دراسات قانونية
المراقبة الجنائية للمقاولة (بحث قانوني)
بحث لنيل دبلوم الماستر: المراقبة الجنائية للمقاولة فـي المغرب
جامعة محمد الأول
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
وجدة
ماستر قوانين التجارة والأعمال
بحث لنيل دبلوم الماستر
المراقبة الجبائية للمقاولة
فـــــي المغـرب
إعداد الطالب الباحث:
سليمان بومزوغ
تحت إشراف الأستاذ:
الدكتور أحمد العلالي
لجنة المناقشة:
الدكتور احمد العلالي ………………………………………………………… رئيسا
الدكتورة زينب تاغيا …………………………………………………………. عضوا
الدكتور محمد البلعوشي ……………………………………………………… عضوا
الموسم الجامعي: 2011- 2012
بحث لنيل دبلوم الماستر: المراقبة الجبائية للمقاولة فـي المغرب
مقدمة عامة:
لقد كانت الضريبة في بدايتها وسيلة مالية بحتة يقتصر دورها على تغطية النفقات العمومية وتمويل الخدمات العامة، فكان أقصى ما يمكن أن تحققه هذه الأخيرة هو توفير عائدات مالية للخزينة العامة بحيث تغني الدولة عن اللجوء للاقتراض أو الإصدار النقدي فعندما كانت وظائف الدولة محدودة كان دور الضريبة يقتصر على تمويل الوظائف الأساسية دون غيرها لكن حين فرضت الأزمات الاقتصادية نفسها وجدت الدولة في الضريبة تلك الوسيلة الفعالة لتشجيع القطاع الخاص .وهكذا لم يعد مطلوبا فقط البحث عن أحسن وعاء جبائي كما كان عليه الأمر في السابق لكن أصبح البحث أكثر على الوسيلة الأنسب التي تمكن من جعل الجباية تلعب دورا اكبر على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي .
والمقاولة كغيرها من الملزمين تخضع لمجموعة من الضرائب تتحدد حسب الشكل القانوني الذي تأخذه، ولقد حاول المشرع من خلال القوانين التي يسنها أن يشجع هذه الأخيرة ويدفعها نحو الاستثمار والادخار ، فمدونة التجارة والقانون المحاسبي وما يصطلح عليه قانون الأعمال كلها جاءت لتنظيم التعاملات الاقتصادية، ولم يخرج الإصلاح الضريبي في سنوات الثمانينات عن هذه القاعدة إذ كان من بين الأهداف الأساسية التي سطرها : تبني مختلف المبادرات الكفيلة بتشجيع الاستثمار ومحاربة افة الغش الضريبي فكان أن احدث ثلاث ضرائب أساسية
– ضريبة عامة على دخل الأشخاص الطبيعيين عوضت نظام نوعيا معقدا بأخر مبسط فعال وملائم
– ضريبة على الشركات جاءت لتحل محل الضريبة على الأرباح المهنية وهدفت إلغاء التعددية الضريبية التي كانت تخضع لها الشركات من قبل وتجميع مختلف دخولها في مادة واحدة ، بالإضافة إلى ملائمة الضريبة أكثر مع الدور الذي يجب أن يلعبه الاستثمار الخاص والمبادرة الحرة والتي تعتبر الشركات آلياتها المحركة .
– ثم أخيرا الضريبة على القيمة المضافة والتي حلت محل الضريبة على المتتوجات والضريبة على الخدمات وشكلت تقدما مقارنة بسابقاتها .
وإذا كان الإصلاح الضريبي لسنة 1984 قد حاول إعادة النظر في الضرائب المقررة فانه عمل بالمقابل إلى اعتماد مبدأ التصريح الضريبي.
فالمساهمة الضريبية للملزم تعتبر التزاما دستوريا هذا الالتزام الدستوري يستدعي إرفاقه بالتزام إداري يتمثل في مشاركة المواطن بنفسه في تحديد وضعيته الضريبية من خلال المعطيات والمعلومات المضمنة في تصريحه ولذلك فان تضريب الملزم لن يكون إلا من طرف الملزم نفسه بتوفيره للمعلومات حول وضعيته المالية أو حجم العمليات الاقتصادية التي أنجزها .
واستنادا على التصريح أصبح على الإدارة أن تتقيد بمضامينه فلا يمكنها أن تقوم بتأسيس الضريبة دون الاعتماد على العناصر الواردة فيه أو إطلاق العنان لتقديراتها الخاصة كما لا يمكنها تغيير الأساس الضريبي لمجرد تواجد شكوك لديها حول صحة التصريح ، فحجية هذا الأخير تعتبر مطلقة إلى حين ثبوت عكس ذلك .لكن ذلك لا يعني إطلاق حرية المكلف في تضمين التصاريح بما يشاء من معلومات وإغفال أخرى لان المشرع ومثلما كفل لهذا الأخير تدخل الإدارة في شؤونه الخاصة ضمن للإدارة سلطة مراقبته وفحص تصاريحه . فالمراقبة الجبائية إذن هي النتيجة الطبيعية لنظام ضريبي قائم على التصريح وهي كذلك رمز من رموز الديمقراطية :”هناك مراقبة جباية لان هناك حرية، ولان هنالك تصريحا للملزم لأرباحه ومداخليه” .
فمسؤولية الإدارة في هذا الباب تقضي بالتأكد من كون الملزم قد أوفى بالتزاماته القانونية سواء تلك المحاسبية أو الجبائية فضلا عن تطبيقيه الصحيح لمقتضيات القانون الجبائي تحقيقا لمبدأ المساواة أمام الضريبة ولا يتم دلك طبعا إلا عن طريق المراقبة وحسب الإجراءات التي حددتها النصوص القانونية ، حتى يتسنى لها فرض الضريبة بالاستناد إلى الأسس المدلى بها في التصريح أو القيام بتصحيحها كلما دعت الضرورة إلى ذلك .
والمقصود بالمراقبة الجبائية مجموع العمليات التي تقوم بها الإدارة الضريبية من اجل التحقق في عين المكان “أي داخل مكاتب المقاولة” من المحاسبة، الوثائق المؤيدة لها والتي تمسكها المقاولة ومقارنتها مع التصريحات المودعة لدى الإدارة أو المعلومات أو المعطيات التي تتوفر عليها ، أو مقارنتها مع نتائج المعاينة المادية التي قام بها المفتش المحقق .
وتتنوع أشكال المراقبة الجبائية : فقد تكون مستنديه مكتبية أي تتم داخل مكاتب الإدارة وقد تكون معمقة تتم داخل مكاتب المقاولة .
وإذا كان وجود المراقبة يلعب دورا ردعيا لمواجهة المقاولة بحيث يدفعها إلى التزام الحد الأدنى من الصراحة في تقديم إقراراتها ، فانه تسعى في الآن ذاته إلى ضمان نوع من المساواة بين المقاولات أمام الأعباء الضريبية سعيا لخلق منافسة شريفة بينها، كما وتضمن نوعا من التوزيع العادل للتكاليف العمومية بين المواطنين من خلال السهر على احترام الكل للقوانين الجبائية الجاري بها العمل . ويمكن اعتبار حق المراقبة أيضا آلية من آليات التنمية الاقتصادية من خلال تأثيراتها على المقاولات الخاضعة لها، في اتجاه التنظيم وضبط العلاقات الاقتصادية ومعرفة هذه المؤسسات من الداخل. مما يمكن الدولة من الوقوف على جميع الحقائق التي من شانها توجيه الإدارة نحو القطاعات الاقتصادية المتضررة والتي تجني أرباحا حقيقية فتساعد على اتخاذ بعض القرارات المفيدة لصالح هده القطاعات كله بفضل بنك المعطيات الذي تتوفر عليه من خلال التحقيقات والمعلومات التي حصلت عليها الإدارة بمناسبة ممارستها للمراقبة .
ويبقى من أهم الأهداف التي تسعى المراقبة الجبائية لتحقيقها المساهمة في توفير موارد مالية هامة للدولة. إذ بلغت عائداتها عن عمليات المراقبة لسنة 2009 عشر مليارات و68 مليون درهم مقابل مليار 913 مليون درهم سنة 2006 .وهذه الأرباح التي لا تطالها الضريبة لم يكن من الممكن الكشف عنها دون اللجوء إلى عمليات المراقبة الجبائية بشقيها المستندي والمعمق
أهمية الموضوع:
إذا كان الهدف المالي مهما قي ذاته، فان محاربة مختلف أشكال المخالفات الضريبة يبقى الأساس المحوري للمراقبة الجبائية نظرا لأنه يضم في طياته مختلف الأهداف والأسس التي سبق ذكرها: لأنه بمحاربة آفة الغش والتملص الضريبي، نصل إلى ضمان المنافسة المشروعة وبالتالي انطلاق الاقتصاد في مناخ شفاف وملائم، وبمحاربة التملص الضريبي، نضمن نوعا من الانضباط لدى المقاولات الخاضعة للضريبة وميلا اكبر نحو التنظيم، هذا دون أن ننسى أن من شان المقاومة الفعالة للظاهرة أن يساهم في تقليص الضغط الجبائي عن طريق توسيع الأوعية الضريبية غير الخاضعة للضريبة .
كل ذلك يجعلنا نعي ما تتحمله المراقبة الجبائية من مسؤولية في الإسهام في الحد من انتشار الأعمال المخالفة للضريبة عبر تتبعها والكشف عن مختلف أساليبها والتي مافتئت تتطور بشكل مطرد وكذلك التعامل بالحزم اللازم مع المخلفين لأحكام القانون الجبائي.
ومن هنا تتضح لنا أهمية الموضوع الذي تنصب على دراسة واحدة من أهم آليات الكشف عن المخالفات الجبائية.كما وتسعى إلى إلقاء الضوء على فعالية توظيف الإدارة للوسائل القانونية التي وضعها المشرع رهن إشارتها كل ذلك في مقابل ضمان علاقة متوازنة بالمقاولة على اعتبار الدور الهام المعول عليها تحقيقه من جهة بالإضافة إلى أن حدوث أي تجاوز في المراقبة من شانه أن يعرقل الدور الاقتصادي لهذه الأخيرة .
وإذا كانت المراقبة الجبائية حقا من حقوق الإدارة فإنها لدى المكلفين عموما والمقاولات خصوصا من أكثر المواضيع حساسية وإثارة للقلق والشكوك، فبمجرد توصل مسير المقاولة بالإشعار بالمراقبة يعني بالنسبة له أياما عديدة قادمة صعبة على التحمل. خصوصا إذا علمنا أن حلول المراقب بمكاتب الإدارة لا يعني بالنسبة لهذه الأخيرة شيئا غير التضحية بجزء غير بسيط من أموال المقاولة .ويزيد من حدة هذا الشعور ما يختزنه وعي المكلفين من سمو الإدارة الضريبية في مواجهتهم: فهي الإدارة التي تعرف كل شيء وتملك من السلطات ما يجد المكلف نفسه أمامها مجردا من أسلحته .
طرح الإشكالية:
أمام هذا الإشكال آو عدم التوازن الحاصل بين أطراف العلاقة الضريبية تدخل المشرع الضريبي ليقيد سلطات الإدارة الضريبية الواسعة سواء على مستوى نطاقها اوعلى مستوى الآثار المترتبة عنها فهكذا نص على مجموعة من الضمانات لفائدة الملزم تحميه من جور الإدارة الضريبية قاصدا من كل هذا تحقيق التوازن بين الطرفين وحماية مصلحة كل منهما.
من خلال ما سبق تطفو على السطح إشكالية رئيسية تتمثل في: إلى أي مدى يمتد نطاق المراقبة الجبائية؟ وما هي الآثار المترتبة عنها؟ . بالإضافة إلى هذه الإشكالية الرئيسة هناك إشكاليات ثانوية من قبيل ماهية سلطات الإدارة؟ وماهي المساطر المتبعة في استعمال أي منها؟ وما هو الجزاء المترتب عن عدم احترام الإدارة لشكليات وأجال هده المساطر؟. وأيضا الضمانات التي تتمتع بها المقاولة أثناء عملية المراقبة؟ .
المنهج المعتمد
من اجل الإجابة عن هده الإشكالية، سأعتمد على المنهج الوصفي لوصف عملية المراقبة الجبائية التي تتعرض لها المقاولة، والمنهج التحليلي لتحليل نصوص القانون الضريبي المرتبطة بالمراقبة الجبائية وكذا الأحكام القضائية الصادرة في هذا الإطار. وذلك بتقسيم البحث إلى الفصلين التاليين:
الفصل الأول: نطاق المراقبة الجبائية للمقاولة.
الفصل الثاني: آثار المراقبة الجبائية للمقاولة.
الفصل الأول: نطاق المراقبة الجبائية للمقاولة
تمارس الإدارة الجبائية حقها في مراقبة تصريحات المقاولة، مقابل نظام الإقرار المعتمد في تحديد الأساس الذي تفرض عليه الضريبة ، وذلك للتأكد من صحة البيانات التي تم الإدلاء بها من طرف المقاولة ومدى مطابقتها للعمليات التي قامت بها بناء على المعطيات التي توفرت لدى الادارة من خلال عملية المراقبة .
غير أن ما يلاحظ هو أنه رغم وجود هذا الحق في المراقبة فإنه ولد رد فعل معاكس وهو التهرب الضريبي بشتى وسائله التي تتخذ من القانون عينه ذريعة لها.
ومن جانب آخر فقد عملت الدول على تأسيس علاقة من الثقة المتبادلة ما بين الإدارة والملزم ومحاولة جادة للتوفيق ما بين الواجب الجبائي وحماية الملزم، في أبعادها البعيدة المدى، من جميع التعسفات. وإذا كان المشرع المغربي قد خول للإدارة الجبائية هذا الحق فإنه قد أحاطه بمجموعة من الإجراءات روعيت فيها حقوق الملزم عموما وحقوق المقاولة بصفة خاصة قبل أن تراعى فيها حقوق الإدارة.
وتتجلى سلطة الإدارة الجبائية في مراقبة ملزميها وتحري مدى صدق عقودهم وتصريحاتهم، ولها في ذلك عدة آليات، فقد تمارس حق المعاينة وحق الإطلاع (المبحث الأول)، وقد تستعمل الحقين معا لممارسة حق أثقل هو حق الفحص المحاسبي (المبحث الثاني).
المبحث الأول: حق المعاينة وحق الاطلاع
يخول حق المعاينة وحق الإطلاع للإدارة الجبائية سلطة الوقوف على صحة الإقرارات المقدمة من طرف الملزمين والمقاولات وعلى الوجود الفعلي للمثبتات المتضمنة بحصيلة الملزم. ونظراً لأهميتهما البالغة أحاطهما المشرع بمقتضيات خاصة سواء من حيث الموضوع او من حيث الأشخاص او من حيث المسطرة المنتهجة.
وإذا كان حق المعاينة حقاً جديداً (المطلب الأول) فإن حق الإطلاع ظل وسيلة الإدارة الجبائية للحصول على المعلومات (المطلب الثاني)
المطلب الأول: حق المعاينة
للإدارة الضريبية الحق في إجراء معاينة يمكن بمقتضاه أن تطلب من المقاولة تقديم الفاتورات أو الوثائق المحاسبية أو المعاينة الفعلية للعناصر المجسدة للاستغلال. وتهدف الإدارة من ممارسة هذا الحق، الكشف عن حالات الإخلال بالالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل .
ويستوجب ممارسة هذا الحق من طرف الإدارة الضريبية، إتباع مسطرة معينة ( الفقرة الأولى)، ينتج عنها مجموعة من الآثار ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسطرة المعاينة
في البداية لابد لنا من تحديد موضوع حق المعاينة (أولا)، على أن نتولى استعراض سريان مسطرة هذا الحق بعد ذلك ( ثانيا).
أولا: موضوع المعاينة
أمام النقص الذي كانت تشكو منه النصوص السابقة في القوانين المتعلقة بالضريبة على الشركات، الضريبة على القيمة المضافة والضريبة العامة على الدخل وحتى في كتاب الوعاء والتحصيل الجديد، لم تكن تخول الإدارة الحق في بسط رقابتها القانونية بشكل أكثر فعالية. وذلك بالمعاينة الميدانية للأصول الإنتاجية والتواجد الفعلي في المحل المهني دون أن يتعلق الأمر بمسطرة فحص جبائي. وبالتالي فكان لا يتاح للإدارة هذا الاقتحام إلا في إطار مبرمج. مع العلم أن بعض الضرائب تعتمد في تأسيسها على المعاينة الميدانية ويتعلق الأمر بالرسم المهني والرسم الحضري. ولتفادي هذا الفراغ القانوني الذي يحد من فعالية الإدارة الضريبية في محاربة التهرب والغش الضريبيين تم إحداث هذا الحق بمقتضى المادة 210 من المدونة العامة للضرائب إذ تنص على انه: للإدارة الضريبية كذلك الحق في إجراء معاينة يمكن بمقتضاه أن تطلب من الخاضعين للضريبة تقديم الفاتورات أو الوثائق المحاسبية أو المعاينة الفعلية للعناصر المجسدة للاستغلال.
إذن، فهذا الحق الذي أصبحت تمتلكه الإدارة الضريبية، سيساعدها لا محالة في الحد من مجموعة من الممارسات، التي كانت تتم من اجل التملص من أداء الضريبة، مستغلة افتقاد الإدارة الضريبية لهذا الحق.
ثانيا: سريان المسطرة
تنطلق مسطرة ممارسة حق المعاينة، بتوجيه إشعار إلى المقاولة من طرف الإدارة الضريبية ، يتم فيه إبلاغها ببدء مسطرة المعاينة. وهذا فيه تدعيم لحق المقاولة وعدم مفاجأتها بالمراقبة الإدارية، وحتى تتمكن من إعداد عدتها لمواجهة الإدارة الضريبية.
ويتضمن الإشعار وجوباً أسماء الأعوان الذين سيقومون بهذه العملية وإعلام المقاولة بنوعية الإجراء الذي ستتعرض له.
وحتى تتم عملية تسليم الإشعار بشكل صحيح وسليم، حدد المشرع الجهات التي يؤدي تسلمها للإشعار إلى تمام عملية التسليم وصحتها، وجعل هذا التعداد مرتباً كما يلي:
1- بالنسبة للأشخاص الطبيعيين.
أ- إلى الشخص نفسه.
ب- إلى مستخدميه.
ج- إلى كل شخص آخر يشتغل مع الخاضع للضريبة.
2- بالنسبة للشركات والمجموعات المذكورة في المادة 26 أعلاه.
أ- إلى الشريك الرئيسي.
ب- إلى الممثل القانوني.
ج- إلى المستخدمين.
د- أو إلى أي شخص آخر يشتغل مع الخاضع للضريبة.
