دراسات قانونية
مدي شرعية وجود الشركات العسكرية الدولية الخاصة (بحث قانوني)
بحث قانوني و دراسة عن مدي شرعية وجود الشركات العسكرية الدولية الخاصة
الجوانب القانونية والسياسية
للشركات العسكرية الدولية الخاصة
الدكتور
السيد مصطفي أحمد أبو الخير
الخبير في القانون الدولي
مقدمة
تتناول هذه الدراسة الجوانب القانونية والسياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة لبيان مدي شرعية وجود هذه الشركات وشرعية المهام التي تقوم بها في فصولين، الفصل الأول أختص بالجوانب السياسية لهذه الشركات وتكون من ثلاثة مباحث، الأول لنشأة وتطور ظهور هذه الشركات وفي الثاني ذكرنا أسباب ظهور هذه الشركات وفي الثالث أوضحنا المهام التي توكل إلي تلك الشركات وقد تبين لنا أنها ذات المهام الموكلة إلي الجيوش النظامية وقوات الأمن والشرطة في الدول وأساليب وطرق عمل تلك الشركات التي تميزت بالسرعة والقسوة غير المبررة. والفصل الثاني بعنوان الجوانب القانونية للشركات العسكرية الدولية الخاصة وتكون من ثلاثة مباحث الأول عرضنا فيه لموقف كل من المؤيدين والمعارضين لوجود وعمل تلك الشركات، وفي الثاني تناولنا الجهود الوطنية والدولية بشأن تلك الشركات من جهود دول الدول والمنظمات الإقليمية والعالمية، وفي الثالث بينا التكييف القانوني لهذه الشركات في القانون الدولي.
الفصل الأول
الجوانب السياسية للشركات العسكرية الدولية الخاصة
ظهر ت علي الصعيد الدولي بسرعة – رغم وجودها منذ زمن- ظاهرة الشركات العسكرية الدولية الخاصة التي تأخذ من القتل والحروب تجارة لها، وكانت مأساة العراق وما أثارته من مشاكل وأزمات سببا لظهور هذه الشركات علي السطح، مما استلزم دراستها وبيان الجوانب القانونية والسياسية لها، ونتناول في هذا الفصل الجوانب السياسية لهذه الشركات في مباحث ثلاثة الأول: لنشأة وتطور هذه الشركات والثاني لأسباب ظهور هذه الشركات والثالث لمهام وأساليب وطرق عملها.
المبحث الأول
نشأة وتطور الشركات العسكرية الدولية الخاصة
ترك الاستعمار الغربي لدول العالم العربي والإسلامي في أفريقيا وآسيا خلفه ظاهرة بغيضة تسمى (المرتزقة) أو (mercenaries) عبارة عن مجموعات من العسكريين الغربيين المتقاعدين ممن يبيعون خدماتهم العسكرية للحكومات أو رؤساء دول وصلوا إلى الحكم بانقلابات عسكرية مدبرة وبغير رغبة شعوبهم، حتى أصبح من الطبيعي أن نشاهد حاكما من دول العالم الثالث يحرسه مرتزقة أجانب، أو حكومة ديكتاتورية تستأجر عملاء ومرتزقة أجانب لحمايتها بقوة السلاح من شعبها والتصدي لحركات المقاومة الوطنية..
وساعد على انتشار هذه الظاهرة في الربع الأخير من القرن الماضي الصراع بين القوى الدولية على ثروات العالم الإسلامي مع غياب وعجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين، وقد أنشئت أول شركة لذلك من طرف عضو سابق في الفرقة البريطانية الخاصة (جيم جونسون) وكان زبائنه في البداية من شخصيات سياسية وتجارية دولية، وكان العمل يقتصر على توفير الحماية وتدريب الحراسات الخاصة، وقد أدي التنافس بين الشركات الخاصة إلي تنشيط هذه المهنة وسرعان ما انتقل عمل هذه الشركات من الحماية الأمنية الخاصة إلى المشاركة في النزاعات والحروب كما حدث في انجولا وزائير ثم انتقلت الفكرة إلي أمريكا وبدأوا في تأسيس شركات أمن خاصة وكانت أهمها (كي بي أر) المملوكة من طرف (هليبورتون) من عام 1962م، ثم نوعت نشاطها من عام 1980م، وقد تطور هذا السوق وتلك التجارة من خلال إقامة علاقات بأجهزة المخابرات البريطانية والأميركية ووزارة الدفاع الأميركية( ).
إن اللاعبين الأساسيين في هذا السوق الشركات الأميركية الكبرى خاصة شركات كي بي أر، بلاك ووتر، دين كورب وهي قادرة على تقديم عاملين على خطوط الجبهات الأمامية والخلفية، والجيش الأميركي هو الزبون الأهم في العالم لهذه الشركات، ففي حرب الخليج الثانية(1991م) قامت شركات اللوجستيك بتحصيل مبالغ مالية كبيرة نظير توظيفها ما يعادل(1%) من القوة العسكرية الأميركية ويحصلون يوميا علي ثلث موازنة الجيش الأميركي في العراق والبالغة 30 مليار دولار سنوياً، حيث يشغلون(10%) من القوة العسكرية الأميركية وتعد شركة (كي بي أر) الأكثر أهمية من بين شركات اللوجستيك في العراق حيث تشغل نحو 50 ألف مرتزق بعضهم للقتال لكن الأغلبية تعمل في الخدمات اللوجستية من طباخين وسواقيين وميكانيكيين والتموين ولدىها عقد مع “البنتاجون” يصل إلى(11) مليار دولار( ).
وقد تطورت هذه الشركات فنشأت شركات عسكرية (قطاع خاص) في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وجنوب أفريقيا وغيرهم من الدول، تقدم خدماتها لمن يطلبها نظير المال، مثل قلب نظام حكم ما (تكرر هذا السيناريو كثيرًا في أفريقيا) أو حماية رئيس دولة أو القيام بحرب صغيرة من الباطن ضد دولة مجاورة، وربما حماية آبار بترولية أو مناجم ماس.
وقد اشتهرت مجموعات فردية كثيرة من هؤلاء المرتزقة كما اشتهرت شركات لهم تتولى القيام بهذه الأعمال القذرة مقابل المال مثل جماعة (مايك المجنون) التي يقودها عسكري يدعى (هوار) لعب دورًا في قلب عدة حكومات أفريقية منها انقلاب جزر سيشيل عام 1981م وجماعة (السترات السوداء) بقيادة الفرنسي بوب دينار الذي شارك عدة مرات في قلب نظام الحكم في جمهورية جزر القمر الإسلامية، ومجموعة (تيم سبايسر) التي لعبت دورًا في المحاولة الانقلابية الفاشلة في بابوا (غينيا الجديدة) وغيرها الكثير)( ).
ظهرت في الفترة التي يطلق عليها البعض العولمة ويسميها البعض الآخر الأمركة ويقول عنها فريق النظام الدولي الجديد، أيا كانت التسمية فنحن في عصر ما بعد الحرب الباردة( )، شركات الحماية الأمنية أو شركات الأمن الخاصة سواء علي الصعيد الوطني أو الدولي بشقيه الإقليمي والعالمي، أي الشركات العسكرية الأمنية الخاصة، أو شركات الحماية الأمنية، أو شركات الأمن الخاصة أو الموظفون الأمنيين المتقاعدون أو المقاولون، أيا كانت تسميتهم فهي تخوض الحروب نيابة عن دول (الحروب بالوكالة) تحت زعم أن القطاع الخاص إذا كان شريكا في الأرباح فلا بد أن يكون أيضا شريكا في المخاطر، وأصبحت هذه الشركات من سمات وآليات العولمة وفرض الهيمنة ليس علي الدول فقط ولكن علي المجتمع الدولي والنظام العالمي وسوف نقوم بدراسة هذه الظاهرة من حيث النشأة والتطور والمهام والأهداف ونلقي الضوء علي ومهامها وأماكن عملها وأساليبها ومدي شرعيتها من حيث الوجود ومدي شرعية مهامها وأهدافها أي هل يمكن خصخصة العمل العسكري الحروب طبقا للقانون الدولي( )؟
يعد ظهور هذه الشركات بمثابة انقلابا في الشئون العسكرية فهذه الظاهرة سوف تحدث تغييرا هائلا في الطريقة التي سيتم بها تنفيذ الحروب مستقبلا ورغم وجود سوابق تاريخية إلا أن هذه الظاهرة لم نشهدها منذ حوالي (250) عاما، فلأول مرة في تاريخ الدولة القومية تتنازل الحكومات طواعية عن أحد أهم حقوقها وهو احتكار استخدام القوة بشكل شرعي وإعطائه لهذه الشركات وظاهرة البنادق المؤجرة أو خصخصة الحرب بدأت في التنامي بعد انتهاء الحرب الباردة وهي عبارة عن استبدال الجنود في أي مكان في العالم بمدنيين يملكون بنادق مؤجرة ولا يخضعون لأي من الإجراءات العقابية وفق المعايير العسكرية المعروفة والمتفق عليها على مستوى القانون الدولي( ).
وقد شهد عقد التسعينات نموا متزايدا لهذه الشركات وعرفت باسم (Private Security Firms) وعملت الحكومة الأمريكية علي إتاحة المجال أمام هذه الشركات لأنها من جهة تمنح الحكومة الأمريكية فرصة شن حروب فيما وراء البحار بدون الحاجة للحصول علي موافقة من الكونجرس الأمريكي، وبدون علم وسائل الإعلام ويستخدم البنتاجون حاليا حوالي(700.000) عنصر من هذه الشركات وتدر صناعة الخصخصة العسكرية ربحا سنويا يقدر(100) بليون دولار من عمليات عسكرية أمريكية في حوالي خمسين دولة، وهذه الشركات الخاصة تحكمت في شن الحروب إلى الدرجة التي يصعب على الجيش الأمريكي أن يشن حربا بدون الاستعانة بمجهودات هذه الشركات، ورغم حالة السرية التي تفرض علي تعاملات البنتاجون مع هذه الشركات إلا أن بعض التقارير الصحفية تشير إلي أن حوالي ثلث الميزانية التي خصصت للعمليات العسكرية في العراق والمتضمنة أيضا عمليات وسط آسيا وأفغانستان (87 بليون دولار) سيتم إنفاقها علي عقود مع الشركات الخاصة( )
أن ظاهرة استخدام مقاتلين في الحروب مقابل أجر مادي دون أن يكونوا من جنود تلك الدول أي يتمتعون بجنسية الدولة التي يحاربون معها ومن أجلها، أمر معروف في التاريخ الإنساني على مر الدهور وكر العصور، فالرومان كانوا من أوائل الإمبراطوريات الاستعمارية التي استخدمتهم فقد استغلت البرابرة من الجرمان والسلاف والهون في حروبها.
وفي القرون الوسطي زادت هذه الظاهرة انتشارا وتحديداً في حرب المائة عام التي قادتها الشركات العسكرية وتعد من أشرس المعارك الحربية التي قاتدها هذه الشركات، وحاول ملك فرنسا (جان الثاني لوبون) القضاء علي هذه الشركات لتنامي دورها وقوتها ولكنها اتحدت فيما بينها وسحقت القوات الملكية في معركة بريني في العام 1362م.
ويري البعض أن بداية تلك الظاهرة يعود لأيام إمبراطور اليونان كوزينوفون الذي جند عشرة ألاف يوناني للمحاربة في بلاد فارس مقابل مال( ) بينما يري البعض الأخر أن تاريخهم الحقيقي يبدأ قبل الثورة الفرنسية 1789م، ولكنها ظهرت بوضوح في الثلث الأخير من القرن الماضي خاصة في الدول الإفريقية التي تركها الاستعمار الفرنسي والبريطاني.
وبدأ التعاون بين شركات العسكرية والجيوش النظامية منذ حرب فيتنام وخصوصاً من قبل (السي آي إيه) ضمن برنامج سري عرف باسم (العمليات السوداء) فكان المرتزقة يرسلون لتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد مواقع وشخصيات فيتنامية لا تريد الحكومة الأمريكية التورط فيها مباشرة( ).
ونظرا لسلوك الجنود المرتزقة وممارساتهم غير المقبولة وغير المسئولة مما جعلهم عنصرا مرفوضا من المجتمعات بصورة عامة، فقد وجدت في كثير من المجتمعات واشتهرت المرتزقة بأدوار منافية لقيم المجتمعات الإنسانية مقابل أجر دون أن تكون لهم قضية يقاتلون أو يقتلون من أجلها، وغالبا ما يكون المرتزق من العسكريين المتقاعدين خاصة الذين سبق وعملوا رسميا كأفراد حماية لمسئولين في دولهم أو حماية الأثرياء والمصارف وغيرها والمرتزق عادة ما يكون محترفا حياة الجندية التي يكتسب منها قدرة قتالية وكفاءة عالية لا تتوفر لمن لا يعيش حياة الجندية بصورة دائمة ويستخدم المرتزقة من قبل أنظمة أو دول أو جيوش أو شخصيات لتنفيذ سياساتها وتحقيق غاياتها بوسائل يحددونها( ).
وقد انحسر دور هذه الطبقة المحاربة نتيجة تنامي دور الدولة القومية وتنامي المشاعر الوطنية التي ربطت المواطنةوالجندية بمدى انتماء الفرد أو الجندي بدولته من خلال الالتحاق بالجيش الوطني كتعبير عن انتمائه والتزامه بقضايا دولته، لكن أخذ هذه الدور يتنامى مرة أخرى في عصر العولمة مع انحسار التشريعات الوطنية التي تحظر على الفرد أو المواطن الانضواء في مؤسسات أو شركات تمتهن العمل العسكري لغايات الربح المادي بل زاد الطلب على هذا النوع من المحاربين من قبل مؤسسات ومنظمات منها بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة) ودول نظرا لاعتبارات مختلفة أبرزها الحرفية والكفاءة التي يتمتعون بها وسرعة تعبئتهم لأداء المهام التي تطلب منهم دون الدخول بإجراءات بيروقراطية وإجرائية التي تأخذ وقتاً طويلاً حتى يتم تجنيد قوة محاربة.
