دراسات قانونية
شرح مفصل للعلاقة بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية
عبد الكريم الجلابي
طالب وباحث في القانون
مقدمة
إن مهام ووظائف الإدارة عديدة ومتنوعة،وهي محل اهتمام كل من علماء الإدارة والقانون الإداري. واذا كان علم الإدارة يهتم خاصة بوظيفة التخطيط والتنفيذ. فان فقهاء القانون الإداري يهتمون بالإدارة من حيث نشاطها وأموالها وموظفيها ومنازعاتها باعتبارها شخصا من أشخاص القانون الإداري.
والحقيقة أيا كانت وظائف الإدارة ومهامها، فان نشاطها يظل مرصودا لخدمة المواطنين، والا لماذا عمدت السلطة العامة الى تزويد الإدارة بالجانب البشري والجانب المادي وأحاطتها بنسيج من النصوص القانونية بما يساعدها على القيام بمهمتها وهذا النوع من الوظيفة يسمى النشاط الإداري.
بحيث يهتم هذا الأخير بنشاط الادارة في مختلف مظاهره، وينظم الامكانيات القانونية, والمادية والبشرية التي يتوفر عليها، قصد تحقيق المهام المنوط بها. وتبعا لذلك فالتنظيم الاداري يهتم اساسا باختصاصات الادارة وامتيازاتها التي تنحصر في مهمة الشرطة الادارية والشرطة القضائية،وذلك قصد اشباع الحاجيات العامة للافراد والسهر على تحقيق رغباتهم.
وتأسيسا على الأهمية التي يحظى بها جهازي الشرطة الإدارية والقضائية، تبرز إشكالية الموضوع فيما يلي:
ماهي معايير التمييز بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية؟
للإجابة على هذا الإشكال والإحاطة بموضوع الشرطة الإدارية والقضائية والمقارنة بينهما من حيث أوجه التشابه وأوجه الاختلاف،ارتأينا تقسيم هذا الموضوع إلى ثلاث مطالب:
– المطلب الأول :الشرطة الإدارية
– المطلب الثاني:الشرطة القضائية
– المطلب الثالث:سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين:
o الفقرة الأولى:أوجه التشابه بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية
o الفقرة الثانية:أوجه الاختلاف بين الشرطة الإدارية والشرطة القضائية
المطلب الأول:الشرطة الإدارية (الضبط الإداري)
الضبط وظيفة ضرورية محايدة من وظائف السلطة العامة تهدف الى وقاية النظام العام في المجتمع بوسائل القسر في ظل القانون ⁽1⁾
وقد عرف هذا الاصطلاح في اللغة القانونية الفرنسية la police والانجليزية the police،ويقصد بكلمة الضبط عند اطلاقها الضبط الاداري وهو عمل السلطة التنفيذية وهيئاتها الادارية المختصة المنوط بها حفظ النظام والأمن ….المجتمع ومنع الإخلال به ⁽2⁾ أي إلى مجموعة القواعد التي تفرضها السلطة العامة على المواطنين بقصد تحقيق النظام والأمن.
يقصد بالضبط الإداري وضع قيود للنشاط الفردي بمناسبة ممارسة الأفراد والجماعات للحريات المعترف لهم بها، وهته القيود تأتي من طرف السلطة الإدارية لحماية النظام العام.ورغم تقييد هذه الحريات
وتلك الأنشطة فمع ذلك يقتصر دور الإدارة على تنظيم وضبط كيفيات ممارستها دون أن تصل سلطتها إلى منعها أو تحريمها،فالقاعدة تظل هي أن الحرية في نطاق الضبط الإداري هي الأصل،وتحديدها بإجراءات وقرارات الضبط هو الاستثناء ⁽3⁾
ينصرف مدلول الشرطة في اللغات الأجنبية الى كلمة بوليس police، ويستمد أصلها التاريخي من الكلمة الإغريقية politiaالتي تعني قوة الشعب و تنظيم نشاط معين وهي مستمدة من polisالتي تعني المدينة ومنها ظهرت كلمةpolicia لتعني ادارة المدينة.
اما في اللغة العربية يقصد بمفهوم الشرطة الادارية بصفة عامة كل الاجراءات والأوامر التي تتخذها السلطة المختصة للمحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة، الصحة،السكينة والأمن عن طريق اصدار القرارات التنظيمية واستخدام القوة العمومية وفرض بعض القيود على الحريات الفردية حفاظا على مصالح المجتمع.
كما تتعدد تعريفات الشرطة الإدارية من مدرسة قانونية إلى اخرى،ولكنها تلتقي جميعها في كونها تسعى إلى حماية النظام العام.
وبصفة عامة فالشرطة الإدارية هي تلك الوسيلة القانونية التي تبيح للادارة التدخل للحفاظ على النظام العام بكافة مدلولاته،في إطار الاختصاصات المنوطة بها .
ويمكننا التميز بين أنواع الشرطة الإدارية(الضبط الإداري) بحث نجد أن هناك الشرطة الإدارية العامة والشرطة الإدارية الخاصة.
الشرطة الإدارية العامة:مجموع الإجراءات والتدابير المتخذة للحفاظ على النظام العام وصيانته مما قد يمسه من الانتهاكات،بغض النظر عن المخاطبين المعنيين بهذه الإجراءات وتطبق على جميع الأنشطة دون تحديد أو تمييز،وتهدف هذه الشرطة إلى المحافظة على النظام العام بمكوناته الثلاثة (الصحة العامة والأمن العام والسكينة العامة)
الأمن العام:ويعني الأمن العام تحقيق الأمن والطمأنينة في المدن والأحياء والقرى ومختلف الأماكن الشيء الذي يتأتى معه إحقاق الهدوء والاطمئنان في أنفس المواطنين وأولادهم وأموالهم وذلك لما قد يمسهم من أخطار وانتهاكات في الطرق والأماكن العامة
كما يشمل مفهوم الأمن العمومي حماية الناس من الجرائم والحوادث المختلفة سواء كانت سرقة أو تهديد بالقتل أو جرائم هتك العرض وحماية المواطنين من المختلين عقليا والمجانين، والسكارى ومن الحيوانات الخطرة كالكلاب المسعورة ⁽4⁾.
