دراسات قانونيةسلايد 1
معايير التربية على حقوق الإنسان (بحث قانوني)
ملخص
في الذكرى السبعين لاحتفال العالم بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تبدو الحاجة ماسّة أكثر من أي وقت مضى إلى تربية ناجعة على حقوق الإنسان تتجاوز نقل المعارف الحقوقيّة إلى بناء الذات الفاعلة le sujet لدى المتعلّم، ذلك أن كثافة النّصوص التشريعيّة والمعاهدات الدوليّة الضامنة لحقوق الإنسان لم تحل منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) إلى اليوم دون انتهاك تلك حقوق الإنسان، الأمر الذي يستدعي تبيئة حقوق الإنسان، وتحويلها إلى ثقافة توجّه الأفراد والمجموعات في إنتاجهم لتاريخيتهم (leur historicité) ويتطلّب تحقيق هذا الهدف مقاربة مغايرة، تقوم من ناحية على عدم اختزال تلك التربية في معارف والعمل على توظيف هذه الأخيرة في بناء مواقف وميولات تترجم لاحقا إلى ممارسات تحترم حقوق الإنسان وتدافع عنها بطرق سلميّة، ومن ناحية أخرى التركيز على الطابع الأفقي لتلك المادة، وهو ما يستوجب مدخلا غير تقليدي لتناولها من قبيل مدخل المهارات الحياتيّة الذي تمّ التركيز عليه في هذه الدراسة. إلا أنّ هذا المدخل يحتاج أيضا إلى أكثر من إقرار تلك المقاربة، إنّه يتطلّب مناخا ملائما، أي فضاء ديمقراطيّا ييسّر ذلك التمشّي ويمكّن التربية على حقوق الإنسان من بناء الذات الفاعلة لدى المتعلّم التي تخوّل له إنتاج وإعادة إنتاج ذاته.
مقدمة
تبدو الحاجة اليوم ملحة للتربية على حقوق الإنسان، فواقع هذه الأخيرة على المسرح العالمي- وعلى الرغم من احتفال البشرية هذه السنة بالذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان- ليس على ما يرام، وسواء تعلّق الأمر بحقوق الأفراد أو بحقوق الجماعات، الأمر الذي يعكس الحاجة إلى تبيئة تلك الحقوق في ذات الفرد، ليتحول إلى ذات فاعلة قادرة فعلا على تمثّل تلك الحقوق، وتبنّيها ومن ثم ترجمتها إلى سلوك يومي، لأنه دون التركيز على بناء الذات الفاعلة لدى المتعلّم ستختزل التربية على حقوق الإنسان في نقل معارف، إن لم نقل في نقل معلومات حول حقوق الإنسان والنصوص التي تؤطّرها، وهي معلومات لا يتخطى تأثيرها فترات الامتحانات على الرغم من أهميّتها.
تعتبر تبيئة هذه الحقوق وتجذيرها في أعماق البشر مسألة مركّبة وتحتاج إلى ما هو أكبر من سنّ قوانين وتشريعاتتضمنها، وأكثر من نقل معارف حقوقّية إلى المتعلّمين. وبعبارة أخرى تحتاج التربية إلى حقوق الإنسان إلى مدخل مغاير لمدخل المضامين، يكون قادرا على بناء الذات الفاعلة لدى المتعلّمين. ومن هذا المنطلق، تنشد هذه الدراسة الإجابة عن سؤال محوري كيف تكون التربية على حقوق الإنسان سبيلا لبناء الذات الإنسانيّة الفاعلة لدى المتعلّم، بحيث تكسبه مواقف وميولات، يحوّلها لاحقا إلى ممارسات يوميّة تبيّن فعلا التزامه بتلك الحقوق؟ بعبارةما المدخل التربوي الملائم لتربية على حقوق الإنسان تخوّل لهذا الأخير أن يكونمتبنّيا لحقوق الإنسان ومدافعا عنها وفاعلامؤثّرا في محيطه الوطني والعالمي في المسائل المتّصلة بحقوق الإنسان ؟.
مفاهيم الورقة
التربية
عديدة هي تعريفات التربية، ودون إطناب في تعداد تلك التعريفات، نورد التعريف الآتي: ” التربية هي فعل ممارس على ذات أو مجموعة ذوات بما هو موافق عليه أو مطلوب من هذه الذات أو الذوات. ويهدف هذا الفعل إلى إحداث تغيير عميق في الذات حتى تنشأ لديها طاقات حيّة جديدة، ويصير هؤلاء أنفسهم عناصر حيّة لهذا الفعل الممارس عليهم([1])”. بمعنى أن التربية فعل قصدي هدفه إحداث تغيير عميق في الذات أو الذوات بما يتيح لها القدرة على أن تكون فاعلة ومبادرة مؤثّرة في واقعها وفي محيطها. ولكن التربية –في غالب الأحيان- تحيل إلى التربية المدرسيّة (النظاميّة)، وإن كانت في الواقع أشمل من ذلك، ولعلّ المثل الإفريقي القائل “لتربية طفل واحد لا بد أن تتظافر جهود قرية بأكملها” دليل على أن التربية أشمل بكثير من التربية المدرسيّة. غير أن هذه الورقة ستركّز أكثر على التربية المدرسيّة (النظاميّة) بالأساس.
حقوق الإنسان:
لحقوق الإنسان تعريفات متنوّعة ومتعدّدة، من ذلك أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) تعرّفها بكونها “عبارة عن مبادئ يُمكن للأفراد بحسبها أن يتصرّفوا، كما يمكن وفقها للدول أن تُشرّع وتحكم. لكنّها أيضا عبارة عن قيم تطمح إليها الإرادات البشريّة. وحقوق الإنسان من حيث هي قيم تشكّل مثلا أعلى وأفقا لم يتم بلوغه على النحو الأكمل بدون شك، لكنه قادر على إعطاء معنى للحياة في المجتمع([2])” بمعنى أن اليونسكو تعتبر حقوق الإنسان قيما ومثلا عليا تعطي معنى لحياة الفرد، وهي بذلك مطمح كبير لم تستطع الإنسانيّة بلوغه إلى اليوم .
ومن بين التعريفات الأخرى لحقوق الإنسان تلك التي تعتبرها” علما يتعلّق بالشخص ولاسيما الإنسان العامل، الذي يعيش في ظلّ دولة، ويجب أن يستفيد من حماية القانون عند اتّهامه بجريمة، أو عندما يكون ضحيّة للانتهاك، عن طريق تدخّل القاضي الوطني والمنظمات الدوليّة. كما ينبغي أن تكون حقوقه – أي الإنسان- ولا سيّما الحق في المساواة متناسقة مع مقتضيات النظام العام([3])”. بمعنى أن حقوق الإنسان تتعلّق بالشخص (بالفرد)، وتحميها قوانين وآليات حماية من بينها الوطني (القضاء) والدولي (المنظمات الدولية).
