دراسات قانونية
بحث قانوني شامل عن ماهية التوقيع الإلكتروني
ماهية التوقيع الإلكتروني
يتجه الواقع العملي, إلى التحول من العالم المادي الملموس, إلى العالم المادي غير الملموس , و من الدعامة الورقية, إلى الدعامة الالكترونية ,فظهرت طرق ووسائل حديثة في التعامل لا تتفق تماما مع فكرة التوقيع بمفهومها التقليدي .
و في ظل هذه الظروف, قد لا يجد التوقيع مكانا له أمام انتشار نظم المعالجة الالكترونية للمعلومات, والتي بدأت تغزو العالم ,و تعتمد اعتمادا كليا على الآلية, ولا مجال للإجراءات اليدوية في ظلها.
حيث أضحى التعاقد عن طريق الانترنيت، أو غيره من وسائل الاتصال الحديثة, في حاجة ملحة إلى وضع ضوابط قانونية للتعامل بين الأطراف المتعاقدين من خلال تلك الوسائل .
ومن تم فقد ظهرت ضرورة إحداث تفاعل, بين المعاملات الاقتصادية, ومظاهر التكنولوجيا الحديثة، فاستخدام المراسلات التقليدية، و ما تتكلفه من خسائر مادية, بسبب التأخر في الوصول, أضف إلى ذلك المتطلبات المرتفعة في التسويق, و كميات الورق المستخدمة, جعل من اللازم البحث عن وسائل جديدة ,قليلة التكاليف, بالإضافة إلى سرعتها و فعاليتها .
من هنا, كانت الحاجة إلى البحث عن بديل للتوقيع التقليدي , يستطيع أن يؤدي ذات الوظيفة من ناحية, و يتكيف مع وسائل الإدارة الحديثة من ناحية أخرى, و هذا البديل ,هو التوقيع الالكترونيelectronic signature الذي أصبح له دور كبير في التعاقد عن بعد عبر شبكة الانترنيت ,التي تتيح للجميع الدخول إليها بحرية, و في أي وقت, و من أي مكان لإبرام تعاقدات قانونية, مع أطراف غير معروفين لبعضهم البعض غالبا. و كانت البداية الحقيقية لظهور التوقيع الالكتروني, في المعاملات البنكية.
و في مرحلة لاحقة ,تم اعتماد التوقيع الالكتروني و الاعتداد به قانونا في أوجه أخرى من المعاملات, سواء الإدارية, أو المدنية ,أو غيرها ,فظهرت بعد ذلك صور أخرى ,للتوقيع الالكتروني, ساهمت في انتشار التجارة الالكترونية, الأمر الذي أدى إلى طرح العديد من التساؤلات, حول ماهية التوقيع الالكتروني من خلال تحديد المقصود به ؟ صوره؟ و مدى استجماع التوقيع لشروط التوقيع التقليدي ووظائفه؟ بالإضافة إلى التساؤل عن تطبيقاته ؟وأثر الاعتراف التشريعي بالتوقيع الالكتروني.وما هي الآليات اللازمة لتحقيق الحماية له؟
هذه التساؤلات سنعمل على الإجابة عنها, من خلال إبراز مختلف التعاريف التي أعطيت للتوقيع, و تحديد صوره, ومدى قدرة التوقيع الالكتروني, على تحقيق شروط ووظائف التوقيع العادي,.
المبحث الأول: التوقيع الالكتروني تعريفه، صوره و مدى تحقيقه لشروط ووظائف التوقيع العادي.
إن ظهور التوقيع الالكتروني كمصطلح جديد، يقتضي منا محاولة بيان المقصود بهذا المصطلح, فقد بدلت جهود كبيرة لبيان ذلك من قبل المنظمات الدولية, المتخصصة في هذا المجال, وكذلك من قبل الكثير من القوانين الدولية والوطنية ومن قبل الفقه.
ونظرا للأهمية القصوى التي أصبح يحظى بها التوقيع الالكتروني في كافة المعاملات, كآلية للتوقيع على المحررات الالكترونية, و كبديل للتوقيع العادي تطلب منا الأمر بيان المقصود بهذا المولود الجديد, و ذلك في مطلب الأول , أما في المطلب الثاني فسنبين صور التوقيع الالكتروني, لنناقش مدى قدرة التوقيع الالكتروني على تحقيق شروط ووظائف التوقيع العادي في مطلب ثالث.
المطلب الأول: تعريف التوقيع الالكتروني.
تباينت التعريفات التي أعطيت للتوقيع الالكتروني, و ذلك بحسب الزاوية التي ينظر منها إلى هذا التعريف، فهناك من عرفه, بناء على الوسيلة التي يتم بها إجراء التوقيع الالكتروني, في حين عرفه آخر, بحسب ما يقوم به من وظائف.
فتنوعت تعريفات التوقيع الالكتروني, سواء من منظور الاتفاقيات الدولية, أو التشريعات الخاصة بالتوقيع الالكتروني, إضافة إلى ما قام به الفقه من اجتهادات حول هذا الموضوع.
و سنعرض فيما يلي لهذه التعريفات, و إدراج بعض الملاحظات عليها للخروج بتعريف نموذجي شامل له.
الفقرة الأولى: تعريف المنظمات الدولية للتوقيع الالكتروني
اهتمت مجموعة من المنظمات الدولية, وفي إطار الجهود الدولية الرامية إلى تدليل العقبات ,التي تعترض المعاملات الالكترونية بصفة عامة, والتوقيع الالكتروني بصفة خاصة ,وكتفت جهودها لإصدار مجموعة من التوصيات حاملة بين ثناياها, بعض الحلول آملة أن يأخذ بها المشرع الوطني بعين الاعتبار, عند تنظيمه لقواعد الإثبات, فانصبت توصياتها على إعطاء مفهوم متطور للكتابة, لا يقصرها على الكتابة الخطية التقليدية ,بل يشمل إلى جانبها الكتابة الالكترونية, بالإضافة إلى الاعتراف بالتوقيع الالكتروني, ومساواته مع التوقيع الخطي.
تصدت أكثر من منظمة لتعريف التوقيع الالكتروني, من خلال قوانين التجارة الالكترونية ,أو من خلال قوانين وضعت خصيصا للتوقيع الالكتروني, لكننا سنقتصر على منظمتين دوليتين وضعتا تعريفا للتوقيع الالكتروني, هما منظمة الأمم المتحدة عن طريق لجنة الأمم المتحدة للتجارة الدولية, المعروفة ب (الاونسيترال)والاتحاد الأوربي ,كمثال لمنظمة إقليمية ,إذ أن باقي المنظمات التي حاولت تعريف التوقيع الالكتروني, تأثرت بتعريف (الاونسيترال).
ـ أولا :تعريف لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي للتوقيع الالكتروني :
كان للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي, جهود عظيمة في هذا المجال, بحيث وضعت مجموعة من القواعد القانونية المتعلقة بالتجارة الالكترونية الدولية, وصاغتها في شكل القانون النموذجي للتجارة الالكترونية لسنة1996كما عملت هذه الجنة في دورتها الرابعة والثلاثون, بوضع قانون الاونسيترال النموذجي المتعلق بالتوقيعات الالكترونية لعام 2001, انطلاقا من حرصها على تفادي أي تعارض بين القوانين في مجال التجارة الالكترونية وقد تضمن القانون المذكور جزأين في 17 مادة مضاف إليها 5 مواد مكرر في سنة 1998 ,تناول الجزء الأول التجارة الالكترونية بوجه عام, والجزء الثاني خصص للتجارة الالكترونية الخاصة بنقل البضائع ,ومن مجمل ما تضمن الجزء الأول الفصل الأول والثاني منه حيث اعترف بالعناية الالكترونية كوسيلة لإثبات التصرفات القانونية الالكترونية, ولا يجوز إنكار حجيتها لمجرد أنها في شكل الكتروني, واعتد بالتوقيع الالكتروني ,لإضفاء الحجية علية, بشرط استيفاء الشروط اللازمة لذلك, وقد تضمن هذا القانون, مجموعة من المبادئ كعدم التمييز تجاه الرسائل الالكترونية, ومبدأ الحياد التقني ,ومبدأ المقاربة الوظيفية .
ومنذ سنة 1996 والمشاورات جارية, حول صياغة قانون نموذجي للتوقيع الالكتروني, بين من يرى إدماجه في القانون النموذجي للتجارة الالكترونية, ومن يرى صياغة قانون مستقل بذلك ,واستقر الرأي أخيرا على إصدار قانون مستقل للتوقيع الالكتروني, في يونيو 2001. وقد تضمن هذا القانون, 12 مادة , وقد عرف هذا القانون في المادة (2/1) التوقيع الالكتروني, بأنه “عبارة عن بيانات في شكل الكتروني مدرجة في رسالة بيانات, أو مضافة إليها أو مرتبطة بها منطقيا, يجوز أن تستخدم لتعيين هوية الموقع, بالنسبة إلى رسالة البيانات ولبيان موافقته….”.
ـ ثانيا: تعريف الاتحاد الأوربي للتوقيع الالكتروني:
لم تقتصر الجهود المبذولة لتنظيم التجارة الالكترونية, والتوقيع الالكتروني ,على المستوى الدولي فحسب, وإنما اتجهت تكتلات إقليمية أخرى لتنظيم المعاملات الالكترونية. وسنقتصر على الجهود التي بدلها الاتحاد الأوربي في سياق بلورته لتوصيات متعلقة ببعض المواضيع القانونية المشتركة بين دول الاتحاد الأوربي, والتي تدخل في سياقها إصدار التوجيه الأوربي بشان التوقيعات الالكترونية, تحت رقم 24/93/1993 بتاريخ 13 دجنبر 1999.