ويمكن أن يدخل في خانة الأمن العام أيضا، حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم في حالة حدوث كوارث طبيعية كالزلازل والفيضانات والحرائق والأخطار التي تنتج عن المباني الآيلة للسقوط التي تهدد أمن المواطنين و استقرارهم.
الصحة العامة:يتمثل دور الإدارة في هذا الصدد في حماية الأفراد من الأمراض المعدية ومنع انتشار الأوبئة ⁽5⁾ التي من شأنها أن تمس بصحة المواطنين ووقايتهم منها كمراقبة جودة ومدى صلاحية
المأكولات التي تقدم في المطاعم والمخابز ومحلات بيع الحلويات ومحلات بيع الحليب والألبان وكذلك مراقبة المقاهي والفنادق عن طريق حملات مباغتة.
ويدخل في هذا الإطار أيضا مراقبة جودة الماء ومدى صلاحيته للشرب وذلك بطريقة دورية للتأكد من خلوها من جراثيم ومكروبات قد تتسبب في اصابة المواطنين بأمراض قد تمس بالصحة العامة وذلك قبل توزيعها عليهم وهنا يظهر جليا دور الشرطة الإدارية الوقائي.
كما تشمل الصحة العمومية تجهيز الأحياء بقنوات الواد الحار لتصريف الفضلات ومحتوياتها في أماكن بعيدة عن الأحياء السكنية،واتخاذ الوسائل الكفيلة بالقضاء على ما تحتويه من جراثيم ومكروبات عند استخدام مياهها في أغراض فلاحيه وأحسن الطرق لذلك هي إقامة مصانع لمعالجتها⁽6⁾
السكينة العامة:يتمثل دور الإدارة في المحافظة على الهدوء والسكينة العامة وتحقيق الاطمئنان قرب المجمعات السكنية والمدارس والمستشفيات.
وتتجلى اختصاصات الشرطة الإدارية في مختلف مستويات التنظيم الإداري فهناك الوزير الأول بمقتضى الفصل 90 من الدستور ⁽7⁾ الذي يتمتع على المستوى الوضعي بسلطة الشرطة العامة وبناءا على هذا، يتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على النظام عبر مرسوم يطبق على جميع أنحاء البلاد أما على المستوى المحلي فالسلطة تكون بيد العامل المكلف على رأس العمالات أو الأقاليم أو يعهد بها إلى رؤساء الدوائر داخل نفوذهم الترابي أو لرئيس المجلس في الجماعات المحلية.
الضبط الإداري أو الشرطة الإدارية الوطنية:
رئيس الحكومة:يمارس رئيس الحكومة مهام الشرطة الإدارية العامة والخاصة في إطار الفصل 90 من الدستور المغربي الذي خول له ممارستها في إطار السلطة التنظيمية إلا أن هذه السلطة ليست مطلقة وإنما تحكمها قوانين تفوق مستوى قرارات رئيس الحكومة.
الوزراء:اختصاص الوزراء في السلطة التنظيمية ليس أصيلا وإنما قد جرى العمل على تخويلهم كل في ميدان اختصاصه على ممارسة جزء من الشرطة الإدارية وذلك بناء على تفويض من رئيس الحكومة.
الضبط الإداري أو الشرطة الإدارية المحلية:
نجد على رأس الشرطة الإدارية المحلية العامل بنص القانون بحيث يعتبر مكلفا بالمحافظة على النظام العام في العمالة أو الإقليم ويجوز له استعمال القوات المساعدة وقوات الشرطة والاستعانة بالدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية طبق الشروط المحددة في القانون⁽8⁾
ولا يمكنه أن يتعسف في استعمال السلطة المخوله له وتجاوز الأهداف المتوخاة من استعمال القوة لأجل المحافظة على النظام العام،وفيما يلي المجالات التي أوكل له القانون فيها لأجل المحافظة على النظام العام:
المحافظة على الأمن والنظام العام بجميع تراب العمالة أو الإقليم
تأسيس الجمعيات والتجمعات العمومية والصحافة
الانتخابات
تنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات
النقابات المهنية
التشريع الخاص بالشغل ولاسيما النزاعات الاجتماعية
المهن الحرة
تنظيم ومراقبة نشاط الباعة المتجولون بالطرق العمومية
تنظيم ومراقبة استيراد الأسلحة والذخائر والمتفجرات وترويجها وحملها وإيداعها وبيعا واستعمالها
مراقبة مضمون الإشهار بواسطة الإعلانات واللوحات والإعلامات والشعارات
شرطة الصيد البري
جوازات السفر
مراقبة الأثمان
تنظيم الاتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول
مراقبة الأسطوانات وغيرها من التسجيلات السمعية البصرية
تسخير الأشخاص والممتلكات
الخدمة العسكرية الإجبارية
التنظيم العام للبلاد في حالة حرب ⁽9⁾
رئيس الدائرة: يمثل رؤساء الدوائر السلطة التنفيذية في دائرة نفوذهم الترابي ويقومون تحت إشراف العامل بتنفيذ القوانين والأنظمة والمحافظة على النظام والأمن والهدوء
كما يسهرون تحت سلطة العامل على إذكاء نشاط رؤساء المقاطعات الواقعة في حدود الدائرة ومراقبة أعمالهم وتناط بهم أيضا في دائرة هذه الحدود مهمة الإرشاد والتوفيق في جميع القضايا ذات المصلحة الجماعية أو ذات الفائدة المشتركة بين الجماعات.
