دراسات قانونية
ضمانات تأديب الموظف العام في النظام القانوني الأردني (بحث قانوني)
بحث قانوني مفيد حول ضمانات تأديب الموظف العام في النظام القانوني الأردني
أ/ مشعل محمد الرقاد
المبحث الأول : ضمانات تأديب الموظف في مرحلتي التحقيق والمحاكمة .
المطلب الأول : ضمانات تأديب الموظف في مرحلة التحقيق
الفرع الأول : الضمانات السابقة على التحقيق .
الفرع الثاني : الضمانات المعاصرة للتحقيق .
المطلب الثاني : ضمانات تأديب الموظف في مرحلة المحاكمة .
الفرع الأول : ضمانات تتصل بتشكيل المجلس التأديبي .
الفرع الثاني : ضمانات تتصل بذات المحاكمة .
المبحث الثاني : ضمانات إيقاع العقوبة على الموظف العام .
المطلب الأول : الضمانات المعاصرة لإيقاع العقوبة.
الفرع الأول : ضمانات تتصل بذات العقوبة .
الفرع الثاني : ضمانات تتصل بالقرار الصادر بالعقوبة .
المطلب الثاني : الضمانات اللاحقة على إيقاع العقوبة على الموظف العام .
الفرع الأول : التظلم الإداري .
الفرع الثاني : الطعن القضائي .
المقدمة :
ألقى المشرع على عاتق الموظف العام زمرة من الواجبات الوظيفية التي يتعيّن عليه الالتزام بها على الدوام ، وقيده أيضاً بالعديد من المحظورات هي الأخرى عليه بذل العناية القصوى لتجنب الوقوع بها ، وخلافاً لذلك يكون عرضة للمساءلة التأديبية من قبل السلطات المختصة .
ولما كان الموظف العام عرضة لهذه المساءلة فقد أحاطه الشارع بسياج من الضمانات في مرحلتي التحقيق والمحاكمة على حدٍ سواء تماشياً و إرساءً لقواعد العدالة القانونية التي يتعيّن أن تكون دائماً ماثلة في أذهان الكافة .
ولم يتوانَ مشرعنا الأردني عن كفالة تلك الضمانات فقد جسدها في القوانين والأنظمة ، ولم يقف عند هذا الحد بل نجده يسعى دائماً لسد ما فات أحكامه من نقص ، واستجلاء ما شابها من غموض تحقيقاً للمصلحة العامة ، ولا سيّما أحكام نظام الخدمة المدنية الذي جرى عليه العديد من التعديلات المتتالية خلال فترات زمنية قصيرة ، الأمر الذي لم تسايره مؤلفات جل أساتذة القانون الإداري أن لم تكن كلها ، ولعل هذه أحدى أهم الصعوبات التي وقفت أمامنا في هذه الدراسة ، فثمة شح في المؤلفات الإدارية التي تتصل بتأديب الموظف وفقاً لآخر التعديلات التي طرأت على نظام الخدمة المدنية رقم 30 لسنة 2007 ، لذلك فقد جاء تركيزنا في هذه الدراسة منصباً على شرح وتحليل نصوص نظام الخدمة المدنية أكثر من المؤلفات الإدارية التي تناولت هذه النصوص بالشرح والتحليل .
و من المفيد أن نشير هنا إلى أن الدراسة جاءت لتقتصر على موضوع ضمانات تأديب الموظف العام وفقاً لنظام الخدمة المدنية دون أن تمتد إلى غيرها من الأنظمة الخاصة لموظفي بعض الدوائر الحكومية ، سيما أن هذا النظام يُعد الشريعة العامة للأنظمة الخاصة قاطبةً .
إذا تمهد ما تقدم جاز لنا تقسيم هذه الدراسة إلى مبحثين رئيسيين هما :-
المبحث الأول : ضمانات تأديب الموظف العام في مرحلتي التحقيق والمحاكمة .
المبحث الثاني : ضمانات إيقاع العقوبة على الموظف العام .
المبحث الأول
ضمانات تأديب الموظف في مرحلتي التحقيق والمحاكمة
عند وصول علم الذنب المرتكب من الموظف العام إلى المرجع الإداري لذلك الموظف تعيّن على هذا المرجع مباشرة إجراءاته لبحث موضوع الذنب مع مراعاة توفير ضمانات تأديب الموظف التي كفلتها له القوانين والأنظمة، ولا سيما نظام الخدمة المدنية المعمول به في مرحلتي التحقيق والمحاكمة على حد سواء ، من هنا سنتناول هذه الضمانات تباعاً وفقاً لهذا التقسيم :
المطلب الأول : ضمانات تأديب الموظف في مرحلة التحقيق
يتمتع الموظف العام في هذه المرحلة بالعديد من الضمانات بعضها سابق على التحقيق وبعضها الآخر لاحق على إجراء التحقيق وهذا ما سنوضحه من خلال الفرعين التاليين :
الفرع الأول : الضمانات السابقة على إجراء التحقيق :
تتمثل هذه الضمانات بتشكيل لجان التحقيق والتنحي عن التحقيق في حالات معينه وثالث هذه الضمانات هو إعلام الموظف بما هو منسوب إليه وسنتناولها تفصيلاً كما هو تالٍ :
أولاً : تشكيل لجان التحقيق .
أ- أنواع لجان التحقيق
لقد أوضحت المادة(145/أ) من نظام الخدمة المدنية رقم 30 لسنة 2007 آلية تشكيل لجان التحقيق (للموظفين من الفئات الأولى والثانية والثالثة ) عندما قضت بأنه :
1 – لا يجوز لأي من الجهات المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة (142) من هذا النظام إيقاع أي من العقوبات المنصوص عليها في البنود من (1-5) من الفقرة (أ) من المادة (141) من هذا النظام على المخالفة التي يرتكبها الموظف إلا بعد استجوابه، ويجوز تشكيل لجنة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة بمن فيهم الرئيس، تتولى التحقيق في المخالفة التي ارتكبها الموظف قبل إصدار قرار بشأنها.
2- لا يجوز إحالة الموظف إلى المجلس التأديبي إلا بعد تشكيل لجنة تحقيق وفقا لأحكام البند (1) من هذه الفقرة للتحقيق في المخالفة التي ارتكبها هذا الموظف.
