق البرلمان عليها.
كما يلاحظ أنّ الاختلاف بين النوعين من المعاهدات والاتفاقات من حيث طريقة عقدهما لا يؤدي إلى تسلسل في الغرض بينهما ولا يقابله اختلاف في المضمون .
وفيها يتعلّق بمكانة المعاهدة أو الاتفاقية في النظام القانوني الأردني، نلاحظ أن المادة/33 المشار إليها لا تتعرض لهذا الموضوع لا من قريب أو بعيد. وعليه، نجد أن محكمة التمييز الأردنية كانت قد انبرت لذلك وأعطت المعاهدة أو الاتفاقية مكانة تعلو على القانون الأردني المعارض لها، سواء أكانت المعاهدة سابقة أم لاحقة على القانون الأردني. وفي ذلك نرى هذا القضاء العالي يقول : “وبعد التدقيق والمداولة نجد أن أسباب اللائحة الأولى بمجوعها أن النقض السابق الصادر في هذه القضية برقم 730/90 تاريخ 26/9/1990 بُني على قاعدة مفادها أن القوانين المحلية السارية المفعول هي الواجبة التطبيق ما لم يرد في معاهدة أو اتفاق دولي ما يخالف أحكام هذه الوقانين، وهذه القاعدة لا تتأثر بأسبقية القانون المحلي على الاتفاق الدولي أو أسبقية الاتفاق الدولي على القانون المحلي”(59). وعليه، نجد أن محكمة التمييز الأردنية كانت قد تبنّت نظرية وحدة القانونين (Monisme) مع إعطاء الصدارة للقانون الدولي.
ونقطة الانطلاق في هذه النظرية هي الوحدة (Unite)وهذا هو أيضاً اسمها – المفهوم الوحداني – لمجموع القواعد القانونية. وهذا النظم القانوني مبني حسب مبدأ الخضوع، وبناءً عليه، فإنّ القواعد القانونية خاضعة إحداها إلى الأخرى ضمن نظام تسلسلي. فالأستاذ البروفسور كلسن النمساوي هو الذي أعطى للوحدانية القانونية دلالتها العلمية النهائية.
أيضاً إنّ النظام التسلسلي للقواعد يعتمد على نقطة الانطلاق التي يختارها المفسّر. ثم إن كلسن ومعه ميركل يريان من الناحية العملية أن النظامين اللذين يمكن أن تؤدي إليهما الوحدانية، “أي تفوق القانون الداخلي أو تفوق القانون الدولي” ممكنان ومقبولان، فأي قاعدة يمكن اختيارها كنقطة انطلاق لنظام قانوني كلي. أمّا كلسن فهو يدافع عن تفوّق القانون الدولي، وذلك ليس لأسباب علمية وإنّما لاعتبارات ذات طبيعة عملية، لأنّ القانون الداخلي يؤدي إلى تجزئة القانون الدولي وبالتالي إلى إنكاره.
إذن بحسب وجهة نظر كلسن ليس هناك نظامين قانونيين متناسقين، بل نظامين قانونين إحداهما “القانون الدولي” قانون متفوّق، والآخر، القانون الداخلي” قانون خاضع. أي أن النظام القانوني الداخلي مشتقّ أو أنه تفويض من القانون الدولي(59).

أمّا فيما يتعلق بسلطة القضاء في إ عطاء المعاهدة الدولية مكانة في النظام القانوني الداخلي بالرغم من سكوت الدستور فلا مجال لمعالجة هذه الناحية هنا، فقد كرّسنا لذلك بحثاً خاصاً سيظهر عن قريب إن شاء الله .

