دراسات قانونية
الزواج غير الصحيح و آثاره (بحث قانوني)
دراسة وبحث قانوني هام عن الزواج غير الصحيح و آثاره
من إعداد الطلبة:
– مريم الحاسي – بدر الهنجل
مقدمة :
أبدت جل التشريعات سواء السماوية منها أو الوضعية اهتماما بالغا بالزواج، ولعل هذا يرجع بالأساس إلى كون هذا الأخير يعتبر من الموضوعات العملية التي لا يستغني عنها الإنسان هذا بالإضافة إلى كون الزواج يعتبر ضرورة اجتماعية يتوقف عليها النوع وخلود واستمرار الحياة .
والزواج يجد سنده الشرعي في كتاب الله من خلال عدة أيات كقوله تعالى في الآية 18 من سورة الطور حيث جاء فيها ” وزوجناهم بحور عين” وأيضا قوله في الآية السابعة من سورة التكوير :” إذا النفوس زوجت ” وهكذا نجد أن الله تعالى قد أحاط الزواج بهالة من القدسية لصيانته وحفظه من العبث والفساد .
ويمكن القول أن الزواج يعتبر مؤسسة قانونية تنشا بموجب عقد تؤطره النصوص القانوينة التي تجد سندها أساسا في كتاب الله وسنة رسوله وفي تقريرات فقهاء الشريعة الإسلامية هاته المؤسسة التي تنشأ بموجب عقد يتطلب شروطا وأركانا فإذا وجدت هذه الشروط والأركان اعتبر العقد صحيحا منشأ لما ينتج عنه عادة من آثار أما ان اختل في هذا العقد ركن من أركانه أو شرط من شروطه اعتبر عقد الزواج غير صحيح وهو ما نص عليه المشرع المغربي في مدونة الأسرة بعد أن قسم الزواج الغير الصحيح إلى زواج باطل وزواج فاسد.
وكان المشرع المغربي في ظل مدونة الأحوال الشخصية قد ميز بين الزواج الفاسد لصداقه والزواج الفاسد لعقده هذا الأخير الذي قسمه إلى زواج مجمع على فساده وزواج مختلف في فساده وهو بذلك قد ساير الفقه المالكي الذي إلى جانب جمهور الفقهاء لا يميز بين عقد الزواج الباطل والفاسد واعتبر ان الزواج غير الصحيح يكون باختلال ركن من أركان العقد أو شرط من شروطه وفي كلتا الحالتين يكون العقد غير صحيح وفي المقابل نجد الفقه الحنفي الذي يميز بين العقد الفاسد والعقد الباطل .
وعليه وانطلاقا مما سبق سنحاول التركيز على التقسيم الذي تبناه الفقه الحنفي خصوصا وأن المشرع المغربي هو الآخر قد ساير ما تبناه الفقه الحنفي وخالف ما ذهب إليه الفقه المالكي بهذا الخصوص.
وفي محاولة لدراسة هذا الموضوع وأيضا للإجابة على تلك الإشكالات والتساؤلات التي تتعلق خصوصا بحالات العقد الباطل والفاسد؟ وأيضا الاثار التي تنتج عن كل من هذين العقدين؟ فإنه سيتم تخصيص المبحث الأول للزواج الباطل على أن نخصص المبحث الثاني للزواج الفاسد .
المبحث الأول: الزواج الباطل وأثاره
بعد أن تم تغيير مدونة الأحوال الشخصية بالمدونة الجديدة، وانطلاقا مما جاء في هاته الأخيرة يظهر أن المشرع المغربي تبنى ما ذهب إليه الفقه حيث فرق الزواج الغير الصحيح إلى زواج فاسد وآخر باطل ، وهو عكس ما كان سائدا في الفقه المالكي الذي تبنى مصطلح الزواج المجمع على فساده وهو ما كانت مدونة الأحوال الشخصية قد تبنته.
وعليه سيتم التطرق في هذا المبحث لمفهوم الزواج الباطل وحالاته في (المطلب الاول) على أن نخصص (المطلب الثاني) للأثار هذا الزواج
المطلب الأول: مفهوم الزواج الباطل وحالاته
الفقرة الأولى: مفهوم الزواج الباطل
يمكن القول ان الزواج الباطل هو ذلك العقد الذي اختل فيه أمر أساسي وفقد شرطا من شروط الانعقاد كزواج فاقد الأهلية إذا باشر العقد بنفسه، وتزوج الرجل بمن هي محرمة عليه تحريما لا يشتبه الأمر فيه على الناس وهو يعلم هذا التحريم وكحالة التزوج بإحدى المحارم أو تزوج أمرأة الغير وتزوج المسلمة بغير المسلم.