ويسلم هذا الإشعار مقابل وصل، هذا الوصل يعتبر ضمانة مهمة لحماية حقوق طرفي العلاقة الضريبية من الضياع، إذ يعتمد عليه من اجل إثبات واقعة تسليم الإشعار من عدمه في حالة نشوب نزاع بين الطرفين.
وقد أشار المشرع لحالة رفض الملزم التوقيع على هذا الإشعار، وهو ما يقع في كثير من الأحيان، وذلك بالإشارة إلى هذا الرفض في أصل الوصل من قبل المأمور، لكنه اغفل بالمقابل حالة رفض تسلم الإشعار من أصله.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى ألزم المشرع المأمور المكلف بالمعاينة، باحترام أوقات عمله القانوني، أي أن عليه أن يباشر المعاينة داخل التوقيت الإداري الذي تتبعه الإدارة الضريبية، وهذا ما يثير إشكالية تطبيق هذا الحق في وجه المقاولات والأشخاص الذين يزاولون أنشطتهم خارج أوقات عمل الإدارة الضريبية.
وفي كل الحالات لا يمكن أن تستمر المعاينة أكثر من 8 أيام ابتداء من تاريخ تسليم الإشعار بها، وأن يتم تحرير إشعار بنهايتها يوقعه كل من الخاضع لها والمأمور المكلف بها؛ على أن تسلم نسخة منه للأول.
من خلال ما سبق، يتبين انه بمجرد تسليم الإشعار بطريقة صحيحة، تبدأ مسطرة المعاينة، أي أنها تتم بغتة ولا تترك للمقاولة متسعا من الوقت لإعداد عدتها والاستعانة بمستشار، كما نلاحظ، أن المشرع حدد مدة سريان مسطرة المعاينة في ثمانية أيام، دونما أن يأخذ بعين الاعتبار حجم المقاولة ونوعية النشاط الذي تزاوله.
الفقرة الثانية: اثأر المعاينة
باستقراء منطوق الفقرة الثالثة من المادة 210 من المدونة العامة للضرائب، يتضح أن أهم اثر يترتب عن سلوك الإدارة الضريبية لمسطرة حق المعاينة، هو الكشف عن حالات الإخلال بالالتزامات الواردة في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، أي تحرير محضر بالإخلالات الملاحظة في المحل المهني.
وقد ألزم المشرع الإدارة بضرورة تحرير هذا المحضر في الثلاثين يوماً الموالية لتاريخ تسلم الإشعار بنهاية عملية المعاينة. بينما منح للخاضع الحق في الرد داخل 8 أيام من تاريخ تسلمه لمحضر المعاينة.
إن أول ما يمكن ملاحظته بشان الآجال المعتمدة من طرف المشرع، هو تغليب كفة الإدارة على حساب كفة المقاولة.
ومن جهة أخرى لم يتم الحرص على أن يكون المحضر في طي مغلق وهذا من شأنه أن يخلق مشاكل عملية خاصة إذا تولى تسليم المحضر شخص غير الذي حرره، وهو ما يقع عادة.
ولابد من ملاحظة انه بالرغم من الزخم الذي أعطي لهذا الحق فان المشرع اقتصر فقط على إمكانية استعمال النتائج المتحصل عنها في وجه المقاولة بمناسبة مراقبة ضريبية لاحقة، مغفلا التنصيص على إمكانية سلك مسطرة التصحيح الضريبي في حالات اكتشاف اختلالات بالوضعية الضريبية للمقاولة لاسيما اذا رفضت هذه الأخيرة مستنتجات الإدارة .إذ نرى أن هذا الإغفال سيسبب إشكالات أثناء التطبيق على ارض الواقع.
كما يجب الانتباه إلى الحالة التي لا تحترم فيها الإدارة الضريبية الآجال المنظمة لهذه المسطرة فهل نكون أمام بطلان هده المسطرة وبالتالي عدم الأخذ بالمعلومات التي تم الحصول عليها من جراء استعمال حق المعاينة كحجة ضد المقاولة.
المطلب الثاني: حق الاطلاع
يمنح حق الاطلاع للإدارة الجبائية الحق بان تأخذ وتطلع على نسخ من الوثائق التي توجد بحوزة الاغيار ، قصد جمع المعلومات التي تفيدها في مراقبة وربط الضريبة الواجبة في حق المقاولة .
وحق الاطلاع يهدف بالدرجة الأولى ، كما جاء على لسان مفوض الحكومة الفرنسية lavondes إلى الحصول بصفة انفرادية على المعلومات المفيدة بقصد فرض الضريبة .
وصدر عن مجلس الدولة الفرنسي قرار بتاريخ 6 أكتوبر 2000 اعتبره بعض المحللين في الميدان الجبائي انه يكمل وبدقة تعريف حق الاطلاع ، حيث يقول G.bachelier بان حق الاطلاع ” يهدف إلى تمكين مصلحة الضرائب أن تطلب من الغير أو عند الاقتضاء من المكلف نفسه كتابة وفي مقر المقاولة معلومات مدققة بدون اللجوء إلى بحث خاص.
ولقد خول القانون الفرنسي للإدارة ممارسة حق الاطلاع على الوثائق الموجودة في حوزة المقاولة ذاتها قبل أن تمارسه على الوثائق المحاسبية الموجودة في حوزة الغير ، الشيء الذي قد يؤدي إلى صعوبة في التمييز بين حق الاطلاع وفحص المحاسبة ، لان الإدارة قد تتذرع بحق الاطلاع لاستعمال حق الفحص .
وعلى غرار ذلك ، خول المشرع المغربي للإدارة الضريبية هذه السلطة لتتمكن من كشف الاختلالات التي تشوب التصاريح المدلى بها من طرف الخاضع للضريبة او المقاولة ، غير انه جعلها موجهة فقط الاغيار دون المقاولة .
وقد حدد المشرع مسطرة ممارسة هذا الحق ، سواء من حيث الوثائق محل هذا الحق، او من حيث الأشخاص الخاضعين له، او من حيث محل ممارسته وحدوده.
وهذا ما سنعكف على دراسته من خلال التطرق لمجال حق الاطلاع ( الفقرة الأولى)، وحدوده ( الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مجال حق الاطلاع
حددت المادة 214 من المدونة العامة للضرائب مجال استعمال حق الاطلاع في الوثائق المحاسبية الموجودة في حوزة إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية وكل هيئة خاضعة لمراقبة الدولة وكل الأشخاص الذين يزاولون نشاطا خاضعا للضريبة.
وقد قننت الإدارة هذه الممارسة بإصدار مذكرتين خولت فيهما ممارسة هذا الحق للفرقة المكلفة بالبحث والتقصي، وذلك من اجل تفادي بعض الصعوبات التي قد تواجه الخاضعين للضريبة، إلا أن المنشور المتعلق بالضريبة على الشركات منح للمفتشين المحققين بدورهم ممارسة هذا الحق.
أولا: الوثائق الخاضعة لحق الاطلاع
بالرجوع إلى المادة 214 (م.ع.ض) فحق الإطلاع يسري على:
الأصل أو تسليم النسخ على حامل مغناطيسي أو على ورق لما يلي:
– وثائق المصلحة أو المحاسبية الموجودة في حوزة إدارات الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وكل هيئة خاضعة لمراقبة الدولة دون إمكانية الاعتراض على ذلك بحجة كتمان السر المهني.
– السجلات والوثائق التي تفرض مسكها القوانين أو الأنظمة الجاري بها العمل؛ وكذا جميع الحقوق والمحررات والسجلات والملفات الموجودة في حوزة الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين الذين يزاولون نشاطاً خاضعاً للضرائب والواجبات والرسوم.
– سجلات التضمين التي يمسكها القضاة المكلفون بالتوثيق.
-الاطلاع على المعلومات المتوفرة لدى إدارة الضرائب التابعة للدول الأجنبية التي تربطها بالمغرب اتفاقيات جبائية.
أن تعداد الوثائق الخاضعة لحق الاطلاع تجعل منه حقا لا يشمل جميع الوثائق باختلاف أنواعها . وفي هذا الاتجاه ، انصب الاجتهاد القضائي الفرنسي ، حيث حدد حق الاطلاع في أنه يشمل إلا الوثائق التي تتعلق بالنشاط الذي يمارسه المكلف أو الهيئة أو المقاولة دون أن يتعداه إلى وثائق قد تتعلق بالحياة الشخصية للفرد أو على وثيقة غير محاسبية .
وقد وضحت المذكرة الدورية رقم 716 نوع هذه الوثائق الخاضعة لحق الإطلاع، وخاصة تلك التي تفرضها القواعد والالتزامات المحاسبية للتجار والمنصوص عليها في القانون رقم 9- 88 بما في ذلك السجلات المحاسبية والفاتورات وكذلك النسخ المغناطيسي، إذا كانت المعلومات المذكورة ممسوكة بالطرق المعلوماتية . وقد سوى المشرع بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص فيما يخص الوثائق التي تستلزمها المصلحة الجبائية. ولهذا قضى في فرنسا أن الإدارة الجبائية لها الحق في الإطلاع على العمليات البنكية المسجلة في حساب بنكي لشخص خاضع لمسطرة المراقبة ، وأن لها الحق في استعمال جميع المعلومات التي يمكنها الحصول عليها من قبل الخواص ، أو من السلطة القضائية تطبيقاً للفصل 101 من كتاب المساطر الجبائية ، كما لها الحق في الحصول على الوثائق التي تنجز بها محاضر الشرطة القضائية ، كذلك المحاضر التي تنجزها إدارة الجمارك .
ثانيا: الأشخاص الخاضعون لمسطرة الإطلاع
سوى المشرع المغربي ما بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص في ضرورة الاستجابة لمسطرة حق الإطلاع فبمقتضى المادة 214 (م.ع.ض) يخضع لمسطرة الإطلاع الأشخاص التالية صفاتهم:
الهيئات العمومية والتي تضم :
إدارات الدولة
الجماعات المحلية ” الجماعات، الجهات ، العمالات …”
المؤسسات العمومية
كل هيئة خاضعة لمراقبة الدولة
محاكم التوثيق
الأشخاص المزاولون لنشاط مهني :
وهم الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الذين يزاولون نشاطا خاضعا للضريبة.
ولا يمكن أن يمارس حق الإطلاع إلا من قبل إدارات تابعة لوزارات مختلفة وكذلك فإن التبعية الترابية لا يمكن أن تقع حاجزاً في مواجهة مأمور الضرائب الذي يمارس حق الإطلاع لدى إدارات لا تنتمي إلى نفس الإقليم .
ثالثا: مكان ممارسة الاطلاع
حددت المادة 214 من م.ع.ض في فقرتها الثانية الأماكن التي بالإمكان أن يتم فيها ممارسة حق الاطلاع، وهي:
– أن يمارس بأماكن المقر الاجتماعي للأشخاص الطبيعيين والمعنويين أو مقر مؤسستهم الرئيسية.
– أو بقيام المعني بالأمر بتقديم المعلومات المطلوبة كتابة إلى إدارة الضرائب.
– أو بتسليم الخاضع لهذا الحق الوثائق المطلوبة إلى مأموري الضرائب مقابل إيصال.
رابعا: جزاء عدم الامتثال لطلب الاطلاع
افرد المشرع لعدم الامتثال لطلب الاطلاع جزاءات مالية منصوص عليها في المادة 190 من المدونة العامة للضرائب.
وتسلك الإدارة مسطرة قانونية لتطبيق هذه الجزاءات، في مواجهة الجهة المطلوب منها الوثائق المحاسبية المشار إليها في المادتين 145 و 146 أو رفضوا الخضوع لإجراء المراقبة المنصوص عليها في المادة 212 قصد الاطلاع .
إذ تعمد الإدارة على توجيه رسالة تدعو فيها الجهة المطلوبة منها الوثائق التقيد بالالتزامات القانونية داخل اجل خمسة عشر يوما من تاريخ تسلم الرسالة المذكورة. وبانصرام هذا الأجل، وإذا لم تستجب الجهة المطلوبة منها الوثائق ، تخبرها الإدارة بمقتضى رسالة ثانية بأداء غرامة مالية قدرها 2000 درهم وفق الشروط المقررة في المادة 229 . وبالنسبة للضربة على الدخل يتراوح مبلغ هذه الغرامة من 500 درهم إلى 2000 درهم وان اقتضى الحال غرامة تهديدية قدرها 100 درهم عن كل يوم تأخير في حدود سقف 1000 درهم.
بيد أن هذه المقتضيات لا تطبق على إدارات الدولة والجماعات المحلية والقاضي المكلف بالتوثيق. وارى أن هذا الاستثناء يحد من فعالية ها الحق ، لأنه من اجل الحفاظ على الحقوق المالية للخزينة ، يجب إخضاع الهيئات العمومية لنفس الأحكام المطبقة على الأشخاص الخواص في حالة عدم الامتثال لطلب الاطلاع .
الفقرة الثانية: حدود حق الاطلاع
من خلال قراءة متأنية لمقتضيات المادة الخامسة من كتاب المساطر الجبائية التي تتناول حق الاطلاع ، نجد أن المشرع المغربي قد أعطى للإدارة الضريبية الحق في أن تطلب من أي إدارة عمومية أو شبه عمومية جميع المعلومات التي تعتقد أنها تفيدها في مراقبة ربط الضريبة الواجبة في حق الملزم او المقاولة ، كما أن تقديم المعلومات تتم بدون إبداء الرأي ودون إمكانية الاعتراض على ذلك بحجة كتمان السر المهني ، مما يحمل على القول بان هذه المسطرة تكاد تكون استقصائية وقد تصبح تهدد حرية الأشخاص المكلفين.
المشرع الضريبي كان صريحاً في المدونة الجديدة ولا في القوانين السابقة على عدم إمكانية الاحتجاج بالسر المهني وهو ما تفيده عبارة “دون إمكانية الاعتراض على ذلك لحجة كتمان السر المهني” .
ونظرا لما قد تحدثه ممارسة حق الاطلاع على نفسية المكلفين ، وحتى لا تختلط الأمور عليهم ، وحتى لا تنعت الإدارة بأنها ارتجالية في تعاملها معهم ، وكذلك لمسايرة روح العصر – الانفتاح والشفافية ، والتطور الايجابي الحاصل في علاقتها بالمكلفين من جهة وسد الفراغ التشريعي وتفادي كل ما من شانه أن يعكر جو العلاقة مع المكلفين من جهة أخرى ، يتعين أن نسير في اتجاه الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي ادخل إجراء مسطريا اعتمدته الإدارة ، وهو إرسال إشعار إلى المعني بالأمر مع تحديد طبيعة تدخل مأموري الضرائب . وبذلك أصبح هذا النوع من التدخل عاديا ولا يسبب أي إزعاج للمكلف.
إن ممارسة الإدارة لسلطتها في حق الاطلاع يمكن أن تمس بأسرار تحميها قوانين منظمة لبعض المهن .
وهكذا أشار الأستاذ ايف برار “yves brard” إلى أن السر المهني يطرح في القانون الضريبي مشكلة الصراع بين مطلبين : من جهة ، ضرورة رقابة ضريبية فعالة لضمان مردودية ضريبية مرتفعة ومساواة ضريبية ، ومن جهة أخري احترام السر المهني الذي يعد من ركائز الحرية الفردية .
وفي المقابل يرى الدكتور لويس ميلينك ” louis melennec” انه من بين أهم انحرافات ” perversions ” مؤسسة السر المهني ، انه في زمن ما ، كان الأطباء يعتقدون بأنهم مالكين للسر المهني ناسين بأنهم فقط مؤتمنين عليه ، الغش الضريبي وجد حماية وراء هذه المؤسسة القديمة والمحترمة التي لم تخلق من اجل هذا .
وتتجلى الصعوبة في كون المشرع لم يعط تعريفا لمفهوم السر المهني لكون هذا الأخير ذو مفاهيم متعددة: سر الأعمال، السر الضريبي، السر الإداري وكذلك السر الطبي. ويتطور مفهوم السر مادام يضم ما أبيح به وما اكتشف ، إلا أن السر الطبي يبقى الأقوى نظرا لارتباطه مباشرة بالقدرات الجسمية والفكرية للشخص ، إنما يشكل حسب البعض عقبة غير مقبولة في وجه مبدأ المساواة أمام الضريبة وعرقلة غير عادية لمحاربة الغش الضريبي .
وما يزيد من حجم هذا الغموض ما جاءت به المادة 214 من م.ع.ض حيث نصت على انه: ” غير أن حق الاطلاع لا يمكن أن يشمل مجموع الملف فيما يتعلق بالمهن الحرة التي تستلزم مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو ضريبي أو محاسبي “.
وتضيف المذكرة الدورية السابقة أن المهن الحرة التي تفترض مزاولتها تقديم خدمات ذات طابع قانوني أو جبائي أو محاسبي والتي تستلزم احترام السر المهني كالمحامين والتراجمة والموثقين والعدول والمهندسين المعماريين والأعوان القضائيين والخبراء المحاسبين والمستشارين القانونيين… فإن حق الإطلاع لا يمكن أن يشمل كامل الملف المرتبط بالزبون .
إذن المشرع المغربي اغفل التنصيص بالمادة 214 من م.ع.ض وكذا في الدورية السابقة. على المهن ذات الطابع الطبي – واهم إشكالية يطرحها هذا الفصل هو سبيل التوفيق بين حق الاطلاع والمحافظة على السر المهني.
لفهم هذه الإشكالية نستحضر ما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي منذ 1972 إلى قبول إمكانية اطلاع الضريبة على الوثائق المتعلقة بجراحة الأسنان ، معتبرا هاته الوثائق – المبلغ الذي يؤديه الزبون ، طبيعة العملية – مجرد وثائق محاسبتيه لا علاقة لها بالسر المهني .
وقضي في فرنسا أيضا تطبيقاً للمادة 378 من المدونة الجنائية التي تمنع إظهار أسماء الزبناء في دفتر اليومية وكل الوثائق التي يمكن أن تكون موضوعاً لحق الإطلاع، إمكانية رفض إطلاع الضرائب على هذه الوثائق طالما كانت تشير إلى أسماء الزبناء . واعتبر نفس القضاء أنه يعتبر مساً بحق بالسر المهني إلزام المحقق للممرضة بضرورة إطلاعه على بعض الوثائق المحاسبية والتي تجسد أسماء المرضى بشكل ظاهر .
وبالتالي فأي تصحيح جبائي تم وفقاً لهذا الخرق للسر المهني يعتبر لاغياً وبإمكان الملزم المطالبة بالإعفاء من الضرائب المترتبة عنه .