ويعهد كذلك إلى رؤساء الدوائر بربط الصلة بين مختلف المصالح الإدارية والتقنية الواقعة في الدائرة وبالسهر على التنسيق العملي للتدخلات التي يتطلبها تجهيز ترابهم وتهيئته ويساعدهم في ذلك تقني واحد أو عدة تقنيين في الأشغال القروية،يمكن جعلهم رهن إشارة رؤساء المقاطعات والمجالس الجماعية المعنية بالأمر⁽10⁾.
يمارس الشرطة الإدارية في مجال الأمن والهدوء والنظام داخل دائرة نفوذه باعتباره ينفذ القرارات الوزارية في مجال تخصصه ومراقبة أعمال رؤساء الجماعات والمقاطعات وذلك تحت إشراف العامل.
الباشاوات والقواد: إن رؤساء المقاطعات الحضرية والقروية (الباشوات والقواد) يمثلون في مقاطعاتهم السلطة التنفيذية ويمارسون في الجماعات الجاري عليها نفوذهم سلطات الأمن والنظام طبقا للتشريع المعمول به⁽11⁾.
وبالتالي فالمشرع المغربي قد خول لهم سلطات واسعة في سبيل الحفاظ على النظام والأمن العموميين،كما يقومون بمساعدة المجالس الجماعية والتنسيق معهم في المهام الإدارية باتخاذ جميع التدابير اللازمة.
رئيس المجلس الجماعي:أي باعتباره مسئولا عن حفظ النظام العام في ميادين:الوقاية الصحية والنظافة والسكينة العمومية وسلامة المرور.والعمل على كل ما من شأنه أن يمس تلك الميادين عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية وبواسطة تدابير شرطة فردية هي الإذن أو الأمر أو المنع⁽12⁾.
وبخصوص صلاحيات رؤساء أو رئيس المجلس الجماعي باعتباره سلطة الضبط الإداري حسب المادة 50 من القانون رقم 78.00المتعلق بالميثاق الجماعي لسنة 2002 وتبعا لتعديلاته وتتميماته ولاسيما بالقانون رقم 17.08 لسنة 2009.
وذلك كالآتي:
يسهر على تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالتعمير وعلى احترام ضوابط تصاميم تهيئة التراب ووثائق التعمير.
يمنح رخص البناء والتجزئة والتقسيم ورخص السكن وشهادات المطابقة ورخص احتلال الملك العمومي لغرض البناء وذلك طبق الشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
يسهر على نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها.
يراقب البنايات المهملة أو المهجورة أو الآيلة للسقوط ويتخذ التدابير اللازمة لترميمها أو هدمها طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
يساهم في المحافظة على المواقع الطبيعية والتراث التاريخي والثقافي وذلك طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
يمنح رخص استغلال المؤسسات المضرة أو المزعجة أو الخطيرة الداخلة في اختصاصه ويراقبها طبقا للقوانين والأنظنة الجاري بها العمل.
ينظم ويساهم في مراقبة الأنشطة التجارية والمهنية غير المنظمة التي من شأن مزاولتها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة.
يراقب محلات بيع العقاقير والبقالة ومحلات الحلاقة وبيع العطور وعلى العموم كل الأماكن التي يمكن أن تصنع أن تخزن أو تباع فيها مواد خطيرة.
يسهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامة ونظافة المحلات المفتوحة للعموم خاصة المطاعم والمقاهي وقاعات الألعاب والمشاهد والمسارح وقاعات السباحة،وكل الأماكن الأخرى المفتوحة،ويحدد مواقيت فتحها وإغلاقها.
يتخذ جميع التدابير الرامية إلى ضمان سلامة المرور في الطرق العمومية وتنظيفها وإنارتها،ورفع معرقلات السير عنها،وإتلاف أو اصلاح البنايات الآيلة للسقوط أو الخراب،ومنع الناس من أن يعرضوا في النوافذ أو في الأقسام الأخرى من الصروح أو من أن يلقوا في الطرق العمومية أيا كان من الأشياء التي من شأن سقوطها أو رميها أن يشكل خطرا على المارة أو يسبب رائحة مضرة بالصحة.
يساهم في مراقبة جودة المواد الغذائية والمشروبات والتوابل المعروضة للبيع أو للاستهلاك العمومي.
يسهر على نظافة مجاري المياه والماء الصالح للشرب ويضمن حماية ومراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة.
يتخذ التدابير اللازمة لتجنب أو مكافحة انتشار الأمراض الوبائية أو الخطيرة، وذلك طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها.
يتخذ التدابير الخاصة لضمان السكينة العمومية خصوصا في المحلات العمومية التي يقع فيها تجمهر الناس كالمواسم والأسواق ومحلات المشاهد أو الألعاب والميادين الرياضية والمقاهي والمسابح والشواطئ وغيرها.
يتخذ التدابير الضرورية لتفادي شرود البهائم المؤذية والمضرة،ويقوم بمراقبة الحيوانات الأليفة،وجمع الكلاب الضالة والتحكم فيها ومكافحة داء السعار،وكل مرض أخر يهدد الحيوانات الأليفة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
ينظم ويراقب المحطات الطرقية ومحطات وقوف حافلات المسافرين وحافلات النقل العمومي وسيارات الأجرة وعربات نقل البضائع،وكذا جميع محطات وقوف العربات.
يتخذ التدابير اللازمة للوقاية من الحريق والآفات والفيضانات وجميع الكوارث العمومية الأخرى.
ينظم استعمال النار من أجل الوقاية من الحريق الذي يهدد المساكن والنباتات والأغراس طبقا للتشريع والتنظيم الجاري به العمل.