يتضح من المادة الآنفة الذكر بأن هناك لجان تحقيق جوازية وأخرى وجوبية وهو ما سنعرضه كالآت :
1- لجان التحقيق الجوازية :
لقد أجاز نظام الخدمة المدنية في المادة (145/أ/1) المذكورة آنفاً تشكيل لجنة تحقيق للموظف إذا أقدم على ارتكاب مخالفة تستوجب إحدى العقوبات المذكورة في المادة (141) من ذات النظام وهي: ( التنبيه أو الإنذار أو الحسم من الراتب الشهري الأساسي بما لا يزيد على سبعة أيام في الشهر أو حجب الزيادة السنوية لمدة سنة واحدة أو حجب الزيادة السنوية لمدة سنتين( .
2- لجان التحقيق الوجوبية :
يتعين تشكيل لجان التحقيق الوجوبية على مقتضى نص المادة (145/أ/2) من ذات نظام الخدمة المدنية المذكور، عندما يكون ثمة توجه من قبل السلطة الرئاسية إلى لزوم تحويل الموظف المعني إلى المجلس التأديبي المختص بمحاكمته .
ب – أعضاء لجان التحقيق :
1- أعضاء لجان التحقيق التي تشكل لموظفي الفئات الأولى والثانية والثالثة :
يتولى التحقيق مع الموظفين ألسابقي الذكر لجنة مكونة على الأقل من ثلاثة أعضاء بما فيهم الرئيس ، بشرط أن يكون رئيسها وأعضاؤها بدرجة أو راتب أعلى من درجة أو راتب الموظف المحال إلى التحقيق أو مساوياً لهما، ويجوز عند الضرورة الاكتفاء بأن يكون رئيس اللجنة بدرجة أو راتب أعلى من درجة أو راتب الموظف المحال إلى التحقيق.
وتنص المادة (159/ب) على أنه (( تشكل لجنة برئاسة وزير العدل وعضوية رئيس ديوان التشريع والرأي ورئيس الديوان تتولى ما يلي : 2- دراسة الشكوى المقدمة ضد أي موظف وكانت مما لا يمكن النظر فيها بناءً على تهم معينة ورأى الوزير عدم إحالة الموظف إلى المجلس التأديبي )).
2- أعضاء لجان التحقيق التي تشكل لموظفي المجموعة الثانية من الفئة العليا :
تشكل لجنة تحقيق برئاسة وزير العدل وعضوية رئيس ديوان التشريع والرأي ورئيس ديوان الخدمة المدنية من قِبل رئيس الوزراء بناءً على التقرير المرفوع إليه من الوزير المختص بالمخالفات المرتكبة من الموظفين ألسابقي الذكر .
3- أعضاء لجان التحقيق التي تشكل لموظفي المجموعة الأولى من الفئة العليا :
يشكل مجلس الوزراء لجنة تحقيق مكونة من وزير العدل رئيساً وعضوية وزيرين يختارهما مجلس الوزراء للنظر في المخالفة المرتكبة من موظفي المجموعة الأولى من الفئة العليا.
وينبغي الأشارة في هذا المقام إلى أن فئات الموظفين المذكورين في البند 2 و 3 و موظفي الفئات الأولى والثانية والثالثة المنصوص عليهم بالمادة (159/ب/2) لا يتم التحقيق معهم من قبل السلطة الرئاسية وإنما تشكل لهم مجالس تأديبية خاصة بكبار الموظفين ، وتوقع العقوبات بحقهم من قِبل مجلس الوزراء كما يرى جانب من الفقه الأردني .
ونحن نرى طالما أن المشرع لم يستعمل تعبير مجلس تأديبي الاّ للموظفين من الفئات الأولى والثانية والثالثة ، خلافاً للفئات العليا والتي أستعمل بشأنها تعبير لجنة وليس مجلس تأديبي ، فإن الفئات العليا لا يشكل لهم مجلس تأديب وإنما لجنة تحقيق .
ثانياً : التنحي :
يتعين على من يُعهد إليهم بإجراء التحقيق مع الموظف المخالف (رؤساء وأعضاء لجان التحقيق أو المجلس التأديبي) التنحي إذا كان هناك اعتبارات شخصية تربطهم بالموظف المراد تأديبه أو صلة قربى معه إذا كانت تؤثر على مجريات التحقيق ، أما إذا تمكنوا من التجرد من هذه الاعتبارات أو لم يكن لها أي تأثير على التحقيق فلا يوجد ما يمنع من مباشرتهم للتحقيق ، وهو ما أكده نظام الخدمة المدنية في المادة (140/أ/2) .
باستقراء النص أعلاه يلاحظ أن المشرع قد كفل فيه حق التنحي ومقتضاه طلب أحد أعضاء لجان التحقيق تنحيه عن الاشتراك بالتحقيق للأسباب التي تم ذكرها – الاعتبارات الشخصية و القرابة – ويؤخذ على المشرع عدم كفالته لحق الرد والذي بمقتضاه يحق للموظف المراد تأديبه الاعتراض على أعضاء لجان التحقيق إذا كان هناك سبب وجيه لاعتراضه ، علماً بأنه أورد حق الرد للموظف أمام المجالس التأديبية والتي سنبينها لاحقاً .
ثالثاً : أعلام الموظف بما هو منسوب اليه :
نص المشرع على هذه الضمانة صراحةً من باب الوجوب لا التخيير حيث قال (( 1- إعلام الموظف خطياً بما هو منسوب إليه، بحيث يتضمن المخالفة المرتكبة والتهم الموجهة إليه (( ونجد أن أساتذتنا الأفاضل في مؤلفاتهم الباحثة بهذا الشأن أشاروا إلى أن المشرع لم يتطرق لهذه الضمانة صراحة في أحكامه ، فمنهم من ذكر ذلك ، ومنهم من اكتفى بذكر القرارات القضائية دون الإشارة لدور المشرع في ذلك ، ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أن مؤلفاتهم الفقهية تناولت هذا الموضوع قبل تعديل نظام الخدمة حيث تم إضافة هذه الضمانة لاحقاً لمؤلفاتهم .
