دراسات قانونية
كيفية تجاوز إشكاليات الازدواج الضريبي (بحث قانوني)
إشكاليات الازدواج الضريبي وكيفيات تجاوزها
حفو محمد
باحث في القانون الخاص
مقدمة:
إن أهمية المسألة الضريبية في العلاقات الدولية ليست وليدة اليوم لارتباطها بظاهرة العولمة ،بل ترجع إلى منتصف القرن 19 أثناء إبرام الاتفاقيات الأولى بين الدول لتفادي الازدواج الضريبي ( أول اتفاقية ضريبية تم إبرامها بين فرنسا وبلجيكا سنة 1843)،لكن بفعل التطور لم تعد العلاقات التجارية بين الدول قاصرة على تبادل المواد الأولية والمعادن والسلع المصنعة ،بل أصبحت تلك العلاقات تحت تأثير ظاهرة العولمة ورهاناتها متشابكة ،وفرضت توسيع نشاط المقاولات خارج حدودها الجغرافية للبحث عن أسواق جديدة لترويج منتجاتها.مما دفع جل الدول إلى تكييف تشريعاتها في مجال الاستثمار،النقد،الضرائب والقوانين التجارية،بهدف الإلغاء التدريجي للحوافز التي قد تعترض انتقال الأشخاص ،البضائع والرساميل وجلب الاستثمارات وتوفير مناخ مشجع للشركات عبر الوطنية التي تبحث عن جنات ضريبية لجني الأرباح في هذا البلد أو ذاك[1].
وفي هذا الإطار تمت عولمة القوانين الجبائية ارتباطا بالعولمة الاقتصادية ،بحيث نجد أن جل دول العالم اعتمدت الثلاثية الضريبية Trépied de la fiscalité التي تتجلى في تطبيق ضريبة عامة على الإنفاق وهي الضريبة على القيمة المضافة ،وضريبة على الأشخاص المعنوية وهي الضريبة على الشركات وضريبة عامة على دخل الأشخاص الطبيعيين[2].
إن السيادة الضريبة souveraineté fiscale أي سلطة الدول المطلقة في تضريب ا لدخول والثروات سواء في رعاياها أو على الأجانب المقيمين فوق ترابها تعتبر إحدى تجليات السيادة السياسية ،وبالتالي تتعارض هذه الإكراهات الضريبية مع ديناميكية المبادلات التجارية الدولية ،مما يؤدي حتما إلى وقوع حالات الازدواج الضريبي.
ويقصد بالازدواج الضريبي في مفهوم القانون الضريبي الدولي هو تنازع سيادتين ضريبيتين أو أكثر بمناسبة تضريب شخص طبيعي ،أو معنوي أو وعاء ضريبي .بحيث يتم إخضاع دخل معين للضريبة في البلد الذي تحقق فيه أو دولة المنبع ،ويتم تضريبه أيضا من طرف دولة إقامة الملزم ،بل وفي بعض الحالات يتم التضريب بناء على الجنسية (كحالة الولايات المتحدة)[3]،التي تخضع جميع رعاياها لضريبة الدخل بغض النظر عن توفرهم على إقامة دائمة في هذا البلد[4]،وقد نواجه حالات تتعلق بتوفر شخص أو مقاولة على أنشطة متفرقة في عدة دول مع وجود مركز هذه الأنشطة في إحدى هذه الدول Centre des activité وهناك حالات أخرى للازدواج الضريبي ،حينما ينصب على نفس الوعاء الجبائي على مستوى ضرائب الدول وعلى مستوى الرسوم الجماعية ونفس الحالة نصادفها في إطار الدول ذات الأنظمة الفدرالية (ضرائب الدولة المركزية وضرائب الولايات )،لكن الازدواج الضريبي بهذه الصورة مستثنى من مجال القانون الضريبي الدولي.
وتعتبر ظاهرة الازدواج الضريبي محط اهتمام الباحثين في المجالين الاقتصادي والضريبي على المستوى الدولي ،تم التنديد بها والمطالبة بإلغائها أو على الأقل الحد من آثارها لأسباب أخلاقية ،وخصوصا اقتصادية وقانونية ،بحيث أن الازدواج الضريبي ينتج عنه توزيع غير عادل للتكلفة الضريبية ما بين ملزمين يتوفرون على أنشطة خارج بلدهم وملزمين ينحصر نشاطهم داخله ،بالإضافة إلى أنها تشكل عرقلة في وجه توسيع التجارة والاستثمارات الدولية خاصة من طرف الشركات عبر الوطنية ومجموعة الشركات الدولية group de société التي تتدخل خارج حدودها من خلال عدة آليات…وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقيات الضريبية التي تبرمها الدول تحد من سلطاتها في فرض الضرائب فوق ترابها،حيث إن التعاون الدولي في المجال الضريبي يفرض على الدول التنازل جزئيا عن تلك السيادة ،ويمكن لهذه الاتفاقيات أن تكون ثنائية أو متعددة الأطراف ،كما أن بمجرد التصديق عليها تصبح سارية المفعول وتسمو على التشريع الضريبي الداخلي[5].
مما سبق نصيغ الإشكال الآتي:
باعتبار الازدواج الضريبي ظاهرة شغلت بال التشريعات بنوعيها الوطنية والدولية، فإلى أي حد توفقت هذه التشريعات في الحد من هذه الظاهرة، وما أبرز الحلول التي اعتمدتها في ذلك؟
للإجابة عن الإشكال المطروح ارتأينا البحث أولا في ماهية الازدواج الضريبي ثم التطرق للحلول التي اعتمدتها التشريعات للحد من هذه الظاهرة، وذلك وفق التصميم أسفله:
المبحث الأول : ماهية الازدواج الضريبي
المبحث الثاني: كيفية تجنب الازدواج الضريبي
المبحث الأول :ماهية الازدواج الضريبي:
أصبح الاستثمار الأجنبي منذ العشرية الأخيرة من القرن الماضي يحظى باهتمام ورعاية كبيرين من قبل الدول، أي ساد فيما بينها تنافس كبير لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية خاصة من قبل الدول النامية،نظرا للوضعية الحرجة التي كانت تعيشها اقتصاديات هذه الأخيرة نتيجة للتذبذب المستمر لأسعار الموارد النفطية. مما جعل الدول تتنبه إلى ضرورة تشجيع الاستثمار الأجنبي كمصدر بديل للعملة الصعبة، ومن فعالية الاستثمار الأجنبي كآلية لتحقيق التنمية.ولكن في ظل تمسك الدول بسيادتها الضريبية وعدم ملاءمة تشريعاتها وقوانينها الضريبية للمستجدات الاقتصادية العالمية ، سرعان ما اصطدمت بما يعرف بإشكالية الازدواج الضريبي[6]وعليه يجدر بنا توضيح مفهوم الازدواج الضريبي وأنواعه( المطلب الأول) وكذا أسبابه وآثاره( المطلب الثاني)
المطلب الأول:مفهوم الازدواج الضريبي وأنواعه:
للازدواج الضريبي نطاق واسع، مما ساهم في تنوعه وتعدد حالاته، الأمر الذي يستدعي منا ضبط تعريفه( الفقرة الأولى) ثم التمييز بين أنواعه ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : تعريف الازدواج الضريبي
يعرف الازدواج الضريبي لدى العديد من مختصي المالية العامة بمشكلة تعدد فرض الضريبية على المكلف بأدائها. ففي الازدواج الضريبي يدفع المكلف بالضريبة على نفس الوعاء أكثر من مرة ، لأكثر من إدارة ضريبية و قد يحدث الازدواج الضريبي على المستوى الداخلي أو على المستوى الدولي[7].