ويعتبرها آخرون”مقولة من مقولات القانون الدستوري والقانون الدولي ومهمّتها الدفاع بطريقة ممأسسةعن حقوق الفرد الكائن البشري ضد تجاوزات السلطة المرتكبة من قبل أجهزتها وفي ذات الوقت هي تحسين ظروف الإنسان والنهوض بها وتنميته تنمية متعددة الأبعاد([4])”. بمعنى أن حقوق الإنسان هي “تلك الحقوق التي يتمتّع بها الإنسان لمجرّد كونه إنسانا، أي بشرا، وهذه الحقوق يعترف بها للإنسان بصرف النظر عن جنسيته أو ديانته أو أصله العرقي أو القومي أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي، وهي حقوق يملكها الإنسان حتى قبل أن يكون عضوا في مجتمع معيّن، فهي تسبق الدولة وتسمو عليها([5])”. أي أن حقوق الإنسان هي “حقوق الإنسان الكوني المنظور إليه كغاية والذي أصبح مستقلاّ عن الرؤية الكسمولوجية التي يحتلّ فيها الإنسان موضع حلقة من سلسلة لا نهاية لها من الكائنات الحيّة الروحيّة والتي تجانب الإنسان وتعلوه، أو تراقبه حسب الحضارات([6])”. بعبارة أخرى حقوق الإنسان، تتعالى عن الخصوصيات، وتجعل الإنسان متساميا على غيره، لقد كانت حنا أرندت سباقة إلى القول إن ما يميّز الجنس البشري عن غيره من سائر الأجناس، هو أن له الحق في أن تكون له حقوق. ومهمّة هذه الحقوق الرئيسيّة هي حماية كرامة الإنسان الماديّة والمعنويّة ومنع كل ضروب انتهاكها. ومن هذا المنطلق تسمو هذه الحقوق على ما عداها. وقد عبّر آلان توران عن ذلك بقوله إن “الحقوق الأساسيّة تسمو على كل شيء بما في ذلك القوانين([7])”Les droits fondamentaux sont au-dessus de tout et même au-dessus des lois . ومن هذا المنطلق فهي ليست هبة ولا منحة، إنها متأصّلة في الذات البشريّة باعتبارها ذاتا فاعلة قادرة على إنتاج وإعادة إنتاج نفسها، سواء كذات فرديّة (حقوق فرديّة) أو كذات جماعيّة (حقوق جماعيّة). فهذه الحقوق هي عنوان تاريخيّة البشر، فجلّ حركاتهم التاريخية الكبرى، كانت مدفوعة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بحقوق الإنسان. فلأجلها مات الكثيرون، وزجّبالعديدين في السّجون، ولا تزال إلى اليوم موضع تنازع، ومحرّك لتاريخيّة الإنسان أي محفّزة لحركته الذاتيّة نحو إعادة إنتاج ذاته. وبتعبير مغاير، يفتقد الإنسان قدرته على إعادة إنتاج ذاته، وعلى توجيه ذاته ومن ثمّ على صنع تاريخيّتهson historicité بحسب عبارة آلان توران بمجرّد افتقاده لهذه الحقوق. وعليه فإن أهميّة هذه الحقوق تكمن في أنها تحمل تصوّرا للإنسان. بمعنى أنها تتّجه إلى الإنسان الذات الفاعلة فردا أو جماعة. وعليه فإن التربية على حقوق الإنسان تتنزّل في هذا السياق، سياق تصوّر بناء الإنسان الفاعل، الذي له القدرة على ضبط اختياراته، والقدرة على إعادة إنتاج ذاته. فالإنسان بهذا المعنى هو مركز الكون، وكذلك المدينة، فهو “الكائن الإرادي من جهة والمصطنع من جهة أخرى([8])” وعلى هذا الأساس ينبغي أن تعكس التربية على حقوق الإنسان ذلك التصوّر للإنسان الفاعل المتحرّر.
ج)التربية على حقوق الإنسان:
يقصد بها “كل نوع من التعليم يُساعد على بناء المعارف والمهارات والمواقف والسلوكات المتعلّقة بحقوق الإنسان([9])”. وهذا النوع من التربية ليس “تربية معرفيّة بل هي تربية قيميّة بالدرجة الأولى، فاهتمام هذه التربية بالجانب المعرفي لا يعدّ قصدا نهائيا من هذه التربية، فهي تتوجّه إلى سلوك المتعلّمين([10])”.وبعبارة أخرى ليس هاجس التربية على حقوق الإنسان تحويل المتعلّمين إلى حفظة للمواثيق الدولية الضامنة لحقوق الإنسان، وحشو أذهانهم بها، حيث أنّها “لا تكتفي بحشد الذهن بمعلومات حول الكرامة والحرّية والمساواة والاختلاف، وغير ذلك من الحقوق، بل إنها تقوم أيضا على تمكين المتعلّم من ممارسة تلك الحقوق وأن يؤمن بها وجدانيا وأن يعترف بها كحقوق للآخرين، وأن يحترمها كمبادئ ذات قيمة عليا. إنّها ليست تربية معارف فقط، وإنّما هي تربية للقيم وللحياة وللمعيشة([11])”.
وانطلاقا مما سبق، يمكن القول إن التربية على حقوق الإنسان مسألة مركّبة بحسب عبارة إدغار موران، فهي تربية تستهدف بالأساس المجال الوجداني – السلوكي، أي البعد المتّصل ببناء المواقف والميول فالسلوكيات، وما المعارف إلا سبيل لبناء تلك المواقف والميولات. ولعلّ هذه الخصوصيّة التي تتّسم بها هذه التربية تجعلها فعلا عمليّة مركبّة. وبعبارة أخرى تجعلها غير قابلة للاختزال في تقديم مجموعة معارف متّصلة بأصناف حقوق الإنسان، وبأعداد انتهاكاتها وأنواعها، إنها تروم إكساب المتعلّمين مواقف إيجابيّة داعمة للتصوّر الإنساني القائم على محوريّة الإنسان وعلى قدرته على إعادة إنتاج ذاته، وصنع تاريخيتهhistoricité . وضمن سياق الخصوصيّة هذا حاول المهتمّون بالمسألة الوجدانية وضع صنافاتTaxonomies لأهدافها تميّزها عن الصنافات التي وضعت للمعارف([12]) ومن أبرز تلك الصنافات الخاصة بالمجال الوجداني نذكر صنافةكراوثولالتي تقوم على مجموعة من المراقيتبدأ بالاستقبال وتنتهي بالتمييز عن طريق قيمة أو مركب قيم([13]). وكذلك صنافةتيبتزالمعروفة بهرمية تيبتزTibbits الذي يبدأ بالتحسيس ثم التكفل والالتزام وتنتهي بالتغيير([14])
ومن خلال هذه الخصوصية تستمدّ التربية على حقوق الإنسان هويّتها، التي هي تربية تنشد “الإنماء الكامل للشخصيّة le savoir être et vivre([15])، ومن ثمة يغدو دور المدرسة “تكوين عقول حرّة ومبدعة ومتسامحة، وليس فقط تكوين عقول مواطنين ووطنيين([16])” أو بعبارة أخرى إن التربية على حقوق الإنسان تجعل من المدرسة أو “ينبغي أن تجعل من المدرسة أوّلا وبالأساس في خدمة الحريّة والمساواة لكل كائن بشري. وبالتالي قبل كل شيء في خدمة إبداع وحياة كل فرد([17])”. أو بعبارة أخرى، لا يجب على المدرسة أن توكل لنفسها كمهمّة أساسية مهمّة تكوين مواطنين وعمّال بل زيادة قدرة الأفراد على أن يكونوا ذواتا فاعلة([18])” بمعنى أن التربية على حقوق الإنسان هي تربية على الحرّية والإبداع وهو ما يتطلّب القطع مع ممارسات تربويّة وبيداغوجيّة كثيرا ما طبعت نشاط المدرسة الأمر الذي جعلها تشتغل وفقا لمبدأ الشيخ والمريد، ولعلّ من أبرز هذه الممارسات التلقين. فبالقطع مع التلقين تتّجه المدرسة إلى بناء الذات الفاعلة le sujet . بتعبير مغاير، التربية على حقوق الإنسان تجعل المؤسّسة التربويّة مدرسة الذات الفاعلة l’école du sujet لا مدرسة التنشئة الاجتماعية بالمعنى التقليدي القائم على تجانس المجتمع لا على تنوعّه وتعدّده،وعلى تلك النظرة الشاملة holisme التي تغيب فيها خصوصيّة الفرد. بمعنى أنها تربية تتّجه إلى تفريد individuer المتعلّم وليس إلى تنمية النزعة الفردانيّة لديه individualiser بحسب عبارة فيليب ميريوPh. Meirieu.
إن التربية على حقوق الإنسان، تربية تنشد بناء المواقف والميولات، وهي تربية لتنمية الذات الفاعلة في فرادتها وليس في فردانيتها، فالفرادة تجعل من صاحبها ثمينا، قادرا على الإبداع ومن ثم يغدو ذاتا فاعلة وهو أمر ليس باليسير تحقيقه.وهذه التربية تبدو بديهيّة باعتبار لأنّها “تلامس جوهر أي عمليّة تربويّة، منذ أن يتمّ التفكير في أن التربية لها كمشروع بناء شخصيّة حرّة ومستقلّة، ومندمجة اجتماعيّا ومتضامنة([19])”.
وهكذا نخلص إلى القول إن التربية على حقوق الإنسان “تتّجه في مفهومها العام والشمولي، إلى ترسيخ مجموعة من المبادئ والقيم، والتي تتميّز بأنها قيم يسمح امتلاك الفرد لها بتشبّعه بثقافة تمجّد شخصيته وتُعلي منها، من حيث هي شخصية “إنسان” إذ يتحقّق لدى الفرد الوعي والإيمان بضرورة تحقيق ذاتها، كما يكتسب إحساسه ب “الأنا” لديه… وبهذا يمكن التفكير في تنمية الشخصيّة كمقصد أساسي في التربية المدرسيّة الحقوقيّة من خلال استهدافها للوعي بالذات والإحساس ب”الأنا”([20])”.