يتكون التوجيه من 15 مادة ,تعالج مختلف الإشكالات التي يطرحها التوقيع الالكتروني ,سواء من حيث تعريفه أو شروط الموثوقية, وكذلك جهات التصديق الالكتروني إضافة لملاحق تتضمن الإجراءات والشروط الكفيلة بتوفير الأمن التقني للتوقيع الالكتروني .
حيث عمل المشرع الأوربي, على تعريف التوقيع الالكتروني, من خلال التمييز بين نوعين من التوقيعات الالكترونية, هما :التوقيع الالكتروني البسيط و العادي ,والتوقيع الالكتروني المعزز .
فعرف التوقيع الالكتروني البسيط أو العادي ,من خلال المادة (2/1) ,بأنه”معلومة في شكل الكتروني مرتبطة أو متصلة منطقيا ببيانات الكترونية أخرى ,تستخدم كأداة للتوثيق” ,ويلاحظ من خلال هذا التعريف أن المشرع الأوربي, حاول جلب الانتباه إلى وجود عدة أنواع من التوقيعات الالكترونية, في حين عرف التوقيع الالكتروني المتقدم أو المعزز, في المادة(2/2) بأنه “التوقيع الالكتروني الذي يتوفر على هده الشروط.
1-أن يحدد هوية الموقع ويمكن من التعرف عليه.
2- أن يكون مرتبطا بشخص صاحبه.
3-أن يتم إنشاؤه بوسائل تضمن السرية التامة, وتمكن الموقع من الاحتفاظ بها, ووضعها تحت مراقبته وسيطرته وحده دون غيره.
4-أن يكون مرتبطا بالبيانات التي يلحق بها بشكل يجعل أي تغيير أو تعديل في المستقبل على تلك البيانات قابلا للكشف عنه”.
من هنا, يتبين أن هذا القانون كسابقه المتعلق بالتجارة الالكترونية, يسعى لتفادي الحلول التشريعية المتباينة للدول ,عند إقدامها على تنظيم التوقيع الالكتروني وذلك لتعزيز الثقة في المفعول القانوني له عبر إيجاد إجراءات تكفل الاستخدام الآمن للبيانات الالكترونية, لتحقيق الاقتصاد والكفاءة في التجارة الالكترونية .
الفقرة الثانية: تعريف التوقيع الالكتروني في التشريعات المقارنة.
أدى ظهور التوقيع الالكتروني, كمصطلح جديد إلى تضافر جهود مختلف الدول في محاولة لوضع القواعد القانونية لتدليل العقبات, التي تعترض المعاملات الالكترونية بصفة عامة, و التوقيع الالكتروني بصفة خاصة. و العمل على وضع تشريعات خاصة تنظم التجارة الالكترونية و التوقيع الالكتروني ,و إن كانت هذه الجهود تختلف من بلد لآخر.
وان لم يكن بوسعنا حصر التشريعات, و استعراض الأحكام الخاصة بالتوقيع التي وردت فيها, فسوف نقتصر على البعض منها فقط.
ـ أولا: التشريع الفرنسي:
وعيا من المشرع الفرنسي بأهمية التوقيع, و التزاما منه بالتشريعات الأوروبية الخاصة بالتوقيع الالكتروني, عمل على تعديل نصوص القانون المدني الخاصة بالإثبات بتاريخ 3/03/2000 , بموجب القانون رقم 230-2000 ,المتعلق بملائمة قانون الإثبات, للتقنيات الحديثة للاتصال و التوقيع الالكتروني.
هذا, و قد عرف المشرع الفرنسي التوقيع الالكتروني, في الفقرة الثانية من المادة 1316 بأنه” استخدام طريقة موثوق بها لتمييز هوية صاحبه, و ضمان ارتباطه بالتصرف القانوني المقصود “.
ومن خلال هذا التعريف ,يلاحظ أن المشرع الفرنسي من ركز على الوظيفة التي يقوم بها, وهذا اتجاه يفتح المجال لاستيعاب كل توقيع يحقق غايته. و بهذا فكل توقيع يحقق وظائف التوقيع العادي هو توقيع صحيح و يتمتع بنفس حجية المحرر العادي, لكن مع ضرورة توفر قدر كاف من الثقة و اتصال التوقيع أو المستند المرتبط به .
وبالفعل، وإعمالا لذلك صدر المرسوم الفرنسي تحت عدد 272-2000 بتاريخ 30 مارس 2001 بتطبيقه للمادة 4-1316 ، حيث يبين هذا المرسوم الشروط الواجب توافرها في التوقيع الالكتروني، حتى يكون موثوقا به, و ميز هذا المرسوم بين نوعين من التوقيعات الالكترونية,
1-التوقيع الالكتروني العادي:الذي عرفه بأنه” يعد توقيعا الكترونيا, كل معطى أو بيان ينتج عن استعمال أداة ,تستجيب للشروط الواردة في المقطع الأول من الفقرة الأولى من المادة 1316/4″.
2-التوقيع الالكتروني المأمون أو الآمن : Signature électronique sécurisée و هو التوقيع الذي يجب أن:
1- يكون خاصا بالموقع.
2- منشأ بوسائل يكون بإمكان الموقع وضعها تحت مراقبته المطلقة.
3- أن يؤمن صلة وثيقة بالعقد الملحق به على نحو أن أي تغيير لاحق يمس العقد, يكون قابلا للكشف .
وعليه و حتى يكون التوقيع موثوقا به, و يؤدي إلى الاطمئنان على سلامة الرسالة و صحتها. فانه بموجب المادة 2 من المرسوم يجب أن تتوافر فيه عدة شروط:
1- أن يكون التوقيع الالكتروني مؤمنا.
2- أن يكون هذا التوقيع قد تم إنشاؤه بموجب منظومة آمنة لإحداث التوقيع الالكتروني.
3- أن يكون التحقق من هذا التوقيع يقوم على استخدام شهادة الكترونية معتمدة.
و نظرا للأهمية الخاصة التي أصبح يحتلها التوقيع في ميدان التصرفات القانونية, و في نمو التجارة الالكترونية, وازدهارها. فطن المشرع الفرنسي إلى ضرورة ملائمة قواعد الإثبات مع متطلبات التقنيات الحديثة للاتصال, و التوقيع الالكتروني. من خلال إدخال تعديلات على القانون المدني الفرنسي , والذي أصبح يأخذ بالتوقيع الالكتروني ,كوسيلة اثبات و يعطيه الحجية القانونية.
كان هذا بخصوص المشرع الفرنسي الذي نجح في ملائمة التقنين المدني ,مع التطورات التي عرفتها وسائل الاتصال الحديثة فما موقف التشريعات العربية, من التوقيع الالكتروني؟
يلاحظ أن أغلب التشريعات العربية, التي نظمت التجارة و التوقيع الالكتروني, حرصت على وضع تعريف للتوقيع الالكتروني.
ـ ثانيا: التشريع المصري:
عرف المشرع المصري التوقيع الالكتروني, في الفقرة (ج) من المادة الأولى من القانون الخاص بتنظيم التوقيع الالكتروني بأنه ” ما يوضع على محرر الكتروني و يتخذ شكل حروف, وأرقام, أو رموز و إشارات ,أو غيرها ,و يكون له طابع متفرد يسمح بتحديد شخص الموقع, و يميزه عن غيره,” و لا شك أن المشرع المصري قد أوضح أن المحرر الالكتروني يتخذ شكل حروف, أو أرقام, أو رموز أو إشارات ,يمكن أن تشكل صورا عدة للتوقيع الالكتروني, كما وضع المشرع السمات والخصائص التي يجب توافرها بالتوقيع الالكتروني ,حتى يتمتع بالحماية القانونية و يمنحها حجية اثبات أمام القضاء, والمتمثلة في الطابع المتفرد للتوقيع و تحديده لشخصية موقعه و تمييزه عن غيره, و هذه الخصائص تعتبر ضمانة للمتعامل مع التوقيع الالكتروني.
و يلاحظ من خلال التعريف الذي جاء به المشرع المصري, انه ركز على طابع التفرد الذي يسمح بتحديد شخص صاحب التوقيع و تمييزه عن غيره, كوظيفة من وظائف التوقيع ,دون الإشارة للوظيفة الثانية المتمثلة في التعبير عن إرادة الموقع, وموافقته على مضمون المحرر .
بذلك, يكون المشرع المصري, قد واكب التطورات الحديثة التي يشهدها العالم, من خلال الاعتراف بالتوقيع الالكتروني, والمحررات الالكترونية, وإعطائها حجية موازية لحجية التوقيع التقليدي, و المحررات التقليدية, الرسمية والعرفية في الإثبات، فجاء القانون محتويا على ثلاثين مادة, كفل المشرع من خلالها توفير بيئة مناسبة لعمل تنظيم كامل و محكم للتوقيع الالكتروني, و لانتشاره بين كافة قطاعات الدولة, من حكومة و أفراد.
ـ ثالثا: التشريع الأردني:
ذهب المشرع الأردني ,في قانون المعاملات الالكترونية الأردني ,إلى تعريف التوقيع الالكتروني في المادة الثانية منه, بأنه ” البيانات التي تتخذ هيأة حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها, و تكون مدرجة بشكل الكتروني, أو رقمي, أو ضوئي, أو أي وسيلة أخرى مماثلة, في رسالة معلومات أو مضافة عليها أو مرتبطة بها و لها طابع يسمح بتحديد هوية الشخص الذي وقعها, و تميزه عن غيره من اجل توقيعه و بغرض الموافقة على مضمونه”.
يستنتج من هذا التعريف , انه اعتبر التوقيع عبارة عن بيانات, تتخذ صورا متعددة وردت على سبيل المثال لا الحصر, مما ترك المجال مفتوحا أمام ظهور أنواع جديدة للتواقيع’ تفرزها التكنولوجيا الحديثة .