كان لتداعيات عصر العولمة أعظم الأثر فى التغيير الذي طال العلاقات الدولية وتنامي دور الشركات متعددة الجنسية بحيث أصبحت لهذه المؤسسات الضخمة والمندمجة دوراً كبيراً في رسم بعض السياسات الخاصة لبعض الأطراف على حساب القواعد السائدة في الدولة القومية فالأخيرة لم تعد تتحكم وسائل الإنتاج في هذا العصر حيث أصبح للقطاع الخاص دورا رياديا في توجيه الدول حتى لو اقتضى الأمر تغييب الدولة ومؤسساتها مقابل مصالح فئات مختلفة ومن هذه الشركات أخذت دوراً قيادياً في توجيه مصالح الدول القومية المتعلقة بتوفير الأمن والحماية وهي تعبير للمزاوجة بين القطاعين العام والخاص حيث يوكل الأول للثانية بعض المهام التي تدخل في صميم عمله ليقوم بها( ).
ومع زيادة الصراعات الدولية علي الصعيد الدولي والإقليمي والوطني فقد انتشرت ظاهرة الشركات العسكرية الخاصة للقيام بوظائف جديدة كانت من قبل تدخل ضمن مهام الجيوش الوطنية كتأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح والقتال أيضا كما جرى في حروب أهلية في بعض الدول الأفريقية وفي يوغسلافيا السابقة وأفغانستان وفي العراق حاليا) ).
ومن ذلك في 7/3/2004 جرى في زيمبابوي القبض على طائرة كانت تحمل سبعين من المرتزقة متجهين إلى غينيا الاستوائية لتدبير انقلاب مسلح، لأن تلك الدولة الصغيرة النامية هي ثالث أكبر منتج للبترول في جنوب الصحراء بعد نيجيريا وأنجولا. وفي 25/8/4002 اعتقلت سلطات جنوب أفريقيا مارك نجل مارغريت تاتشر رئيس وزراء بريطانيا الأسبق لعلاقته بتلك المحاولة الانقلابية تمهيداً لمحاكمته في جنوب إفريقيا فعلت ذلك تطبيقا لقانون صدر قبل سنوات قانوناً بتحريم وتجريم أعمال الارتزاق من هذا النوع.
وفي معظم الحالات يكون المرتزقة عسكريون سابقون يتم استئجارهم لتنفيذ مهام سرية لا تريد دولهم وشركاتهم تحمل مسؤوليتها علنا ومن أشهر الوقائع محاولة التخلص من باتريس لومومبا زعيم الكونغو وحادث الطائرة الذي مات فيه داج همرشولد أشهر وأفعل أمين عام للأمم المتحدة. لكن ما كان يجري على استحياء في سنوات الستينات اتسعت أبعاده تماماً بعد نهاية الحرب الباردة وانكشاف العالم الثالث أمام أكبر موجة لنهب موارده بالسياسة أحيانا وبالقوة الصريحة أحيانا وبالمرتزقة بين وقت وآخر أو بمزيج من الثلاثة في بعض الحالات( ).
وتعمل هذه الشركات حاليا بحراسة رؤساء الدول القادمين عبر الانقلابات في دول العالم الثالث والتي عادة ما تكون مدبرة من الخارج، أو حماية حكوماتها وحماية آبار النفط ومناجم الماس في أفريقيا، وحتى القيام بانقلابات علي أنظمة الحكم التي ترفض الهيمنة كما حدث في جزر القمر بقيادة المرتزق الفرنسي بوب دينار، وفي دول أخرى مثل غينيا وجزر سيشل وغيرها من الدول.
يضاف إلى ما سبق وظائف جديدة خاصة بعد تنامي عمل الشركات الأمنية الخاصة على نطاق واسع في عصر العولمة لتشمل تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الجيش والشرطة في البلدان التي يعملون فيها إضافة لبعض الوظائف التي تنجزها أجهزتها الأمنية الخاصة بها منها تقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت وحماية الأشخاص وتدريب قوات الجيش والشرطة وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء وفي بعض الحالات المشاركة في القتال وولاء هذه الشركات للمال وللشخص الذي يدفع أكثر مما دفعها إلى بالتورط بأعمال خطف مقابل الحصول فدية مالية.
وفي عصر العولمة تطورت المهام الموكلة لهذه الشركات بشكل لا سابق له في تاريخهم أو تاريخ الجيوش النظامية عامة والجيش الأمريكي والبريطاني خاصة، حيث توكل إليهم مهام حراسة مشاريع ما يسمى إعادة و أعمار العراق، وحماية الشخصيات المهمة كالحاكم المدني بول بريمر ومسئولين أمريكيين آخرين وحماية قوافل الإمدادات التي تمر في مناطق تقع تحت سيطرة المقاومة العراقية، وحماية العديد من المؤسسات الحكومية العراقية الحساسة ومقر الحكومة وقوات الاحتلال التي تعرف بالمنطقة الخضراء.
وتحاول الولايات المتحدة أن تصور للعالم أن أفراد هذه الشركات مقاولون أو متعاقدون تقتصر مهامهم على أعمال الحراسة وتأمين حماية المنشآت، ولكن الحقيقة عكس ذلك تماما فالواقع أن هؤلاء يمارسون مهام قتالية ضد المقاومة العراقية إضافة إلى ارتكابهم جرائم ضد المدنيين العراقيين، وحاليا يوجد آلاف الشركات التي توفر المرتزقة في العالم ويوجد في العراق حاليا أكثر من خمسين شركة وأغلبها أمريكية إضافة إلى شركات بريطانية وإسرائيلية و جنوب أفريقية أيضا، ومن هذه الشركات من تمتلك أسطول طائرات هيلكوبتر( )وتعقد هذه الشركات اتفاقيات مع بعض العشائر المحلية بالعراق.
وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 20 ألف مرتزق في العراق عام 2004 أصبحوا(100) ألف عام 2006م كما أن وجودهم الآن أصبح واضحاً وهم يتجولون في عربات مدرعة وكثير منهم مدججون بأسلحة للقتال بالغة التقدم وقد شكلت بعض الشركات العسكرية قوات للرد السريع ووحدات مخابرات خاصة بها تصدر يومياً تقاريرها الاستخباراتية التي تعتمد فيها على خريطة تواجدها في المناطق الساخنة وهذه في حقيقتها مهام تناط بالجيوش النظامية وليس بالشركات العسكرية وعناصرها مما يزيل الحدود بين ما هو مدني وما هو حربي في عمل هذه الشركات وهناك محاولات أميركية لتنظيم أكبر جيش خاص في العالم يضم هؤلاء وفرق إنقاذ خاصة ووحدات استخباراتية( ).
وعمل هذه الشركات مع قوات الاحتلال في العراق مستور بالتعتيم الإعلامي من حيث المهام والعدد الحقيقي لخسائرها في العراق وأفراد هذه الشركات لا يرتدون الزى العسكري مما يجعلهم خارج الإحصائيات الرسمية التي يتولى البنتاغون الإعلان عنها وتحتل الشركات العسكرية الخاصة المرتبة الثالثة في القوات التي تدعم الجهود العسكرية الأمريكية والبريطانية في العراق ويبلغ الأجر اليومي الذي يتلقاه الفرد الواحد(1500) دولار يومياً.
كما ذكرت صحيفة الوطن السعودية أن ثلاثة شركات عسكرية خاصة تنفذ مهمات التدخل المسلح قد أغلقت أبوابها في بغداد ورحلت نهائيا عن العراق علي إثر تكبدها خسائر مادية وبشرية فادحة بفعل هجمات المقاومة العراقية ونقلت الصحيفة عن مصدر عراقي موثوق قوله أن هذه الشركات هي (كومبانيا الرومانية و اكزكيوتيف أوت كومس جنوب الإفريقية وساند لين البريطانية) ليرتفع بذلك عدد الشركات العسكرية التي تغلق أبوابها بالعراق إلى خمس شركات منذ نوفمبر عام 2003م ويرجع سبب مغادرة هذه الشركات لتدهور الوضع الأمنى وقلة العوائد والأرباح مقارنة بالمخاطر العالية وتكاليف التامين الباهظة.
وعلى الرغم من ذلك إلا انه حسب تقديرات غربية فان جيوش هذه الشركات بات الآن اكبر جيش اجتبى بالعراق بعد القوات الأمريكية وأصبح يفوق مجموع كافة القوات الأجنبية الأخرى غير الأمريكية بالعراق، وقد كشفت صحيفة “نيويورك تيمز” الأمريكية عن أن الولايات المتحدة تعتمد الآن على الشركات العسكرية لتنفيذ مهام حيوية بالعراق بصورة هائلة تفوق ما فعلته في أي حرب أخرى على مدى التاريخ العسكري الأمريكي كله. وأضافت أن البنتاجون يعتمد الآن على هذه الشركات لتوفير من تطلق عليهم الصحيفة (بجنود الظل) لتنفيذ أعمال حيوية كانت تكلف بها الجيش الأمريكي سابقا، وأشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء من جميع أنحاء العالم فمنهم جنود كوماندوز عملوا سابقا في القوات البحرية في نورث كارولينا ومنهم عسكريون من نيبال وجنود خدموا نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا وقد أتوا بالآلاف إلى العراق وهناك العشرات من شركات الأمن الخاصة التي أقامت معارض لسلعتها في بغداد والأكثر أجرا بين هؤلاء هم الذين خدموا في وحدات القوات الخاصة المرموقة في العالم.
وتنفذ الشركات العسكرية عمليات قتالية أسوة بالجيوش النظامية على الرغم من إصرار قوات الاحتلال على عدم مسؤوليتها القانونية عن الأعمال الإجرامية التي يقوم بها أفرادها، وإن كان ثمة محاكم يفترض أن يقدموا إليها، فيجب أن تكون في موطنهم الأصلي وليس في العراق أماكن ارتكاب الجرائم، وبدأت الشركات العسكرية الدولية تعرض خدماتها على الحكومات في الدول المحتلة مباشرة للمساعدة في حفظ الأمن الداخلي وقد اتفقت الحكومة البريطانية مع إحدى هذه الشركات لحماية سفارتها في بغداد مقابل(15) مليون جنيه إسترليني.
وقد بدأت الخطوات العملية لخصخصة حرب العراق بدلا من القوات البريطانية والأمريكية تتم من خلال استبدال جنود الاحتلال الأمريكي والبريطاني بما تطلق عليهم الولايات المتحدة موظفي شركات الحماية الأمنية أو المتعاقدين الأمنيين مما يدل علي أن عملية انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية قد بدأت في العراق وبلغت نسبة القوات البريطانية النظامية في العراق إلى قوات المرتزقة هي(1 إلى 6) حيث يبلغ إجمالي عدد أفراد هذه الشركات(41) ألف( ).
المبحث الثاني
أسباب ظهور الشركات العسكرية الدولية الخاصة
يرجع ظهور الشركات في المجتمعات سواء القديمة أو مجتمعات العصور الوسطي والحديثة والمعاصرة إلي عدة أسباب سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية بل ودينيا نبينها.
أولا: الأسباب السياسية( ): تعددت الأسباب السياسية التي يمكن اعتبراها من ضمن أسباب ظهور هذه الشركات العسكرية نجملها فيما يأتي:
1 – وجود مشروع إمبراطوري لبسط الهيمنة والسيطرة من قبل دولة استعمارية كبيرة بغية تمرير مشروعها وفرضه علي المجتمع الدولي أو النظام العالمي وقتئذ، كما فعلت الأمبراطرية الرومانية من قبل وهو ما تحاول فعله حاليا الولايات المتحدة الأمريكية وتتطلب هذه المهمة الكبيرة أعدادا كبيرة من الجنود لا تتوفر لهذه الدولة ولكن يتوافر المال اللازم لشراء واستخدام هذه الشركات.
2 – انحسار عصر الاستعمار العسكري مما جعل الدول الاستعمارية تستعمل حكام عملاء تحميهم بمثل تلك الشركات لحماية هؤلاء الحكام من شعوبهم لأنهم يؤدون لهذه الدول الاستعمارية خدمات أفضل وأرخص من الاستعمار العسكري.
3 – تفشي ظاهرة الظلم في المجتمع الدولي الذي أدي إلي قيام تنظيمات تدافع عن نفسها بدرء الظلم عنها أو يطلق عليه الغرب مصطلح (الإرهاب) مما هدد مصالح الدول الكبرى وظهور ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا والمنازعات علي الصعيد الدولي بل ظهرت حاليا ظاهرة تعدد المعايير في التعامل مع مثل تلك القضايا والمنازعات( ).
4- عودة ظاهرة البلطجة الدولية أو بمعني أصح ظاهرة الدول الاستعمارية التي تريد فرض هيمنتها علي العالم ومن ذلك ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية وريثة الإمبراطورية الرومانية والاستعمار البريطاني والفرنسي ويؤيد ذلك ما ردده البعض من أن المبادئ الأربعة عشر التي نادي بها الرئيس الأمريكي ولسون أبان الحرب العالمية الأولي كان الغرض منها تفتيت الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس.
5 – يعتبر ظهور شركات الحماية الدولية أو الشركات العسكرية خطوة في طريق هدم بناء الدولة الحديثة حيث مر هذا البناء بعدة مراحل حتى أكتمل البنيان فمن الدولة الحارسة إلي الدولة المتدخلة إلي الدولة الحارسة مرة أخري التي تقتصر مهمتها علي حفظ الأمن العام داخل الدولة إلي الدولة ذات الدور المحدود فقد بدأت مرحلة انسحاب الدولة من كافة الأنشطة الاقتصادية ليقتصر دورها علي مهام الأمن والحراسة ثم بدأت مرحلة خصصت الأمن وعرضه في الأسواق مثل بقية السلع المادية لتنتهي بذلك الدولة كنظام سياسي قطعت البشرية ردحا طويلا من الزمن لبنائه، ويكون ذلك عن طريق عولمة كل ما هو داخلي فتنهار الدولة ولا يعد لها أدني دور، فالناحية الاقتصادية يتولاها القطاع الخاص والناحية الاجتماعية تتولاها منظمات المجتمع المدني التي تدار من الخارج لتحقيق أغراض وأهداف تمرير الهيمنة والسيطرة، والناحية العسكرية الأمن يتم خصخصته عن طريق الشركات العسكرية الخاصة التي بدأت تنتشر في كل رجا من أرجاء الأرض( ).
