دراسات قانونية

بحث قانوني حول الرقابة القضائية على دستورية القوانين في مصر و الإمارات

بحث متكآمل عن (الرقآبة القضآئية على دستورية القوآنين في مصر والإمآرآت

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة :

الإنسان يعيش دائماً في مجتمع من الناس فهو مدني بطبعه وهذا المجتمع يؤدي إلى وجود علاقات بين أفراده سواء كانت فردية شخصية أو سياسة ، ويستلزم ذلك وجود تنظيم معين او وجود نظام ملزم يحكم وينظم العلاقات في المجتمع ويبين الحقوق والواجبات ، فيؤدي ذلك إلى إقامة مجتمع منظم ووجود توازن بين السلطة العامة والحقوق والحريات الفردية وهذه هي فكرة القانون الذي تقوم باصداره السلطة التشريعية في كل دولة .

فالدولة في السابق كان لها نشاط تقليدي حيث انها تتدخل للمحافظة على الأمن الخارجي والداخلي و إقامة العدالة ، ولذلك كان يطلق عليها الدولة الحارسة اما الأن أصبحت الدولة تتدخل في جميع المجالات حيث لم يصبح لها دور تقليدي الحارس او الحاكم بل اصبح لها دور أجتماعي فتدخلت في اصغر الأمور ، ومع تزايد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتضخمها احتاج الامر الى مزيد من التدخل من قبل الدولةة وبالتالي زادت التشريعات التي تنظم ذلك وتوالت التشريعات الفردية والعادية التي تحقق الدور الاجتماعي للدولة .

وفي هذا الكم الهائل من التشريعات تعرضت الضمانات الفردية والحريات العامة والمبادئ الدستورية والفصل بين السلطات إلى اعتداءات عديدة لمما تتصف به هذه التشريعات من عجلة وسرعة في صدورها هذا فضلاً عن وفرة التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية بسب انتشار المبادئ الاشتراكية وتدخل الدولة في العديد من أنشطة الافراد لتوفير حاجاتهم المتجددة والتوسع في سياسة التفويض التشريعي لذلك يجب البحث عن وسيلة لضمان ان السلطة قد راعت حدودها الدستورية المرسومة لها أم لا وهذا هو سبب اختيارنا موضوع ( رقابة دستورية القوانين ) باعتبارها من اهم الوسائل التي تستطيع ان تردع السلطة التشريعية وتلزمها بالسير في حدود الدستورية وتحقق مبدأ الشرعية باعتبارها الضمان الفعال لحماية الحريات العامة من تعسف السلطة التشريعية في استعمال سلطتها والتأكيد على المبدأ سيادة القانون الذي هو أساس الحكم في الدولة الذي يستوجب عدم خروج القوانين واللوائح على أحكام الدستور ضماناً لالتزام سلطات الدولة بأحكامه فيما يصدر عنها من قواعد تشريعية ومن هنا تظهر أهمية هذا البحث .

الفصل الاول : ماهية الرقابة على دستورية القوانين

المبحث الاول : أوجه االرقابة على دستورية القوانين
المطلب الاول : المخالفة الشكلية
أولاً: مخالفة قواعد الاختصاص
ثانياً : مخالفة قواعد الشكل الواجب اتباعه
المطلب الثاني : المخالفة الموضوعية
أولاً: مخالفة القيود الموضوعية الواردة بالدستور
ثانياً: خروج بالتشريع على روح الدستور .
المبحث الثاني : وسائل الرقابة على دستورة القوانين
المطلب الاول : الرقابة السياسية على دستورية القوانين
اولاً: معنى الرقابة السياسية .
ثانياً: مميزات الرقابة السياسية
ثالثا: عيوب الرقابة السياسية
المطلب الثاني : الرقابة القضائية .
أولاً: صور الرقابة على دستورية القوانين
ثانياً: سلطات المحكمة في الرقابة على دستورية القوانين
ثالثاً: تقييم الرقابة على دستورية القوانين .

الفصل الثاني : تطبيقات الرقابة على دستورية القوانين في مصر والامارات

المبحث الاول : الرقابة علىدستورية القوانين في الدستور المصري .
المطلب الاول : رقابة الدستور قبل انشاء المحكمة الدستورية العليا
المطلب الثاني : رقابة المحكمة الدستورية العليا .
أولاً: اختصاص المحكمة الدستورية العليا .
ثانياً: طرق الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا .
ثالثاً: اثر حكم المحكمة الدستورية العليا .
المبحث الثاني : الرقابة على دستورية القوانين في دستور دولة الامارات .
المطلب الاول : تشكيل دائرة الدستورية واختصاصاتها .
المطلب الثاني : تنظيم الرقابة على دستورية القوانين
أولاً : احوال الطعن بعدم دستورية القوانين
ثانياً: طرق الطعن على دستورية القوانين .
ثالثاً: أثر الحكم في الطعن بعدم دستورية القوانين .

الفصل الأول : ماهية الرقابة على دستورية القوانين

ماهية الرقابة على دستورية القوانين يأتي الدستور في قمة الهرم القانوني وذلك نظراً للأهمية التي تحتلها الدساتير في الأنظمة القانونية ومن هنا جاء الفقه الدستوري بالمبدأ المعروف بسمو الدستور والذي يعني ( علو الدستور على سائر القواعد القانونية فإذا ما تعارضت هذه القواعد في روحها أو نصوصها مع الدستور كان النص الدستوري مرجعاً عليها ). (1)

ويرتبط مبدا سمو الدستور بمبدأ المشروعية والذي ( يعني سيادة حكم القانون أي خضوع السلطات العامة في الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ) في كل تصرفاتها وأنشطتها لأحكام القانون .

ولذلك كان مبدأ سمو القواعد الدستورية أحد مظاهر مبدأ المشروعية حيث ان كلاهما يرتبط بالآخر بعرى وثيقة لا انفصام لها . (2)

وتختلف الدساتير في تحديد الهيئة التي تضطلع بمهمة الرقابة على دستورية القوانين حيث إن منها ما يوكل هذه المهمة إلى هيئة سياسية بينما بعضها الآخر اسند هذه المهمة إلى هيئة قضائية تقوم بالتحقيق من تطابق القانون مع أحكام الدستور وبناء على ذلك سوف ينقسم هذه الفصل إلى مبحثين أتناول في الأول اوجه الرقابة على دستورية القوانين وأخصص الثاني لوسائل الرقابة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محمد كامل عيد : نظم الحكم ودستور الإمارات 2002 أكاديمية شرطة دبي ص144
(2) محمد كامل عبيد مبدأ المشروعية – أكاديمية شرطة دبي ــ2004م ص

المبحث الأول
اوجه الرقابة على دستورية القوانين

يخضع الدستور القانون لقيود معينة بحيث ان هذا الاخير اذا خرج عليها فانه يكون مخالفاً وبالتالي يكون قانون غير دستوري .

وهذه القيود تتمثل في امرين لا ثالث لهما ، الأول الشكل الذي يتطلبه الدستور في القانون الصادر فالدستور يبين الشروط والإجراءات الشكلية التي يجب مراعاتها ، واما القيد الثاني فهو في موضوع القانون وفحواه والذي يجب ان يكون متفقاً مع الدستور وإلا عدا مخالفاً في الموضوع . (1)

ولذلك فان القانون الصادر من السلطة التشريعية ، وحتى يكون بمنأى عن مخالفته الدستور لايكفي ان يراعي الشكل الذي يتطلبه الدستور في القانون ، وانما يجب ايضاً ان يكون متفقاً مع موضوعه وفحواه .

ولذلك فإن المقام هنا يقتضي تقسيم هذا المبحث الى مطلبين وذلك على النحو التالي هما :
المطلب الاول : المخالفة الشكليــة .
المطلب الثاني : المخالفة الموضوعية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور رمزي الشاعر – رقابة دستورية القوانين – دراسة مقارنة – 2004 – مطابع دار النشرة القاهرة .ص

المطلب الاول
المخالفة الشكلية

تتمثل المخالفة الشكلية للدستور في امرين هما :

أولاً : مخالفة قواعد الاختصاص .
يقصد بعدم الاختصاص هو ( عدم المقدرة من الناحية القانونية على اتخاذ تصرف معين ، نتيجة لإنتهاك ومخالفة القواعد المحدده لإختصاص السلطة صاحبة التصرف ).

وترتبط هذه الفكرة بمبدأ الفصل بين السلطات ، حيث يهدف هذا المبدأ الى توزيع الاختصاصات بين سلطات الدولة الثلاثة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) على نحو يكفل تحديد المسؤوليات وعدم التداخل في مابين هذه السلطات .

وتستمد هذه السلطات مصدرها من الدستور ، بحيث انه لايجوز ان يباشر الاختصاص إلا من قبل الجهة التي حددها الدستور ، وبالتالي فلا يجوز لسلطة منحها الدستور اختصاصاً معيناً ان تفوض غيرها في ممارسة هذه الاختصاصات الابناء على نص صريح فيه .

وعلى ذلك يرتكز عيب عدم الاختصاص في المجال الدستوري على مخالفة السلطة المختصه بالتشريع لقواعد الاختصاص التي يرسمها الدستور ، وهذا العيب قد يكون عضوياً او موضوعياً أو زمنياً او مكانياً .(1)

1- عدم الاختصاص العضوي .
– يتمثل العنصر العضوي او الشخصي في الاختصاص في ان يصدر القانون من العضو او السلطة التي أعطاها القانون ذلك الاختصاص .
– والاصل هو ان يصدر القانون من السلطة التشريعية والتي يمثلها البرلمان ، ولا يجوز الخروج على هذا الاصل الا بنص صريح في الدستور .

ولذلك فان السلطة التنفيذية لايجوز لها ان تتدخل في اعمال التشريع الا اذا تضمن في اعمال التشريع نصاً يمنحها هذا الحق ، وان كانت بعض الدساتير قد حددت مجالاً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د رمزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين ص 464.

معيناً يشرع فيه البرلمان ومن ذلك الدستور الفرنسي الصادر 1958م والذي وزع الوظيفة التشريعية بين البرلمان والسلطة التنفيذية ، بحيث أصبحت هذه ألاخيره هي صاحبة الولاية في التشريع ، واصبح دور البرلمان في ذلك محدداً على سبيل الحصر بحيث اذا شرع في غير المجالات المحدده دستورياً له اعتبر مايصدر عنه تشريعاً غير دستوري لمخالفته العنصر العضوي او شخصي في الاختصاص .

2- عدم الاختصاص الموضوعي :

بعد التأكد من ان التشريع محل الطعن قد صدر من السلطة المختصه به ، يتعين بعدها التأكد من الاختصاص الموضوعي ، ويقصد به ( ان السلطة المختصه بالتشريع قد مارست اختصاصها التشريعي في الموضوع الذي اسنده اليها الدستور وإلا كان التشريع مخالفاً للدستور لتخلف العنصر الموضوعي في الاختصاص) .

والدستور المصري الصادر في سنة 1971م التزم الموضوع التقليدي والاصل العام الذي يسمح لمجلس الشعب بالتشريع في أي موضوع من الموضوعات باعتباره صاحب الاختصاص الاصيل في التشريع ، ولا يرد على سلطته هذه قيود إلا بعض القيود الموضوعية التي ينص عليها الدستور كعدم جواز تقرير رجعية القوانين الجنائية مالم تكن اصلح للمتهم ، وعدم الإخلال يحق التقاضي وغيرها ، حيث إن هذه القيود الموضوعية التي نص عليها الدستور يتوجب على السلطة التشريعية مراعاتها عندما تقوم بمهمتها في سن القوانين ، فلا تخرج عنها وإلا كانت عرضة لتقرير عدم دستوريتها من قبل المحكمة الدستورية العليا .

وتكون حالات عدم الاختصاص الموضوعي أكثر ظهوراً عندما تقوم السلطة التنفيذية بممارسة مهمة التشريع كاستثناء من الأصل العام ، حيث تكون مهمتها في هذا المجال محدودة بنصوص دستورية ، حيث ان ذلك يعتبر استنثاء املته ظروف واعتبارات معينة لا يجوز التشريع في غيرها أو الخروج على المجال المحدد لها ، فإذا تعددت السلطة التنفيذية المحال لها في الدستور ، فإن ما يصدر عنها يعتبر مشوباً بعيب عدم الدستورية لتخلف العنصر الموضوعي في الاختصاص .(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) . د . رمزي الشاعر رقابة دستورية القوانين ص 654 .