و يلاحظ على تعريف المشرع الأردني, انه اشترط في التوقيع الالكتروني ,أن يكون مدرجا من خلال رسالة بيانات تحدد هوية الشخص الذي قام بالتوقيع على هذه الرسالة, و مميزة له عن غيره و مبينة لموافقته على مضمون.
ـ رابعا: التشريع التونسي:
أما قانون المبادلات و التجارة الالكترونية التونسي, الصادر في 9 غشت 2000 و الذي على الرغم من اعترافه بالتوقيع الالكتروني ,إلا انه لم يعطه تعريفا مباشرا و إنما نص عليه من خلال العناصر المؤدية إلى إحداثه .
حيث جاء في الفصل الخامس من هذا القانون ” يمكن لكل من يرغب في إمضاء وثيقة الكترونية إحداث إمضائه الالكتروني بواسطة منظومة موثوق بها, يتم ضبط مواصفاتها التقنية, بقرار من وزير الاتصالات”.
كما عرف أيضا, منظومة إحداث التوقيع, أو الإمضاء بأنها” مجموعة وحيدة من عناصر التشفير الشخصية, أو مجموعة من المعدات التي تمكن من التدقيق في الإمضاء الالكتروني ” .
إضافة إلى أن المشرع التونسي, حدد ضوابط و أسس و ضمانات التوقيع الالكتروني.و ما يجب توفره في مقدمي خدمات المصادقة على الإمضاء, بهدف تحقيق هذه الوسائل و الإجراءات, للأهداف المرجوة و التي تكفل موثوقية و امن استخدام التوقيع الالكتروني إضافة
ويلاحظ أن جميع التعريفات التي جاءت بها قوانين المعاملات الصادرة عن الدول العربية , أنها جاءت عامة, و غير مباشرة لم تحدد على وجه الدقة طبيعة التوقيع ,و يعود ذلك إلى عدم إمكانية حصر هذا المفهوم خاصة و أن مجال تكنولوجيا المعلومات يتطور باطراد, فلا يمكن حصر الكثير من المصطلحات التي قد تصبح بعد فترة من الزمن عديمة الأثر .
كان هذا بخصوص التشريعات المقارنة فماذا عن موقف المشرع المغربي؟
ـ خامسا: التشريع المغربي:
أمام التطورات التكنولوجية الحديثة في ميدان استخدام تكنولوجيا المعلومات، وقصور نظام الإثبات التقليدي عن استيعاب هذه المؤسسة الحديثة ورفع العراقيل التي تحد من نمو التجارة وازدهارها أدرك المشرع المغربي ,كباقي التشريعات المقارنة ضرورة تجاوز الهوة الرقمية, و ما يترتب عنها من هوة قانونية .
وذلك عن طريق التدخل التشريعي لملائمة تشريعاته مع التطورات التكنولوجية, متأثرا في ذلك بالجهود المبذولة على المستويين الدولي, و الإقليمي, و قد توجت جهوده في شكل تشريع نافذ, بإخراج قانون 05/53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية.
فأشار هذا القانون, للتوقيع الالكتروني المؤمن , في الفصل 3-7فعرفه ” يعتبر التوقيع الالكتروني مؤمن إذا تم إنشاؤه ,و كانت هوية الموقع مؤكدة و تمام الوثيقة القانونية مضمونة، وفق النصوص التشريعية و التنظيمية المعمول بها في هذا المجال” . كما بينت المادة 6 من قانون رقم 05/53 الشروط اللازم توافرها في التوقيع الالكتروني المؤمن, حتى يتم الاعتراف به و هذه الشروط هي:
1- أن يكون خاصا بالموقع .
2- أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية.
3- أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة بها بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق ادخل عليها.
4- يجب أن يوضع التوقيع بواسطة آلية إنشاء التوقيع الالكتروني تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة المطابقة.
و إذا ما توافرت هذه الشروط في التوقيع الالكتروني المؤمن, يصبح قادرا على القيام بوظائف التوقيع العادي ,و موثوقا به و يبث الطمأنينة في سلامة الوثيقة و صحتها.
كان هذا بخصوص التعاريف التي أوردتها التشريعات المقارنة , و التي لم تبرز بدقة مفهوم التوقيع الالكتروني فهل يستطيع الفقه الوصول إلى تعريف دقيق للتوقيع الالكتروني؟خصوصا إذا ما علمنا أن مسالة التعاريف غالبا ما تدرج ضمن اختصاص الفقه و الاجتهاد القضائي.
الفقرة الثالثة : تعريف الفقه للتوقيع الالكتروني:
تعددت التعاريف التي نادى بها الفقه ,في مجال التوقيع الالكتروني.
فقد عرفه البعض ” بأنه عبارة عن مجموعة من الأرقام التي تنجم عن عملية حسابية مفتوحة باستخدام الكود السري الخاص ,بينما عرفه البعض الآخر ,بأنه ” إشارات أو رموز أو حروف عرف بها من الجهة المختصة باعتماد التوقيع و مرتبط ارتباطا وثيقا بالتصرف القانوني تسمح بتمييز شخص صاحبها و تحديد هويته و تنم دون غموض عن رضائه بهذا التصرف القانوني”.
و ذهب البعض الآخر, إلى تعريفه بأنه” مجموعة من الإجراءات التقنية التي تسمح بتحديد شخصية من تصدر عنه هذه الإجراءات, و قبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع الالكتروني بمناسبته .
ويؤكد الفقه, سواء في مصر أو في فرنسا على ضرورة أن يؤدي التوقيع الالكتروني إلى تمييز شخصية الموقع. حتى يكتسب الشرعية و القبول في الإثبات لأنه لا مجال للأخذ بالتوقيع الكتابي في ظل المعاملات التي تتم عبر الوسائط الالكترونية .
وبناءا على ما تقدم, يمكن إعطاء تعريف عام للتوقيع الالكتروني ,بأنه مجموعة من الإجراءات القانونية والتقنية ,كالإشارات أو الرموز أو الأرقام, أو أي إجراء تقني آخر, يكشف عن العلم مستقبلا, ومرخص به من قبل الجهة المختصة باعتماد التوقيع الالكتروني, ويسمح بتحديد شخصية الموقع, ويعبر عن قبوله بمضمون التصرف القانوني.
حاولنا في المطلب الأول من هذا البحث ,إيجاد تعريف جامع مانع لفكرة التوقيع الالكتروني, من خلال دراسة التعريفات التي جاء بها قانون اليونيسترال بشان التجارة الالكترونية, و التوقيع الالكتروني, و قوانين المعاملات الالكترونية العربية. إضافة لما جاء به الفقه, حيث توصلنا إلى أن اغلب التعريفات ركزت على كيفية إنشاء التوقيع الالكتروني, ووظائفه من غير تحديد لصوره, و ذلك لكي تفتح المجال لما ستفرزه تكنولوجيا المعلومات من صور أخرى. فما هي إذن الصور أو الأشكال التي يمكن أن يتخذها التوقيع الالكتروني؟
المطلب الثاني: صور التوقيع الالكتروني.
أمام تطور وسائل الاتصال الحديثة, و عجز التوقيع العادي عن أداء وظيفته في مجال التجارة الالكترونية, كان من اللازم إيجاد وسائل أو تقنيات تؤدي في بيئة الكترونية نفس وظائف التوقيع العادي و تضاهيه .
و بترتب عن ذلك عدة صور للتوقيع الالكتروني, تختلف من حيث درجة الثقة بها, و ما تقدمه من ضمان لصاحبها .
و الحديث عن التوقيع الالكتروني, لا يعني الحديث عن توقيع يأخذ صورة واحدة, فكما تختلف أشكال التوقيع التقليدي , فان للتوقيع الالكتروني أيضا صورا مختلفة ,و التي يجمع بينهما قيامها على وسائط الكترونية و استخدامها لتقنيات و بيانات ينفرد صاحبها باستعمالها ,و ما تقدمه من ضمان لصاحبها
و نظرا لصعوبة حصرها سندرس أهمها و أكثرها شيوعا.
الفقرة الأولى: التوقيع الخطي الالكتروني.
يتم الحصول على مثل هذا التوقيع, بأخذ نسخة من التوقيع اليدوي عن طريق سكانير وتحويله إلى ملف معلوماتي والصورة الرقمية, المحصل عليها يمكن تسجيلها في ذاكرة الحاسوب ,أو أي دعامة مغناطيسية محمولة ,وهكذا ,يمكن نقل ذلك التوقيع وطبعه على أي وثيقة كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
غير أن مثل هذه العملية غير مأمونة, على وجه الإطلاق ,لأن كل من توفر على نموذج ورقي من ذلك التوقيع ’أو كل من استطاع الولوج إلى الذاكرة أو الدعامة المغناطيسية ,يمكنه بسهولة إعادة إنتاج نفس التوقيع لذلك كان من الطبيعي ,عدم الالتفات لمثل هذه الطريقة في التوقيع ماعدا في حال استعمال تقنيات التشفير .
الفقرة الثانية : التوقيع باستخدام البطاقة الممغنطة
يعتمد هذا النوع من التوقيع, في مجال المعاملات البنكية, حيث تستخدم البطاقة لسحب مبالغ نقدية, في حدود الاتفاق بين البنك مصدر البطاقة و العميل. إضافة إلى ما تقوم به هذه البطاقة من تسهيل سداد ثمن السلع و الخدمات ,التي يقدم العميل بشرائها من مختلف نقط البيع ,التي تستعمل هذه الطريقة من خلال استعمال أجهزة مخصصة لذلك.