نقد و خاتمة:

في الواقع إنّ المسألة لا تخرج عن كونها مسألة مبدئية، فإمّا أن تتبنّى محكمة العدل العليا المعيار الشكلي للقرار الإداري الذي بموجبه ينظر إلى مصدر القرار وعندها يجب قبول دعوى الإلغاء في مواجهة أعمال السلطة الإدارية جميعها فيما عدا ما تمّ استثناؤه بالدستور، والبند التاسع من الفقرة/أ من المادة التاسعة من قانون محكمة العدل العليا لعام 1992 يسمح بذلك. وإمّا أن تتبنّى محمكة العدل المعيار الموضوعي الذي مفاده كل قاعدة عامة وغير شخصية هي قانون وعندها تصبح هذه المحكمة غير مختصّة بقبول دعوى الإلغاء في مواجهة أعمال السلطة الإدارية التي تضع قواعده عامة وغير شخصية، وفي هذه الحالة لنا أن نتساءل كيف يمكن فرض احترام حقوق وحريات الأفراد المصونة بالدستور على السلطة الإدارية؟
لذا سنتعرّض لكل واحد من هذه القرارات الحقوقية التي يمكن أن تصدرها السلطة التنفيذية على ضوء الدستور والمبادئ العامة المعترف بها .

أ- القانون المؤقت :
لقد جاء في المادة /94 من الدستور “… ويكون لهذه القوانين المؤقتة التي يجب أن لا تخالف أحكام الدستور قوة القانون على أن تعرض على المجلس في أول اجتماع يعقده وللمجلس أن يقرّ هذه القوانين أو يعدّلها، أمّا إذا رفضها فيجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانها فوراً…”.
إنّ من يمعن النظر في هذه المادة يتساءل ما هو المقصود بعبارة “قوة القانون” هل المقصود بها العمومية والتجرّد؟ إنّ العمومية والتجرّد خاصيّة من خصائص كل قاعدة لا تخاطب وم محصورين بذواتهم. فالنظام التنفيذي الذي يجب أن لا يخالف القانون الصادر بموجبه نجد أن لقواعده صفة العمومية والتجرّد. فهل له قوة القانون ؟ وهل المقصود بعبارة “قوة القانون” خضوع المخاطبين بالقانون المؤقت لأحكامه؟ والجواب نفسه. إنّ المخاطبين بالنظام التنفيذي ملزمين بالخضوع لأحكامه .
إذن لا بدّ وأنّ المقصود بعبارة “قوة القانون” هو الدرجة في التسلسل بين القواعد القانونية. لكن ما دام أنّ القانون المؤقت له نفس درجة القانون الشكلي في التسلسل بين القواعد الحقوقية، فإنّ لنا أن نتساءل، لماذا يجب عرضه على المجلس في أول اجتماع يعقده؟ ولماذا يكون باستطاعة المجلس أن يقرّه أو أن يرفضه؟ وإذا رفضه وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن بطلانه.
إنّ هذه الخصائص ليست من خصائص القانون في شيء. ولهذا نجد أنّ البند السابع من الفقرة /أ من المادة التاسعة من قانون محكمة العدل العليا لعام 1992 ينص على الطعون التي قدّمها أي متضرّر ويطلب وقف العمل بأحكام أي قانون مؤقت مخالف للدستور. وعليه، فإذا ثبت لدى محكمة العدل العليا أنّ قانوناً مخالفاً للدستور، وكان قد طلب إليها متضرّراً قراراً بوقف العمل بالنص أو النصوص المخالفة للدستور، وصدر هذا القرار، فإنه بالإمكان تصوّر وضعين؛ فإمّا أنّ النيابة الإدارية تعلم الإدارة بمضمون القرار أو أن صاحب العلاقة بطلب صورة عن الحكم ويراجع الإدارة التي طبقت القانون المؤقت المخالف للدستور عليه، وفي كلا الحالتين تقوم الإدارة بترتيب النتائج القانونية. ومن حيث الواقع العملي فإنّ النص المخالف للدستور لن يعود له وجود في النظام القانوني. وبالنسبة للفرق بين هذا الإجراء والإلغاء من قبل محكمة العدل العليا، نجد أن البند السابع هذا يؤدي إلى وقف العمل بالنسبة للمستقبل، في حين الإلغاء يكون بأثر رجعي، على أنه إذا استمرت الإدارة بتطبيق هذا القانون بالرغم من كل ذلك فنحن نعتقد بأنها ستعقد المسؤولية المدنية للدولة، ويحقّ للمتضرّر أن يطالب بالعطل والضرر .