وتجب الإشارة إلى أن المشرع قد أحاط هذا الحق بضمانات للملزم والمقاولة بحيث ألزم مفتش الضرائب الذي يطلع على الوثائق في إطار حق الاطلاع بكتمان السر ، كما لا يجوز له أن يسلم المعلومات أو نسخ العقود أو الوثائق أو السجلات التي في حوزته لأشخاص غير المتعاقدين أو الملزمين بالضريبة المعنيين أو خلفهم العام إلا بموجب أمر
صادر عن القاضي المختص .
وفي الأخير، وحتى لا يشكل السر المهني عائقا في وجه حقوق الإدارة الضريبية، يجب القول بأنه حان الوقت للتفكير في صياغة ميثاق واجبات وضمانات الملزم الخاضع للسر المهني ، يضمن فيه المشرع حقوق وواجبات كل طرف .
المبحث الثاني: فحص المحاسبة
يعتبر فحص المحاسبة نوعا من الرقابة التي تمارسها الإدارة، بهدف التحقق من صحة البيانات المحاسبية والإقرارات التي أدلى بها الخاضعون للضريبة والتأكد في عين المكان من حقيقة وجود الأموال المدرجة في الأصول.
ولم يعرف القانون المغربي فحص المحاسبة ، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي عرفها من خلال قرار بلانيير”plénière” الصادر بتاريخ 13-03-1967 بأنه :” مراقبة لمدى صحة وصدق إقرارات الخاضع للضريبة وذلك بمقارنتها مع البيانات المحاسبية من اجل ضمان فرض الضريبة على المتملص منها بدون سند قانوني ” .
ويعتبر تعميم مسك المحاسبة من أهم العناصر التي أتى بها الإصلاح الجبائي في إطار تكريس حقوق الملزم بصفة عامة والمقاولة بصفة خاصة ، فبعدما كانت تعتبر نظاما استثنائيا في تحديد النتائج الخاضع للضريبة أصبحت المحاسبة بعد الإصلاح التزاما عاما يكتسب قوة الحجية للملزم و المقاولة في كل ما يتعلق بتصريحاتهما الجبائية.
وتقوم الإدارة بتحديد برنامج سنوي للأشخاص والمقاولات الذين سيخضعون لهذا النوع من المراقبة وذلك بناء على معايير محددة سابقا .
وتتمتع الإدارة الضريبية بسلطة تقدرية لرفض أو قبول المحاسبة، حيث تقوم بمجموعة من العمليات للتحقق في عين المكان ، من صحة المحاسبة والوثائق المؤيدة لها والتي تمسكها المقاولة ومقارنتها مع تصريحاتها أو من خلال المعلومات التي تتوفر عليها ، غير أن هذا الحق في التقدير تقيده ضوابط يجب مراعاتها تحت طائلة بطلان الآثار التي تتمخض عن هاته الرقابة .
ولهذا فقد ألزم المشرع ، لصحة هذه السلطة ، الإدارة بالتقيد بضوابط معينة وتوفر مجموعة من الضمانات سنوضحها من خلال تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين ، سنتناول في المطلب الأول سلطة الإدارة في التقدير وفي المطلب الثاني ضمانات المقاولة وموقفها من المراقبة الجبائية .
المطلب الأول: سلطة الإدارة في التقدير
تعتبر سلطة الإدارة في التقدير من أهم الإشكالات القانونية التي طرحها كتاب المساطر الجبائية على اعتبار أن المشرع المغربي نص في المادة 213 من (م.ع.ض) على حالات أتاح فيها للإدارة أن تمنح نفسها حق إعادة النظر في محاسبة الملزم التي يضعها في حصيلته السنوية، والتي على إثرها تؤسس الضريبة. وكان من أهم الإشكالات هي مدى اعتبار هذه الحالات على سبيل الحصر أم على سبيل المثال. كما ثارت إشكالية مفهوم المحاسبة المنتظمة وغير هذا كثير. وهكذا سنحاول تحديد مفهوم المحاسبة المنتظمة في الفقرة الأولى على أن نتعرض في الفقرة الثانية لحدود سلطة الإدارة في التقدير.
الفقرة الأولى: مفهوم المحاسبة المنتظمة.
سنقوم بتحديد طرق مسك المحاسبة التي ألزم المشرع الملزمين والمقاولات بإتباعها (أولا)، ثم نلقي نظرة على مفهوم الإخلالات المحاسبية (ثانيا).
أولا: شكليات مسك المحاسبة.
ألزم المشرع الخاضع للضريبة بواجب الاحتفاظ لمدة عشر سنوات بالوثائق المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب وهي:
-السجلات المقيدة فيها العمليات.
-السجل الكبير.
-سجل الجرد.
-الجرود المفصلة إن لم تكن مستنسخة في سجل الجرد.
-السجل اليومي.
-جذاذات الزبناء والموردين.
-نسخ فاتورات البيع أو بطاقات الصندوق.
-الأوراق المثبتة للمصروفات والاستثمارات.
-وكذا كل وثيقة واردة في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل.
ويستمد التنظيم المحاسبي في المغرب أصوله أساسا من القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية للتجار والدليل العام لمعايير المحاسبة . وأحكام مدونة التجارة إذ تنص المادة 19 من مدونة التجارة على مايلي : يتعين على التاجر أن يمسك محاسبة طبقا لأحكام القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها.
وجاء في المادة 145 من المدونة العامة للضرائب على انه :” يجب على الخاضعين للضريبة مسك محاسبة طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها بشكل يتيح للإدارة أن تقوم بالمراقبة المنصوص عليها في م . ع . ض “.
كما تبين المادة 9 من المدونة العامة للضرائب كيفية تحديد الأساس المفروضة عليه الضريبة في البند الأول :” تحدد الحصيلة الخاضعة للضريبة المتعلقة بكل سنة محاسبية بعد تغييرها ، إن اقتضى الحال طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها ، باعتبار ما زاد من العائدات على التكاليف في السنة المحاسبية التي وقع الالتزام بها أو تحملها لما يتطلبه النشاط المفروضة عليه الضريبة تطبيقا للتشريع والتنظيم المحاسبي الجاري به العمل “.
كما تنص المادة الاولى من قانون المحاسبة على انه يجب على كل شخص طبيعي أو معنوي يتوفر على صفة تاجر كما جاء في مدونة التجارة ، أن يمسك المحاسبة وفق القواعد المنصوص عليها في هذا القانون .
وتعتبر المحاسبة منتظمة حين تعطي صورة صادقة لأصول المنشاة وخصومها ولوضعيتها المالية ونتائجها . إذن ينبني فحص المحاسبة على نوعين من الوثائق:
– الوثائق المحاسبية المشار إليها أعلاه.
– المستندات المحاسبية فيما يخص النفقات، بحيث يجب أن تكون كل نفقة تقوم بها الشركة من اجل شراء السلع، مواد أولية خدمات من ممولين خاضعين للضريبة على التجارة مدعمة بفاتورة أو أي وثيقة تقوم مقامها.
وإذا كانت المحاسبة ممسوكة بوسائل الإعلاميات أو كانت الوثائق محفوظة في ميكروفيشات ، فان المراقبة تشمل جميع المعلومات والمعطيات والمعالجات الإعلامية التي تساهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في تكوين الحاصلات المحاسبية أو الخاضعة للضريبة وفي إعداد الإقرارات بالضريبة ، وكذا الوثائق المتعلقة بتحليل المعطيات وبرمجتها المعالجات .
ثانيا: الإخلالات المحاسبية
نصت المادة 213 (م.ع.ض) في الفقرة الأولى على الإخلالات الجسيمة التي تشوب المحاسبة، والتي من شأنها أن تشكك في قيمة الإثبات للبيانات المحاسبية وتمنح الإدارة حق إعادة النظر في أساس فرض الضريبة.
ويمكن تحديد مفهوم الإخلالات المحاسبية بأنها نتيجة لعدم قيام الملزم بالضريبة الخاضع للنظام المحاسبي بمسك محاسبة مطابقة للقوانين، وللمصداقية التي تمكن من تحديد أساس فرض الضرائب التي تتوقف عليها المحاسبة .
وقد عددت المادة 213 (م.ع.ض) هذه الإخلالات فيما يلي:
– عدم تقديم محاسبة ممسوكة وفقاً لأحكام المادة 145 أعلاه.
– انعدام الجرود المقررة في المادة الأنفة الذكر.
– الأخطاء أو الإغفالات أو البيانات غير الصحيحة الجسيمة والمتكررة الملاحظة فيم تتضمنه المحاسبة من عمليات.
– انعدام أوراق الإثبات الذي يجرد المحاسبة من كل قيمة إثباتيه.
– عدم إدراج عمليات في المحاسبة بالرغم من إنجاز الخاضع لها.
– إدراج عمليات صورية في المحاسبة.
ومن خلال ما سبق يتضح أن انتظام المحاسبة يتجسد بتوفر معيارين:
– معيار الالتزام بقواعد المحاسبة.
– معيار احترام شكل المحاسبة .
ومن جهة أخرى فإن الإدارة الجبائية – مهما كانت طبيعة هذه الإخلالات- عليها أن تثبت ذلك حتى تعيد النظر في صدق المحاسبة. ويعني ذلك أن يتم الإثبات بوجود مستندات كتابية كوجود عقد، فاتورة، محضر، إلخ… وليس فقط بمجرد وجود شك في ذلك وهو ما تؤكده عبارة ” إذا ثبت للإدارة ذلك” .
كما أن المحاسبة المدلى بها، إذا كان لا يشوبها شيء من الإخلالات الجسيمة المبينة أعلاه، لا يجوز للإدارة أن تعيد النظر فيها وتعيد تقدير رقم المعاملات إلا إذا ثبت نقصان الأرقام التي وقع الإقرار بها.
الفقرة الثانية: حدود سلطة الإدارة
إذا شابت سنة محاسبية أو فترة لفرض الضريبة اختلالات جسيمة من شانها أن تشكك في قيمة الإثبات التي تكتسبها المحاسبة ، جاز للإدارة استعمال سلتطها التقديرية لتحديد أساس فرض الضريبة باعتبار العناصر المتوفرة لديها .
ولممارسة الإدارة هذا الحق ، يجب أن يحصل لديها اليقين التام بوجود ولو واحد من الإخلالات الجسيمة ، لان الإدارة ملزمة بإثبات ذلك.
والاخلالات التي قننها المشرع جاءت كحل وسط بين الطرفين ، إدارة الضرائب والملزم أو المقاولة ، للخروج من النفق المسدود إذا ادعى كل منهما انه محق وعلى صواب وإنما الخطأ ارتكبه الطرف الأخر ، ويبقى كل طرف متشبث بوجهة نظره ، وهذا الحل الوسط جاء للتقريب بين وجهة نظر الطرفين.
فعندما خول المشرع للإدارة الحق في استعمال سلطتها التقديرية لم يمنحها لها بصفة مطلقة، وإنما حدد مجال ومضمون هذه السلطة حتى لا يكون هناك إفراط في استعمال الحق من طرف الإدارة من جهة والحفاظ على حقوق المقاولة من جهة أخرى.
ولقد حدد المشرع الإخلالات التي يمكن أن تشوب المحاسبة وحصرها في سبع نقط ، وبهذا فمن الصعب بالنسبة للإدارة أن تشكك في قيمة الإثبات التي تكتسبها المحاسبة ، وأصبح ذلك يتطلب عملا واحترافية عالية أصبح لزاما عليهم إثبات هذه الإخلالات وتعليلها بعكس ما كان يحدث في السابق بالنسبة لقانون الضريبة على الأرباح المهنية والضريبة على المنتجات والخدمات.
وبعد هذا التقدم الحاصل في نوعية النصوص الضريبة مع ضبطها وتحديدها للمساطر الجبائية المنظمة لجميع الإجراءات الضريبية في علاقة الإدارة مع الملزم نتيجة حتمية للتراكمات المخلة بحق الدفاع الملزم الذي ظل مغيبا بصفة شبه تامة في القوانين الضريبية السابقة ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، فعلاقة الملزم بإدارة الضرائب كانت متشنجة بعض الشيء نظرا للحيف الذي كان يلحق بعض الملزمين عن قصد أو غير قصد لان النصوص الضريبية كانت متفرقة وقديمة جدا الشيء الذي أدى في الأخير إلى إلغائها وإعطاء الفرصة لتعويضها بنصوص جديدة ومتناسقة .
ويعد تحديد مجال رفض المحاسبة نتيجة للوعي بتلك الإضرار التي تؤثر سلبا على مصالح المقاولة التي أصبحت اليوم على ضوء القوانين الجديدة تعرف ” أو مفروض فيها ” حقوقها وواجباتها”.
من خلال استقراء النص المادة 213 يبدو أن المشرع لم يحسم في مدى اعتبار الحالات المنصوص عليها واردة على سبيل الحصر أم على سبيل المثال، ذلك أن عبارة ” يعد من الإخلالات الجسيمة” تفيد أكثر من معنى. فالإدارة الجبائية لها صلاحيات شتى فيما يخص آليات المراقبة – وقد سبق أن رأينا حق المعاينة وحق الإطلاع، وبالتالي فهي تمتلك خزانة للمعلومات قد تكون مكتوبة (عقود- فواتير- محاضر) وقد تكون بمقتضى المعرفة التي يتوفر عليها أعوانها أثناء أداء مهامهم كعملية الجرد السنوية التي يقوم بها أعوان قسم الجبائية العقارية “Fiscalité immobilière” لذلك فسلطة الإدارة ثابتة بمقتضى القانون والواقع. ولئن قيد المشرع هذه السلطة بضرورة التوفر على إثباتات مادية مجسدة في عدم مسك المحاسبة بانتظام أو عدم صدقها أو وجود معلومات ثابتة بوجود إخلالات، فالحقيقة أن فحص المحاسبة يحرج الإدارة الجبائية لوجود مشاكل عملية.
وإذا كانت المحاسبة لا يشوبها شيء من هذه الإخلالات ، لا يجوز للإدارة أن تعيد النظر في المحاسبة وتعيد رقم المعاملات إلا إذا اثبت نقصان الأرقام التي وقع الإقرار بها .
وفي حالة وجود هذه الإخلالات الجسيمة بالمحاسبة يتم رفضها ، ويلزم مفتش الضرائب بتعليل موقفه من خلال عرض دقيق حول الوقائع التي جعلته يعتبر المحاسبة غير مقبولة .
وعند إعلان رفض المحاسبة، فالمفتش تبعا لأحكام مقتضيات المادة 213 من م.ع.ض يمكنه تحديد الأساس الضريبي من خلال العناصر التي يتوفر عليها .
وتجب الإشارة إلى أن طرق تحديد الأساس لا تخضع لأحكام شرعية لكثرة تنوعها، ولكن يجب آن تكون ملائمة للظروف الخاصة بكل حالة، ويتم هذا التحديد إما عن طريق:
– اللجوء إلى المعلومات المحصل عليها عن طريق التقصي.
– إعادة تقييم رقم المعاملات تبعا للنسبة الخامة للربح.
– تحديد الربح الخام بالمقارنة مع مقاولة أو أكثر تمارس نشاطا مشابها.
– ويمكن للمفتش تحديد الربح الخام أو رقم المعاملات من خلال :
– المشتريات.
– الأجور.
– استهلاك الطاقة …الخ
وعادة ، فالمفتش يقيم رقم المعاملات بتطبيق معامل الربح الخام على المشتريات من السلع المبيعة التي يمكن استخلاصها عن طريق العملية التالية :
مخزون البداية + المشتريات – مخزون النهاية = المبيعات
وفيما يخص المقاولات الصناعية ، يضاف إلى هاته العناصر الأجور ، والتحملات الاجتماعية وباقي التكاليف المتعلقة بالإنتاج ” مثلا تكاليف النقل ، التخزين” .
المطلب الثاني: ضمانات المقاولة وموقفها من المراقبة الجبائية
سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين سنخصص الأولى لموقف المقاولة من عملية المراقبة الجبائية على أن نتعرض في الثانية للضمانات الممنوحة للمقاولة أثناء سريان عملية المراقبة الجبائية.
الفقرة الأولى: موقف المقاولة من عملية المراقبة الجبائية
تستمد الضريبة أساسها من مبدأ المساواة بين الملزمين في تحمل النفقات العمومية ، ويتم التنصيص على هذا المبدأ غالبا في الدستور. لكن دقة هذا المبدأ تجعل التشريعات أمام امتحان صعب لتحقيق هذه المساواة بين الملزمين، فاختلال هذا المبدأ يؤدي إلى انعدام العدالة الضريبية وتفاقم الضغط الضريبي على فئة من الملزمين دون أخرى. وأمام هذه الوضعية الشاذة ينكب بعض الملزمين على التهرب من أداء الضريبة نتيجة الحيف الذي يلحقهم من عدم التكافؤ في تحمل النفقات العمومية بشكل متساوي مع باقي الملزمين.
ولا تخرج المقاولات عن هذا السياق إذ تلجأ في العادة إلى التهرب من أداء الضريبة بشكل كلي أو جزئي عن طريق الاستغلال الذكي لثغرات النصوص الضريبية أو عن طريق الاستفادة من الحلول التي تقدمها المحاسبة. وتتعدد أسباب التهرب الضريبي بين ما هو تقني وقانوني وبين ما هو اقتصادي وسياسي وبين ما هو تاريخي ونفسي وأخلاقي. كما ينتج عن هذه الظاهرة آثار سلبية على الاقتصاد والأفراد سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
ولفهم الظاهرة بالنسبة للمقاولات لابد أن ننطلق من معرفة تأثير النظام الضريبي عليها أي حجم التضريب الذي تتعرض إليه فيما يتعلق بمختلف الضرائب، فالمقاولة تخضع لضرائب محلية كالضريبة الحضرية 13 في المئة والباتانتا ما بين 10 و30 في المئة أما بالنسبة للأرباح التي تحققها فتضرب حسب طبيعتها القانونية ( سواء كانت شركة أو مقاولة فردية) أكان بالضريبة على الشركات بسعر 30 في المئة والذي دخل حيز التنفيذ مع قانون مالية 2007 أو بنسبة 42 في المئة بالنسبة للمقاولات التي تختار الخضوع للضريبة على الدخل.
ولقد سبق للبنك الدولي أن أعد دراسة سنة 1983 حول الضغط الضريبي على المقاولات بالمغرب فتوصل إلى أن معدل تضريب شركة متوسطة الحجم قد يصل إلى 58 في المئة وبالنسبة للمقاولات الفردية ل 74.7 في المئة وتوصل أحد الباحثين حول نفس الموضوع سنة 2003 إلى معدل تضريب بالنسبة لشركة متوسطة الحجم إلى 48.2 في المئة أما بالنسبة للمقاولات الفردية فيبلغ نسبة 51 في المئة. وبمقارنة نتائج الدراستين نخلص إلى أن الضغط الضريبي رغم ارتفاعه إلا أنه عرف تراجعا ملحوظا منذ الثمانينات إلى الآن. لكن تبقى النسبة السالفة الذكر محفزة على التهرب خصوصا بالنسبة لنظام ضريبي يعتمد التصريح لكنه منزوع السلاح على مستوى المراقبة.
