دراسات قانونية
القيود و الإستثناءات الواردة على حق المؤلف (بحث قانوني)
دراسة وبحث قانوني شامل عن القيود والاستثناءات الواردة على حق المؤلف
ورقة عمل مقدمة من : المحامي.م . حسام حطاب ” قسم القانون الخاص – جامعة النجاح”
مؤتمر حماية حقوق الملكية الفكرية في فلسطين (التحديات والآفاق المستقبلية)
تقديم :
حق المؤلف مصطلح قانوني يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين في مصنفاتهم الأدبية والفنية، وتضفي التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية حماية لهذه الحقوق، بحيث تعطي المؤلف الاستئثار بالمصنف معنويا وماديا، بيد أنها لم تجعل هذا الحق مطلقا بل وضعت عليه بعض القيود والاستثناءات
أولا: ماهية القيود والاستثناءات المفروضة على حق المؤلف
هي عبارة عن مصنفات أدبية وعلمية وفنية أخرجتها الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية على الأصل العام الذي يقضي بتطبيق حماية حق المؤلف على هذه المصنفات ، بحيث تصبح المصنفات المذكورة غير مشمولة بالحماية المقررة لها أصلا ويكون ذلك على سبيل الحصر لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة
يمكن القول أن هذه الاستثناءات والقيود تعتبر ضريبة مفروضة على المؤلف لصالح المجتمع وذلك لاعتبارين أولهما أن المؤلف لم ينشأ مصنفه من فراغ بل أن إنتاجه الذهني مبني على ما أنتجه غيره من المؤلفين الذين سبقوه ” وهو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية لقانون حماية حق المؤلف المصري ” والاعتبار الثاني : أن للمجتمع فضل على المؤلف ذلك أن هذا المجتمع يطلع على المصنف ويعجب به وهذا ما يؤدي لانتشاره .
ثانيا : أنواع الاستثناءات والقيود
أن المصنفات التي لا تشملها الحماية تقسم إلى نوعين :
1) مصنفات محمية تضع التشريعات استثناءا على الحماية المفروضة لها طرق معينة لا استعمالها وتداولها
2) تراخيص الترجمة والاستنساخ التي تمنح على المصنفات كقيود تضعها التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية على حق المؤلف.
النوع الأول : الاستعمال الحر للمصنف المحمي وهو ما يطلق عليه في قانون حق المؤلف في الولايات المتحدة الأمريكية ” حق الانتفاع المشروع بالمصنف المحي” فيكون ذلك في حالات خاصة ومع مراعاة شروط خاصة بكيفية الاستعمال ومدى هذا الاستعمال بحيث يشترط فيه أن لايكون لهدف تجاري بمعنى انه لا يهدف للربح وان لا يؤثر على التسويق المحتمل للمصنف أو على قيمته ،كل ذلك مع الاحتفاظ بالحقوق المعنوية للمؤلف .
ومن صور هذا الاستعمال :
1- الأخبار اليومية والأحداث المختلفة
وهي المعلومات عن الأحداث التي تقع وتنقلها وسائل الإعلام المختلفة ،وتجرد هذه الأخبار من مظاهر الفكر هو من يجعل التشريعات الوطنية لا تضفي عليها الحماية . وكذلك فعلت اتفاقية برن التي نصت عليه في المادة (10/ثانيا)
لكن هذا لا يعني أن تترك عرضة للسرقة من وسائل الإعلام المنافسة ،لكن هناك وسائل قانونية أخرى للدفاع عنها بعيدا عن حقوق الملكية الفكرية .
ويندرج تحت هذا الاستثناء :
ما تجيزه بعض قوانين حق المؤلف لوسائل الإعلام من تستخدم المصنفات المحمية بمناسبة إعداد تقرير إخباري ما دام استخدام المصنف المحمي عرضيا وخدمة للتقرير الإخباري .
2- الاستشهاد بفقرات قصيرة من مصنف محمي ” الاقتباس”
يجوز نقل فقرات معينة من مصنف محمي إذا كان الهدف من ذلك توضيح فكرة أو إضفاء القوة عليها أو حتى لنقد ما جاء فيها .