وانطلاقا مما جاء من مقتضيات في المادة 58 من مدونة الأسرة يمكن القول أن الزواج الباطل منعدم شرعا وبالتالي لا يترتب عليه أي أثر من آثار الزواج لأن وجوده كعدمه فلا يحل به الدخول ولا يجب به مهر ولا نفقة ولا طاعة كما لا يرد عليه طلاق ولا يثبت به نسب.
هذا ويعتبر الدخول بالمرأة بناء على هذا العقد مخالطة حراما ويجب عليهما الافتراق ، فإن لم يفترقا فرق القاضي بينهما وعلى كل من يعلم بذلك الدخول أن يرجع الأمر إلى القاضي [1] وعلى القاضي هنا أن يفرق بينهما لكون هذا الدخول يعتبر زنى ومعصية كبيرة يجب رفعها.
والفقهاء هنا لم يختلفوا في كون الزواج الباطل بمثابة زنى لكن وفي المقابل كان الاختلاف في وجوب الحد به حيث ذهب كل من الإمام مالك والشافعي وابن حنبل وأبو يوسف ومحمد إلى أنه موجب لحد الزنى متى كان الفاعل عاقلا وعالما بالتحريم أما ابو حنيفة فقد اعتبر أنه لا يوجب الحد. لأن صورة العقد شبهة تكفي لأن يدرأ بها الحد، لكن ورغم ما ثبناه هذا المذهب فإنه لم يعفه من العقوبة، بل حتى أنه قال بأن يعزر فاعلها أشد أنواع التعزير لقبح فعله .
تبقى الإشارة هنا إلى الحالات التي يتم بموجبها اعتبار الزواج غير صحيح وباطل وهو ما اوضحته المادة 57[2] من مدونة الأسرة وما سيتم توضيحه في الفقرة الثانية من هذا المطلب
الفقرة الثانية : حالات الزواج الباطل
انطلاقا مما جاء في مقتضيات في المادة 57 من مدونة الاسرة المغربية يمكن القول أن بطلان عقد الزواج يكون في حالات وهي :
الحالة الأولى : إذا انعدم التطابق بين الإيجاب والقبول، وإذا اختل في الزواج أحد الأركان المنصوص عليها في المادة 10 من مدونة الأسرة، وبالرجوع إلى أحكام هاته الأخيرة ( المادة 10) يظهر أن للزواج أركان ثلاثة وهي الإيجاب الصادر من الزوج او الزوجة وقبول صادر من الطرف الآخر، بالإضافة إلى الصيغة وهي تلك الألفاظ التي تفيد معنى الزواج لغة أو عرفا مع صحة ” الإيجاب والقبول من العاجز عن النطق بالكتابة إن كان يكتب وإلا فبإشارته المفهومة من الطرف الآخر ومن الشاهدين”[3].
وباستثناء بعض الأئمة الحنفية فقد أجمع العلماء على أن الانعقاد في الزواج يجب أن يكون بكل ما يفيد التأييد كما أجمعوا على أن النكاح لا ينعقد بما يفيد التاقيت وهو ما ذهب معه المشرع المغربي وتبناه أيضا في المادة 4 من مدونة الأسرة حيث جاء فيها ” الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة “.
وحتى يعتبر عقد الزواج صحيح فإن الإيجاب والقبول يجب ان يكون متطابقين وفي مجلس واحد، فإن اختلف المجلس حكما أو حقيقة بطل عقد الزواج كأن يكون الإيجاب في مجلس والقبول في مجلس آخر دون إعادة الإيجاب الأول وكأن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد لكن يتخللهما ما يعد إعراضا عن ذلك الإيجاب.