د) الذات الفاعلة:
الذات الفاعلة هي كما قال آلان توران A. Touraine وهانس جواس H. Joas “ليست الفاعل، ولكنها قدرة الذات على أن تكون فاعلا، وعلى بناء وجودها، والتحكّم في تجربتها، وعلى أن تكون مسؤولة([21])”. وهي “ذات فاعلة تشبه كثيرا الذات الفاعلة لعصر الأنوار التي وُهبت العقل والقدرة على النقد([22])”. و”لأن هذه الذات تحديدا مسؤولةولديها معنى للحياة الجماعيّة، فإنها لا تكون ذاتا فاعلة إلا عند اعتبارها أن كل كائن بشري يتمتّع بذات الحقوق التي تتمتّع بها هي([23])” وفيهذا الاتجاه شدّد آلان تورانفي التعريفات التي حدّدها في آخر كتابه نحن الذوات الإنسانية الفاعلة Nous sujets humains([24])على أن “الذات الفاعلة le sujet هي أفراد أو مجموعات يتحمّلون مسؤولية الحقوق الأساسيّة الكونيّة للبشر المعترف بهم كمبدعين ذاتيا، وقادرين على التحوّل الذاتي”، بمعنى أن الذات الفاعلة قد تكون فردا أو مجموعة أفراد شرط أن تكون لها القدرة على التغيير الذاتي وعلى الإبداع الذاتي، وهو ما لا يتحقّق إلا بالتمتّع بالحقوق الأساسيّة الكونيّة les droits fondamentaux universelsوالتي هي بحسب آلان توران أيضا ” هي حقوق كل البشر”. فالذات الفاعلة تعني الوعي بالجماعي والمسؤولية تجاهه، ولكن ضمن حيز يتيح لتلك الذات فردية كانت أو جماعيّة القدرة على المبادرة والفعل والتغيير أي على صنع التاريخيّة. ومثل هذا الأمر يتطلّب من المدرسة أكثر بكثير من اختزال دور قطبي العمليّة التربويّة في نشر المعرفة (المعلّم) وتقبّل المعرفة (المتعلّم)، ذلك أن بناء الذات الفاعلة لدى المتعلّم يقتضي ممارسة مغايرة لتلك التي تروم إخفاء سلطة تجعل المتعلّم متقبّلا ومطيعا لا غير.
في الحاجة إلى التربية على حقوق الإنسان:
يبدو الاهتمام بالتربية على حقوق الإنسان مبرّرا، فالتعليم ومثلما نصّ على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)مطلوب منه أن “يعزّز احترام حقوق الإنسان والحرّيات الأساسيّة([25])”. بمعنى أن من أهداف العمليّة التربويّة الأساسيّة، نشر حقوق الإنسان بما يؤهّل الناشئة لعيش جماعي يقوم على نبذ العنف وحلّ الخلافات بطرق سلميّة، وتفادي كل ما من شأنه أن يؤثّر سلبا في العيش المشترك وبالتحديد تلك المسوّغات التي تعتمد لانتهاك حقوق الإنسان في مختلف أبعادها وأجيالها. وبعبارة أخرى للتربية على حقوق الإنسان هدف محوري ألا وهو تمكين الكائن الإنساني من حياة كريمة تيسر عليه قبول الآخر والتفاهم المتبادل معه.
إن الاهتمام بالتربية على حقوق الإنسان يتأتّى، إذا، من كونها سبيلا لمقاومة ظواهر خطيرة تهدّد العيش المشتركولا تزال منتشرة في مختلف أرجاء المعمورة والتي تمثّل انتهاكا لحقوق الإنسان فردا كان أم مجموعة من قبيل التمييز بسبب اللّون أو العرق أو الدين أو الجنس…علما وأنّ من بين المجتمعات التي عرفت في السنوات الأخيرة انتشارا لهذه الظواهر المنتهكة لحقوق الإنسان المجتمع العربي، حيث بلغ في السنوات الأخيرة منسوب التعصّب والتقوقع على الذات والانكفاء عليها شكلا غير مسبوق، فانتشر القتل على الهويّة وتراجع التسامح وبدا تدبير التنوّع في هذه المنطقة من العالم أمرا عصيّا، حتى أن بعض الدول العربيّة صارت مهدّدة بالتفكّك.
تبدو اليوم الحاجة ملحّة إلى التربية على حقوق الإنسان في زمن طغت عليه نظرة نفعيّة وصفها أحد الباحثين بالنظرة المقاولاتية([26]) التي جعلت وظيفة المدرسة تكاد تختزل في تكوين اليد العاملة وفي تأقلم مُخرجات المؤسّسة التربويّة مع متطلّبات سوق الشغل. وبالتالي تراجع الاهتمام بمسألة الإنسان وبحقوقه والتي هي أساس تحرير طاقاته وقدراته. وبعبارة أخرى في عصر صارت المؤسّسة التربويّة تصارع لأجل مواكبة تغيّرات المجتمع المختلفة ولاسيما منها الاقتصاديّة بات من الضروري أكثر مما مضى أن تولي اهتماما أكبر للإنسان وحقوقه. فالأمر يتعلّق ببناء الإنسان الفاعل المتحرّر والمبادر والقادر على تغيير واقعه.
ضمن سياق مواكبة تغيّرات المجتمع، والقدرة على إعادة إنتاج الذات، تتأتّى علاقة التربية على حقوق الإنسان بإرساء الممارسة الديمقراطيّة. فالديمقراطيّة ليست مجرّد آلية للحكم، أو بالأحرى للتداول على الحكم، ولو اختزلت في هذا المعنى لانتهت إلى الفشل الذريع. ولكنّها ثقافة بمعنى قيم استبطنت فصارت موجّهة لسلوكيات الأفراد في حياتهم اليوميّة. وبعبارة مغايرة “ليسست الديمقراطيّة مجرّد آلية انتخابيّة، فمكان ازدهارها الأوّل هو عقول الأفراد وثقافتهم وليس صناديق الاقتراع فهذه تأتي لاحقا وبعد إنجاز الأصل أو الأساس”([27])، ولا تتحقّق هذه الثقافة إلا بتربية ناجعة على حقوق الإنسان، تربية تقرّ الاختلاف والتنوّع، وتمكّن من اكتساب المهارات الأساسيّة التي تتطلّبها تلك الثقافة. أي أن إرساء الديمقراطيّة يقتضي أكثر من إجراءات قانونيّة، إنه يستدعي بيئة متصالحة مع حقوق الإنسان وتحترمها لا بل وتدافع عنها.وبناء على ما تقدّم يمكننا القول إن “التربية على حقوق الإنسان واجبة ابتداء ولازمة انتهاء. لأنها المدخل إلى تكوين المواطن المتشبّع بقيم الديمقراطيّة وحقوق الإنسان القادر على ممارستها في سلوكه اليومي من خلال تمسّكه بحقوقه وحقوقه واحترامه لحقوق غيره، الحريص على حقوق المجتمع ومصالحه بقدر حرصه على حقوقه ودفاعه عنها([28])”.