وحسب تعريف هيأة الأمم المتحدة فإن الازدواج الضريبي يتجلى في ثلاث حالات[8]:
الحالة الأولى : وهي أن الشخص نفسه يخضع للضريبة على دخله وعلى ثروته بصفة عامة من طرف كل الدول المتعاقدة.
الحالة الثانية: عندما يكون الشخص مقيما في دولة ما ويحصل على دخل أو ثروة من دولة أخرى ،فإن الدولتين المتعاقدتين تخضعان دخله وثروته للضريبة.
الحالة الثالثة: وتتجلى عندما تخضع الدولتين الشخص الغير مقيم بها لضريبة على دخله المحصل عليه من إحدى الدولتين أو ثروة يملكها[9].
و يترجم الازدواج الضريبي في القانون الدولي لخضوع نفس الدخل أو الربح لضريبتين أو عدة ضرائب متشابهة أو متماثلة في دول مختلفة ، تحت تأثير قواعد الإقليم التي تتضمنها القوانين الداخلية لهذه الدول[10]
وعرفه بعضهم[11] بأنه) فرض الضريبة نفسها أكثر من مرة على المكلف نفسه وعلـى المـال نفـسه الخاضع للضريبة وفي المدة الزمنية نفسها.
ويلاحظ أن اصطلاح الازدواج الضريبي غير مقصور على دفع الضريبة مرتين فقط كما يفهـم مـن تفسير كلمة “ازدواج” تفسيراً حرفياً، وإنما يقصد بهذا الاصطلاح دفع المكلف للضريبة أكثر من مـرة سواء تحديد دفعها مرتين أو ثلاث مرات أو أربع… الخ. وقد سميت هذه الحالة بالازدواج الـضريبي كونها الحالة الغالبة، إذ يغلب أن تتحدد الضريبة مرتين.
وعليه فإن الازدواج الضريبي يحصل عندما تفرض أكثر من ضريبة واحدة من نوع واحد على مصدر واحد للدخل في فترة زمنية معينة، لذا فإن لا ازدواج إذا تعددت مصادر الدخل وفرضت عليها أنـواع مختلفة من الضرائب [12]
رغم تعدد التعاريف التي أعطيت للازدواج الضريبي،إلا أنه يشترط في كل منها توافر الأركان الآتية مجتمعة:
أولا: وحدة الشخص المكلف بالضريبة:
أي يخضع نفس المكلف بالضريبة لأدائها مرتين أو أكثر[13] وبالرغم من أن الأمر يبدو بسيطا بالنسبة للشخص الطبيعي ،إلا أن الآراء قد تختلف في تكييف الازدواج الضريبي من عدمه بالنسبة للأشخاص المعنويين (الشركات)الذين يتميزون بشخصية قانونية ومالية مستقلة عن شخصية الشركاء (كشركة المساهمة مثلا)،ففي حالة فرض الضريبة على إحدى هذه الشركات باعتبارها شخصا معنويا منفصلا عن شخصية مساهميها ثم فرضت الضريبة على توزيعات هذه الشركة لمساهميها ،لا تتوفر ظاهرة الازدواج الضريبي من الناحية القانونية رغم وحدة المال الخاضع للضريبة وهو ربح الشركة .وفي الوقت نفسه يتحقق الازدواج الضريبي من الناحية الاقتصادية نظرا لتحمل المساهمين عبء الضريبتين عند تحقيق الربح وعند توزيعه[14]
ثانيا:وحدة الضريبة أو الضرائب المفروضة :
وحدة الضريبة المفروضة : أي أن تكون الضريبة التي تفرض على المكلف في المرة الأولى هي الضريبة نفسها التي تفرض على المكلف في المرة الثانية ، و هذا يعني أن المكلف يدفع أكثر من ضريبة على مطرح أو وعاء المال نفسه الخاضع للضريبة ، على الرغم من أن الواقعة المنشئة للضريبة هي نفسها و تحققت لمرة واحدة فقط ، أما إذا تحققت تلك الواقعة أكثر من مرة و تكرر تبعا لذلك فرض الضريبة على المكلف أكثر من مرة أيضا فإن الأمر لن يتعلق بازدواج ضريبي و إنما تسمى هذه الظاهرة بتكرار الضريبة ، و مثال ذلك الضرائب الجمركية فهي تفرض عند عبور البضاعة حدود الدولة الواحدة ، فإذا عبرت البضاعة نفسها حدود ثلاث أو أربع دول فرضت عليها الضريبة الجمركية في كل دولة، وبالتالي لا يمكن القول أننا في حالة ازدواج ضريبي على الرغم من وحدة الوعاء الضريبي ووحدة الضريبة نفسها كون الواقعة المنشئة للضريبة تكررت عند عبور السلعة لإقليم كل دولة
ونظرا لصعوبة تحديد الضرائب المتشابهة أو الضرائب من نفس النوع فقد لجأت الاتفاقيات الدولية الخاصة بتجنب الازدواج الضريبي إلى تحديد الضرائب التي تعد من نوع واحد ، كما يجب الإشارة إلى كون أن تحديد الضرائب المتشابهة يخضع لوجهتي نظر ، وجهة نظر قانونية و وجهة نظر اقتصادية،
فوجهة النظر القانونية تأخذ بالتنظيم الفني و القانوني للضريبة ، فالضرائب المختلفة في تنظيمها الفني و القانوني لا تعتبر متشابهة و بالتالي فهي لا تحقق الازدواج الضريبي ، أما وجهة النظر الاقتصادية فتأخذ بالنتيجة النهائية أي بالعبء الضريبي الذي يكون على نفس المادة الخاضعة للضريبة[15].