وتشترط غالبية قوانين حماية حق المؤلف ومنها القانون الأردني أن يكون المصنف
1- في متناول الجمهور بصورة مشروعة
2- أن يكون الاقتباس بالقدر الذي تبرره الغاية المرجوة منه
3-أن يذكر المصدر المقتبس منه ويذكر اسم مؤلفه
بعض قوانين حقوق المؤلف ” ومنها قانون حماية حق المؤلف المصري رقم (29/1994) تشترط
4- أن يكون الاقتباس “بفقرات قصيرة” لكن هذا الأمر يواجه صعوبات عملية لذا ألغت اتفاقية (برن) عندما عدلت عام 1948 عبارة ( فقرة قصيرة) .
3- استخدام المصنفات لغرض الإيضاح التعليمي
وهذا الاستثناء جاء في الاتفاقيات الدولية ( اتفاقية برن) والتشريعات الوطنية ( قانون تونس النموذجي لحقوق المؤلف الخاص بالبلدان النامية ) يشمل المطبوعات والبرامج الإذاعية والتسجيلات الصوتية و السمعية و البصرية أو بث العمل المذاع لغايات مدرسية أو تربوية .
يشار إلى انه يمكن إضافة التدريب المهني باعتباره غرض تعليمي وهذا ما جاء في قانون تونس النموذجي لحقوق المؤلف الخاص بالدول النامية
ويشترط لتطبيق هذا الاستثناء:
1- أن يكون استخدام المصنف لغرض تعليمي بحت ” وهذا ما يميزه عن الاقتباس”
2- أن يكون هذا الاستخدام في الحدود التي يبررها الهدف المنشود منه.
3- أن يكون متماشيا مع العرف السليم
4- أن يذكر اسم المؤلف واسم المصنف
كما يمتاز هذا الاستثناء بإمكانية استغلال المصنف بشكل اكبر من مجرد الاقتباس ، ولكن الصعوبة القائمة هي معرفة الحدود المسموح فيها بالاستغلال .
4- استخدام المقاولات المنشورة في الصحف أو الدوريات أو المذاعة عن أحد موضوعات الساعة
يهدف هذا الاستثناء للسماح باستنساخ المقالات التي سبق نشرها في الوسائل الإعلامية المختلفة دون ترخيص من المؤلف ، ولكن ضمن عدة شروط :
1- أن يكون موضوع هذه المقالات من الموضوعات الجارية ( موضوعات الساعة )
المشرع المصري حددها بالموضوعات التي تشغل الرأي العام في وقت معين
2- أن تتناول هذه المقالات جدلا حول الموضوعات الرئيسية الثلاث ( سياسية ، اقتصادية، دينية) على سبيل الحصر
3- أن لا يكون ذكر صراحة عند نشرها أن استخدمها محظور
4- أن يتم ذكر اسم المصدر واسم المؤلف
5- استخدام أي مصنف بمناسبة عرض أحداث جارية (عن طريق التصوير أو أي وسائل أخرى) لإعلام الجمهور
يعني هذا الاستثناء أن يتم عرض المصنف المحمي عندما يتم نقل الأحداث الجارية بطريق الصدفة أو بطريقة ثانوية عرضية ( مثل استعمال مصنف موسيقي في حفل عام)
ويعفى هنا من ذكر اسم صاحب المؤلف
لكن يشترط لتطبيق الاستثناء:
1- أن يكون المصنف المستخدم مما يمكن مشاهدته أو سماعه أثناء الحدث ذاته
2- وإلا يتجاوز الاستخدام الحدود التي يبررها الهدف الإعلامي من الاستخدام
6- النسخة الخاصة
يمكن تعريف النسخة الخاصة بأنها : استعمال أي مصنف منشور عن طريق إعداد نسخة واحدة منه لاستعماله لأغراض شخصية ولغايات البحث أو الدراسة أو الترفيه .