و لكي يستفيد العميل من هذه الوسيلة يجب القيام بمجموعة من العمليات المتلاحقة ,تتمثل في إدخال البطاقة بجهاز الصرف الآلي ,و إدخال الرقم السري ,الخاص به و بعد التأكد من هوية صاحب البطاقة و صحة البيانات, يوجه الجهاز العميل إلى تحديد المبلغ المطلوب بالضغط على المفتاح الخاص لقبول المبلغ, فيتم إذاك صرف المبلغ المطلوب . و بعد إتمام العملية بصورة صحيحة, يحصل العميل على شريط ورقي, يثبت فيه المبلغ الذي تم سحبه, و التاريخ, و الساعة, و المبلغ المسحوب و الرصيد المتبقي .
ويعتبر كارت الصراف الآلي صورة, عملية للتوقيع الالكتروني ,لأنه عبارة عن كارت يصنع من الورق المقوى عليه بيانات بارزة تكون بمثابة المفتاح العام, وشريط ممغنط يحتوي على بيانات الكترونية سرية تكون بمثابة المفتاح الخاص ,وبدون الكارت والرقم السري معا, لا ينتج الكارت أي اثر, وهو بمثابة توقيع الكتروني إذا تم بهذه الصورة, لان البنك عليه أن يصرف النقود التي يريدها صاحب الكارت في حدود حسابه .
و لتحقيق قدر كاف من الأمان في التعامل بهذه الطريقة ,و عدم التلاعب بها, ألزم البنك العميل في حالة فقده للبطاقة إخطار البنك بسرعة لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة بوقف التعامل بالبطاقة, وإلغاء الرقم السري ,إضافة إلى توفر الابناك على برمجة ذاتية داخل أجهزة السحب النقدي الخاص بها,تعطي لحامل البطاقة ثلاث محاولات لإدخال رقمه السري الصحيح, فان لم يفلح في ذلك يقوم الجهاز بسحب البطاقة تلقائيا.
بهذا, يعد التوقيع باستخدام البطاقة الممغنطة من صور التوقيع الالكتروني الأكثر شيوعا, نظرا لسهولتها و بساطتها , و توفرها على الرقم السري الذي يوفر درجة كافية من الثقة الأمان .
وعى الرغم من قدرة هذا الشكل من أشكال التوقيع الالكتروني على تحديد هوية الموقع, وانصراف إرادته لإبرام التصرف القانوني, فانه لا يصلح للتمسك به في الإثبات خارج نطاق العمليات البنكية, لانفصال هذا التوقيع عن أي من الوثائق التعاقدية مع البنك ,مما يؤدي إلى اعتبار هذه المحررات أدلة كتابية كاملة, نظرا لان التوقيع لا يتم إلحاقه بأي محرر كتابي وإنما تسجيله في وثائق البنك بشكل منفصل ,على أي وثيقة تعاقدية وهو ما يتوخى البنك أثاره ,من خلال إبرام اتفاق خاص بنظام الإثبات بينه وبين العميل مستخدم البطاقة .
الفقرة الثالثة: التوقيع بالقلم الالكتروني.
يتم العمل بهذه الصورة من التوقيع, باستخدام قلم الكتروني, وهو عبارة عن قلم من نوع خاص يكون في حوزة الموقع دون غيره ,يمكنه من الكتابة على شاشة الحاسب الآلي باستخدام برنامج معين, حيث يقوم هذا البرنامج بوظيفتين مميزتين هما: التقاط التوقيع, و التأكد من صحته .
يقوم هذا البرنامج, أولا بالتقاط التوقيع عن طريق تلقي بيانات العميل بواسطة بطاقة خاصة, يتم وضعها في الآلة المستخدمة و التي تحتوي على بيانات كاملة عن هذا الشخص. تظهر بعدها رسالة على الشاشة تطلب منه كتابة توقيعه, باستخدام القلم على مربع داخل الشاشة , فيقوم هذا البرنامج بقياس سمات معينة لواقعة التوقيع بما في ذلك الحجم و الشكل و النقاط و الدوائر و الاستواءات, و غيرها من السمات الخاصة بالتوقيع , ثم يظهر للشخص بعدها مفاتيح عليها عدة خيارات تعطيه إما حق الموافقة على شكل التوقيع ,أو إعادة المحاولة أو إلغائه. فيقوم البرنامج بتحديد كافة البيانات و المعلومات عن المستخدم, و التوقيع, و يعمل على تخزينها , لينتقل بعد ذلك إلى التحقق من صحة توقيع العميل, بمقارنته مع التوقيع المخزن على الموقع الالكتروني, أو على جهاز الحاسب, بالاعتماد على مجموعة من الخصائص البيولوجية للتوقيع ,و يرسل التقرير إلى برنامج الكمبيوتر و الذي يعطي الرأي النهائي في صحة, أو عدم صحة هذا التوقيع
ويقوم البرنامج أيضا, بإعطاء رسالة تحذير عند وجود إي تغيير في محتويات المحرر الموقع, من خلال قيامه بفحص سلامة التوقيع الالكتروني و المحرر .
بذلك, نجد أن هذا التوقيع قد يتفادى السلبيات التي وجهت إلى الأنواع الأخرى ,من التواقيع الالكترونية لكن هذا النوع من الدعامة يحتاج إلى تقنية عالية ونوع خاص من الحاسبات, يقبل الكتابة على شاشته مباشرة ,بالإضافة إلى أن هذا النوع من أنواع التوقيع, لا يتمتع بدرجة كبيرة من الأمان, والتي يمكن أن تحقق الثقة اللازمة في التوقيع , وذلك لان المرسل أليه, أو المستقبل يمكنه أن يحتفظ بنسخة عن صورة التوقيع الموجود على المحرر ويعيد لصقها على أية وثيقة من الوثائق المحررة على الوسائط الالكترونية, الأمر الذي من شانه أن يضعف الثقة في المحررات الالكترونية الموقع عليها الكترونيا, وبالتالي عدم الأخذ به من قبل القضاء كعنصر للدليل الكتابي المعد للإثبات.
الفقرة الرابعة: التوقيع البيومتري
يقوم هذا التوقيع على الخواص الذاتية المميزة للإنسان كبصمة الأصبع ، و بصمة قزحية العين و نبرات الصوت و الشفاه و درجة ضغط الدم و خواص اليد البشرية كما يقوم على المميزات الشخصية في المظهر الخارجي للأداء كتحديد خط الإنسان بالاستناد إلى درجة ضغط اليد، و ميلان القلم و الاهتزازات التي تصدرها اليد أثناء الكتابة .
بحيث يقوم هذا النظام على اعتماد الصفات و الخواص الفيزيائية و الطبيعية و السلوكية للإنسان والتي من المفترض أن تختلف من شخص لآخر، وحاليا تستخدم هذه التقنيات بواسطة أجهزة الأمن و المخابرات كوسيلة للتحقق من الشخصية.
ويتم التوقيع بهذه الصورة من صور التوقيع الالكتروني, باستعمال إحدى الخواص الذاتية، للشخص من خلال التقاط صورة دقيقة لعين المستخدم, أو نبرة صوته, أو خواص اليد, أو البصمة الشخصية, و يتم تخزينها عن طريق التشفير في ذاكرة الحاسب الآلي, و يعاد فك هذا التشفير للتحقق من صحة التوقيع و ذلك بمطابقة صفات و سمات المستخدم للتوقيع, مع الصفات التي تم تخزينها على جهاز الحاسوب .
وبالرغم من درجة التيقن العالية ,في تحديد شخصية المتعاقدين و رغبتهما في إبرام العقد, عن طريق التوقيع البيومتري, فانه يصعب اللجوء إليه لما ينطوي عليه من تكلفة مالية باهظة لتحقيقه , بالإضافة إلى العديد من المشاكل, يمكن تلخيصها في:
1- إمكانية نسخ الصفات البيومترية و تزويرها , بواسطة الطرق المختلفة المستخدمة في القرصنة الالكترونية, أو نظم فك التشفير أو الترميز, دون كشفها أو تمييزها .
2- فقدان السرية و الكفاءة الضامنة لهذه التقنية, نظرا لاتفاق الشركات المصنعة للنظام البيومتري على طريقة موحدة لهذه التقنية.
3- عدم التمكن من استخدام هذه التقنية, في كل الحواسب المتوفرة نظرا لاختلاف نظم التشغيل وأساليب التخزين, و خصوصيات حزم البرامج المتنوعة .
و نظرا لهذه المشاكل التي تعترض التوقيع البيومتري بصفة خاصة, ووسائل التوقيع الحديث بصفة عامة يبقى الاعتراف التشريعي بهذا التوقيع رهبن بإيجاد وسائل تحقق له الثقة و الأمان اللازمين لحمايته , من كل تلاعب ,وبالتالي إمكانية الاعتداد به في الإثبات .
4- من بين الصعوبات أيضا, ما يطرأ على الطبيعة البشرية, من تغييرات في الصوت مثلا, أو الحالة النفسية من اضطرابات تؤثر على حركة التوقيع وقوته .
5- بالإضافة إلى انه إذا كانت التقنيات البيومترية وسيلة للتعريف بصاحب التوقيع, فإنها لا تضمن بالضرورة التعبير الصحيح عن إرادته الحقيقية .
الفقرة الخامسة: التوقيع الرقمي .
التوقيع الرقمي, هو عبارة عن رقم سري أو رمز ينشئه صاحبه باستخدام برنامج حاسب ويسمى الترميز ,بحيث تتم الكتابة الرقمية للتوقيع أو المعاملة عن طرق التشفير ,الذي يتم باستخدام مفاتيح سرية وطرق حسابية معقدةً”لوغاريتمات”,تتحول بواسطتها الرسالة من رسالة مقروءة ومفهومة, إلى رسالة رقمية غير مقروءة و غير مفهومة, ما لم يتم فك تشفيرها ممن يملك مفتاح ذلك التشفير حيث يتحول التوقيع العادي من نمط الكتابة العادية, إلى معادلة رياضية لا يمكن أن يعيدها إلى الصيغة المفردة ,إلا الشخص الذي يملك المعادلة الخاصة لذلك(المفتاح العام و المفتاح الخاص) .