3- عدم الاختصاص الزمني :
قد يضع الدستور قيداً زمنياً على ممارسة اختصاص التشريع من قبل السلطة التشريعية أو من قبل السلطة التنفيذية ، فإذا لم تراع السلطة التي تقوم بتلك المهمة القيد الزمني وأصدرت التشريع في وقت لم يكن لها حقاً ممارسة هذا الاختصاص ، عندها تكون قد خرجت عن الحد الزمني المحدد دستورياً لإصداره ، وبالتالي يترتب على ذلك مخالفة التشريع للقيد الزمني الذي جاء به الدستور .
ومن الفروض التي تحقق فيها تخلف القيد الزمني في الاختصاص إقرار البرلمان لقانون بعد حله أو انتهاء المدة المحددة له في الدستور، أو أن يصدر رئيس الجمهورية تشريعاً في حالة التفويض التشريعي بعد انتهاء المدة الزمنية المحددة لممارسة هذا التفويض ، حيث إن صدور هذا التشريع فيه مخالفة صريحة للقيد الزمني الذي ورد بالدستور لممارسة هذا الاختصاص الاستثنائي من جانب السلطة التنفيذية .(1)

4- عدم الاختصاص المكاني :
تحدد بعض الدساتير مكاناً معيناً تمارس فيه السلطة التشريعية التي تتمثل في البرلمان ، بحيث انه مارس البرلمان هذا الاختصاص خارج النطاق المكاني المحدد في الدستور فان التشريع الذي يصدر في هذه الحالة يكون غير دستوري لمخالفته قواع الاختصاص المكاني .
ولذلك نصت المادة (100) من الدستور المصري الصادر عام 1971م على ان ( مدينة القاهرة مقر مجلس الشعب ن ويجوز في الظروف الاستثنائية ان يعقد جلساته في مدينة اخرى بناء على طلب رئيس الجمهورية أو أغلبية أعضاء المجلس ).
وقد أحالت المادة (205) من هذا الدستور بعد تعديلاته عام 1981 الى المادة (100) فيما يتعلق بمجلس الشورى .
ويفهم من ذلك بان مدينة القاهرة هو المكان الذي حدده الدستور المصري لعقد جلسات مجلس الشعب والشورى إلا انه يلاحظ بان الدستور المصري او رد استنثاء هو اذا مادعت الظروف الاستثنائية التي يقدرها رئيس الجمهورية او غالبية اعضاء مجلس الشعب و الشورى ويترتب على مخالفة هذا العنصر المكاني في الاختصاص بطلان التشريع .(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). د . رمزي الشاعر / القضاء الدستوري في مملكة البحرين ص466.
(2). د رمزي الشاعر / رقابة دستورية القوانين ص660.

ثانياً / مخالفة قواعد الشكل الواجب اتباعه .

يمر التشريع بمراحل متعدده حتى يكون دستورياً ، ووفقاً لإجراءات محدده وجوهرية يتطلبها الدستور يتعين اتباعها ، حيث عدم مراعاة ذلك يترتب عليه ان يصبح التشريع باطلاً يتعين الغاؤه او الامتناع عن تطبيقه .

ومن امثلة المخالفات التي تتعلق بالشكل والاجراءات ، ان يصدر التشريع دون موافقة الاغلبية البرلمانية التي حددها الدستور ، أو دون تصديق رئيس الدولة في الاحوال التي يوجب فيها الدستور ذلك .(1)

ويترتب على مخالفة القواعد الشكلية والاجرائية أن يكون للجهة المنوط بها الرقابة على دستورية القوانين حق مراقبة التشريع وتقرير عدم دستوريته اذا ما تعلق الامر بمخالفة جوهرية لتلك القواعد والاجراءات .

والملاحظ بان قواعد الشكل والاجراءات المصاحبة لعملية التشريع قد ترد في الدستور ذاته ، كما انها قد ترد في اللوائح الداخلية للبرلمان .

والفقه انقسم في ذلك الى اتجاهين حيث أن الاتجاه الاول ذهب بان العيب الشكلي يمكن ان يتحقق عند مخالفة التشريع للقواعد الشكلية المتصلة باقتراحه التشريع او اقراره او اصداره سواء كانت تلك القواعد قد وردت في الدستور أو في اللوائح الداخلية للبرلمان فيما ذهب الاتجاه الاخر بان عيب عدم الدستورية لمخالفة الشكل الواجب ارتباطه لايتحقق الا اذا كانت الشكلية التي خولفت قد ورد النص عليها في الدستور ذاته .

فالمعول عليه في الرقابة الدستورية هو ما ورد من اجراءات في الدستور ، اما ماتضمنه النصوص القانونية الاخرى الاقل مرتبه من قواعد شكلية فان مخالفتها لا تؤدي الى عدم دستوريته .

واخيراً فان المحكمة الدستورية وهي بصدد قيامها بفحص العيوب الشكلية في التشريع المطعون بعدم دستوريته لا يتصور ان يكون بحثاً تالياً للخوض في العيوب الموضوعية ، حيث ان المحكمة الدستورية لاتبحث في العيوب الموضوعية الا بعد ان تتاكد من خلو ذلك التشريع محل البحث من المخالفات الشكلية للاوضاع والاجراءات التي تطلبها الدستور ، وذلك لان العيوب الشكلية تتقدم العيوب الموضوعيه ، وهذ الاخيره سوف أتناولها بشيء من التفصيل في المطلب الثاني (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د . محمد كامل عبيد – نظم الحكم ودستور الامارات ص190 .
(2) د رمزي الشاعر . القضاء الدستوري في مملكة البحرين 2003م ص472.

المطلب الثاني

لايكفي لاعتبار التشريع دستورياً ان يكون مستوفياً للشكل الواجب اتباعه طبقاً للدستور ، وانما يجب ان يكون ذلك التشريع متفقاً من حيث الموضوع مع المبادئ التي حددها الدستور في اطار القيود التي وضعها لاستعمال السلطة التشريعية لحقها في سن التشريع ، وان يصدر ذلك التشريع غير متجاوزاً في غاياته لروح الدستور .(1)
وسوف نقسم دراستنا لهذا الموضوع الى قسمين :

اولاً: مخالفة القيود الموضوعية الوارده بالدستور .
ثانياً: خروج التشريع على روح الدستور .

اولاً : مخالفة القيود الموضوعية الواردة بالدستور.

تتضمن الدساتير عادة العديد من القيود التي لا يجوز للهئية التشريعية وهي بصدد استعمالها لحقها في التشريع ان تخرج عليها ، ومن هذه القيود على سبيل المثال وليس الحصر إسقاط الجنسية ، ورجعية القوانين الجنائية مالم تكن اصلح للمتهم ، وحق التقاضي .
ومن امثلة هذه القيود التي تضمنها الدستور المصري عام 1971م تحريم إبعاد أي مواطن عن البلاد او منعه من العودة ، وشخصية العقوبة وحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل او قرار إداري من رقابة القضاء (2).

وقد تضمن دستور دولة الامارات العربية المتحدة أيضا على هذه القيود والتي يجب ان يراعيها المشرع ومن امثلتها حظر استبعاد أي إنسان ، وتحريم ابعاد أي مواطن أو نفيه من من الاتحاد (3).

ولذلك فإن التشريع يكون غير دستوري اذا خالف بشكل مباشر نصوصاً وردت بالدستور ، وكذلك اذا خرج على نطاق التشريع كله الى نطاق اخر جعله الدستور لسلطة اخرى .
وتتضمن المخالفة الدستورية الموضوعية للقيود الورادة بالوثيقة الدستورية ثلاث حالات وهي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د محمد كامل عبيد – نظم الحكم في دستور الإمارات ص192.
(2) د رمزي الشاعر – رقابة دستورية القوانين دراسة مقارنة ص 684.
(3) د. محمد كامل عبيد نظم الحكم ودستور الإمارات . ص193

1- خروج القانون على قاعدتي العمومية والتجريد في التشريع .

اذا كانت القاعدة ان التشريع هو قاعدة عامة مجرده فانه يترتب على ذلك ان البرلمان اذا اصدر قراراً فردياً وقصد به ان يكون تشريعا عاماً بعدم الدستورية لعيب في المحل ( ويقصد بالعمومية تطبيق التشريع على جميع الحالات المتماثلة وعلى كل الافراد الذين يوجدون في وضع قانوني واحد ، اما التجريد فيقصد به ان يصدر التشريع لكي يطبق على حالات متماثله بصفة مجرده وليس على حالة معينة بذاتها وبذلك ينتفي التجريد لفرد دون أخر اومجموعه دون أخرى ) .(1).

ولكن لايمنع من ان يكون التشريع متصفاً بالعمومية والتجريد ان يقتصر تطبيقه على فرد واحد طالماً انه يقبل التطبيق على فرد اخر يخالفه في المركز القانوني الذي ينظمه هذا التشريع ، وكما لا يمنع من اكتساب التشريع صفتي العمومية والتجريد من ان يكون تشريعاً مؤقتاً بمدة محدده كالتشريعات الصادرة في الظروف الاستثنائية .

ويظهر بوضوح انعدام لصفتي العمومية والتجريد في التشريعات التي تحرم طائفه معينة من حق او حرية محدده أو تمنح طائفه من الطوائف امتيازا خاصا دون تطبيقه على الطوائف الاخرى رغم تماثل وتساوي المراكز القانونية بينها .(2).

2- خروج المشرع على السلطة المقيدة :

عندما يباشر المشرع اختصاصه فانه يجب ان يراعي القيود التي فرضها الدستور، والتي تتراوح بين السعه والتضيق فقد يتولى الدستور صراحة تحديد نطاق موضوع معين تحديداً كاملاً بحيث يحرم المشرع عند مباشرة اختصاصه من أية سلطة تقديرية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) . رمزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين ص474
(2) د. رمزي الشاعر – القضاء الدستوري مملكة البحرين ص471

ولقد تضمن الدستور المصري الصادر عام 1971م نصوصاً عديده تنعدم فيها السلطة التقديرية للمشرع ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر المادة 36 ( المصادرة العامة للاموال محظورة ولا تجوز المصادرة إلا بحكم قضائي ) .والمادة 51 ( لا يجوز بابعاد أي مواطن عن البلاد أو منعه من العوده اليها ).

ففي جميع هذه الحالات تكفل الدستور المصري ببيان الاحكام المتعلقه بها والمنظمة لها فلا يستطيع المشرع يستطيع المشرع الخروج على القيود المفروضة فنص المادة 51 من الدستور المصري يمنع ابعاد المواطن المصري او منعه من العوده اليها فهذا النص لم يترك للمشرع أي مجال من أن يمنع المواطن المصري من العودة الى وطنه كان يعطي الادارة الحق في اسقاط الجنسية عن وبالتالي منعه ممن العوده الى وطنه .حيث انه اذا ماصدر مثل هذا القانون يصبح مشوباً بعدم الدستورية .

وهكذا الحال في بقية النصوص التي لم يترك الدستور المصري أي مجال للمشرع سلطة تقديرية على الاطلاق ، حيث انه اذا ماصدر أي قانون غير مراعياً للقيود التي فرضها الدستور فان مصيره يكون الحكم عليه بعدم الدستورية من قبل المحكمة الدستورية العيا .(1)

3- السلطة التقديرية للمشرع :

على الرغم من ان هناك قيود تفرضها الدساتير على السلطة التشريعية في تنظيمها لبعض الموضوعات ، إلا انها أي السلطة التشريعية تملك السلطة التقديرية في كثير من الامور .
ويقصد بالسلطة التقديرية التي تملكها المشرع ( حرية المفاضلة بين بدائل وخيارات موضوعية بالنسبة للتنظيم التشريعي الذي يهدف اليه ، دون ان يفرض الدستور عليه طريقاً بذاته يجب عليه اتباعه أو توجيهاً محددا يتعين عليه التزامه ) .
ومن هنا نجد ان البرلمان يملك سلطة تقديرية عند قيامه بإصدار تشريع ، ولكن يجب عليه ان لايمس اصل الحق أو المبدأ الذي موضوع التنظيم التشريعي ، وذلك حتى لايكون القانون مخالفاً للدستور .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. رمزي الشاعر ص690 – رقابة دستورية القوانين – مصر .