شروط النسخة الخاصة:
1- أن تقتصر على الاستعمال الفردي دون الجماعي
2- أن تنعدم نية الربح
3- أن يكون المصنف منشورا
4- إلا تتعارض مع الاستغلال المادي للمصنف وألا تسبب ضررا بالمصالح المشروعة للمؤلف.”م17 قانون حماية حق المؤلف الأردني”
7- استنساخ المصنفات من قبل المكتبات العامة ، أو مراكز التوثيق غير التجارية أو المؤسسات العلمية أو المعاهد التعليمية والتربوية
تورد المذكرة الإيضاحية لقانون تونس النموذجي لحقوق المؤلف الخاص بالبلدان النامية أن تطبيق هذا الاستثناء مشروط بتحديد عدد النسخ التي يمكن إنتاجها من المصنف وان يقتصر السماح بالاستنساخ على الأشخاص الذين يثبت أنهم بحاجة إليها للدراسة والأبحاث وان لا يضر الاستنساخ بالاستغلال العادي للمصنف أو يسب في ضرر لا مبرر له للمصالح المشروعة للمؤلف
وأجازت بعض التشريعات للمكتبات ومراكز التوثيق استنساخ المصنفات المتوفرة فيها بدود نسخة واحدة بشرط :
1- إلا يكون الهدف من ذلك التوزيع التجاري
2- أن يكون للمكتبة أو المركز صفة العمومية ( بمعنى أن تكون متاحة للجمهور وليس لمنتسبيها فقط)
3- أن تتضمن النسخة التأشير بحقوق المؤلف الموجود في الأصل الذي تم استنساخها
وتواجه هذا الاستثناء صعوبات عملية أهمها:
1- أن التوسع في تطبيقه يؤدي بالإضرار بحقوق المؤلفين بحيث يصبح استنساخ المصنفات المودعة بالمكتبات الوطنية بديل عن شراء هذه المصنفات
2- استعارة الكتب من قبل قراء المكتبات العامة يؤدي إلى إحجامهم عن شرائها ، الأمر الذي دفع بعض الدول مثل ( بريطانيا) لحل هذه الإشكالية بإصدار القانون الخاص ” بحث الإعارة” عام 1982 والذي يدفع للمؤلف بموجبه مكافأة مالية عن كل مرة يستعير فيها قارئ كتابه من المكتبات العامة .
8- نشر المصنفات الشفوية “محاضرات / خطب/ مرافعات” التي تلقى علنا
لتطبيق هذا الاستثناء على المصنفات الشفوية فانه ينبغي توافر عدة شروط :
1- أن يكون سبق إلقاؤها بصورة علنية
2- أن يكون استخدامها ونقلها بهدف إعلام الجماهير عن أحداث جارية
3- أن يحتفظ لمؤلفها بحقه ألاستئثاري في عمل مجموعات من هذه المصنفات أو التراخيص للغير في نشرها في مطبوع جامع
والسبب الكامن وراء النص على هذا الاستثناء : أن نشر المصنفات الشفوية لا يكون الأساس وإنما يكون تابعا لحدث جاري لهدف إعلامي
هذا وتستثني بعض التشريعات “المواعظ” من المصنفات الشفوية الخاضعة لهذا الاستثناء في حين تدخلها تشريعات أخرى
أما اتفاقية برن فقد استبعدت المواعظ من مجال التطبيق في هذا الاستثناء الوارد في الفقرة الثانية من المادة الثانية ، وذلك عند تعديل الاتفاقية عام 1967 في استوكهلم .