ففي داخل الدولة الواحدة تجد شركات الأمن الخاصة لحماية الشخصيات التي ترغب في الحماية ولحماية الشركات التي بدأت تولي مهمة حفظ الأمن داخلها وخارجها ليلا ونهارا إلي شركات خاصة لتوفير نفقات إدارة الأمن داخل الشركات، إذا لا يبقي للدولة كمؤسسات ونظام أي دور حيث تخضع كافة الأنشطة للقطاع الخاص الذي يدار عن طريق الشركات متعددة الجنسية فما الداعي إذن لبقاء الدولة، خاصة وأن البرلمانات أصبحت تحت رحمة وسيطرة رجال الأعمال الذين أصبحوا نوابا في البرلمان فتم خصخصة السياسة وسنت هذه البرلمانات الخاصة قوانين لمصلحة رجال الأعمال دون النظر إلي المصلحة القومية العليا للدولة ودون وضع الشعوب ومصلحتها في الاعتبار حتى أننا نجد أن هناك عائلات محدودة تتحكم في نشاط معين في الدولة كلها( ).
ثانيا، الأسباب العسكرية:
1 – الرغبة في تنفيذ عمليات خارجة عن القانون من قبل دولة ضد حكومة دولة أخري أي القيام بانقلابات عسكرية لتغير الحكومات التي ترفض الهيمنة والسيطرة دون التورط علانية في مثل هذا العمل كما حدث في جزر القمر وبعض الدول الإفريقية.
2 – للتقليل من قتلي الدول التي اشتركت في حرب حتى لا يقوم الرأي العام الداخلي ضدها لكثرة القتلى من جنودها ولإخفاء هزيمة أو للانسحاب خفية حتى يظهر للعالم وللرأي العام داخلها هزيمتها كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا حاليا في العراق( ).
3 – القيام بعمليات قذرة تخشي الدولة فعلها في العلن لما فيه من مخالفات جسيمة للقانون الدولي والقيم الأخلاقية كما فعلته الولايات المتحدة في فيتنام من عمليات اغتيال قادة وقتل بالجملة.
4 – تفشي ظاهرة الانقلابات العسكرية واعتلاء الحكم حكام عملاء للخارج يصلون إلي الحكم دون رغبة شعوبهم فيضطرون إلي حماية أنفسهم بمثل تلك الشركات، وهؤلاء الحكام تجدهم غالبا في الدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية أو صاحبة موقع جغرافي متميز يتحكم في أحدي الممرات الدولية الهامة.
5 – من العوامل التي أدت لظهور هذا النوع من الشركات عمليات تسريح العديد من الجيوش التي تمت نتيجة لنهاية الحرب الباردة ومنها الجيش الأحمر وجيش ألمانيا الشرقية ونهاية نظام الأبارتيد في جنوب إفريقية وتسريح طبقة الضباط البيض وتم تكوين شركة لهم في جنوب أفريقيا وكذلك عملية تقليص الجيش الأمريكي إلي (60%) مما كان عليه في الماضي، مما خلق فائضا هائلا من العمالة العسكرية والخبرة التي كان يجب أن يتم الاستفادة منها بشكل أو بآخر في خدمة مد النفوذ الأمريكي وحمايته فيما وراء البحار فتم أنشاء مثل هذه الشركات لاستغلال الفائض في العمالة العسكرية المستغني عنه ولتنفيذ مشروع الإمبراطورية الأمريكية.
6 – وجود الشركات العسكرية الخاصة التي تنتج الأسلحة كما في الولايات المتحدة الأمريكية المجمع الصناعي العالمي وحسب أيديولوجية هذه الشركات تعتبر الشركات العسكرية الدولية مكملة لغرض إنشاءها لاستكمال منظومة الإنتاج والتوزيع مما يوفر لها منافذ للبيع، وقد ردد البعض أن ما دفع الولايات المتحدة لحربها ضد كل من أفغانستان والعراق هو المجمع الصناعي العسكري حتى ذهب البعض إلي أنهم هم الذين قاموا بحادث الحادي عشر من سبتمبر( ).
7 -إن استراتيجية الاعتماد عسكريا على الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة أي (عسكرة الشركات وخصخصة الحروب) هي استراتيجية اعتمدها البنتاجون ومفادها خصخصة الكثير من المهمات التي كان يضطلع بها الجيش الأميركي ونظرية ‘خصخصة’ المهام العسكرية قامت على فكرة تحمس لها ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي تدعو إلى إسناد الكثير من المهمات التي تقوم بها القوات النظامية التي تخوض حرب مثل حرب العراق إلى شركات خاصة بصفة ‘مقاولات’ بين البنتاجون وبين تلك الشركات، بحيث يؤدي ذلك إلى تخفيف عبء الكثير من المهام عن كاهل الجيش وهذه الفكرة فتحت الباب لشركات اميركية عديدة تقوم بمهام التموين والأعمال اللوجستية والأمنية وباتت تلقى قبولا في صناعة الجيوش الحديثة( ).
إذا كانت كافة الأنشطة التي تمارسها الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والاجتماعية خصصت وأصبحت سلعا تخضع لقوانين وآليات السوق فلماذا المحافظة إذن علي الدولة كنظام وبناء؟ حيث لا انتماء إلا إلي الربح ورأس المال الأجنبي الذي تدخل حتى في التشريع عن طريق رجال الأعمال الذين أصبحوا يسنون القوانين والتشريعات لمصلحتهم ولتحقيق أكبر قدر من الربح المالي دون اعتبار لأي قيم أو مبادئ.
ثالثا: الأسباب الاقتصادية:
1 – يستند أنصار هذه الشركات علي ضرورة مشاركة القطاع الخاص في الأخطار كما يشارك الدولة في الأرباح في قطاع الاستثمارات.
2 – انتشار البطالة في كافة دول العالم خاصة وأن مرتب الفرد في هذه الشركات قد يصل في اليوم إلي ما يقارب ألفي دولار.
3 – في الدول الغنية تزداد فيها الرفاهية مما يجعل شباب هذه الدول لا يقبلون علي حياة الجندية الخشنة التي فيها خطر الموت محتملا خاصة وأن معظم تلك الدول لا يوجد فيها تجنيد إجباري مما تعد معه الجندية وظيفة لاكتساب الرزق أي مثله مثل أي عمل مدني.
رابعا: الأسباب الدينية:
يري البعض منهم الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في حديثة لقناة الجزيرة في ابريل2007م(إن الجيش الأميركي يستخدم فرسان مالطا كجيش بديل في العراق من اجل استمرار وجودها في العراق وتقليل نسبة الخسائر بين صفوفها وان احد فرسان مالطا كوّن شركة لتجنيد الناس لتقديمهم إلى الجيش الأميركي لاستخدامهم في العراق ودارفور تحت شعار الصليب) أوضح هيكل( )(أن وجود قوات المرتزقة بالعراق ليس مجرد تعاقد أمني مع البنتاجون تقوم بمقتضاه هذه القوات بمهام قتالية نيابة عن الجيش الأمريكي، بل يسبقه تعاقد أيديولوجي مشترك بين الجانبين يجمع بينهما، ألا وهو “دولة فرسان مالطا) ( الاعتبارية آخر الفلول الصليبية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم) وقال هيكل: (لأول مرة أسمع خطابا سياسيا في الغرب واسعا يتحدث عن الحروب الصليبية.. هناك أجواء حرب صليبية)، مشيرا إلى حقائق كشف عنها الصحفي الأمريكي جيرمي سكيل في كتابه الحديث – السابق الإشارة إليه – عن شركة “بلاك ووتر” أكبر الشركات الأمنية المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية في العراق، حيث أظهر العلاقة “الدينية” التي تجمعهما أن الغرض من إنشاء هذه الشركات غرض ديني أو بالأصح غرض صليبي هدفه إحياء الحروب الصليبية التي حدثت في الماضي، وقد استشهدوا علي ذلك من العلاقة الحميمة بين هذه الشركات ومنظمة فرسان مالطا أو فرسان المعبد أو فرسان القديس يوحنا، التي توقف وراء بعض هذه الشركات، وأيضا العلاقة والأساس الذي قامت عليه كبري هذه الشركات وهي شركة بلاووتر في الولايات المتحدة التي يقف وراء إنشاءها وتمويلها التحالف المسيحي الصهيوني أو المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية( ).
المبحث الثالث
مهام وأساليب وطرق عمل الشركات العسكرية الدولية
أولا: مهام الشركات: اختلفت وتعددت المهام والوظائف التي تؤديها وتقوم بها الشركات العسكرية الخاصة وارتبطت ارتباطا وثيقا بأسباب نشأتها وسبب ظهورها، فقد كانت مهامها في بداية نشأتها تقتصر علي حراسة مداخل ومنافذ الشركات الخاصة الاستثمارية داخل الدولة حيث تقوم كل شركة استثمارية بعمل إدارة للأمن بالشركة تتكون من أفراد يقومون بحراسة الشركة ليلا ونهارا، ولما كثرت الشركات الاستثمارية الخاصة وبدأت حلقات التنافس والمضاربة تتزايد بينها وبين أصحابها عمد هؤلاء إلي حماية أنفسهم من منافسيهم باتخاذ ما يطلق عليه (بودي جارد) ثم انتشرت هذه الظاهرة بين رجال الأعمال وأصبح من المألوف أن تري أحد رجال الأعمال يتقدمه حرسه الخاص، ثم تطورت الظاهرة وأخذت بعدا أخر فقد انتقلت من عالم رجال المال والأعمال إلي مجال الفن حيث كانت الملاهي الليلية قديما تتخذ فتوات لحمايتها، وكذا كل طالب شهرة فقد رأينا بعض الفنانين يتخذون حرسا خاصا بدعوى حمايتهم ممن يحاول الاعتداء عليهم من منافسيهم، ومن رجال الفن إلي رجال الفكر والأدب وغيرهم.
وباتت معظم الشركات على مستوى العالم تولي أهمية قصوى لأمن المعلومات الخاصة بها وعمدت الكثير منها إلى وضع المعايير التي تعمل على رفع كفاءة سياساتها للحفاظ على البيانات من عمليات الاختراق والتسلل غير الشرعي وبرغم الجهود الضخمة في هذا المجال إلا أن المخاطر التي تهدد أمن المعلومات والشبكات قد زادت في الآونة الأخيرة مما دفع معظم الشركات للبحث عن حلول تقنية تحميهم من هذا خطر سرقة المعلومات الخاصة بهم.
وأصبح أمن المعلومات يحظى باهتمام بالغ من قبل الشركات في الشرق الأوسط خلال السنتين الماضيتين. وكنتيجة لذلك قامت عدة شركات باتخاذ إجراءات شاملة لتعزيز أمن البيانات لديها ورغم ذلك فأن عدد التهديدات القابعة في العالم الافتراضي يتزايد يوما بعد يوم بصورة سريعة وبناء على ذلك تقوم الشركات المحلية بإعادة النظر وتقييم أمنها ثانية لضمان عدم تعرضها لهجمات تخترق بياناتها وأنظمة المعلومات لديها مما قد يؤدي إلى تدميرها( ).
وكانت الحراسات الخاصة تقتصر في السابق علي رجال الحكم من رؤساء و وزراء و محافظين وغيرهم تحت زعم الخوف عليهم من المعارضة وأنصارها ولكن في ظل العولمة وما ترتب عليها من احتكار وظلم وسرقات جعل كل شيء خاضع لآليات السوق وظروفه وملابساته، فأصبح الأمن سلعة تباع وتشتري مثل كافة السلع المادية.
ثم انتقلت تلك الظاهرة إلي الصعيد الدولي عن طريق توريد رجال الأمن فبدلا من توريد العبيد والرقيق في السابق أصبح الآن يتم توريد عبيد ورقيق ولكن لوظيفة محددة هي حماية شخصيات عامة وخاصة منها رؤساء دول وحكومات ووزراء و أنظمة دكتاتورية أو عسكرية أو مساعدة قوات الاحتلال في بعض المناطق المحتلة أو مساعدة قوات مسلحة في القيام ببعض المهام التي كانت في السابق من ضمن مهام القوات المسلحة الوطنية وما لبثت أن تطورت إلى شركات تمارس نشاطاها علناً في معظم دول العالم.
ومع تزايد حدة وعدد الصراعات الدولية أسندت لهذه الشركات مهام جديدة كتأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح كما جرى في حروب البلقان وأفغانستان وفي العراق حيث كانت مهامهم ترتكز على حراسة رؤساء الدول القادمين عبر الانقلابات في دول العالم الثالث أو حماية الحكومات نفسها وحماية آبار النفط ومناجم الماس في أفريقيا، وحتى القيام بقلب أنظمة حكم ما، كما حدث في جزر القمر بقيادة المرتزق الفرنسي بوب دينار، وكذلك في دول أخرى مثل غينيا وجزر سيشل وغيرها من الدول، يضاف إلى ما سبق مهام أخري خاصة بعد تنامي عمل هذه الشركات بعد الحرب الباردة لتشمل تقديم خدمات تدريب القوات وتقديم الاستشارات العسكرية لقوات الجيش والشرطة في البلدان التي يعملون فيها إضافة إلى بعض الوظائف التي تنجزها أجهزتها الأمنية الخاصة بها، حيث تقوم هذه الشركات (بتقديم الدعم اللوجستي للانتشار العسكري وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والمنشآت، وكذلك حماية الأشخاص وتدريب قوات الجيش والشرطة، وجمع المعلومات العسكرية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء، وفي بعض الحالات المشاركة في القتال )( ). وتقوم هذه الشركات إضافة إلي ذلك بالمهام الآتية:
– الأمن الشخصي: Personnel Security للأشخاص والموظفين خصوصاً الوكالات الأمريكية والأجنبية والأمم المتحدة العاملين في مجال الدبلوماسية (كرول وكنترول ريسك
– خدمات المرافقة: Escort Services
– توفير خدمات الاتصال والمواصلات.
-إدارة الأزمات وحالات الاختطاف Management.
– استشارات الأمنية وتقدير المخاطر: Risk Advisory Consulting and assessment.
– تأمين المواقع والمنشآت والبعثات الدبلوماسية والشركات المدنية المنخرطة في إعادة الأعمار Site Security
– توفير الحماية الالكترونية ولقواعد البيانات.
– تطوير أنظمة الحماية والرقابة.
– الدعم اللوجستي والإسناد.
– مرافقة قوافل الإمدادات والأغذية سواء لجيوش الائتلاف أو للقطاع الخاص.
– تولي متابعة وتطبيق تنفيذ العقود التي تدخل في باب إعادة الأعمارفي العراق حيث تكلف هذه الشركات بالقيام بأعمال إدارية ووكالات لتنفيذ مهام المتعاقد الأساسي الذي يخشى تنفيذ هذه الأعمال بصورة مباشرة ( ).