التربية على حقوق الإنسان مقاربة أفقية متعدّدة المداخل:
اعتبارا لأن التربية على حقوق الإنسان، تربية لا تروم إكساب المعارف فقط، ولا تختزل في تقديم معارف تتّصل بحقوق الإنسان وبتطوّرها وبالنصوص الضامنة لها على الصعيدين الوطني والدولي، وإنما هي أعمق من ذلك بمعنى أن حضور المعارف فيها حضور وظيفي، أمكننا القول إن الهدف الرئيسي منها إكساب المتعلّم المهارات اللاّزمة للعيش في مجتمع ديمقراطي متعدّد ومتنوّع، تحترم فيه حقوق الإنسان في مختلف أجيالها وبمختلف الفئات التي تشملها لاسيما منها الطفل والمرأة وذوي الإعاقة وكل الفئات المستضعفة والمهمّشة. بمعنى أن الأمر لا يتعلّق بتبيّن معاني الحقوق وتصنيفها وتبويبها فقطوإنما يتّصل ب”خلق فاعلين حاملين لحقوق الذات الإنسانيّة الفاعلة،وقادرين على مواجهة كل أشكال الهيمنة والاغتراب([29])”، ومن ثم فهي تربية لا يمكن أن تنهض بها مادة دراسيّة واحدة- على الرغم من أهميّة بعض المواد الدراسيّة من قبيل التربية على المواطنة والتربية المدنيّة والتربية على حقوق الإنسان، وهي مواد في مجملها تشتغل على سندات حقوقيّة (مصدرها النصوص الدوليّة والإقليميّة والوطنيّة الضامنة لحقوق الإنسان)، حيث تخضعها لعمليّة النقل التعليمي – التعلّميla transposition didactique. بمعنى أن بناء الذات الفاعلة يقتضي تبنّي المدخل الإدماجي أي “إدماجها في مختلف مكوّنات المنهاج الدراسي، ومقاربتها بطريقة أفقيّة تسمح لكلّ المواد الدراسيّة بتناولها، ففي ذلك انسجام مع الطبيعة المركّبة لحقوق الإنسان، ولغرض التربية عليها الهادف إلى بناء الإنسان الحرّ والمبادر والقادر على حلّ الخلافات دون اللّجوء إلى القوّة، والمسؤول عن تمتّع غيره بحقوقه.وبعبارة مغايرة، تقتضي الطبيعة المركبّة للتربية على حقوق الإنسان، أن تكون هذه الخيرة متعالية عن الاختزال في مضامين معرفيّة من ناحية، وفي مادة دراسيّة واحدة.
تربية على تنمية المهارات الحياتية:
تمّت الإشارة فيما تقدّم إلى الطابع الأفقي للتربية على حقوق الإنسان، بمعنى أنها ومثلما عبّر عن ذلك فرانسوا أودجييهF.Audigier لا تُقتصر على مادة دراسيّة واحدة([30])، وعليه فإن هذا الطابع يفترض منا البحث عن مدخل لمقاربتها. ومن هذا المنطلق اتّجهنا إلى مدخل المهارات الحياتيّة باعتباره مدخلا يؤسّس لتربية ناجعة على حقوق الإنسان. بعبارة مغايرة لما كانت التربية على حقوق الإنسان “تربية تدمج بشكل وثيق المعرفة والقيم والسلوك، وتدعو إلى طرق تدريس تؤكّد على نشاط الذات الفاعلة، وهي (=التربية على حقوق الإنسان) ترافق النموّ الاجتماعي والشخصي للطفل والشاب، بل حتى أي شخص بالغ، فإنها تفتح مجالا واسعا للمبادرات والحرّيات، وهو حقل عرف بأن له مكانا للاختيار في بناء الرّوابط الاجتماعيّة والسياسيّة([31])”. يكون من الضروري التوجّه إلى تنمية المهارات الملائمة لهذا الهامش من الحرّية والمبادرة. بمعنى لكي تكون التربية على حقوق الإنسان تربية ناجعة، لابد أن تكون تربية تتيح للمتعلّم اكتساب المهارات الحياتيّةles aptitudes à la vie quotidienne .
تعرّف منظمة الصحة العالميّة المهارات الحياتيّة بأنّها “قدرة شخص ما على الاستجابة بفعاليّة لمتطلّبات الحياة اليوميّة وتحدّياتها([32])”. بمعنى أنّها “مجموعة من القدرات العاطفيّة والإدراكيّة والاجتماعيّة التي تساعد الأشخاص عموما على اتّخاذ قرارات مدروسة: حلّ المشاكل، التفكير بصورة نقديّة وخلاّقة، التواصل بفعاليّة، إقامة علاقات سليمة، وتسيير شؤون حياتهم ومواجهة ما يعيقهم بصورة صحيّة ومنتجة([33])” وهي تصنّف إلىثلاثة أصناف، هي على التوالي:
المهارات الاجتماعيّة: مهارات التواصل والعلاقات بين الأشخاص([34])، وتضمّ:
*مهارات التواصل اللّفظي وغير اللّفظي، والإنصات الفعّال والتعبير عن المشاعر والقدرة على العطاء والاستفادة من التغذية الراجعة.
*مهارة المقاومة والتفاوض وإدارة الاختلاف، وإثبات الذات، والقدرة على مقاومة ضغوط الآخرين.
*مهارة التعاطف والقدرة على الإنصات للغير وتفهّم حاجياته ووجهات نظره والتعبير عمليا عن ذلك التفهم.
*مهارة العمل ضمن فريق.
*مهارات كسب التأييد التي ترتكز على مهارات الإقناع والتأثير.
– المهارات الإدراكية: وتشتمل على ([35]):
* مهارات اتّخاذ القرار وحلّ المشكلات
*مهارات التفكير الناقد والتقييم الذاتي (القدرة على تحليل تأثير وسائل الإعلام والأقران) والوعي بالقيم والمواقف والمعايير والمعتقدات والعوامل التي تؤثّر في الأفراد، والقدرة على تحديد مصادر المعلومات الملائمة.
– المهارات العاطفيّة، وتحتوي على ([36]):
* مهارات تعديل المشاعر régulation émotionnelle وهي التحكّم في الغضب والقلق والقدرة على مواجهة الخسارة وسوء المعاملة والصدمات.
*مهارات مقاومة الضغط التي تنطوي على التحكّم في الوقت، والتفكير الإيجابي وتقنيات الاسترخاء.
*مهارات تعزيز الثقة في النفس، وتقدير الذات والتقييم الذاتي والتعديل الذاتي.
يسمحمدخل المهارات الحياتيّة بتوفير أرضيّة للتربية على حقوق الإنسان باعتباره يخاطب مهارات تتمّ تنميتها لتسمح بترجمة حقوق الإنسان إلى مواقف وممارسات عمليّة، ومن ثم تمنع اختزالها في مجموعة معارف تنتهي تأثيراتها بانتهاء الامتحانات. بعبارة أخرى، إن مختلف حقوق الإنسان وحرّياته هي سبيل لتحويل الأفراد والجماعات إلى فاعلين قادرين على صنع مصيرهم والتحكّم في وجودهم وهو ما لا يتحقّق إلا باكتساب مهارات تخوّل لهم على سبيل المثال العمل ضمن فريق وكسب التأييد لقضايا حقوق الإنسان المختلفة، وممارسة النقد والضغط على منتهكي تلك الحقوق، والمشاركة في إبداع حلول لقضايا حقوق الإنسان. بمعنى آخر إن التعاطف مع ضحايا انتهاك حقوق الإنسان مثلا يقتضي لا التعبير عن ذلك التعاطف لفظيّا فقط، وإنما ترجمة ذلك التعاطف إلى ممارسات عمليّة من قبيل الاتّصال بالمنظمات الحقوقيّة المعنيّة بالدفاع عن حقوق الإنسان، ومن خلال الاحتجاج السلمي على تلك الانتهاكات، ومن خلال التشهير بانتهاك تلك الانتهاكات في وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي…الخ.
إن اكتساب الأفراد والمجموعات لهذه المهارات يساعدهم على ترجمة تلك الحقوق إلى واقع ملموس. فالانتصارعلى سبيل المثال إلى حرية التعبير يمرّ عبر تنمية مهارة التواصل ومهارة الإنصات للغير، كما أن مقاومة التعذيب ومختلف أشكال التمييز لا سيما منها تلك التي تستند إلى الدين أو الجنس أو اللّغة أو الدين، تمرّ عبر تنمية مهارات مهمّة في مقدمتها مهارة التفكير النقدي، ذلك أنه دون تلك المهارة لا يمكن التشكيك في تلك الانتهاكات وخاصة في الأفكار التي استندت عليها. بمعنى آخر، إن مهارة التفكير النقدي تجعل من ممارسات كثيرة موضع شك وتساؤل لأنّها وفي حالات كثيرة بُنيت على تصوّرات représentations خاطئة (العنف المسلّط على المرأة أو الطفل مثالا). وغالبا ما يؤدّي التفكير النقدي إلى “تنمية الفكر المنفتح والفضولي l’esprit ouvert et curieux الذي يحمي من الدوغمائيّة والتحيّزات الاجتماعية، وهما الاثنان من أكثر الأعداء تدميرا للتفاعل الحرّ والمتكافئ بين مختلف الأفراد أو المجموعات([37])”.