ب- النظام المستقل:
إن تعامل محكمة العدل العليا الأردنية مع أنواع الأنظمة يظهر أنها تميّز بين الأنظمة المستقلة والأنظمة التنفيذية. ففي حين أنّها أقدمت على إلغاء أنظمة تنفيذية بعد صدور قرار المجلس العالي لتفسير الدستور الذي أعطى الصلاحية للديوان الخاص بتفسير القوانين كي تفسّر الأنظمة على اعتبار أن كلمة قانون تشمل الأنظمة، نجد أنّ محكمة العدل العليا تحجم عن ذلك عندما تكون أمام أنظمة مستقلة.
وهذا ما يدعونا للتساؤل هل هناك نوعين من السلطة التنظيمية في الأردن: إحداهما خاضعة للقانون والأخرى لا تخضع للقانون؟.
في الحقيقة إن الأنظمة المستقلة موجودة في النظام القانون الفرنسي وتستطيع السلطة التنفيذية اتخاذها بناءً على المادة/37 من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، إلاّ أنّ مجلس الدولة الفرنسي بدون تردّد كان قد اعتبرها قرارات إدارية بناءً على المعيار الشكلي التي تبنّاه منذ مطلع القرن وبالتالي يخضعها لقانون ضمني هو مبادئ القانون العامة.
لهذا بالرغم من أن النظام المستقل يصدر بناءً على الدستور لا يمكن أن يكون في مستوى القانون، ومع أنه يحتوي على قواعد عامة وغير شخصية، فهو ليس قانوناً، ذلك لأنّ هذا الأخير يصدر بموجب الإجراءات الدستورية المنصوص عليها في المواد 91، 92، 93 من الدستور كالتصويت عليه من قبل الغرفتين والتغطية بالإصدار. أمّا النظام المستقل فهو ليس عمل من أعمال ممثلي الأمة، ولم يصدر بموجب الإجراءات الدستورية، فهو إذن عمل إداري وقرار نافذ اتخذ من قبل رئيس السلطة التنفيذية.
وفي دستور عام 1952 تكون القاعدة القانونية على علاقة مع مصدرها، ولا يخرج عن هذه القاعدة القانون أو النظام المستقل .
إنّ القانون في تقاليدنا الأردنية لا زال محافظاً على خصائصه الأصلية بأنه التعبير عن الإرادة العامة، وهذا ما يعطيه درجته في التسلسل بين مصادر المشروعية. أمّا النظم المستقل فيقوم بوضعه مجلس الوزراء بموافقة الملك, فهو ليس إلا قرار السلطة الإدارية صاحبة الحق في السلطة التنظيمية، والتي تترجم ممارستها إمّا على شكل أنظمة تنفيذية للقوانين أو أنظمة مستقلة. وبناءً على أصل الأنظمة المستقلة كيف يمكن أن يكون لها قيمة أعلى من الأنظمة التنفيذية التي ليس هناك شبهة في درجتها(60). “في الحقيقة إنّ الأنظمة المستقلة لا يمكن أن تتجاوز احترام القانون لأنها تصدر بناءً على الدستور، فما دام أن القانون يجب أن لا يعالج المجالات المخصصة بالدستور للنظام المستقل، كان هذا هو السبب في غيابه في مجالها ليس إلا. وبما أنه ليس هناك قاعدة عليا فليس هناك قاعدة دنيا.
في الحقيقة إنّ تحرّر السلطة التي تصدر الأنظمة المستقلة تجاه القوانين ناتج عن غيابها وليس لأنّ درجة السلطة التنفيذية التي تصدرها أصبحت مساوية لدرجة السلطة التشريعية إذ أنّ هذه الأخيرة هي الجهاز المعبّر عن الإرادة العامة. وما دام الأمر كذلك فإنه يتوجّب أن تخضع الأنظمة المستقلة لمبادئ القانون العام، كما يتوجّب قبول دعوى تجاوز السلطة في مواجهتها وذلك من أجل صيانة الحقوق والحريات المعترف بها بالدستور(61).