ثانيا: أساليب عمل الشركات العسكرية: الشركات العسكرية لها أساليبها الخاصة وقواعدها الداخلية التي تحكم عملها لتحقيق الهدف الذي تعمل لتحقيقه وهو تقديم أفضل الخدمات العسكرية و الحماية الأمنية فهي شركات تجارية غايتها الأساسية الربح كغيرها من الشركات التجارية تستخدم أساليب وطرق تسويقية للترويج لسلعتها، وتقاس قدرة الشركة وكفاءاتها بحجم وعدد القتلى من أفرادها فكلما زاد عدد القتلى بين صفوفها زاد الطلب على خدمات هذه الشركة باعتبار أن ذلك كفيل ببناء الثقة بهذه الشركة وتقوم الشركات ضمن خطتها التسويقية بضرب هالة من الرهبة على نشاطها وعلى أفرادها بحيث تتخذ هذه الشركات أوصافاً مختلفة مليئة بالعنف والقوة من منها عمليات الصقر والعين الحمراء والعسكريون المحترفون وغيرها من الأوصاف التي تدخل في النفس رهبة وخوف، بالإضافة لذلك فهي تتخذ أساليب أخرى سواء لنجاح عملها ولكسب مزيد من العملاء تتمثل في الآتي:
1 – تدريب موظفيها على الطرق المثلي لتجنب الخطر وتحديداً على المهام التي تدر أرباحاً عالية مثل التدريب على التعامل مع حالات الاختطاف وهي من أبرز مهام هذه الشركات وتوليها اهتماماً خاصاً نظراً للأموال الطائلة المحققة من وراءها.
2 – الاختطاف مقابل المال مما أجبر شركات الحماية تعيين أفراد ذو مهارات خاصة استقطبت مستشارين ومحللين سياسيين ومخبرين واستعانت بعدد من المخضرمين في هذا المجال.
3 – استخدام المواقع الإلكترونية للترويج لخدماتها ونشر ثقافة القتل والعنف وقد وضعت إحدى هذه الشركات وهي شركة(Aegis) فليماً على موقعها تعرض فيه قيام أفرادها بإطلاق النار باتجاه المدنيين العراقيين القريبين من عرباتهم ذات الدفع الرباعي وتقوم هذه الشركات في سبيل تقديمها لخدماتها باستخدام الأساليب الآتية:
1 – دفع مبالغ ضخمة مقابل الحصول على المعلومات الأمنية والإستخباراتية.
2 – عقد دورات تدريب وإرشاد لأفرادها حول طرق التعامل مع الخطر.
3 – تزويد العملاء بإرشادات تجعلهم هدفا يصعب الحصول عليه.
4 – استخدام السلاح دون اعتبار لإجراءاته وأوقات استخدامه.
5 – استخدام مختلف التقنيات سواء على صعيد الاتصال أو على صعيد الأسلحة حيث تستخدم جزء من هذه الشركات تقنيات عالية في مجال الاتصالات.
6 – تلجأ بعض هذه الشركات إلى العمل بعيداً عن القواعد والقوانين السارية في البلاد بحيث تمنح بعض هذه الشركات لنفسها صلاحيات احتجاز المواطنين ونصب الحواجز علي الطرق دون ترخيص.
7 – وتقوم هذه الشركات باتخاذ العديد من الأساليب التي تحقق نجاحاً لمهماتها حتى لو انتهكت حياة وخصوصية الإنسان( ).
وتتعدد الأساليب والطرق التي تعمل بها هذه الشركات وأغلب هذه الأعمال أو الأساليب المتبعة لا تحكمها قواعد قانونية أو إجرائية محددة، فالحصانة القضائية ضد الملاحقة القانونية التي يتمتع بها أفراد هذه الشركات جعلتهم بحل من الالتزام بأي قوانين، وفي العراق حيث تقوم هذه الشركات بعمليات قتل وتدمير وتدبير انفجارات عن طريق تلغيم السيارات المملوكة للأهالي عند تفتيشها وتنفجر هذه السيارات دون معرفة أصحابها ويذهبون ضحية هذه الأعمال القذرة، وقد قامت هذه الشركات بإشعال نار الفتنة الطائفية في العراق عن طريق تدبير انفجارات في مناطق السنة والشيعة وتفجير المساجد والمنازل مما أدي إلي سقوط ألاف الضحايا.
وقد استعانت الولايات المتحدة بهذه الشركات لكي تخفف من عدد قتلاها حتى لا تثير الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يطالب بالانسحاب الفوري من العراق بعد تزايد أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين وقد قامت هذه الشركات بأعمال قذرة في العراق تعد انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني وقانون الحرب وكل القيم والأعراف الدولية المستقرة والمطبقة في الحروب فهذه الشركات لا تقيم وزنا للقانون ولا للقيم والمبادئ والمثل الإنسانية العليا. وفي محاولة للحد من تزايد ضحايا هذه الشركات فقد ألزمتها وزارة الداخلية العراقية بعدد من الإجراءات هي:
1 – تم التنبيه علي جميع الشركات العسكرية العراقية والأجنبية لغرض تقديم جميع أولياتها ومعلوماتها وبشكل تفصيلي لوزارة الداخلية.
2 – إلزام الشركات العسكرية بوضع علامة خاصة بالشركة علي صدر أفرادها وعلى السيارات التي تستخدمها.
3 – إلزام الشركات العسكرية بمراجعة دوائر الضريبة وجلب براءة ذمة ومراجعة وزارة العمل والشئون الاجتماعية لضمان حقوق موظفيها من العراقيين.
4 – قامت وزارة الداخلية العراقية بمخاطبة مختلف البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية وغيرها من المؤسسات والشركات بعدم التعاقد مع أي شركة عراقية أو أجنبية غير مجازة من وزارة الداخلية.
أن جزءا كبيرا من هذه التعليمات تم تطبيقها على الشركات العراقية فقط دون الشركات الأجنبية التي تعتبر نفسها فوق القانون ولا تتقيد بهذه التعليمات ولا بأي قانون ويقدر عدد العاملين العراقيين في هذه الشركات بحوالي المائة ألف شخص وقد قامت ولا زالت بأعمال حربية ضد عناصر المقاومة لصالح الجيش الأمريكي. لا تقتصر مخاطر هذه الشركات على قيامها بالأعمال الحربية المباشرة أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان دون أي ملاحقة قضائية وإنشاء مليشيات مسلحة وعصابات تعيش على الاغتيال والخطف بل أنها تهدد البنية الأمنية لعراق المستقبل حيث يدخل العراق عبر بوابة أو غطاء الشركات الأمنية المئات من أجهزة المخابرات الأجنبية خاصة الإسرائيلية.
الفصل الثاني
الجوانب القانونية الشركات العسكرية الدولية الخاصة
إن من مستلزمات الوطنية الدفاع حتى الموت عن الوطن، ومن توابع الجنسية القتال دفاعا عن الوطن، فالوضع الطبيعي أن يدافع أبناء الوطن عنه ويفدونه بأرواحهم وأموالهم وينالون شرف الجندية في جيشه وفواته المسلحة للدفاع والذود عن أمنه وأمانه وعن سيادته وأرضه واستقلاله وحريته.
إلا أن هذا لأمر وطبقا لقاعدة ليس صحيح علي إطلاقه(فلكل قاعدة استثناء) هناك حالات يوجد بين المدافعيين عن الوطن والأرض والعرض جنود غير أبنائه، ففي حالات أقرها الشرع الإسلامي حيث جعل الدفاع عن أرض الإسلام فرض كفاية وواجب علي كل المسلمين حتى قال الفقهاء أنه في حالة احتلال جزء من أرض الإسلام يجب علي كل مسلم ومسلمة أن تخرج للجهاد والدفاع لتحرير هذا الجزء وتخرج المرأة بدون أذن وليها أو زوجها، فالدفاع هنا عبادة وطاعة لله أي لغرض إسلامي وليس غرضه وهدفه الحصول علي الكسب المادي فالمشاركة هنا تكون لصد عدوان وليس للاعتداء علي أحد، وقد حدث ذلك منذ فجر الإسلام حتى الآن في أفغانستان والبوسنة والهرسك وفلسطين والشيشان والعراق( ).
وقد أقر القانون الدولي للدول بصفتها الرسمية حق مساعدة الدولة التي تتعرض للعدوان ومساعدة حركات التحرر الوطني، فيحق لها أن السماح لمواطنيها بالقتال جنبا إلي جنب مع القوات العسكرية والجيوش النظامية للدولة المتعرضة للعدوان ومع أفراد حركات التحرر الوطني، ولها أيضا أن تمدها بالسلاح وذلك للدول فرادي وجماعات ولا تثريب علي الدول أن هي فعلت أيهما سواء في حالة الدفاع الشرعي طبقا للمادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة وحالة الأمن الجماعي الدولي( ).
ولكن منذ فترة بدأت ظاهرة (المرتزقة) تظهر علي الصعيد الدولي والإقليمي ولكن بشكل جديد في صورة (شركات عسكرية وأمنية خاصة) حيث جمعت العاطلين والعسكريين السابقين للقيام بأعمال عسكرية وأمنية واستخباراتية مقابل مبالغ مالية كبيرة، فيقوم أفراد تلك الشركات أما بالاشتراك الفعلي في القتال أو حراسة الشخصيات السياسية من رؤساء دول أو حكومات أو القيام بانقلابات عسكرية علي حكومات شرعية كما حدث في جزر القمر، وتمتلك تلك الشركات كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة والأساطيل والطائرات، كما تقوم تلك الشركات ببعض الأعمال الأمنية منها حراسة الشركات الاقتصادية والتجارية.
مما يدل علي أن نعمة الأمن والأمان أصبحت سلعة تباع وتشتري كأي سلعة مادية أخري مثل السلع الغذائية والأجهزة الكهربائية والمنزلية المختلفة، وهذه الشركات العسكرية الدولية الخاصة سمة من سمات النظام الدولي الجديد(العولمة) التي جعلت من السوق آلها وخضعت نعمة الأمن والأمان لقانون العرض والطلب أي لمن يدفع أكثر دون الوضع في الاعتبار أي قيم أخلاقية أو مبادئ أو مثل إنسانية أو دينية المهم الكسب المادي.
ونظرا لخطورة ذلك علي السلم والأمن الدوليين ولأهمية الدور الخطير لهذه الشركات وتأثيراته علي السلم والأمن الدوليين، عرضنا كل ذلك علي مبادئ وقواعد وأحكام القانون الدولي المعاصر لنري مدي شرعية تلك الشركات من حيث النشأة والدور والهدف وتكون هذا الفصل من ثلاثة مباحث الأول لرأي الفقه الدولي في الشركات العسكرية الدولية الخاصة والثاني الجهود الوطنية والدولية بشأن الشركات العسكرية الدولية الخاصة والثالث: التكييف القانوني لهذه الشركات العسكرية الدولية.
المبحث الأول
رأي الفقه الدولي في الشركات العسكرية الدولية الخاصة
اختلفت مواقف الدول وأرباب السياسة وأصحاب القرار وفقهاء القانون الدولي من الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة ما بين مؤيد لها ومتحفظ ومعارض لها فأنقسم الرأي حولها إلي قسمين ولكل أسبابه ومبرراته.
الرأي الأول: مؤيد لوجود الشركات العسكرية والأمنية الخاصة( ):
يقف علي رأس هؤلاء أصحاب تلك الشركات ومؤسسيها والعاملين فيها ومن وراءها وهذا منطقي وطبيعي، لأنهم يدافعون عن تجارتهم ومصدر رزقهم وعملهم الذي يدر عليهم دخلا أكثر من أي عمل أخر، ويستند هؤلاء في ذلك علي ما يلي:
1 – أنه لا فرق بين الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والشركات العاملة في أي مجال اقتصادي أخر فأنشطتها مشروعة بدليل وجود قوانين تنظم نشأتها وعملها في دول المنشأ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية توجد عدة قوانين فيدرالية وأخري خاصة بالولايات تطبق علي أية شركة تعمل في مجال الأمن فلا بد أن تحصل علي تصريح حكومي قبل الدخول في أي ارتباط يرتب تقديم سلع أو خدمات عسكرية أو أمنية لأي عميل أجنبي سواء هذا العميل حكومة أو شركة.
2 – يصر أصحاب هذه الشركات علي وجود فروق بين ما تقدمه الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة من خدمات وأعمال وبين أنشطة المرتزقة، فهذه الشركات قواتها تحارب إلي جانب الحكومات الشرعية ذات السيادة ومن ثم فإن لها معايير أخلاقية تحكم وتتحكم في عملها واشتراكها في النزاعات، خلافا للمرتزقة الذين يهدفون إلي الكسب المادي من تدخلهم، كما أن وجود هذه الشركات يعزز التحول الديمقراطي في الدول التي تتدخل فيها، بدليل أن شركة(EO ( أصرت علي مطالبة حكومة ستراسر في سيراليون بتحول ديمقراطي حقيقي وأصرت علي ضرورة وضع جدول زمني لهذا التحول وهددت بالانسحاب عندما حاول النظام عدم الالتزام بتعهداته في هذا المجال.
3 – أن استعمال هذه الشركات أفضل من الناحية العملياتية عن القوات العسكرية النظامية في الآتي:
أ – سرعة نشر الأفراد التابعين لهذه الشركات.
ب – انخفاض نسبة القلق العام حول استخدام القوة.
ج – العمل كقوة مقابلة للقوات العسكرية المحلية في الدول ذات المؤسسات السياسية الضعيفة.
4 – يري البعض أن تكلفة هذه الشركات أقل من تكلفة الجيوش النظامية للآتي:
أ – يمكن للشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة توظيف أفراد من شركات غير غربية تدفع لهم رواتب أقل بكثير من التي تدفع للأفراد الغربيين.
ب – يمكن للحكومات تقديم مزايا خفية لهذه الشركات مثل معاشات التقاعد والرعاية الصحية والتسهيلات المعيشية علما بأن هذه الأمور لا ينص عليها عقد العمل مع هذه الشركات.
ج – يمكن لهذه الشركات زيادة حجم القدرات التابعة لها دون الحاجة لدفع تكاليف صيانة طويلة الأجل للقدرات العسكرية أو عمليات شراء كامل الحصص والتي تحدث عادة عندما تخفض الجيوش النظامية من عدد قواتها.