يمنح رخص استغلال الملك العمومي الجماعي بدون اقامة بناء.
يضبط وينظم تشوير الطرق العمومية داخل تراب الجماعة.
ينظم ويراقب اقامة واستغلال الأثاث الحضري لغاية الإشهار بواسطة الإعلانات واللوحات والإعلامات والشعارات بالطريق العمومي وتوابعه وملحقاته.
ينظم استغلال المقالع في حدود المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها ويسهر على تطبيق القوانين والأنظمة في هذا الميدان.
يضمن حماية الأغراس والنباتات من الطفيليات والبهائم طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
يمارس شرطة الجنائز والمقابر ويتخذ،على وجه السرعة،الإجراءات اللازمة لدفن الأشخاص المتوفين بالشكل اللائق،وينظم المرفق العمومي لنقل الجثث ويراقب عملية دفنها واستخراجها من القبور طبقا للكيفيات المقررة في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
ومن خلال ما سبق يبدو أن القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي لسنة 2002 قد توسع في مجال اختصاصات رئيس المجلس الجماعي ودقق في ذكر تفاصيلها خصوصا ما جاءت به المادة 50 من القانون المذكور بحيث أوضحت بشكل مفصل المجالات التي تدخل ضمن اختصاصاته بصفته رئيسا للمجلس الجماعي⁽13⁾.
كما أن القانون التنظيمي الجديد رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الذي أسند عدة اختصاصات لرئيس المجلس الجماعي يمكننا إجمالها في الآتي:
– ينفذ برنامج عمل الجماعة
– ينفذ الميزانية
– يتخذ القرارات المتعلقة بتنظيم الجماعة وتحديد اختصاصاتها مع مراعاة المادة 118 من القانون المذكور
– يتخذ القرارات المتعلقة بإحداث أجرة عن الخدمات المقدمة وبتحديد سعرها
– يتخذ القرارات لأجل تحديد سعر الرسوم والأتاوى ومختلف الحقوق طبقا للرسوم التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل
– يقوم في حدود ما يقرره مجلس الجماعة،بإبرام وتنفيذ العقود المتعلقة بالقروض
– يقوم بإبرام أو مراجعة الأكرية وعقود إيجار الأشياء
– يدبر أملاك الجماعة ويحافظ عليها.ولهذه الغاية، يسهر على مسك وتحيين سجل محتويات أملاكها وتسوية وضعيتها القانونية،ويقوم بجميع الأعمال التحفظية المتعلقة بحقوق الجماعة
– يباشر أعمال الكراء والبيع والاقتناء والمبادلة وكل معاملة تهم ملك الجماعة الخاص
– يتخذ الإجراءات اللازمة لتدبير الملك العمومي للجماعة ويمنح رخص الاحتلال المؤقت للملك العمومي بإقامة بناء طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل
– يتخذ الإجراءات اللازمة لتدبير المرافق العمومية التابعة للجماعة
– يبرم اتفاقيات التعاون والشراكة والتوأمة طبقا لمقتضيات المادة 86 من القانون المذكور⁽13⁾.
الشرطة الإدارية الخاصة:هي تلك الاختصاصات التي خولها القانون لجهة معينة في ميدان محدد يتميز بطابع الخصوصية،كشرطة الصيد مثلا،شرطة التعمير،شرطة الماء،…الخ وهذا النوع من الشرطة الإدارية يطبق على فئة من المواطنين فقط.
كما يمكننا أن نعتبر أنه يهدف الى صيانة عنصر من عناصر النظام العام كالعناصر التقليدية التي تتمثل في الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة،أو العناصر الأخرى التي تنظم نشاط أو قطاع معين كشرطة المياه أو شرطة الصيد …. الخ.
ويمكن تقسيم مجالات تدخل الشرطة الادارية الخاصة إلى ثلاثة أقسام
القسم الأول:الضبط الاداري الخاص بسبب المكان
ويهدف هذا النوع الى المحافظة على النظام العام في مكان معين أو أمكنة محددة وهذا النوع من الضبط يمارس داخل مرافق المطارات أو محطات القطار …الخ.
القسم الثاني: الضبط الخاص بنوعية النشاط الممارس
هذا الضبط يتناول المحلات ذات الأنشطة الخطرة أوالمقلقة للراحة أو الضارة بصحة المواطنين.
القسم الثالث:الضبط الإداري الذي يهتم بالعناصر الحديثة للنظام العام
يستهدف هذا النوع الحفاظ على رونق وجمالية المدن وتناسق البنايات معماريا وتعميريا وحماية الآثار القديمة وغيرها.
ويتجلى الفرق بين الشرطة الادارية العامة والشرطة الادارية الخاصة في أن الاول يخضع للمبادئ العامة للقانون بينما نجد أن الثاني يخضع الى مبادئ قانونية مقننة فكل نوع من أنواعه صدر بشأنه نص قانوني خاص ينظمه ويحدد مداه فمثلا بالنسبة للمؤسسات المصنفة (المعامل و المؤسسات التي من شأنها أن تضر بصحة المواطنين) صدر بشأنها نص قانوني هو الظهير المؤرخ في 26 غشت 1914،كما أن الحفاظ على المآثر التاريخية وصيانتها يتم بواسطة ضبط إداري خاص نظمه القانون رقم 22-80 الصادر في 25 دجنبر 1980 ومن جملة هذا النوع من الضبط يمكن أيضا ذكر القانون رقم 71-008 الصادر في 12 أكتوبر 1971 بشأن تنظيم ومراقبة الأسعار وكيفية ادخار وبيع المنتجات و السلع⁽14⁾.