ج- الأنظمة التنفيذية :
كما سبق القول، كانت محكمة العدل العليا الأردنية قد ألغت أنظمة تنفيذية بالرغم من التفسير الوارد بالقرار رقم (3) لسنة 1955 الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور. لهذا نأمل من هذا القضاء العالي أن يوسّع نطاق رقابته ويرسّخها لا أن يجعل حالات الإلغاء استثناءً على القاعدة، بل على العكس أن يجعل من الإلغاء القاعدة الأساسية، لأنّ الفرد أعزل تجاه السلطة الإدارية التي تعمل بالقرار الإداري النافذ. فالديمقراطية يجب أن تلازمها الليبرالية حتى ينعم الأفراد بالتمتّع بحقوقهم وحرياتهم على أفضل وجه. في الحقيقة إن النظام التنفيذي المخالف للقانون الذي ينفذه لم يخرج على هذا القانون فحسب، بل على أحكام الدستور أيضاً.
وعليه إنّ تبني المعيار الموضوعي للقرار الإداري من شأنه أن يعفي السلطة التنفيذية ليس فقط من احترام القانون بل من احترام الدستور كذلك، وما دام أن الدستور يحفظ “دولة الحق” فإن تبنّي المعيار الموضوعي مرفوض. وقد يقال إنّ محكمة العدل العليا وهي تبحث في شرعية قرار إداري فردي تمتنع عن تطبق النص المخالف للدستور، ألا يكفي ذلك؟
ولقد جاء على لسان محكمة العدل العليا الأردنية إنها عندما تمتنع عن التطبيق لا تلغي ولا تأمر بوقف التنفيذ. وكما يقول أحد الفقهاء الفرنسيين: “إنّ رقابة الدستورية ليست كرقابة الإلغاء، وليس لهما نفس الدور؛ فالأولى نجد فيها مسألة دستورية النظام تشكل مسألة أولية ومسبقة كما إنها معنوية، بينما رقابة الإلغاء لاحقة وحسّية .
والقاضي في رقابة المخالفة للدستور لا يحسم نزاعاً بين أطراف في دعوى ولا يعطي حقاً لأحد دون آخر، بل إنه يقارن نصّين مختلفين في الطبيعة والمستوى في التسلسل، وبالتالي يجد نفسه مسؤولاً على أن لا يغلّب احداهما على الآخر الدستور.
وقد يقال أن هناك طرفين في الدعوى من يدافع عن النظام ومن يدفع بأنه غير دستوري، وكما يحصل في كل دعوى فهناك بالنسبة للمراقب ذو النظرة السطحية من خسر ومن ربح لكن الأمور ليست كذلك، لأنه إذا أردنا أن نظر إلى الأمور بعمق، فإن ما جرى فحصه من قبل القاضي هو التوافق مع الدستور وليس مضمون هذا النظام مع الوضع الذي أراد أن ينظمه ولكن خضوعه للميثاق الذي أراده الشعب، فالقاضي ليست مهمته أن يبت في نزاع بين أطراف ولكن قول الحق على أعلى المستويات حتى يحافظ على ثبات الآمرية القانونية “Ordonnancement Juridique”.
إنّ رقابة الشرعية من قبل القاضي الإداري تنبع في مبدأها من النظرية السياسية الليبرالية وليس من النظرية الديمقراطية. إذ أن مبدأ المشروعية يشكل تحديداً للسلطة الإدارية، وهو مبدأ ليبرالي وعامل من عوامل اليبرالية في النظام الإداري، ومن الطبيعي فإن الليبرالية تكون مصونة أكثر كلما كان الخروج على هذا المبدأ معاقباً عليه بشكل كافٍ، أي عندما يكون لدى المدارين طرقاً قانونية واسعة وسهلة الولوج وأكثر فعالية من أجل مراقبة احترام القانون من قبل الإدارة. أن هذه الدلالة الليبرالية لمبدأ المشروعية، تظهر لنا بوضوح، في التنظيم الدستوري أهمية مبدأ فصل السلطات. أيضاً أن المشروعية لها كمصدر أساسي للقانون، لأنّ الدستور يقوم فقط بالاعتراف بمبدأ الحقوق والحريات الأساسية، وبالتالي فإن تحديد الإدارة يكون مضموناً بصورة أفضل عندما يكون القانون صادراً عن سلطة خارجة عنها. وهذا بحسب رأي مونتيسكيو أول فائدة لفصل السلطات، إذ يقول : “عندما تجتمع في نفس يد الشخص، أو نفس الهيئة السلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية، فليس هناك حرية”(62). وفي بلادنا فإن المبدأ المعتمد هو فصل الأجهزة. لذا نأمل من محكمة العدل العليا أن تكون سنداً لحقوق وحريات المواطنين كما هو شأنها دائماً، وخصوصاً وأن وزير العدلية كان قد بين في تعقيبه على صدور القانون رقم 11 لسنة 1989 الذي تمّ بموجبه استقلال هذا القضاء العالي قائلاً : “أن الهدف من إصدار هذه القوانين وخاصة قانون محكمة العدل العليا هو تحقيق الشرعية الدستورية..”(63).