ويقصد بالتطابق أن القبول يجب أن ينصب على كل العناصر التي يتضمنها الإيجاب كأن يفرض الخاطب شروطا وتقبلها المخطوبة او تفرض هي شروطا ويقبل الخاطب تلك الشروط ، وفي الحالة التي يغيب فيها التطابق بين القبول والإيجاب فإن العقد يكون باطلا طبقا لما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 57 من مدونة الأسرة
تبقى الإشارة هنا إلى أنه يمكن التعبير عن الإرادة من طريق النيابة طبقا لما هو مقرر في المادة 17 من مدوة الأسرة [4]
الحالة الثانية : وهي وجود مانع من موانع الزواج، فمن أسباب بطلان الزواج أيضا وجود مانع من موانع الزواج، سواء كانت هذه الموانع مؤبدة وهو ما نصت عليه المواد 36 و 37 و 38 من مدونة الأسرة، أو موانع مؤقتة وهو ما نصت عليها المادة 39
وعليه فإن تزوج رجل بامرأة محرمة عليه حرمة مؤبدة كأن تكون مثلا أخته من الرضاع أو امرأة سبق أن كانت زوجة ابنه فإن هذا الزواج يكون باطلا وبالتالي يجب فسخه وهو نفس ما يقال أيضا في الحالة التي يتزوج فيها شخص من امرأة محرمة عليه حرمة مؤقتة كأن يتزوج زوجة خامسة أو امرأة معتدة ففي كل هذه الحالات يكون الزواج باطلا ويجب فسخه إما من طرف القضاء أو من طرف الزوجين [5]
المطلب الثاني : آثار الزواج الباطل
من خلال استقراء المادة 50 من مدونة الأسرة يظهر أن الزواج الصحيح يكون متى توفرت له شروطه وأركانه وانتفت الموانع ومن تم ينتج جميع أثاره من حقوق وواجبات حسب ما رتبته الشريعة الإسلامية بين الزوجين ولابناء والأقارب.
وعليه يمكن القول أنه متى انتفت هذه الأركان والشروط اعتبر العقد باطلا أو فاسدا ، هذا وإن كان المشرع قد اعتبر في المادة 58 من مدونة الأسرة أن الزواج الباطل منعدم شرعا و بالتالي خول للمحكمة حق اثارتهتلقائيا كما خول حق إثارته لكل من له مصلحة في ذلك فإنه من الناحية الواقعية والعملية قد يترتب على هذا الزواج عدة إشكالات سواء على مستوى النسب اوالإرث أو على مستوى الصداق
الفقرة الاولى : آثار الزواج الباطل بالنسبة للصداق
أجمع الفقهاء على أن الزواج الباطل بفسخ بغير طلاق وقبل الدخول أو بعده، ولا ينتج عن هذا الفسخ أي أثر من أثار الزواج إن ثم قبل الدخول، فالمرأة هنا لا تستحق الصداق، أما إن تم الدخول بالمرأة فإنها تستحق المسمى من الصداق إن كان قد سمي لها صداق اما يخص نكاح التفويض فالمرأة لها صداق المثل هذا ويجب التمييز بين حالتين حيث نجد الحالة التي يكون فيها الرجل والمرأة حسني النية والقصد أي أنهما غير عالمين بكون عقدهما باطل كمن يتزوج أخته من رضاع دون علمهما بوجود مانع وهو ما يعبر عنه الفقهاء بالدخول مع الشبهة وفي هذه الحالة تستحق المرأة الصداق المسمى أو صداق المثل في زواج التفويض
وهناك الحالة الثانية التي يكون فيها الزوجين أو احدهما سيء النية أي أنهما تعمد الدخول وهما يعلمان أن زواجهما باطل، فهنا لا نكون أمام زواج وإنما أمام فساد وزنى.