ومن الجدير بالذكر أن الفقه الإداري أورد هذه الضمانة بمرحلة يسمونها (ضمانة المواجهة ) والتي تقوم على عنصرين ، الأول أعلام الموظف بالتهمة المنسوبة إلية ، والثاني حق الإطلاع على الملف ، مع أنني أرى أن الثانية تأتي كأول إجراء أثناء عملية التحقيق وهي والتي سأتناولها فيما بعد .
وينبغي أن يكون واضحاً بأنه يتوجب على الإدارة أعلام الموظف المراد تحريك إجراءات التأديب بحقه ، والأعلام المعتبر قانوناً هو الموثق والمكتوب ، والذي يحمل في طياته ماهية المخالفة التي ارتكبها الموظف ونوع التهمة المسندة اليه إبتداءً كما هو واضح وجليًّ بالنص المذكور أعلاه ، فإن لم تراع الإدارة ما تقدم كان قرارها مشوباً وعرضة للطعن .
وهذا ما كرسته محكمة العدل العليا بأحد قراراتها عندما قضت : (( ..إذا صدر قرار فصل المستدعية دون أن تبلغ نوع التهمة المسندة إليها ودون أن تعلن للحضور أمام لجنة شؤون الموظفين بصفتها المجلس التأديبي ، فإن هذا القرار قد صدر معيباً عيباً جوهرياً يستدعي بطلانه)) .
الفرع الثاني : الضمانات المعاصرة للتحقيق :
علينا تقسيم هذه الضمانات إلى ضمانات دفاعية وضمانات أخرى ، ولكن قبل أن نتناول هذه الضمانات تفصيلاً سنشير هنا إلى إجراء الاستجواب والذي كفله المشرع للموظف صراحةً بقوله : (( لا يجوز لأي من الجهات المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة (142) من هذا النظام إيقاع أي من العقوبات المنصوص عليها في البنود من (1-5) من الفقرة (أ) من المادة (141) من هذا النظام على المخالفة التي يرتكبها الموظف إلا بعد استجوابه …… )) .
وعلى هذا النحو جاء قضاء محكمة العدل العليا في قرارها : ( …. إذا أصدر المستدعى ضده الأول قراره الثالث المتضمن إيقاع عقوبة الإنذار بحق المستدعية قبل أن يتم استجوابها ودون أن يتم استجوابها أصلاً فإن قرارها يعتبر مخالفاً لحكام نص المادة (145/أ) من نظام الخدمة المدنية ويتعين إلغاؤه .) ، ولكن التساؤل الذي يطرح في هذا المضمار هل يعد الاستجواب إحدى ضمانات الموظف أمام لجان التحقيق ؟.
يتضح من البيان التشريعي الوارد في المادة (145/أ/1) أن الاستجواب لا يعد ضمانة للموظف أثناء إجراء التحقيق من قبل لجان التحقيق وإنما يصار إلى تكريس هذه الضمانة عندما يرتكب الموظف مخالفة ولا تشكل له لجنة تحقيق ، ويقصد بالاستجواب الذي نحن بصدده مناقشة الموظف المخالف مناقشة تفصيلية بالأفعال المنسوبة إليه ومواجهته بالأسئلة و الاستفسارات عن المخالفة ، ومجابهته بالأدلة التي تشير إليه بالاتهام ومطالبته بالرد عليها ، وتكون هذه الأسئلة واضحة ومحددة وصريحة مما يتسنى للموظف فهمها والإجابة عليها ، ويتعين على المستجِوب ( بالكسر) عدم الضغط أو إكراه الموظف المستجوَب ( بالفتح) أو التدخل بأجوبته ، وله حق الصمت عن الإجابة ويشار إلى ذلك في المحضر أو ما يقوم مقامه .
وعوداً على بدء فإننا سنقيم فرع الضمانات المعاصرة للتحقيق على البندين التاليين :
أولاً : الضمانات الدفاعية
1- حق الإطلاع على أوراق التحقيق :
يعد حق الإطلاع على الملف التحقيقي من أول الإجراءات التي نص عليها المشرع والذي يقول في ذلك : (( يراعى لدى إجراء التحقيق ما يلي :-
اطلاع الموظف المحال إلى التحقيق على جميع الأوراق المتعلقة بالمخالفة أو الشكوى التي يتم التحقيق معه بشأنها……..)) ، وإستنادً على هذا الحق فللموظف المحال إلى لجنة التحقيق أن يطلع على كل ما يتعلق بالمخالفة المنسوبة إلية ، وتتجلى من منح هذا الحق للموظف حكمة مفادها تمكينه من تحديد موقفه وإعداد دفوعة .
وهذا ما سار عليه قضاء محكمة العدل العليا حيث قضت بقرار لها ( 1- … حيث لم تطلع المستدعية على جميع الأوراق المتعلقة بالشكوى ولم ……….. فيكون هذا القرار قد صدر مخالفاً لأحكام نظام الخدمة المدنية رقم 30 لسنة 2007 مما يتعين إلغاؤه .)
2- تقديم الدفوع و مناقشة الشهود :
يعد هذا الحق من الضمانات التي يجب أن يحاط بها الملاحق تأديبياً والتي تمليها المبادئ العامة للقانون ولصون هذا الحق وعدم إهداره من قبل الإدارة والتي إن فعلت يكون إجراؤها عرضة للبطلان ، وامتثالا لهذا يتوجب على لجان التحقيق السماح للموظف المنسوب اليه المخالفة بموجب هذا الحق تقديم جميع الدفوع المشروعة التي يحتاجها لنفي المخالفة المنسوبة إلية كالاعتراضات و استدعائه لشهوده و تقديم أي سندات أو أوراق أو ما شابهها على أن تتعلق بواقعة المخالفة ، وعلى لجنة التحقيق تضمينها بملف القضية ، وإذا كانت شفاهةً الإشارة إليها في محاضر التحقيق ، وله مناقشة شهود القضية المحلّفين اليمين القانونية مسبقاً بالقدر المعقول .