ولذلك فان السلطة التقديرية من ادق المسائل التي يجب بحثها وذلك لمعرفه ما اذا كان المشرع باستعمالها قد هدف الى تحقيق المصلحة العامة ام لتحقيق أغراض اخرى بجانب الصالح العام . (1)

ثانياً : خروج التشريع على روح الدستور

– لايكفي ان يصدر التشريع مراعياً لما جاء في الدستور من قواعد وقيود ، وانما يجب ايضاً ان يكون هذا التشريع متلائماً مع روح الدستور وما استهدفه هذه الاخير من مقاصد وغايات . (2)

ولقد كان للفقه المصري فضل السبق في ابراز هذه الفكرة من خلال العالم الجليل الاستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري في حبثه بعنوان ( مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية. (3)

وقد حاول هذا الفقيه قياس فكرة الانحراف التشريعي على نظرية الانحراف الاداري ( وقياساً على تعريف الانحراف الاداري حاول وضع معيار الانحراف التشريعي حيث يقول الاستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري اذا قسنا الانحراف في استعمال السلطة الادارية لقلنا بان المشرع يجب ان يستعمل سلطته التشريعية لتحقيق المصلحة العامة ، فلا يتوخى غيرها ، ولا ينحرف عنها إلى غاية اخرى ، وإلا كان التشريع بالطلاً ، والمعيار هنا ذا شقين :
شقاً ذاتياً وشقاً موضوعياً : فالشق الذاتي يتعلق بالنوايا والغايات التي أضمرتها السلطة التشريعية وقصدت الى تحقيقها باصدارها تشريعاً معيناً والشق الموضوعي هو المصلحة العامة التي يجب ان يتوخاها المشرع دائماً في تشريعاته ، وكذلك الغاية المخصصة التي رسمت لتشريع معين ) . (4)

وقد استبعد الدكتور عبدالرزاق السنهوري فكرة الغرض الذاتي والغايات الشخصية في تصرفات السلطة التشريعية وذلك لعدم استساغة ذلك بالنسبة لهذه السلطة ، وقد اتجه لمعيار موضوعي بحت يتمثل في المصلحة العامة التي يجب ان يهدف اليها المشرع ، وقد حدد خميسة فروض لتطبيقات المعيار الموضوعي وهي :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د . رمزي الشاعر القضاء الدستوري في مملكة ص478.
(2) د. محمد كامل عبيد – نظم الحكم ودستور الامارات ص193
(3) د. رزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين
(4) د. سليمان الطماوي – النظرية العامة للقرارات الادارية دراسة مقارنة – الطبعة السادسة 1911ص39

الفرض الاول : الرجوع الى طبيعة التشريع ذاتها باعتبارها معياراً موضوعياً :

ان ا لتشريع بطبيعته قاعدة عامة مجرده ، فاذا جاء البرلمان وهو يمثل السلطة التشريعية واصدر تشريعاً معيناً لايطبق إلا على حالة فردية فإن مثل هذا التشريع يعتبر معيباً بعيب الاعراف في استعمال التشريعية .

الفرض الثاني : مجاوزة التشريع للغرض المخصص له : 
وهذا الفرض نادر ، وذلك لأن الدستور قلما يحدد غرضاً بذاته للتشريع والدستور المصري الصادر عام 1923 يضرب مثال لذلك من خلال المادة 15 والتي تحظر على السلطة التشريعية اصدار تشريعاً يعطي الادارة حق انذار الصحف أووقفها أو الغائها بالطريق الاداري ، إلا اذا كانت الغاية من ذلك هو وقاية النظام الاجتماعي حيث ان وقاية النظام الاجتماعي هي الغاية المخصصه لأي تشريع يوضع لمصادرة الصحف بالطريق الاداري ولذلك فإنه اذا ما صدر تشريع يبيح مصادرة الصحف بالطريق الاداري لغير وقاية النظام الاجتماعي ، فغن مثل هذا التشريع يكون مجاوزاً للغاية المرسومه له (1)

الفرض الثالث : كفالة الحريات والحقوق العامة في حدودها الموضوعية :

يمكن ان نقسم الحقوق والحريات العامة الى نوعين الاول لايقبل التقيد بطبيعته ومن أمثلة ذلك حق المساواة ، وحظر ابعاد المواطن عن بلاده ، وحظر المصادرة العامة للامول ، فهذه الحقوق لاتقبل التقيد ، فإذا ما صدر تشريع يقيدها كان باطلاً وذلك لمخالفة ذلك التشريع للدستور .
اما الموضوع الثاني فإن المشرع يتدخل في تنظيمها وذلك بقصد يتمكن الافراد من التمتع بها دون اعتداء على الغير ، ومن أمثلة هذه الحقوق والحريات حرية الرأي وحق التملك (2) ولذلك فانه اذا ما صدر تشريعاً يفرض قيوداً كبيره على حرية القيام بالشعائر الدينية على سبيل المثلا كان هذا التشريع باطلاً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور محمد كامل عبيد – نظم الحكم ودستور الامارات ص194
(2) انظر تفصيلاً لهذا الأصول الفكرية للحقوق والحريات العامة للدكتور أنور ارسلان .

الفصل الرابع :-
احترام الحقوق المكتسبة وعدم المساس بها في غير ضرورة أو من غير تعويض:

تحرص الدساتير عادة على تقرير مبدأ عدم رجعية القوانين وذلك احتراما للحقوق المكتسبة ، ومثال ذلك عدم رجعية قانون العقوبات ، وعد رجعية سائر القوانين الا بنص صريح في التشريع ، فالدستور يحرص على احترام الحقوق المكتسبة بحيث لايجوز المساس بها في غير ضرورة .(1)

الفرض الخامس:- مخالفة التشريع لمبادئ الدستور العليا والروح التي تهيمن على نصوصه

يقوم هذا الفرض على أنه توجد مبادئ تسود الدستور وتهيمن على أحكامه ، وهذه المبادئ هي روح الدستور ويتم استخلاصها موضوعيا من نصوصه المدونه ، ولذلك كان واجب على المشرع أن يلتزم بها عندما يصدر تشريعا تجنباً من الوقوع في الانحراف في استعمال سلطته الممنوحة له.
ومن أمثله على ذلك مبدأ استقلال القضاء بحيث اذا صدر تشريع
(( وقد استهدف الأستاذ الدكتور عبدالرزاق السنهوري من نظريته في الانحراف التشريعي توسيع نطاق الرقابة على دستورية القوانين ، بحيث لا تقف عند حد المخالفة الصريحة والواضحة لنصوص الدستور ، بل تتعدى ذلك الى البحث في بواعث التشريع وملاءمته )) . (2)
وقد استقر الفقه والقضاء المصري على أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين هي في جميع الأحوال رقابة مشروعية وليست رقابة ملاءمة ، حيث تقتصر على التحقق من مطابق النص التشريعي المطعون عليه مع النصوص الدستورية، ولم يتمسك الفقه والقضاء المصري بالبواعث التي دفعت المشرع على إقرار نص تشريعي باعتبارها من الملائمات التي يجب تركها للمشروع.(3)

المبحث الثاني:-
وسائل الرقابة على دستورية القوانين

ان مبدأ علو الدستور يتطلب أن تحترم السلطات العامة التي أنشأها الدستور لاختصاصاتها الدستورية ، وذلك لما لهذا الدستور من سمو وعلو مطلق .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. سلمان الطماوي- النظرية العامة للقرارت الادارية دراسة مقارنه 1991 صـ41
(2) الدكتور محمد كامل عيد – نظم الحكم ودستور الامارات 2002م صـ195
(3) الدكتور رمزي الشاعر – رقابه دستوريه القوانين دراسة مقارنه- 2004م صـ708

ولكن قد يصبح هذا المبدأ بغير ذي قيمة اذا لم يتحقق نوع من الرقابة على القوانين الصادرة والتأكد من عد م مخالفتها لنصوص الدستور.

ويثور تساؤل هنا وهو اذا كان البرلمان يمثل الشعب هو الذي يقوم بإصدار تلك القوانين ، فكيف يمكن مراقبته في القوانين الصادرة عنه ؟
رغم ذلك الا أنه انتهى الفقه الدستوري ، وكذلك الواقع العملي في أغلب الدساتير ، الى ضرورة ايجاد الرقابة على دستورية القوانين ، وذلك لضمان علو الدستور واحترامه(1)

ولكن الفقهاء ما ان اتفقوا على وجوب ايجاد الرقابة على القوانين لضمان دستوريتها ، الا أن الفقهاء ما لبثوا أن اختلفوا في الهيئة التي يجب أن تمارس هذه الرقابة فبينما نجد أن البعض ذهب الى إعطاء الهيئة السياسية تلك المهمة نجد أن البعض الآخر أعطى تلك المهمة لهيئة قضائية .
والرقابة على دستورية القوانين تعتبر أنجح الوسائل التي ابتكرها العلم الدستوري لحماية سيادة القوانين .
وقد اختلف القائلون بوجوب رقابة دستورية القوانين في الهيئة التي يمكن أن تتولى الرقابة فبعضهم قالوا بأن يعهد بالرقابة لهيئة سياسية والبعض الآخر قالوا بأن تعهد الى هيئة قضائية .
وقبل أن نقوم بشرح كل اتجاه نود أن نلفت النظر الى ملاحظات هامة وهي :-
· أن مشكلة الرقابة لاتثور أصلا الا في الدول ذات الدساتير الجامدة فالدول ذات الدساتير المرنة لاتعرف رقابة دستورية الوانين ، لان القوانين الدستورية توضع وتعدل لذات الإجراءات التي تتبع في القوانين العادية .(2)
وسوف نقسم هذ المبحث الى مطلبين نخصص الأول منه للرقابة السياسية والثاني للرقابة القضائية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النظم السياسية والقانون الدستوري للدكتور محمد رفعت عبدالوهاب والدكتور ابراهيم عبد العزيز ـ دار المطبوعات الجامعية – 1998م صـ 514
(2) الدكتور عبدالعزيز محمد سليمان رقابة دستورية القوانين الطبعة الأولى 1995م صـ 69

المطلب الأول
الرقابة السياسية على دستورية القوانين

أولا:- معنى الرقابة السياسية
الرقابة السياسية هي رقابة وقائية تسبق صدور القانون ومن ثم تحول دون صدوره اذا خالف نصا في الدستور وتقوم بها لجنة سياسية يتم اختيار اعضائها بواسطة السلطة التشريعية أو بالاشتراك مع السلطة التنفيذية ، فالرقابة تمارس على مشروعات القوانين.(1)

وتختلف الدساتير في تشكيل هذه الهيئة وذلك حسب ما يأتي به الدستور من تنظيم لذلك ، فقد يتم تشكيل هذه الهيئة بالتعين من جانب البرلمان أو من جانب السلطة التنفيذية، واما بطريق الانتخاب.ويعتبر النموذج البارز للرقابة السياسية هو النموذج الفرنسي ، حيث ان فرنسا أخذت بالرقابة السياسية في دساتيرها وخاصة دستوري سنتي 1946،1958م
ولكن هناك دولا أخرى قد تبنت فكرة الرقابة السياسية ومنها الدول التي أخذت بالنزعة الاشتراكية من بعد الحرب العالمية الثانية ومن قبل تفكك الاتحاد السوفيتي وعدول عدد من الدول في شرق أوروبا عن نزعتها الاشتراكية في التسعينات من القرن العشرين . (2)

ومن الدول الغربية التي سارت على نهج النظام الفرنسي دول المغرب العربي ،فالدستور المغربي 1996 أسند مهمة الرقابة على دستورية القوانين لمجلس دستوري ، والدستور الجزائري 1996م نص أيضا على ايجاد مجلس دستوري ، والدستور التونسي 1995م نص على انشاء مجلس دستوري يتولى النظر في مشاريع القوانين التي يعرضها على رئيس الجمهورية من حيث مطابقتها للدستور (3)

ثانيا :- مميزات الرقابة السياسية :-

تتميز الرقابة على دستورية القوانين بواسطة هيئة سياسية بأمرين :-
1- انها رقابة سابقة على صدور القانون لا تهدف إلى التحقق من مدى دستوريته ، وليست رقابة لاحقة على صدور القانون كما هو الحال عليه في الرقابة القضائية ، وبالتالي فان هذه الرقابة تهدف الى الحيلولة دون صدور القانون المخالف للدستور

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د- عبدالعزيز محمد سلمان رقابة دستورية القوانين الطبعة الأولى 1995م صـ 69
(2) د. إبراهيم عبد العزيز شيخا القانون الدستوري نظريته العامة والرقابة الدستورية 2004 صـ171
(3) د- رمزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين – دراسة مقارنه – 2003م صـ20

2- وتتميز الرقابة السياسية بأن من يتولاها ليس هيئة قضائية تتكون من قضاة كما هو الحال في الرقابة القضائية ، بل يتولى مهمة هذه الرقابة هيئة سياسية ، يكون اختيار أعضائها بواسطة السلطة التشريعية وحدها أو بالاشتراك مع السلطة التنفيذية .(1)

3- وتتميز الرقابة السياسية بأنه تستمد أساسها من مبدأ الفصل بين السلطات ، باعتبار أن هذا المبدأ يقوم على أنه لا يجوز للسلطة القضائية التدخل في أعمال السلطة التشريعية ، وبهذه الرقابة يتمكن البرلمان من تفادي سيطرة القضاء وتدخله وبالتالي فان هذه الرقابة تتفادى الصدام بين السلطات (2)

ثالثا:- عيوب الرقابة السياسية :-
رغم ما تمتاز به الرقابة السياسية الا أنها تعرضت لسهام النقد من قبل فقهاء القانون وأهم تلك الانتقادات :-

1- إن الهيئة السياسية التي تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين ليست بمنأى من الخضوع للنزوات السياسية وهذا يفسد الغاية من تقرير الرقابة (3)
حيث إن تشكيل هذه الهيئة قد يتم بالتعين من جانب البرلمان ، أو بالانتخاب من قبل الشعب وبلا شك الأخذ بهذه الطريقة في تشكيل هذه الهيئة يشكل خطورة على استقلال هذه الهيئة وبالتالي حيادها ونزاهتها .
فالهيئة التي يتم تشكيلها بالتعيين من قبل البرلمان تكون عرضة لأن تكون تابعة لها، وبالتالي تفقد السبب من وجودها وهو الرقابة على نشاطه وأما اذا كان التعيين بواسطة السلطة التنفيذية تصبح ملتزمة لتلك السلطة في تعليماتها وبالتالي فان رقابتها لأعمال السلطة التشريعية مثار لتصادم مستمر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .

وأما اذا كان تشكيل الهيئة بطريق الانتخاب من قبل الشعب فان ذلك يؤدي الى سيطرة الاتجاهات السياسية ذاتها التي تسيطر على البرلمان وبالتالي تنعدم القيمة من انشائها . (4)
2- افتقار القائمين على أمر هذه الهيئة للقدرة الفنية على بحث ودراسة المشاكل القانونية حيث ان هذه الرقابة تتميز بطبعة قانونية خاصة تفترض في القائمين بها ضرورة توافر الكفاءة القانونية لامكان تحديد مدى تطابق القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية مع أحكام الدستور .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. محمد رفعت عبد الوهاب والدكتور إبراهيم عبد العزيز الشيخ- النظم السياسية والقانون الدستوري 1998م – دار المطبوعة الجامعية صـ516
(2) د. محمد كامل عبيد نظم الحكم ودستور الإمارات – – أكاديمية شرطة دبي – 2002م صـ164
(3) د . – محمد فؤاد عبدالباسط – ولاية المحكمة الدستورية العليا في المسائل الدستورية -2002م
(4) د- رمزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين صـ .97

3- كيفية تشكيل هذه الهيئة ، حيث أنه حتى يمكن أن تتحقق الفاعلية لما تقوم به ، لابد أن تتوافر لدى أعضائها الحيدة والاستقلال عن باقي السلطات ، ولكن بما أن هذه الهيئة يتم تشكيلها بواسطته فانه وبلاشك سوف تكون متأخرة باتجاهات الأغلبية في البرلمان وكذلك اذا كان تشكيلها من خلال السلطة التنفيذية فانها سوف تكون تابعة لها تأتمر بأوامرها ، وأما اذا كان تشكيل هذه الهيئة عن طريق الانتخاب الشعبي فان هذه الهيئة وباعتبارها ممثلة للشعب لتنازع غيرها من الهيئات العامة وسوف تحاول اخضاعها لارادتها مما يؤدي الى خلق تصادم بينها وبين غيرها من السلطات في الدولة (1)

المطلب الثاني : الرقابة القضائية

نظراً للانتقادات التي ساقها الفقهاء للرقابة السياسية ، والتي اثبتها الواقع العملي ، اتجه الفقه الدستوري الى الرقابة القضائية كملاذ لضمان دستورية القوانين ، من خلال ما تتصف به هذه الرقابة الحيدة والاستقلالية ، وعدم تأثر اعضائها بالاهواء السياسية ، والتكوين القانوني الذي يؤهلهم لممارسة دورهم على اكمل وجه .
والرقابة القضائية يقصد بها ( ان يتولى القضاء فحص دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان ، للتحقق من مطابقتها أو مخالفتها لقواعد الدستور ). (2)
ولذلك فان الفرق بين الرقابة السياسية والرقابة القضائية في ان الاول سابقة على صدور القانون اما الثانية فإنها تفترض صدور ذلك القانون الغير دستوري لكي تتمكن من ممارسة دورها في الرقابة وبالتالي فإن الرقابة القضائية تعطي القاضي الحق في التحقق من تطابق القانون مع أحكام الدستور ، لكي يقف على مدى التزام البرلمان للاختصاصات وكما ان فرنسا هي المثال البارز للرقابة السياسية فانه في المقابل تعتبر الولايات المتحده الامريكيه هي مهد نشأة النظام القضائي في الرقابة على دستورية القوانين .
وكما انه لينظر لفرنسا بأنها المثال البارز للرقابة السياسية في المقابل فإن الولايات المتحده الامريكية هي الاخرى تعتبر مهد لنشأت النظام القضائي للرقابة على دستورية القوانين .(3)
وسوف أتناول في هذا المطلب الثاني صور الرقابة القضائية تم سلطات المحكمة على دستورية القوانين وأخيراً تقييم الرقابة على دستورية القوانين .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د- محمد كامل عبيد – نظم الحكم ودستور الامارات – أكاديمية شرطة دبي – 2002م صــ16
(2) الدكتور محمد رفعت عبدالوهاب والدكتور ابراهيم عبدالعزيز شيخا- النظم السياسية والقانون الدستوري 1998م – ص522
(2) د . رمزي الشاعر – رقابة دستورية القوانين ص93 .

أولاً: صور الرقابة على دستورية القوانين :

يعرض الفقه الدستوري طريقتين لممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين وهما :

1- الرقابة عن طريق الدعوى الاصلية :

حيث انه في هذه الطريقة تكون الرقابة مركزية فيعهد الرقابة لجهة قضائية واحده يكون الحق للمواطن رفع دعوى أصلية مباشرة أمام المحكمة الدستورية العليا او المحكمة العليا ، ففي هذه الصورة يقوم صاحب الشأن بمهاجمه القانون الذي يدعي عدم دستوريته طالباً إلغاءه لمخالفته نصوص الدستور وهكذا فإن هذه الطريقة تتمير بانها طريقة هجومية وليست دفاعية . بمعنى ان صاحب الشأن لا ينتظر لحين تطبيق ذلك القانون الذي يراه بانه غير دستوري بل يبادر بالطعن فيه ، كما يتميز الحكم الصادر من المحكمة انه يكون حاسم لمسالة دستورية القانون بصفه نهائية فلا يجوز إثارة عدم دستوريته مرة أخرى

والدول التي تأخذ بهذه الطريقة تخصص محكمة دستورية تتولى الفصل في دستورية القوانين ، حيث ان هذه المحكمة قد تكون محكمة دستورية عليا وقد تكون المحكمة العليا وذلك طبقاً لما ينص عليه دستور كل دولة .

ومن الدول التي تأخذ دساتيرها بطريقة الرقابة عن طريق الدعوى الاصلية دستور سويسرا ودستور اسبانيا 1931م ودستور ايطاليا وتأخذ كل هذه الدساتير بنظام المحكمة الدستورية العليا المختصه في رقابة دستورية القوانين (1)

وتتمير هذه الطريقة التي تكون الرقابة فيها مركزية بانها تتجنب ماقد يثيره لامركزية الرقابة من إشاعة القلق وعدم الاستقرار في المعاملات والمراكز القانونية ، وذلك من خلال تضارب احكام المحاكم في دستورية أو عدم دستورية قانون بعينة ، فضلاً عن ذلك فإن اخذ الدولة بمركزية الرقابة على دستورية القوانين من خلال محكمة خاصة ينشائها الدستور محكمة خاصة ينشأها الدستور خارج نطاق السلم االقضائي من شأنه أن يؤدي الى رفع شبهة الخروج على مبدأ الفصل بين السلطات التي يثيرها عادة تعرض المحاكم العادية لأعمال السلطة التشريعية ، خصوصاً في ظل ا لنظم الدستورية التي تقوم على ذلك المبدأ .(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدكتور محمد رفعت عبدالوهاب والدكتور ابراهيم شيخا النظم السياسية والقانون الدستوري ب1998-ص526
(2) د. عثمان عبدالملك الصالح – الرقابة القضائية امام المحكمة الدستورية في الكويت – – مجلة الحقوق التي تصدرها كلية الحقوق جامعة الكويت –1986-ص20

2- الرقابة عن طريق الدفع الفرعي :

في هذه الطريقة القضائية لاترفع دعوى اصلية مباشرة لالغاء القانون لعدم دستورية ، وانما يثور دستورية القانون بطريقة فرعية اثناء نظر قضية اصلية معروضه امام احدى المحاكم .
حيث ان في هذه الطريقة يفترض وجود دعوى امام محكمة جنائية أو مدنية أو ادارية وهناك قانون معين مطلوب تطبيقه في هذا النزاع حينئذ يقوم الخصم بالمطلوب تطبيق القانون عليه بالدفع بعدم دستورية ذلك القانون .

فإذا ما تأكد قاضي الموضوع من جدية ذلك الدفع وأنه يخالف الدستور ، فلا يقوم بالغاء ذلك القانون ، وانما فقط يمتنع عن تطبيقه في القضية المطروحه .
ولذلك فان القانون يبقى قائماً وموجود بل وأكثر من ذلك يمكن لمحكمة أخرى ان تطبق ذات القانون في قضية اخرى اذا لم يدفع بعدم دستوريته ( من الناحية النظرية ولكن من الناحية الواقعية فان المحكمة التي قضت بعدم دستوريته تمتنع عن تطبيقه في النزاع وكذلك في المنازعات الاخرى ، وقد تمتنع ايضاً المحاكم الاخرى عن تطبيقه اذا كان الحكم صادر من محكمة عليا ).

ولذلك فان طريقة ال الدفع الفرعي هي طريقة دفاعية تستهدف فقط استبعاد تطبيق القانون في قضية ما ولا تستهدف الغاءه .
والرقابة عن طريق الدفع الفرعي بما تتضمنه من امتناع القاضي عن تطبيق القانون المخالف للدستور يمكن ان يأخذ بها كل قاضي او أية محكمة حيث انه بعكس الحال عما هو الطريقة الاولى كما لاحظنا بان الامر مقصور على محكمة دستورية او المحكمة العليا ، ولذلك فان الدفع الفرعي لايحتاج لقيام المحكمة لذلك الدور في الرقابة الى وجود نص دستوري ، لان من جوهر وطبيعة القاضي ان يرجح كفة الدستور باعتباره التشريع الاعلى عند تعارضه مع قانون ادنى ، لان النص الاعلى يقدم على النص الادنى عند تعارضهما ، ولذلك أخذت المحاكم الامريكية في الولايات المتحده بهذه الطريقة رغم عدم نص الدستور الامريكي عليها والولايات المتحدة الأمريكية هي مهد ومنشأ طريق الدفع الفرعي في الرقابة ودستورية القوانين .

وأهم ما تتمير به هذه الرقابة أنها لاتعرض مع مبدأ الفصل بين السلطات .

3- الرقابة عن طريق الدفع المقترن بدعوى عدم الدستورية ( الجمع بينهما ) :

هناك دستاير تبنت الجمع بين الطريقتين الالغاء والامتناع ، حيث انه يمكن اثناء نظردعوى قضائية يراد فيها تطبيق قانون معين ان يدفع احد افراد الدعوى بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه في هذه الدعوى امام ذات المحكمة التي تنظر فيها ، فلا تتعرض المحكمة للفصل في هذا الدفع بل توقف نظر الدعوى ، ويحال الطعن بعدم الدستورية القانون الى محكمة أخرى تختص بالفصل في دستورية القوانين ، ويكون للحكم الصادر حجية مطلقة عامة .

ومن الدول التي أخذت بهذا الاسلوب مصر ، حيث تنفرد المحكمة الدستورية العليا بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح ويمكن الطعن بعدم الدستورية امام المحكمة الدستورية العليا بأحد الاساليب التالية :

1- دفع احد الخصوم بعدم دستورية قانون معين : فاذا رأت المحكمة ان الدفع جدي تؤجل نظر الدعوى وتحدد لمن اثار الدفع مدة معينة لرفع الدعوى امام المحكمة الدستورية العليا .
2- الاحالة من المحكمة النظور امامها النزاع : ويكون ذلك في حالة ما اذا استشعرت المحكمة اثناء نظر احدى الدعاوى عدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في اللدعوى تتوقف نظر الدعوى وتحيل الاوراق بعدم رسوم الى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها .
3- تتصدى المحكمة الدستورية العليا مباشرة ك فقد ترى المحكمة اتثناء ممارسة اختصاصها ان القانون المتصل بالنزاع غير دستوري وتتصد له وتفحصه (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النظم السياسية والقانون الدستوري للدكتور محمد رفعت عبدالوهاب والدكتور ابراهيم شيخا -1998م – ص528

الفصل الثاني

تطبيقات الرقابة على دستورية القوانين في مصر ودولة الإمارات

سوف أتناول في هذا الفصل الرقابة القضائية في كل من مصر ودولة الامارات مبينا رأي المشرع في كل منهما في ذلك .

المبحث الأول : الرقابة على دستورية القوانين في الدستور المصري

يمكن القول ان الرقابة على دستورية القوانين في مصر تنقسم الى مرحلتين الأول وهي قبل انشاء المحكمة الدستورية العليا والمرحلة الثانية هي بعد انشاء المحكمة الدستورية العليا ولذلك سوف أقسم هذا المبحث الى مطلبين أتناول في الأول وضع الرقابة قبل انشاء المحكمة الدستورية العليا وأتناول في المطلب الثاني الرقابة بعد انشاء تلك المحكمة مبينا الاختصاص وطرق الطعن واثر الحكم الصادر منها.