وتعدّ مهارة كسب التأييد من بين أهم المهارات فحقوق الإنسان بمختلف أجيالها وأنواعها تحتاج إلى كسب التأييد والإقناع بها. بمعنى أن الاكتفاء بمعرفة تلك الحقوق دون العمل على كسب التأييد لها لا يؤدي إلى منع انتهاكها. وبتعبير مغاير لا يمكن الاشتغال على حقوق الإنسان باعتبارها معارف مجرّدة لا غير لأنّها تصير بلا معنى بالنسبة إلى التلاميذ خاصة إذا كان الواقع اليومي لأولئك التلاميذ في قطيعة تامة مع تلك الحقوق. ومثل هذا التحوّل في المقاربة التي تقوم على التعريف بها وكسب التأييد لها والدعم لمختلف أنواعها وأجيالها، يجعل من المدرسة مؤسّسة تتعالى عن الاكتفاء بتقديم حصص نظرية عن حقوق الإنسان والاكتفاء بالاحتفال ببعض المناسبات مثل تاريخ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو الاتّفاقية الدوليّة لحقوق الطفل…الخ. بمعنى أن المدرسة تحتاج إلى مدخل المهارات الحياتيّة باعتباره ييسّر فعلا للمتعلّمين التحوّل إلى فاعلين مدافعين عن حقوق الإنسان، ملتزمين بها في ممارساتهم اليوميّة. ومن هذا المنطلق يكون مدخل المهارات الحياتيّة مدخلا ملائما.
ينسجم هذا المدخل مع الطابع الأفقي لحقوق الإنسان باعتبارها مسألة لا تختصّ بها مادّة دراسيّة واحدة، وإنّما هي نشاط مدرسي هادف إلى تنمية مهارات تخوّل لصاحبها بناء موقف سلبي من كل ضروب انتهاك حقوق الإنسان مهما اتّخذت من مبرّرات، ومن ثم فإن تنمية المهارات الحياتيّة تؤسّس فعلا لمجموعة من الأبعاد المتّصلة بحقوق الإنسان. وهذه الأبعاد يمكن إجمالها في ما يأتي:
التعريف بحقوق الإنسان: فمهارة التواصل على سبيل المثال مدخل إلى حريّة التعبيروالفكر. والفكر الإبداعي مدخل إلى الحق في الإبداع في ذلك المجال.
التعريف بقضايا حقوق الإنسان وكسب التأييد لها: يتمّ من خلال القدرة على الإقناع بوجاهتها ومشروعيتها، ومن خلال تنمية نزعة العمل ضمن فريق وهو ما يرتبط بالحق في الانتظام والعمل ضمن تنظيمات المجتمع المدني، وغير ذلك من الجمعيّات والمجموعات المتبنيّة للدفاع عن حقوق الإنسان. بتعبير مغاير، يتطلّب التعريف بقضايا حقوق الإنسان مهارة كسب التأييد لها، أي مهارة الإقناع بشرعيتها.
التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان، وبالأفكار التي تستند عليها، ويكون ذلك من خلال مهارة التفكير النقدي بالأساس. فكثير من انتهاكات حقوق الإنسان تنبني على تمثّلات خاطئة، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالمساواة بين الجنسين، أو عندما يتّصل الأمر بحقوق الطفل وبحقوقه في المشاركة والتعبير عن رأيه، فإلى اليوم لا تزال تصرّفات الكهول في المنطقة العربيّة خاضعة لتصوّر سابق للطفل يختزله في طاعة الكهل واكتساب ذات القيم ونفس السلوكيات التي تساعدهم لاحقا على أداء دوره ككهل…الخ.
إن مقاربة حقوق الإنسان من هذا المدخل تفرض جملة من التغيّرات على واقع الممارسة التربويّة في الفصل. ويتعلّق الأمر هنا ب:
نمط التواصل البيداغوجي: لا يمكن أن يكون أحادي المسار، فاكتساب مهارة العمل ضمن فريق على سبيل المثال، تحتاج إلى تواصل متعدّد المسارات. وعليه بات من اللازم التفكير في تواصل فعّال يتيح فعلا للمتعلّم اكتساب مهارة التواصل بما تعنيه من قدرة على التعبير عن الرأي بهدوء وبرصانة ولكن قبل ذلك من قدرة على الإنصات للغير، وإتاحة الفرصة له للتعبير عن رأيه وشرح وجهة نظره. ويحتّم نمط التواصل البيداغوجي متعدّد المسارات تنويع وضعيات التعلّم بما يراعي الفوارق بين المتعلّمين ويساعد الجميع على اكتساب المهارات الحياتيّة رغم اختلاف أنساقهم.
طبيعة السندات البيداغوجية المعتمدة: من المهمّ أن يتمّ الاشتغال في المدرسة على الموارد الحقوقيّة (في نصوصها الدوليّة والإقليميّة والوطنيّة)، وإخضاعها للنقل التعليمي –التعلّميla transposition didactique، لكن اكتساب مهارات التفكير النقدي والتفكير الإبداعي على سبيل المثال يتطلّب اعتماد سندات متنوّعة، والانطلاق من وضعيات –دالة وحتى من السير الذاتيّة لشخصيات وطنيّة ودوليّة عُرفت بنضالها من أجل حقوق الإنسان وذلك حتى يتسنّى للمتعلّمين الاستفادة من المادة الحقوقيّة في معالجة تلك الوضعيات، كما يمكن للمعلّم الاشتغال على سندات مرئيّة مستفيدا في ذلك ممّا تتيحه اليوم وسائط الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتّصال شريطة أن تكون تلك السندات ملائمة لمستوى المتعلّم ولنموّه الذهني والبدني. وبعبارة ثانية، يتيح مدخل المهارات الحياتيّة هامشا مهمّا من المبادرة للمعلّم كما للمتعلّم في تناول المسائل. فالغرض هو إكساب المتعلّم القدرة على البحث عن موارد مختلفة تؤسّس لبناء مواقف وميولات تدافع عن تلك الحقوق وتدين انتهاكها.وبعبارة أخرى من خلال البحث في صيغ جديدة لتناول حقوق الإنسان تنمو لدى المتعلّمين مهارات البحث والمبادرة والإبداع، وهذا بعد في غاية الأهميّة.
طبيعة أنشطة التقييم: كثيرا ما يردّد التربويون أن التقييم ينبغي أن يكون من جنس التعلّم، وهو أمر منطقي وسليم، ومن ثم بات من الضروري تجاوز الصيغ التقليديّة للتقييم، والتي تكتفي بتقييم الجانب المعرفي. بمعنى أنه على التقييم أن يأخذ بعين الاعتبار المدخل، وهو المهارات الحياتيّة، وعوض أن يتّجه إلى المعارف، يركّز على مدى اكتساب المتعلّم لتلك المهارات انطلاقا من مجال حقوق الإنسان. وبتعبير مغاير، إن اكتساب المتعلّم لتلك المهارات الحياتيّة هو هدف عمليّة التقييم ومن ثم فإن اعتماد الملف التربوي portfolioعلى سبيل المثال يعدّ مناسبا لتقييم تلك المهارات، كما أن التفكير في صيغ أخرى تسمح بتبيّن مدى قدرة المتعلّم على توظيف تلك المهارات في مجال حيوي مثل حقوق الإنسان يظلّ محبّذا وعاملا من عوامل تطوير الممارسة التربويّة.
التكامل بين أنشطة الفصل وأنشطة الحياة المدرسيّة: كثيرا ما كانت هناك هوّة تفصل أنشطة التعليم والتعلّم عن أنشطة الحياة المدرسية، وكأن هذه الأخيرة وجدت للترفيه في حين أن الأولى وجدت للتعليم والتعلّم. ولكن في الواقع تبدو الحاجة إلى التكامل بينهما ملحّة، لا سيما في مجال التربية على حقوق الإنسان، فتناول هذه المسألة في أنشطة الحياة المدرسيّة من شأنه أن ييسّر جسر الفجوة المشار إليها. بعبارة أخرى من المهمّ أن تحتضن فضاءات الحياة المدرسيّة وأنشطتها إبداعات المتعلّمين وتنميتها في مجال حقوق الإنسان وطرق حمايتها وسبل التعريف بها ونشرها، فحقوق الإنسان تزداد أهميّة كلّما اتّسع الفضاء الذي يحتضنها ومن ثم صار من غير المقبول اختزال التربية على حقوق الإنسان في فضاء الفصل فحسب، فاحتضان محيط المدرسة لتلك الإبداعات ذات الصلة بحقوق الإنسان لا يسهم في التعريف بهذه الأخيرة فحسب، وإنّما يعرّف أيضا بإبداعات المتعلّمين من هنا تتأتّى أهميّة انفتاح المدرسة على محيطها في التربية على حقوق الإنسان.