حيث نص المشرع على هذا بقوله : (( يراعى لدى إجراء التحقيق ما يلي :-
1- ….. والسماح له بتقديم دفوعه واعتراضاته كتابة أو شفاهة ومناقشة الشهود المطلوبين فيها واستدعاء أي شخص للشهادة، كما يسمح له بضم أي وثائق أو تقارير أخرى ذات علاقة إلى ملف التحقيق، ويشترط أن لا تسمع أقوال أي شاهد إلا بعد أداء القسم القانوني. ((
وهذا ما جرى عليه قضاء محكمة العدل العليا فهي قضت ببطلان القرار الصادر عن الإدارة لتجاوزها أثناء التحقيق عن حق تقديم الدفوع وعدم إتاحة الفرصة للموظف المخالف بمناقشة الشهود وتقديم دفوعه واعتراضاتها ولم تعمل على تحليف الشهود اليمين القانونية قبل سماع أقوالهم .
ثانياً : الضمانات الأخرى
1- حياد لجان التحقيق :
تقتضي العدالة القانونية توافر صفتيّ الحياد و النزاهة بمن توكل إليهم مهام التحقيق وهي ضمانة تضمن للموظف عدالة من يحقق معه بعيداً عن أي اعتبارات ، وقد نص نظام الخدمة المدنية على هذه الضمانة صراحة ، ولكن دون ذكر مفهومه حيث اشترط على مراعاة ذلك عند إجراء التحقيق بقوله : (( مراعاة الموضوعية والحياد والنزاهة للوصول إلى الحقيقة )) .
يرُدّنا بعض أساتذة القانون الإداري الأردني إلى تطبيق القواعد العامة المنصوص عليها في أصول المحاكمات المدنية فيما يخص مفهوم الحياد و النزاهة .
وإنني أرى بوجهة نظر متواضعة أن نظام الخدمة المدنية قد تضمن شروط الحياد في نص المادة ( 145/أ/2) ، والتي سبق بيانه في بداية الدراسة عند الإشارة للضمانات السابقة على التحقيق .
2- توثيق التحقيق :
يعد التوثيق من الضمانات الشكلية الواجب كفالتها للموظف المحال إلى لجنة التحقيق ، ويقصد هنا بالتوثيق ، هو تحرير الإجراءات التحقيقية في محاضر رسمية ، حيث فرض المشرع على لجنة التحقيق مراعاة ذلك بقوله (( أن تكون إجراءات التحقيق موثقة ومثبته في محاضر وموقعة من الموظف وأعضاء لجنة التحقيق والشهود حسب مقتضى الحال. )) .
استقرت قرارات محكمة العدل العليا على هذا النهج بالعديد من قراراتها منها ( لا تستطيع محكمة العدل العليا بسط رقابتها على القرار التأديبي المطعون فيه والسبب الذي قام عليه إلا إذا كانت المحاكمة التأديبية التي جرت بحق المستدعي قد تمت بصورة قانونية ومدونة في محاضر مكتوبة تتضمن إحاطة المستدعي بالتهمة أو التهم المنسوبة إليه بشكل دقيق لا لبس فيه و لا إبهام وان تتاح له الفرصة بعد ذلك ليعد الدفاع عن نفسه فتستمع أقواله مكتوبة وما يبديه من دفاع أو دفوع وان تتضمن المحاضر شهادات الشهود الذين استمع المجلس التأديبي إليهم بعد حلف اليمين كضمانة من ضمانات الدفاع الجوهرية وان يمكن المستدعي من مناقشتهم وتقديم شهود النفي إن وجدوا ، وبناء على ذلك فان محاكمة المستدعي من قبل مجلس التأديب العسكري التي تمت بصورة شفاهية وكذلك سماعها للشهود وان طابقت أقواله وأقوالهم أمام لجنة التحقيق حسب زعمها ، يحول دون المحكمة ومراقبتها على القرار التأديبي المطعون فيه ، ويترتب على ذلك أن القرار الذي صدر استنادا إلى هذه المحاكمة والقاضي بفصل المستدعي من الجناح العسكري في جامعة مؤتة يكون باطلا مما يقتضي إلغاءه . ).
يجب أن يراعى في عملية تدوين محاضر التحقيق أن تكون متسلسلة ، ويذكر فيها تاريخ إجراء التحقيق وأسم المحقق و الشهود أو الموظف المخالف والمصادقة عليه من المعنيين فيها على جميع الأوراق .
3- رفع تقرير مفصل بخلاصة التحقيق :
بعد أن تنهي لجنة التحقيق إجرائها التحقيقي تعمل على رفع تقريراً يتضمن النتائج التي توصلت إليها هذه اللجنة مشفوعاً بتوصياتها للمرجع الإداري المختص الذي كلفها بالتحقيق ، حيث نص نظام الخدمة المدنية على أنه : (( تقدم لجنة التحقيق تقريراً مفصلاً بما توصلت إليه من نتائج وتوصيات للجهة التي كلفتها بالتحقيق ولهذه الجهة اتخاذ القرار الذي تراه مناسباً.)) .
يراعى بعد رفع التقرير إلى المرجع الإداري المختص إذا كان سيصار إلى إيقاع عقوبة بحق الموظف دون إحالته إلى المجلس التأديبي الضمانات التي سيتم ذكرها لاحقاً عند تناول الضمانات الواجب مراعاتها عند إيقاع العقوبة .
المطلب الثاني : ضمانات تأديب الموظف في مرحلة المحاكمة
الفرع الأول : ضمانات تتصل بتشكيل المجلس التأديبي
تشكل للموظفين من الفئات الأولى والثانية والثالثة مجالس تأديب برئاسة أمين عام وزارة العدل وعضوية كل من أمين عام ديوان الخدمة المدنية و مستشار في ديوان التشريع والرأي يسميه رئيس ديوان التشريع والرأي ، ولرئيس المجلس التأديبي تسمية أحد موظفي وزارة العدل أمينا لسر المجلس .
يحال الموظف إلى المجلس التأديبي بقرار من الوزير بالحالات التالية :-
1- إذا رأت السلطة التأديبية الرئاسية وجود ضرورة للإحالة .
2- إذا ارتكب الموظف مخالفة تستوجب عقوبة الاستغناء عن الخدمة أو العزل .