المطلب الأول : رقابة الدستورية قبل انشاء المحكمة الدستورية العليا :-

· لم تعرف مصر الرقابة على دستورية القوانين على مستوى دساتيرها سوى في ظل الدستور الصادر عام 1971م، أو أن كافة الدساتير السابقة لأعوام 1923م،1930م،1956م،1964م قد التزمت الصمت ازاء تلك المشكلة .
ولذلك كان هناك تساؤل حول ما اذا كان القضاء حق في ممارسة الرقابة على القوانين والتأكد من عدم مخالفتها للدستور ، وكذلك حول ما اذا كان ذلك الحق قد تقرر للقضاء فما هو الأثر المترتب على صدور حكم بعد دستورية قانون ما ، وهل هذا الدور تمارسه جميع أنواع المحاكم لامركزية الرقابة أم أن هناك جهة قضائية واحدة فقط يوكل لها ذلك الاختصاص(مركزية الرقابة) (1)

كل تلك التساؤلات التي كانت تطرح كان الاجابة عليها تأتي من اجتهادات الفقه والقضاء دون أن تحد لها نص يحسدها .

صمت المشرع عن تنظيم الرقابة وكنتيجة طبيعية لجمود الدساتير المصرية وسموها على ما عداها من القوانين دفع ذلك الأمر الفقه والقضاء للتعرض لمسألة مدى حق القضاء في اجراء هذه الرقابة اذا ما دفع أمامه بعدم دستورية قانون ما واجب التطبيق .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د- مصطفى محمود عفيفي – رقابة دستورية القوانين في مصر والدول الأجنبية – الطبعة الأولى – جامعة عين شمس. صــ235

رأي الفقه :-

اختلف الفقه في ذلك ، فذهب البعض الى عدم حق القضاء في القيام بذلك ، بينما الرأي الغالب للفقهاء ذهب الى أن الرقابة هي جزء من وظيفة القضاء وبالتالي يجوز للقضاء أعمالها .

الرأي المعارض:-

نظرا لخلو الدساتير المصرية من مص يقرر حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين قبل دستور 1971م ذهب قلة من الفقهاء المصريين الى أنه ليس للمحاكم القيام بذلك ، وقد استند هؤلاء الفقهاء في ذلك بالحجج التالية :-
1- ان عدم استقلال القضاة المصريين في تعيناتهم وتأديبهم ونقلهم نظرا لتبعيتهم للسلطة التنفيذية تجعلهم غير قادرين على القيام بذلك الدور الذي يتطلب الاستقلالية.
2- لائحة ترتيب المحاكم المصرية كانت تنص على منع المحاكم من تأويل الأوامر الادارية وفق تنفيذها ، ولذلك فان المنطق يقتضي الى وجوب تقريرها بالنسبة للقوانين الصادرة من المشرع حيث ان القوانين هي أسمى مرتبة من الأوامر الادارية .
3- ان اعمال مبدأ الفصل بين السلطات ، يقتضي بأن يختص القضاء في تطبيق القوانين وليست الحكم عليها حيث ان ذلك يعتبر من قبيل تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية (1)

الرأي المؤيد:-
اذا كان الرأي المعارض لايمثل سوى قلة من الفقهاء الذين عارضوا قيام القضاء بالرقابة على القوانين والتأكد من دستوريتها فان الغالبية العظمى من الفقهاء ذهبوا الى حق القضاء بذلك .

أولا وقبل أن يسوق هؤلاء الفقهاء الأسانيد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د- ابراهيم عبد العزيز شيخا – النظم السياسية والقانون الدستوري المصري – 2000م صــ745 وما بعدها.

الرأي المؤيد :-
اذا كان الرأي المعارض لايمثل سوى قلة من الفقهاء الذين عارضوا قيام القضاء بالرقابة على القوانين والتأكد من دستوريتها فان الغالبية العظمى من الفقهاء ذهبوا الى حق القضاء بذلك وفندوا ما جاء به الفقهاء المعارضين من حجج ، فمن حيث استنادهم على المادة 15 من لائحة ترتيب المحاكم لمنع الرقابة على دستورية القوانين بحجة كونها أسمى من الأمر الإداري ، فان المنطق يحتم أيضا منع القضاء من مراقبة قانونية اللوائح استنادا الى نفس الحجة وهو ما لا يتبعه الفقه والقضاء إذا أجمعا على أن المحاكم حق بحث قانونية اللوائح .
ومن حيث استنادهم الى مبدأ الفصل بين السلطات للقول بعدم جواز الرقابة في مصر فان ذلك يعتبر قياس مع الفارق لاختلاف النصوص واختلاف الظروف حيث ان النصوص التي جعلت القضاء الفرنسي وبعض الفقهاء الفرنسيين يمنعون المحاكم من القيام برقابة دستورية القوانين لا وجود لها في القوانين المصرية .
وأما من حيث أن القضاء يتم تعينهم بواسطة السلطة التنفيذية ، فان ذلك لا يؤثر على استقلال السلطة القضائية ، حيث أن تجارب كثير من الدول أثبتت على أنه ليست العبرة بطريقة الاختيار والتعيين وانما هي بمدى قدرة السلطة التنفيذية بالتدخل في سؤن القضاة بعد تعيينهم ، ولذلك فانه إذا لم يحدث أي تدخل بعد التعيين لم يكن لطريقة التعيين أي أثر على استقلال القضاة . (1)
وبعد أن فند الفقهاء المؤيدين الأسانيد والتي استند إليها المعارضين لممارسة الرقابة على دستورية القوانين، أوردوا الحجج التي تؤيد موقفهم وهي :-
1- أن الدستور يمثل أسمى القواعد القانونية في الدولة ، والقضاء ملزم باحترام جميع قوانين الدولة ، ولذلك فإذا ما حصل هناك تعارض أمامه بين قانونان ، أصبح ملزماً بأن يطبق القانون الأسمى ، وبالتالي فإذا تعارض قانون مع الدستور وجب تطبيق الدستور دون القانون ، وهذا يدخل في نطاق اختصاص القاضي ، فهو لا يلغي القانون العادي وإنما يمتنع عن تطبيقه ويطبق القانون الأعلى وهو العمل القانوني مطلوب من القاضي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. رمزي الشاعر – المرجع السابق ص276

2- وكذلك من ناحية مبدأ المشروعية رأي الفقه أن حرمان القضاء من حق مباشرة الرقابة على دستورية القوانين يعد مخالفاً لمبدأ المشروعية بل وانه يتعارض مع منطق الحكومة الشرعية التي تقوم على خضوع السلطات الحاكمة بأسرها لمبدأ شرعية تصرفاتهم ، سواء كانت هذه التصرفات قوانين أو لوائح أو قرارات .

موقف القضاء المصري :

إذا كان أغلب الفقه الدستوري ذهب إلى حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين ، إلا أن موقف القضاء وقف موقف المتردد ولم يفصح عن رأيه في أحكامه ، ولذلك أختلف رجال الفقه في تأويل تلك الأحكام حيث اعتبرها البعض مؤيدة والبعض الآخر معارضه لحق القضاء في الرقابة .
وقد كان أول حكم صدر من القضاء العادي يقرر فيه بصراحة ذلك الحق هو الحكم الصادر من محكمة مصر الابتدائية الأهلية في أول مايو عام 1941 حيث ذهبت إلى انه للمحاكم مطلق الحرية في بحث دستورية القوانين .
إلا أن محكمة الاستئناف التي استؤنف الحكم أمامها لم توافق المحكمة الابتدائية على رأيها وذلك من خلال حكمها الصادر عام 1943 .
وإذا كان القضاء العادي قد ظل متردداً في بسط الرقابة القضائية على دستورية القوانين إلا انه أقر لنفسه ذلك الحق من خلال حكم النقض الصادر عام 1952 الدائرة الجنائية حيث رفضت المحكمة تطبيق قانون من قوانين الإجراءات الجنائية وذلك لخروجه من قاعدة عدم رجعية قوانين العقوبات المقررة في دستور عام 1923

المطلب الثاني : رقابة المحكمة الدستورية العليا :

صدر الدستور المصري المعمول به إلى يومنا هذا في 11 سبتمبر عام 1971 ، وقد نص هذا الدستور على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين ونص كذلك الدستور على أن المحكمة الدستورية العليا هيئة قضائية مستقلة بذاتها في مصر مقرها مدينة القاهرة .

ولذلك فإن الدستور المصري أخذ بمركزية الرقابة حيث انه خصص محكمة واحدة فقط أناط لها القيام بذلك العمل ونص الدستور في المادة 175 على أن ( تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية ، وذلك كله على الوجه المبين في القانون ويعين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها ) ومن خلال هذه المادة نجد بأن الدستور لم يفصل الإجراءات التي تتبع في المحكمة الدستورية وانما ترك ذلك الأمر للقانون الذي سوف يصدر لاحقاً وربما كان السبب في ذلك هو أن المادة 192 من الدستور المصري أعطت المحكمة العليا مواصلة ممارسة اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين لحين تشكيل المحكمة الدستورية العليا. (1)

والدستور المصري الصادر عام 1971م وقانون المحكمة الدستورية العليا كلامهما وأوضح اختصاصات هذه المحكمة ، وطرق الطعن أمام هذه المحكمة ، وكما حدد الأثر المترتب على حكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا .
ولذلك سوف نخصص هذا المطلب الثاني لتناول هذه الموضوعات الثلاثة على النحو الآتي :

أولاً : اختصاص المحكمة الدستورية العليا .

ثانياً: طرق الطعن امام المحكمة الدستورية العليا

ثالثاً: أثر حكم المحكمة الدستورية العليا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إبراهيم درويش – المرجع السابق ص255 وما بعدها .

أولاً : اختصاص المحكمة الدستورية العليا :

نصت المادة 25 من الدستور المصري عام 1971 على أن ( تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين في القانون ويبين القانون الاختصاصات الأخرى للمحكمة وينظم الإجراءات التي تتبع أمامها )
ولقد جاء قانون المحكمة الدستورية العليا عام 1979م محدد اختصاصها في الآتي :

(أ‌) الرقابة دون غيرها على دستورية القوانين واللوائح .
(ب‌) الفصل في تنازع الاختصاص لتعيين الجهة المختصة من بين جهات القضاء أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي وذلك إذا رفعت الدعوى في موضوع واحد أمام جهتين منها ، ولم تتخلى أحدهما عن نظرها أو إذا تخلت الجهتين عنها .
(ج) الفصل دون غيرها في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين متناقضين صادر
أ حدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي والآخر
من جهة أخرى منها .
(د) تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقرارات بقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام الدستور وذلك إذا ما أثارت خلافاً في التطبيق وكان لها من الأهمية ما يقتضي تفسيرها .(1)

وهناك رأي في الفقه كان يفضل بأن يشمل إلى جانب تلك الاختصاصات اختصاص بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء ونواب الوزراء والفصل في صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب والشورى ، حيث أصحاب هذا الرأي ( من بينهم الأستاذ الدكتور رمزي الشاعر ) يهدفون إلى حماية الدستور ومبادئه .(2)
والاختصاص الذي يعنينا من اختصاصات المحكمة الدستورية العليا هو اختصاصات المحكمة الدستورية العليا هو اختصاصها بالرقابة على دستورية القوانين حيث انه هو موضوع البحث

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د . إبراهيم محمد حسنين – مرجع سابق ص92
(2) د. رمزي الشاعر – مرجع سابق ص330

وقد أوضح قانون المحكمة الدستورية العليا أن هذه المحكمة هي المختصة وحدها بهذه الرقابة ، حيث أنها تتصدى من تلقاء نفسها للقانون بمناسبة ممارسة اختصاصاتها ، أو إذا تبين لإحدى المحاكم عند نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص قانوني حيث أنها إذا ما تبينت جدية ذلك فإنها لا تفصل في دستورية ذلك القانون وانما تحيل الأوراق إلى المحكمة الدستورية وتحدد ميعاد لمن أثار ذلك الدفع ليرفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا .

ولذلك فان المحاكم او الهيئات القضائية أرجأت البت في دستورية قانون إذا ما أثير ذلك أمامها ، بل أن المحكمة الدستورية وحدها تنفرد بذلك وهذه المركزية في الرقابة لاشك بأنها تكفل الاستقرار في المعاملات القانونية ، ويحقق الوحدة فرع تفسير وتطبيق القواعد الدستورية ويساعد على بث الانسجام في الصرح التشريعي.