ويعتبر التوقيع الرقمي ,من أهم صور التوقيع الالكتروني, لما يتمتع به من قدرة فائقة في تحديد هوية أطراف العقد تحديدا دقيقا و مميزا.بالإضافة لتحقيقه درجة عالية من الثقة و الأمان في استخدامه و تطبيقه عند إبرام العقود .
ويستخدم التوقيع الرقمي , في الكثير من التعاملات البنكية وغير البنكية.ففي التعاملات البنكية نجد البطاقات البنكية التي تحتوي على رقم سري لا يعلمه إلا العميل, ويمكنه من السحب والإيداع . كما لهذا النوع من التوقيعات تطبيقات في غير المعاملات البنكية يتمثل في المراسلات الالكترونية , لتي تتم بين الشركات والتجار, أو الموردين و المصدرين بحيث تتم هده المراسلات بينهم الكترونيا من طريق الحاسب الآلي.
وبهذا يحقق التوقيع الرقمي مجموعة من الوظائف, يمكن إجمالها كالآتي:
فالتوقيع الرقمي يحقق درجة عالية من الأمان والثقة, لاعتماد هذا التوقيع على أساليب التشفير, بالإضافة إلى وجود هيئة متخصصة ,تتحقق من صحة التوقيع الرقمي ومن صاحبه, بالإضافة إلى إصدار المعدلات(المفاتيح)بناء على طلب العملاء, وبالتالي استكمال العنصر الجوهري لاستفاء الدليل الكتابي المعتد به في الإثبات.كما أن التوقيع الرقمي ,يعتبر وسيلة آمنة لتحديد هوية أطرافه وتمييزهم بدقة, ويعبر بشكل لا لبس فيه عن إرادة صاحبه بالعمل القانوني المنجز, وقبوله بمضمونه ,إضافة إلى ما يحققه من الثقة والأمان عن طريق ضمان أن الرسالة الالكترونية الموقعة بهذه الطريقة ,لا يمكن قراءتها من قبل أي شخص .
ويدل التوقيع الرقمي ,عن الحقيقة ,بحيث يدل على سلامة الرسالة من أي تزوير أو تغيير أو تعديل وذلك عن طريق ضمان أن الرسالة الالكترونية قد تم تلقيها من قبل المستقبل بنفس المضمون الذي خرجت به من الجهاز المرسل دون أن يتم تعديلها.
ويحقق التوقيع كل السرية ,وذلك عن طريق ضمان أن الرسالة الالكترونية الموقعة, بهذه الطريقة لا يمكن قراءتها إلا من الشخص الذي يملك مفتاح فك التشفير دون غيره مما يبث الثقة في نفس كل من المرسل والمستقبل .
والحقيقة أن التوقيع الرقمي أو الكودي ,بوصفه من صورة التوقيع الالكتروني, له نفس قوة التوقيع التقليدي ,مالم تكن قوته أفضل ويتمتع بالعديد من المزايا كما ذكرنا سابقا, لكن هذا لا يمنع من أن تكون له سلبيات أو نقائص من ذلك:
احتمال تقليد الشريط الممغنط الموجود على البطاقة الائتمانية , ثم إمكانية تعرضه للسرقة أو الضياع , وقيل أيضا أن التوقيع الرقمي، لا يعبر عن شخصية صاحبه بشكل أفضل, من التوقيع التقليدي و , لكن رغم كل ذلك لا تنال هذه السلبيات من موثوقية التوقيع الرقمي, والدور الذي أصبح يلعبه يوما بعد يوم في الإثبات, و في المعاملات التي تتم عن بعد بين الأفراد وبين الشركات.
لكن وفي نطاق التجارة الالكترونية, يتم التركيز على التواقيع الالكترونية, التي ترتكز على الترميز ومع ذلك فان المادة الثالثة من قانون الاونسيترال النموذجي بشان التوقيعات الالكترونية, جسدت المبدأ الذي لا ينبغي فيه تفضيل طريقة على غيرها في التوقيع الالكتروني, بمعنى أن جميع التكنولوجيا ستنال الفرصة ذاتها لاستفاء الشروط التي استوجبها القانون, لذلك لا ينبغي أن يكون هناك اختلاف في المعاملة بين مختلف أنواع الرسائل الموقعة الكترونيا, شريطة أن تستوفي الشروط التي استوجبها القانون .
بعد التعرض لمفهوم التوقيع الالكتروني, سواء من وجهة نظر المنظمات الدولية, أو في التشريعات المقارنة وعلى مستوى الفقه, وبيان صوره , حيث رأينا انه يتخذ عدة صور تقوم على إجراءات لها طابع تقني محض, وتختلف من حيث قوتها ,وما تحققه من أمان.
فهل يستطيع التوقيع الالكتروني القيام بنفس الدور الذي يؤديه التوقيع العادي؟وهل يستوفي الشروط والوظائف اللازمة للاعتداد به في الإثبات؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المطلب.
المطلب الثالث: قدرة التوقيع الالكتروني على تحقيق شروط و وظائف التوقيع العادي.
لقد ثارت عدة تساؤلات حول مدى استجماع التوقيع الالكتروني, للشروط التي يتطلبها القانون في التوقيع بشكل عام , وذلك لمنحه الحجية القانونية الكاملة في الإثبات, ولقد جاءت الإجابة عن ذلك من خلال إصدار قوانين المعاملات الالكترونية .
ومناط هذه التساؤلات, يرجع للانتقادات التي وجهت للتوقيع الالكتروني, في عدم قدرة هذا التوقيع على اثبات شخصية الموقع, والتحقق منها وذلك لانفصال هذا النوع من التوقيع عن شخصية صاحبه , وإمكان تكراره بدون موافقته أو علمه فضلا عن عدم ارتباط التوقيع الالكتروني, ارتباطا ماديا بالمحرر الكتابي, الذي تم إعداده كدليل كامل للإثبات .وفي عدم توفره على الثقة والأمان اللازمين من جهة ,ومن جهة أخرى للصعوبات والمخاطر التي تحيط به مما يجعله قاصرا عن أداء وظائف التوقيع في تحديد هوية أطرافه, والتعبير عن إرادتهم في الالتزام بمضمونه .
وعليه, فإننا سوف نعمل في هذا المطلب على تبيان الشروط الواجب توافرها في التوقيع الالكتروني, ومدى استجماع هذا الأخير لشروط التوقيع العادي, وذلك في فقرة أولى ومن تم بيان مدى تحقيق التوقيع الالكتروني لوظائف التوقيع العادي في فقرة ثانية, لنخلص في فقرة ثالثة, إلى إبراز السمات المميزة للتوقيع الالكتروني عن التوقيع العادي.
الفقرة الأولى: مدى استجماع التوقيع الالكتروني لشروط التوقيع العادي
جاء في الفصول 1-417و2-417 من القانون 05.53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية ,التي تتمم الفرع الثاني من الباب الأول من الكتاب السابع من الكتاب الأول من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون الالتزامات والعقود:
الفصل1-417: تقبل الورقة المحررة بشكل الكتروني للإثبات, شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق ,شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه, وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شانها ضمان تماميتها.”
الفصل 2-417: “يتيح التوقيع الضروري لإتمام وثيقة قانونية التعرف على الشخص الموقع ويعبر عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة.
عندما يكون التوقيع الكترونيا يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها, تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة به.”
وجاء في المادة 6من القانون”يجب أن يستوفي التوقيع الالكتروني المؤمن المنصوص عليه في الفصل 3- 417 الشروط التالية:
-أن يكون خاصا بالموقع.
-أن يتم إنشاؤه بوسائل يمكن الاحتفاظ بها, تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية.
-أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به بكيفية تؤدي إلى كشف أي تغيير لاحق ادخل عليها.
-يجب أن يضع التوقيع بواسطة آلية لإنشاء التوقيع الالكتروني تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة للمطابقة.
يتضح من هذه النصوص, انه لكي يتمتع التوقيع بالحجية في الإثبات يجب أن يتصف بعدة شروط , والتي ذكرها المشرع آنفا وسنعرض لهذه الشروط فيما يلي:
ـ أولا:أن يكون التوقيع مميزا أو مرتبطا بشخص صاحبه:
يتطلب هذا الشرط أن يكون التوقيع الالكتروني المرتبط بالمحرر مميزا لشخصية صاحبه. عن غيره ومحددا لهويته.فكما لاحظنا عند الحديث عن التوقيع العادي بكل أشكاله, انه يعتبر بمثابة روح الورقة المحررة, بحيث يعبر بطريقة واضحة ومحددة لشخص صاحبه .
ويمكن القول بأن التوقيع الالكتروني, بصوره المختلفة يعد من قبيل العلامات المميزة,والخاصة بالشخص وحده دون غيره, ومهما تعددت صور التوقيع الالكتروني ,إلا أنها تحقق الغاية ذاتها, في تمييز شخص صاحبها بشكل لا لبس فيه, لأنه عندما يتم إصدار التوقيع فلا يتصور إصدار نفس التوقيع لشخص آخر ,لأنه من خلال شكل التوقيع يتم تحديد الشخص الموقع وتحديد أهليته كما تحدد المعلومات الخاصة به .
فالتوقيع بالقلم الالكتروني ,يشبه التوقيع العادي, من ناحية قدرته على تمييز شخص صاحبه, بالإضافة إلى ما يتمتع به من أمان ,بحيث لا تتم المصادقة عليه إلا بعد مطابقته للتوقيع المخزن على جهاز الحاسب الآلي .