وتكون العقوبات المتعلقة بمخالفة إجراءات الشرطة الإدارية العامة مضمنة في القانون الجنائي،في حين أن الشرطة الإدارية الخاصة غالبا ما يتم التنصيص على العقوبات المتعلقة بمخالفتها بمقتضى نصوص قانونية خاصة، يسمح المشرع من خلالها لجهة معينة بممارسة حق الاختصاص في موضوع محدود، كما ان تدخلها يقتصر على نطاقات معينة، مثل قطاع السكك الحديدية وغيرها من القطاعات.
وفي ما يلي بعض أهم مجالات الشرطة الإدارية:
الصحة والنظافة العامة وحماية البيئة :حماية الصحة العامة والمحافظة على النظافة بالطرق والساحات العمومية،كحفظ صحة السكن والوسط والبيئة،وإحداث وفتح المؤسسات المرتبة،وشرطة الدفن واستخراج الجثث ونقلها،والعقوبات الجزرية المطبقة على مخالفي القرارات الجماعية في مجال الصحة والنظافة العموميتين.
شرطة السير والجولان:يعتبر ميدان السير والجولان من ميادين الشرطة الإدارية الجماعية التي يمارسها كلا من المجلس الجماعي و رئيسه كل حسب اختصاصاته التي حددها القانون.
الشرطة القروية:تعتبر الشرطة القروية من الاختصاصات المهمة التي أنيطت برؤساء المجالس القروية بغرض تنظيم مجموعة من مناحي الحياة اليومية للمواطنين والمرتبطة أساسا بالأنشطة القروية.
ونظرا لكون هذه الشرطة غير ممارسة في الغالب الأعم بفعل عوامل عديدة ترجع أساسا إلى قدم النصوص القانونية المنظمة لهذا الاختصاص من جهة ومن جهة أخرى بفعل غموض بعض مقتضيات هذه النصوص وعدم مسايرتها للمستجدات والتطورات التي عرفها التدبير الجماعي ببلادنا.
أساليب الضبط الإداري:
أسلوب الأنظمة(القرارات التنظيمية) وأسلوب الأوامر الفردية
أسلوب الأنظمة(القرارات التنظيمية):يطلق عليها في الشرق العربي باللوائح،تعمل السلطة التنظيمية (رئيس الحكومة) على الإشراف على تنفيذ القوانين وضمان حماية النظام العام،ولكي يتأتى لها ذلك يستوجب الأمر إصدار قوانين وقرارات عامة ومجردة شبيهة بالتشريع وتدعى بالأنظمة،والأنظمة أنواع منها كما رأينا سابقا في اختصاصات الوزير الأول ما يصدر لتنفيذ قانون وتطبيقه،ومنها ما يصدر مستقلا عن التشريع والتي أطلقنا عليها سابقا بالسلطة التنظيمية.
أسلوب الأوامر الفردية:أما الأوامر الفردية فتتخذ صورا مختلفة بحسب الأحوال فقد تتضمن أمرا بعمل شيء كالأمر الصادر بهدم منزل متداع للسقوط وقد تصدر بالامتناع عن عمل شيء معين كالأمر بمنع اجتماع عام أو منع عرض فلم أو إلقاء محاضرة،كما قد يتضمن الأمن الفردي منع ترخيص مزاولة نشاط معين أو الترخيص في البناء ⁽15⁾.
المطلب الثاني:الشرطة القضائية
يقصد بالشرطة القضائية ، كل الإجراءات التي تتخذها السلطة القضائية للتحري عن الجرائم بعد وقوعها ، والبحث عن مرتكبها تمهيداً للقبض عليه، وجمع الأدلة اللازمة للتحقيق معه ومحاكمته وانزال العقوبة به.
وتبدأ مهمة الشرطة القضائية مباشرة بعد وقوع الفعل الإجرامي وهي تعتبر هيأة مساعدة للجهاز القضائي⁽16⁾
عرفها الدكتور محمد عوده الجبور بأنها وظيفة تبدأ حيث انتهاء وظيفة الضبط الإداري-بصفته هذه- فلا يتدخل مأمور الضبط القضائي إلا إذا وقع إخلال فعلي بالنظام العام يسمى جريمة-حيث يمارس إجراءات وسلطات حدتها القوانين المختلفة بقوانين متفاوتة ⁽17⁾
وقد خول المشرع لضابط الشرطة القضائية سلطات واسعة لتمكينه من وسائل فعالة لأداء مهامه كالتفتيش والحجز والوضع رهن الحراسة النظرية…الخ،ونجده بالمقابل قد قيد هذه السلطات بوسائل مراقبة مختلفة تجنبا لأي انزلاق أو تجاوز صونا لحرية الأفراد وتكريسا لحقوق الدفاع. إن دور الشرطة القضائية يتجلى في التثبت من المخالفات للقانون الجنائي والبحث عن مرتكبيها.
ومن هنا يتضح أن أعمال الضبط القضائي ذات طابع قضائي من حيث مساهمتها في تحديد سلطة الدولة في العقاب وفي استكمال مرحلة التحقيق الابتدائي-وهي ذات طابع قضائي بحت-وفي مباشرتها أمام القضاء صاحب الحق في تقييمها ومراقبتها⁽18⁾
ينتمي رجال الشرطة القضائية إلى مصالح وجهات مختلفة، فمنهم من ينتمي إلى سلك القضاء، حصرهم المشرع في الوكيل العام للملك، ووكيل الملك، ونوابهما، بالإضافة إلى قاضي التحقيق، ومنهم من ينتمي إلى إدارة الدرك الملكي، والإدارة العامة للأمن الوطني، ووزارة الداخلية من جهة أخرى، ومراعاة لفعالية أعمال الشرطة القضائية منح المشرع المغربي بموجب نصوص خاصة بعض مهام الشرطة القضائية لموظفين وأعوان المصالح الإدارية بحكم تخصصهم وقربهم من الميدان ⁽19⁾
وبالرجوع إلى قانون المسطرة الجنائية المواد 16-17-18- 19نلاحظ أنه منح الصفة الضبطية لفئات تنتمي للجهاز القضائي، يتعلق الأمر بضباط الشرطة القضائية السامين بالإضافة إلى أشخاص تابعين للإدارة العامة للأمن الوطني والدرك الملكي،يتعلق الأمر بضباط الشرطة القضائية العاديين، كما منح بمقتضى نصوص خاصة الاختصاص الضبطي لبعض الموظفين التابعين للإدارات العمومية⁽20⁾.