ولكن قصر الاختصاص على جهة قضائية واحدة وهي المحكمة الدستورية العليا ، لايعني أن جهات القضاء الأخرى قد فقدت كل سلطة لها في هذا المجال ، إذ يملك قاضي محكمة الموضوع تقدير مدى جدية الدفع بعدم الدستورية .

حيث انه إذا ما دفع أحد الخصوم أمام قاضي الموضوع بعدم دستورية قانون فان هذا الأخير لا يحيل أمر البت في دستورية القانون المطعون فيه إلى المحكمة الدستورية العليا تلقائياً ، وان تطبيق القانون المطعون في دستوريته أمر لازماً في الدعوى القائمة .

أما إذا ثبت للقاضي على وجه اليقين انه لاشبهة في دستورية القانون أو أن الدفع غير مؤثر في الفصل في الدعوى ، أو انه ليس للقانون محل الدفع صلة بالمنازعة موضوع الدعوى ، فانه من حقه أن يرفض الدفع وان يفصل في الموضوع .
ولا يكون لمن دفع بعدم الدستورية حق الالتجاء إلى المحكمة الدستورية العليا في هذه الحالة ، وان كان له أن يقوم بالطعن بالطرق المقررة أي الاستئناف أو النقض . (1)

ثانيا.طرق الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا
وفقا لنظام المحكمة الدستورية العليا توجد ثلاث طرق لتحريك الرقابة أمامها وهي :-

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د . رمزي الشاعر – النظام الدستوري المصري – القاهرة 2000 – ص514 وما بعدها .

1- الدفع الفرعي بعدم الدستورية :-

حيث أن أثناء نظر دعوى مرفوعة أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي يجوز للخصوم الدفع بعدم دستورية نص في قانون يراد تطبيقه في الدعوى .وفي هذه الحالة يكون للمحكمة أن تقوم بتقدير جدية الدفع من عدمه ، فإذا رأت جدية الدفع ، فإنها تؤجل نظر الدعوى وتمدد لمن أثار الدفع من الخصوم ميعادا لا يتجاوز ثلاثة أشهر لدفع الدعوى أمام المحكمة الدستورية العليا.

والمقصود بالجدية التي تطلبها القانون المنظم للمحكمة الدستورية العليا أمرين أساسيين .
فيجب أن يكون الفيصل في مسألة الدستورية منتجا ، وثانيا يجب أن تحتمل مدى مطابقة القانون للدستور اختلافا في وجهات النظر .

أي أن تكون المطاعن الدستورية المدعى بها في شأن النص لها ما يظاهرها وهو ما يعني جديتها من وجهة نظر مبدئية ، وهذا الآمر متروك لقاضي الموضوع وذلك حتى يستبعد الدفوع التي تهدف إلى التسويف وإضاعة الوقت وإهدار العدالة .

وحق الأفراد في الالتجاء إلى المحكمة الدستورية العليا منوط بدفع يبدي بعدم دستورية نص قانون أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص المرفوعة أمامها الدعوى ، ولذلك فان الأفراد لا يحق لهم اللجوء مباشرة إلى المحكمة العليا للطعن في عدم دستورية نص قانوني بدعوى أصلية .

2- الإحالة جديده من جانب المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي :-

وهذه الطريقة لم تعرفها مصر من قبل لتحريك عدم الدستورية ، فقانون المحكمة العليا المعمول به قبل صدور قانون المحكمة الدستورية العليا لم ينص عليه .
حيث ان في هذه الطريقة يكون للمحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي من تلقاء نفسها أن تحيل مسألة الدستورية الى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها .

ولذلك فانه وبغض النظر ما إذا كان الخصوم أم المحكمة أو الهيئة ذات الاختصاص القضائي قد أبدوا ذلك الدفع بعدم الدستورية أم لا ، وكذلك أيضا بصرف النظر عن مصالح الخصوم الذين قد لا يجديهم تقرير عدم الدستورية في بعض الحالات ، وهذا بلا شك يتفق مع طبيعة عمل قاضي الموضوع والتي تتطلب منه تغليب القاعدة الأعلى على القاعدة الأدنى عند التعارض بينهما ، وبالتالي فان قاضي الموضوع إذا قدر أن هناك تعارض بين نص تشريعي ونص في الدستور فهنا لايمكن أن تغل يده عن تطبيق القاعدة الأعلى والتي تتمثل هنا في الدستور ، مما يجعل حق المحاكم في إحالة النصوص التشريعية التي يتراءى لها مخالفتها للدستور إليها حقا حتميا ، وذلك ضمانا لسلامة تطبيق القاعدة القانونية .
ويجب أن يكون الفصل في مسألة الدستورية التي تقرر محكمة الموضوع إحالتها إلى المحكمة الدستورية منتجاً في الدعوى المنظورة أمامها ، أي أن يكون القانون المطعون في دستوريته متصل بموضوع النزاع ، فلا يجوز أن تكون الإحالة من محكمة الموضوع سبيلا لنظر مدى دستوريته نص لا يطبق في الدعوى الموضوعية أولا تتحقق مصلحة للخصوم من القضاء بعدم دستوريته .
حيث إن إسناد الرقابة الدستورية إلى المحكمة الدستورية العليا لا يهدف الى الفصل في خصومة قضائية تكون فيها المصلحة نظرية صرفة كتلك التي تكون هدفها تقرير حكم الدستور مجردا في موضوع معين لأغراض أكاديمية أو أيديولوجية ، أو كنوع من التغيير في الفراغ عن وجهة نظر شخصية ، أو لتوكيد سيادة القانون في مواجهة صور من الإخلال بمضمونه لا صلة للطاعن بها ، وانما يكون إسناد الرقابة من خلال الترضية التي تقضيها أحكام الدستور عند وقوع عدوان على الحقوق التي كفلها ، ومن ثم تكون هذه الرقابة لمواجهة أضرار واقعية بغية ردها وتصفية آثارها القانونية (1)

3- تعرض المحكمة الدستورية العليا لمسألة الدستورية من تلقاء نفسها :-

أعطى المشروع المصري المحكمة الدستورية العليا من خلال قانونها الحق في أن تتعرض للنظر في دستورية أي نص قانوني من تلقاء نفسها أي دون الحاجة إلى إقامة دعوى من أحد الخصوم بعد دفع من أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام إحدى المحاكم ، ودون حاجة أيضا إلى إحالة مسألة الدستورية من إحدى المحاكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د- إبراهيم عبد العزيز شيخا – النظم الدستورية والقانون الدستوري 2000- صــ770 وما بعدها

ولا شك أن إعطاء المحكمة الدستورية العليا هذا الحق أمر منطقي حيث أنه اذا كان قانون هذه المحكمة سمح لجميع هذه المحاكم حق الإحالة فانه من أولى الاعتراف بذلك الحق للمحكمة الدستورية العليا وإذا كان قانون هذه المحكمة أعطى حق ممارسة الرقابة الدستورية ، إلا أنه وضع ضوابط يجب مراعاتها من قبل المحكمة الدستورية العليا عند التصدي لبحث مسألة الدستورية وهي:-

1. أن يكون نص القانون قد عرض للمحكمة بمناسبة ممارستها لاختصاصاتها ، ولذلك يكون للمحكمة إذا تبين إذا تبنى لها مخالفة نص في قانون لأحكام الدستور أن تتعرض لمسألة الدستورية من تلقاء نفسها ودون حاجة إلى أن يطلب منها الخصوم .

2. أن يتصل نص القانون الذي تتعرض له المحكمة ببحث دستوريه بالنزاع المطروح عليها وهي تباشر أي من الاختصاصات التي خولها الدستور أو قانون المحكمة الدستورية العليا ولذلك فإنها لا تستطيع أن تتعرض لدستورية نص قانوني لا يتصل بالموضوع الذي تنظره المحكمة ، فهذه الأخيرة ليست سلطة مراجعة كافة النصوص القانونية .

3. أن لا تتعرض المحكمة لموضوع دستورية النص إلا بعد اتباع الإجراءات المقررة للدعاوى الدستورية المنصوص عليها في قانون المحكمة الدستورية العليا .(1)

ثالثاً : أثر حكم المحكمة الدستورية العليا :
تتميز الاحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا بالاهمية البالغة وذلك لما يترتب عليه من أثر بالغ الاهمية من حماية مبدأ الشرعية الدستورية في الدولة وفي المحافظة على خصائص القواعد القانونية العامة والمجردة والتي يثبت دستوريتها ، ولذلك فان الاحكام الصادرة منها تعتبر أحكام نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن فالاحكام التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا تمثل احكام كل من محكمتي أول آخر درجة في مجال اختصاصها في ان واحد .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د- إبراهيم درويش – القانون الدستوري النظرية العامة والرقابة الدستورية – 2004م صـ 272

نظراً لأهمية الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا لذلك فإن قانون هذه المحكمة جاء مرتباً على صدور هذا الحكم الحجية المطلقة بحيث يكون هذا الحكم عنواناً للحقيقة وبالتالي لايمكن الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن ، وبالتالي فإن القانون المطعون بعدم دستوريته يعتبر كأن لم يكن فالحكم الصادر يكون ذو حجية عامة ومطلقة ، يؤدي الى انهاء النزاع حول دستورية القانون بصفة نهائية ، وبالتالي لايسمح في المستقبل بإثارة هذه المشكلة من جديد (1)

ولذلك فان الاحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا في هذا الشأن ملزمة بجيمع المحاكم المصرية ، سواء في ذلك المحاكم العادية او المحاكم الادارية ، وكما تعد ملزمة أيضاً للسلطة التشريعية ، بحيث يجب عليها القيام بالغاء النص القانوني الذي قضى بعدم دستوريته أو تقوم بتعديله بحيث يكون متناسباً مع الحكم الصادر .
كما تعد ملزمة للسلطة التنفيذية ، بحيث يجب عليها عدم تطبيق نص القانون الذي قضى بعدم دستوريته ومراعاة ذلك الحكم الصادر عند قيامها بإصدار اللوائح ، وبالاضافة الى ذلك فإن الحكم الصادر يكون ملزماً لجميع الافراد والهيئات في الدولة ، فهم ملزمون قانوناً بعدم التعامل وفقاً للنص المحكوم بعدم دستوريته ، سواء أكانوا خصوماً في الدعوى الدستورية ام لا .

وحسناً فعل المشرع المصري باخذه بالمركزية في الرقابة على دستورية القوانين ،، حيث ان أناط هذا الاختصاص بمحكمة واحدة فقط في مصر تكون هي الفيصل في تقرير دستورية القانون من عدمه ، وهذا إدراكاً منه بخطورة الدور الذي تقوم به هذه المحكمة ، وذلك بعكس ماكان يجري عليه في السابق حيث كان العرف القضائي في مصر يعطي هذا الاختصاص لجميع المحاكم

ولهذا فان الاحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص في قانون لها حجية مطلقة ، تحسم الخصومة بشأن عدم الدستورية حسماً قاطعاً مانعاً من نظر أي طعن يثور من جديد بشأنها ، مما يوجب على المحكمة الدستورية أن تحكم بعدم قبول الدعوى المطعون فيها على نص تشريعي سبق ان قضت بعدم دستوريته . (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. مصطفى محمود عفيفي ــ رقابة الدستورية في مصر والدول الاجنبية ــ دراسة تحليلية مقانة لأنظمة الرقابة في الدساتير المعاصرة ـ الطبعة الاولى ــ مكتبة سعيد رأفت ــ جامعة عين شمس
(2) د. رمزي الشاعر – القضاء الدستوري في مملكة البحرين ــ دراسة مقارنة ــ2003م ــ 185 وما بعدها .

ويعتبر الحكم الذي يصدر من المحكمة الدستورية برفض الدعوى الدستورية ، حكم برفض الدعوى المطعون فيها بعدم دستورية نص تشريعي بالتالي فإن هذا الحكم لايصدر إلا من المحكمة الدستورية العليا ذاتها ، فلا تختص به إية محكمة في السلم القضائي بما في ذلك محكمة النقض ، وهذا امر طبيعي يتفق مع عدم اختصاص هذا القضاء بالدعاوى الدستورية في اطار مانص عليه الدستور وقانون المحكمة الدستورية العليا .

ولذلك فإن الحكم برفض الدعوى الدستورية المطعون فيها بعدم دستورية هذا القانون هو الوجه الآخر للقضاء بعدم دستورية هذا القانون ، حيث إن المحكمة الدستورية العليا قد تقضي فيما يرفع أمامها من دعاوى فحص الدستورية ، بعدم دستورية النص المطعون فيه اذا تبين لها انه مخالف للدستور ، وكذلك قد تقضي برفض الدعوى الدستورية بعد ان يتضح لها أن النص المطعون فيه ، يخالف أحكام الدستور التي استندت إليها صحيفة الطعن كما انه لايخالف أي نص دستوري آخر .