ويتصل بتشكيل أعضاء المجلس التأديبي على النحو المشار إليه أعلاه وقبل الشروع بإجراء المحاكمة لزوم منح الموظف ضمانتا الرد والتنحي واللتان سنتناولهما تباعاً كالآت :
أولاً : حق طلب الرد :
يعد هذا الحق من أهم الضمانات التي حصّن بها المشرع الموظف المحال إلى التأديب ليضمن له محاكمة عادلة ونزيهية لا يشوبها أي اعتبارات قد تؤثر على مجرى سير الأمور بعدالة وبهذا الحق يستطيع الموظف الاعتراض على رئيس المجلس أو أي عضوٍ فيه شريطة أن يكون طلب الرد مستند إلى أسباب وجيهة ومعتبرة ، وأن يكون قبل البدء بأعمال التحقيق، حيث نص المشرع على هذا الحق بقوله : ((يطبق على كل من رئيس وأعضاء المجلس التأديبي أحكام رد القضاة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المعمول به وعند انطباق هذه الحال على رئيس المجلس التأديبي يحل مكانه لهذه الغاية رئيس الديوان.))
و ينص قانون أصول المحاكمات المدنية بخصوص هذا الحق على :(( يجوز رد القاضي لأحد الأسباب التالية:
1 – إذا كان له أو لزوجه دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها أو إذا جدت لأحدهما خصومة مع أحد الخصوم أو مع زوجه بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي ما لم تكن هذه الدعوى قد أقيمت بقصد رده عن نظر الدعوى المطروحة عليه.
2 – إذا كان لمطلقته التي له منها ولد أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجه ما لم تكن هذه الخصومة قد أقيمت بعد قيام الدعوى المطروحة على القاضي بقصد رده .
3 – إذا كان أحد الخصوم يعمل عنده .
4 – إذا كان قد اعتاد مساكنة أحد الخصوم أو كان قد تلقى منه هدية قبيل رفع الدعوى أو بعده .
5 – إذا كان بينه وبين أحد الخصوم عداوة أو مودة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل.)) .
ثانياً : حق طلب التنحي :
يرد هذا الحق للموظف في مرحلة التحقيق ومرحلة الإحالة على المجلس التأديبي وقد سبق بيانه في معرض الحديث عن الضمانات السابقة للتحقيق وكان لنا تعليق عليه .
الفرع الثاني : ضمانات تتصل بالمحاكمة ذاتها
بعد إحالة الدعوى التأديبية بكافة محتوياتها على المجلس التأديبي ، والشروع بالتحقيق مع الموظف المحال عليها يجب أن تراعي جميع الضمانات الآتيه:-
أولاً : حق التبليغ :
يتعين على المجلس في حال تحديده لموعد جلسة الحكم أن يبلغ الموظف المراد تأديبه بذلك الموعد ، ولم ينص المشرع على الطريقة الواجب إتباعها بالتبليغ حيث قال : ((….. أن يتولى أمين سر المجلس التأديبي خلال مدة لا تزيد على أسبوعين من تاريخ استلامها تزويد كل عضو بنسخة من هذه الأوراق ودعوة الموظف بالطريقة التي يراها مناسبة لاستلام نسخته وتبليغه بموعد الجلسة.)) .
ثانياً : التوثيق :
على المجلس التأديبي توثيق جميع أعماله وقراراته ، لتتوفر للموظف في حال حاجته لها حيث نص المشرع على ذلك بقوله : (( لرئيس المجلس التأديبي تسمية أحد موظفي وزارة العدل أمينا لسر المجلس يتولى إعداد جدول أعماله ومحاضر اجتماعاته والتبليغ وتوثيق القرارات وأي أعمال أخرى يكلفه بها رئيس المجلس التأديبي . )) .
ثالثاً : حق الاستعانة بمحام ٍ:
نص المشرع صراحةًً على هذا الحق أثناء المثول أمام المجلس التأديبي ليتسنى للمحامي الدفاع عن الموظف المراد محاكمته أمام هذا المجلس ، خلافاً لما هو عليه الحال في مرحلة التحقيق أمام لجان التحقيق والتي لم ينص المشرع فيها صراحة على هذا الحق ، وهذا ما جاء في المادة (150/أ) من نظام الخدمة المدنية والتي قضت : ((…. وللموظف المحال إلى المجلس التأديبي أن يوكل محامياً لتمثيله في الدعوى والدفاع عنه ، على أن يحضر جلسات المحاكمة التأديبية مع محاميه . )).
رابعاً : حق تقديم الدفوع :
ورد هذا الحق للموظف مرتين الأولى أمام لجان التحقيق والثانية أمام المجالس التأديبية ويعد هذا زيادة في حرص المشرع لضمان حقوق الموظفين ومنحهم فرصة أخرى لتقديم دفوعهم ، ولا تختلف حيثيات حق تقديم الدفوع أمام المجلس التأديبي عن تلك المذكورة أمام لجان التحقيق وتلافياً للتكرار سنقتصر على في هذا المقام على ما أورده المشرع في نظام الخدمة المدنية في المادة (151) والتي جاء فيها :-
(( أ- على المجلس التأديبي عند النظر في أي دعوى تأديبية أُحيلت إليه أن يتيح لكل من الطرفين فيها تقديم بيناته الخطية والشخصية سواء كانت قد قدمت أثناء التحقيق في المخالفة أو لم تقدم من قبل على الإطلاق، وأن يستدعي الشهود الذين يطلبهم لسماع أقوالهم وإعطاء الطرف الآخر الحق في مناقشتها ودفعها ببيّنات مماثلة، وعرض وجهة نظره في الدعوى أو في أي إجراء من إجراءاتها، ويشترط في ذلك أن لا تسمع أي شهادة فيها إلا بعد القسم القانوني.
ب – للمجلس التأديبي أثناء النظر في أي دعوى تأديبية أن يستدعي أي شخص لسماع شهادته فيها، وأن يطلب من أي دائرة أن تقدم إليه أي وثائق أو أوراق لديها إذا كانت ذات علاقة مباشرة بالمخالفة التي يُنظر فيها وأن يجري بكامل هيئته أي تحقيق يراه مناسباً بشأنها، أو أن يعهد إلى أحد أعضائه أو من يراه مناسباً للقيام بذلك.)) .