الهوامش

1. أنظر المادة/55 من دستور فرنسا لعام 1958 .
2. أنظر مؤلف الأساتذة محمد عبد السلام الزيات، هاني خير، محمد حسن مازن، “أحكام الدستور والنظام الداخلي للبرلمان والسوابق البرلمانية في التطبيق”، الطبعة الأولى، 1971، ص 719. حيث أورد نصاً لقرار المجلس العالي لتفسير الدستور رقم 3 لسنة 1955، والذي يعطي بمقتضاه للديوان الخاص بتفسير القوانين صلاحية تفسير الأنظمة أيضاً، وتنص المادة 123 من الدستور: “للديوان الخاص حق تفسير نص أي قانون لم تكن المحاكم قد فسرته إذا طلب إليه ذلك رئيس الوزراء.
3. أنظر كتاب التكليف السامي الموجه من الملك حسين إلى الحكومة الجديدة والذي يحدد بموجبه قواعد العمل ومنطلقاته، ومنها وضع حد لتسييس الدين. عدد جريدة الرأي رقم 6862 بتاريخ 28/4/1989، الصفحة 1.
4. فمثلاً كان عدد من وقع القانون الأساسي بمن فهيم رئيس النظارة (7) وبلغ هذا العدد (23) في الدستور الحالي .
5. أنظر المادة/6 فقرة أ من الدستور .
6. أنظر دستور فرنسا لعام 1848.
7. أنظر المواد 14، 15 فقرة /2، 16 من الدستور الأردني.
8. أنظر المواد 6، 19 من الدستور الأردني .
9. أنر مؤلف الزميل الدكتور عبد المنعم محفوظ “فلسفات حقوق الإنسان” طبعة عام 1987، ص 196-197 .
10. أنظر المادة/23 فقرة /2 من الدستور .
11. أنظر دستور المملكة الأردنية الهاشمية لعام 1952، المواد 24، 91، 92، 93 .
12. أنظر نص المادة/17 من الدستور الصادر عام 1952 التي جاء فيها أن “كل امتياز يعطى بمنح أي حق يتعلق باستئجار المناجم أو المعادن أو المرافق العامة يجب أن يصدق عليه القانون”.
13. أنظر المواد 9، 10، 11، 12، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 22، من الدستور .
14. انظر المادة/5 من الدستور .
15. أنظر المادة/111 من الدستور .
16. أنظر المادة /100 من الدستور .
17. تنص المادة /45 فقرة/2 : “تعين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصدّق عليها الملك”. والمادة/114 على أنه “لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع أنظمة من أجل مراقبة تخصيص وإنفاق الاموال العامة وتنظيم مستودعات الحكومة” والمادة/120 تنص أيضاً على ما يلي “التقسيمات الإدارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسماؤها ومنهاج إدارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك”.
18. أنظر الجريدة الرسمية، العدد 1853، الصادر بتاريخ 26/6/1965.
19. أمّا اليوم فهناك قانون محكمة العدل العليا الذي صدر عام 992 ويحمل رقم 12.
20. يعرّف الفقيه كاري دي ماليرغ القانون بأنه يضع قواعد عامة وغير شخصية وهذا التعريف يشمل القانون الشكلي والنظام.
21. أنظر الدكتور عادل الحياري، القانون الدستوري، ص659.