هذا وقد نص المشرع المغربي في المادة 58 من مدونة الأسرة على أن التصريح ببطلان عقد الزواج من طرف المحكمة بعد البناء يؤدي إلى استحقاق الزوجة للصداق أما إن تم ذلك قبل البناء فإن الزوجة لا تستحق هنا الصداق
الفقرة الثانية : أثار الزواج الباطل بالنسبة للنسب
انطلاقا مما جاء في المادة 58 من مدونة الأسرة يمكن القول أن النسب يلحق في الزواج الباطل بالزوج متى كان الزوج حسن النية، وهذا الأخير يكون حسن النية متى كان جاهلا بسبب بطلان عقد الزواج، أما في الحالة التي يكون فيهما الزوجان أو أحدهما سيء القصد فإن الولد لا يلحق بالزوج لأنه ابن زنا وضابطه أن كل نكاح يترتب عليه الحد لا يلحق فيه الولد بأبيه وقد وضع الفقهاء قاعدة شرعية مفادها أنه ” لا يجتمع حد ونسب ” [6]مع وجود بعض الاسثتناءات التي تمس هده القاعدة :
هذا ويستثنى من هذه القاعدة
1-إن تزوج امرأة كان قد طلقها ثلاثا من غير أن تتزوج غيره
2-إن تزوج امرأة تحرم عليه حرمة مؤبدة
3-إن تزوج امرأة خامسة
فمتى تحقق الحمل في هذه الحالات فإنه يلحق بالزوج ولعل هذا راجع إلى محاولة حماية عرض المرأة ونسب الأولاد
تبقى الإشارة في الأخير إلى وجوب الاستبراء ويقصد به ان هان تتربص الزوجة بعد الفسخ مدة معينة ولا ترتبط فيها بزوج آخر، فالاستبراء هنا يأتي مقام العدة وهو حسب البعض من المالكية يكون بحيضة واحدة وحسب البعض الآخر يكون بثلاث .
المبحث الثاني :الزواج الفاسد وآثاره
يعتبر الزواج فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته هذا ما سنحاول تناوله من خلال هذا المبحث مفهوم الزواج الفاسد وحالاته ( مطلب أول) ثم أثار الزواج الفاسد ( مطلب ثاني )
المطلب الأول: مفهوم الزواج الفاسد وحالاته
قبل أن نعمد إلى بيان حالات الزواج الفاسد ( الفقرة الثانية) لابد أن تعطي تعريفا للزواج الفاسد ( الفقرة الاولى )
الفقرة الأولى : مفهوم الزواج الفاسد
يكون الزواج فاسدا حسب المادة 59 إذا اختل فيه شرط من شروط صحته، طبقا للمادتين 60 و 61 من مدونة الاسرة ومنه ما يفسخ قبل البناء ويصحح بعده ومنه ما يفسخ قبل البناء وبعده
والفسخ في اللغة : النقض و الرفع يقال فسخ فلان الامر ادا نقضه و رفعه،وفي الاصطلاح هو نقض عقد الزواج وإزالة الحل الذي كان يترتب عليه وسبب فسخ عقد الزواج قد يكون بسبب خلل شاب العقد وقت إنشائه وقد يكون السبب طرأ على العقد بعد تمامه [7]
فالمشرع عرف الزواج الفاسد بالزواج الذي اختلت فيه شروط صحته وقد حددها على سبيل الحصر في المادتين 60 و 61 بعده حيث اجتمعت في هاتين المادتين صور الزواج الفاسد لعقده والفاسد لصداقه وكذا الزواج المشوب بإكراه أو تدليس ليس وفي جميع الأحوال فإن المشرع قد حدد حالات الفسخ قبل الدخول وبعده .
الفقرة الثانية حالات الزواج الفاسد .
تنص المادة 59 من مدونة الأسرة على ما يلي :” يكون الزواج فاسدا إذا اختل فيه شرط من شروط صحته طبقا للمادتين 60 و 61 … ”
وطبقا لأحكام الفقه المالكي يكون الزواج إما فاسدا لصداقه وإما فاسدا لعقده وهو ما تبنته مدونة الأسرة من خلال المادتين 60 و 61 منها ، وهو نهج سبق أن تبنته مدونة الأحوال الشخصية المنسوخة “[8].