كذلك الأمر بالنسبة للتوقيع البيومتري, الذي يقوم على الخواص الذاتية, والتي تختلف من شخص لآخر, فلا يمكن التشابه في بصمات الأصابع, أو قزحية العين ,إلى غير ذلك من الصفات والخواص البيومترية, نفس الأمر بالنسبة للتوقيع, فلا يتصور وجود نفس التوقيع لعدة أشخاص ,بالإضافة إلى أنه يتم التأكد من مطابقة صفات وسمات المستخدم للتوقيع الالكتروني ,مع الصفات التي تم تخزينها على جهاز الحاسب الآلي .
أما بالنسبة للتوقيع الرقمي, فهو خاص بصاحبه ويميزه عن غيره بصورة أكثر دقة, لكونه يتم باستخدام مفتاحين عام وخاص ,هذا الأخير لا يعلمه سوى الشخص الموقع بالإضافة إلى وجود طرف ثالث يكون دوره التأكد من صحة التوقيع.
نجد أن التوقيع الالكتروني بصوره المختلفة إذا تم إنشاؤه بصورة صحيحة, فانه يعد من قبيل العلامات المميزة والخاصة بالشخص وحده, دون غيره , كما هو الحال بالنسبة للتوقيع العادي ,إن هذا الشرط يتطلب إذن أن يكون صاحب التوقيع منفردا به بحيث لا يستطيع أي شخص معرفة فك رموز التوقيع الالكتروني سواء عند استعماله لهذا التوقيع أو عند إنشائه .
ـ ثانيا:أن يكون التوقيع واضحا و مستمرا:
يشترط في التوقيع أن يكون مقروءا وواضحا, دون تعديل أو تحريف ,وإذا ارتبطت العيوب المادية بالتوقيع ,أو وجدت تعديلات فيه, فان هذا يؤثر على التوقيع ويسقطه ويفقده حجيته في الإثبات .بالإضافة إلى استمرارية التوقيع بشكل يسمح بالرجوع إليه, طوال الفترة الكافية لاستمراره كوسيلة اثبات .
ولاشك أن وضع التوقيع بشكل يمكن إزالته وعدم قدرته على الاستمرار, من شانه أن يفقد هذا الشرط معناه فانه يكون من السهل فقد التوقيع لتلك الحجية ,فما مدى تحقق هذا الشرط في التوقيع الالكتروني ؟
يمكن القول أن التوقيع يستطيع تحقيق هذا الشرط, باعتبار أن المستندات الالكترونية, يمكن قراءتها عن طريق الحاسب الآلي ,أو أي وسيط آخر بحيث يتميز التوقيع الالكتروني بمجموعة من البيانات المختلفة التي يمكن قراءتها من خلال إيصال المعلومات للحاسب الآلي ,الذي يتم تغذيته ببرامج لها القدرة على ترجمة لغة الأدلة إلى لغة مقروءة .
أما بخصوص استمرارية التوقيع الالكتروني ,فهناك شك, نظرا للتكوين المادي لأقراص التسجيل, والشرائط الممغنطة المستخدمة في الحاسبات الآلية, والتي تتميز بنوع من الدقة والحساسية, التي يمكن أن تعرضها للتلف, إلا أن التطور العلمي توصل إلى بعض الحلول التي من شانها الحفاظ على البيانات المخزنة على الأقراص الممغنطة لمدة طويلة ,يمكن أن تفوق الدعامة الورقية .
ـ ثالثا: ارتباط التوقيع بالمحرر ارتباطا وثيقا:
حتى يقوم التوقيع بدوره في الإثبات, لابد أن يكون هذا التوقيع متصلا اتصالا ماديا بالمحرر المكتوب ,فهل ينطبق هذا الشرط على التوقيع الالكتروني؟
نجد أن هذا الشرط مهم, وضروري لسلامة المحرر الالكتروني الموقع ,من أي تغير قد يطرأ عليه بعد توقيعه , فحماية التوقيع الالكتروني ,ليست غرضا في حد ذاتها وإنما حماية المحرر الموقع عليه , حيث اعتبر القانون أن التوقيع الالكتروني الموثق, يوثق المحرر الالكتروني المرتبط بحيث يشكلان معا قيدا الكترونيا, يكون صالحا في حال سلامته لإثبات الواقعة التي يتضمنها .
وبالتالي, فان تحقق ارتباط التوقيع بالمحرر مرتبط بمدى كفاءة التقنيات المستخدمة, في تامين التوقيع ومضمون المحرر المدون الكترونيا, وعدم انفصالهما عن بعض.
وإذا ما رجعنا إلى صور التوقيع الالكتروني, نجدها تحقق هذه الغاية.فعلى سبيل المثال إذا أخدنا التوقيع الرقمي باعتباره أهم صور التوقيع الالكتروني والذي يتم باستخدام مفاتيح سرية, وطرق حسابية يتحول بواسطتها التوقيع المكتوب من نمط كتابة عادية, إلى معادلة رياضية, وبذلك لا يستطيع أي أحد الاطلاع على مضمون المحرر , الموقع الكترونيا إلا الشخص الذي يعيد النص المستتر إلى طبيعته الأصلية .
من هنا ,يمكن القول على أن المحرر الالكتروني يرتبط ارتباطا وثيقا بالتوقيع, بشكل لا يمكن فصله أو تعديله من طرف الغير, كما أن هذا الشرط, يدل على حماية العقد من خلال تطلب إجراءات معينة, بحيث أنه لا يسمح لصاحب التوقيع بالعمل على تعديله, إلا بعد مرور فترة زمنية معينة ,وبعد إخبار كافة الأطراف اللذين يتعامل معهم, بالإضافة إلى إخبار الجهة التي أصدرت التوقيع, عن رغبته في القيام بمثل هذا الإجراء وكل ذلك الغاية منه حماية حقوق الغير.
أدرك المشرع المغربي, على غرار باقي التشريعات المقارنة ,ضرورة التدخل لمواكبة التطور التكنولوجي, الذي عرفه العصر على مستوى قواعد الإثبات, حيث اصدر قانون05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات الالكترونية ,الذي اعترف بالتوقيع الالكتروني, وجعله يقف على قدم المساواة مع التوقيع الخطي ,بحيث أصبح يشكل دليلا كاملا في الإثبات, طالما توافرت فيه الشروط القانونية.
الفقرة الثانية : قدرة التوقيع الالكتروني على تحقيق وظائف التوقيع العادي.
نجد أن التوقيع التقليدي, يحقق عدة وظائف , فهو يميز هوية صاحبه , ويعبر عن إرادته بمحتوى المحرر, كما يدل على الحضور المادي لصاحب التوقيع, الأمر الذي يسمح لكل طرف بالتعرف على هوية الطرف الآخر, والتأكد من شخصيته وأهليته في التعاقد.
وفي ضوء استعراض هذه الوظائف, قام فقهاء القانون بمحاولة معرفة قدرة التوقيع الالكتروني على تحقيق هذه الوظائف، وهذا ما سنحاول معرفته فيما يلي:
ـ أولا: تحديد هوية الموقع:
إذا كان التوقيع التقليدي سواء تم بالإمضاء ,أو الختم أو بصمة الأصبع , قادر على تحديد هوية الموقع وذلك بان يدل التوقيع الموجود على المحرر انه منسوب لشخص بالذات وإلا عد توقيعا غير صحيح لا ينتج آثاره القانونية .
وتعد الورقة التي تحمل التوقيع دليلا كتابيا كاملا يحتج بها على من وقعها.
وعلى غرار العالم المادي ,فالتوقيع الالكتروني يقوم بنفس الدور ,ويحقق الوظيفة ذاتها, وذلك في شكل رموز أو أرقام أو حروف أو أية إشارات تدل على شخصية الموقع وتمييزه عن غيره ,إلا أن الاختلاف بين التوقيع التقليدي والتوقيع الالكتروني يكمن في كيفية وضع التوقيع على المحرر, فإذا كان التوقيع التقليدي ينشا على محررات ورقية ذات طبيعة مادية, وبالحضور المادي لإطرافه, إما بصفة شخصية, أو بواسطة ممثليهم مما يسمح بالتعرف على شخصية كل طرف والتيقن من أهليته .
فالتوقيع الالكتروني, يتم عبر وسيط غير مادي, بحيث يوضع على محررات الكترونية, وبين أشخاص لا يرتبطون بعلاقة مباشرة.إلا أنه يحقق هوية الموقع, وذلك من خلال وسائل وإجراءات موثوق بها تتمثل في استخدام أنظمة مثل التوقيع بالقلم الالكتروني, أو التوقيع الرقمي, أو استخدام نظام التشفير بأنواعه.
وعند استعراضنا لصور التوقيع الالكتروني, نلاحظ انه يقوم بتمييز هوية صاحب التوقيع ,فإذا ما أخدنا على سبيل المثال التوقيع البيومتري ,الذي يقوم أساسا على استخدام الخواص الذاتية للشخص والتي من المستحيل أن يتشابه فيها الأفراد, الأمر الذي يؤدي إلى تحديد هوية الموقع,والتوقيع بالقلم الالكتروني نظام لا يمكن استخدامه إلا من قبل شخص الموقع دون غيره ,فالموقع يكون قد اطلع على مضمون المحرر المراد توقيعه وإمضاءه بالقلم الالكتروني, على هذا المحرر تعبير منه على قبوله مضمون هذا المحرر, وإذا ما وقع الشخص بصورة غير مطابقة لما هو مخزن في ذاكرة الحاسب الآلي, لا يقبل التوقيع ولا تسري آثاره .
كذلك هو الحال بالنسبة للبطاقة الممغنطة فهي أيضا تعكس بدقة هوية الموقع .نفس الأمر بالنسبة للتوقيع الرقمي, فهو بدوره قادر على تحديد هوية الموقع نظرا لما يحققه من ثقة وأمان و بصورة يمكن أن تفوق قدرة التوقيع العادي, لقدرته على الاستيثاق من شخصية صاحب التوقيع .