22. أنظر القرار (Panama Refining Co. V. Ryan (Janvier 1935-293 U.S. 388
23. أنظر : Chantebout. B. “Droit Constitutionnel et Science Politique” 2eme ed., Economica, 1979, p. 307.
24. Op. Cit., p. 309.
25. Ibid.
26. وهذا ما حصل في بريطانيا .
27. وهذا ما حصل في فرنسا في ظل الجمهورية الخامسة.
28. C.E., 19/12/1969, Dama Piard, Rec., P. 593.
29. C.E.,19/12/1961, Damian, Piard, R.D.P., 1962, P. 658.
30. أنظر الدكتور عادل الحياري، القانون الدستوري، ص668.
31. كالانتخاب، والضرائب والمحاكم.
32. أنظر مجلة نقابة المحامين الأردنيين، القرار رقم 64/68، سنة 16، عدد/7، ص162.
33. هذه هي الصيغة التي كان قد استعملها المجلس العالي لتفسير الدستور في القرار رقم/1 الصادر بتاريخ 4/1/195، المنشور في كتاب أحكام الدستور على الصفحة 715.
34. أنظر قرار المجلس العالي رقم/1 الصادر بتاريخ 4/1/1955 المشار إليه أعلاه .
35. أنشئت هذه المحكمة لأول مرّة في المملكة بموجب قانون تشكيل المحاكم النظامية المؤقت رقم 71 لسنة 1951، ثم صدر دستور عام 1952 ونصت المادة/100 منه على أن “تعين أنواع المحاكم ودرجاتها وأقسامها واختصاصاتها وكيفية إدارتها بقانون خاص على أن ينص هذا القانون على إنشاء محكمة عدل عليا و لم يحدد الدستور صلاحية محكمة العدل العليا و عندما عرض القانون المؤقت رقم 71 لسنة 1951على مجلس الأمة، تأثر هذا الأخير ببعض الصلاحيات التي كانت ممنوحة لمحكمة العدل العليا في فلسطين زمن الانتداب فأدخل البندين (ز) و (ح) على الفقرة الثالثة من المادة/10 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952، وكذلك كان مجلس الأمة قد تأثر بقانون مجلس الدولة المصري لعام 1964 فأدخل على الفقرة الثالثة من المادة /10 من قانون تشكيل المحاكم النظامية رقم 26 لسنة 1952 البنود من (أ) إلى (و). وفي عام 1963 صدر القانون رقم 38 لسنة 1963 وعدّل في صلاحيات محكمة العدل العليا، ثم جاء عام 1968 وحمل معه القانون المؤقت رقم 35 لسنة 1968 وعدّل أيضاً في صلاحية هذه المحكمة. وفي عام 1989 جاء القانون المؤقت رقم 11 لسنة 1989 وأعطى لمحكمة العدل العليا استقلالها وعدّل في اختصاصها. وأخيراً صدر القانون رقم 12 لسنة 1992 وعدّل في اختصاص محكمة العدل العليا.
36. أنظر القرار رقم 6/51، عدد/7، سنة/1، ص 335 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين، وقد أشار إليه الدكتور حنا نده في كتابه “القضاء الإداري في الأردن” على صفحة 11.
37. أنظر العدد/6، سنة/15، ص749 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين، وقد أشار إليه المرجع السابق على صفحة 13.
38. أنظر العدد/4، سنة/15، ص389 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
39. أنظر العددان 9، 10 سنة 42، ص1954.