9- استنساخ العمل المذاع من قبل هيئات الإذاعة والتلفزيون في صورة تسجيل مؤقت
يمنح هذا الاستثناء هيئات الإذاعة والتلفزيون الحق في تعد لبرامجها تسجيل مؤقت في نسخة أو أكثر لأي مصنف يرخص لها أن تذيعه
والحكمة من هذا الاستثناء : أن الاعتبارات الفنية النابعة من ظروف تشغيل محطات الإرسال تقتضي وجوده باعتبار أن هذه التسجيلات أداة فنية لتحكم في تنظيم وتوزيع البرامج على ساعات الإرسال
ويلزم لتطبيق هذا الاستثناء توافر عدة شروط :
1- قصر استخدام التسجيلات للأغراض التي نسخت من اجلها
2- أن تقتصر التسجيلات على المصنفات التي رخص لهيئة الإذاعة والتلفزيون استخدامه من اجلها
3- أن تلتزم هيئة الإذاعة والتلفزيون بإتلافها بعد انتهاء المدة
4- أن لا يتم استغلال التسجيلات لإغراض تجارية
وبشار أن المصنفات السينمائية غير قابلة للخضوع لهذا الاستثناء إلا انه يمكن استخدام مشاهد منفردة من بعض الأفلام السينمائية
10- انتفاع المعوقين – سمعيا وبصريا- بالمصنفات المشمولة بحماية ق المؤلف
يعني هذا الاستثناء الترخيص باستنساخ أي مصنف منشور أو أي ترجمة له مرخص بها بطريقة ( بريل) و بالحروف الكبيرة أو التسجيل الصوتي ، من اجل تلبية احتياجا الأشخاص المعوقين بصريا ” المكفوفين”
والترخيص باستخراج نسخ من أي مصنف منشور بطريقة التصوير تلبية لاحتياجات فاقدي السمع ( الصم)
وهذا الاستثناء مشروط بالا يتعارض مع استغلال العادي للمصنف ، وألا يسبب ضررا بغير مبرر للمصالح المشروعة للمؤلف
وتنقسم التشريعات التي تعنى بحقوق المؤلف إلى قسمين في تعريفها للعوق
فمنها من يقتصر بتطبيق الاستثناء على فاقدي السمع والبصر فقط
ومنها من يتوسع ليشمل فئات أخرى من المعاقين مثل ضعاف العقول من الأطفال ” مثل قانون حق المؤلف الاسترالي”
النوع الثاني : تراخيص الترجمة والاستنساخ للدول النامية
اعتمد في مطلع السبعينات نظام تراخيص خاص بترجمة واستنساخ المصنفات الأدبية والفنية التي تحتاجها الدول النامية والذي يشكل الأساس لمنح هذه الدول تراخيص إجبارية لاستنساخ وترجمة المصنفات المنشورة في الدول المتقدمة في حال عذر الحصول على تراخيص اختيارية .
أولا : تراخيص الترجمة
تعني إعطاء الحق لكل مواطن من مواطني الدول النامية بان يطلب من السلطة المختصة في الدول المتقدمة المنتجة للمصنفات المكتوبة منحه ترخيصا لترجمة المصنف بإحدى اللغات لأغراض التعليم في المدارس والجامعات أو ما في حكمها أو لأغراض البحوث وكلك الترخيص بنشر تلك الترجمة بشكل مطبوع أو أي شكل أخر
ويتم منح الترخيص عادة من السلطة المختصة في البلد المنتجة للمصنف وفق ما يقضي به القانون المعمول به فيها .
شروط منح الترخيص :
1- انقضاء إحدى فترتين : 3 سنوات من تاريخ نشر المصنف لأول مرة إذا كانت الترجمة ستتم إلى لغة مستخدمة بصورة عامة في دولة أو أكثر من الدول المتقدمة أو سنة واحدة فقط في حالة الترجمة إلى اللغات المحلية ليست عامة التداول
2- أن يقتصر الترخيص على الاستعمالات المدرسية أو الجامعية أو الاستعمالات في مجال البحوث
3- أن يقتصر الترخيص على المصنفات المنشورة بشكل مطبوع أو شكل أخر مماثل ” لا تشمل المصنفات الموسيقية…”
4- أن يتم منح تراخيص الترجمة للمصنفات التي تعد في الدول النامية لا استخدامها في البرامج التعليمة
ثانيا: تراخيص الاستنساخ
تعني تراخيص الاستنساخ إعطاء الحق لكل مواطن من مواطني الدول النامية أن يطلب من السلطة المختصة في البلد المنتجة للمصنف المطلوب استنساخه ترخيصا باستنساخ طبعة معينة من هذا المصنف ونشره في شكل مطبوع ، وذلك بعد انقضاء مهلة محددة وتكاد تتفق والشروط الخاصة بمنح تراخيص الاستنساخ مع تلك الخاصة بتراخيص الترجمة ، ما عدا بعض الشروط التي يقتضها الاختلاف بين الترجمة والاستنساخ