نخلص إلى أن التوقيع الالكتروني, بصوره المتعددة قادر على تحديد هوية الشخص الموقع , على قدم المساواة مع التوقيع التقليدي, مع الاختلاف في الشكل والدعامة التي يتم عليها التوقيع , وان كان التوقيع الالكتروني يتفوق نوعا ما على التوقيع العادي في تحديد هوية الموقع لما يتوفر عليه من قدر كاف من قدر كاف من الثقة والأمان بالإضافة إلى صعوبة تزويره أو تقليده عكس التوقيع التقليدي.
بهذا, إذا كان التوقيع الالكتروني يحقق هذه الوظيفة , فهل يستطيع إظهار إرادة الموقع في القبول بمضمون المحرر؟
ـ ثانيا: قدرة التوقيع الالكتروني على التعبير عن إرادة الموقع على المحرر.
تتعلق هذه الوظيفة, بمدى رضاء صاحب التوقيع, و اتجاه إرادته للالتزام بمضمون المحرر وإقراره له , والتأكيد على توافر العنصر الجوهري في التوقيع, إلا وهو العنصر المعنوي , الذي يترجم إرادة الموقع وقبوله الالتزام بمضمون العقد، بحيث يعد التوقيع , من وسائل التعبير عن الإرادة التي يتطلبها القانون لإنشاء التصرف القانوني’ وبذلك فتوقيع الشخص بخط يده, أو بأية وسيلة أخرى يقرها القانون على الورقة, يحدد هويته, ويعبر عن إرادته في الالتزام بما ورد فيها من تصرفات قانونية .
أما في مجال التوقيع الالكتروني, فيستفاد رضاء الموقع وقبوله الالتزام بمضمون المحرر من خلال قيام الشخص بإدخال الرقم السري, بشكل إرادي على المحرر الالكتروني, ويعتبر ذلك موافقة منه على المعلومات والبيانات الواردة, بالمحرر ورغبته في الالتزام بها.
ففي مجال التوقيع باستخدام البطاقات الممغنطة كصورة من صور التوقيع الالكتروني, فإدخال الشخص البطاقة في جهاز الصرف الآلي, وإدخال الرقم السري الخاص به لإتمام المعاملة يكون بذلك قد عبر عن إرادته الصريحة, وقبولا منه بمضمون المحرر الالكتروني ,ولا يمكن لأحد أن يحل محله في التعبير عن إرادته, ورضائه بمضمون العقد ,إلا إذا كان عالما برقمه السري وهذا أمر نادر الوقوع إلا في حالات سرقة الرقم السري, أو الإهمال الصادر من صاحب البطاقة, وذلك عكس التوقيع التقليدي الذي قد يتم تزويره دون إهمال صاحبه, عن طريق تقليد هذا التوقيع .
كذلك الأمر بالنسبة للتوقيع البيومتري, فالشخص لا يضع توقيعه إلا للدخول لنظام الصرف الآلي, والقيام بالعملية المطلوبة وهو بذلك يعبر عن موافقته على مضمون العملية المراد إتمامها.
ونفس الأمر بالنسبة للتوقيع بالقلم الالكتروني, فمستخدم هذا التوقيع يكون قد اطلع على مضمون المحرر المراد توقيعه, وتوقيعه عليه, ما هو إلا تعبير من إرادته في قبول مضمون المحرر.
ومن أفضل هذه الوسائل, التوقيع الرقمي الذي يقوم على تقنيات تكفل تفرده وقيامه بوظائف التوقيع كما تعمل على تامين المحرر المدون الكترونيا.
فالتوقيع الرقمي, قد استحدث أصلا لتوثيق مضمون الإرادة عبر شبكة الانترنت, نظرا لما تتعرض له من هجمات من قبل القراصنة اللذين يعملون على تحريف مضمون الرسالة الالكترونية، المعبرة عن إرادة الأطراف .
وعليه, فان التوقيع الرقمي يعتبر من الوسائل الآمنة للتعبير عن الإرادة, فالشخص الذي يستخدم توقيعه الرقمي ليعبر عن موافقته عن مضمون المحرر لا يستطيع احد غيره استخدام هذا التوقيع لعدم توفره على المفتاح الخاص ,الذي يستأثر به صاحب التوقيع دون غيره ,وبذلك يعبر التوقيع الرقمي عن إرادة صاحبه بشكل يفوق الصور الأخرى من التواقيع الالكترونية, كما تتفوق على التوقيع العادي.
وإذا كان التوقيع اليدوي يستلزم لصحته ضرورة الحضور المادي للموقع, أو من ينوب عنه ووضع توقيعه على المحرر الكتابي حتى تثبت صحته ونسبته لصاحبه , ففي التوقيع الالكتروني لا يتصور الحضور المادي للأطراف في مجلس واحد وقت إبرام العقد ,فهو تعاقد عن بعد .
نخلص مما تقدم أن التوقيع الالكتروني, قادر على تحقيق وظائف التوقيع العادي ,حيث يستطيع تحديد شخصية الموقع, كما يعبر عن رضائه الالتزام بمضمون المحرر الالكتروني فالتوقيع هو دليل عن الحقيقة بل الأكثر من ذلك قيل انه يفوق التوقيع التقليدي ويفضل عنه .
الفقرة الثالثة: تمييز التوقيع الالكتروني عن التوقيع العادي
من خلال ما سبق, وبالرجوع إلى التعاريف المختلفة للتوقيع الالكتروني, نستطيع أن نقيم التمييز بينه وبين التوقيع التقليدي , وذلك من عدة نواحي :
ـ أولا من حيث صورة أو شكل التوقيع:
رأينا أن صورة التوقيع العادي تأتي في شكل إشارة, أو علامة يتم وضعها بخط اليد على محرر ورقي, تميز شخصية الموقع وتعبر مع إرادته في الالتزام بمضمون السند, وتؤكد عملية الربط بين شخص الموقع وهويته.
بذلك يكون للموقع في التوقيع العادي, الحرية في اختيار التوقيع وصيغته , فيجوز له اعتماد الإمضاء بخط اليد , كوسيلة لإقراره ما جاء في المحرر أو يستبدله ببصمة الأصبع أو الختم, أو الجمع بين الطريقتين من الطرق السابقة دون ترخيص من الغير أو تسجيل لما اختاره من تواقيع .
في حين يمكن أن يأخذ التوقيع الالكتروني شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو حتى أصوات مميزة تسمح بتفريد القائم بها وتترجم دون غموض إرادته ورضائه بإبرام العقد الالكتروني وكلها أشكال وردت على سبيل المثال لا الحصر حتى يتسع المجال لأشكال حديثة أخرى قد يكشف عنها التطور التكنولوجي مستقبلا.
لم يضع المشرع المغربي, على غرار التشريعات المقارنة أشكالا معينة لهذا التوقيع, بهذا فأي وسيلة تصلح لان تكون شكلا من أشكال التوقيع الالكتروني, بشرط أن تكون واضحة لا تترك أي لبس أو غموض في شخص صاحب التوقيع وتحديد هويته , وإظهار رغبته في إبرام العمل القانوني والرضي بمضمونه.
ـ ثانيا: من حيث الوسيط أو الدعامة التي يوضع عليها التوقيع:
يختلف التوقيع الالكتروني عن التوقيع العادي ,من حيث الوسيط أو الدعامة الذي يفرغ كل منهما عليه, فإذا كان التوقيع العادي يتم على وسيط مادي, هو في الغالب ورق نجد أن التوقيع الالكتروني, يتم عبر وسيط الكتروني غير محسوس عن طريق الحاسب الآلي ,عبر شبكة الانترنت .
بهذا, تم إنشاء مجتمع جديد بلا أوراق , و أصبح تحرير العقود يمكن أن يتم من خلال الوسائط الالكترونية, بدون اتصال فعلي ومباشر, بين أطراف العقد , مما يوفر إمكانية انجاز المعاملات بسرعة تفوق التوقيع اليدوي, الذي يستوجب الحضور المادي للتوقيع أو من ينوب عنه قانونا .
ـ ثالثا: من حيث الأدوار أو الوظائف التي يؤديها التوقيع:
كما رأينا من قبل فان التوقيع التقليدي, يؤدي دور ثلاثي الأبعاد فهو وسيلة لتحقيق شخصية الموقع والتعبير عن إرادته في الالتزام بمضمون الورقة, وأخيرا, دليل على الحضور المادي لأطراف التصرف, أو من ينوب عنهم قانونا, أو اتفاقا وقت التوقيع .
أما التوقيع الالكتروني فيناط به خمس وظائف:
1 ـ تمييز الشخص صاحب التوقيع:
إذا كان التوقيع العادي يميز أطراف التعاقد ويدل على شخصيتهم, واتجاه إرادتهم إلى الالتزام بمضمون المحرر, ويتيح لكل شخص تحديد الطرف الآخر, والتعرف عليه ,والتأكد من التزامه بمضمون العقد ومطابقة التوقيع.
لكن وفي ظل التوقيع الالكتروني, وليحقق وظيفته في تحديد شخصية من صدر عنه التوقيع, من الضروري وضع الترتيبات اللازمة لتحديد شخصية المصدر وتامين المواقع ,ومتابعة رقابية من جهات معتمدة لها القدرة على التوثيق من شخصية أصحاب التوقيع, باستخدام مفاتيح شفرة يتم وضعها على المحررات الالكترونية, حتى تحتفظ بصحتها ومصداقيتها وسلامة المحررات ومحررها وهذا ما أكد عليه المشرع المغربي في قانون 05-53.