المبحث الثاني
ضمانات إيقاع العقوبة على الموظف العام
يتوجب توفير الضمانات التالية عند إيقاع العقوبة على الموظف المخالف سواء تم إيقاعها من قبل السلطة الرئاسية بعد إجراء التحقيق من قبل لجنة التحقيق ، أو من قبل المجلس التأديبي .
المطلب الأول : الضمانات المعاصرة لإنزال العقوبة
الفرع الأول : ضمانات تتصل بذات العقوبة .
أولاً : عدم جواز ازدواجية العقوبة :
لقد أقر المشرع هذه الضمانة للموظف المراد معاقبته عندما قال : ((عدم جواز إيقاع أكثر من عقوبة واحدة من العقوبات المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة (141) من هذا النظام على المخالفة المسلكية الواحدة التي يرتكبها الموظف. )).
وقد استقرت أحكام محكمة العدل العليا في الكثير من قراراتها على عدم جواز هذه الإزداوجة بالعقوبة حيث ذكرت بقرار لها بأنه ( …. وبما أن مدير التربية والتعليم للواء الأغوار الشمالية أصدر القرار الثاني بحسم ثلاثة أيام من راتب المستدعي وذلك على المخالفة المسلكية ذاتها التي ارتكبها المستدعي والتي صدر بشأنها القرار المشكو منه الأول بإيقاع عقوبة التنبيه بحقه . وبما أن قرار مدير المدرسة صدر بتاريخ 9/10/2008 ، في حين صدر قرار مدير التربية والتعليم بتاريخ 23/10/2008 ، فإنه لا يجوز إيقاع أ كثر من عقوبة واحدة من العقوبات المنصوص عليها في الفقرة (أ) من المادة (141) من نظام الخدمة المدنية آنف الذكر على المخالفة المسلكية الواحدة التي يرتكبها الموظف عملاً بالمادة (140/أ/3) من هذا النظام .) .
ثانياً : التناسب :
يعد التناسب أحد المبادئ القانونية للجزاء التأديبي ، ومفاده الملائمة بين خطورة المخالفة المرتكبة وما يناسبها من جزاء ، فيجب أن تكون العقوبة المفروضة على الموظف المخالف تتناسب وطبيعة المخالفة المرتكبة دونما تهاون أو مغالاة ، وقد ضمّنَ المشرع هذا المبدأ في عندما نص على لزوم (( التناسب بين العقوبة المتخذة وطبيعة المخالفة المرتكبة وعدم المغالاة أو التساهل في الإجراءات التأديبية المتخذة بحق الموظف. ))
الفرع الثاني : ضمانات تتصل بالقرار الصادر بالعقوبة
أولاً : التسبيب :
يقصد بتسبيب القرار الصادر بإيقاع العقوبة ذكر الأسباب الحقيقية الكامنة وراء إيقاع العقوبة وهذا التسبيب يكشف عن الوقائع التي دفعت السلطة التأديبية إلى إيقاع العقوبة ، وهو ما جسده المشرع بقوله : (( توفير الضمانات التالية للموظف قبل إيقاع أي عقوبة عليه :- … تسبيب القرار التأديبي الذي تم اتخاذه من المرجع المختص باتخاذ الإجراءات والعقوبات التأديبية . )) .
وقد ألزم المشرع المجلس التأديبي بتسبيب القرار النهائي الصادر عنه بقوله (( على المجلس التأديبي أن يصدر قراره النهائي في أي دعوى تأديبية أُحيلت إليه خلال مدة لا تزيد على تسعين يوماً من تاريخ عقد أول جلسة لهذه الغاية، متضمناً الأسباب والعلل التي بني عليها مستخلصة من البيّنات المقدمة في الدعوى ومستندة إلى الأحكام القانونية والنظامية المعمول بها ))
وقد استقرت قرارات محكمة العدل العليا على وجود تسبيب القرار الإداري كونه يعد شكلاً أساسياً في القرار الصادر عن السلطة التأديبية وإهماله يؤدي إلى بطلان ذاك القرار ، حيث ذكرت في إحدى قراراتها بأنه (….. وبما أن البند (5) من الفقرة (أ) من المادة (140) آنفة الذكر قد أوجبت تسبيب القرار التأديبي الذي تم اتخاذه من المرجع المختص باتخاذ الإجراءات والعقوبات التأديبية ، وذلك باعتبار هذا التسبيب هو أحد الضمانات الواجب توفيرها للموظف قبل إيقاع أي عقوبة عليه ، وبما أن نظام الخدمة المدنية المشار إليه قد اشترط تسبيب القرار التأديبي فإن هذا الإجراء أي التسبيب يصبح شكلاً أساسياً في القرارات التأديبية يترتب على إهماله بطلانها ، ولكي يحقق التسبيب الغرض المناط به يجب أن يكون واضحاً بدرجة تمكن من تفهمه ورقابته ، فإذا اكتفى القرار التأديبي بترديد حكم القانون دون أن يوضح الأسباب التي من أجلها اتُخذ اعتبر في حكم القرار الخالي من التسبيب ، وبما أن لجنة التحقيق ومن بعدها المستدعى ضده لم يُحدِّدا المسؤوليات والصلاحيات – المنوطة بالمستدعية – والتي أخلَّت بها ، وبما أنه يجب على الإدارة أن تُصدر قراراتها وفقاً للإجراءات التي حدَّدها المشرع وفي الشكل المرسوم لها ذلك أنه من المقرر فقهاً وقضاءً أن الأصل في قواعد الشكل والإجراءات في إصدار الأعمال الإدارية أنها مقررة للمصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء ، وبما أن القاعدة المستقرة تقضي بأن مخالفة تلك القواعد والإجراءات تستتبع بطلان القرار الإداري وذلك باعتبار أن هذه الشكليات والإجراءات تُمثِّل ضمانه للأفراد ومخالفتها تشكل إخلالاً بهذه الضمانة . وعليه يكون القرار المشكو منه باطلاً لمخالفته للنظام وعدم مراعاة الشكل الذي رسمه نظام الخدمة المدنية لإصداره وهو التسبيب ، الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه .).