انفتاح المدرسة على محيطها: يعتبر انفتاح المؤسّسة التربويّة على محيطها اليوم أمرا حيويّا، ولعلّ التربية على حقوق الإنسان تعدّ مدخلا ملائما لذلك التواصل. فالزيارات التربويّة الميدانيّة إلى بعض المؤسّسات من قبيل المحاكم، ومن قبيل البرلمانات، ومن قبيل مقرات الجمعيات والمنظمات الحقوقية (الحكومية والمدنية)…الخ، والحوار مع مختصّين في المجال، كلّها طرق لتوطيد العلاقة بين المدرسة ومحيطها ولكنّها طرق لتنمية المهارات الحياتيّة لدى المتعلّمين. فالتواصل مع المختصّين ينمّي لدى المتعلّم القدرة على التواصل الفعّال، وكذلك القدرة على ضبط الأولويات…الخ. فانفتاح المدرسة على محيطها من شأنه أن يؤثّر إيجابا في تنمية عدد من مهارات الحياة لدى الناشئة.
بيد أن نجاح مدخل المهارات الحياتيّة للتربية على حقوق الإنسان يظل رهين توفّر مناخ ملائم ومناسب لذلك، وهو ما يعني أن التربية على حقوق الإنسان تستدعي توفر مناخ مدرسي ملائم بمعنى مناخ ديمقراطي يتيح فعلا للمعلّمين كما للمتعلّمين التفاعل والتواصل.
ب) تربيةديمقراطية ضمن مدرسة ديمقراطيّة:
يعتبر آلان توران أن المدرسة التي “تتمثّل مهمتها في تعزيز قدرات الأفراد وإرادتهم في أن يكونوا فاعلين وتعليم كل واحد بأن للآخر نفس الحرية التي يتمتع بها الفرد نفسه، وذات الحق في التفرّد l’individuation وفي الدفاع عن المصالح الاجتماعيّة والقيم الثقافيّة هي مدرسة ديمقراطيّة منذ أن تعترف بأن حقوق الذات الإنسانيّة والعلاقات بين الثقافات تحتاج إلى ضمانات مؤسّساتية لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال مسار ديمقراطي([38])”. وهو ما يعني أن ترسيخ مقولة حق الذات وحق الآخر في التمتّع بذات الحقوق بما فيها حق التفرّد إنما يرتبط بمنطق اشتغال المدرسة، بمعنى بطريقة تدبير الشأن المدرسي بشكل عام. وبلغة مغايرة لتكون المدرسة ديمقراطيّة لا ينبغي أن تكتفي بأن تعامل الأطفال كلهم بطريقة متساوية وتمكّنهم من التعليم المجاني لأن ذلك لا يعدّ كافيا لبناء مدرسة ديمقراطيّة.
لتكون المدرسة ديمقراطيّة لابد أن تكون مدرسة التواصل l’école de communication تلك المدرسة التي تحوّلت فيها الأولوية من الرسالة إلى التواصل([39])، بمعنى أن الحظوة لا تعطى فقط لمضمون رسالة المدرسة وإنّما لطريقة التواصل داخل المدرسة. وهو تحوّل في التوجّه، نكون مخطئين إذا ما رأينا إلا تأثيراته السلبية([40])، لأن لهذا التحوّل دلالة عميقة. فعوض التركيز على المجتمع وحاجاته، أي على القيم والمعايير والتراتبيات والممارسات المشكّلة للنظام الاجتماعي التي ينبغي الحفاظ عليها، ونقلها من جيل إلى آخر، يتمّ التركيز على ذات المتعلّم الفاعلة، أي على إتاحة الفرص الكافية للمتعلّم للتعبير عن ذاته، وعن آرائه وعن وجهات نظره الأمر الذي يستدعي تواصلا ناجعا معه.
من المعلوم أن الفعل التربوي فعل تواصلي بالضرورة، ولكن الفعل التربوي الهادف إلى ترسيخ حقوق الإنسان، يتطلّب سياقا آخر، وهو السياق الديمقراطي الذي يعني في جانب منه تغيير طرق التواصل مع المتعلم حتى يتسنّى له ممارسة حقه في التعبير عن ذاته، وممارسة النقد حتّى للعملية التربويّة في حدّ ذاتها. وقد بيّنت الدراسات السوسيولوجيّة أن المدرسة تحقّق نتائج أفضل عندما يعرّف المدرّسون أنفسهم بدورهم ك”تواصليين” leur rôlede communicants مع التلاميذ ومع المسؤولين الإداريّين بالمدرسة، وليس فقط بدورهم المهني كمدرّسين للبيولوجيا أو التاريخ([41])”.
لتكون التربية على حقوق الإنسان تربية تروم بناء الذات الفاعلة لدى المتعلّم، لا بد أن تتمّ في سياق ديمقراطي، أي ضمن إطار تواصلي لا ينكفئ فيه المدرّسون على أدوارهم التقليديّة كمدرّسين لمواد دراسيّة محدّدة. فالمسألة التربويّة أشمل من تقديم درس مادة التاريخ أو التربية المدنيّة أو الرياضيات أو غيرها، إنها مسألة تواصليّة لا يكون فيها مسار واحد مهيمنا، والمقصود هنا ألا يكون منطق الشيخ والمريد هو المهيمن على العملية التربويّة ففي تلك الحالة يكون التواصل عموديا، ويفضي إلى التلقين، والتلقين .
تقتضي التربية الديمقراطيّة القطع مع التلقين، لأنه يسهم في نشر وتعزيز أشكال العلاقات الاجتماعيّة القائمة على النزعة البطريركية حسب بعارة هشام شرابي، أي تلك العلاقة التي قامت عليها رؤية المدرسة الوظيفيّة للتنشئة الاجتماعية وهي تنشئة تكون فيها استمرارية لصورة الأب، حتى وإن كان صاحبها المعلّم أو غيره.
يمنع التلقين الطفل المتعلّم من اكتساب آليات النقد، ومن اتّخاذ مواقف، ومن التعبير عن رأيه في قضايا تهمّه في الفضاء المدرسي والتربوي أولا وفي المجتمع ثانيا. ويدفع التلقين نحو الاندماج في الجماعة إلى حدّ الانصهار فيها، وبالتالي مسايرتها والقبول بما تقرّه، فهو عمليّة “تولّد بالضرورة التفكير التقريري أو الاتّفاقي (التلقائي) المتقارب لدى الأفراد([42])” . فالتلقين يفقد المتعلّم الثقة في نفسه، ويدفع به إلى البحث عن الاندماج في وحدة فُرضت عليه أو لم يسهم في صنعها. وعليه فإن “إعطاء الأولوية القصوى للوحدة يفقد الاختلاف دلالته، لذلك ستكون ذات المتعلّم ممزّقة بين الدعوة إلى الاختلاف واحترامه وبين ضرورة الإجماع والوحدة([43])” وبعبارة أخرى إن التلقين يفضي إلى تغييب الذات الفاعلة لدى المتعلّم. بل أكثر من ذلك يحوّل المتعلّم إلى مجرّد متقبّل للمعرفة، ولعلّ أكبر خطر يمكن أن تتعرّض إليه حقوق الإنسان هو تحوّلها إلى مضامين معرفيّة يُكتفى بحفظها والاستظهار بها عند الامتحان، فما معنى أن يستظهر المتعلّم بمجمل المواثيق والصكوك الضامنة للمساواة بين الجنسين ويمارس نقيضها باعتبار أن همّ المتعلّم هو النجاح في الامتحان لا غير، وما معنى أن يحفظ المتعلّم معنى الحق في الاختلاف ولا يحوّله إلى ممارسة يوميّة يلتزم بها في تفاعلاته اليوميّة مع محيطه الاجتماعي.