د – ومن خلال تنفيذ عمليات أساسية لا تتعلق بالنزاعات المسلحة تسمح هذه الشركات للقوات المسلحة بالتركيز علي المهمات الجوهرية والمنوطة بها.
5 – واقترح البعض أن يتم شن تشريع ينظم عمل هذه الشركات العسكرية علي أن يراعي الأمور التالية:
– تحديد الأعمال والخدمات التي يسمح لهذه الشركات القيام بها أو تقديمها عن طريق وضع قائمة شاملة بالأعمال المسموح بها والخدمات التي يمكن تقديمها.
– إخضاع الأنشطة التي تضطلع بها هذه الشركات علي الصعيدين المحلي والخارجي للقوانين الجنائية والمسئولية المدنية.
– تنظيم كافة مراحل عملية إبرام العقود بما في ذلك التعاقد من الباطن والتدقيق المالي والقواعد العامة للمشتريات.
– إدراج شروط معيارية خاصة بهذه الشركات مثل تسجيل الشركات ومؤهلات المدير التنفيذي والطاقم الإداري والأمني وتحديد شروط خاصة بالأفراد المتقدمين للعمل بها وحفظ الملفات الخاصة بأنشطة الموظفين.
– تحديد جهة رقابية تكون مسئولة عن مراقبة تلك الشركات كوزارة الدفاع أو الداخلية أو كليهما أو أنشاء هيئة رقابية خاصة.
– يجب أن تخضع هذه الشركات للقوانين الأخرى المطبقة علي الأجهزة الأمنية التابعة للدولة وخاصة في البيانات والاتصالات نوعية الأعمال والخدمات.
الرأي الثاني: المعارض لنشأة ووجود الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة:
يذهب أنصار هذا الرأي إلي عدم مشروعية نشأة ووجود الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة، واعتبروا أفرادها مرتزقة كما أن وجود هذه الشركات يهدد السلم والأمن الدوليين كعادة المرتزقة علي مر الدهور وكر العصور، فظاهرة المرتزقة ليست حديثة فقد ظهرت في العصور القديمة حيث لم تكن الجيوش النظامية قد تكونت ومع قيام الدولة بمفهومها الحديث ومع تكوين الجيوش النظامية أستمر أيضا استخدام المرتزقة.
وقد بدأت ظاهرة المرتزقة تظهر علي السطح أبان ظهور حركات التحرر الوطني والاستقلال فقد استعانت بهم الدول الاستعمارية في إخماد حركات المقاومة الوطنية في المستعمرات التي تناضل من أجل الاستقلال وخاصة أفريقيا واستعانت بهم الدول الاستعمارية في تشجيع الحركات الانفصالية فقد قاتل المرتزقة مع قوات تشومبي الانفصالية في كينشاسا في الفترة من 1962إلي 1964م، كما ظهر نشاط المرتزقة في الحرب الأهلية 1967 إلي 1970م، وفي الحرب الأهلية أنجولا عام 1976م وفي غزو جزر القمر وإسقاط الحكومة، فقد كان المرتزقة وقود الحروب التي يشعلها ويوجدها الاستعمار في أفريقيا( ).
يمثل خطاب وزير الدفاع الأمريكي السابق(رونالد رمسيفلد) في (10/9/2001م) شهادة ميلاد تلك الشركات، والملاحظ أن هذا الخطاب الانقلابي قبيل أحداث(11/9) حيث قال(أننا نواجه اليوم عدوا خطيرا يهدد أمن أمريكا وكل من يرتدي الزى العسكري ربما ينصرف ذهنكم إلي أحد الطغاة في العصور السابقة ولكنه يحيا بين ظهرانينا أنه البيروقراطية التي تغتال وزارة الدفاع.. وأنا لا أنوي مهاجمة البنتاجون بل تحريره من ذاته)، وفي صيف 2002م أزاح رامسفيلد الغموض الذي ورد في الخطاب السابق تحت عنوان التحول الثوري بالعسكرية الأمريكية فقال(لقد قررت تبني نموذج تجاري بالبنتاجون يعلن الحرب علي النمط البيروقراطي لنرتدي ثوب المغامرين الرأسماليين).
وفي النشرة الفصلية للبنتاجون(2006م) أعلن رامسفيلد عن خطته التي أطلق عليها(خريطة طريق من أجل التغيير)أشار إلي أن تطبيقها الفعلي بدأ عام 2001م حيث صنفت قوات وزارة الدفاع إلي قوات عاملة واحتياطية وخدمة ميدانية ومرتزقة وهؤلاء جميعا يشكلون الكثافة والقتالية لوزارة الدفاع) ولم يكن رامسيفلد صاحب الفضل الوحيد علي تلك الشركات بل شاركه وربما تفوق عليه(بول بريمر)الحاكم المدني السابق في العراق بإصداره القرار(17) الذي منح الشركات العسكرية والأمنية الخاصة حصانة ضد أية إجراءات قضائية( ).
فالمرتزقة يشتركون في نزاعات مسلحة ذات طابع دولي رغبة في الحصول علي مزايا شخصية ويتم الاستعانة بهم في وقت السلم لغزو بلد معين من أجل قلب نظام الحكم فيه أو لشل الحياة الاقتصادية أو لإرهاب السكان المدنيين أو لمنع ممارسة شعب لحقه في تقرير المصير، ويزداد الطلب علي المرتزقة في كل النقاط الساخنة في العالم لأن اللجوء إليها بمثابة(حرب غير علنية) أو أداة للتدخل المقنع تلجأ إليه بعض الدول كقوة ردع أو إرهاب ضد دول لا تتفق معها أي لا تشاطرها ميولها السياسية( ) ويستند أنصار هذا الرأي لما يأتي:
1 – أن الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة يدفعها تحقيق الربح وليس واجبها الوظيفي المنوط بها، حيث يعتبر التزام هذه الشركات محدود جدا مقارنة بالتزام القوات العسكرية النظامية أي الجيوش النظامية.
2 – أفراد هذه الشركات لا يخضعون لنظام التسلسل القيادي المعمول به في الجيوش النظامية، مما يعطي حرية كاملة لهم ينتج عنها العديد من الانتهاكات ليس لقانون وأعراف الحرب فقط بل لكل القيم والمثل والمبادئ الإنسانية.
3 – أن القوات المسلحة للدول لديها نطاق واسع من التدابير التأديبية إضافة إلي القانون العسكري ذاته مما يساعد علي الانضباط واحترام القانون الدولي الإنساني وتحقيق القيادة والسيطرة علي القوات الخاضعة لإمرتهم فضلا عن أدوات القيادة مما يكفل النظام وضمان المسئولية الجنائية المحتملة لتلك القوات ضباطا وجنودا وبالتالي فأن مسئولية القيادة تعد أداة لمنع انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل الجنود والضباط خلال العمليات العسكرية، وهذا النظام غير موجود في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مما يستحيل معه ملاحقة عناصر هذه الشركات.
4 – لا يمكن أن تغطي العقود مع هذه الشركات العسكرية كافة الظروف الطارئة المحتملة بشكل مسبق، مما يؤدي إلي تقليص قدرة هذه الشركات علي التكيف مع ظروف النزاعات كما أنه من الممكن أن يؤدي ذلك إلي انعدام قدرتها علي التعامل مع الأوضاع غير المتوقعة.
5 – يفتقر الموظفون الذين لا يعملون في مجال النزاعات في هذه الشركات للتدريب الشامل الذي يمكن أن يعزز القدرات العسكرية لهذه الشركات عند الحاجة.
6 – أن الضغوط التي تمارس علي هذه الشركات لتخفيض نفقاتها قد تؤدي إلي اتخاذ قرارات تعرض حياة طاقمها للخطر وتمني مهمتها بالفشل مما يؤدي زيادة التوترات وعدم الاستقرار.
7– وفي حالة فشلها في أداء مهامها لأي سبب من الأسباب فإن هذه الشركات تعيق وتعرقل قدرة الجنود النظاميين علي تنفيذ المهام الموكولة إليهم.
8 – يتم دفع تكاليف لهذه الشركات علي أساس العقد مقابل للمهمات التي يؤديها عدد من جنودها في الميدان فمن الصعوبة إجراء مقارنة بين التكاليف التي تدفع لهذه الشركات وتلك التي تدفع للجيوش النظامية علي أساس تقييم العمل محل العقد ودرجة الإتقان والأداء.
9 – غالبا ما يتلقى موظفو هذه الشركات العسكرية تدريبا توفره الدولة لهم باعتبارهم أفرادا منتسبين للجيوش النظامية الوطنية في بلدانهم إلا أنهم حينما يتركون عملهم في القوات المحلية للعمل في وظائف توفر لهم دخلا أعلي في القطاع الخاص فإن التدريب الذي حصلوا عليه تعتبر عملية مساعدة لتنفيذ عمليات هذه الشركات العسكرية الخاصة وبالتالي يعمل علي تقليص الفائدة التي تعود علي القوات المسلحة الوطنية عند تدريب أفرادها.
10 – عادة يكون التعاقد مع هذه الشركات من الباطن حيث يتم تحرير العقد الواحد بين عدد من الشركات المختلفة مما يؤدي لتقليص الرقابة أو تراجع مستوي فعالية الخدمات التي تقدمها هذه الشركات للجهات المعنية إلي حد بعيد.
11 – الأموال التي تدفع لهذه الشركات تخرج من الدولة وعادة ما تكون بالعملة الصعبة(الدولار) مما يؤثر علي عملية التنمية الاقتصادية، أما الأموال التي يحصل عليها أفراد الجيوش النظامية للدولة فلا تخرج من الدولة ويعاد صرفها داخل الدولة مما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية في هذه الدول.
12 – في كافة الدول التي تنشأ فيها هذه الشركات تعاني التشريعات الخاصة بها من الضعف الشديد لا سيما ما يتعلق بالخدمات التي تقدمها تلك الشركات في الخارج وبالتالي تنعدم الرقابة الفعالة علي هذه الشركات، ويمكن للحكومات استخدام هذه الشركات وسيلة للالتفاف علي القيود التي تفرضها آليات الرقابة التي تعتمدها مؤسسات تلك الحكومات.
13 – أن هذه الشركات لا تكشف عن نطاق أنشطتها أو أي تفاصيل للعمليات التي تقوم بها أو نفقاتها، ولا تخضع هذه الشركات ولا موظفوها للقواعد التأديبية الخاصة بالخدمة العسكرية كما أنهم غير مدربين علي تنفيذ عملياتهم وفقا لقوانين النزاعات المسلحة، كما أن هذه الشركات يمكنها حل عملياتها أو إنهائها فلا يمكن ملاحقة موظفيها ومساءلتهم عما ارتكبوه من انتهاكات قانونية. وذلك مع غياب القانون الواجب التطبيق علي هذه الحالات.
14 – أن وجود هذه الشركات علي أي صعيد سواء الدولي أو الإقليمي أو الوطني يمثل خطرا وتهديدا للسلام والأمن الدوليين والاستقرار الداخلي للدول وعلي استقلال وسيادة وحرية الدول، حيث يمكن – وقد حدث – استغلالها لزعزعة الأمن في دولة ما أو إسقاط حكومة شرعية، والواقع الدولي يؤكد ذلك ويبين خطورة هذه الشركات علي الأمن والسلم الدوليين وزعزعة الاستقرار الداخلي للدول فقد لجأت إليها حكومات ديكتاتورية لقمع حركات التحرر والمعارضة.
15 – أن هذه الشركات تنشأ بموجب قانون داخلي لدولة ما وهذا القانون يسري فقط علي إقليم هذه الدولة ولا يمتد خارجه، فالسلطات التشريعية في الدول اختصاصها محصور داخل الدولة فقط، وطبقا لمبدأ السيادة فعمل هذه الشركات في دول غير دول المنشأ يعد انتهاكا لمبدأ السيادة وللقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ السيادة من القواعد الآمرة في القانون الدولي العام التي لا يجوز ليس مخالفتها فقط بل لا يجوز الاتفاق علي مخالفتها( ).
المبحث الثاني
الجهود الوطنية والدولية بشأن الشركات العسكرية الدولية الخاصة
تعددت الجهود التي بذلت لمحاولة تقنين وتجريم ظاهرة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة فقد سنت بعض الدول تشريعات تنظم عمل هذه الشركات وتحدد مجال عملها كما حظرت بعض الدول تلك الظاهرة وقدمت مبادرة من أحدي الدول لتنظيم عمل هذه الشركات
أما علي الصعيد الدولي فأن اللجنة الدولية للصليب الأحمر الوحيدة التي ناقشت هذه الظاهرة وبحثتها، ولكن باقي الجهود ركزت علي أفراد المرتزقة فقط فأبرمت اتفاقيات منها منظمة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وأصدر مجلس الأمن عدة قرارات تصب في خانة تجريم المرتزقة وعدها من الجرائم ذات الاختصاص العالمي والتي يمكن محاكمة مرتكبيها في كافة دول العالم بصرف النظر عن مكان ارتكابها.
1 – الجهود الوطنية بشأن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة:
لم يقم سوي عدد قليل من الدول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة علي سن تشريعات لتنظيم عمل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة علي أراضيها أو خارج حدودها، أو الإنشاء مع إتباع تلك الشركات التعليمات الواردة في هذه القوانين، ونصت هذه القوانين علي حماية أفراد تلك الشركات وتختلف باختلاف الظروف فقد سنت كل من جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية تشريعا ينظم إنشاء وعمل هذه الشركات.
تقدمت الحكومة السويسرية بمبادرة لتعزيز احترام الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للقانون الدول الإنساني وجاءت الفكرة من وزارة الخارجية السويسرية بسبب تزايد تواجد هذه الشركات في دول تعاني النزاعات المسلحة، والخطوات التي ينبغي علي الدول اتخاذها من أجل تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان من قبل تلك الشركات، وقد شاركت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذه المبادرة.