بالإضافة إلى العوامل السالفة الذكر يمكن إضافة العوامل النفسية التي تحرك دوافع المقاولات إلى التهرب من أداء الضريبة إذ تعتقد أن احتمالات خضوعها للمراقبة جد ضئيلة. وبالتالي فإن مخالفتها للضريبة يكون محسوبا في غالبا، وفي هذا الإطار لاتشكل المراقبة الضريبية أي هاجس للمقاولة أو ربما رادعا لها، إن الشعور بالا عقوبة يعتبر من العوامل الأساسية التي تقف وراء مخالفة الضريبة في بلادنا.
إذن فإن نتائج المراقبة الجبائية التي قد تتعرض لها المقاولات تكون محسوبة ومعروفة، وبالتالي تكون المقاولة قد أعدت عدتها نفسيا وماديا وذلك من أجل تلقي العقوبات إزاء مخالفتها للنصوص الضريبية.
الفقرة الثانية: ضمانات المقاولة أثناء عملية المراقبة الجبائية
سن المشرع للخاضعين للضريبة ضمانات عديدة لتلافي حدوث أي شطط محتمل أثناء مباشرة الإدارة للمراقبة الجبائية ويمكن استنباط هذه الضمانات من خلال قراءة المقتضيات المتعلقة بمسطرة فحص المحاسبة والتي شملتها المادة 212 (م.ع.ض) وإيجازها في ضرورة الإعلام بالفحص (أولا) وتحديد مدته (ثانيا) وتبليغ الملزم بنتيجة المراقبة (ثالثا).
أولا: ضرورة الإعلام بالفحص
يعتبر هذا الإعلام من أهم ضمانات الفحص الجبائي للخاضع له ويصطلح عليه ببيان المرور، وتتجلى أهميته من الناحية القانونية في أنه إعلام للخاضع بالفحص الجبائي وضرورة إعداد وثائقه المحاسبية ومستنداته والاستعانة بخبير محاسبي يسنده في مواجهته للمراقبة، ولذلك يوجه مأمور الضرائب هذا الإعلام للخاضع ويمنحه أجل 15 يوماً من يوم التسلم. فما هي شروط هذا الإعلام (أولا) وما هي آثاره (ثانيا).
htmlspecialchars_decode(‘”‘) ا: شروط الإعلام بالفحص htmlspecialchars_decode(‘”‘)
نصت المادة 212 (م.ع.ض) على وجوب تبليغ الإشعار إلى الخاضع للضريبة وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 (م.ع.ض) قبل التاريخ المحدد للشروع في عملية الفحص بخمسة عشر يوماً على الأقل. وإذا كان المشرع قد ألزم الإدارة بضرورة توجيه الإشعار بالفحص فإنه لم يحدد مضمونه، وهو نقص يعتري النص القانوني، خاصة إذا لم تبين بوضوح السنوات المحاسبية موضوع الفحص.
وقد جرى العمل على ملأ مطبوع صادر من الإدارة توضح فيه هوية المفتش المكلف بالفحص ورقم بطاقة التكليف بمهمة وتاريخ حصوله عليها، كما تبين فيه هوية الخاضع للفحص وعنوانه وعمله وكذلك السنوات الخاضعة لمسطرة الفحص.
ويعتبر مضمون المطبوع على إعلام الخاضع بقرار الإدارة فحص محاسبته بعد 15 يوماً من تسلمه الإشعار، كما يشمل على توقيع كل من المفتش المكلف بالفحص وكذلك رئيس الفرقة أو المصلحة التي ينتمي إليها. وتراعي الإدارة من الناحية العملية الحذر في ملأ بيانات هذا الإشعار بشكل لا يؤدي إلى نزاع في المستقبل، خاصة وأنه يعتبر أهم إجراء تبنى عليه نتيجة المراقبة الجبائية ككل.
كما أن المشرع المغربي كان حريصاً على ضرورة تسلم الخاضع للضريبة لهذا الإشعار طبقاً لمقتضيات المادة 219 من القانون أعلاه.
htmlspecialchars_decode(‘”‘) ب: آثار الإعلام بالفحص htmlspecialchars_decode(‘”‘)
عند تسلم الخاضع للضريبة الإعلام بالفحص بشكل صحيح، فإن ذلك في صالح الإدارة الجبائية؛ لأنه يعتبر أهم مرحلة، ولأنها إن مرت بسلام ودون رفض الخاضع أو استنكاره، فإن على الإدارة الحذر من عدم اقتحام محل الخاضع أو مطالبته بالوثائق قبل مرور الخمسة عشر يوماً التي منحه إياها المشرع. وحتى يتمكن الخاضع للضريبة من التعرف على حقوقه وموقفه القانوني، ولقد قيد القانون الفرنسي الإدارة بضرورة إرفاق الإشعار بميثاق الخاضع للضريبة تحت طائلة البطلان .
وقد ألح المشرع المغربي في المادة 212 (م.ع.ض) على ضرورة التبليغ، وهي ضمانة مؤكدة لحقوق الملزم في المغرب. لذلك ذهب القضاء الفرنسي إلى أن الملزم إذا لم يبلغ بطريقة صحيحة بمضمون الإعلام بالفحص ولم يشعر بأن من حقه الاستعانة بخبير من اختياره، فالمسطرة تعتبر معيبة رغم حضور محاسب هذا الملزم ؛ كما أقر نفس القضاء ضرورة منح اجل معقول للخاضع كي يتدبر أمره ويختار المحاسب الذي يراه مناسباً حتى على الرغم من توصله شخصياً بالإشعار وبدء سريان مسطرة الفحص في ذات اليوم ، بل على الرغم من إشعار محاسبه مسبقاً من قبل مصلحة الضرائب .
ويترتب على عدم اكتراث الإدارة الجبائية بهذه الشكليات تعيب المسطرة وبالتالي ضياع كل جهد الإدارة في إعادة تأسيس الأساس الضريبي. وهذا ما أكده القضاء المغربي في مجموعة من القرارات، فقد ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وهي تكرس تلك الضمانة المتعلقة بالإشعار بالفحص والتي من شانها أن تمكن الملزم من تهيئ دفاعه والدفاع عن مراكزه القانونية إزاء عملية الفحص إلى القول بإلغاء مسطرة فرض الضريبة لإخلال الإدارة بمقتضيات تلك الضمانة جاء في قرارها ما يلي: ” حيث أن الآجال الفاصلة بين تاريخ التوصل بالإشعار بإجراء التفتيش وتاريخ حضور المفتش المحقق أمام الشركة المعنية لفحص المستندات يجب ألا تقل عن 15 يوما وان العبرة في ذلك بتاريخ التوصل بالإشعار وليس بتاريخ الإرسال لما في ذلك من ضمانات لفائدة الملزم لينمكن من تهيئ دفاعه “.
وأكدت نفس المنحى في قرار أخر وهي تلغي مسطرة فرض الضريبة بقولها: ” العبرة بتبليغ الإشعار بالفحص واحترام أجالها وليست بواقعة التبليغ وفي نازلة أخرى ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى إلى القول بإلغاء مسطرة تصويب الضريبة العامة على الدخل بعد أن تبيين لها أن مسطرة تلك المراجعة تقتضي سلوك كل من المقتضيات الإشعار بالفحص المنصوص عليه بالفصل 105 ومسطرة الفصل 107 العادية لتصحيح الضريبة باعتبار أن معاملات الخاضع للضريبة في إطار نظام التقدير الجزافي قد فقات الحد القانوني لذلك وكانت إدارة الضرائب قد طبقت في حق الملزم خلال مسطرة المراجعة فقط مقتضيات الفصل 107 من القانون 89-17 دون توجيه الإشعار بالفحص. وما يهمنا في هدا القرار هو أن سلوك مسطرة الفصل 107 دون مقتضيات الإشعار بالفحص في حق الملزم من شانها تقليص الضمانات المخولة له في إطار مسطرة المراجعة ويفضي ذلك باعتبار أن الأمر يتعلق بإجراءات جوهرية إلى بطلان مسطرة التصويب جاء في قرار الغرفة الإدارية المذكورة ما يلي : ” لكن حيث أن الإدارة الضريبية لما تبين لها من خلال معاملة المستأنف أنها فقات المبالغ المعتمدة في إطار الربح الجزافي المنصوص عليه في المادة 20 من ق ض ع د كما تؤكد ذلك الإدارة كان عليها أن تسلك مسطرة الفحص المنصوص عليها بالمادة 105 التي توجب عليها أن توجه للخاضع للضريبة رسالة موصى بها مع الإشعار بالتسليم لعزمها على القيام بفحص محاسبة لمدة لا يطالها التقادم عملا بالمادة 113 منه”.
إذن القضاء المغربي حريص كل الحرص على احترام هذه الضمانة الممنوحة للملزم بصفة عامة والمقاولة بصفة خاصة من طرف الإدارة الضريبية، إذ يعتبر المساس بها ولو بشكل بسيط سببا كافيا لإبطال هذه المسطرة وكذا الآثار المترتبة عنها.
ثانيا: تحديد مدة الفحص
نصت المادة 212 في الفقرة الرابعة أن عملية الفحص لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستغرق:
– أكثر من 6 أشهر بالنسبة للمنشآت التي يعادل أو يقل مبلغ رقم معاملاتها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف برسم السنوات المحاسبية الخاضعة للفحص عن 50 مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
– أكثر من اثنتي عشر شهراً بالنسبة للمنشآت التي يفوق مبلغ رقم معاملاتها المصرح به في حساب الحاصلات والتكاليف برسم السنوات المحاسبة الخاضعة لفحص خمسون مليون درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة.
أما في فرنسا فلا يمكن أن تتجاوز مدة الفحص ثلاثة أشهر بالنسبة للمقولات الصغيرة ولتحديد هذه المدة فهي تحتسب من آخر زيارة للمفتش المحقق لعين المكان وليس من تاريخ التبليغ بمضمون التصحيحات التي نتجت عن المراقبة الجبائية . وتبتدئ هذه المدة من اليوم الذي حدد في الإشعار بالفحص ما عدا في حالة إثبات عكس ذلك .
ويقع على عاتق الإدارة إثبات صحة مدة الفحص . وأمام إثبات الإدارة وادعاء الملزم يبقى من اختصاص قاضي الموضوع تقدير تاريخ بداية مدة الفحص ، وأن هذا التقدير لا يمكن إعادة النظر فيه أمام قضاء النقض .
ثالثا:إعلام الملزم بنتيجة الفحص
نصت المادة 212 / II (م.ع.ض) على ما يلي: يجب على الإدارة عقب إجراء مراقبة في عين المكان:
أن تطبق المسطرة المنصوص عليها في المادة 220 أو المادة 221 أدناه في حالة تصحيح أسس فرض الضريبة.
أن تقوم في حالة العكس بإطلاع الخاضع للضريبة على ذلك وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أدناه”.
ويعني ذلك أن الفحص الجبائي قد تترتب عنه نتيجتان:
فغما أن يدعو إلى تصحيح أسس فرض الضريبة، وفي هذه الحالة أحال المشرع على إحدى المادتين 220 أو 221 بحسب الحالة، أو قد لا تجد الإدارة الضريبية أي خلل في المحاسبة يدعوها إلى إعادة تشكيل الأساس الضريبي وبالتالي ينزع عنها أي حق في التصحيح الجبائي، لكن المشرع ألزمها بإطلاع المقاولة بذلك في إطار مسطرة التبليغ المنصوص عليها في المادة 219 من نفس القانون. والمغزى من ذلك هو إحاطة المقاولة علماً بمجريات الفحص الجبائي الذي شمل محاسبتها حتى يتسنى لها الوقوف على حقيقة وضعيتها الجبائية، وبالتالي إعداد عدتها لمواجهة ادعاءات الإدارة وإثباتاتها من خلال المعلومات التي تتوفر عليها، وهي مرحلة جد حرجة لا بالنسبة للخاضع لمسطرة الفحص ولا بالنسبة للإدارة الجبائية .
غير أن المشرع المغربي لم يلزم الإدارة بإجراء حوار شفوي وتواجهي بين المراقب والخاضع للضريبة ، عكس ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي تحت طائلة بطلان المسطرة .
الفصل الثاني: أثار المراقبة الجبائية للمقاولة
بعد ممارسة الإدارة الجبائية حقها في المراقبة في مختلف تجلياته وصوره، فإنها قد تنتهي إلى ضرورة تصحيح الأساس الضريبي الذي تم تضريبه في السابق، وتشكل مسطرة تصحيح الأساس الضريبي امتداداً ونتيجة طبيعية لمسطرة المراقبة الجباية، بحيث تبتدئ حيث انتهت هذه الأخيرة. سواء تعلق الأمر بالضريبة على الشركات وبالضريبة على القيمة المضافة أو الضريبة على الدخل خاصة وأن الضرائب المنصوص عليها أعلاه تعتمد النظام ألإقراري؛ فالمقاولة هي التي نحدد دخلها وتصرح به لدى الإدارة .
وقد حدد المشرع مسطرة التصحيح الجبائي وجعلها مسطرة تواجهية (المبحث الأول)، إلا أنه في حالات محددة قد تلجأ الإدارة إلى المسطرة السريعة _ الاستغجالية _ أو مسطرة الفرض التلقائي (المبحث الثاني).
المبحث الاول: تصحيح الأساس الضريبي عن طريق المسطرة التواجهية.
يتم التصحيح الضريبي وفق مسطرة محددة تسمى المسطرة التواجهية هذه المسطرة تقوم بها الإدارة لتصحيح أساس فرض الضريبة الناتجة عن الإقرار الذي أدلت به المقاولة أو الذي تم فرضه بصورة تلقائية. وتتميز هذه المسطرة بأن عبء إثبات عدم صحة المعطيات التصريحية كرقم الأعمال أو النتيجة الجبائية يكون على عاتق الإدارة الضريبية كما تتميز بطابع الإلزامية بالنسبة للإدارة ورتب المشرع على عدم احترامها جزاءات بالنسبة للطرفين. وفي خضم هذه المسطرة (المطلب الأول) قد لا يتفق الطرفان على الأساس المصحح فيتم اللجوء إلى اللجان الضريبية (المطلب الثاني).
المطلب الأول: سير المسطرة.
تتجلى أهمية هذه المسطرة في كونها تسري على مرحلتين: مرحلة رسالة التبليغ الأولى (الفقرة الأولى) ومرحلة رسالة التبليغ الثانية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:مرحلة رسالة التبليغ الأولى
إن مسطرة التصحيح التواجهي هي مسطرة من النظام العام . فهي لا تقف عند حدود كون الإخلالات المكتشفة من قبل الإدارة الجبائية قد تمت بعد فحص المحاسبة أو كون الملزم حسن النية أو سيئها أو أي اعتبار آخر، بل إنها مرحلة ضرورية قبل التضريب، روعي فيها ضمان حد أقصى من الحقوق للملزم المبلغ تجلى على الخصوص في كيفية التبليغ (أولا) وفي مضمون التبليغ (ثانيا).
أولا: كيفية التبليغ
يعتبر التبليغ عماد عملية الربط الضريبي ، ويتم تبليغ الرسالة الأولى إلى الملزم او المقاولة بالعنوان المحدد من قبله في إقراراته أو عقود أو مراسلاته المدلى بها إلى مفتش الضرائب التابع له مكان فرض الضريبة عليه، إما برسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب أو أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية، وذلك وفق أحكام التبليغ كما تم التطرق إليها في المادة 219 من المدونة العامة للضرائب. وتجدر الإشارة إلى أن التبليغ مر بمجموعة من المراحل المتعاقبة.
” أ- التبليغ قبل سنة 1995: “
تتميز هذه المرحلة بتنوع وسائل التبليغ المنصوص عليها في القانون الضريبي المغربي، بحيث نلاحظ وجود عدة أساليب للتبليغ حسب تنوع الضرائب، وهكذا نجد التبليغ عن طريق الأعوان القضائيين، وكان هو السائد في رسوم التسجيل والتمبر، بينما كان أسلوب التبليغ بالبريد المضمون هو المعمول به في الضرائب المباشرة، غير أن لا شيء كان يمنع الإدارة من اللجوء إلى السلطات الإدارية لهذا الغرض خاصة في المناطق النائية.
ورغم ذلك، فإن الممارسة الإدارية في هذا المجال كانت تعتمد التبليغ بالبريد المضمون، إلى أن أصبحت هذه الوسيلة هي القاعدة، وتتم عن طريق وضع المراسلة المراد إبلاغها للملزم داخل ظرف يحمل عنوان هذا الأخير، أو تبعث إليه عارية من أي ظرف لكنها مصحوبة بشهادة التسلم ذات اللون الأحمر.
بل إن الإدارة ولقطعها مدة تقادم التحصيل كانت تعمد إلى إرسال عدة إنذارات، وهي تعلم مسبقا أنها سترجع بنفس الملاحظة، وتتمسك في مواجهة الملزم بناء عليها بقطع التقادم، الشيء الذي كان يفرز أوضاعا مأساوية بالنسبة لبعض الملزمين الذين يفاجؤن بمديونيتهم للخزينة العامة بمبالغ تكاد تعادل قيمة المعاملة.
” ب- التبليغ في قانون مالية 1995 “
أمام هذه المشاكل التي أثيرت بسبب ما اعتبر عدم التبليغ، تدارك المشرع الأمر وأدخل تعديلات مهمة على هذه المسطرة خلال قانون المالية لسنة 1995، حيث نظم عملية التبليغ بطرق أخرى أضيفت إلى المراسلة بالبريد المضمون.
وحيث نصت المادة 15 منه : ” إذا تعذر تسليم التبليغ المقرر بالعنوان الذي حدده الخاضع للضريبة في إقراراته، أو عقوده، أو مراسلاته المدلى بها إلى المفتش التابع له، مكان فرض الضريبة عليه لأي سبب من الأسباب غير الامتناع من تسلمه، بوشر التبليغ المذكور بواسطة المأمورين المحلفين التابعين لإدارة الضرائب، أو أعوان كتابة الضبط، أو الأعوان القضائيين، أو بالطريقة الإدارية، ويجب أن يقوم العون المبلغ بتقديم الوثيقة المراد تبليغها على المعني بالأمر في ظرف مغلق ويثبت التسليم بشهادة تحرر في نسختين وفق مطبوع تقدمه الإدارة، وتسلم نسخة من هذه الشهادة إلى المعني بالأمر” .