والواقع أنه في ظل التوقيع في مجالات العمل بالتوقيع الالكتروني, وخاصة الحكومة الالكترونية والتجارة الالكترونية , قد فرض الضرورة للبحث عن وسائل حديثة لتوفير الحماية القانونية لأطراف التعاقد وتنظيم اثبات التصرفات التي يتم إبرامها عن طريق الانترنت, أو غيره من وسائل الاتصال لمواجهة مقتضيات هذا العصر, والقدرة على الربط بين أطراف العقد المقيمين في أماكن متباعدة من خلال أجهزة ربط مشتركة, على نطاق واسع وتيسير التعامل ولتحقيق السرعة في إتمام العقود في ظل التباعد في المسافات ودون أن يكون له اثر في إتمام تلك التعاقدات.
2 ـ حديد هوية القائم بالتوقيع والاستيثاق أنه صاحب التوقيع:
يختلف التوقيع الالكتروني عن التوقيع العادي , في كونه يؤكد هوية الموقع بشكل قاطع, ويمنع حدوث أي تغيير أو عبث في المحرر الموقع الكترونيا, وذلك بشرط أن تتم العملية بكاملها, حسب قواعد وأسس معينة كتلك المتبعة فيما يعرف بالبنية التحتية للمفاتيح العامة ,وكما هو معروف فان التوقيع على الورق قابل للتزييف والتقليد, كما أن عملية التحقق من صحة التوقيع العادي غير عملية, وتعتمد بشكل كبير على مهارة من يقوم بمطابقة التوقيع العادي غير عملية, وتعتمد بشكل كبير على مهارات من يقوم بمطابقة التواقيع, بل غالبا لا يكون هناك مطابقة للتوقيع على الإطلاق, بل يتم الاعتماد على معرفة الأطراف لبعضها البعض, والاعتماد على الأجواء والطقوس المصاحبة لعملية التوقيع .
3 ـ التعبير عن إرادة الشخص الموقع في القبول بالعمل القانوني والالتزام بمضمونه :
إلى جانب إمكانية التوقيع الالكتروني, على تحديد هوية المتعاقد, فهو يعكس إرادة المتعاقد الحقيقية في قبول الالتزام بمضمون التصرف القانوني وإقراره له. ويستفاد رضاء الموقع وقبوله الالتزام بمجرد وضع توقيعه بالشكل الالكتروني على البيانات التي تحتويها المحررات الالكترونية . فحين يأخذ التوقيع الالكتروني شكل أرقام سرية أو رموز محددة فإذا استخدمت هذه الأرقام أي وقع بها صاحبها فان مجرد توقيعه هذا يدل على إرادته في الالتزام بالبيانات التي وقع عليها.
وبالرجوع إلى نظام التشفير بالمفتاح العام المزدوج وما يقوم به من تشفير لمضمون رسالة البيانات عن طريق المفتاح العام للمرسل إليه وتشفير التوقيع الالكتروني باستخدام مفتاح المرسل الخاص مما يتحقق معه ضما ن سلامة الرسالة الالكترونية من أية تعديلات ذلك أن المرسل إليه هو قادر فقط على حل شفرة الرسالة الأمر الذي لا يبقى معه أدنى شك في قدرة التوقيع الالكتروني على نقل إرادة المتعاقد الحقيقية إذا ما تم إتباع هذا الأسلوب الأمني في تشفير الرسالة الالكترونية نفس الأمر حين استخدام البطاقات الممغنطة فبمجرد إدخال الشخص البطاقة في جهاز الصرف الآلي وتركيب الرقم السري الخاص به وإتمام العملية يكون قد عبر عن إرادته الصريحة في القبول بمضمون العقد كاملا.
نفس الأمر بالنسبة للتوقيع الرقمي فإدخال الشخص لمفتاح الترميز بشكل إرادي على المحرر الخاص به يعتبر ذلك موافقة منه عن مضمون المحرر، وبالتالي يستطيع التوقيع الرقمي أن يعبر عن إرادة الشخص بصورة قد تفوق التواقيع الالكترونية الأخرى نظرا لتقنيات المستخدمة فيه والتي تؤمن المحرر المدون الكترونيا فالشخص لا يستخدم توقيعه الالكتروني الرقمي إلا ليعبر عن إرادته في الموافقة على مضمون الرسالة ولا يستطيع احد غيره أن يستخدم هدا التوقيع لان المفتاح الخاص به لا يعلمه احد سوى صاحبه إلا في حالة التفريط به وهنا يمكن وقف العمل به.
وإذا كان التوقيع الالكتروني يتيح التعاقد عن بعد ودون الحضور المادي للمتعاقدين فهو عكس التوقيع العادي الذي يستوجب الحضور المادي للموقع أو من ينوب عنه قانونا .
4 ـ الاستيثاق من مضمون المحرر الالكتروني:
يتحقق ذلك من خلال تامين التوقيع الالكتروني من التعديل بالإضافة أو الحذف وذلك بالربط بينه وبين التوقيع الالكتروني، بحيث أن أي تعديل لاحق يقتضي توقيع جديد، الأمر الذي استلزم وضع تقنيات تسمح للمصدر والمستقيل من الوثوق من صحة العمليات القانونية والتعاقدات التي تم إبرامها أو سيتم إبرامها مستقبلا من أي عبث أو تحريف، خصوصا إذا لم يسبق لأطراف التعاقد الارتباط بعلاقات قانونية سابقة، فلا يمكنهم الثقة في التوقيع الالكتروني إذا لم يكن هناك طرف ثالث، يمكنه التثبت من تحديد هوية صاحب التوقيع الالكتروني وتتبث هذه الشهادات الصلة والارتباط بين الموقع ورسالة البيانات المحررة منه .
5 ـ منح المستند الالكتروني صفة المحرر الأصلي:
تم منح المستند الالكتروني صفة المحرر الأصلي بحيث يجعل منه دليلا كاملا في الإثبات له نفس منزلة الدليل الكتابي المعد مسبقا قبل أن يثور النزاع بين الأطراف و يعتبر ذلك من بين المستجدات التي جاء بها قانون05-53المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية .
نخلص مما سبق إلى أن التوقيع الالكتروني يمكن أن يحقق وظائف التوقيع الخطي (التقليدي ) إذا كان يتوفر على درجة من الأمان مساوية على الأقل لهذا الأخير وبذلك يتمتع بنفس حجية التوقيع العادي.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن التوقيع الالكتروني أن التوقيع الالكتروني يعجز عن أداء دور التوقيع العادي ولعل السبب في هذا الاعتقاد يرجع إلى اهتزاز الثقة في التوقيع الالكتروني فلكونه منفصل ماديا عن صاحبه يتم في العديد من تطبيقاته آليا أو الكترونيا الأمر الذي يستبعد معه تقليده أو تزويره فقد أثار الشكوك فيه وبالتالي التعويل عليه في القيام بدوره ومساواته بالتوقيع الكتابي .
والواقع أن التوقيع الالكتروني –لاسيما في الصورة الرقمية-يمكن أن يقوم بدور التوقيع التقليدي بل وربما-كما يقول البعض-بوجه أفضل.فالتوقيع الالكتروني في الصورة الرقمية يعتبر وسيلة أكيدة لإفراز البيانات التي يتضمنها السند,فسحب النقود من جهاز الصرف الآلي لا يتم إلا باتخاذ إجراءات معينة متفق عليها مقدما بين الطرفين تتمثل في إدخال البطاقة الممغنطة في الفتحة المخصصة لذلك وإدخال الرقم السري كذلك وتحديد المبلغ المطلوب وهو ما يعني إقرار العميل لعملية السحب ذاتها.
وفضلا على ذلك فقد رأينا أن التوقيع الالكتروني يوفر ذات القدر من الأمان والثقة التي يوفرها التوقيع العادي نظرا لما يحيط هذا النوع من التوقيع من إجراءات تقنية عديدة وبذلك استهدت مجموعة من التشريعات-كالتشريع الفرنسي والتونسي والمصري-في هذا الحكم من القوانين الدولية كالقانون النموذجي للتوقيع الالكتروني الذي اقر في المادة الثالثة بحجية التوقيع الالكتروني وأثره القانوني متى توافرت فيه المتطلبات التي تقتضيها المادة السادسة من هذا النموذج فضلا عن الشروط التي يتطلبها القانون الواجب التطبيق .
وفي ضوء ذلك فلا مناص من اعتبار التوقيع الرقمي دليل على الحقيقة أما ما يثار حول مصداقية التوقيع الالكتروني بسبب احتمال ضياع الرقم السري أو سرقته فكذلك التوقيع التقليدي هذا الأخير الذي يمكن تزويره وتقليده وسرية الرقم تكفي للدلالة على صدور التوقيع عن صاحبه بحسب الأصل ويلتزم صاحب الرقم بالحفاظ على سريته والإبلاغ الفوري في حالة ضياع الرقم أو سرقته .
و هكذا نخلص إلى قدرة التوقيع الالكتروني –في ظل ضمانات تقنية معينة-على القيام بذات دور التوقيع التقليدي قد لا نجد له مكانا في ظل المعالجة الالكترونية للمعلومات هذا الذي يتلاءم معها لتوقيع الالكتروني.
بعد ما عرضنا لمختلف التعاريف التي أعطيت للتوقيع الالكتروني سواء على المستوى المنظمات الدولية أو الاتحاد الأوربي وكذلك على المستوى التشريعات المقارنة وبينا الشروط اللازمة لقبول التوقيع الالكتروني وعددنا صوره كما عملنا على تبيان مدى قدرة توقيع الالكتروني على تحقيق شروط ووظائف التوقيع العادي وخلصنا إلى وضع مقارنة بين التوقيع الالكتروني والتوقيع العادي والسمات المميزة لكل توقيع على حدة.
فإننا سنقوم في هذا المبحث بعرض تطبيقات التوقيع الالكتروني.فما هي المجالات التي يمكن استخدام التوقيع الالكتروني فيها على مستوى المعاملات القانونية بين الأفراد والمؤسسات.