أولا : الزواج الفاسد لصداقه
يعتبر الصداق شرط صحة في عقد الزواج ولا يجوز الاتفاف على إسقاطه حسب المادة 13 من مدونة الأسرة ، والزواج الفاسد لصداقه هو ما فقد شرطا من شروط صحة الصداق كأن يكون الصداق خمرا أو خنزيرا او حشيشا أو كل شيء يحرم التعامل به بين المسلمين لأن الصداق كما هو معروف عند الفقهاء مثله مثل الثمن يشترط فيه ما يشترط في الثمن، وما صح كونه ثمنا صح كونه صداقا [9] ونصت المادة 28 من المدونة :” كل ما صح التزامه شرعا صلح أن يكون صداقا” فقد ذهب كثير من الفقهاء إلى القول بفسخ النكاح، في حين ذهب البعض الآخر إلى القول بإلغاء الشرط وتصحيح العقد بصداق المثل
وقال ابن حزم ” إن كل النكاح عقد على صداق فاسد فهو نكاح مفسوخ بدءا ” مستدلا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” رواه مسلم
وليس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاح بصداق باطل لا يحل تملكه هو فاسد مردود بنص كلامه [10]
ثانيا : الزواج الفاسد لعقده
حدد المشرع من خلال المادة 61 من المدونة الزواج الفاسد لعقده ليميزه عن الزواج الباطل من حيث الأثار وهكذا فإن الزواج الفاسد لعقده حصره المشرع في ثلاث حالات :
أ-إذا كان الزواج في المرض المخوف لأحد الزوجين إلا بعد أن يشخص المريض بعد الزواج
والمرض المخوف يقصد به الخوف من الموت لأن المريض قد يقصد من ذلك مزاحمة الورثة بزواجه ، وبطلق عليه كذلك ” مرض الموت “.
والمقصود بمرض الموت وفقا لأرجح الأقوال في المذهب الحنفي المرض الشديد الذي يغلب على الظن موت صاحبه عرفا، أو بتقرير الأطباء ويلازمه ذلك المرض حتى الموت وإن لم يكن أمر المرض معروفا عند الناس بأنه من العلل المهلكة فضابط شدته واعتباره مرض موت أن يعجز غير العاجز من قبل عن القيام بمصالحه الحقيقية خارج البيث فيجتمع فيه تحقق العجز وغلية الهلاك واتصال الموت به ولو كان الموت لسبب آخر غير المرض، ويعتبر في عداد مرض الموت مثلا المحكوم عليه بالاعدام وحجز لتنفيذ الحكم عليه، أو المحارب الموجود في واجهة المعركة أو في بلد اجتاحه وباء قاتل[11].
ب-إذا قصد الزوج بالزواج تحليل المبثوثة لمن طلاقها ثلاثا
وما المقصود هنا الطلاق البائن بينونة كبرى
يقول تعالى :” الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح باحسان” [12]، ويقول كذلك فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما ان يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ” [13]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت إمرأة رفاعة القرضي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كنت عند رفاعة فطلقني فيت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمان بن الزبير وإنما معه مثل هذية الثوب فقال اتربدين أن ترجعي إلى رفاعة إلا حتى تدوقي عسليته ويذوق عسيلتك “.
فالطلاق في المرة الثالثة تبني به المطلقة وتحرم على مطلقها حرمة مؤقتة حيث تصبح أجنبية عليه ، ولا يمكنه مراجعتها او العقد عليها حتى تتزوج زوجا غيره بزواج شرعي صحيح ونافد ويدخل بها الزوج الثاني، دخولا حقيقيا بنية الزواج المنتج لأثاره لا يقصد التحليل ، ثم يطلقها أو يتوفى عنها وتنقضي عدتها وبذلك يمكن لمطلقها الأول أن يعقد عليها من جديد بعد موافقتها
يقول ابن عاصم في تحفته
وبالثلاث لا تحل إلا من بعد زوج للدي تخلى [14]
وهكذا فإذا كانت نية الزوج منصبه على تحليل المرأة لمطلقها يعتبر الزواج فاسدا لعقده، إذا زال المانع لا يعتد به إلا إذا كان هذا الزواج صحيحا منتجا لاثاره وأن ينتهي بانحلال ميثاق الروحية دون نية تحليل المرأة لمطلقها الأول
ج-إذا كان الزواج بدون ولي في حالة وجوبه
لا يقصد المشرع هنا الولاية كشرط صحة في الزواج حيث تحولت تلك الولاية في التشريع المغربي الحالي إلى حق من حقوق المرأة لها أن تزوج نفسها بنفسها ولها أن تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها هذا ما يستفاد من المادتين 24 و25 من مدونة الأسرة.
على أن المرأة لا تملك حق الاستغناء عن الولاية الشرعية إلا إذا كانت كاملة الأهلية أي بلغت سن الرشد القانوني وهو ثماني عشرة سنة المادة 209 من مدونة الأسرة وكانت كاملة الإدراك والتمييز ( المادة 110 من مدونة الأسرة ).