إلا أن هذه المادة خضعت بدورها لتعديلات إذ استبدلت بالمادة 13 من قانون المالية لسنة 1996، وكذا بالمادة 10 من قانون المالية رقم 00-55 للسنة المالية 2001.
وباستقراء هذه المادة يتبين بأنها جاءت بمقتضيات جديدة، كل ما يمكن القول عنها أنها خولت الإدارة الجبائية إمكانيات وصلاحيات واسعة ومبسطة تمكنها من إجراء عملية التبليغ دون التقيد بأي مسطرة، إذ يكفيها تبليغ الخاضع للضريبة بعنوانه المصرح به لدى مفتش الضرائب، بالطرق المشار إليها بالمادة 10 ليعتبر التبليغ سليما من الناحية القانونية بعد انصرام 10 أيام لتاريخ إثبات تعذر ذلك التسليم ، وهو ما يخالف المقتضيات التشريعية التي كان معمولا بها في هذا الإطار.
” ج- التبليغ من خلال كتاب المساطر الجبائية : “
عمل المشرع المغربي على جمع المقتضيات المتعلقة بالمراقبة والمنازعات في وعاء الضريبة داخل كتاب المساطر الجبائية الذي تضمنته المادة 22 من قانون مالية 2005.
وهكذا أصبحت المادة 10 من الكتاب المذكور المرجع الوحيد فيما يتعلق بمسطرة التبليغ في القانون الضريبي المغربي، حيث تضمنت هذه المادة الصيغة النهائية التي جاء بها تعديل قانون المالية لسنة 2001 بالإضافة إلى مستجد تمثل في تحميل مسؤولية عدم توصل الملزم في الحالة التي تقوم فيها الإدارة بالتبليغ فيتعذر عليها بسبب ما ذكره القانون كالتالي :
إذا وقع تسليمها.
1. بالنسبة للأشخاص الطبيعيين إما للشخص المعني إما بموطنه لأقاربه أو مستخدمين عنده أو لكل شخص آخر يسكن أو يعمل مع من وجهت إليه الوثيقة أو في حالة رفض تسلم الوثيقة المذكورة، بعد انصرام أجل العشرة أيام التالية لرفض التسلم.
2. فيما يخص الشركات و الهيئات الأخرى المشار إليها في المادة 8 من القانون رقم 17.89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل، إلى الشريك الرئيسي أو الممثل القانوني للشركة أو مستخدميها أو أي شخص آخر يعمل مع الخاضع للضريبة الموجهة إليه.
إذا تعذر تسليمها إلى الخاضع للضريبة بالعنوان المدلى به إلى مفتش الضرائب عندما يتم توجيه الوثيقة في رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسلم أو بواسطة أعوان كتابة الضبط أو الأعوان القضائيين أو بالطريقة الإدارية ويتم إرجاع الوثيقة مذيلة ببيان غير مطالب به، أو انتقل من عنوانه، أو عنوان غير معروف، أو غير تام، أو أماكن مغلقة أو أن الخاضع للضريبة غير معروف بالعنوان، في هذه الحالات يعتبر الظرف مسلما بعد انصرام أجل العشرة أيام التالية لتاريخ إثبات تعذر تسليم الظرف المذكور.
و قد حافظت المدونة العامة للضرائب الصادرة في قانون مالية 2007 على نفس المقتضيات، التي اعتبرها بعض الباحثين على أن أقل ما يقال عنها أنها أجهضت جميع الضمانات التي نص عليها قانون المالية لسنة 1995.
ويعتبر هذا الاتجاه الجديد للمشرع خروجاً عن النص العام في قانون المسطرة المدنية ، وهو حل لإشكالات عملية ما فتئت تشوش على المساطر الجبائية بسبب مكر الملزمين والمقاولات وتهربهم من استلام رسائل الإدارة الجبائية .
وفي فرنسا فقد حرص مجلس الدولة على إلزام الإدارة بإثبات التبليغ وتاريخه في حالة منازعته من قبل الملزم ، وإذا كان من حق الإدارة في فرنسا إنجاز شهادة من البريد في حالة ضياع الوصل بالتسلم، فإن مجلس الدولة اعتبرها غير كافية ما دامت لا تفيد بوجود إشعارين للمرور .
وفي قرار آخر اعتبر أن تسلم أحد أقرباء الملزم التبليغ لا يعتبر صحيحاً ولا يقطع التقادم ما دام ذلك القريب لم يتسلم الطي في العنوان المصرح من قبل الملزم .
أما القضاء المغربي فقد كان متحداً في مسألة ضرورة تسلم التبليغ. فهكذا نجد قراراً صادراً عن الغرفة الإدارية بالمجلس جاء فيه: “وحيث إنه إذا كان الطعن بالاستئناف ينشر الدعوى فيبقى للأطراف الحق في إثارة كل الدفوع التي يرونها لصالحهم أمام محكمة الدرجة الثانية، وكان أحد أسباب الطعن التي يركز عليها المستأنفان طعنهما تتمثل في خرق الإدارة الجبائية مقتضيات الفصل 140 من م.ع.ض. الذي ستفرض بناء عليه تصحيح رسم التسجيل، فإنه بعد الإطلاع على أوراق الملف يتبين أن ما تستند عليه الإدارة الجبائية للقول بتبليغ المعني بالأمر الرسالة المتضمنة للأساس الجديد الذي ستعتمده وعاء لتصفية واجبات التسجيل التكميلية هو مجرد صورة شمسية لإشعار بالاستلام كتب عليه بالقلم ” نسخة طبق الأصل يشهد على صحتها القابض”. دون خاتم أو توقيع ودون إرفاقها بنسخة من الرسالة التي تدعي توجيهها لأحد المدعين حتى تطلع المحكمة على مضمونها وتتأكد من صحة الشروط المذكورة في الفصل أعلاه، ومع إنكار المستأنف توصله بالرسالة المذكورة يكون ما تم الإدلاء به سقطاً عن درجة الاعتبار وبالتالي لا وجود لما يفيد سلوك المسطرة […] ويغدو لذلك بيان التصفية المطعون فيه معرضاً للإلغاء”.
وجاء في قرار آخر صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ، وهو ينظر في استئناف يتعلق بعدم صحة إجراءات التبليغ، ما يلي: ” وحيث إنه من جهة أخرى فإنه بالرجوع إلى أوراق الملف فإنه يلاحظ أن المحكمة الإدارية عللت قضاءها على صواب كون شهادة التبليغ المطعون فيها تحمل الاسم الكامل للمستأنف الفرعي وقد تضمنت الإشارة إلى أن التبليغ ثم للمستأنف الفرعي (أ.ب) شخصياً الذي امتنع من حيازة طي التبليغ، فتقوم بذلك مقام التبليغ الصحيح رغم ما عيب عنها من خطأ في رقم المنزل، ما دام التبليغ تم للمدين بالضريبة شخصياً وهي وثيقة رسمية لا يطعن فيها إلا بالزور، فكان ما أشير غير مؤشر”.
هكذا يتضح أن القضاء المغربي يصر على التنفيذ الصارم لتبليغ الرسالة الأولى من طرف الإدارة الضريبية لفائدة المقاولة وان كل عيب يشوب هذه المرحلة يودي إلى بطلان المسطرة بكاملها وهذا ما يتضح من خلال ما سبق ذكره أعلاه.
كما يجب الإشارة إلى أن تبليغ الرسالة الأولى للتصحيح إلى الخاضع او المقاولة يجب أن يتم قبل انقضاء أجل التقادم.
ثانيا: مضمون التبليغ
حددت المادة 220 (م.ع.ض) مضمون هذا التبليغ الأول بشكل واف حيث ألزمت المفتش بيان أسباب التصحيح المزمع القيام به وطبيعته وتفاصيل مبلغه؛ وكذلك الأساس الجديد الواجب اعتماده.
” ا – تعليل مسطرة التصحيح: “
في إطار تصحيح أسس الضريبة، يجب على إدارة الضرائب أن تسلك إحدى المسطرتين للتصحيح وهما العادية أو المستعجلة، وذلك حسب وضعية المقاولة.
وتماشياً مع الاتجاه الذي ينادي بتقوية حقوق الملزم والمقاولة، فقد اجتهدت الإدارة الضريبية وجعلت المطبوع الإداري الذي تستعمله في رسالتها الأولى للتصحيح يحمل بيان طبيعة المسطرة التي تم اعتمادها من طرف الإدارة. والهدف من ذلك التحديد هو جعل المكلف في الصورة الكاملة فيما يتعلق بالمسطرة المتبعة في حقه.
وقد اعتبرت المحكمة الإدارية للاستئناف بباريس أن الإشارة إلى طبيعة المسطرة المتبعة في المطبوع ليست إجبارية حسب مفهوم المادة L76 منن كتاب المساطر الجبائية الفرنسي .
غير أن هذا الاتجاه خالفته المحكمة الإدارية للاستئناف بنانت NANTES ، في حين أن مجلس الدولة الفرنسي، حسب علمنا، لم تتح له الفرصة ليحسم في الأمر.
ونرى أنه يتعين على القضاء الإداري بالمغرب أن يسير في نفس اتجاه المحكمة الإدارية للاستئناف بباريس لما في ذلك من ضمان لحقوق المقاولة.
” ب- تعليل التصحيحات المزمع القيام بها: “
حسب مقتضيات المادتين 220 و 221 من م.ع.ض، يبلغ المفتش إلى المقاولة في الرسالة الأولى للتصحيح أسباب التصحيح المزمع القيام به فيما يخص الضريبة على الشركات أو الضريبة العامة على الدخل أو الضريبة على القيمة المضافة.
وتعليل التصحيحات يعتبر المحور الأساسي في المسطرة التواجهية ومن أهم حقوق المقاولة على الإدارة خاصة، وإن وجوب التعليل يدخل في السياق العام للقرارات الإدارية حيث يجب أن يتضمن السنوات المعنية بالمراقبة وأنواع التصحيحات.
وتعليل تصحيح أسس فرض الضريبة بصفة عامة يتعين أن يكون مبنياً على تعليل سليم يمكن قبوله من الطرفين، وأن يجد تبريره إما في القانون الجاري به العمل ويسمى تعليلاً قانونياً، أو تعليلاً واقعياً. كما يتعين تعليل كل تصحيح على حدى.
وفي فرنسا، يجب أن يتضمن التبليغ إضافة إلى ما سبق، تذكيراً للملزم بحقه في الاستعانة بخبير من اختياره، وأن من حقه الجواب في أجل كامل هو 30 يوماً. وأن كل سبب من أسباب التصحيح يجب أن يفعل بطريقة منفصلة ويترجم إلى أرقام . وما تجدر الإشارة إليه أن المفتش ملزم بأن يبعث رسالة التبليغ الأولى قبل حلول أجل التقادم أي 4 سنوات . ومع ذلك فإن مجلس الدولة الفرنسي لا يعتد بقطع التبليغ التقادم إذا لم يتم من قبل مفتش مختص agent compétant، أو إذا لم توضح رسالة التبليغ نوع الدخول المصححة قيمتها .
ومتى توصل الملزم او المقاولة بهذا التبليغ توصلاً صحيحاً وفق ما سبق بيانه، كان له أن يرد على تصحيحات الإدارة بدحض مزاعمها وذلك بإثبات عكس ما ذهبت إليه أو التذرع بالقانون لتعييب مسطرتها أو المقتضيات التي اعتمدتها، لذلك فجواب الملزم يمتزج فيه الواقع مع القانون، على أن عليه إرسال جوابه في خلال الثلاثين يوماً من توصله برسالة التبليغ الأولى وإلا سقط حقه. ومتى لم يتم الجواب تم تضريبه تلقائياً وفق الأسس التي تم تبليغها للملزم. وفي الغالب فإن هذا الأخير يسرع بإبداء ملاحظاته واستنكاره مستعيناً بخبرة المحاسب وحنكته.
ويسعى الملزم الى إثبات دخله أو رقم أعماله الحقيقي أو عدم توفر الواقعة المنشئة للضريبة، أو تحقيق دخل أو ربح أقل، أو استفادته من ربح ضريبي .
وقد نظم المشرع نظام الإثبات في المادة الضريبية بالرجوع للقواعد العامة،حيث نجد أن المادة 399 من قانون الالتزامات والعقود تؤكد على أن إثبات الالتزام على مدعيه، والتي يصعب تطبيقها في المجال الجبائي، بالنظر لانعدام التوازن بين الإدارة والإمكانيات التي تتوفر عليها والملزم الطرف الضعيف في العلاقة .
ويقوم الإثبات في المجال الجبائي على عدة مبادئ يمكن إجمالها في ما يلي :
1. يتحمل عبء الإثبات من يدعي خلاف الأصل.
2. يتحمل عبء الإثبات من كلفه المشرع باحترام إلتزام إجرائي :
• الإدارة في مسطرة الفرض التلقائي
• الإدارة أو الملزم في مسطرة التبليغ حسب من يباشر المسطرة.
• الملزم في مسطرة المنازعة في الضريبة .
• الإدارة في مسطرتي الفحص والتصحيح باعتبارها الجهة التي بادرت إلى مباشرة المسطرة.
3. يعفى من عبء الإثبات من كانت القرينة لصالحه، سواء كانت قرينة قانونية بسيطة أو قرينة واقعية أو قرينة قضائية.
4. يتحمل عبء الإثبات من يدعي خلاف تقدير اللجن: سواء اللجنة الوطنية للنظر في الطعون الجبائية أو اللجنة المحلية لتقدير الضريبة.
5. لا يجب تحميل المتقاضي أكثر مما في وسعه.
أما وسائل الإثبات في المادة الجبائية :
فإن المبدأ العام مفاده أن المكلف بالضريبة ملزم بالإثبات بالوسيلة التي حددها المشرع في حين أن الإدارة حرة في اللجوء إلى أي وسيلة، خاصة لإثبات وجود المادة الضريبية بصفة عامة، ولم يتم تقييد وسائل لإثبات بالنسبة للإدارة إلا بالنسبة لإثبات بعض المخالفات.
ويمكن إجمال وسائل الإثبات في :
• التصريح بالضريبة.
• الإثبات بواسطة الوثائق المحاسبية.
• الحجة الكتابية.
• الإقرار والاعتراف.
• القرائن.
ومتى توصلت الإدارة بهذا الجواب كان عليها أن ترسل رسالة التبليغ الثانية خلال الستين يوماً الموالية لتاريخ تسلم الجواب .
الفقرة الثانية: مرحلة رسالة التبليغ الثانية
سنتحدث في البداية عن اجل تبليغ الرسالة الثانية ( أولا)، ثم نتحدث عن مضمون هذه الرسالة ( ثانيا).
أولا: أجل تبليغ الرسالة الثانية
في إطار المسطرة التواجهية لتصحيح الأساس الضريبي، يبلغ مفتش الضرائب إلى الملزم رسالة ثانية للتصحيح تتضمن أسباب رفضه الكلي أو الجزئي وأساس فرض الضريبة، داخل أجل لا يتجاوز ستين (60) يوماً من تاريخ تسلم المفتش جواب الملزم او المقاولة.
وبالرجوع إلى مقتضيات المادتين 220 و 221 من م.ع.ض والمشار إليها أعلاه يتبين أن المشرع نص صراحة على الأجل الذي يتم تبليغ الرسالة الثانية في غضونه، كما نص على الجزاء القانوني المترتب عن عدم احترام ذلك الأجل، حيث نص في المادة 220 (الفقرة VIII) من م.ع.ض. على أن مسطرة التصحيح تكون لاغية: ” في حالة عدم تبليغ جواب المفتش على ملاحظات الخاضعين للضريبة داخل الأجل المنصوص عليه في البند II أعلاه. ولا يجوز إثارة حالات البطلان المشار إليها أعلاه من لدن الخاضع للضريبة لأول مرة أمام اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة”.
ذهب القضاء الإداري إلى أن عدم احترام الإدارة لأجل تبليغ الرسالة الثانية يترتب عنه بطلان مسطرة التصحيح.
جاء في قرار صادر عن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قضت فيه بتأييد حكم قضى ببطلان الإعلامات الضريبية ما يلي: ” وما دام المستأنف عليه قد وضع جوابه داخل الأجل القانوني وأدلى بملاحظاته جزئياً فكان على الإدارة إما أن تقبل ما جاء في الجواب كلياً أو جزئياً لتحيله في حالة عدم الاتفاق على المسطرة الموالية المتعلقة بإخباره بالأساس الذي سيصير نهائياً إن لم يقدم طعنه للجنة المحلية والإدارة بعدم تنفيذها ذلك وفرض الضريبة في نطاق الفقرة الأولى من الفصل 103 المذكور تكون قد خالفت القانون وكانت الوسيلة بدون أساس”.
إذن عدم تبليغ الرسالة الثانية إلى الملزم أو المقاولة سبب كاف لإبطال المسطرة وكذا الآثار التي تكون قد ترتبت عن هذه المسطرة الباطلة.
ثانيا: مضمون الرسالة الثانية للتصحيح
سواء كان الرفض كلياً أو جزئيا، فإن الإدارة تكون ملزمة بالتعليل الذي يجب أن يكون مبنياً على أساس سليم، يجد تبريره إما في القانون ويسمى تعليلاً قانونياً، أو تعليل تبرره الوقائع ويسمى تعليلاً واقعياً، وذلك لدحض الحجج والأدلة المدلى بها من طرف الخاضع.
وتعليل الرفض له أهمية قصوى على مستوى اختيار المقاولة الخاضعة بين قبول الأساس المقترح وإنهاء النزاع أو الاستمرار في المنازعة بشأنه بسلوك مسطرة الطعن النهائي لأساس فرض الضريبة الذي يجب اعتماده.
وحتى لا يحرم الخاضع من حقه في الطعن بسبب عدم درايته بأحكام القانون الجبائي، يجب أن تتضمن الرسالة الثانية حقه في الطعن في الأساس المقترح داخل ثلاثين (30) يوماً التالي لتاريخ تسلم رسالة التبليغ الثانية أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة .
إن المقتضيات الواردة ذكرها أعلاه تشكل ضمانات أساسية وحقيقية للملزم والمقاولة لما لها من ارتباط بحقوق الدفاع المخولة لهما في إطار هاته المسطرة التواجهية الحضورية التي تهدف إلى إشراكهما في عملية تصحيح الوعاء الضريبي لمعرفة وسائلهما وحججهما وإثباتاتهما وموقفهما من الأساس المنوي اعتماده في تصفية الضريبة في إطار المراجعة، لذا فإن كل إخلال بهذه المسطرة يؤدي إلى بطلانها. ذلك أن القضاء الإداري استقر على أن كل إخلال بمسطرة تصحيح الضريبة أو الرسوم التي في حكمها يفضي إلى اعتبار مسطرة التصويب باطلة، وهكذا ذهبت المحكمة الإدارية بفاس وهي تكرس هاته الضمانة المخولة للملزم في هاته المسطرة للدفاع عن مراكزه القانونية حولها إلى القول بأن عدم تقييد المفتش المحقق لمقتضيات البند 8 من الفصل 5 من قانون المالية لسنة 1978، المنظم للضربة على الأرباح العقارية، بتبليغ رسالة تتضمن إشعار الملزم بحقه في تقديم الطعن أمام اللجنة المحلية داخل أجل شهرين من تاريخ وضع الأمر بالتحصيل موضوع التنفيذ يترتب عنه إلغاء الضريبة الصادر بشأنها ذلك الأمر بالتحصيل.
وقد أكدت المحكمة الإدارية بأكادير نفس المنحى وهي تلغي الضريبة العامة على الدخل التكميلية المفروضة في حق الملزم حيادا على مسطرة وإجراءات الفصل 107 من القانون 89-17 وتكريسا منها للضمانات المخولة للملزم في إطارها جاء في حكمها مايلي:”يعتبر مخالفا للقانون قيام الإدارة الضريبية بمراجعة أساس الضريبة العامة على الدخل دون اتباع مسطرة التصحيح الواردة بالمادة 107 من القانون 89-17″.
وأكدت هذا الاتجاه وهي تلغي الرسوم التكميلية المستحقة للجماعات المحلية المفروضة في إطار مسطرة المراجعة بشكل مخالف للضمانات المخولة قانونا للملزم في إطار مقتضيات الفصل 13 من القانون 89-13، جاء في حكمها ما يلي” يعتبر مخالفا للقانون قيام الإدارة بمراجة أساس الضريبة المستحقة للجماعات المحلية دون اتباع مسطرة التصحيح المنصوص عليها بالفصل 13 من القانون 89-30.” هذا وقد استقر المجلس الأعلى الغرفة الإدارية في مجموعة من قراراته على القول بأن كل إخلال بالمقتضيات المخولة للملزم في إطار مسطرة المراجعة المنصوص عليها بالفصل 107 من ق.ض.ع.د. والفصول 39 وما يله من ق.ض.ش. والفصل 43 من ق.ض.م.باعتبارها إجراءات جوهرية آمرة يتوجب عن مخالفتها بطلان مسطرة تصويب تلك الضريبة وإلغاء الضريبة التكميلية على ضوء ذلك، جاء في إحدى قراراته مايلي:”إن إدارة الضرائب لم تقم بإجراءات التصحيح العادية المنصوص عليها في الفصل 107 من القانون 89-17 وهي إجراءات فرضتها مقتضيات آمرة يترتب عن مخالفتها البطلان يؤدي إلى إلغاء الفرض الضريبي مما يكون معه الحكم المستأنف في محله ويتعين تأييده”.
وقد كرس المجلس الأعلى الغرفة الإدارية ضمانة حق الدفاع في إطار مسطرة تصحيح أساس الضريبة في نازلة أخرى حيث كان الملزم يخضع لنظام التقدير الجزافي وبعدما تبين للإدارة أنه تجاوز الحد القانوني المقرر للاستفادة من النظام الجزافي استنادا على ما تتوفر عليه من معلومات مما حدا بها إلى فرض ضريبة تكميلية في حقه بناء على مسطرة الفصل 103 من القانون 89-17، هذا وبعد أن تمسك الطاعن بخرق مقتضات الفصل 107 من قانون 89-17 الواجب سلوكه في إخضاعه للضريبة التكميلية المطعون فيها، وبعد أن تمسكت الإدارة الضريبية بمشروعية مسطرة الفرض التلقائي اللازمة لنقل الملزم من نظام التقدير الجزافي إلى نظام المحاسبة بعد تجاوز الحد القانوني المقرر للاستفادة من ذلك النظام، ذهبت الغرفة الإدارية وهي تلغي مسطرة فرض الضريبة إلى القول بما يلي:”لكن حيث أن الفصل 103 المحتج به ينظم مسطرة الفرض التلقائي للضريبة ولا يتعلق بتصحيح الضريبة التي سبق فرضها إذ أنه ينص على تطبيقه في حالتين، الأولى عند عدم تقدم التصحيح والثانية عند تقديم تصحيح غير تام، والحالة أن الملزم في هاته الحالة قدم تصريحاته كما تقر ببذلك الإدارة المستأنفة وأن التصريح المتضمن لمبلغ أكبر يكون من شأنه أن يجعل الملزم خاضعا لنظام ضريبي غير الذي كان يخضع له، إن هذا التصريح ليس تصرحا غير تام ولا يخضع للفصل 103 وملزم بمراعات المسطرة المحددة في الفصل 107 من نفس القانون … وأنه لا يجوز للإدارة أن تفرض الضريبة في هاته الحالة إلا بعد بث اللجنة الوطنية فكانت المحكمة على صواب عندما اعتبرت أن الفصل 103 المذكور ليس هو القابل للتطبيق في النازلة”.
لقد قضى قرار المجلس الأعلى المذكور بتأييد الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بفاس بالملف 128/96 القاضي بإلغاء الضريبة العامة على الدخب المفروضة في حق الطاعن بصفة تلقائية في إطار الفصل 103 من القانون 89-17 حيادا على مسطرة تصحيح الضريبة المنصوص عليها بالفصل 107 من نفس القانون. وبذلك يكون المجلس الأعلى من خلال هذا القرار والقرارات الأخرى المذكورة قد كرس الضمانات المخولة للملزم في إطار مسطرة تصحيح الوعاء الضريبي ومصينا لحق الدفاع المخول خلال هاته المسطرة التي تمكنه من إبداء موقفه في الأساس الضريبي المنوي تصفيته في مواجهته بمعرفة وسائله ومستنداته، هذا فضلا عن استفادته من الضمانات الإضافية المخولة له والمتمثلة في إمكانية عرض نزاعه مجانا أمام أنظار اللجان واستفادته من الأثر الموقف للضريبة في تلك المسطرة متى كان الأمر يتعلق بالمسطرة العادية للمراجعة.
المطلب الثاني: دور اللجان الضريبية
رغم أن المسطرة التواجهية هي من أهم المزايا التي تمنحها الإدارة للملزم لتبرير الأساس فقد لا يتفق الطرفان على الدخل المصحح فيرفع الأمر أمام اللجان للنظر في النزاع والبت فيه كهيئات تحكيمية .
وطبقاً للمادة 225 من م.ع.ض. في فقرتها الأولى، تحدث الإدارة، لجاناً محلية لتقدير الضريبة وتحدد مقر دائرة اختصاصها.
تنظر اللجان المذكورة في المطالبات التي يقدمها في شكل عرائض الخاضعون للضريبة والكائن مقرهم الاجتماعي أو مؤسستهم الرئيسية داخل دائرة اختصاصها.
وتبث اللجان في النزاعات المعروضة على أنظارها، ويجب عليها أن تصرح بعدم اختصاصها في المسائل التي ترى أنها تتعلق بتفسير نصوص تشريعية أو تنظيمية”.
وجاء في المادة 226 من نفس المدونة في فقرتها الأولى: ” تحدث لجنة دائمة تسمى اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة… وتبت في النزاعات المعروضة عليها ويجب عليها أن تصرح بعدم اختصاصها في المسائل التي ترى أنها تتعلق بتفسير أو تأويل نصوص تشريعية أو تنظيمية”.
من خلال ما سبق، يتضح أن المشرع فرض على هذه اللجان البت في مسائل الواقع دون القانون، وهو ما أكدته المادتين 225 و 226 (م.ع.ض): ” يجب عليها أن تصرح بعدم اختصاصها في المسائل التي ترى أنها تتعلق بتفسير نصوص تشريعية وتنظيمية”.
لذلك فدور اللجان الضريبة سواء أكانت محلية أم وطنية يقتصر على مسائل الواقع (الفقرة الأولى) دون مسائل القانون (الفقرة الثانية) ومع ذلك فهناك حالات قد اختلط فيها الواقع والقانون (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأولى: مسائل الواقع
يرى بعض الفقه أن إدراج تحديد اختصاص اللجان المحلية لتقدير الضريبة، بالنظر في النزاعات المتعلقة بالمسائل الواقعية لا غير، ضمن الضمانات التي يحظى بها المكلف عند لجوئه إلى تحكيم اللجان المحلية لتقدير الضريبة .
في حين لا يرى جانب من الفقه بأن عدم حصر اختصاص اللجان المحلية في المسائل الواقعية دون القانونية ضمانة أساسية للملزم؛ لأن القول بترك المسائل القانونية للقضاء للفصل فيها معناه تجزئة النزاع إلى جزئين أحدهما وهو الخاص بالناحية الحسابية (الواقعية) يمكن عرضه على درجتين فقط: اللجنة المحلية واللجنة الوطنية، في حين أن المسائل القانونية تعرض على درجتين: الدرجة الابتدائية والدرجة الاستئنافية إضافة إلى رقابة نهائية يباشرها المجلس الأعلى، وبذلك نكون قد حرمنا الطرفين من درجة من درجات التقاضي بالنسبة لبعض النزاع، الأمر الذي يخالف المنطق والعدالة.
ويرى أن هذا التمييز أصبح متجاوزاً في العديد من التشريعات الضريبية المعاصرة، وأن ترك المسائل القانونية للقضاء قصد البث فيها بشكل مفصل فيه نوع التجزيء للنزاع، وأنه من المفيد بالنسبة للمستفيد من هذه اللجان أن يسارع المشرع إلى توسيع مجال اختصاص هذه اللجان ليشمل المسائل القانونية أيضاً، لأنه قلما يمكن الفصل بين النقط القانونية والنقط الموضوعية .
وفي نفس الاتجاه، يرى جانب من الفقه بأنه لا فائدة في عملية ترجى من التمييز بين مفهومي تطبيق القانون وتفسير القانون، خاصة في الميدان الضريبي؛ لأن الأغلبية الساحقة للنصوص الضريبية تتسم بالتعقيد والغموض، بحيث يصعب العثور على نص واضح جداً إلى درجة أنه لا يحتاج سوى إلى التطبيق. فتطبيق وتفسير القانون الضريبي وجهان لعملة واحدة، ومن ثمة، فإن اللجان الضريبية غير مختصة بتطبيق وتفسير القواعد القانونية المسطرة والموضوعية على حد سواء .
وحسب بعض الباحثين، فإنه لا يخطر على اللجان الضريبية النظر في كل ما يتعلق بتطبيق النصوص القانونية التي لا تحتاج إلى تفسير، بمعنى أنه يمكنها مراقبة مدى تطبيق النصوص القانونية الضريبية ولا تتعدى ذلك إلى التفسير .
ويتطلب الأمر دقة بالغة حين يتعلق بمسائل الواقع، فقد اعتبر البعض أننا نكون بصدد مسائل واقعية كلما تعلق الأمر بتقدير قيمة العناصر التي تدخل في تكوين ممتلكات الشركة الخاضعة للضريبة مثلاً. واعتبر البعض الآخر أن لجان التحكيم تتدخل كلما كان هناك ربح أو رقم أعمال على أساسه تتحدد الضريبة .
الفقرة الثانية: مسائل القانون
منع المشرع المغربي على اللجان سواء المحلية (المادة 225 م.ع.ض) أو الوطنية (المادة 226 م.ع.ض) من البت في المسائل القانونية وألزمها بالتصريح بعدم اختصاصها كلما تعلق الأمر بمسائل ترجع إلى تفسير مقتضيات قانونية أو تنظيمية .
وتتعلق المسائل القانونية في غالب الأحيان إما بشرعية فرض الضريبة على مكلف معين أو بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء تحصيل الضريبة منه بدون وجه حق .
ويسري نفس الحكم في فرنسا، حيث أنه كلما تعلق الأمر بمسألة تفسير النص القانوني أو تطبيقه؛ منع على اللجنة التقديرية من الخوض فيه وهو ما يحدث في حالة تقدير قانونية مسطرة التضريب مثلاً أو قانونية مسطرة فرض تلقائي أو تقدير الطبيعة القانونية لمزاولة مهنة أو مدى حق خصم أحد الأعباء .
ويمكن استعراض حالة تفسير الإدارة لبعض النصوص بعيداً عن النصوص التنظيمية الجاري بها العمل. ويتعلق الأمر بأجوبة عن بعض الأسئلة التي ترسلها لموظفيها عبر الطريقة الإدارية، فهل يتسع هذا الأمر لمفهوم القانون؟
ومن خلال استقراء الكثير من المطالبات باحتكام اللجان المحلية يبدو أن أغلبها يصر على مسألة الأعباء والخصوم ومدى حق الإدارة أو عدمه في الاعتراف بها. وكذلك الأمر بالنسبة للخصوم المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة، أو عدم اكتراث الإدارة الجبائية بالعدد الهائل من الوثائق المحاسبية التي ينقصها الصدق أو الصحة. وهي ملفات أحرجت في أكثر ما من مرة قاضي اللجنة المحلية في مدى اعتبارها مسألة قانون يحرم عليه الخوض فيه أم مسألة واقع.
وقد تبنت المحاكم الإدارية هذا الموقف في العديد من الأحكام وأكدت على ذلك المحكمة الإدارية بوجدة في حكم لها حينما صرحت بعدم أحقية اللجنة الضريبية أن تتولى مهمة تفسير القانون وتأويله .
وجاء في حكم صادر عن نفس المحكمة في ردها حول طعن مؤسس بإلغاء مقرر اللجنة الوطنية لبتها في مسألة قانونية وليست واقعية غير مختصة بتناولها بالتأويل والتفسير ما يلي : ” وحيث لئن كان المشرع من جهة قد منح الاختصاص للجنة الوطنية للبت في الإشارة المتعلقة بالآجالات المذكورة أعلاه ومدى احترامها فإنه من جهة أخرى لم يعدل الفصل 41 من القانون 86. 24 ومثيله بالقانون 85. 30 الذي يمنع عليها تناول النصوص القانونية بالتفسير والتأويل.
ومن هنا، ينبغي أن نفهم احتساب الآجال كمسألة واقع بمفهومه الرياضي وليس كمسألة قانون بتفسير النص التشريعي وتأويله، واستنتاج أن كلمة التوجيه المتعلقة بالإشعار بالتحقيق الوارد بكل من الفصل 42 من القانون 85. 30 والفصل 105 من القانون 89. 17 والفصل 33 من القانون 86. 24 تنصرف إلى التبليغ وليس التوجيه وترتيب الآثار القانونية على ذلك، والحاصل من ذلك أن اللجنة الوطنية حينما حاولت استنباط إرادة المشرع بالمادة 33 أعلاه وانتهت من خلاله بعد التفسير والتأويل أنه ينبغي الاعتداد بالتبليغ وليس بالتوجيه وأنه لم يحترم أجل 15 يوماً انطلاقاً من تاريخ التبليغ المنصوص عليه بالمادة أعلاه ورتبت جزاء البطلان على ذلك إعمالاً بمقتضيات المادة 39 من القانون 86. 24 تكون قد تناولت نقطة قانونية تضارب الفقه الضريبي حول مفهومها الحقيقي وهي ممنوعة من تفسيرها وتأويلها بمقتضى المادة 41 أعلاه وأن ذلك يشكل اعتداء على اختصاص القاضي الضريبي الذي يحتفظ بتناول تلك النقطة القانونية أمامه بمناسبة الطعن القضائي مما يجعل المقرر الضريبي المطعون فيه معيب بالتجاوز في الاختصاص ومخالفة القانون”.
ومن القرارات الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي اعتبار اللجان غير مختصة في النظر في مسائل القانون والذي مثل لها في أكثر من مرة. ومن ذلك مسألة الخلاف ما بين الإدارة الضريبية والملزم حول ربط إحدى الأعباء ، أو النزاع المتعلق بالحق في خصم الضريبة على القيمة المضافة . وكذلك مسألة تكثيف الاتاوات Redevances والذي بمقتضاه يتم إخضاعها للضريبة على القيمة المضافة .
الفقرة الثالثة:مسائل يختلط فيها القانون والواقع
إذا كان المشرع قد حصر اختصاص اللجان الضريبية في المسائل الواقعية، فإن ذلك يخلق إشكالاً على مستوى التطبيق، لوجود وضعيات تختلط فيها الأمور ويصعب التمييز بين ما هو واقعي وما هو قانوني.وهي مسألة تتكرر على الساحة إذ غالباً ما تتعدى اللجان اختصاصها التشريعي لتبت في مسائل قانونية عن قصد أو عن غير قصد .
لذلك فالواقع أثبت من خلال ما تم إيراده من أمثلة سابقة صعوبة هذا الفصل وذلك رغم النص صراحة على تثبيت اختصاص اللجان في مسائل الواقع دون القانون. إذ يدق الأمر بحسب النظرة التي ينظر فيها للموضوع، فتقدير المصاريف الحقيقية لاقابلة للخصم هي مسألة واقع لكن البحث عن أساس هذه المصاريف الحقيقية في التشريع الذي يحدد المصاريف ومبلغها وطريقة حسابها هو مسألة قانون، كما أن معرفة ما إذا كان دخل ما يدخل أو لا يدخل في تقدير الأساس الضريبي يقتضي معرفة ما إذا كان المشرع قد أدخله أم لم يدخله ضمن العناصر المكونة لهذا الأساس وبالتالي فإن الأمر يتعلق بتفسير نصوص قانونية .
ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع سنورد الأمثلة التالية:
– هل يعتبر إخضاع الأصول إلى الاهتلاك مسألة قانونية؟ وهل نسبة الاهتلاك المطبقة من طرف المقاولة تمثل فعلاً الإنقاص المألوف أو المستعمل عادة لهذا المال مسألة واقعية؟
– وإذا كان من اختصاص اللجان الضريبية أن تقيم القيمة الإثباتية للمحاسبة كمسألة واقعية، غير أن التقييم قد ينزلق إلى تكييف الأفعال مسألة قانونية .
– تحديد نطاق تطبيق للضريبة على الشركات Champ d’application d’impôt، وكذلك تحديد مكان فرض الضريبة ، وعبء الإثبات .
وتكييف الأفعال على ضوء القانون الجبائي يضع أيضاً مسألة قانونية: مثلاً تكييف المبالغ المدفوعة إلى المكلف من أجل إخضاعها للضريبة .