واستنادا إلى المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية يمكننا حصر الشرطة القضائية فيما يلي:
أصناف الشرطة القضائية :
أسند المشرع المغربي صراحة بمقتضى المادة 19 من ق.م.ج صفة ضباط الشرطة السامون للوكيل العام للملك، ووكيل الملك ونوابهما وكذا قاضي التحقيق، وكما هو ملاحظ من خلال المادة السالفة الذكر فإن تحديد ضباط الشرطة القضائية السامون قد أتى على سبيل الحصر بحيث لا يمكن تخويل هذه الصفة لأي كان إلا بناء على قانون يصدر من الجهة المخولة لها لذلك⁽21⁾
بالإضافة الى ضباط الشرطة القضائية وضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث و أعوان الشرطة القضائية والموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية.
الضباط السامون للشرطة القضائية:كما سبق الذكر فقد حصر المشرع المغربي صفة الضابط السامي للشرطة القضائية في الأشخاص الآتية :
الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ونوابه
وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ونوابه
قاضي التحقيق
كما أن بإمكان الضباط السامين،أن يتولوا بأنفسهم مباشرة أعمال البحث التمهيدي وذلك طبقا للفصول (40-49-75)من قانون المسطرة الجنائية
الضباط العاديون للشرطة القضائية: نظرا لأهمية وخطورة الأبحاث المنجزة من طرف ضباط للشرطة القضائية تولى المشرع المغربي
تحديد الأشخاص الذين يتوفرون على الصفة الضبطية ويتعلق الأمر بـ:
1-المدير العام للأمن الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها.
2-ضباط الدرك الملكي وذو الرتب فيه وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة.
3-الباشوات والقواد.
4-المدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني وولاة الأمن والمراقبون العامون للشرطة وعمداء الشرطة وضباطها بهذه الإدارة فيما يخص الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من ق.م.ج.
كما يمكن تخويل صفة ضابط للشرطة القضائية: – لمفتشي الشرطة التابعين للأمن الوطني ممن قضوا على الأقل ثلاث سنوات بهذه الصفة بقرار مشترك من وزير العدل ووزير الداخلية.
– للدركيين الذين قضوا على الأقل ثلاث سنوات من الخدمة بالدرك وعينوا فيها بقرار مشترك من وزير العدل ووزير الداخلية.
مسؤولية أعضاء الشرطة القضائية:
بعد أن وضع المشرع الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة،عالج في المواد من 29 إلى 35 ⁽22⁾ الأحكام المتعلقة بالمسؤولية التأديبية لأعضاء الشرطة القضائية،وهي المسؤولية التي تثار بمناسبة الإخلال بالواجب المهني⁽23⁾.
وإلى جانب المسؤولية التأديبية نجد المسؤولية الجنائية (الفصول 225-230-231-446 من القانون الجنائي).
كما يمكن اثارة المسؤولية المدنية في وجه أعضاء الشرطة القضائية وذلك بسبب الأضرار التي يحدثونها.
المسؤولية التأديبية:تترتب المسؤولية التأديبية على الإخلال بالالتزامات المهنية،وعدم احترام واجبات الوظيفة،وفقا لما يقره القانون.
أما عن الجهة التي خول لها المشرع النظر في الإخلال المنسوب لأعضاء الشرطة القضائية،فقد حدد المشرع في الفقرة الرابعة من المادة 231 من قانون المسطرة الجنائية والتي هي الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف وهي مكونة من الرئيس الأول أو من ينوب عنه ومن مستشارين اثنين وبحضور ممثل النيابة العامة وكاتب الضبط.
المسؤولية الجنائية:المسؤولية الجنائية ترتبط بالوظيفة التي يقوم بها أعضاء الشرطة القضائية التي تنحصر أساسا في إنجاز إجراءات البحث التمهيدي بنوعيه وما يترتب عنه من تدوين لمحاضر للنيابة العامة المكلفة بتسييرهم والإشراف على مهامهم ومراقبتهم وقد أفرد لهم المشرع أحكاما خاصة وذلك تفاديا لأي تعسف في استعمال السلطة عموما ومن هذه الأحكام نجد الفصول 64-65-66-67-68 من قانون المسطرة الجنائية.
المسؤولية المدنية:المسؤولية المدنية تتحقق أيا كان السبب سواء جريمة أو مجرد أخطاء تنطبق عليها شروط الفصلين 77و78 من قانون الالتزامات والعقود بحيث يحق للمتضرر المطالبة بالتعويض من الشخص المخطئ مباشرة⁽24⁾
– المطلب الثالث
الفقرة الأولى:أوجه التشابه
كل من الضبط الإداري والضبط القضائي مختلف من حيث الطبيعة القانونية والتبعية والإشراف والرقابة،وكل منهما ذو طبيعة تنظيمية خاصة ويرتب نتائج مختلفة بيد أن هناك بعض نقاط التلاقي بينهما.