وما قيل عن المرأة مطلوب كذلك بالنسبة للرجل الذي يريد الزواج
أما إذا كان أحد الزوجين غير تام الأهلية فلا يمكنه إبرام عقد الزواج الا بشرطين:
– أن يأذن له قاضي الأسرة الزواج طبقا لأحكام المادة 20
– أن يوافق النائب الشرعي على الزواج بتوقيعه مع القاصر على طلب الأذن بالزواج وحضوره ابرام العقد طبقا لاحكام المادة 21
وإبرام العقد في هذه الحالة الأخيرة بدون حضور ولي للزوج او للزوجة المعنية يجعل العقد فاسد[15]
المطلب الثاني : آثار الزواج الفاسد
رأينا أن الزواج إما فاسد لصداقه وإما فاسد لعقده وقد ميز المشرع بين الأثار التي يرتبها كل واحد على حدة، وسنحاول بيان أثار الزواج الفاسد لصداقه ( الفقرة الأولى) ثم الزواج الفاسد لعقده ( الفقرة الثانية )
الفقرة الأولى : أثار الزواج الفاسد لصداقه
يفسخ هذا الزواج قبل البناء ولا صداق فيه للزوجة، إما إذا لم يطلع عليه إلا بعد البناء فلا يفسخ بل يصحح بصداق المثل الذي تأخذه الزوجة ، وذلك عملا بمقتضيات المادة 60 من مدونة الأسرة
وفي هذا الصدد يقول ابن حزي وما كان فساده لصداقه فسخ قبل البناء وتبنت بعد على المشهور[16]
ويقول ابن عاصم الغرناطي
وما فساده من الصداق فهو بمهر المثل باق [17]
غير أن صداق المثل المشار إليه في المادة 60 تراعي المحكمة في تحديده الوسط الاجتماعي للزوجين [18] .
الفقرة الثانية : أثار الزواج الفاسد لعقده
بخلاف الزواج الفاسد لصداقه يفسخ الزواج الفاسد لعقده قبل البناء وبعده تطبيقا للمادة 61 من مدونة الأسرة ، ولا يفسخ الزواج ، الفاسد لعقده إلا بحكم قضائي وأن كان يعتد فيه بالطلاق أو التطليق الواقع قبل صدور الحكم بالفسخ وهذا ما يستفاد من الفقرة الأخيرة من المادة 61 من مدونة الأسرة مع العلم أن الطلاق هنا يكون في كافة الأحوال بائنا .
والقاعدة العامة ، أن الزواج الذي فسخ قبل البناء لا يرتب شرعا أي أثر ، ولا يستحق به الصداق ولا النفقة ولا الإرث وليس على المرأة عدة ولا استبراء ( المادة 64 ) مثله في ذلك مثل الزواج الفاسد لصداقه الذي فسخ قبل البناء
أما بعد البناء فقبل فسخ عقد الزواج الفاسد يرتب هذا العقد الذي أعقبه البناء بالزوجة كل أثار الزواج الصحيح بحيث يستحق به المهر كاملا وتستحق النفقة
وتبوث النسب التوارث وهكذا وتتوقف كل هذه الأثار بالحكم بفسخ عقد الزواج هذا ما يستفاد من المادة 64
وعلى الرغم من ذلك يجب على المرأة أن تعتد ويثبت بهذا الزواج نسب الحمل او الولد إن وجدا دون الاعتداد بنية الزوج أي أن النسب يثبت في هذه الحالة في كافة الأحوال سواء كان الزوج حسن او سيء النية سيء النية خلافا للزواج الباطل وأن يرتب الزواج الفاسد حسب الفقه المالكي بعد البناء نفس أثار الزواج الصحيح من حيث عدد الطلقات ومن حيث التحريم [19].
خاتمة
في ختام هذا البحث المتواضع تجدر الإشارة إلى أن المشرع في مدونة الأحوال الشخصية المعدلة أشارت بكيفية مقتضبة جدا إلى أثار الزواج غير الصحيح ، من خلال مقتضيات الفصل 37 منها.