– تقييم مدى انتظام المحاسبة؛
– إعادة احتساب رقم المعاملات المصرح به من طرف المقاولة والمنجز من طرف المحقق؛
– تقييم أجر مدير الشركة؛
– مدى صحة الأتعاب المدفوعة من طرف شركة مقابل الخدمات؛
– القيمة الحقيقة لثمن حيازة اختراع من طرف الملزم؛
– القيمة الحقيقية لكيفية إدراج الحسابات للخدمات التي هي في طور الإنجاز؛
– مراقبة المصاريف عن خدمات بدون فائدة؛
– كيفية احتساب الذخائر المعمول بها في المقاولة؛
– مراقبة المصاريف لاستغلال رخصة الاختراع.
والحقيقة أن هذا التميز قد أثر بشكل واضح على الاتجاه القضائي؛ وفي هذا السياق صدر عن المحكمة الإدارية بوجدة والذي ألغت بمقتضاه قرار اللجنة الوطنية لتقدير الضريبة: ” إن اللجنة الوطنية حينما أقدمت على تطبيق ضابط أجل المراجعة في النازلة وهو إجراء جوهري ومسطري، وحينما رتبت البطلان خلافاً لقاعدة لا بطلان إلا بنص تكون قد تناولت نقطة قانونية مما يحرم عليها تناولها بالتفسير والتأويل بقوة القانون وأن ذلك يشكل اعتداء على اختصاص القاضي الضريبي وبالتالي يبقى قرارها منطوياً على عيب التجاوز في الاختصاص” .
المبحث الثاني:تصحيح الأساس الضريبي عن طريق المسطرة السريعة ومسطرة الفرض التلقائي
غالباً ما تصرح المقاولة بدخلها والنتيجة المحاسبية لدى الإدارة الجبائية منتظرة ما سترسلها إليها من أوامر استخلاص كمساهمة منها في المردودية الجبائية، وهي بذلك تتحرى الحذر في عدم الكشف عن جميع عائداتها التي تعيل ذمتها المالية، وإذا كان هذا الحذر في غالب الأحيان يمر على الإدارة الجبائية في صمت وتستر، فإنها قد تجد مع ذلك بعض الهوامش والثغرات لتسليط رقابتها والكشف عن تجليات هذا التهرب الضريبي.
وإذا كانت المسطرة العادية للتصحيح الجبائي على إثر المراقبة تفي بالمطلوب، فإن هناك حالات استثنائية ومحددة تجعل الإدارة الجبائية تسلك مساطر أخرى تراعى فيها خصوصية موضوع المراقبة أو ظروفها، أو عدم استجابة المقاولة المراقبة لمقتضيات الفحص الجبائي، وذلك هو شأن كل من المسطرة السريعة (المطلب الأول) ومسطرة الفرض التلقائي (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المسطرة السريعة للتصحيح الجبائي
نصت المادة 221 (م.ع.ض) على المسطرة السريعة لتصحيح الضرائب وجعلتها خاصة بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، وكان هدف المشرع من وراء سن هذه المسطرة هو الحذر من خطر عدم تمكن الإدارة من استيفاء ما تروم فرصة من مستحقات عن طريق سلوك المسطرة العادية. ذلك أن ظروف هذا التصويت الجبائي تحتم ضرورة الإسراع في فرض مستحقات الدولة في أجل سريع على الرغم من تمكين هذه المقاولة من جميع الضمانات القانونية التي تفرضها سياسة التحاور الجبائية، وهي سياسة لا تقبل في هذه الحالة المنازعة إلا بعد التحصيل أو الاستخلاص، وهو ما يميز هذه المسطرة عن تلك العادية التي تم التفصيل فيها في المبحث السابق.
لذلك فاستعجالية هذه المسطرة تتجلى في مجالها (الفقرة الأولى) وفي سيرها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:مجال التطبيق
عالجت المادة 221 من المدونة، المسطرة المستعجلة فيما يتعلق دائماً بالضرائب الرئيسية لتصحيح الحصيلة الخاضعة للضريبة في حالة تفويت مقاولة أو انقطاعها عن مزاولة نشاطها أو تغيير شكلها القانوني إذا كان يترتب على ذلك إما إخراجها من نطاق الضريبة على الشركات أو الضريبة العامة على الدخل وإما إحداث شخص معنوي جديد أو في الحالة التي لم يبق للخاضع في المغرب محل إقامة اعتيادية أو مؤسسة رئيسية أو موطن ضريبي أو وفاة الملزم.
وقد جعلها المشرع متوقفة على ملاحظة مفتش الضرائب بضرورة التصحيح وهي عبارة ليس فيها من الإلزام ما يجعلها إجبارية، لأنها ترتبط بمدى حنكة المفتش في الملاحظة، وهذا ما يفسر قلة الملفات الخاضعة لهذا التصويب خاصة في حالة التفويتات .
ويمكن تعداد هذه الحالات:
” اولا: “تصحيح الحصيلة الخاضعة للضريبة في حالة التفويت أو الانقطاع عن مزاولة النشاط وحالة التسوية أو التصفية القضائية أو تغيير الشكل القانوني.
تتحقق هذه الحالة متى تم تفويت المقاولة ببيع cession أو تنازل أو توقف كامل عن مزاولة النشاط داخل المقاولة سواء كان ذلك بمحض الإرادة أو بعد الخضوع لإحدى مساطر صعوبات المقاولة، ويتعلق الأمر بالتسوية القضائية أو التصفية حيث يتم غل يد الملزم التاجر عن التصرف في أمواله المدارة داخل الشركة لسوء استغلاله ولعدم وجود أمل في عودة الانبعاث الجديد لمشروعه الإنتاجي.
لذلك وخوفاً على حقوق الدولة من الضياع، سن المشرع هذه المسطرة لتثبت تلك الحقوق المالية في ذمة الشركة الخاضعة للتسوية أو التصفية.
ونفس الشيء في حالة تحول الشكل القانوني للشركة أو المقاولة والذي من شأنه أن يخرجها من نطاق تطبيق الضريبة ، والمقصود بذلك تغيير أسس فرض الضريبة بتغيير شكلها القانوني كتحول شركة إلى شخص طبيعي يجعلها تخضع للضريبة على الدخل بدل الضريبة على الشركات، وفي المقابل قد يعبر رئيس مقاولة عن رغبته في تحويل أصله الإنتاجي من إطار مقاولة فردية إلى مقاولة تشاركية لتوسيع رأسماله ودائرة إنتاجه، وهذا يستتبع تحويل طريقة تضريب دخله الذي سيصرح به لدى الإدارة الجبائية، فبدل خضوعه لأسعار الضريبة على الدخل ومقتضيات هذه الضريبة، فإنه سيلزم بمقتضيات الضريبة على الشركات وتوابعها وقد يتولد عن هذا التحول إحداث شخص معنوي جديد .
وفي جميع هذه الحالات، يكون من حق الإدارة الجبائية أن تعيد فتح الملف الضريبي، وتبسط رقابتها على الحصيلة المصرح بها ما دام لم يشملها التقادم ومن الطبيعي أن لا تشمل المراقبة الحصيلة الأخيرة، ولكن موضوع المراقبة سيشمل كل فترة النشاط الأخيرة وهو ما عبرت عنه المادة 221 (م.ع.ض).
” ثانيا: حالة مغادرة الشخص الأجنبي للمغرب وحالة الوفاة “
كل شخص أجنبي خاضع للضريبة على الدخل قرر الانقطاع عن الإقامة في المغرب، أو لديه مؤسسة رئيسية بالمغرب، وارتأى تحويلها إلى بلد آخر إما بهدف تغيير سوق استهلاك منتوجه، أو بهدف الحصول على امتيازات جبائية في بلد أكثر ضيافة وأكثر سخاء من حيث الإعفاءات الجبائية، أو لسبب وحيد هو الرجوع إلى بلد الأصل والمنبع، وجب عليه أن يوجه إلى الإدارة الجبائية إقراره بجميع دخوله ذات المنشأ الأجنبي التي حصل عليها في المغرب إلى غاية تاريخ انتهاء إقامته المعتادة بالمغرب، ودخوله ذات المنشأ المغربي التي حصل عليها في تلك السنة، وذلك قبل اعتزامه مغادرة المغرب بشهر على أبعد تقدير .
والغرض من هذه المراقبة التي تبسطها الإدارة الجبائية على هذه الإقرارات هو التأكد من صحة البيانات المدلى بها داخل تصريح المقاولة سواء من حيث العائدات أو النفقات، وهي مناسبة للإدارة لتصفية جميع حساباتها مع هذه المقاولة من حيث مراقبة جميع إقراراتها الأخيرة الغير مشمولة بالتقادم، ومناسبة أيضاً لبعث تقريرها إلى دولة المقاولة في إطار المساعدة الإدارية.
وفي حالة الوفاة، يلتزم ذوو الحقوق بوضع إقرار ضريبي، وهو مقتضى نص عليه المشرع سابقاً في المادة 83 من قانون الضريبة العامة على الدخل، ولا ريب أن هدف المشرع منطقي، وهو ضرورة تصفية التركة من كل حقوق الإدارة الجبائية، قبل انتقالها إلى ذوي الحقوق.
والحقيقة أنه من النادر إعمال هذه المادة من حيث الممارسة على اعتبار أن إلزام الورثة بوضع إقرار عن مورثهم، لا يتم تفعيله من قبل مفتشي إدارة الوعاء، وبالتالي فتلك المراقبة المفترضة تبقى في غالب الأحيان حبيسة القانون في نصه، وربما هذا راجع لكثرة الأعباء التي تقع على عاتق المفتش، والتي تجعله يصرف كل نظر عن تفصيل هذا النص خاصة وانه يرتبط بحقوق شرعية قبل أن يكون مرتبطاً بحقوق الدولة.
” ثالثا: حالات أخرى “
عددت المادة 221 (م.ع.ض) حالات أخرى توجب تطبيق هذه المسطرة السريعة وهي كما يلي:
– إقرارات الخاضعين للضريبة الذين يبيعون قيماً منقولة وغيرها من سندات رأس المال والدين.
– المبالغ المحجوزة في المنبع والتي وقع إقرار بشأنها من طرف المشغلين أو المدنيين بالإيرادات الذين ينقطعون عن مزاولة نشاطهم أو الذين يقومون بتحويل زبنائهم أو تغيير الشكل القانوني لمنشآتهم.
– الضرائب المفروضة من قبل قيما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة على فترة النشاط الأخيرة غير المشمولة بالتقادم في حالة تفويت مقاولة أو انقطاعها عن مزاولة نشاطها.
– في حالة توقف مقاولة عن مزاولة مجموعة نشاطها، إذا تلت ذلك تصفية، ففي هذه الحالة يباشر التصحيح الجبائي دون إمكانية الاحتجاج بالتقادم على الإدارة خلال مجموع فترة التصفية .
الفقرة الثانية: سير المسطرة
لا تختلف المسطرة السريعة عن المسطرة العادية في التصويب الجبائي سوى في نقطة واحدة وهو ما عبرت عنه المادة 221 أعلاه ” يقوم المفتش بفرض الضرائب باعتبار الأسس المبلغة إلى الخاضع للضريبة في رسالة التبليغ الثانية المذكورة، ولذلك فلا ينتظر مقرر اللجنة وفق ما تسطره المسطرة العادية، حيث يتم إجبار الملزم على أداء الضرائب قبل المنازعة فيها وهو ما جعل احدهم يصف الإدارة بالتعسف في حق الملزم الذي لا تمهله إلى أن يعرض نزاعه أمام اللجان أو القضاء ويعرض الإدارة إلى ارتكاب أخطاء مادية في التضريب.
وبالموازاة مع المسطرة العادية للتصحيح تنطلق المسطرة السريعة عبر مرحلتين: مرحلة الرسالة الأولى للتبليغ (أولا) ومرحلة الرسالة الثانية للتبليغ (ثانيا).
أولا: مرحلة رسالة التبليغ الأولى
يبلغ المفتش في الحالات المنصوص عليها في المادة 221 إلى الخاضعين للضريبة وفق إجراءات التبليغ المنصوص عليها في المادة 219 أسباب التصحيحات المزمع القيام بها وتفاصيل مبلغها والأساس المعتمد لفرض الضريبة، ويضرب للمعنيين بالأمر أجل ثلاثين يوماً من تاريخ تسلم التبليغ لتقديم جوابهم والإدلاء إن اقتضى الحال بما يثبت ادعاءاتهم، ولا يخفى أن المشرع راعى في هذه المرحلة جميع الحقوق المعترف بها للمقاولة سواء من حيث ضرورة التوصل بالإعلام ولا من حيث ضرورة تعليل المفتش أسباب ذلك التصحيح، ولا بد من ملاحظة مسألة هامة، وهي عدم التنصيص على مسطرة الفحص الجبائي التي تسبق عادة مرحلة التصحيح، لذلك فالأمر يتعلق بحالات قد يلاحظ المفتش ضرورة القيام بتصحيح وقد لا يلاحظ لذلك ضرورة حسب منطوق النص ، ويضرب له أجل ثلاثين (30) يوماً من تاريخ تسلم رسالة التبليغ لتقديم جوابه والإدلاء بما لديه من إثباتات.
من خلال هذه المقتضيات، يتضح أن إجراءات التصحيح من خلال الرسالة الأولى المنصوص عليها في مسطرة التصحيح العادية هي ذاتها المنصوص عليه بخصوص المسطرة المستعجلة. الفرق الأساسي بينها وبين المسطرة العادية يكمن في أن المشرع راعى في هذه الأخيرة جانباً أوسع من الحقوق للمكلف، بحيث لا يصدر الأمر بالتحصيل إلا بعد انتهاء المسطرة التواجهية، وذلك حتى تتمكن المقاولة من الدفاع عن مصالحها بصفة واضحة وفق الإجراءات والآجال المحددة التي يجب على الإدارة احترامها.
بينما المسطرة المستعجلة لم يعط فيها المشرع نفس الحقوق أو الضمانات التي أعطيت للخاضع للمسطرة العادية، ذلك أن الأمر بالتحصيل يصدر قبل انتهاء المسطرة التواجهية، وهذا راجع للوضعية الجبائية الاستثنائية للمكلف، ولذلك يكون التعامل معه استثنائياً مع حفظ ما يمكن من الحقوق والضمانات لفائدته في إطار مسطرة تواجهيه.
غير أنه متى تم تفعيل هذا النص وجب على المفتش الالتزام بجميع مقتضياته، هذه الأخيرة التي تكتسي طابع الإلزام ويترتب على عدم احترامها من قبل إدارة الضرائب بطلان عملية الربط الضريبي .
وخلاصة القول إن القواعد المطبقة على رسالة التبليغ الأولى في المسطرة السريعة هي نفسها المطبقة على رسالة التبليغ الأولى في المسطرة التواجهية .
ثانيا:مرحلة رسالة التبليغ الثانية
جاء في المادة 221 الفقرة II من م.ع.ض فيما يخص المسطرة المستعجلة، مايلي: ” إذا قدمت ملاحظات داخل الاجل المضروب ورأى المفتش أن جميعها أو بعضها لا يستند إلى أي أساس صحيح وجب عليه أن يبلغ المعنيين بالأمر وفق الإجراءات المنصوص عليها في المادة 219 أعلاه داخل أجل لا يتجاوز الستين (60 يوماً التالية لتاريخ تسليم جواب المعنيين بالأمر، أسباب رفضه الجزئي أو الكلي وكذا أسس فرض الضريبة المعتمدة مع إخبارهم بان لهم أن يطعنوا في الأسس المذكورة أمام اللجنة المحلية لتقدير الضريبة المنصوص عليها في المادة 225 بعده داخل أجل الثلاثين (30) يوماً التالي لتاريخ تسلم رسالة التبليغ الثانية. يقوم المفتش بفرض الضرائب باعتبار الأسس المبلغة إلى الخاضع للضريبة في رسالة التبليغ الثانية المذكور”.
من خلال قراءة متأنية لهذه المقتضيات القانونية، يتضح أن تبليغ الرسالة الثانية للتصحيح تخضع كذلك لنفس الإجراءات والآجال، سواء سلكت الإدارة المسطرة العادية أو المستعجلة.
ولكن ما يميز هذه المسطرة عن تلك العادية هو حق الإدارة بفرض الضرائب باعتبار الأسس المبلغة إلى الخاضع للضريبة في رسالة التبليغ الثانية، دون انتظار مقرر اللجان التحكيمية حتى وإن طعن الخاضع أمامها في عدالة الأسس المعتمدة، وهذا من شأنه أن يثير التساؤل حول جدوائية هذه اللجان إذا كانت الإدارة الجبائية لا تكترث بما ستقرره.
ما دامت تصدر أوامرها في الاستخلاص؟ ثم ما مصير الجداول المصدرة émis إذا قررت اللجان إعادة النظر في الأسس المعتمدة؟ ومن هو المختص وظيفياً في إصدار الإسقاط dégrèvement المفترض؟
المطلب الثاني: مسطرة الفرض التلقائي
تمارس الإدارة الضريبية في مقابل نظام الإقرار المعتمد في تحديد الأساس الذي تفرض عليه الضريبة حقها في مراقبة التصريحات المقدمة من طرف المقاولة ، وقد تم التطرق سابقاً لآلياتها وأسلحتها في بسط تلك الرقابة، غير أن المقاولات ليست كلها بذات الإرادة في الاستجابة للإلزام الجبائي، لذلك – وفي كثير من الحالات- ترفض بعض المقاولات تقديم وثائقها المحاسبية ومستنداتها للإدارة رغم مطالبتها بذلك، وعليه سن المشرع مسطرة الفرض التلقائي كجزاء لعدم الانصياع للواجبات الضريبية وهي مسطرة حدد لها المشرع مجال تطبيقها (الفقرة الأولى) وفصل في سيرها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مجال التطبيق
يقصد بمسطرة التحديد التلقائي للوعاء الضريبي قيام الإدارة الضريبية بصورة انفرادية بتقدير وعاء ضريبة معينة، وقد تستعين في بعض الحالات بآراء لجن استشارية، وبالتالي فإن مساهمة المقاولة في هذه الحالات تكون شبه منعدمة.
ولقد نصت المدونة العامة للضرائب في الباب الثالث من كتاب المساطر الجبائية الصادرة بقانون مالية 2007 على الحالات التي يحق للإدارة فرض الضريبة بصورة تلقائية( أو ما يسمى بالتقدير المباشر من طرف الإدارة ) بالمادتين 228، 229 وهي كالتالي :
ــــ فرض الضريبة بصورة تلقائية عن عدم تقدير الإقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة أو مجموع الدخل أو الأرباح أو رقم الأعمال أو عدد العقود أو الاتفاقيات.
ــــ فرض الضريبة بصورة تلقائية على مخالفة الأحكام المتعلقة بتقديم الوثائق المحاسبية وفق المراقبة.