وبالتالي يمكننا أن نجمل أوجه التشابه في أن كلا من الجهازين(جهاز الشرطة الإدارية وجهاز الشرطة القضائية) يهدفان إلى المصلحة العامة،ومن ثم فان الشرطة القضائية تتفق مع الشرطة الادارية في انهما يستهدفان المحافظة على النظام العام.
بالإضافة إلى أن هناك علاقة تبادلية بينهما ،كما أن كل من الشرطة الإدارية والشرطة القضائية يهدفان إلى التقليل من وقوع الجرائم،كما أنهما يستندان إلى نصوص قانونية تأطرهم في بعض الأحيان وتقيد من سلطاتهم في أحيان أخرى.
الفقرة الثانية:أوجه الاختلاف
يهدف الضبط الإداري أو الشرطة الإدارية إلى المحافظة على النظام العام وذلك بالحيلولة دون مخالفة الضوابط التي سنها،إلا أنه إذا كانت الشرطة الإدارية تقوم فعلا بهذه المهمة فإنها ليست وظيفتها الأساسية فوظيفتها الحقيقية هي القيام بواسطة تدابير مناسبة للاحتراز من الأعمال التي من شأنها المساس بالنظام العام،فيمكن القول إذن أن مهمة الشرطة الإدارية هي مهمة وقائية.
أما الضبط القضائي فيهدف إلى البحث عن مرتكبي الجرائم بأنواعها المختلفة(جنايات،جنح ومخالفات) بعد وقوعها وإثبات معالم الجريمة وجمع الآثار والأدلة اللازمة للتحقيق في الدعوى وإحالة المقبوض عليهم على المحاكم المختصة.فوظيفة الضبط القضائي تهدف إلى تحقيق مهمة علاجية(مساعدة قضاة التحقيق لإثبات التهمة ومعاقبة الجاني) إلا أنه تجدر الملاحظة إلى أن وظيفة الضبط القضائي الذي له مبدئيا صبغة زجرية يمكن أن تتحول أحيانا إلى مهمة وقائية.وهذا ليس معناه أن هناك دائما فصلا عضويا بين وظيفة الضبط الإداري والضبط القضائي،لأن هناك سلطات وموظفين يمارسون المهمتين معا⁽25⁾
فعلى سبيل المثال نجد أن الشرطي الذي يراقب السير في الطرقات يراقب مدى احترام سائقي السيارات لقانون السير ويضبط الأمن العام للسير عبر توجيهاته للسائقين وهذه المهمة هي مهمة وقائية تتمثل في الوقاية من الحوادث وبالتالي فهو يمارس في هذه الحالة مهمة الشرطة الإدارية،وفي الآن نفسه نجده يمارس مهمة الضبط القضائي والتي تتمثل في إيقاف المخالفين وزجرهم عن طريق تحرير محاضر للمخالفات،وكذالك ضباط الدرك فهم يمارسون مهمة الضبط الإداري ومهمة الضبط القضائي ⁽26⁾
من خلال الهدف يمكننا أن نميز بين الشرطتين بحيث ان هدف الشرطة الادارية هو تحقيق الامن العام بعناصره الثلاث وهي الامن والصحة العامة والسكينة العامة،اما الشرطة القضائية لها هدف علاجي متمثل في معاقبة المجرمين،ذلك أنها لا تتدخل الا بعد ارتكاب الفعل المجرم، بحيث أن مبدأ التمييز هنا هو الصيغة التي تكتسيها إجراءات وتدابير كلا الشرطتين،فتدابير الشرطة الإدارية تتخذ الصيغة الوقائية حيث تهدف للحد من الأعمال التي يمكن أن تخل بالنظام العام بينما إجراءات الشرطة القضائية تتخذ الصيغة الجزرية كالبحث عن مرتكبي المخالفات الجنائية أو غيرها .
أما فيما يخص الوسائل القانونية نجد بأن الشرطة الادارية تستعمل القرارات الادارية سواء التنظيمية أو الفردية بينما الشرطة القضائية تستعمل الأحكام القضائية سواء أثناء البحث عن المجرمين أو احالتهم على التحقيق،بحيث تتميز الشرطة الادارية في طبيعة إجراءاتها التي تصدر في شكل قرارات تنظيميه أو فردية تخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضاً ، أما الشرطة القضائية فانها تصدر في شكل قرارات قضائية لا تخضع لرقابة القضاء الإداري ، وخضوعها لسلطات القضاء العادي محل نظر.
ويختلفان من حيث السلطة المختصة بإجراء النظام العام والغرض منه وطبيعته، فمن جهة تتولى السلطة التنفيذية وظيفة الشرطة الادارية ، بينما تتولى السلطة القضائية ممثلة بأعضاء النيابة العامة وممثليها وظيفة الشرطة القضائية.
أما على مستوى الأخطاء التي يرتكبها الأشخاص الذين خول لهم القانون صفة الشرطة الإدارية،فتتميز هذه الأخيرة بإمكانية تعويض المتضررين عن هذه الأخطاء في حين لا يمكن التعويض عن الأخطاء الناتجة عن الجهاز القضائي.
خاتمة:
من خلال هذا البحث تعرفنا على الشرطة الإدارية والشرطة القضائية عن قرب وحاولنا من خلال أنواع الضبط الإداري ومجالات تدخله من جهة،ومن جهة أخرى الأشخاص الذين خول لهم القانون انتحال صفة الشرطة القضائية أن نسلط الضوء على مجموع المهام والإختصاصات التي خولها المشرع لكل نوع على حدة .
ونحن نجيب على الإشكال المطروح،حاولنا أن نميز بين الشرطتين،وأن نبين أوجه التشابه والاختلاف بينهما مستندين إلى المهام المنوطة بكليهما و أهدافهما المشتركة المتمثلة في المصلحة العامة وحماية المجتمع.