ثالثا: وحدة المادة الخاضعة للضريبة :
يقصد بوحدة المادة الخاضعة للضريبة في حالة الازدواج الضريبي أن يكون المال الخاضع للضريبة هو نفسه في الضريبتين ،ومن تم فاختلاف المال الخاضع للضريبة يؤدي إلى انتفاء الازدواج الضريبي ،فلو فرضنا أن المكلف دفع الضريبة من دخله إلى سلطة مركزية ،وفي نفس الوقت قام بدفع الضريبة على الدخل نفسه إلى هيئة محلية ،ففي هذه الحالة نكون أمام الازدواج الضريبي .أما لو قام المكلف بدفع ضريبة عن عقار يملكه ومرة أخرى عن دخله من نشاط تجاري ،ومرة أخرى عن دخله أو أجرته كموظف فهنا تكون المادة الخاضعة للضريبة مختلفة وبالتالي لا يتحقق الازدواج الضريبي[16]
رابعا: وحدة المدة المفروض عنها الضريبة
لتحقق الازدواج الضريبي يجب أن تكون المدة التي تدفع عنها الضريبة واحدة،يعني في نفس السنة أو نفس الدورة الضريبية ،أما مثلا إذا قام شخص بنشاط تجاري في دولة معينة خلال سنة معينة وسدد الضريبة على الأرباح على تلك السنة لتلك الدولة ، ثم انتقل في السنة الموالية إلى دولة أخرى فلا يمكن الحديث في هذه الحالة عن الازدواج الضريبي[17]
الفقرة الثانية :أنواع الازدواج الضريبي
نميز في الازدواج الضريبي من حيث المكان بين ازدواج داخلي وازدواج دولي، ومن حيث القصد إلى ازدواج مقصود وازدواج غير مقصود ومن حيث معيار طبيعة الازدواج إلى ازدواج ضريبي قانوني وآخر اقتصادي
أولا: من حيث المكان:
-1الازدواج الضريبي الداخلي : يتحقق الازدواج الضريبي داخليا عندما تتوافر عناصره داخل الحدود الإقليمية للدولة ،و هذا إذا كانت السلطات المالية التي تفرض الضرائب على الوعاء تابعة لدولة واحدة ، أو بعبارة أخرى فإن الازدواج الضريبي الداخلي هو ذلك الازدواج الذي يتحقق داخل إقليم الدولة الجغرافي والسياسي و ذلك بتطبيق كل من السلطات المالية التابعة لهذه الدولة ضريبة واحدة على نفس الشخص و على نفس الوعاء ، و عن نفس المدة الزمنية .
و يظهر هذا الازدواج بشكل واضح في الدول الاتحادية ، حيث توجد سلطة الاتحاد و سلطة الدول الداخلة في الاتحاد ، إذ تقوم الحكومة الفدرالية بفرض ضريبة من الضرائب ، و تقوم إحدى الولايات بفرض الضريبة نفسها على المال نفسه العائد لشخص مقيم فيها[18] .
2-الازدواج الضريبي الدولي: يحدث نتيجة تطبيق الدول تشريعاتها الضريبية المختلفة[19]-التي قد تتعـدىنطاق إقليمها – وفقاً لما تقتضيه مصالحها الوطنية إلى ظهور الازدواج الضريبي الدولي بما ينطـوي عليه من زيادة العبء الضريبي نتيجة عدد مرات إخضاع الدخل أو المال للضرائب ، ومن الحد مـن الميزات المالية التي تسعى الدول في تحقيقها من وراء تشجيع الاستثمارات الدولية وتدعيم علاقاتها الاقتصادية التجارية ، وذلك عندما تقوم دولتان أو اكثر بفرض الضريبة نفسها على الوعاء نفـسه ، وتكلف بها الشخص نفسه نتيجة لاختلاف الأسس التي تعتمد عليها الـدول المختلفـة فـي فـرض الضريبة الواحدة.
ومثال ذلك، قد يقيم شخص في الأردن ويمتلك أسهماً وسندات في مصر، فتقوم الإدارة الماليـة فـي الأردن بفرض الضريبة على هذه الأسهم والسندات بصفتها دولـة المـوطن ) التبعيـة الاجتماعية والسياسية(، وكذلك تقوم مصر بصفتها دولة مصدر الدخل ) التبعية الاقتصادية ( بفـرض الـضريبة على الأسهم والسندات نفسها . وهكذا يتحقق الازدواج الضريبي، ويظهر جلياً في الشركات المتعـددة الجنسيات التي يمتد نشاطها إلى أكثر من دولة[20].
ثانيا:حسب معيار قصد المشرع:
1-الازدواج الضريبي المقصود : و هو الازدواج الضريبي الذي تتجه نية المشرع لإحداثه ، و ذلك عندما تعمد السلطة الضريبية لفرض أكثر من ضريبة على نفس الوعاء ، من أجل زيادة الحصيلة الضريبية لمواجهة الزيادة المستمرة في الإنفاق أو زيادة عدالة توزيع العبء الضريبي بين المكلفين . و تلجأ الدولة عادة إلى هذا النوع من الازدواج في النطاق الداخلي لتحقيق أغراض مالية و اقتصادية و اجتماعية ، أو لتأمين إيرادات الوحدات الإدارية المحلية .1
و عليه فإن الازدواج الداخلي يكون ازدواجا مقصودا و له أهداف معينة تتمثل في الحد من ارتفاع الدخول و زيادة إيرادات الدولة مثلا[21] .
2-الازدواج الضريبي غير المقصود:
يقصد بالازدواج الضريبي غير المقصود ذلك الازدواج الذي يحصل من غير قصد من المشرع) أي هو الازدواج الذي لا تتبعه نية المشرع لإحداثه ، وقد يكون سببه أما اختلاف الأسـس التـي بقـوم عليها التشريعات الضريبية في الدول المختلفة، وإما نتيجة ممارسات هيئات مختلفة لـسلطاتها فـي فرض الضرائب على الإقليم نفسه ، كما يحدث في الدول الاتحادية.وفـي معظـم الأحيـان يكـون الازدواج الدولي غير المقصود، ويحدث نتيجة اتجاه كل دولة إلى تنظيم تشريعاتها الضريبية بالشكل الذي يحقق مصالحها، وهذا الأمر يترتب عليه ازدواج دولي، وفي بعض الأحيان يحدث الازدواج رغم وجود تشابه الأسس التي تقوم عليها النظم الضريبية لمجموعة من الدول. وقد يكون الازدواج الدولي مقصوداً في بعض الحالات ، وذلك تحقيقا لبعض الأغراض الاقتـصادية والسياسية، منها:
1-الحد من توظيف رؤوس الأموال الوظيفية في الخارج من خلال فرض ضريبة على إيراد رؤوس الأموال المستثمرة في الخارج لمنع خروجها وتشجيع استثمارها في داخل الدولة.