يتم فرض الضريبة مباشرة إذ رفضت المقاولة بعد ان يتم إعلامها في إطار المراقبة الجبائية تقديم وثائقها المحاسبية للمفتش المكلف بالمراقبة وهو ما نص عليه المشرع في المادة 229 (م.ع.ض)، ذلك أن إجراء المراقبة يتوقف على إطلاع المفتش المحقق على الوثائق المحاسبية التي تمسكها المقاولة، وإذا لم يستطع المفتش المذكور الإطلاع على تلك الوثائق بسبب يعود إلى المقاولة نفسها، فإن ذلك يعد قرينة على عدم التصريح على الوجه القانوني ، وبالتالي يؤكد عدم صدق الدخل المصرح به وكذلك الأساس الذي فرضت عليه الضريبة في فترة النشاط موضوع هذه المراقبة.
وتجدر الإشارة أن مسطرة الفرض التلقائي، هي مسطرة تفرض عادة في حالات نص عليها المشرع في المادة 228، ويتعلق الأمر بما يلي:
” – إذا كان الخاضع لضريبة
1- لم يقم داخل الآجال المحددة بتقديم:
– الإقرار بالحصيلة الخاضعة للضريبة المنصوص عليه في المادتين 82 و 85 أعلاه.
– الإقرار بيع ممتلكات عقارية أو حقوق عينية عقارية المنصوص عليه في المادة 83 أعلاه.
– الإقرار ببيع قيم منقولة وغيرها من سندات رأس المال والدين المنصوص عليه في المادة 84 أعلاه.
– الإقرار برقم الأعمال المنصوص عليه في المادتين 110 و 111 أعلاه.
– العقود والاتفاقات المنصوص عليها في المادة 127- 1 أعلاه.
2- أو قدم إقرار غير تام أو عقدا لا يتضمن العناصر اللازمة لتحديد وعاء الضريبة أو تحصيلها أو تصفية الواجبات…”.
وهي حالات تختلف عن الحالة محل الدراسة، حيث خصص لها المشرع مقتضيات خاصة بالمادة 229، وتفيد هذه الأخيرة إما عدم تقديم المقاولة للوثائق المحاسبية السابق بيانها والتي نص عليها المشرع في المادتين 145 و 146 من م.ع.ض أو رفض الخضوع للمراقبة الضريبية المنصوص عليها في المادة 212 من نفس القانون، وهي نفس المقتضيات في القانون الفرنسي في المادتين 1430 و 1755 من المدونة العامة للضرائب حيث ترفق الضرائب المعتمدة تلقائياً بفوائد عن التأخير بمعدل % 0,75 عن كل شهر مع زيادة % 150 بالإضافة إلى عقوبات ردعية قد تمس حتى المشاركين مع المقاولة في هذا التعرض للمراقبة .
ويعتبر ادعاء المقاولة بعدم توفرها على الوثائق المحاسبية بسبب الضياع من غير أساس، ذلك أن المشرع نص على وجوب الاحتفاظ بالوثائق طوال عشر سنوات، وقد سبق للمحاكم المغربية أن بثت في مثل هذه المزاعم، فقد عللت محكمة الدار البيضاء حكمها بما يلي: ” حيث عللت المدعية عدم تزويد إدارة الضرائب بالوثائق المحاسبية من أجل المراقبة، لوقوع قوة قاصرة تتمثل في الحريق المذكور، وإتلاف تلك الوثائق.
لكن حيث إنه حسب الفقرة الثانية من المادة 60 من قانون 30/ 85 المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة فإنه إذا ضاعت الوثائق المحاسبية لأي سبب من الأسباب، وجب على الشركة أن تخبر بذلك مفتش الضرائب التابع له مقرها أو مؤسستها البرئية” وفي حكم آخر لنفس المحكمة أكدت نفس المنحى وهو ضرورة تقديم الوثائق المحاسبية لسير المراقبة: ” وحيث إن المدعية فوتت على نفسها فرصة فض خلافها رضائياً مع إدارة الضرائب وذلك بعدم تقديم الوثائق الضرورية لمفتش الضريبة” .
الفقرة الثانية:سير المسطرة
بالرجوع إلى المادة 229 م.ع.ض لابد من ملاحظة الطابع التحاوري لهذه المسطرة والتي روعيت فيها ضمانات الدفاع للمقاولة، هذه الأخيرة التي لم يسعفها الحال أن تقدم وثائقها المحاسبية للإدارة الجبائية لإكمال عملها الرقابي، هذا مع ملاحظة أن المشرع لم يوضح كيفية إثبات رفض المقاولة الخضوع للمراقبة، وحتى المسطرة المشار إليها تسهب الحديث عن تقديم الوثائق المحاسبية دونما الإشارة إلى رفض الخضوع للمراقبة.
لقد حرص المشرع على ضرورة تبليغ المقاولة الممتنعة تبليغاً صحيحاً وفقاً للمادة 219 بدعوتها إلى التقيد بالالتزامات القانونية داخل أجل 15 يوماً من تاريخ تسلم الرسالة المذكورة.
وفي حالة عدم تقديم الوثائق المحاسبية، أخبرت الإدارة المقاولة في رسالة تبليغ ثانية بتطبيق الغرامة المقررة في المادة 191/ 1 وتمنحها أجلاً إضافياً مدته خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلم الرسالة المذكورة لتبرير عدم وجود محاسبة.
ومتى مر ذلك الأجل دون أن تقدم المقاولة الوثائق المحاسبية أو لم يبرر سبب عدم تقديمها، فرضت عليها الضريبة تلقائياً دون سابق تبليغ مع تطبيق الغرامة التهديدية المنصوص عليها في المادة 191- 1 وهو ما أقره مجلس الدولة الفرنسي إذ أكد على أن التقدير التلقائي بسبب التعرض للمراقبة الجبائية لا يستلزم أي شكليات مفترضة .
ومن خلال عرض هذه المسطرة، لاشك أن المشرع حرص على إقناع الخاضع للضريبة بتقديم وثائقه المحاسبية، ولا شك أن سياسة الإقناع هذه مثبتة كتابة مع ضرورة الإشعار بالتوصل وهي ضمانة أكيدة للمقاولة ضد تعسف الإدارة الجبائية، ومع ذلك فقد منحها المشرع الحق في الفرض التلقائي للأساس الضريبي، وفي هذا المقام لم يقيدها بأي قيد فللإدارة كامل السلطة في اعتماد الأساس الذي تراه – حسب قناعتها- ملائماً لنشاط ووضعية المقاولة المراقبة، والحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها أن عدم توفر الإدارة على الوثائق المحاسبية تجعلها في مركز ضعف ذلك أن الإثباتات الموجودة لديها قد تغيب عنها الحقيقة الفعلية للمقاولة من حيث ميزانيتها الحقيقية والتي لا تكون دائماً في مركز ضعف بل إن ميزانية الدولة تحرم من مردودية جبائية جد هامة بسبب امتناع الكثير من المقاولات عن تقديم وثائقها المحاسبية؛ لأن هذه الأخيرة ستكشف لا محالة عن مدى يسرها ورواج ميزانيتها.
أما القضاء المغربي فقد ذهب إلى إبطال الضريبة المفروضة تلقائيا في الحالة التي لا تحترم فيها الإدارة الضريبية حق الدفاع المخول للمقاولة، فهكذا ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة وهي تؤكد ضمانات حق الدفاع تلك المخولة للملزم في إطار المسطرة التواجهية لفرض الضريبة بصورة تلقائية إلى ما يلي:
“تشكل المسطرة التواجهية المنصوص عليها في الفصل 28 من القانون 85-30 ضمانة حقيقية وقانونية للملزم لما ترتب عنها في تمكينه من الدفاع عن مركزه القانوني والإدلاء بالوثائق والمستندات المتعلقة بإقراره وأن الإخلال بأحكام تلك المسطرة يعد مساسا بحق الدفاع وخرقا لإجراءات جوهرية يترتب عمها بطلان مسطرة فرض الضريبة”.
وتطبيقا لمبدأ حق الدفاع المنصوص عليه بالمسطرة التواجهية لفرض الضريبة بصورة تلقائية ذهبت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وهي تربط بين مسطرة التظلم ومسطرة الطعن الإداري وتقرر بطلان مسطرة فرض الضريبة لإخلال الإدارة بضمان حق الدفاع المخول للملزم في إطار مسطرة الفرض التلقائي للضريبة إلى القول ما يلي:
“لكن حيث أن المشرع إذا كان في الفصل 47 من القانون المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة قد أوجب على الملزم بالضريبة أن يتظلم لدى الإدارة المختصة قبل رفع المنازعة إلى القضاء فإن المشرع قبل ذلك أعطى للملزم حقا أساسيا ينص عليه الفصل 28 من نفس القانون وهو حق الدفاع المتمثل في وجوب تمكين الملزم من التعرف على أساس الضريبة ومناقشتها قبل فرضها تلقائيا عليه…” وأكدت نفس المنحى في قرار أخر بمناسبة إبطال مسطرة فرض الضريبة لقولها أن مسطرة فرض الضريبة تشكل ضمانة حقيقية للملزم ترتب عن الإخلال بها البطلان لتعلقها بحق الدفاع الذي يعتبر من قبيل الإجراءات الجوهرية الآمرة. وفي قرار آخر ذهبت الغرفة الإدارية وهي تلغي الضريبة المطعون فيها لعدم التبليغ القانوني بالإجراءات القانونية المتطلبة في فرضها بالقول بما يلي:
“لكن حيث أن فرض الضريبة تلقائيا كما هو الوضع في النازلة يستوجب أن يكون الملزم قد سبق إنذاره بوجوب تقديم تصريحه وتمكينه من إبداء ملاحظاته حول أسس فرض الضريبة قبل فرضها حسب الكيفيات التي حددها الفصل 28 من القانون المنظم للضريبة على القيمة المضافة، الأمر الذي لا تجادل فيه المستأنفة التي تذكر أنها وجهت رسالتين موصى بهما الملزم، وأنه لا يكفي توجيه هذين الإشعارين بل ينبغي إثبات التوصل بهما لإنتاج آثارهما وأن المستأنفة تقر بعدم توصل المستأنف عليها بالرسالة ليكون ما انتهى إليه الحكم فيما قضى به في إلغاء الضريبة مؤسسا”.
وهكذا يتضح أن عدم التبليغ القانوني بالإنذارين المنصوص عليهما في مسطرة الفرض التلقائي للضريبة المتعلقين بالدعوة إلى تقديم الإقرار أو إتمامه والإخبار بالأساس المنوي اعتماده في فرض الضريبة يرتبان أثر بطلان مسطرة فرض الضريبة، يستوي في ذلك أن تكون الإدارة قد قامت بهما على وجه سيئ حينما لم تبلغهما بشكل قانوني للمقاولة أو إكتفت بتبليغ أحدهما فقط أولم تباشر أيا منهما. هذا وإذا كانت الإدارة تفرض الضريبة بصورة تلقائية وبطريقة منفردة بحق المقاولة التي لم تقدم إقرارها أو قدمته ناقصا من البيانات اللازمة لربط الضريبة فالملاحظ أنها تؤسس تلك الضريبة انطلاقا من المعلومات المتوفرة لديها مما يتعذر على المقاولة مناقشتها في ذلك علما أن المشرع الضريبي وحتى من خلال كتاب المساطر الجبائية الصادر سابقا بموجب قانون المالية في سنة 2005 أو الملحق فيما بعد بالمدونة العامة للضرائب لم يكلفها بإثبات العناصر المعتمد عليها في تضريب الملزم بشكل تلقائي وفي ذلك إرهاق للمقاولة.
خاتمة:
من خلال دراسة موضوع المراقبة الجبائية تتضح مجموعة من أوجه القصور التي تعتري هذه العملية مما يتولد عنه اختلال العدالة الجبائية من جهة. ومن جهة أخرى فقدان التوازن بين طرفي العلاقة الضريبية.
فعلى مستوى حقوق والتزامات طرفي العلاقة الضريبية فهي من دون أدنى شك تعرف رجحانا لصالح الإدارة الضريبية نظرا لجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقها والمتمثلة في ضمان المساواة أمام الضريبة بين كافة المكلفين. ورغم أنها تحاول إرساء علاقة متوازنة تراعي مصالح القطاع الخاص إلا أن ذلك لا ينبغي أن يطغى على اعتبارات العدالة الضريبية أو يصل إلى درجة التغاضي عن تطبيق مقتضيات القانون الجبائي بدعوى تفادي التأثير السلبي على جلب الاستثمار.
إن النصوص الجبائية مهما بلغت من الدقة والأهمية تبقى مرتبطة بمدى قابليتها للتطبيق، فقوة الإدارة الضريبية لا تكمن فيما يوفره لها القانون من سلطات بل يبقى الأهم هو مدى قدرتها على تفعيل هذه السلطات على أرض الواقع بالإضافة إلى بلوغ الأهداف المرجوة منها. فموارد بشرية لا يزيد عددها عن 290 مفتشا محققا مكلفين بمراقبة أكثر من 86000 مقاولة يعتبر من أكبر العوائق التي ينبغي تجاوزها.
وبالنسبة لحق الإطلاع والذي يعتبر عصب المراقبة الجبائية فإنه يظل الوسيلة الوحيدة التي من شأن تفعيلها تجاوز تلك الحالات التي تكون فيها المحاسبة صادقة ظاهريا لكنها لا تعكس الرقم الحقيقي لمعاملات المقاولة نظرا لأن جزء منها يتم دون اللجوء للفاتورات.
إن اعتبار المحاسبة وسيلة إثبات وفي كل الحالات أصبح غطاء واقيا لعمليات الغش والتهرب الضريبيين، إن الصعوبات التي تواجه ممارسة حق الإطلاع والتي تتمثل في المقاومة التي يلاقيها المفتش لدى ممارسته للإطلاع لدى المقاولات أو رفضها الخضوع لها بالإضافة إلى ضعف الجزاءات المقررة في هذه الحالة تمثل حدودا حقيقية بالنسبة للمراقبة الضريبية. إن العديد من المقاولات تفضل أداء غرامة على فقد شريك اقتصادي. لا بد بالتالي من تطوير حق الإطلاع الممارس لدى إدارات الدولة خاصة ولما لا الاستعانة بالقضاء في هذا الإطار كما هو الحال في فرنسا.
وعلى مستوى علاقة الإدارة الضريبية بالمقاولة نجد أن القانون لازال ينحو نحو خلق نوع من التوازن بين طرفي العلاقة، لكن ما تتوفر عليه المديرية من سلطات تقديرية واسعة تستعملها كيفما تشاء ووقتما تشاء يساهم في الإخلال بهذا التوازن الهش.
فعلى مستوى مساطر التحقيق نجد أن لها سلطة كبرى في اختيار من تخضعه ومتى تخضعه لتحقيقاتها، خاصة أنه ليس من واجبها ولا بمقدورها مراقبة الجميع. إن وجود متهرب معاقب وآخر غير معاقب من طرف الإدارة الضريبية لدليل على غياب التوازن الموجود بين الإدارة الضريبية والمكلف، وهنا يبرز الإتفاق كسلاح ذي حدين في يد الإدارة فقد يكون في صالح البعض ويشكل لهم امتياز بالمقارنة مع ما كان يهددهم عقوبات كبيرة وقد لا يكون في صالح البعض الآخر عندما يستعمل للضغط والمساومة فإما الإذعان لشروط الصلح المالية الثقيلة أو الخضوع للعقوبات المالية كلها.
وبالمقابل وفيما يتعلق بالضمانات التي أقرها القانون لصالح المقاولة فإن مجرد التنصيص عليها لا يعني أن المكلف يستفيد منها إذ كيف يعقل أن مكلفا جاهلا بحقوقه أن يتمكن من الدفع ببطلان نتائج المراقبة لمجرد أن الإعلام الموجه إليه لم يحترم إحدى الشكليات المقررة، ولا ينحصر الجهل بالحقوق والواجبات فقط بل يمتد للجهل حتى بكيفية الاستفادة منها فتصبح المشكلة مركبة يتطلب حلها توعية المكلف بها أولا ومساعدته على ممارستها.
لقد أصبح من الضروري إيلاء أهمية خاصة للتواصل فنشر المعلومة الضريبية وضمان وصولها لأكبر عدد من المكلفين من شأنه تحفيز المكلف على الالتزام بواجبه الجبائي والتقليص من عدد النازعات الضريبية التي يكون سببها في أغلب الأحيان غياب هذا النوع من التواصل والحوار المباشر. إن من شأن إرساء هذه الثقافة داخل الإدارة أن يساهم في إذكاء روح المواطنة الجبائية.
أما القضاء الإداري المختص بالنظر في المنازعات الضريبية فهو قضاء غير متخصص وذلك راجع إلى أن القضاة الذين يشغلونه لا يتوفرون على تكوين يتيح لهم فك رموز الوثائق المحاسبية والاخلالات التي قد تشوب هده الوثائق. لدا حان الوقت لإدراك هده الثغرة التي يحسن المتهربون استغلالها بشكل جيد.
– تحديث الإدارة الضريبية وذلك بتزويدها بالوسائل التقنية والتكنولوجية من أجل تسريع عملية معالجة ملفات الخاضعين للضريبة هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب إلحاق مزيد من الموظفين الذين يتوفرون على خبرات ومهارات مهمة في علوم الضريبة والمحاسبة والاقتصاد وكذا علوم الإدارة والتدبير. دون أن ننسى خلق شبكة لتواصل الإدارات فيما بينها سواء تعلق الأمر بالتواصل الأفقي أو العمودي.
– انفتاح الإدارة الضريبية على محيطها وذلك بالمشاركة في الأيام الدراسية والندوات العلمية التي تتعلق بالمواضيع الضريبية، كما يجب عليها تدعيم التواصل مع المقاولين من أجل إزالة الحواجز القائمة بينهما.
– محاولة إيجاد توازن حقيقي بين الإدارة الضريبية والمقاولة وذلك من أجل تحقيق العدالة الجبائية والحد من السلطات الكثيرة للإدارة الضريبية.
– خلق قضاء مالي أو ضريبي يختص بالمنازعات الضريبية وإعداد قضاة مكونين تكوينا ماليا وضريبيا وقانونيا.
– إيجاد حل قانوني لممارسة حق الإطلاع لدى الغير وإزالة إشكالية السر المهني التي تظل عائقا يحد من نتائج استعمال هذا الحق.
ويبقى من الضروري أن نضيف أن نجاح أي سياسة عامة للمراقبة الجبائية ومحاربة الغش الضريبي رهين بتوافر الإرادة السياسية لبلورتها على أرض الواقع.
(محاماه نت)