وبناء علي هذه المبادرة انعقدت في يناير2006م ورشة عمل تضم خبرات من الدول صاحبة الخبرات ذات الصلة إضافة إلي عدد صغير من ممثلي الصناعة وغيرهم من الخبراء، وكانت ردود الفعل إيجابية للغاية، وعقد اجتماع ثان في نوفمبر2006م بهدف طرح القضية علي المؤتمرات و الاجتماعات الدولية أو الإقليمية لا سيما المؤتمر الدولي الثلاثون للجنة الدولية للصليب الأحمر الذي عقد في نوفمبر2007م، لبحث تزايد واستمرار النزاعات التي توجد فيها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، ومن المتوقع حضور عدد من الدول وأصحاب بعض شركات الأسلحة والشركات العسكرية والأمنية الخاصة وعدد من الخبراء.
وتهدف المبادرة إلي تأكيد مسئوليات الدول والشركات العسكرية والأمنية وموظفيها في ظل القانون الدولي والإقرار بها، ويمكن عن طريق هذه المبادرة إصدار وثيقة توفر الإرشاد للدول في علاقاتها مع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وقد تقترح الوثيقة خطوات تستطيع الدول اتخاذها من أجل تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان سواء عند استئجار هذه الشركات العسكرية أو عندما تعمل علي أراضيها أو عندما ترغب هذه الشركات القائمة علي أراضي الدولة تقديم خدماتها خارج دول المنشأ، وقد تعتمد أيضا خيار اعتماد معيارا وطنيا من شأنه أن يوفر أساسا قانونيا للتعامل مع هذه الشركات.
ومن الدول التي أصدرت قانونا لتنظيم عمل هذه الشركات الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، وقد تبني كل منهما أسلوبا مختلفا في معالجة هذا الموضوع، حيث يتناول قانون تنظيم تصدير الأسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية الصادر عام 1968م وتعديلاته مسألة تصدير الخدمات الأمنية بنفس الطريقة التي ينظم بها تصدير البضائع، وينظم هذا القانون وتعديلاته بشكل صارم الجهات التي يتم تصدير هذه الخدمات إليها، إلا أنه لا ينظم الطريقة التي يتم بها استخدام هذه الخدمات، ويشترط هذا القانون علي الشركات الأمريكية التي تقدم خدمات عسكرية للأجانب داخل الولايات المتحدة أو خارجها الحصول علي ترخيص من وزارة الدفاع الأمريكية وذلك بموجب الأنظمة الخاصة بنقل الأسلحة International Transfer of Arms Regulation. والتي تنظم تصدير الأسلحة.
وعلي أية حال لا تتبع عملية الترخيص ذاتها إجراء عاما، حيث لا تتوافر رقابة رسمية بعد إصدار هذه الرخص، ولا ينص علي أحكام قانونية لضمان الشفافية باستثناء العقود التي تتجاوز قيمتها(50)مليون دولار فيجب إبلاغ الكونجرس بها قبل إبرامها، وتقع مسئولية تنفيذ أنظمة منح التراخيص الخاصة بالخدمات التي تصدرها الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة لأغراض تجارية علي عاتق المسئولين في سفاراتها في الدول (وهم الملحقون العسكريين)بالإضافة إلي دائرة الجمارك فيما يتعلق بالأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى( ).
في عام 1998م أصدرت جنوب أفريقيا قانون تقديم المساعدات العسكرية للجهات الأمنيةForeign Military Assistance Act ينظم تصدير الخدمات الأمنية وقد أتسم هذا القانون بالتالي:
1 – تعتبر الأنشطة التي تنفذها المرتزقة والتي تعرف علي أنها الاشتراك في النزاعات المسلحة لتحقيق مكاسب خاصة محظورة داخل جنوب أفريقيا وخارجها مع الأخذ بعين الاعتبار أن القانون لا يتعرض للمواطنين الأجانب الذين يرتكبون جرائم خارج إقليم هذه الدولة.
2 – يجوز تقديم المساعدة العسكرية والتي تعرف علي أنها الخدمات العسكرية من قبل أفراد مرخصين وحاصلين علي موافقة محددة من الحكومة علي كل عقد من العقود التي يبرمونها فقط.
3 – اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية هي جهة الرقابة المسئولة عن الترخيص ويرأسها وزير من وزارة حكومية لا يرتبط بصورة مباشرة بمؤسسة الدفاع.
وقد حقق قانون تقديم المساعدة العسكرية للجهات الأجنبية بعض النجاح، فقد أغلقت عدد من الشركات العسكرية الخاصة في جنوب أفريقيا كما تم نقل عدد أخر منها خارج جنوب أفريقيا، ولكن اقتصرت العقوبات التي طبقتها المحاكم علي غرامات مالية قليلة، وهذه الغرامات القليلة ليست رادعة للشركات أو الأفراد مما سمح لبعض الشركات العسكرية والأمنية باستغلال الضعف في القانون لإنشاء شركات خاصة وسمح لأفراد بعض أجهزة النظام العنصري السابق في العمل لدي شركات الحماية الأمريكية والبريطانية في العراق.
وبسبب وجود عدد كبير من رعايا جنوب أفريقيا كحراس أمنيين في العراق وفشل محاولة الأنفلاب في جمهورية غينيا الاستوائية عام 2004م، لجأت الحكومة لاقتراح تشريع جديد فصدرت لائحة عام(2005م) بشأن حظر وتنظيم الأنشطة التي تنفذها قوات المرتزقة وحظر وتنظيم نشاطات محددة في منطقة تشهد نزاعا مسلحا، تناولت هذه اللائحة كافة الأنشطة التي يضطلع بها الأفراد والشركات التي تشارك في النزاعات المسلحة الذين من خارج القوات المسلحة.
كما تسعي هذه اللائحة لحظر أية مشاركات في الأنشطة العسكرية الخاصة والتي لا يصدر التفويض الصريح بشأنها من قبل اللجنة القومية لتنظيم الأسلحة التقليدية وتمنح المحاكم اختصاصات قضائية تتعدي الحدود القومية لدولتها علي أية شركة عسكرية خاصة موظفيها.
وقد اهتمت اللجنة الدولي للصليب الأحمر بموضوع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وتمثل اهتمامها باحترام هذه الشركات وأفرادها للقانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة ووضعت حد أدني للعناصر الضرورية وهي:
1 – يجب أن يكون موظفو الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ملمين بالإطار القانوني الذي يعملون داخله بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
2 – يجب أن تمتثل عملياتهم للقانون الدولي الإنساني أي أن تكون قواعد اشتباكهم وإجراءات عملهم الاعتيادية موافقة للقانون الدولي الإنساني.
3 – يجب أن يتم اتخاذ تدابير ترمي إلي كفالة هذه العناصر من قبل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ذاتها والدول التي تستأجر خدماتها والدول التي تكون الشركات مسجلة فيها والدول التي تعمل علي أراضيها ومن الممكن التعامل مع الحالتين بواسطة اعتماد إطار ضابط وحتى الآن لم تقدم سوي عدد قليل من الدول علي اعتماد تشريع يحدد إجراءات يتعين علي الشركات العسكرية والأمنية المؤسسة علي أراضيها الامتثال لها لكي يتم السماح لها بالعمل في الخارج ولا تضبط سوي قلة من الدول نشاط الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
ولم تكن الأمم المتحدة بعيدا عن هذا النشاط وتلك الظاهرة فأصدر مجلس الأمن قرارات بشأن المرتزقة وكونت الجمعية العامة لجنة لدراسة هذه الظاهرة وأقرت اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة وأقرت الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم.
وتسعي مجموعة من الخبراء برعاية الأمم المتحدة لإعداد مدونة حسن سلوك لهذا القطاع المزدهر للأمن الخاص إلي جانب العمل علي تعريف جديد للمرتزقة يأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة علي الأرض، وتتكون هذه المجموعة من أثني عشرا خبيرا وقد عقدت اللجنة منذ عام 2001م ثلاثة اجتماعات في المقر الأوربي للأمم المتحدة في جنيف لمناقشة هذه القضية.
وأوضحت مقررة اللجنة أن الغرض من اللجنة(تقديم النصح للدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول ما يمكن فعله لمراقبة نشاطات المرتزقة الذين يهددون الحكومات ويعرضون سلامة واستقلال أراضي الدول للخطر وينتهكون حقوق الإنسان في العالم إلا أنها اعترفت بأنه لا يمكن معاملة كل أجهزة الأمن المتخصصة بالحماية كمرتزقة).
وقد تم اقتراح عدد من المداخل التي تهدف إلي تنظيم سلوك الشركات العسكرية والأمنية الخاصة علي نطاق دولي، فقد اقترح البعض فرض حظر عام علي أنشطة محددة، إلا أن البعض أفاد بأن هذه الشركات تؤدي دورا ضروريا، كما أنه من غير المحتمل أن تجرم الدول استخدام أي نوع من أنشطة الشركات الخاصة بشكل مطلق.
واقترح البعض أنشاء هيئة دولية لتنظيم الشركات العسكرية الخاصة، ولكن يشير هذا الاقتراح إلي أنه يتوجب علي الدول التخلي عن احتكارها التقليدي لعمليات التصدير المتعلقة بالخدمات وهذا يبدو بحد ذاته غير ممكن، بينما اقتراح البعض أبرام اتفاقية تحدد الحد الأدنى من معايير الرقابة والإدارة الخاصة بتلك الشركات بما في ذلك المعايير التالية:
1 – وضع نظام للترخيص يشتمل علي قائمة محددة بالخدمات التي تقدمها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والإبلاغ قبل طرح العطاءات إضافة ألي تسجيل الأفراد العاملين لدي هذه الشركات.
2 – تحديد الحد الأدنى من الشروط المطلوبة للترخيص فيما يتعلق بتوظيف الأفراد في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والهيكل التنظيمي للشركات وصلاحياتها وسياستها تجاه القانون وتنفيذ قانون النزاعات المسلحة وحقوق الإنسان.
3 – قيام رقابة برلمانية مستقلة علي الأنشطة التي تنفذها الشركات العسكرية والأمنية الخاصة.
4 – تعيين الحد الأدنى من الشروط المتعلقة بالمنافسة والشفافية في عمليات الشراء وطرح العطاءات وإبرام العقود.
وقد يكون من الصعب تطبيق مثل هذه الخطة ولكنها تفيد في حماية قيام السلطات القومية بتنظيم الشركات والعسكرية والأمنية الخاصة التابعة لها إضافة إلي أن هذا الاقتراح يترك للجمهور العام في الدولة حرية تفسير تفاصيل معينة يمكن أن تشكل عوائق أمام التوصل إلي اتفاق حول معاهدة دولية.
وقد أصدر كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة قرارات تدين وتندد بممارسات المرتزقة خاصة ضد الدول النامية وحركات التحرر الوطني منها القرار رقم(40/74الصادر في 11/12/1985م) وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي رقم(1986/43 المؤرخ في 23/5/1986م) الذي أدان فيه المجلس تزايد تجنيد المرتزقة وتمويلهم وحشدهم ونقلهم واستخدامهم والقرار رقم(41/102 الصادر في 4/12/1986م)بشأن المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان ولإعاقة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير، الصادر عن الجمعية العامة في جلستها العامة رقم(97)ويتكون هذا القرار من ديباجة طويلة من (12) فقرة إضافة إلي سبعة بنود، وأشار القرار في المقدمة إلي كل القرارات السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة سواء من الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وأكدت علي أن حق الشعوب في تقرير مصيرها غير قابل للمساومة، وأكد القرار أن الارتزاق يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين ويخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي مثل عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والسلامة الإقليمية والاستقلال، كما أنها تعرقل حق الشعوب في تقرير مصيرها وكفاحها المشروع ضد الاستعمار.
أما عن بنود القرار فقد أدان تزايد اللجوء إلي تجنيد المرتزقة وتمويلهم وتدريبهم ونقلهم واستخدامهم لأنها تقوض الاستقرار في الدول النامية، ونددت بأي دولة تلجأ إليهم أو تساعدهم وطالبت كافة الدول باتخاذ كل السبل لمنع ومحاربة سواء الإدارية منها والتشريعية بموجب القوانين الداخلية، كما طالبت الدول بتقديم كافة المساعدات الإنسانية لضحايا الأوضاع الناجمة عن استخدام المرتزقة وقررت الجمعية العامة أن تولي هذه المسألة الاهتمام الواجب في الدورات اللاحقة( ).
وفي 4/12/1980م أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم(35/48)الذي أنشأت بموجبه اللجنة المختصة لصياغة اتفاقية دولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدام وتمويلهم وتدريبهم( )وتم وضع مشروع الاتفاقية في صورته النهائية وعرض علي الجمعية العامة في 4/12/1989م في الجلسة العامة رقم(72) وتم إقرار الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم في القرار رقم(44/43)الصادر في4/12/1989م( ).
وهذه الاتفاقية تتكون من ديباجة وأحدي وعشرون مادة، ففي الديباجة أكدت الاتفاقية علي المقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وإعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وأن أنشطة وتجنيد واستخدام المرتزقة تنتهك مبادئ القانون الدولي مثل المساواة في السيادة والاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها واعتبرت ما سبق جرائم ذات اختصاص عالمي ينبغي محاكمة أو تسليم من يرتكبها، وصدور هذه الاتفاقية يعد اقتناعا منها بخطورة المرتزقة ودورهم الخطير واعتماد هذه الاتفاقية من شأنه المساهمة في التخلص منهم ومن دورهم الخطير وسوف نلقي مزيدا من الضوء علي هذه الاتفاقية في التكييف القانوني للشركات.
وأصدرت الجمعية العامة عدة قرارات بشأن المرتزقة منها القرار رقم(49/150) الصادر في( 23/12/1994م) والقرار رقم(50/138) الصادر في 1/12/1995م والقرار رقم (51/83) والقرار رقم(15/83) الصادر في( 12/12/1996م) والقرار رقم(52/112) الصادر بالجلسة العامة رقم(70) في (12/12/1997م) بشأن استخدام المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير.
والقرار الأخير يتكون من ديباجة تتكون من سبعة فقرات أكدت فيها الجمعية العامة خطورة المرتزقة وعدم شرعية تمويلهم أو تدريبهم أو حشدهم أو نقلهم أو استخدامهم لمخالفة ذلك لميثاق الأمم المتحدة مبادئ وأهداف وقواعد القانون الدولي وحثت الدول علي الانضمام إلي اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المرتزقة سالفة الذكر، وأكدت علي عدم شرعية المرتزقة في كافة صورها وأشكالها( ).