2-الحد من استيراد رؤوس الأموال الأجنبية ، وذلك للحيلولة دون استثمار تلك الأموال الأجنبية في مشاريع قد ترى الحكومة أنه يتعين تمويلها برؤوس أموال وطنية.
3-تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في فرض الضرائب على رعايا الدولة الأجنبية[22]
ثالثا:حسب معيار طبيعة الازدواج :
1-الازدواج الضريبي القانوني : يتحقق هذا الازدواج عندما تقوم الهيئات الجبائية داخل الدولة ، أو لدولتين أو أكثر بفرض ضريبة من طبيعة واحدة على نفس المكلف سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا بخصوص نفس الفترة الزمنية ، حيث يعتبر هذا المكلف إما مقيما في كلتا الدولتين و هنا يكون من حق الدولتين أن تفرض ضريبة عليه فيتعرض للازدواج الضريبي ، أو انه مقيم في دولة و يمارس نشاطه في دولة لأخرى ، فيتعرض للازدواج الضريبي أيضا من طرف الدولتين ، دولة الموطن و دولة المصدر .
2-الازدواج الضريبي الاقتصادي : ينتج الازدواج الضريبي الاقتصادي في حالة ما إذا تعرض شخصين,مختلفين لفرض الضريبة من طبيعة واحدة بخصوص نفس الدخل أو المادة الخاضعة للضريبة ، و هذا خلال نفس الفترة الزمنية ، و يمكن ملاحظة ذلك في العلاقات التي تربط الشركة الأم و فروعها الوليدة ، فيما يتعلق بالضريبة أو أرباح الشركات ، فقد يكون لمؤسسة ما شركات وليدة في دول لأخرى ، فتقوم الدولة الموجود فيها كل شركة وليدة بفرض ضريبة على أرباح هذا الفرع ،و في نفس الوقت تقوم الدولة الموجود فيها المركز الرئيسي لهذه المؤسسة بفرض الضريبة نفسها على مجموع أرباح هذه الأخيرة ، فمن الناحية القانونية لا يتحقق الازدواج الضريبي لانفصال شخصية الشركة الأم عن شخصية الشركة الوليدة أو الفرع، أما من الناحية الاقتصادية فإن الازدواج الضريبي يتحقق لأن مطرح الضريبة أو مصدرها واحد[23].
المطلب الثاني:أسباب حدوث الازدواج الضريبي وآثاره:
يصعب على الباحث في العلوم المالية جرد كل الأسباب الكامنة وراء حدوث حالات الازدواج الضريبي، ولا حتى التدقيق في آثاره السلبية ،إلا أننا سنحاول رصد بعض أسبابه( الفقرة الأولى) ثم ننتقل إلى توضيح بعض آثاره ( الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى :الأسباب الكامنة وراء حدوث الازدواج الضريبي:
ونميز بين الازدواج الداخلي الذي يحدث نتيجة تعدد السلطات المالية أو الضريبية داخل حدود الدولة ،فإن كانت الدولة موحدة فإنه قد تعطي السلطة المركزية الحق بفرض ضريبة معينة ،ثم يعطى حق فرض الضريبة ذاتها من قبل سلطة محلية على الشخص نفسه وعن الوعاء ذاته وعن المدة ذاتها .أما إذا كانت الدولة مركبة(اتحادية) فقد تقوم السلطة الاتحادية بفرض ضريبة معينة ،ثم تقوم سلطة إحدى دول الاتحاد بفرض الضريبة ذاتها على المكلف ذاته.
الأمر الثاني :حدوث الازدواج بسبب طبيعة النظام الضريبي القائم ،فقد تفرض السلطات في دولة ما ضريبة عامة على الدخل ،علما أنها تفرض في الوقت ذاته ضرائب نوعية على فروع الدخل ،وفي ذلك ازدواج ضريبي كامل الشروط
ومثال ذلك أن تفرض السلطات في سورية ضريبة التركات على تركة المتوفى بكاملها قبل توزيعها،صم تعود وتفرض ضريبة التركات على الحصص الارثية التي آلت إلى ورثته[24]
والازدواج الضريبي الخارجي /الدولي الذي يحدث بعدة أسباب، من أهمها:
1-اختلاف ضوابط الإخضاع الضريبي: تتمثل ضوابط الإخضاع الضريبي في المعايير التي تستند إليها الدول عند تحديدها لمجال اختصاصها الضريبي، و هي:
أ ضابط الجنسيـة: و يتحقق عند إتباع الدول لمبدأ التبعية السياسية و التي تنطوي على إقرار حق الدولة في فرض الضرائب على جميع رعاياها ) كل من يحمل جنسيتها ( بصرف النظر عن موطن إقامتهم، و بالنسبة لجميع مداخيلهم بصرف النظر عن مصدرها.
ب- ضابط الإقامــة: هو تحقق باستناد الدول إلى مبدأ التبعية الاجتماعية حيث يقر هذا المبدأ حق الدولة في فرض الضرائب على جميع المداخيل التي تؤول إلى الأشخاص الذين اتخذوامن الدولة موطنا لهم بصرف النظر عن مصدر هذه المداخيل.
و يمكن استخدام مصطلح موطن التكليف للدلالة على مكان إقامة المكلف.
إن الاستناد إلى هذا الضابط في تحديد الاختصاص الضريبي للدولة، يؤدي إلى فرضها للضرائب على الدخل الإجمالي للمقيمين فيها، حتى و إن كانوا لا يملكون جنسيتها، بما في ذلك مداخيلهم المحققة خارج إقليمها، كما يعتبر لدولة الإقامة الحق في إخضاع أرباح الشركات التي يوجد بها مقر إدارتها و أينما كان موقع ممارسة النشاط .
ج- ضابط المصــدر: و يتمثل في تبني الدولة لمبدأ التبعية الإقتصادية و ينطوي هذا المبدأ على إقرار حق الدولة في فرض الضريبة على جميع المداخيل التي تنشأ داخل إقليمها بصرف النظر عن جنسية أو موطن إقامة الأشخاص الذين تؤول إليهم.