ثانياً : أبلاغ الموظف بالقرار النهائي :
يجب على المجلس التأديبي عند وصوله للقرار النهائي بشأن مخالفة الموظف المحال عليه ، إبلاغ هذا الموظف بما توصل إلية المجلس بتلاوته عليه وتفهيمه مضمون القرار إذا كان حاضراً وفي حال غيابه يبلّغ بما يتاح للمجلس من وسائل .
حيث أورد التشريع ذلك بنصه القائل : (( يُتلى القرار النهائي للمجلس التأديبي ويفهم بصورة وجاهية للموظف ، أما إذا صدر القرار بصورة غيابية فيتم تبليغه للموظف بالوسائل المتاحة.))
المطلب الثاني : الضمانات اللاحقة على إيقاع العقوبة التأديبية .
إيقاع العقوبة التأديبية على الموظف المخالف لا تنهي ضمانته ، فلا يزال يحيطه الشارع بالضمانات التي من شأنها إرساء مبادئ العدالة وصون حقوق الموظفين ، فله ضمانة إدارية وأخرى تتبعها وهي قضائية نوردهما تفصيلاً كما هو آتً
الفرع الأول : التظلم الإداري
أولاً : تعريفه
هو طلب يقدمه الموظف المعاقب للسلطة التي أوقعت العقوبة عليه يلتمس فيه إلغاء قرارها بالعقوبة أو سحبه أو تعديله ، فهو بمعنىً آخر عرض الموظف مظلمته على السلطة الإدارية متخذة القرار طالباً منها إنصافه عن طريق إعادة النظر في القرار الإداري الذي أصدرته .
والتظلم هنا يكون بالنسبة للقرار التأديبي الصادر عن السلطة التأديبية الرئاسية ، أما القرارات الصادرة عن المجالس التأديبية بصورة نهائية فلا يجوز التظلم منها .
هذا و يعتبر التظلم الإداري حق من حقوق الموظف المعاقب ، فالقاعدة العامة للتظلم الإداري هي أنه جوازي ، أي إن لصاحب الشأن مطلق الحرية في اللجوء أو عدم اللجوء إليه، فله من حيث المبدأ أن يتظلم إلى الجهة الإدارية المختصة قبل رفع دعواه تجنباً لمشقة التقاضي وطول مدته، وله أن يرفع دعواه مباشرة للقضاء دونما التظلم ، وله التقدم بالتظلم الإداري واللجوء إلى القضاء بذات الوقت .
ثانياً : شروطه
يشترط المشرع قبل تقدم الموظف بتظلمه رسمياً، أن يبحثه مع رئيسه المباشر ، وأن يتحرى الدقة من أحقيته بهذا التظلم ، فيتعين عليه الإطلاع على القوانين والأنظمة قبل تقدمة بالتظلم حيث قال المشرع (( لا يجوز البدء بإجراءات التظلم الرسمي إلا بعد مناقشة موضوع التظلم مع الرئيس المباشر، وعلى الموظف التأكد من صحة تظلمه أو معلوماته والإطلاع على الأنظمة والتعليمات الصادرة بهذا الخصوص قبل التقدم بالتظلم .)) .
ولكي يكتسب التظلم صفته المعتبرة قانوناً لابد أن يكون مكتمل لشرائطه القانونية ، وقد حصر المشرع متى يكون للموظف المعاقب حقاً بالتقدم بتظلمه الرسمي بما وقع عليه ، فلا بد أن يكون التظلم مستنداً على مخالفة القرار المتظلم منه للقانون ، أما إذا كان التظلم يخرج عن الحدود التي رسمها المشرع فلا يعتد به حيث قضت محكمة العدل العليا بهذا الشأن : (( إذا كان شروط المادة ( 165) من نظام الخدمة المدنية رقم 30 لسنة 2007 غير متوافر في طلب التظلم فإن ذلك يفقده صفة التظلم ويعتبر كأن لم يكن …….. )) .
يتم تقديم التظلم مكتوباً خلال مدة لا تزيد على عشرة أيام من تاريخ صدور القرار التأديبي للدائرة ((أي وزارة أو دائرة أو مؤسسة رسمية عامة خاضعة لأحكام هذا النظام)) . وعليها البت بالتظلم خلال مدة لا تزيد على الثلاثين يوماً من تاريخ تقديم التظلم .
وما ينبغي الإشارة إليه هنا بأنه يجوز تقديم التظلم لرئيس ديوان الخدمة المدنية في الحالات الواردة في الفقرة (ب) من نص المادة (165/ب) من نظام الخدمة المدنية وهي :
1- إذا كان لدى الموظف أسباب تجعله يعتقد أن تقدمه بطلب التظلم أو الشكوى للدائرة من شأنه أن يعرضه للتعسف أو سوء المعاملة.
2- إذا لم تتم إجابة تظلمه المقدم إلى الدائرة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه.
ومن الجدير بالإشارة في هذا المقام أن التظلم الإداري يعد إحدى وسائل الرقابة على قرارات الإدارة لضمان صدورها صحيحة شكلاً وموضوعاً ، ويعطي الإدارة فرصة مراجعة قراراتها إذا كانت معيباً قبل حدوث النزاع القضائي .
الفرع الثاني : الطعن القضائي
يعد الطعن لدى القضاء بقرارات الإدارة إحدى الوسائل الرقابية الناجعة على الإدارة وما تتخذه من قرارات ، فيحق للموظف المعاقب إدارياً اللجوء إلى القضاء للطعن بقرار العقوبة الصادر عن السلطة التأديبية الإدارية إذا لم ينصفه التظلم الإداري ، ويكون طعنه بالإلغاء أو التعويض أو كلاهما .
وقبل التعرض للطعن بصورتيه آنفتي الذكر لابد من التعرض بإيجاز للشروط العامة الواجب توفرها بالقرار المراد الطعن به والمتمثلة بمايلي :
1- أن يقدم الطعن بالقرار من موظف عام ذو مصلحة .
2- أن يكون القرار من شانه أن يولد بذاته أثراً قانونياً .
3- أن يكون قد صدر بصورته النهائية عن سلطة إدارية من أشخاص القانون العام .