40. أنظر الدكتور حنا نده “القضاء الإداري في الأردن” لعام 1972، ص212-213.
41. ولقد تمّ ذلك بتصريح من المجلس العالي لتفسير الدستور الموجود في القرار رقم 3 الصادر بتاريخ 28/2/1955 كما سبق القول. وانظر العدد/1، سنة/5، ص1 من مجلة نقابة المحامين الأردنية.
42. أنظر العددان 9 و 10 سنة 42، ص1961.
43. أنظر العدد/12، سنة/1، ص599 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
44. أنظر العدد/1، سنة/5، ص1 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
45. أنظر العددان 11 و 12، سنة/21، ص1518 من مجلة نقابة المحامين الأردنين.
46. أنظر العددان 7 و 8، سنة /25، ص980 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
47. أنظر العدد/6، سنة /26، ص685 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
48. أنظر القرار رقم 131/78، ص1152، سنة/79، والقرار رقم 57/79، سنة/80، ص448 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
49. أنظر العدد/4، سنة/30، ص456 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
50. أنظر القرار رقم 152/85، ص719، سنة/34 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
51. أنظر القرار رقم 39/85، ص456، سنة/34 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
52. أنظر العددان 3 و 4، سنة/39، ص334 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
53. أنظر القرار رقم 74/58، عدد/9، سنة/6، ص607 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
54. أنظر العدد/5، سنة/7، ص341 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين.
55. أنظر القرار رقم 27/55، عدد/11، سنة/3، ص662 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
56. أنظر القرار رقم 24/55، عدد/2، سنة/5، ص478 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
57. Rousseau.ch.”Droit International Public” 2eme, ed. 1948, Dalloz.pp.21 et Sui.
وانظر كذلك الدكتور غسان الجندي، “قانون المعاهدات الدولية” عام 1988، ص7 وما بعدها.
58. انظر القرار رقم 1226/90، الأعداد 6، 7، 8، السنة/39، ص1145 من مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
59. Rousseau, ch.op.cit, p.4 et sui.
60. أي أنها خاضعة للقانون الذي تنفذّه.
61. انظر في معالجة هذه المسألة بشكل موسّع مقالة الأستاذ رينيه شابي: Chapus.R.”D.1960Chr.p.124Έ
62. Chantebout, B.”Droit Constutionnel et Science Poitique”, 2eme ed.1979. Pp.41-61; De A. de Laubadere, “Traite de Droit Administratif”, T1. 5eme ed. 1970. pp. 211 et sul.
63. أنظر جريدة الرأي الأردنية، العدد/6813، الصادرة بتاريخ 10/3/1989، على صفحة 6.