المطلب الأول
تشكيل الدائرة الدستورية واختصاصاتها

المطلب الثاني
تنظيم الرقابة على دستورية القوانين في دولة الإمارات

أولاً :أحوال الطعن بعدم دستورية القوانين
ثانياً :طرق الطعن على دستورية القوانين
ثالثاً :اثر الحكم في الطعن بعدم دستورية القوانين .

الرقابة في دولة الإمارات العربية المتحدة

صدر دستور دولة الامارات العربية المتحدة في 18 يوليو عام1971م ، وقد نص هذا الدستور بين نصوصه إنشاء المحكمة الاتحادية العليا كهيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها .
وأعطى الدستور الاماراتي حق الرقابة على دستورية القوانين للمحكمة الاتحادية العليا ، وذلك باعتبارها الجهة التي تسهر على ضمان سيادة الدستور الاتحادي .

وأوضح الدستور الاماراتي الاختصاصات المختلفه لهذه المحكمة ، سواء في ذلك فيما يتعلق بدورها كمحكمة تنازع او كمحكمة دستورية او كمحكمة ذات اختصاصات تأديبي وجنائي (1)
وقد اوضح الدستور وقانون انشاء المحكمة الاتحادية العليا تشكل المحكمة واختصاصاتها وأصول الطعن وطرق الطعن واثر الحكم الصادر من المحكمة ولذلك سوف استعرض ذلك على النحو الآتي :

المطلب الاول : تشكيل الدائرة الدستورية واختصاصاتها

نص الدستور الإماراتي على بعض من المبادئ الخاصة بتشكييل المحكمة الاتحادية العليا ، وترك لقانون المحكمة تفصيل الشروط الواجب توافرها في أعضائها وحقوقهم وحصانتهم .
وقد نص الدستور على ان 0 تشكل المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وعدد من القضاة لا يزيدون جميعاً على خمسة يعينون بمرسوم يصدره رئيس الاتحاد بعد مصادقة المجلس الأعلى عليه ، ويحدد والقانون عدد دوائر المحكمة ونظامها وإجراءاتها وشروط الخدمة والتقاعد لأعضائها والشروط والمؤهلات الواجب توافرها فيهم )

ومن خلال ذلك يتضح بان الدستور الإماراتي أحد بفكرة مركزية الرقابة ، ويتجلى ذلك في انه عهد بالرقابة على دستورية القوانين الاتحادية والمحلية الى المحكمة الاتحادية العليا وحدها دون سائر الجهات القضائية الاخرى باعتبار أنها تمثل قمة الجهاز القضائي في الدولة وتنفيذا لما جاء في المادة 96 من الدستور جاء قانون انشاء المحكمة الاتحادية العليا الصادر عام 1973 والمعدل بالقانون الاتحادي رقم 4 لعام 1984 متضمناً المبادئ التي تحكم تشكل المحكمة الاتحادية العليا من رئيس و أربعة قضاة ، ويجوز ان يعين بها قضاة مناوبون لايزيد عددهم على ثلاثة لتكملة نصاب المحمة عند الاقتضاء ، على ان لا يجلس منهم أكثر من واحد في اية دائرة ممن دوائر المحكمة ، ولايكون لأي منهم ؤئاسة الدائرة ، على ان يسري عليهم ما يسري على قضاة المحكمة العليا من قواعد فيما لم يرد بشأنه نص خاص .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. رمزي الشاعر ــ مرجع سابق ــ ص208

ولقد اشترط القانون شروطا خاصة يجب توافرها في أعضاء المحكمة فتطلب أان يكون قاضي المحكمة العليا من مواطني دولة الامارات وكامل الاهلية المدنية ن واجاز أن يعين القاضي من رعيا الدول العربية ممن تتوافر فيه باقي الشروط القانونية .

عن طريق الاعارة من الحكومات التابعين لها أو بمقتضى عقود استخدام لمدد محدوده قابلة للتجديد ، وتطلب ايضاً ألا يقل سنة عن خمس وثلاثين سنة ميلادية ، وأن يكون حاصلاً على مؤهلاً في الشريعة أو القانون من احدى الجامعات المعترف بها ، وأن يكون قد سبق له العمل في الاعمال اقضائية مدة لاتقل عن خمسة عشر سنة أو ممايقابلها في وظائق النيابة او في دوائر الفتوى والتشريع او تدريس القانون او الشريعة في الجامعات او المعاهد المعترف بها .

ومن هنا يتضح ان المشرع قد تطلب عدداً محدداً في تشكيل المحكمة سواء بالنسبة للاعضاء الاصليين او الاعضاء المناوبين ، ولذلك ازال التخوف الذي يمكن ان ينشأ عن عدم تحديد اعضاء المحكمة تحديداً دقيقاً ، وبالتالي تمكين السلطة السياسية من تعيين اعضاء جدد في المحكمة كلما رأت ان ذلك في مصلحتها والتأثير بذلك على استقلال المحكمة (1)

اختصاصات المحكمة الدستورية العليا :-

نصت المادة 99 من الدستور والمادة 33 من قانون المحكمة الاتحادية العليا على اختصاصات المحكمة الاتحادية وهي :-

1- بحث دستورية القوانين الاتحادية اذا ماطعن فيها من قبل امارة أو أكثر لمخالتها لدستور الاتحاد .
2- بحث دستورية التشريعات الصادرة من احدى الامارات ، اذا ماطعن فيها من قبل احدى السلطات الاتحادية لمخالفتها لدستور الاتحاد او للقوانين الاتحادية .
3- بحث دستورية القوانين والتشريعات واللوائح عموماً ن اذا ما احيل اليها هذا الطلب من اية محكمة من محاكم الاتحاد او الامارات الاعضاء أثناء دعوى منظورة امامها .
ومن خلال ماسبق يتضح بأن المحكمة الاتحادية العليا هي المختصه وحدها بهذه الرقابة ن اذا مما طلب منها عن طريق امارة او اكثر من امارات الاتحاد او السلطات الاتحادية ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د . رمزي الشاعر – مرجع سابق ص149 وما بعدها

أو اذا تراى لإحدى الدعاوى عدم دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع فتحيل الاوراق الى المحكمة الدستورية ، او اذا ما دفع امام احدى المحاكم بعدم دستورية نص في قانون .
ويقصد بالقانون الذي يطعن بعدم دستوريته امام المحكمة الاتحادية العليا هو مايصدر عن السلطة التشريعية طبقاً للإجراءات الخاصة التي ينص عليها الدستور ، سواء كان ذلك صادراً عن السطات الاتحادية او عن احدى الامارات ، ولذلك لايقصد بالقانون مطلق القواعد التنظيمية الاخرى الصادرة عن السلطة التشريعية ، سواء كانت مراسيم صادرة عن رئيس الاتحاد او كانت قرارات لها قوة القانون .

المطلب الثاني : تنظيم الرقابة على دستورية القوانين

أولاً: أحوال الطعن بعدم دستورية القوانين طبقاً لما جاء في الدستور المادة 99، وقانون المحكمة الاتحادية العليا فان اصحاب الحق في الطعن بعدم الدستورية هم :-
1- الامارات الاعضاء في الاتحاد .
2- السلطات الاتحادية .
3- الأفراد.

(1) حق الإمارات الأعضاء في الطعن بعدم الدستور أعطى الدستور للإمارات الاعضاء حق الطعن ، بعدم دستورية القوانين الاتحادية ، وذلك لاحتمال ، احتمال تجاوز من قبل السلطة التشريعية لأختصاصات .

وهنا يثور تساؤل وهو هل حق الطعن بعدم الدستورية مقتصراً على القوانين الاتحادية فقط ام انه يشمل اللوائح الاتحادية أيضاً .
اجابة هذا التساؤل نلاحظها من خلال المادة (99) من الدستور والمادة (33) من قانون انشاء المحكمة ( العليا ، حيث نصتا على اجازة الطعن في القوانين الاتحادية ، وهذا مايوحي الفهم من خلال ذلك أن المشروع قصر حق الامارات في الطعن بعدم الدستورية على القوانين الاتحادية فقط دون اللوائح الاتحادية .
ومن هنا نجد ان تفسير ذلك كان بابا للاختلاف بين فقهاء القانون ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ذهب استناداً الدكتور محمد كامل عبيد الى ( فيما نعتقد لم يكن قصد المشرع ، فقصر النص على الطعن بعدم الدستورية في اللوائح الاتحادية اذا كانت مخالفة للدستور أو حتى اذا كانت مخالفة للقوانين الاتحادية ذاتها . ذلك لان البناء القانوني للدولة الاتحادية يحتم هذا الاعتقاد ، اذا لابد وان تكون كافة التشريعات التي تصدر داخل دولة الاتحاد او في الامارات الاعضاء متسقة ومتجانسة ، بدءاً من الدستور الاتحادي وانتهاء باللوائح او القرارات التنظيمية التي تصدر عن السلطات المحلية بالامارات .

فيما نجد ان هناك رأياً أخر لذلك ومن اصحاب هذا الرأي الاستاذ الدكتور رمزي الشاعر حيث ذهب الى ( ان السلطات الاتحادية فيمما عدا القضاء الاتحادي ، لا تملك الطعن في دستورية القوانين الاتحادية لاتملك الطعن في دستورية القوانين الاتحادية اذا رأت أنها مخالفة للدستور ، اذ يقتصر حقها على الطعن في التشريعات الصادرة من احدى الامارات اذا كانت مخالفة للدستور أو القوانين الاتحادية ).
ولذلك فان الرأي الاول أخذ بالتفسير الواسع لعبارة ( القوانين الاتحادية ) التي وردت في المادة 99 من الدستور والمادة 33 من قانون انشاء المحكمة العليا بحيث تشمل القوانين العادية وهي التي تصدر عن السلطة التشريعية ، وكذلك تشمل القوانين الفرعية أي اللوائح بمختلف انواعها .
واما عن السلطة المختصه في الامارات بالطعن بعدم الدستورية فإنه وحسب ما جاء في المادة (99) من الدستور والمادة 33 من قانون انشاء المحكمة الاتحادية العليا فمحاكم الامارة هو الذي يملك مباشرة هذا الحق باعتباره ممثلاُ لارادة شعب امارته ، وكذلك فانه يجوز القضاء المحل في الامارة مباشرة هذا الحق بصدد دعوى منظور امامه ، سواء من تلقاء نفسه أو بناء على دفع من احدى الخصوم .
2- حق السلطات الاتحادية في للطعن بعدم الدستورية : –
حدد الدستور الاماراتي على سببيل الحصر الاتحادية وهي :
1- المجلس الاعلى للاتحاد .
2- رئيس الاتحاد ونائبة .
3- مجلس وزراء الاتحاد .
4- المجلس الوطني الاتحادي .
5- القضاء الاتحادي .

وقد أجاز الدستور للسلطات الاتحادية الطعن في دستورية التشريعات الصادرة عن احدى الامارات الاعضاء لمخالفتها للدستور الاتحادي او للقوانين الاتحادية ن حيث انه يجوز لكل سلطة من هذه السلطات الطعن بعدم الدستورية .

إلا ان هناك بعض من الفقه ذهب الى ان المجلس الوطني الاتحادي يستطيع تخطي التشريعات المحلية المخالفة للدستور واسقاطها من الاعتبار ، وذلك عند النظر في القوانين الاتحادية ، ويستطيع النص في القوانين الاتحادية على ما يلغي التشريعات المحلية المخلفة دون الحاجة . الى طعن في هذه التشريعات بعدم الدستورية ، وعندما يكون الخلاف يعرض الامر على المحكمة الاتحادية العليا .
وذهب بعض الفقه الى ان من حق المجلس الوطني الاتحادي رفع الدعوى مباشرة اما المحكمة الاتحادية العليا للطعن في دستورية التشريعات المحلية عند مخالفتها للدستور او القوانين الاتحادية ، إلا ان هذا لا يعني ان حق كل عضو من اعضاء المجلس برفع الدعوى وانما هذا الحق مقرر للمجلس ككل فيتم الطعن باسم المجلس وبناء على قرار يصدره في هذا الشأن .
ويملك القضاء الاتحادي أيضاً الطعن بعدم دستورية القوانين الاتحادية والتشريعات المحلية واللوائح عموماً لمخالفتها أحكام الدستور .
ويملك القضاء المحلي في الامارات هذا الحق ايضاً حيث اجاز الدستور وقانون انشاء المحكمة الاتحادية العليا في اية محكمة من محاكم الاتحاد او الامارات الاعضاء إحالة طلب بحث دستورية القوانين والتشريعات واللوائح عموماً اثناء دعوى منظورة امامها إلى المحكمة الاتحادية اللعليا ويتم ذلك بناء على دفع مقدم من احد الخصوم في دعوى منظورة امامها وإما من تلقاء نفسها اذا توافرت لديها أسباب جدية تحملها على الشك في بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه على المنازعة المطروحه امامه .
3- حق الافراد في الطعن بعدم الدستورية .