و لقد كانت التبعية السياسية الضابط الوحيد الذي ترتكز عليه الدول في فرض الضريبة، نتيجة للصلة التي تربط الفرد بالدولة، و اعتبارها صلة سياسية، مظهرها الجنسية) (1لكن قد تضاءلت أهمية هذا الضابط في تحديد الاختصاص الضريبي للدول، لاحتلال الصدارة من طرف ضابط الإقامة، و ضابط المصدر.[25]
2تعدد ضوابط الإخضاع الضريبي:
قد ينشأ الازدواج الضريبي في حالة تعدد ضوابط الإخضاع الضريبي التي تقررها دولتـان أو اكثـر بقصد تحقيق اكبر حصيلة ممكنة/ وعلى سبيل المثال ، تفرض ضريبة الدخل في كـل دولـة علـى المقيمة بالنسبة لمجموع دخولهم بغض النظر عن مصدرها،وعلى غير المقيمين بالنسبة لـدخولهم التي تحقق في أقاليم الدولة،وعلى الرغم من تطابق ضـوابط الإخـضاع الـضريبي ينـشأ الازدواج
الضريبي بالنسبة إلى لبعض عناصر الدخل التي تتحقق في غير الدولة نتيجة خضوعها فـي الوقـت نفسه لكل من ضريبة دولة الموطن وضريبة دولة المصدر بالنسبة للـشخص المقـيم فـي أي مـن الدولتين.[26]
3-اختلاف التنظيم الفني للضرائب : إن تباين أسس التنظيم الفني للضرائب بين الدول يشكل سببا هاما لبروز ظاهرة الازدواج الضريبي الدولي ، و يظهر ذلك بحكم أن بعض تأخذ بالنظام الشخصي الكلي في تأسيس ضرائب الدخل )الضريبة العامة على الدخل أو الضريبة على الدخل الإجمالي( و بعض الدول بالنظام النوعي )الضريبة على الأرباح الصناعية و التجارية ، الضريبة على المداخيل الفلاحية ، الضريبة على المداخيل العقارية …( ، و تأخذ بعض الدول بنظام خاص مركب من النظامين السابقين ، و هذا التباين بين الدول يولد ازدواجا ضريبيا حيث يخضع الوعاء الواحد إلى ضريبة نوعية في بلد المصدر ، و كضريبة عامة في بلد الموطن[27]
4-اختلاف تفسير الاصطلاحات الفنية في المجال الضريبي: و لعل من أبرز الأمثلة على ذلك هوتباين التشريعات الضريبية للدول المختلفة حول مفاهيم مثل الإقامة، حيث يمكن أن تستند بعضالدول لتحديدها إلى امتلاك الشخص لمسكن داخل أراضيها، و أن يقيم فيه بصفة دائمة، و قد يستند البعض الآخر إلى فكرة أخرى غير المسكن الدائم ، و يترتب على هذا التباين في مدلول و تفسير الاصطلاحات ، إمكانية حدوث ازدواج ضريبي ، بالنسبة لنفس الوعاء الضريبة ينظر إليه من وجهتي نظر مختلفتين كما يعود أيضا انتشار الازدواج الضريبي الدولي إلى الأسباب التالية:
– سهولة انتقال رؤوس الأموال و اليد العاملة بين الدول المختلفة.
– انتشار المشروعات الاقتصادية التي تمارس نشاطها في أكثر من دولة ، و انتشار شركات المساهمة التي يتم التعامل في ما تصدره من أسهم و سندات في مختلف الدول.
– اتساع الأخذ بالضرائب الشخصية التي تلاحق المكلف بالضريبة للوصول إلى فرض الضريبة على دخله كله، أيا كان مصدره،بما في ذلك الدخل المتأتي من الخارج[28]
الفقرة الثانية :الآثار المترتبة عن واقعة الازدواج الضريبي
ينتج عن الازدواج الضريبي بعض الآثار السلبية التي تضر بمصلحة اقتصاد الدولة أو بالعدالة الضريبية بين الأفراد ، و تتجلى هذه الآثار في النواحي الاجتماعية والاقتصادية و المالية.
أولا- الآثار الاجتماعية : ينال الازدواج الضريبي من العدالة الضريبية التي تعتبر أحد الأركان الأساسية في الضريبة و يكون ذلك بتحميل المكلف أكثر من طاقته ، و يجعل المساواة في التضحية شعارا نظريا[29].
ثانيا:الآثار الاقتصادية : يؤدي الازدواج الضريبي إلى عرقلة النشاط الاقتصادي وتقليل حـوافز الأفراد على الرغبة في العمل والإنتاج ، كما انه سيؤدي إلـى عرقلـة انتقـال رؤوس الأمـوال والأيدي العاملة والمبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية الدولية مما يضر بمـصالح كـل مـن البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. فالبلدان المتقدمة لن توظف مـدخراتها الوطنيـة فـي الاستثمارات خارجية ، والبلدان النامية لن تستطيع الحصول على الأموال اللازمة والـضرورية لتمويل مشاريعها للقيام بعملية التنمية[30].
ثالثا- الآثار المالية : تتمثل ظاهرة الازدواج الضريبي في فرض ضريبتين أو أكثر من النوع نفسه على الوعاء نفسه ، فذلك يؤدي من الناحية العملية إلى تكرار إجراءات تحقق و تحصيل الضريبة مما يدفع بالعديد من المكلفين إلى التهرب من الضريبة ،و بالتالي فإن ذلك يؤثر بصفة سلبية على الحصيلة الضريبية المتوقعة ، و لهذا يمكن القول بأن الازدواج الضريبي سواء أكان داخليا أو خارجيا )دوليا( مقصود أو غير مقصود تنتج عنه آثار عديدة يمكن تجنبها ، فبالنسبة للازدواج الضريبي الداخلي فإنه يعتبر عائقا للاستثمارات التي تخضع الإيرادات المحققة عنها لأكثر من ضريبة ، أم الازدواج الضريبي الدولي فإنه يعرقل حركة التجارة و حرية انتقال رؤوس الأموال من دولة لأخرى.
وإذا كان الازدواج الضريبي الداخلي يمكن معالجته عن طريق التشريع الداخلي للدولة ، فإن تجنـب الازدواج الضريبي الدولي لا يتحقق إلا بإبرام اتفاقيات[31] لتجنب الازدواج الضريبي الدولي.
لذا ، فإن الدول قد تنبهت على معالجة مسألة الازدواج الضريبي في ظل اقتصاد عالمي أصبح العـالم فيه قرية صغيرة،لما للضرائب من أهمية في التأثير في عمليـة الاسـتثمار ، والتبـادل التجـاري والإقليمي والدولي . لذلك ونظراً لخطورة هذه الظاهرة عمد العديد من الفقهاء إلى دراسة الأسـاليب التي يمكن بواسطتها تجنب الازدواج الضريبي على الصعيدين الدولي والداخلي، وهو ما سيتم بحثـه في المبحث الثاني
المبحث الثاني: طرق تجنب الازدواج الضريبي:
تعتبر الاتفاقيات الجبائية بين الدول بمثابة مواثيق دبلوماسية Traités diplomatiquesذات طبيعة خاصة إذ أنها وثائق تقنية ومفصلة ،تسعى إلى تفادي كل حالات الازدواج الضريبي بين الدول،كما أن التفاوض بشأنها لا يتم من طرف دبلوماسيين بل من طرف أطر تقنية تابعة للإدارة الضريبية نظرا لطابعها التقني[32]
ولقد اقترحت أولى الاتفاقيات الجبائية النموذجية لكل من منظمة التعاون و التنمية الاقتـصادية و هيئة الأمم المتحدة، أربع طرق لمعالجة الازدواج الضريبي الدولي[33]، و التي يمكن إيجازها فيمـا يلي:
طريقة أو تقنية الإعفاء Exonération تقتضي أن تتنازل دولة لأخرى عن سلطة التضريب وحدها ،ويمكن أن تكون دولة المنبعEtat de source أو دولة الإقامة Etat de résidence
طريقة الخصم: و تتمثل هذه الطريقة في خصم دولة إقامة المكلف من الضريبة المـستحقة الدفع بها، على دخله) أو ثروته(، مبلغ الضريبة المدفوع في الدولة المصدر الدخل بالنسبة للدخل الذي تحقق بها أو تلك الثروة.