المراجع

– المصادر الرسمية :
1. الجريدة الرسمية للمملكة الأردنية الهاشمية .
2. القانون الأساسي لشرق الأردن بتاريخ 16 نيسان 1928.
3. الدستور الأردني الصادر بتاريخ 1 شباط 1947 .
4. الدستور الأردني الصادر بتاريخ 8/1/1952 .
5. الدستور الفرنسي للجمهورية الخامسة بتاريخ 4 تشرين أول 1958 .
6. القانون الدستوري الصادر بتاريخ 29/10/1974.

– الدوريات :
1. دراسات ووثائق صادرة عن مجلس الدولة الفرنسي E.D.C.E. .
2. مجلة الوقائع في القانون الإداري A.J.D.A. .
3. مجلة القانون العام الفرنسية R.D.P. .
4. مجلة القانون الأوروبي الفصلية Rev.Trim. Dr. Europ.
5. نقابة المحامين الأردنيين .
6. مجلة مجلس الدولة المصري.

– الصحف :
1. صحيفة الرأي الأردنية .
2. صحيفة اللومند الفرنسية.
– الاجتهاد :
1. قرارات مجلس الدولة الفرنسي المنشورة في الدوريات الفرنسية .
2. قرارات محكمة التمييز الأردنية ومحكمة العدل العليا المنشورة في مجلة نقابة المحامين الأردنيين .
3. قرارات المجلس الدستوري الفرنسي المنشورة في الدوريات الفرنسية .
4. القرارات الكبرى للاجتهاد الإداري الفرنسي G.A.J.A..

– المصادر العربية :
1. الدكتور مصطفى البارودي: “الوجيز في الحقوق الدستورية 1959-1960″، مطبعة جامعة دمشق .
2. الدكتور محمود حافظ: “القضاء الإداري في الأردن” الطبعة الأولى، عمان، 1987، منشورات الجامعة الأردنية.
3. الدكتور عبد الرزاق السنهوري: بحث في مجلة مجلس الدولة بعنوان “مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية”، سنة 3، ص12.
4. محمد عبد السلام الزيات وهاني خير ومحمد حسن مازن: “أحكام الدستور”، الطبعة الأولى، 1971.
5. الدكتور سليمان الطماوي: الوجيز في القانون الإداري، دراسة مقارنة، 1982، مطبعة عين شمس.
6. الدكتور سالم الكسواني: مبادئ القانون الدستوري، عمان، 1983، الطبعة الأولى.
7. الدكتور عبد الحميد متولي: الوجيز في النظريات والأنظمة السياسية ومبادئها الدستورية، الطبعة الأولى، 1958-1959، دار المعارف بمصر.
8. الدكتور عبد المنعم محفوظ: فلسفات حقوق الإنسان في ضوء المواثيق والدساتير المعاصرة “نظرية الحقوق والحريات العامة”، 1987، جامعة مؤتة.
9. الدكتور حنا نده: القضاء الإداري في الأردن، عمان، 1972.
10. الدكتور عادل الحياري: القانون الدستوري .
11. الدكتور غسان الجندي: قانون المعاهدات الدولية، عمان، الأردن، عام 1988.

– المصادر الأجنبية :
1. B. Chantebout, Droit Constitutional et science politique, 2eme ed. Economica, 1979.
2. R. Chapus, “D.1960. Chr.p. 124.
3. Duverger, “Elements de Droit public”, Themis, Presses Universitaires de France.
4. De. A. Laubadere. “Traite de Droit Administratif”, T1, 9eme ed. L.G.D.J. 1984.
5. L. Favoreu et L. Philip, le conseil constitutionnel, Que sais-Je? Presses Universitaires de France.
6. R. Laffont et M. Archimbaud, “le livre des Droit de L’Homme”, ed, Robert laffont, S.A. Paris 1985.
7. M. Long. P. Weil, G. Braibant. “Les grands arrets de la jurisprudence administrative”, 8eme ed, 1984-sirey.
8. J. Mourgeon, “les Droits de I’homme”, Que sais-je? Presses Universitaires de France.
9. Ch. Rousseau, “Droit Intrnational public”, 2eme ed. 1984 Dalloz.
10. M. Simon, “les droit de I’homme’, Guide de Information et de Reflexion, chron. Soc-7, rue de plat-69002 Iyon.
11. G.Vedel, “Droit Administartif”, Themis, presses Universitaires de France.
12. P.Weil. “le Droit Administartif”, Que sais-je? Presses Universitaires de France.

إغلاق