4- أن يكون معيباً بأحد العيوب المعتد بها قانوناً وهي :
أ- عيب الاختصاص.
ب- عيب الشكل والإجراء.
ج- عيب مخالفة القانون .
أولاً : الطعن بإلغاء القرار الإداري :
يحق للموظف الذي صدر بحقه قراراً تأديباً يقضي بمعاقبته سواء من قبل السلطة الرئاسية أو مجالس التأديب بالطعن لدى محكمة العدل العليا إذا توافرت به الشروط القانونية سالفة الذكر ويُستقى هذا الحق من قانون محكمة العدل العليا الذي ينص على (( تختص المحكمة دون غيرها بالنظر في الطعون المقدمة من ذوي المصلحة والمتعلقة بما يلي : طلبات الموظفين العموميين بإلغاء القرارات النهائية الصادرة بحقهم من قبل السلطات التأديبية .)) .
وقد نظم المشرع مواعيد وإجراءات الطعن بموجب قانون محكمة العدل العليا ، ولا مجال لذكرها في هذه الدراسة المختصة ببيان الضمانات .
ثانياً : الطعن لغايات التعويض :
للموظف المضرور من قرار الإدارة التأديبي أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه إذا حكم ببطلان القرار بدعوى يقيمها أمام محكمة العدل العليا سواء بدفع فرعي ضمن دعوى الإلغاء أو بدفع أصلي بدعوى التعويض ، حيث نص قانون محكمة العدل العليا على أنه : (( تختص المحكمة في طلبات التعويض عن القرارات والإجراءات المنصوص عليها في الفقرة (أ) السابقة من هذه المادة سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية.)) ، ويستطيع الموظف أن يرفع دعواه لدى المحاكم العادية أيضا ً، كونها صاحبة الاختصاص الأصيل بدعاوى التعويض،حيث حصر المشرع اختصاص النظر بدعاوى الإلغاء بمحكمة العدل العليا عند قوله ( دون غيرها) ولم يفعل ذلك فيما يخص دعاوى التعويض .
وإن إلغاء القرار الإداري لعيب شكلي أو عيب في الاختصاص غير جسيم أو جوهري ولا يؤثر في موضوع القرار يعد غير موجب للتعويض ، وعلة هذا تكمن في الموازنة بين المصالح العامة و الخاصة ، فإذا كان القرار الملغى سليماً بمضمونه رغم مخالفته للشكل أو الاختصاص فلا تُسأل الجهة المصدرة له ولا تعوض عن الضرر ، لأن القرار سيعاد إصداره بعد معالجة عيوبه الشكلية .
الخاتمة
مما تقدم بيانه من عرض ٍ للضمانات التي يتمتع بها الموظف في مراحل تأديبه إدارياً نلمس حرص المشرع الأردني على تحصين حقوق الموظف ضد أي مساس غير مشروع من قبل سلطات التأديب ، وهذا نهج يرسي مبادئ العدالة والشفافية والنزاهة ، ومبعث لطمأنينة الموظف مما يجعله يقدم على القيام بواجباته الوظيفة براحة ، وشعوره بأن القانون نصير عدل له ضد أي جور أو تعدٍ .
ومن خلال الدراسة والبحث لما تناوله الفقه الإداري الأردني بهذا الشأن ، نجد استجابة من المشرع لما أوصى به الفقه ، فسرعان ما بادر لتضمين توصياتهم بما أورده من تعديلات على التشريعات الإداريه ، ونحن نأمل أن يسارعوا بدورهم إلى تضمين هذه التعديلات المستحدثة في مؤلفاتهم ، ولا ننسى دور القضاء وهو صرح العدالة الذي لا يغض له طرفه قبل إحقاق الحق ولما له من اجتهادات ساهمة إسهاماً بالغاً في إثراء التشريع بلفت انتباهه لما يعتريه من نقص.
ومن باب الأمانة العلمية التي تقتضي منا الجراءة على ذكر ما نلحظه من هفوات على بساطتها لدى دراستنا لموضوع ما ، فقد خلصت إلى بعض النتائج الآتي ذكرها :
أولاً : لقد أورد نظام الخدمة المدنية في نص المادة (140/أ/2) التجرد من قبل لجان التحقيق الرئاسية و ومجالس التأديب من الاعتبارات الشخصية ، والسؤال المطروح هنا كيف يتأتى هذا وما هي الضمانة ؟ وفي ذات المادة أوجب التنحي في حال وجود صلة قربى تؤثر على التحقيق ولم يحدد درجة القربى أو المعيار الذي يُستند إليه لمعرفة مدى تأثير هذه الصلة على مجريات التحقيق ، ولم يردّنا في ذلك إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية ، كما فعل في نص المادة (146/د) ، ونجد أنه لم يعط حق الرد للموظف في مرحلة التحقيق ، ومنحه هذا الحق في مرحلة المحاكمة فقط ، يرى الباحث إن جاز له ذلك ضرورة تدخل المشرع لكي يكفل للموظف حق الرد في مرحلة التحقيق مع بيان طرقه وشروطه أو النص صراحة على تطبيق القواعد العامة .
ثانياً : تنص المادة (159/ب) على أنه (( تشكل لجنة برئاسة وزير العدل وعضوية رئيس ديوان التشريع والرأي ورئيس الديوان تتولى ما يلي : 2- دراسة الشكوى المقدمة ضد أي موظف وكانت مما لا يمكن النظر فيها بناءً على تهم معينة ورأى الوزير عدم إحالة الموظف إلى المجلس التأديبي )) ، وللناظر إلى نص المادة المذكورة يجدها تجافي المنطق ويثار بشأنها العديد من التساؤلات فما هي الشكاوى التي لا يمكن النظر فيها ؟ وما المقصود بتهم معينة ؟ وما الحكمة من استثناء بعض الموظفين من إيقاع العقوبة المناسبة بحقهم من قبل السلطة الرئاسية أو الإحالة إلى مجلس التأديب أو الجهات القضائية ؟ وإن الباحث يتطلع بعين الأمل لتدخل المشرع لإجلاء الغموض الذي يكتنف هذه المادة .