وفي ظل تعدد القوانين التي تنظم إختصاصات وسلط كل من الشرطتين،تعززت المنظومة التشريعية في المغرب بصدور القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات،الذي عزز من اختصاصات رئيس المجلس الجماعي وأعطاه سلطات واسعة لم يكن يتمتع بها قبل صدور هذا القانون،كما ربط هذه المسؤولية بمحاسبة دقيقة من المجلس الأعلى للحسابات.
مصادر البحث:
⁽¹⁾د.محمود سعد الدين الشريف “النظرية العامة للبوليس الإداري في مصر، مجلة مجلس الدولة س 2،ص 284
ورد في “الاختصاص القضائي لمأمور الضبط ،دراسة مقارنة”،د.محمد عوده الجبور،الدار العربية للموسوعات،ص:39.
⁽2⁾د. توفيق الشاوي،”فقه الإجراءات رقم 26 ص:42، ورد في محمد عوده الجبور،المرجع السابق ص:39
⁽3⁾د.عبد الرحمان البكريوي “الوجيز في القانون الإداري المغربي الطبعة الأولى ص:1
⁽4⁾د.عبد الرحمان البكريوي المرجع السابق ص:15
⁽5⁾تدخل رئيس الحكومة بعد انتشار وباء إيبولا الذي أودى بحياة الآلاف في القارة الإفريقية وأوروبا وكان ذلك مطلع سنة 2015 فكان قرار رئيس الحكومة هو طلب تأجيل كأس أمم إفريقيا وذلك للوقاية من داء إيبولا الفتاك وتم بالفعل تنظيم فعاليات كأس إفريقيا للأمم خارج المغرب.
⁽6⁾ د.عبد الرحمان البكريوي، المرجع السابق ص:16
⁽7⁾ يخول المشرع المغربي في دستور 2011 إلى رئيس الحكومة ممارسة السلطة التنظيمية في الفصل 90‹‹يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية،ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء … ››
⁽8⁾ الفصل 3 من ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.75.168 بتاريخ 25 صفر 1397 (15 أكتوبر 1977) المتعلق باختصاصات العامل كما تم تعديله وتتميمه بموجب القانون 34.85 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.86.2 بتاريخ 26 من ربيع الآخر 1407(29 ديسمبر 1986) وبالظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.93.293 الصادر في 19 من ربيع الآخر (6 أكتوبر 1993).
⁽9⁾ المادة 49 من الميثاق الجماعي والتي وردت كالتالي: ‹‹ باستثناء المواد التالية التي تبقى من اختصاص السلطة الإدارية المحلية… ››
⁽10⁾ الفصل رقم 31 من الظهير الشريف رقم 1.63.038 المتعلق بالنظام الأساسي الخصوصي للمتصرفين بوزارة الداخلية /الجريدة الرسمية عدد 2629 بتاريخ 15/03/1963 ص:574
⁽11⁾المرجع السابق(ظهير رقم 1.63.038)،الفصل رقم 32،الفقرة الأولى.
⁽12⁾المادة 50 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي لسنة 2002.
⁽13⁾المادة 94 من القانون التنظيمي الجديد رقم 113.14 المتعلق بالجماعات (يرجى مراجعة القانون المذكور )
⁽14⁾للتوسع في هذا الباب أنظر د. مليكة الصروخ “التنظيم الإداري” ،مطبعة النجاح الجديدة، طبعة 1431-2010
⁽15⁾د.عبد الرحمان البكريوي المرجع السابق ص:23
⁽16⁾د.عبد الغني نافع “المسطرة الجنائية المغربية في شروح” الضابطة الأحمدية للنشر،الدار البيضاء،الطبعة الأولى 2001 ص 17
⁽17⁾د.محمد عوده الجبور، المرجع السابق ،ص: 46
⁽18⁾د.محمد عوده الجبور المرجع السابق ص:51
⁽19⁾د.علي أحنين،”جهاز الشرطة القضائية بالمغرب بين الفعالية والمعوقات العملية” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الجنائي والعلوم الجنائية،جامعة محمد الأول،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة،السنة الجامعية 2008-2009،ص8.
⁽20⁾- المادة 16‹‹ يمارس مهام الشرطة القضائية القضاة والضباط والموظفون والأعوان المبينون في هذا القسم… ››
المادة 17: ‹‹توضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف المشار إليها في الفرع الخامس من هذا الباب. ››
المادة 18 ‹‹ يعهد إلى الشرطة القضائية تبعا للبيانات المقررة في هذا القسم بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها ››
المادة 19: ‹‹ تضم الشرطة القضائية بالإضافة إلى الوكيل العام للملك ووكيل الملك ونوابهما وقاضي التحقيق، بوصفهم ضباطاً سامين للشرطة القضائية:
أولا: ضباط الشرطة القضائية؛
ثانياً: ضباط الشرطة القضائية المكلفين بالأحداث؛
ثالثاً: أعوان الشرطة القضائية؛
رابعاً: الموظفون والأعوان الذين ينيط بهم القانون بعض مهام الشرطة القضائية. ››
⁽21⁾د.عبد الواحد العلمي “شرح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية”،الجزء الأول،الطبعة الأولى 2006،ص:335
⁽22⁾الفصول من 29 إلى 35 من قانون المسطرة الجنائية في إطار الفرع الخامس الخاص بمراقبة أعمال الشرطة القضائية
⁽23⁾د الحبيب بيهي “شرح قانون المسطرة الجنائية الجديد” الجزء الأول،الطبعة الثانية 2006 ص:88و89.
⁽24⁾الفصلين 77و78 من قانون المسطرة الجنائية
⁽25⁾ د.عبد الرحمان البكريوي،المرجع السابق ص:12.
⁽26⁾ د.عبد الرحمان البكريوي،المرجع السابق،الهامش،ص:12.