طريقة اقتسام الإيراد: و تتمثل هذه الطريقة في فرض الضريبة من طرف إحدى الـدولتين المتعاقدتين، و وفقا لما تحدده الاتفاقية الجبائية المبرمة بينهما، على أن تقوم هـذه الدولـة بتحويل جزء من الضريبة التي حصلتها إلى الدولة المتعاقدة الأخرى.
طريقة توزيع المادة الخاضعة للضريبة: و تقتضي هذه الطريقـة، بـأن تقـوم الـدولتين المتعاقدتين بفرض الضريبة بالتناوب على المكلف، حسب فئة الدخل المحقـق ، بموجـب اتفاقية جبائية بينهما، كأن تختص إحدى الدولتين في فرض الضريبة أرباح الأسـهم ، و أن تختص الدولة المتعاقدة الأخرى في فرض الضريبة على فئة المعاشات[34].
وسنكتفي برصد الطريقتين الأولى والثانية فقط، أي طريقة الإعفاء ( المطلب الأول) وتقنية الخصم في مطلب ثاني على النحو الآتي:
المطلب الأول: طريقة الإعفاء Méthode de l’exonération
و تقتضي طريقة الإعفاء بأن تتنازل إحدى الدولتين المتعاقدتين عن حقها في فرض الضريبة على الدخل الذي يحققه المكلف في الدولة المتعاقدة الأخرى، و يمكن أن تكون تلك الدولة دولـة إقامة المكلف أو دولة مصدر الدخل.ولقد اعتمدت لجنة الشؤون الجبائية التابعة لمنظمة التعاون و التنمية الاقتصادية هذه الطريقة في اتفاقيتها النموذجية من خلال المادة 23حيث اقترحت بأن يمنح الإعفاء من طرف دولة إقامة المكلف[35].
وعليه سنخصص الفقرة الأولى لأنواع الإعفاء في حين نترك الفقرة الثانية لتقييمها.
الفقرة الأولى : أنواع الإعفاء الضريبي:
يوجد نوعان من و يوجد نوعان من الإعفاء: إعفاء كامل، و إعفاء تصاعدي أو بمعدل حقيقي
أولا: طريقة الإعفاء الكامل Méthode de l’exonération intégrale :
يتم بمقتضى هذه الطريقة تخلي إحدى الدولتين المتعاقدتين عن حقها في فرض الضريبة على الدخل الذي يحققه المكلف في الدولة المتعاقدة الأخرى،و عدم أخذها بعين الاعتبار لهذا الدخل على الإطلاق عند حساب الضريبة المستحقة بها على المداخيل غير المعفاة. ففي هذه الحالة دولة الإقامة لا تعير أي اهتمام للدخل من مصدر أجنبي فحسب ، بل تذهب أكثر من ذلك أنها لا تأخذ بعين الاعتبار وجوده في الحساب الضريبي للمداخيل[36]
و من أجل توضيح كيفية تطبيق هذه الطريقة و أثرها على العبء الضريبي للمكلف سنتطرق إلى الحالة التي يمنح فيها الإعفاء من طرف دولة المنبع و الحالة الثانية التي يمنح فيها هذا الإعفاء من طرف دولة الإقامة. وذلك برصد المثال الآتي: نفرض أن ملزما يملك دخلا إجماليا يقدر ب2000 درهم منه 1200 درهم من مصدر داخلي ( دولة الإقامة) ومصدر خارجي 800 درهم ( دولة المنبع)
نسبة الضريبة من دولة الإقامة 30% المفروضة على دخل 1200 درهم، في حين تفرض 35% على 2000 درهم في دولة المنبع.
الإعفاء الكلي :
الضريبة في دولة الإقامة :
(1200 dh × 30%) =360dh
الضريبة في دولة المنبع:
(800dh ×35%) = 280 dh
مجموع الضريبة = 640 درهم
ثانيا: طريقة الإعفاء التصاعدي الإعفاء بمعدل حقيقي
Méthode de l’exonération avec progressivité
وفقا لهذه الطريقة، فإن دولة إقامة المكلف لا تفرض الضريبة على مداخيلها التي تدخل ضمن الاختصاص الضريبي لدولة المصدر، إلا أنها تأخذها في الحسبان من أجل تحديد معدل الضريبة الذي يطبق على المداخيل غير المعفاة و غالبا ما تلجأ دولة إقامة المكلف إلى تطبيق طريقة الإعفاء التصاعدي عندما يعود الحق في فرض الضريبة إلى الدولة مصدر الدخل، بموجب اتفاقية جبائية مبرمة بين هاتين الدولتين.
وباستعمال نفس معطيات المثال السابق نجد:
الضريبة في دولة الإقامة :
(1200dh ×35%) = 420
الضريبة في دولة المنبع:
800dh × 35 = 280 dh
مجموع الضريبة = 280dh ×420 dh =700 dh
الفقرة الثانية: تقييم طريقة الإعفاء
إن طريقة الإعفاء هي أول طريقة تتبادر إلى أذهاننا عندما يتعلق الأمر بمعالجـة مشكلة الازدواج الضريبي، و لكن تطبيقها يتطلب تخلي إحدى الدولتين المتعاقدتين عن حقهـا في فرض الضريبة على مداخيل تدخل ضمن نطاق اختصاصها الضريبي بموجب قانونها الداخلي، و هذا الحق تعتبره مظهرا من مظاهر سيادتها،مما يجعل هذه الطريقة أقل استخداما من أسلوب الخصم،و خاصة طريقة الخصم الكامل و تظهر جليا مزايا هذه الطريقة من خلال ما يعرف بالمؤسسة القارة في دولة المنبع التي تتميز بخاصية هامة تتجلى في الاستقلالية .ومن العدالة الجبائية نجد بعض الفقه[37] يدعوا إلى طريقة للإعفاء التصاعدي بحكم أن هذه الطريقة تأخذ بعين الاعتبار قدرات الملزم على إمكانية دفع الضريبة وليس على أساس مصدر الدخل و فيما يلي عرض لأهم مزايا و عيوب طريقة الإعفاء[38].