يحق للأفراد الطعن بعدم دستورية القوانين واللوائح اتحادية كانت او محلية حيث ان حق الأفراد يقتصر على الدفع الفرعي أثناء نظر دعوى معروضة على القضاء أي انه يوجد نص قانوني يراد تطبيقه مشكوك في دستوريته وبالتالي فانه لا يحق للأفراد اللجوء للمحكمة الاتحادية العليا بطريق الدعوى الأصلية للطعن في دستورية القوانين او اللوائح وهذا يتجلى من خلال ماجاء به الدستور المادة (99) وقانون إنشاء المحكمة العليا .(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. محمد كامل عبيد – مرجع سابق ص509 ومابعدها .

ثانياً: طرق الطعن على دستورية القوانين .

ان الطعن بعدم دستورية القوانين له اسلوبان :
– : اسلوب الدعوى الاصلية ، وهو اسلوب هجومي يسمح بمهاجمة القانون دون انتظار وقوع الضرر نتيجة لتطبيقه .
– : اسلوب الدفع الفرعي ، وهو اسلوب دفاعي يرمي الى منع تطبيق القانون المخالف للدستور على الدعوى المعروضه أمام المحكمة .

وقد اوضح الدستور الاماراتي ان الطعن بعدم الدستورية يمكن ان يتم بأي من هذين الاسلوبين أي بأسلوب الدعوى الاصلية و اسلوب الدفع الفرعي .

1- طريق الدعوى الاصلية : 
تتمثل هذه الطريقة عندما يلجا صاحب المصلحة بدعوى مباشره الى المحكمة المختصه بفحص الدستورية ليطعن امامها في تشريع يعتقد انه مخالف للدستور وهو اسلوب اسلوب يتيميز بطابع الهجوم على القانون حيث لاينتظر حتى يطبق بل يكفي ان يكون قابلاً للتطبيق .
وقد اوضح الدستور وقانون المحكمة الاتحادية العليا على امكانية تقديم الطعن على امكانية تقديم الطعن بعدم الدستورية من قبل امارة او اكثر بالنسبة للقوانين الاتحادية المخالفة للدستور ، كما يمكن ان يقدم الطعن من السلطات الاتحادية في دستورية التشريعات الصادرة من احدى الامارات ولذلك فان السلطات الاتحادية فيما عدا القضاء الاتحادي لاتملك الطعن في دستورية القوانين الاتحادية اذا رات انها مخالفة للدستور اذ يقتصر حقها على الطعن في التشريعات الصادرة من احدى الإمارات اذا كانت مخالفة للدستور او القوانين الاتحادية .
كما ان الإمارات لا يحق لها الطعن في دستورية التشريعات الصادرة منها لمخالفتها لدستور الاتحاد او للقوانين الاتحاديةة اذ يقتصر اختصاصها على الطعن في القوانين الاتحادية اذا خالفت الدستور ولذلك فاذا كان الطاعن سلطة عامة اتحادية او محلية فيحق له اقامة الدعوى الاصلية امام المحكمة العيا مباشرة وذلك بعريضة تشتمل على موضوع الدعوى والنصوص القانونية محل المنازعة وأوجه مخالفتها وكذلك الأسانيد والمستندات الدالة على ذلك .(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) د. عثمان عبد الملك الصالح – الرقابة القضائية امام المحكمة الدستورية في الكويت – الطبعة الاولى 1986م إصدار مجلة الحقوق – كلية الحقوق – جامعة الكويت ص47.

2- – طريق الدفع من الافراد تتمثل هذه الصورة في انه عندما تجد احدى المحاكم نفسها أثناء نظر قضية معينة مضطرة للتعرض لنقطة قانونية تتعلق بالدستور أو تفسيره ، اما من تلقاء نفسها أو نتيجة لدفع أحد الافراد امامها بعدم دستورية القانون أو اللائحة المراد تطبيقها على النزاع ، فإذا ماقدرت المحكمة جدية هذا الدفع تعين عليها في هذه الحالة ان توقف الدعوى المنظورة امامها ، وتحدد ميعاً للخصوم لرفع الدعوى بذلك امام المحكمة العليا فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد اعتبر الدفع كان لم يكن .
و الدفع بعدم الدستورية يعتبر كأن لم يكن اذا لم ترفع الدعوى به امام المحكمة العليا في الميعاد الذي حددته محكمة الموضوع ويحق لهذا المحكمة ان تمضي في نظر الدعوى بعد ذلك دون الالتفات إليه كما انه اذا رفعت الدعوى امام المحكمة الاتحادية العليا بعد الميعاد المبين في الحكم الصادر في محكمة الموضوع وجب على المحكمة الاتحادية العليا ان تحكم بعدم قبول الدعوى وذلك لعدم توافر محل الشروط الشكلية المتطلبة لقبول الدعوى وهو شرط الميعاد .

2- طريق الاحالة من محكمة الموضوع :

وسع قانون المحكمة الاتحادية العليا من نطاق تحريك الدعوى امامها حيث انه اعطى لقاضي الموضوع في الالتجاء من تلقاء نفسه الى المحكمة الاتحادية العليا في الفصل في دستورية نص قانوني لازم للفصل في دعوى منظورة امامها .
ولاشك ان هذا الطريق يؤدي الى التطبيق الصحيح لنصوص الدستور واقرار المشروعية الدستورية بغض النظر عن مصالح الخصوم الذين قد لايجديهم تقرير عدم الدستورية في بعض الحالات .(1)

ثالثاً: اثر الحكم في الطعن بعدم دستورية القوانين .

اعطى الدستور الاماراتي المحكمة الاتحادية العليا سلطة الحكم بدستورية وعدم دستورية القانون دون ان يقرر لهاا الحق في إلغاء أي منهما كما انه قرر لهذا الاحكام حجية مطلقة .
حيث ان سلطة المحكمة الاتحادية العليا تقتصر على الحكم بدستورية النص المطعون فيه او عدم دستوريته دون ان تمتند الى الحك بإلغاءه ، حيث لم يخول الدستور وقانون المحكمة الاتحادية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. رمزي الشاعر – مرجع سابق ص232 وما بعدها .

لهذه المحكمة سلطة الغاء ، حيث ان القانون المقضي بعدم دستوريته يضل موجوداً من الناحية القانونية وذلك حتى تتخذ السلطات المختصه الاجراءات اللازمة لإلغاءه او تصحيحه وإزالة مابه من مخالفة دستورية .ولذلك فان الدستور الاماراتي جعل حق الغاء النص من اختصاص السلطة المعنية في الاتحاد او في الامارات بحسب الاحوال ولم يجعله من اختصاص المحكمة العليا ، وحسناً فعل المشرع الدستوري عندما قصر حق الالغاء حيث ان في ذلك تاكيداً لمبدأ الفصل بين السلطات وعدم تعدي سلطة على اختصاصات سلطة اخرى .
ولكن هذا لايعني ان النص المقضي بعدم دستوريته يضل نافذاً او مطبقاً الى ان تلغية السلطات المختصه او تتخذ اجراءات تصحيحه حيث ان النص في هذه الحالة رغم بقائه يكون مجردا من كل قيمة او اثر قانوني لان الحكم بعدم الدستورية قد سلبه كل آثاره وجرده من قوته الملزمة فأصبح غير قابل للتطبيق .
ويعتبر الحكم الصادر بعدم الدستورية ذو حجية مطلقه حيث ان الدستور الإماراتي أوضح بان للاحكام الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا حجية مطلقة مما يؤدي الى تصفية النزاع حول دستورية النص مرة واحدة وبصفة نهائية وبالتالي لايسمح للمستقل لإثارة هذه المسألة من جديد بصدد الحالات التي يمكن ان يحكمها هذا النص وهذا يساعد على تحقيق الرقابة بشكل فعال حيث يمنع اختلاف الاحكام في اقضية مختلفه حول دستورية القوانين وهذا يتماشى مع ما ذهب اليه الدستور الاماراتي من جعل الرقابة على دستورية القوانين رقابة مركزية حيث قصر الاختصاص في الفصل في دستورية القوانين بمحكمة واحدة فقط .
عندما يصدر الحكم من المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية نص قانوني فان الالتزام بذلك الحكم لايقع على عاتق المحكمة التي احالة البحث في دستورية ذلك النص وانما تلتزم به جميع المحاكم فتمتنع عن تطبيق ذلك النص في أي دعوى تعرض عليها .(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. رمزي الشاعر – مرجع سابق ص 234 ومابعدها .

الخاتمة

أهم النتائج التي توصلنا اليها هي :
1- هناك طريقتين للرقابة على دستورية القوانين وهي الرقابة السياسية ( السابقة ) والرقابة القضائية ( الاحقة ) واذا كان قد ثبت نظرياً وعملياً الدور الفعال الذي تقوم به الرقابة القضائية في حماية الدستور فإنه يجب عدم إلاغفال عن الدور الذي يمكن ان تلعبه الرقابة السياسية وذلك بتفعيل دور البرلمان في الدولة عندما يتم عرض مشروع قانون عليه .
2- لاشك ان انشاء محكمة دستورية تعنى بالرقابة على دستورية القوانين يعتبر من حيث المبدأ كسباً يستحق التقدير لان في وجود هذه المحكمة يعتبر ضماناً للحقوق والحريات العامة التي جاء بها الدستور
3- ان الاخذ بمركزية الرقابة بحيث تعنى محكمة واحدة بالفصل بدستورية القوانين افضل من نظام اللامركزية في الرقابة لانه يتجنب ماقد يترتب على نظام اللامركزية من اشاعة القلق وعدم الاستقرار في المعاملات والمراكز القانونية حيث تتضارب احكام المحاكم في دستورية او عدم دستورية قانون بعينية هذا بالاضافة الى ان جزاء الالغاء المرتبط بمركزية الرقابة يرفع الاشكالات التي قد تترتب على مجرد امتناع المحكمة من تطبيق قانون معين في قضية معروضه عليها مع بقائه رغم ذلك قائماً في ماعداها ومنتجاً لجميع اثار نفاذه .
4- نظراً لما تمثله الاحكام الصادرة من المحكمة المختصه بالرقابة على دستورية القوانين لذلك من الاوفق زيادة عدد اعضاء الذين تشكل منهم المحكمة وذلك حتى تصدر الاحكام الخاصة بدستورية القوانين بأغلبية تتفق مع اهمية الحكم بعدم دستورية القوانين .
فهرس المرجع

1- د. ابراهيم درويش – القانون الدستوري النظرية العامة والرقابة الدستورية – 2004م – دار النهضة العربية – القاهرة .
2- د. ابراهيم عبدالعزيز شيحا – النظام السياسي والقانون الدستوري – تحليل النظام الدستوري المصري – دار المعارف الاسكندرية – 2000م.
3- د. ابراهيم محمد حسنين- الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الفقة والقضاء – دار النهضة العربية – القاهرة –2000م
4- د. رمزي الشاعر – القضاء الدستوري المصري في مملكة البحرين – دراسة مقارنة – 2003م – الناشر الدولي .
5- د. رمزي الشاعر – رقابة دستورية القوانين ( دراسة مقارنة ) – دراسة تحليلية للقضاء الدستوري في مصر – 2004م – دار التيسير – القاهرة.
6- د. رمزي الشاعر – النظام الدستوري المصري – تطور الانظمة الدستورية المصرية – وتحليل النظام الدستوري المصري في ظل دستور 1971م- 1998م – دار التيسير – القاهرة .
7- د. عثمان عبد الملك الصالح – الرقابة القضائية أمام المحكمة الدستورية في الكويت 1986- دراسة تحليلية نقدية مقارنة – الطبعة الاولى – اصدار مجلة الحقوق – جامعة الكويت .
8- المستشار / عز الدين الدناصوري والدكتور عبدالحميد الشواربي – الدعوى الدستورية – 2002م – دار المعارف – الاسكندرية .
9- د. محمد المجذوب – القانون الدستوري والنظام السياسي في لبنان – الطبعة الرابعة –منشورات الحلبي الحقوقية – لبيروت /لبنان- 2002.
10-د. محمد رفعت عبدالوهاب و د. ابراهيم عبدالعزيز شيحا- النظم السياسية والقانون الدستوري – 1988م – دار المطبوعات الجامعية – الاسكندرية .
11-د. محمد فؤاد عبدالباسط – ولاية المحكمة الدستورية العليا في المسائل الدستورية – دار المعارف الاسكندرية – 2002م .
12-د. محمد كامل عبيد – نظم الحكم ودستور الامارات دراسة تحليلية مقارنة لدستور الامارات –2002- أكاديمية شرطة دبي .
13- د.محمد كامل عبيد – مبدأ المشروعية – أكاديمية شرطة دبي -2004م .
14-د. سليمان محمد الطماوي – النظرية العامة – للقرارات الإدارية – دراسة مقارنة – الطبعة السادسة – 1991- جامعة عين شمس .
15-د . رمزي الشاعر

(محاماة نت)
إغلاق