يعيق التلقين بناء الذات الفاعلة عند المتعلّمينلأنه يهمل حاجات كل واحد منهم واهتماماته ومن ثمة لا يراعي الفروق بينهم. وبتعبير مغاير يتطلّب مشروع التفريد وبناء الذات الفاعلة –في اعتقادنا- إرساء “بيداغوجيا فارقيةune pédagogie différenciée لها كهدف توفير كلّ الإمكانيات لكل فرد حتى يحقّق نموّه الشخصي([44])”. وهو ما يعني الاعتراف بتنوّع المتعلّمين وباختلافاتهم، ومن ثمة الاعتراف بخصوصياتهم وبفرادة كل منهم، وبالحاجة إلى توفير الظروف المناسبة لكل منهم لينمو نموا طبيعيا.
تقوم الديمقراطية على مبدأ رئيسي وهو التنوّع والاختلاف، وهي في نهاية المطاف الأسلوب الأفضل الذي ابتكرته البشرية إلى يومنا هذا لتدبير التعايش المتغاير. بمعنى أن غياب التنوّع والتعدّد يفضي في نهاية المطاف إلى تغييب الديمقراطية ذاتها. ومن ثم يكون خيار التربية على حقوق الإنسان خيارا مشروعا باعتبارها تنطلق من احترام الخصوصيّة لا في التعلّم فقط وإنّما في كل جوانب حياة المتعلّم. ولكن هذا التنوّع والتعدّد لا يستقيمان إلا باعتماد البيداغوجية الفارقيّة([45]).
لا يبدو من اليسير تحقيق هذا الهدف من التربية على حقوق الإنسان في المنطقة العربيّة والحال أن المدرسة تشتغل إلى اليوم ضمن رؤى وتصوّرات متمحورة حول “الجماعي والمنسجم، والمنقول الذي يشكّل إخفاء بل انتهاك لاستقلالية الفرد وتفرّده([46])”وفي سياق لا يتمتّع فيه المعلّم بهامش منالحريّة والمبادرة، أو بعبارة أخرى يفتقد المدرّس إلى أن يكون ذاتا فاعلة، وهو ما يفرض عليه في أغلب الأحيان مسايرة لواقع فرض عليه، بل في سياق يهمّش ولو إلى حدّ دور المعلّم في تدبير الشأن العام للمؤسّسة التربويّة، ويقصي المتعلّم نهائيا عن ذلك الأمر وكأنّه شأن لا يعنيه. إن الطريق إلى تحقيق تربية على حقوق الإنسان تنمّي الذات الفاعلة لدى المتعلّم لا يزال طويلا وشاقا.
الخاتمة
التربية على حقوق الإنسان ضرورة لا غنى عنها، لاسيما بالنسبة إلى المجتمعات التي تتّجه إلى إرساء الديمقراطية لا كأسلوب حكم فقط وإنمّا كنمط حياة مثلما يعرّفها جون ديوي.
التربية على حقوق الإنسان تتضمّن محتويات ومعارف، ولكنّها لا تختزل في ذلك.
التربية على حقوق الإنسان مسألة أفقية تهمّ مختلف المواد الدراسيّة حتى وإن لعبت بعض المواد دور القاطرة (التربية المدنية /التربية على المواطنة…).
يملي الطابع الأفقي على المشتغلين على هذه المسألة التركيز على تنمية المهارات الحياتيّة التّي تخوّل للمتعلّمين لاحقا الاندماج في مجتمع ديمقراطي تحترم فيه حقوق الإنسان، ومن ثمة يكون مدخل المهارات الحياتيّة مدخلا ملائما.
نجاعة المدخل المبني على المهارات الحياتيّة مستمدّة من رؤية لطبيعة اشتغال الفضاء التربوي، فكلّما هذا الفضاء ديمقراطيا، والعلاقات فيه تفاعليّة ومسارات التواصل به متعدّدة ومتنوّعة كلّما كان ذلك المدخل ناجعا، والعكس صحيح.
قائمة المراجع
أؤلا: باللغة العربية
الأمين (أحمد)؛ الديمقراطية والعولمة بين الايديولوجيا والفلسفة، الفكر العربي المعاصر، عدد114-115.
الانتصار (عبد المجيد) ؛ تعليم ثقافة الحق والمواطنة: قضايا منهجية وديداكتيكية، الرباط، دار التوحيدي للنشر والتوزيع، 2006.
ابن عاشور(عياض)؛ “حقوق الإنسان: أي حق ، أي إنسان؟” الفكر العربي المعاصر، عدد 82-83.
آيت موحى (محمد) والفاربي (عبد اللطيف)؛ القيم المواقف: بيداغوجيا المجال الوجداني، مبادؤها النظرية وتطبيقاتها في القسم، الرباط، الشركة المغربية للطباعة والنشر، 1992.
بالراشد (محمد)؛ التربية على حقوق الإنسان : المبادئ والكفايات، التفاهم، عدد31، السنة التاسعة، شتاء 2011 م/ 1432 ه..
بن عزمية (علال)؛ “القيم والمدرسة”، عالم التربية، العدد21/ 2012.
بلوم (بنجامين) وكراثوول (دايفيد) وماسيا (برترام) ؛ نظام تصنيف الأهداف التربوية، ترجمة محمد محمود الخوالد وصادق إبراهيم عودة، بيروت، دار ومكتبة الهلال، جدة، دار الشرق، 2008.
بوافي (يحي)؛ “جدوى التربية على حقوق الإنسان وخصائص منهاجها”، مجلة علوم التربية، العدد51.
جمهورية العراق (وزارة التربية ووزارة التشغيل والشؤون الاجتماعيّة)، الجامعة الأمريكيّة ببيروت، صندوق الأمم المتحدة للسّكان؛ دليل المهارات الحياتيّة والتشغيليّة الأساسيّة للشباب،2012.
الرشيدي (أحمد)؛ حقوق الإنسان: دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 1426ه / 2005 م.
العماري (الصديق الصادق)؛ “التربية على حقوق الإنسان والمواطنة: مشروع تكوين مواطن الغد”، مجلة علوم التربية، العدد59.
فودة (عبد الحميد)؛ حقوق الإنسان بين النظم القانونية الوضعية والشريعة الإسلامية، الاسكندرية، دار الفكر الجامعي، 2006.
محسن (مصطفى)، إشكالية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان بين آليات اشتغال الفضاء المؤسسي ومكوّنات المحيط الاجتماعي، كراسات مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، خارج السلسلة عدد4، تونس 2005.
اليوسف (أحمد إبراهيم) ؛ علاقة التربية بالمجتمع وتحديد ملامحها النوعية، عالم الفكر، السنة 29 العدد1 (تموز/ يوليو –ايلول سبتمبر 2000).
اليونسكو؛ كل البشر…كتاب مدرسي في التربية على حقوق الإنسان، باريس، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، تونس المعهد العربي لحقوق الإنسان، 2001.
ثانيا: باللغة الفرنسية:
Audigier (F) ; L’Education aux droits de l’Homme,cifedhop.org/Fr/Doc/Etudes/edh_Audigier.pdf
Bahloul (M) ; L’Ecole te la violence, Sfax, Med Ali Editions, 2005.
Cam (Ph) ; Eduquer à la démocratie ; Diogène, 2008/4, n°224
Gherissi (A) + Melliti (I) ; développer les aptitudes à la vie quotidienne chez les adolescents et jeunes tunisiens:un investissement d’avenir, Tunis, UNICEF- Ministère de la santé 2014
[1]Lamboy (B) &al ; Développer les compétences psychosociales chez les enfants et les jeunes, La Santé en Action, Mars 2015/N°431
Milaret (G) ; Les sciences de l’éducation, que sais-je ? Paris, PUF, 19990
Seck (M) ; « Education aux Droits de l’Homme : Nouvelles idées et horizons », Revue Tunisienne des Sciences Sociales, N°108, Année 1992
Touraine (A). Pourrons-nous vivre ensemble égaux et différents, Paris, Fayard, 1997
Touraine (A) ; Un nouveau paradigme pour comprendre le monde d’aujourd’hui, Paris, fayard, 2005
Wieviorka (M) ; Du concept de sujet à celui de subjectivation/ dé-subjectivation, FMSH-WP-2012-16.2012
([1])Milaret (G) ; Les sciences de l’éducation, que sais-je ? Paris, PUF, 19990,p30.