تقييم طريقة الإعفاء الكامل: -1
لطريقة الإعفاء الكامل مجموعة من المزايا و العيوب
مزايا طريقة الإعفاء الكامل: تتميز بما يلي*
.بساطة الطريقة و سهولة التطبيق –
القضاء على مشكلة الازدواج الضريبي –
في حال منح الإعفاء الكامل من طرف دولة الإقامة، فإن ذلك يشجع المؤسسات التابعة لها على توسيع استثماراتها في الخارج.
في حالة منح الإعفاء الكامل من طرف دولة المصدر، فإن ذلك يساهم في جذبها لرؤوس الأموال الأجنبية.
*عيوب طريقة الإعفاء الكامل: و تعاني من العيوب التالية:
– تتطلب تضحية إحدى الدولتين المتعاقدتين عن جزء من مواردها الضريبية، و تخليها عن حقها في فرض الضريبة، مما يجعل أغلبية الدول لا تفضل استخدامها، إلا في بعض الحالات.
– تشجيع انتشار ظاهرة التهرب الضريبي إلى الدول التي تمنح مثل هذه الإعفاءات.
– يؤدي منح الإعفاء الكامل من طرف دولة الإقامة، إلى إعراض المستثمر عن إعادة استثماره لعوائده في الدولة المصدر، ما دامت هذه العوائد لن تخضع للضريبة عند تحويلها إلى دولة إقامته[39].
-2تقييم طريقة الإعفاء التصاعدي
*مزايا طريقة الإعفاء التصاعدي: من أهم مميزاتها ما يلي:
ـ تعتبر هذه الطريقة أكثر تقبلا من قبل الدول من طريقة الإعفاء الكامل، لأنها تسمح لدولة الإقامة، بالأخذ بعين الاعتبار المداخيل المعفاة، لتحديد معدل الضريبة الحقيقي.
– تخفف من العبء الضريبي الذي يتحمله المكلف.
في حالة تكبد المكلف لخسائر في دولة المصدر، تؤدي هذه الطريقة إلى تخفيض معدل الضريبة المطبق على المداخيل غير المعفاة في دولة الإقامة.
*عيوب طريقة الإعفاء التصاعدي: نذكر من بينها:
ـ صعوبة التطبيق بسبب تعقدها.
– لا يمكن تطبيق هذه الطريقة إلا إذا كانت دولة الإقامة تفرض الضريبة وفقا لسلم تصاعدي.
– تتطلب تخلي إحدى الدولتين عن حقها في فرض الضريبة على الدخل و إعفائه، ما يعني التضحية بجزء من إيراداتها الضريبية.
المطلب الثاني: طريقة الخصم
و بمقتضى هذه الطريقة، تخصم دولة الإقامة جميع الضرائب التي يتحملها المكلف عن الدخول الناتجة من مصادر أجنبية، من قيمة الضريبة التي تطالبه بها و لقد اعتمدت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية و هيئة الأمم المتحدة في اتفاقيتيهما النموذجيتين طريقة الخصم في المادة 23 لكل منهما[40].
في طريقة الخصم يمكن القول أن إحدى الدول من الدولتين المتعاقدتين إبان استخلاص الدين الضريبي على نفس الملزم وعلى نفس الأساس الضريبي في الدولة الأخرى.
والخصم يمنح للملزم من طرف دولة الإقامة، حيث يؤخذ بعين الاعتبار الحساب الضريبي لاستنزال مبلغ الضريبة المؤدى في دولة المنبع الإجمالي الواجب أداؤه في دولة الإقامة[41].
ويختلف الخصم عن الإعفاء ، فإذا كان هذا الأخير ينصب على دخل الملزم بالضريبة فإن الخصم يأخذ بعين الاعتبار الضرائب المؤداة في الدولة الأخرى من أجل الاستفادة بالإسقاط الضريبي في دولة الإقامة.
الفقرة الأولى: أنواع الخصم
بصفة عامة تطبق الدول ثلاثة أنواع من الخصم: خصم كامل، و خصم جزئي، و خصم بقرض ضريبي وهمي.
أولا: طريقة الخصم الكامل
عندما تمنح دولة الإقامة إسقاطا جبائيا مرتبطا بالمبلغ الكلي للضرائب المدفوعة في دولة المنبع على نفس الأساس الضريبي حتى ولو أن المبلغ الضريبي المدفوع يمثل أعلى من الضريبة التي سوف تأخذ من أجزاء هذا الدخل في دولة المنبع، في هذه الطريقة الملزم الذي يتوفر على بعض أجزاء الدخل خارج دولة الإقامة يدفع ضريبة أقل مقارنة مع ملزم آخر له نفس الدخل ولكن كله من مصدر داخلي[42]
ولفهم هذه الطريقة نورد المثال التالي:
لنفترض أن الملزم يملك دخلا إجماليا 2000 درهم منه 1200 درهم بمصدر داخلي( دولة الإقامة) و800 درهم من مصدر خارجي( دولة المنبع)،نسبة الضريبة في دولة الإقامة 30% وفي دولة المنبع40% ، فالنتيجة ستتغير بحسب ما إذا كانت دولة الإقامة تأخذ بالخصم الكلي أو الجزئي .
الخصم الكلي:
الضريبة في دولة الإقامة (2000dh×30%)=600dh. :
الضريبة في دولة المنبع:800dh ×40% =320dh
الخصم الممنوح من طرف دولة الإقامة = مبلغ الضريبة المؤداة في دولة المنبع
إذن 320 درهم هي الضريبة المفروضة في دولة الإقامة:
600-320=280
280+320=600dh
ثانيا: طريقة الخصم الجزئي l’imputation partielle
وفقا لهذه الطريقة، فإن القرض الضريبي الذي تمنحه دولة الإقامة لا يمكن أن يتجاوز مقدار الضريبة المستحقة فيها على الدخل المحقق في دولة المصدر بمعنى أنه بمقتضى هذه الطريقة، تضع دولة الإقامة سقفا للقرض الضريبي الذي تمنحه للمكلف، و الذي يحسب بالنسبة للأساس الضريبي المحقق في دولة المصدر، لكن حسب معدل الضريبة المطبق في دولة الإقامة.