وأكدت الجمعية العامة في البند الثاني من القرار سالف الذكر علي عدم شرعية المرتزقة بكافة صورها وأشكالها لمخالفتها ميثاق الأمم المتحدة، وحثت جميع الدول علي اتخاذ الخطوات اللازمة وممارسة أقصي درجات اليقظة واتخاذ كافة التدابير التشريعية لمحاربة المرتزقة وطالبت الدول كافة بضرورة التعاون علي ذلك وطالبت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالإعلان عن الآثار الضارة للمرتزقة علي حقوق الإنسان والسلم والأمن الدوليين، وطالبت الأمين العام أن يقوم بدعوة الدول لتقديم اقتراحات لتبني تعريف قانوني أوضح للمرتزقة وقررت أن تناقش موضوع المرتزقة في الدورة الثالثة والخمسين.
وفد أصدر مجلس الأمن عدة قرارات بشأن إدانة أي دولة تعمل علي إجازة أو إباحة تجنيد المرتزقة وتقديم التسهيلات لهم بهدف الإطاحة بحكومات دول أعضاء في الأمم المتحدة، منها القرار رقم(239/1967م) في 10/6/1967م والقرار رقم(405/1977م) الصادر في 14/4/1977م والقرار رقم (419/1997م) 24/11/1977م، والقرار رقم(946/1/12/1981م، والقرار رقم(507/1982) في 28/5/1982م.
وقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم(1467/2003م) في جلسته المعقودة في 28/3/2003م) الذي قرر فيه المجلس اعتماد البيان المرفق بشأن الأسلحة الخفيفة والأسلحة الصغيرة وأنشطة المرتزقة والأخطار التي تهدد السلام والأمن في غرب أفريقيا ويتكون القرار من ديباجة أربعة فقرات وستة بنود،
في الديباجة طالب القرار السالف الدول الأفريقية بوقف دعم أنشطة المرتزقة في منطقة غرب أفريقيا واتخاذ كافة التدابير لمحاربة المرتزقة وأعرب عن قلقه البالغ من أنشطة المرتزقة وطالب بتوعية الدول بخطر المرتزقة وطالب الدول الإقليمية والدول غير الإقليمية بضرورة التعاون لوضع حد لظاهرة الاتجار في الأسلحة الصغيرة وأنشطة المرتزقة.
المبحث الثالث
التكييف القانوني للشركات العسكرية الدولية الخاصة
بعد أن انتهينا من إلقاء الضوء علي الموقف من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وكذلك الجهود الوطنية والدولية، نتناول بعد ذلك التكييف القانوني لها وطبيعتها القانونية ونري مدي مشروعيتها من عدمه هل هي شرعية أم أنها غير شرعية؟ وهل يوجد فرق بين المرتزقة وبين عناصر وأفراد هذه الشركات؟ نبدأ بتعريف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والفرق بينها وبين المرتزقة.
1 – تعريف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة:
اختلفت الآراء حول ماهية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ووضع تعريف لها فتعددت التعريفات والمصطلحات والمسميات التي تطلق علي هذه الشركات، وعادة ما يطلق عليها شركات تجنيد وتأجير المرتزقة أو شركات المرتزقة أو المرتزقة فقط وهذا المصطلح ظل يلازمها منذ أمد بعيد، ولكن ذلك كان في فترة عدم ظهور شركات متخصصة في ذلك ولكن بعد ظهور شركات تمتهن تقديم الخدمات العسكرية والأمنية فقد أطلق عليها الشركات العسكرية الخاصة وتارة الشركات الأمنية الخاصة أو شركات الحماية الأمنية أو المقاولون أو المتعاقدون المدنيون أو خصخصة الحرب( ).
وقال عنهم(كريستوفر بيز)المدير الإداري لشركة الأمن البريطانية(آرمور جروب) (أن السمة الغالبة للمرتزقة هي أنهم يقومون بعمليات دفاعية وليست بهجمات أننا نقدم جهاز حماية هو بتعريفة غير دفاعي) ويصفهم رئيس لجنة القوات المسلحة السابق في الكونجرس السناتور جون وورنر بأنهم(الشريك الصامت) وتطلق عليهم الصحف الأمريكية(المتعهدين المدنيين).
وقد أورد التقرير الموجز الصادر عن مركز جنيف للرقابة الديمقراطية علي القوات المسلحة الصادر في مارس2006م تعريفا لها(تمثل الشركات العسكرية الخاصة شركات تجارية تقدم خدمات متخصصة تتعلق بالحروب والنزاعات بما فبها العمليات القتالية والتخطيط الاستراتيجي وجمع المعلومات الاستخباراتية والدعم العملياتي والدعم اللوجستي والتدريب وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية وصيانتها ويتم تمييز هذه الشركات من خلال الصفات التالية:
الهيكل التنظيمي: الشركات العسكرية الخاصة هي شركات تجارية مسجلة تمتلك هيكلا تنظيميا خاصا بالشركات.
الدافع: تقدم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة خدماتها بهدف تحقيق الربح بشكل أساسي وهي لا تسعي إلي تنفيذ أجندة سياسية.
تتفاوت هذه الشركات في أحجامها إلي حد كبير حيث تتراوح في حجمها من شركات صغيرة تقدم خدمات استشارية وضخمة تتعدي الحدود القومية للدول التي أنشئت فيها، علي الرغم من بداية ظهورها خلال الحرب العالمية الثانية فإن التغييرات السياسية والطبيعية بالإضافة إلي أعادة هيكلة العديد من القوات المسلحة في عدة دول عقب نهاية الحرب الباردة سارعت في نمو الشركات العسكرية الخاصة، وفي هذه الأيام تتزايد عدد الشركات في القطاع العسكري والأمني يوما بعد يوم حتى انتشرت في أكثر من (50دولة).
ورأي التقرير السالف ضرورة التفرقة بين الشركات العسكرية الخاصة التي تقدم خدماتها في القطاع العسكري وبين الشركات الأمنية الخاصة التي تقدم خدماتها في القطاع الأمني والتي تخصص في الحراسات الأمنية سواء للأفراد أو المؤسسات إلا أنه يصعب التمييز بين الأدوار التي تنفذها تلك الشركات فلا توجد شركة متخصصة في القطاع العسكري وأخري في القطاع الأمني ولكن هذه الشركات تقدم خدماتها في المجالين العسكري والأمني معا.
وطالب البعض بضرورة وضع إطار قانوني لتنظيم نشاطات كل هذه الشركات دون وصفها بالمرتزقة وطالب في ذات الوقت التحديد الواضح لمن يعتبر مقاتلا في نظر القانون الدولي لأن ظهور هذا النوع الجديد من الشركات يؤدي إلي الخلط ورأي أنهم –أفراد هذه الشركات – يعتبرون من المدنيين طبقا للقانون الإنساني الدولي ولكنهم يقومون بعمليات شبة عسكرية.
وعرفها البعض بأنها(تلك الجيوش التي تتشكل من(جنود محترفين)يعرضون خدماتهم لطرف أجنبي في مقابل الحصول علي أموال ) فهؤلاء الجنود يشاركون في الصراعات المسلحة لأطراف خارجية إما مباشرة من خلال المشاركة في العمليات القتالية أو بصورة غير مباشرة من خلال تقديم الاستشارات العسكرية.
وعرفها أخر بأنها( تلك المنظمات التي تتجاوز خدماتها مجرد المساعدة السلبية لأطراف صراع ما إذ تقدم هذه الشركات التدريب والمعدات لتطوير القدرات العسكرية لعملائها وتوفر لهم الميزة الاستراتيجية والعملياتية الضرورية لقمع معارضيهم، أو حتى تذهب لأبعد من ذلك من خلال لعب دور نشط جنباً إلى جنب مع قوات العملاء كمضاعف للقوة، من خلال نشر قواتها الخاصة في أرض المعركة”)( )
ونحن نعرف هذه الشركات بأنها(شركات تجارية تقدم خدماتها في القطاعين العسكري والأمني خارج حدود دولة المنشأ أو بداخلها بهدف تحقيق الربح المادي) ومن ناحية التسمية نري أن يطلق عليها(الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة) وبناء علي هذا التعريف فأن هذه الشركات تتضمن العناصر الآتية:
1 – أن هذه شركات تجارية لأنها تقدم خدماتها مقابل الحصول علي مكسب مالي أي بغية الربح مثلها مثل بقية الشركات التجارية والاقتصادية التي تتاجر في السلع الغذائية و المادية.
2 – هذه الشركات تعمل في المجالين العسكري والأمني أي تقدم خدمات تقوم بها أو من اختصاص الجيوش النظامية الوطنية، والمجال الأمني حيث تقدم خدماتها في حراسة أشخاص سواء رؤساء دول أو حكومات وهي مهمة الأجهزة الأمنية في الدول أو وزارات الداخلية في الدول لذلك فهي شركات عسكرية وأمنية.
3 – هذه الشركات مملوكة لأفراد وليست مملوكة لحكومات أو دول لذلك فهي شركات خاصة تنشأ لحساب الأفراد المؤسسين لها.
4 – مهنة أو حرفة هذه الشركات التجارة في الأمن والأمان بتوريد مقاتلين أو توريد وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية أو التدريب أو الاستخبارات.
5 – هذه الشركات تتدخل في صراعات خارج دولة المنشأ أي أنها تعمل عادة خارج دولة المنشأ التي أنشئت فيها.
6 – هذه الشركات تمتلك هيكلا تنظيميا وبها إدارات كبقية الشركات التجارية الأخرى فلها رئيس مجلس إدارة وأعضاء مجلس الإدارة ومدير إداري وموظفون إداريون.
ويلاحظ أن الاتفاقيات الدولية عرفت المرتزقة وركزت عليها دون التعرض للشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة صراحة لسببين هما:
1 – أما لحداثة هذه الظاهرة فلم يتمكن الفقه الدولي من تناولها والحديث عنها، رغم وجودها منذ فترة ليست بالقصيرة، ولكن يمكننا رد هذا لكلام، لأن الفقه الدولي دائما يسارع إلي بحث كل ظاهرة وتقنينها سواء من خلال المؤلفات العلمية أو لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة أو أكاديمية القانون الدولي بلاهاي، خاصة وأن الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة قد تعرضت لهذا الموضوع في العديد من القرارات والتوصيات.
2 – أن الفقه الدولي اعتبر هذه الشركات والعناصر التي تعمل فيها من قبيل المرتزقة ويتضح ذلك من تعريفات اتفاقية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وحتى فقهاء القانون الدولي ركزوا شروحهم علي المرتزقة ونحن نري أنه لا يوجد فرق بين المرتزقة وتلك الشركات بل أنها شركات للمرتزقة.
ويتضح ذلك من المهام التي تقوم هذه الشركات عن طريق عناصرها من ممارسة الأعمال التي تقتصر علي الجيوش النظامية فهي تشترك في القتال في نزاعات دولية أو داخلية لا علاقة لهما بها من قريب أو بعيد أو القيام بأعمال في القطاعين العسكري والأمني، وهو ما تقوم به عناصر المرتزقة.
إن الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة تعمل في ظروف خطرة تجعلهم علي اتصال مباشر بالأشخاص المعرضين للخطر الذين تحميهم اتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949م والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977م، فالدول تلجأ إلي هذه الشركات لسد العجز لديها في الإمكانيات العسكرية من أسلحة وخبرة تدريبية، فيتم استخدام هذه الشركات لاستكمال هذا النقص( ).
والغريب في الأمر أن مؤيدي تلك الشركات تري أن المنظمات الدولية الإقليمية والأمم المتحدة يمكنها استخدام هذه الشركات في قوات حفظ السلام، ونحن نري أن ذلك محاولة خبيثة من أصحاب هذه الشركات لإضفاء الشرعية علي نشأة وعمل هذه الشركات، ولا يمكن اشتراك أفراد هذه الشركات في قوات حفظ السلام سواء التي تقوم الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية لما يأتي:
1 – اختلاف الغرض بين الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة وبين قوات حفظ السلام فالأخيرة مهمتها رسالة تؤديها لحفظ السلم والأمن الدولي في منطقة معينة، بينما الشركات غرضها وهدفها تجاري محض أي أنها تعمل من أجل الربح فمن مصلحتها عدم إنهاء النزاع بل الأفيد لها وهذا ما ستحاول عمله فعلا إطالة أمد النزاع وإشعاله، أما قوات حفظ السلام سوف تعمل علي تهدئة الأوضاع وإعادة الاستقرار، فالهدف والغرض مختلف لكل منهما، فهدف وغرض الشركات العسكرية والأمنية غير مشروع بينما الهدف من قوات حفظ السلام مشروع.
2 – أن أنشاء هذه الشركات للتجارة في الأمن والأمان فهي تعمل علي زيادة بؤر التوتر في العالم، بينما قوات حفظ السلام تعمل علي تحقيق وحفظ السلم والأمن الدوليين، فالمنطق والواقع يقول أن بينهما عداء مستحكم وليس تفاهم وتعامل.
3 – أن اشتراك هذه الشركات في قوات حفظ السلام يضفي عليها نوعا من الشرعية والمشروعية، مع العلم بأن كافة قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية تؤكد علي عدم شرعية المرتزقة وبالتالي إنشاء وعمل هذه الشركات.
4 – أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة ولائها للربح والكسب المادي فهي تبيع ذلك لمن يدفع أكثر ولا يهمها السلام العالمي والأمن والاستقرار، لذلك يمكن لأحد طرفي النزاع شراء ولاء هذه الشركات وأفرادها مما يعيق عمليات حفظ السلام، فهم يبيعون ولائهم مقابل المال فلا يهم عندهم إذا كانت هذه الحرب مشروعة أم لا ما دامت تحقق لهم مكسبا ماديا وستدفع لهم مقابل خدماتهم الذي يطلبونه فهم يبيعون مبادئهم وأخلاقهم لمن يدفع أكثر.
إن مهام هذه الشركات وعملها لا يختلف عن عمل المرتزقة في شيء بل هو نسخة متطورة من عمل المرتزقة وأكثر اتساعا وشمولا من المرتزقة، نستطيع القول أنها نسخة متطورة من المرتزقة استعانت بالتقدم العلمي والتكنولوجي لتطوير نفسها وبالتالي فلا فرق بينها وبين المرتزقة في شيء بل العكس أنها أخطر من المرتزقة لإمكانياتها الواسعة والمتقدمة والمتطورة منها أنشطة الدعم اللوجستي للانتشار العسكري والعمليات وصيانة نظم الأسلحة وحماية المباني والحماية الوثيقة للأشخاص وتدريب القوات المسلحة(الجيوش النظامية) وقوات الشرطة في الداخل أو في الخارج وجمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها واحتجاز واستجواب السجناء.