([2]) منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ؛كل البشر…كتاب مدرسي في التربية على حقوق الإنسان، باريس، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، تونس المعهد العربي لحقوق الإنسان، 2001، ص 20.
([3]) ورد عند أحمد الرشيدي؛ حقوق الإنسان: دراسة مقارنة في النظرية والتطبيق، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، 1426ه / 2005 م، ص 30 .
([4])Seck (M) ; « Education aux Droits de l’Homme : Nouvelles idées et horizons », Revue Tunisienne des Sciences Sociales, N°108, Année 1992, 29ème année, p13.
([5]) عبد الحميد فودة؛ حقوق الإنسان بين النظم القانونية الوضعية والشريعة الإسلامية، الاسكندرية، دار الفكر الجامعي، 2006، ص 2 .
([6]) عياض ابن عاشور؛ “حقوق الإنسان: أي حق ، أي إنسان؟” الفكر العربي المعاصر، عدد 82-83، ص 63.
([7]) Touraine (A) ; La Fin des sociétés, Youtube, Librairie mallot, ajoutée le 6 déc 2013.
([8]) عياض ابن عاشور؛ المرجع السابق، ص 63 .
([9]) الصديق الصادق العماري؛ “التربية على حقوق الإنسان والمواطنة: مشروع تكوين مواطن الغد”، مجلة علوم التربية، العدد59، ص 32.
([10])المرجع نفسه، ص 33.
([11])المرجع نفسه، ص 33.
([12]) يرى كل من محمد آيت موحى وعبد اللطيف الفاربي أنه “لكي نتعامل مع صنافات الأهداف الوجدانية بكيفية عملية ووظيفية فإنه من اللازم إدراك أهمية تصنيفها… وتكمن هذه الأهمية في مجموعة من النقاط الأساسية:
أولها، إن الصنافات التي أنجزت في هذا المجال تقوم على مبدأ سلوكي يتمثل في ترجمة النوايا إلى أهداف ملموسة تعرض في شكل خطوات متدرجة حسب درجة اكتساب واستدخال القيمة المرغوب في اكتسابها.
ثانيها: إن تصنيف هذه الكفايات يمكن من تصميم استراتيجيات بيداغوجية سواء على مستوى تخطيط مناهج التدريس، أو على مستوى عمليات التدريس ذاتها.
ثالثها: إن هذه الصنافات تمكن من معرفة مراتب ومراقي تطوّر الأحاسيس والمواقف عند الفرد، وهو أمر له أهميته في إدراك وتمييز عناصر ومكونات المجال الوجداني.
تبرز إذن، هذه المعطيات أهمية تصنيف الأهداف الوجدانية. للمزيد يرجى الرجوع إلى محمد آيت موحى وعبد اللطيف الفاربي؛ القيم المواقف: بيداغوجيا المجال الوجداني، مبادؤها النظرية وتطبيقاتها في القسم، الرباط، الشركة المغربية للطباعة والنشر، 1992، ص 82 .
([13]) للمزيد حول هذه الصنافات، يمكن الرجوع إلى بنجامين بلوم ودايفيدكراثوولوبرترام ماسيا؛ نظام تصنيف الأهداف التربوية، ترجمة محمد محمود الخوالد وصادق إبراهيم عودة، بيروت، دار ومكتبة الهلال، جدة، دار الشرق، 2008.
([14])Tibbits (F) ; Les nouveaux modèles pour l’enseignement des droits de l’homme, démocratie et droit de l’Homme.
ورد عند علال بن عزمية؛ “القيم والمدرسة”، عالم التربية، العدد21/ 2012، ص 214.
([15])يحي بوافي؛ “جدوى التربية على حقوق الإنسان وخصائص منهاجها”، مجلة علوم التربية، العدد51، ص 107.
([16]) Touraine (A) ; Le Nouveau siècle politique, Paris, Seuil ,2016, p111.
([17])Ibid, p110-111.
([18]) Touraine (A). Pourrons-nous vivre ensemble égaux et différents, Paris, Fayard, 1997, p458.
([19])Audigier (F) ; « l’éducation aux droits de l’Homme »www.cifedhop.org/Fr/Doc/Etudes/edh.
([20]) عبد المجيد الانتصار؛ تعليم ثقافة الحق والمواطنة: قضايا منهجية وديداكتيكية، الرباط، دار التوحيدي للنشر والتوزيع، 2006، ص33-34.
([21])Wieviorka (M) ; Du concept de sujet à celui de subjectivation/ dé-subjectivation, FMSH-WP-2012-16.2012.
([22])ibid.
([23])Ibid.
([24]) Touraine (A) ; Nous Sujets Humains, Paris, Seuil, 2015, p387 .
([25]) المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
([26]) مصطفى محسن، إشكالية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان بين آليات اشتغال الفضاء المؤسسي ومكوّنات المحيط الاجتماعي، كراسات مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، خارج السلسلة عدد4، تونس 2005، ص 22، وجدير بالذكر أن الباحث شدّد على أن هذا “التوجّه قد ولّد في بعض مجتمعاتنا العربية والثالثية ما يمكن وسمه ب”منظور اقتصادوي” Economiste أو حتى ب “منظور مقولاتي” Entreprenariste يكاد يحصر وظائف المدرسة في دور اقتصادي ضيق محدود: إعداد الكفاءات والقوى البشرية المؤهلة للشغل وأسواق الاقتصاد…دعما للتنمية الاجتماعية المنشودة، فإن هذا التزوجّه قد ساهم أيضا في بروز مد نقدي- كالذي نتبناه في طروحاتنا السوسيولوجية والتربوية- يستهدف تجاوز الرؤية الاختزالية الآنفة للتربية، مؤكدا على تعددية أبعادها ووظائفها التكوينية والثقافية والسياسية والسوسيواقتصادية والحضارية المتكاملة والمرتبطة بسياق مجتمعي متعيّن في الزمان والمكان.، للمزيد يرجى الرجوع إلى المرجع أعلاه.
([27]) أحمد الأمين؛ “الديمقراطية والعولمة بين الايديولوجيا والفلسفة”، الفكر العربي المعاصر، عدد114-115، ص87.
([28])يحي بوافي؛ المرجع السابق، ص 97.
([29]) Touraine (A) ; Nous Sujets Humains, op. cit, p207.
([30])Audigier (F) ; L’éducation aux droits de l’homme, op. cit.
([31])Ibid.
([32])Gherissi (A) + Melliti (I) ; développer les aptitudes à la vie quotidienne chez les adolescents et jeunes tunisiens:un investissement d’avenir, Tunis, UNICEF- Ministère de la santé 2014, p38.
([33]) جمهورية العراق (وزارة التربية ووزارة التشغيل والشؤون الاجتماعيّة)، الجامعة الأمريكيّة ببيروت، صندوق الأمم المتحدة للسّكان؛ دليل المهارات الحياتيّة والتشغيليّة الأساسيّة للشباب، ص2.
([34])Lamboy (B) &al ; Développer les compétences psychosociales chez les enfants et les jeunes, La Santé en Action, Mars 2015/N°431, p10.
([35])Ibid, p10.
([36])Ibid, p10.
([37]) Cam (Ph) ; Eduquer à la démocratie ; Diogène, 2008/4, n°224, p50.
([38])Touraine (A) ; Pourrons –Nous vivre ensemble…., op. cit, p 475.
([39])Ibid,p 461.
([40])Ibid, p 461.
([41])Touraine (A) ; Un nouveau paradigme pour comprendre le monde d’aujourd’hui, Paris, fayard, 2005, p 216.
([42]) أحمد إبراهيم اليوسف؛ “علاقة التربية بالمجتمع وتحديد ملامحها النوعية”، عالم الفكر، السنة 29 العدد1 (تموز/ يوليو –ايلول سبتمبر 2000)، ص 19.
([43]) محمد بالراشد؛ “التربية على حقوق الإنسان : المبادئ والكفايات”، التفاهم، عدد31، السنة التاسعة، شتاء 2011 م/ 1432 ه، ص 312.
([44])Bahloul (M) ; L’Ecole et la violence, Sfax, Med Ali Editions, 2005, p 74-75.
([45]) للمزيد حول هذه النقطة يمكن الرجوع إلى المرجع السابق .
([46])Ibid, p43.
د. محمد بالراشد، أستاذ مساعد علم الاجتماع
مدير سابق بالتفقدية العامة لبيداغوجيا التربية -وزارة التربية/تونس