وباستعمال نفس معطيات المثال السابق نجد:
الضريبة في دولة الإقامة :
200×30%=600dh
الضريبة في دولة المنبع:
800×40%=320dh
يحدد الخصم الممنوح في دولة الإقامة في مبلغ الضريبة المؤداة في دولة الإقامة، بصدد دخل دولة المنبع:
1200-360=840 dh
مجموع الضريبة:
840+320=1160 dh
ثالثا : خصم قرض ضريبي وهمي:[43]
تعتمد هذه الطريقة في إطار الاتفاقيات الجبائية المبرمة بين الدول المتقدمة و الدول النامية، و تقوم على منح المكلف بالضريبة من طرف دولة إقامته خصما ضريبيا حتى و إن لم يتحمل أية ضريبة في الدولة المصدر، أو أن يكون مبلغ ذلك الخصم أكبر من مبلغ الضريبة الذي دفعه المكلف فعلا في الدولة المصدر.
و يسمح هذا الأسلوب بالمحافظة على التحفيزات الجبائية التي عادة ما تمنحها الدول النامية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية و تشجيع الاستثمار الأجنبي فإذا قامت إحدى هذه الدول بإعفاء الدخول التي يحققها مستثمر أجنبي داخل إقليمها من دفع الضريبة بها، و كانت دولة إقامته تمنح خصما ضريبيا للدخول التي مصدرها دول أخرى،فإن الإعفاء الممنوح في الدولة النامية لن يكون له أثر تحفيزي لأن هذا المستثمر لن يستفيد بالمقابل من الخصم الضريبي الذي تمنحه دولة إقامته لكونه لم يتحمل أية ضريبة في الدولة الأولى)الدولة النامية(.
الفقرة الثانية: تقييم طريقة الخصم
تعتبر طريقة الخصم أكثر استخداما من طريقة الإعفاء، نظرا لاتصافها بالعقلانية، و فيما يلي تقييم لمختلف أنواع الخصم.
-1تقييم طريقة الخصم الكامل:
إن لطريقة الخصم الكامل مجموعة من المزايا و العيوب و التي نوجز بعضها في:
*مزايا طريقة الخصم الكامل: و يتمثل أهمها في المزايا التالية:
ـ تتميز بسهولة التطبيق و بساطة في المبدأ.
يؤدي الخصم الكامل إلى القضاء على مشكلة الازدواج الضريبي.
– تسمح للدولتين المتعاقدتين بالحفاظ على حق كل منهما في فرض الضريبة.
*عيوب طريقة الخصم الكامل: و نذكر من بين عيوبها أنها:
– تؤدي إلى تخلي دولة الإقامة عن جزء من مداخيلها الضريبة.
قد تؤدي هذه الطريقة إلى استنفاذ كامل مبلغ الضريبة المستحقة الدفع في دولة الإقامة بسبب ارتفاع معدلات الضريبة في دولة المصدر، و قد يفسر على أنه خضوع دولة للقانون الضريبي لدولة أخرى، و تبعيتها لها، مما يجعل العديد من الدول ترفض تطبيق خصم كامل للضريبة الأجنبية.
قد تؤدي هذه الطريقة إلى عدم المساواة في دولة الإقامة بين المواطنين الذين يمارسون أنشطة في الخارج، و المواطنين الذين تكون أنشطتهم محلية فقط، بسبب استفادة الفئة الأولى من الأشخاص من خصم قد يؤدي إلى استنفاذ كامل الضريبة الواجبة الدفع في دولة إقامتهم.
-2تقييم طريقة الخصم الجزئي:
إن هذه الطريقة تبقى متنفس ترسيخ الازدواج الضريبي خاصة في حالة الضرائب المحصلة من دولة المنبع ، لكونها تكون أكبر من الضرائب في دولة الإقامة. وتجدر الإشارة أنه سواء كنا أمام الخصم الكامل أو الجزئي، فالضريبة المستخلصة في دولة ما لا يمكنها أن تستنزل في الدولة الأخرى إلا في حالة تساوي الضريبة ولا يمكن لهذا النظام أن يسري في الدول ذات الأنظمة الجبائية المختلفة.[44]
و سنعرض فيما يلي مزايا و عيوب طريقة الخصم الجزئي:
*مزايا طريقة الخصم الجزئي: من أهم مزايا هذه الطريقة أنها:
– تخفف من العبء الضريبي الذي يتحمله المكلف.
– تحافظ على حق كل من دولة الإقامة و دولة المصدر في فرض الضريبة.
تسمح لدولة الإقامة بتحديد سقف للخصم الذي تمنحه، وفقا لقانونها الضريبي، و ليس لقوانين
دولة أخرى )دولة المصدر(.
*عيوب طريقة الخصم الجزئي: نذكر من بينها:
– صعوبة في التطبيق مقارنة بطريقة الخصم الكامل.
– لا تقضي على مشكلة الازدواج الضريبي، مما يؤثر سلبا على المداخيل و الإيرادات التي
يحصلها المكلف.
-3تقييم طريقة خصم قرض ضريبي وهمي:
و فيما يلي بعض مزايا و عيوب خصم قرض ضريبي وهمي:
*مزايا طريقة خصم قرض ضريبي وهمي: و يتمثل أهمها في المزايا التالية:
– تحافظ على أثر التحفيزات الجبائية التي تمنحها دولة المصدر) الدولة النامية ،( و تساعد على
استقطاب رؤوس الأموال إليها.
-تخفف من العبء الضريبي على المكلف، بفضل الخصم الذي تمنحه دولة الإقامة و الذي يتعلق بضريبة لم يتحمل عبئها.
*عيوب طريقة خصم قرض ضريبي وهمي: و نذكر منها ما يلي:
– تعقدها و صعوبة تطبيقها.
– تؤدي إلى غياب العدالة بين مواطني دولة الإقامة، بسبب منحها للمقيم الذي يمارس نشاطا في دولة المصدر خصم على ضريبة لم يتحمل عبئها ، مما يجعلها يتحمل عبئا ضريبيا أقل من المقيم الذي يمارس أنشطة محلية فقط و يحصل على نفس القدر من المداخيل.[45]
ختاما، لقد حاولت مختلف التشريعات ، ولا سيما الدولية منها ، بوضع عدو حلول لتفادي الازدواج الضريبي، على رأس هذه الحلول الاتفاقيات الجبائية الثنائية، هذه الأخيرة التي ابتدأت مع المنظمات الدولية ( منظمة التعاون والتنمية ، منظمة الأمم المتحدة)وسارت فيما بعد نموذجا لابرام اتفاقيات بين مختلف الدول. وبالرغم من المكانة التي تلعبها هذه الاتفاقيات ، إلا أنها تبقى حكرا على الدول النامية تجاه الدول المركبة كالدول الفدرالية. فابرام اتفاقيات من هذا القبيل تجعل الدول البسيطة تقع في فخ الضرائب المحلية الفدرالية، وهذا يعرقل مسيرة الاستثمارات الدولية.
(محاماه نت)