إلا أن المشرع في ظل مدونة الأسرة الحالية اعاد النظر في المصطلحات حيث عوض مصطلح العقد المجمع على فساده بالعقد الباطل والعقد المختلف في فساده بالعقد الفاسد وهذا هو التفسير السائد لدى بعض فقهاء المذهب الحنفي
لائحة المصادر والمراجع
– القرآن الكريم برواية ورش عن نافع
– محمد الأزهر ، شرح مدونة الأسرة، احكام الزواج الطبعة الأولى 2004
– محمد الكشبور، الوسيط في شرح مدونة الأسرة كتاب الأول عقد الزواج وأثاره
– البهجة في شرح التحفة ج 1 دار الفكر
– أحمد محمد الخليفي الشبلي ، عقود الزواج الفاسدة في الإسلام ، الطبعة الأولى طرابلس 1983
– القوانين الفقهية لابن جزي دار الكتب العلمية بيروت
– محمد الشافعي الزواج في مدونة الأسرة الطبعة الأولى
– مدونة الأسرة
– مدونة الأحول الشخصية المعدلة
الفهرس
مقدمة :
المبحث الأول: الزواج الباطل وأثاره
المطلب الأول: مفهوم الزواج الباطل وحالاته
الفقرة الأولى: مفهوم الزواج الباطل
الفقرة الثانية : حالات الزواج الباطل
المطلب الثاني : آثار الزواج الباطل
الفقرة الاولى : آثار الزواج الباطل بالنسبة للصداق
الفقرة الثانية : أثار الزواج الباطل بالنسبة للنسب
المبحث الثاني :الزواج الفاسد وآثاره
المطلب الأول: مفهوم الزواج الفاسد وحالاته
الفقرة الأولى : مفهوم الزواج الفاسد
الفقرة الثانية حالات الزواج الفاسدة .
أولا : الزواج الفاسد لصداقه
ثانيا : الزواج الفاسد لعقده
المطلب الثاني : آثار الزواج الفاسد
الفقرة الأولى : أثار الزواج الفاسد لصداقه
الفقرة الثانية : أثار الزواج الفاسد لعقده
خاتمة
لائحة المصادر والمراجع
الفهرس
[1] انظر المادة 58 من مدونة الأسرة
[2] – جاء في المادة 57 من مدونة الأسرة ، يكون الزواج باطلا :
إذا اختل فيه أحد الأركان المنصوص عليها في المادة أعلاه
إذا وجد بين الزوجين أحد موانع الزواج المنصوص عليها في المواد 35 إلى 39 أعلاه
إذا انعد التطابق بين الإيجاب والقبول
[3] – انظر الفقرة الثانية ، من المادة 10 من مدونة الأسرة
[4] جاء في مطلع المادة 17 :” يتم عقد الزواج بحضور أطرافه غير أنه يمكن التوكيل على إبرامه بإذن من قاضي الأسرة المكلف بالزواج وفق الشروط الآتية … ”
[5] محمد الكشبور ، شرح مدونة الأسرة ، الجزء الأول ، الزواج ، صفحة 346.
[6] – ومقتضى ذلك أن الحد أي العقوبة المقدرة شرعا ، لا يطبق إلا إذا كان للشخص قصد جنائي أي عالما كل العلم بواقعة التحريم حيث نزل فعله منزلة فعل الزاني ويأخذ حكمه والقاعدة أن الزاني لا يلحق به النسب متى حملت الزانية منه
[7] محمد الازهر :” شرح مدونة الأسرة أحكام الزواج الطبعة الأولى ، 2004 ص 103.
[8] محمد الكشبور ، الوسيط في شرح مدونة الأسرة ، الكتاب الاول ، عقد الزواج وأثاره ، ص 489.
[9] البهجة في شرح التحفة للتسولي ، ج 1 ص 270 دار الفكر
[10] أحمد محمد الخليفي الشلبي، عقود الزواج الفاسدة في الإسلام ، الطبعة الأولى طرابلس 1983
[11] -امحمد الأزهر مرجع سابق، ص 105.
[12] – سورة البقرة الأية 227
[13] سورة البقرة الأية 228
[14] – أحكام على تحفة الحكام للشيخ محمد بن يوسف الكتاني ، الطبعة الثالثة 1981 م دار الفكر
[15] – محمد الكشبور ، مرجع سابق”، ص 495.
[16] – القوانين الفقهية ابن جزي دار الكتب العلمية بيروت ، ص 155
[17] محمد الشافعي الزواج في مدونة الأسرة الطبعة الأولى ص 300.
[18] محمد الكشبور مرجع سابق، ص 497 – 498.
[19] محمد الكشبور ، مرجع سابق، ص 497 – 498.