ونتيجة مذهبهم القاضي ببيع كل شيء حتى المبادئ والقيم من أجل الكسب المادي فقد كونت هذه الشركات عصابات للجريمة المنظمة وتاجروا في المخدرات والرقيق الأبيض وأداروا بيوت الدعارة حتى أن بعضهم أسس شبكات تقوم باختطاف الأطفال والأشخاص وخاصة الأطفال لاستئصال الأعضاء البشرية مثل الكلي والكبد للمتاجرة فيها كما تاجروا في الآثار، كما أن هذه الشركات تتفق مع المرتزقة في الهدف فالمرتزقة هدفه من اشتراكه في العمليات العسكرية والأمنية الربح، والشركات العسكرية والأمنية الخاصة هدفها الربح، أذن فلا فرق بينهما إلا في التطوير والإمكانيات واستخدام أحدث الأسلحة والمعدات العسكرية والأمنية.
وعملية التعاقد مع عناصر هذه الشركات تتم علي مراحل ففي الولايات المتحدة وهي تعد أكبر مستخدم لمثل تلك العناصر تبدأ المرحلة الأولي بتكليف البنتاجون أحدي الشركات العسكرية الخاصة أو شركات الحماية الأمنية الخاصة بتنفيذ مهمات معينة والمرحلة الثانية التعاقد مع وكلاء شركات أصغر يقومون بتجنيد الأفراد غالبا ما تكون الشركات الأخيرة غير مسجلة والراغبين في العمل يتم تحويلهم في مرحلة ثالثة إلي شركات أخري مسجلة رسميا حيث تتم مقابلتهم.
ويتم كتابة عقد بين الشركة والشخص الذي وقع عليه الاختيار يكون عادة بلغة لا يعرفها الفرد المراد تجنيده حتى لا يعرف مضمون العقد والالتزامات والحقوق لأنه ينطوي أساسا علي بنود مبهمة وغير واضحة منها التخلي عن حقوق أساسية مثل حق الحياة والتأمين والمعاش، والعقود سرية لا يمكن الإطلاع عليها من قبل الغير لأن الشركات تعتبر ذلك من أسرارها التي لا يجب الإطلاع عليها، والمرحلة الأخيرة يتم نقلهم إلي مقر العمل عن طريق شركة أخري( ).
وتقوم الشركات العسكرية والأمنية الخاصة بصرف مرتبات مرتفعة جدا نظرا للخطورة الشديدة للمهام التي يقوم بها عناصرها حيث يصل مرتب الفرد الواحد في اليوم(من 500دولار إلي 1500دولار) ويصل مرتب البعض منهم إلي (15000 دولار) في اليوم، وتلك سمة غالبة علي عقود هذه الشركات لأغراء الأفراد بالعمل في هذه الشركات( ).
الاتفاقيات الدولية التي تناولت موضوع المرتزقة محدودة منها اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة والتي اعتمدها مؤتمر رؤساء وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية في دورته العادية الرابعة عشرة المعقودة في ليبرفيل في الفترة من 2/5/6/1977م التي تدين وتجرم الاترزاق العسكري وآثاره الضارة علي استقلال الدول الأفريقية وسلامتها الإفريقية، فنصت في المادة الأولي علي تعريف المرتزقة(بأنه الشخص “الذي يختار محلياً أو دولياً للقتال في صراع مسلح، ويشارك بصورة مباشرة في الأعمال القتالية، وتشكل رغبته في الحصول على كسب شخصي الدافع من وراء مشاركته في القتال، وغالباً ما يكون قد وعد بالحصول على تعويضات مادية لقاء مشاركته في القتال إما من قبل أحد طرفي النزاع أو من ينوب عنه)( ) طبقا للتعريف السابق يشترط في المرتزقة ما يلي:
1 – أن يشارك بصورة مباشرة في الأعمال القتالية.
2 – أن يكون دافعه من وراء الاشتراك في الأعمال القتالية المكسب المادي.
3 – أن يقدم التعويض المادي من قبل أحد طرفي النزاع أو من ينوب عنه.
أما الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم الصادرة عن الأمم المتحدة فقد عرفت المرتزقة في المادة الأولي منها فنصت علي(لأغراض تطبيق هذه الاتفاقية:
1 – (المرتزق)هو أي شخص:
(أ) يجند خصيصا، محليا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح:
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلا من قبل طرف في النزاع أو باسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كثيرا علي ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم:
(ج) ولا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع:
(د) وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع:
(هـ) ولم توفده دولة ليست طرفا في النزاع في مهمة رسمية بصفته من أفراد تواتها المسلحة.
2 – وفي أية حالة أخري، يكون المرتزق أيضا أي شخص:
(أ) يجند خصيصا، محليا أو في الخارج، للاشتراك في عمل مدبر من أعمال العنف يرمي إلي:
1- الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخري: أو
2 – تقويض السلامة الإقليمية لدولة ما:
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في ذلك هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي ذي شأن يحفزه علي ذلك وعد بمكافأة مادية أو دفع تلك المكافأة:
(ج) ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل ولا من المقيمين فيها:
(د) ولم توفده دولة في مهمة رسمية:
(هـ) وليس من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ هذا العمل في إقليمها.)
يلاحظ علي المادة السابقة أنها توسعت في تعريف المرتزقة عن المادة الواردة في اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية بشأن القضاء علي أنشطة المرتزقة، فلم تقتصر مهمة المرتزقة علي الاشتراك في الأعمال العدائية فقط بل مدت حكمها إلي أعمال العنف أيضا، فيكون الشخص مرتزقة إذا أشترك في أي عمل من أعمال القطاع العسكري أو قدم خدمة من الخدمات التي تقدم في الأعمال العسكرية، أو أشترك في أعمال العنف أي أعمال القطاع الأمني فقد شملت هذه المادة الأعمال العسكرية والأعمال الأمنية أي الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فالمرتزقة طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة يشترط فيه الآتي( ):
1 – أن يجند خصيصا سواء محليا أو خارجيا للقتال في نزاع مسلح.
2 – أن يكون دافعه علي الاشتراك في الأعمال العدائية مغنم شخصي يتمثل في مكسب مادي.
3 – أن يدفع له المقابل المادي من قبل طرف في النزاع أو من ينوب عنه.
4 – أن يزيد هذا المقابل المادي عما يتقاضاه أمثاله من ضباط وجنود في القوات المسلحة الوطنية (الجيوش النظامية).
5 – ألا يكون من رعايا أي طرف من أطراف النزاع أو مقيم في إقليم خاضع لأي طرف من أطراف النزاع.
6 – ألا يكون من أفراد القوات المسلحة لأي طرف من أطراف النزاع.
7 – ألا يكون موفدا بصفة رسمية من قبل أي دولة من الدول لكونه من القوات المسلحة لهذه الدولة.
8 – يعتبر مرتزقا أيضا طبقا لهذه المادة من يجند داخليا أو خارجيا للقيام بأي عمل من أعمال العنف بهدف إسقاط حكومة شرعية أو تقويض النظام الدستوري لأي دولة من الدول أو تهديد السلامة الإقليمية لأي دولة من الدول شريطة الآتي:
أ – أن يكون دافعه الأساسي للاشتراك في أعمال العنف السابقة وغيرها الحصول علي مغنم شخصي مكافأة مالية.
ب – ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل من أعمال العنف ولا من المقيمين فيها.
ج – ولم يوفد في مهمة رسمية من قبل أي دولة من الدول.
د – إلا يكون من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ علي إقليمها عمل من أعمال العنف.
ورغم قدم ظاهرة المرتزقة إلا أنه لم يوضع تعريفا لها إلا في عام(1977م في البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام1949م بناء علي اقتراح تقدمت به نيجيريا في مؤتمر جنيف الدبلوماسي بشأن القانون الدولي الإنساني في دورته الثانية عام 1976م وقد رحبت بالاقتراح دول العالم الثالث خاصة الدول الأفريقية التي عانت من هذه الظاهرة وقد اعتبر قرار الجمعية العامة الخاص بتعريف العدوان رقم(3314/29) الذي اعتبر إرسال المرتزقة للقيام بأعمال عنف عملا من أعمال العدوان، وقد نصت المادة(47) علي( ):
(1- لا يجوز للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب.
2- المرتزق هو أي شخص:
أ ) يجرى تجنيده خصيصاً، محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح
ب) يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية
ج ) يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم
د ) وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع
هـ) ليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع
و ) وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة.)
أن الشروط الواردة في المادة السابقة لن تحد من ظاهرة المرتزقة في المجتمع الدولي لأن المجند للاشتراك الفعلي في الأعمال العدائية لحساب دولة ليس من رعاياها ولا متوطنا فيها بقصد الحصول علي مغنم مادي يتجاوز بإفراط ما يحصل علية المماثلون له من مقاتلي جيش الدولة التي استعانت بهم، فالمعيار الذي أوردته المادة معيار غامض ويصعب الاعتماد عليه في هذا الشأن، ومن ناحية أخري فأن الشخص المعني لا ينطبق عليه وصف المرتزق إذا كان ما وعد به:
1 – لا يتجاوز ما يحصل عليه المقاتلون من ذوي الرتب المماثلة في القوات المسلحة التابعة لطرف النزاع الذي استعان به.
2 – أو كان ما وعد به هؤلاء أو ما يدفع لهم لا يتجاوز ما يحصل عليه مماثليهم في الجيوش النظامية.
مما يعني أن هذا الشرط لن يقضي أو يحد من ظاهرة المرتزقة لأن كان من يقبل بأقل مما يحصل عليه أفراد الجيوش النظامية خاصة وأن بعض الجيوش تعطي مرتبات عالية ومزاياها كثيرة لأفراد القوات المسلحة( ).
وقد اعتبرت تلك الاتفاقية في المادة الثانية منها(كل شخص يقوم بتجنيد أو استخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة، وفقا لتعريفهم الواردة في المادة(1) من هذه الاتفاقية، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية) وأضافت في المادة الثالثة اعتبار (1 – كل مرتزق، حسبما هو معرف في المادة(1) من هذه الاتفاقية، يشترك اشتراكا مباشرا في أعمال عدائية أو في عمل مدبر من أعمال العنف، تبعا للحالة، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية.
2 – ليس في هذه المادة ما يحد من نطاق تطبيق المادة(4) من هذه الاتفاقية.)
وقد توسعت الاتفاقية فاعتبرت الشريك مرتكبا للجريمة والشروع اعتبرته جريمة كاملة أيضا فنصت في المادة الرابعة منها علي(يعتبر مرتكبا لجريمة كل شخص:
1- يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية:
2- يكون شريكا لشخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية.)
ورغم ذلك فقد انتقدت هذه المعاهدات لعدم الدقة في استعمال مصطلح (المرتزقة) لأنها تركز علي الدافع وراء الأعمال التي تنفذها القوات المرتزقة والتي تمثل صعوبة في تحديدها بحد ذاتها فعلي سبيل المثال يزعم عدد من الشركات الأمنية الأمريكية المتعاقدة للعمل في العراق بأنها بنفس الدافع الوطني التي يدفعها للعمل بهدف تحقيق المكاسب المادية.
بعد بيان تعريف كل من الشركات العسكرية والأمنية الخاصة وتعريف المرتزقة أتضح لنا أنه لا فرق بينهما بل أن أنشطة الشركات هي نسخة متطورة من المرتزقة، ولا شك أن أنشطة المرتزقة تخالف العديد من المبادئ المستقرة في القانون الدولي العام مثل مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ومبدأ استقلال الدول ومبدأ السلامة الإقليمية ومبدأ احظر استخدام القوة ومبدأ العيش في أمن وسلام، كما أنها تعرقل حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة كما أنها تتعارض مع حرية الدولة في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي، كما أنها تمثل اعتداء علي حقوق الإنسان، وقبل كل ذلك أنها تمثل تهديدا للسلم والأمن الدوليين فأنها تمثل سببا مهما من أسباب تهديد السلم والأمن والدوليين( ).
لذلك فأن كافة صور المرتزقة سواء الاستخدام أو التدريب أو الجلب عملا غير مشروع طبقا للقانون الدولي مهما كان الهدف منها خاصة المواد من (29/31) من اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899م/1907م بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية والمادة (5) من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة(46)من البرتوكول الإضافي الأول لعام1977م لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام1949م( ).
وهناك دليل آخر علي عدم شرعية إنشاء شركات عسكرية وأمنية خاصة في نص المادة الخامسة من الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم الصادرة عن الأمم المتحدة فقد نصت علي:
(1 – لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وعليها أن تقوم، وفقا لأحكام هذه الاتفاقية، يحظر هذه الأنشطة.
2 – لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لغرض مقاومة الممارسة الشرعية لحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير، حسبما يعترف به القانون الدولي، وعليها أن تتخذ الإجراءات المناسبة، وفقا للقانون الدولي، لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لذلك الغرض.
3 – تعاقب الدول الأطراف علي الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لهذه الجرائم.)
إضافة لما سبق فأننا أوردنا في الجهود الدولية العديد من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة الجمعية العامة ومجلس الأمن تدل دلالة واضحة لا لبس فيها علي تحريم وتجريم المرتزقة في كافة صورها بل الاستخدام والتجنيد والجلب والاستعمال مما يدل علي أن هذه الشركات غير شرعية من حيث النشأة والمنهج والاستعمال أي بكافة الأشكال أي نشأة ومنهجا، ولا يجوز التذرع بأي سبب لإباحتها أو إضفاء الشرعية ليس علي التعامل معها فقط بل ونشأتها أيضا، فما تفعله هذه الشركات أنها تجند المرتزقة وتستخدمهم وتمولهم وتدربهم أليس هذا هو عمل هذه الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة.
لم يتوقف القانون الدولي عند حظر المرتزقة استخداما وتجنيدا وتدريبا بل وصل الأمر إلي اعتبارها جريمة من الجرائم ذات الاختصاص الدولي( )، ونظرا لخطورة هذه الجريمة نصت الاتفاقية السابقة علي جعل الشروع والاشتراك فيها جريمة من الجرائم التي يجب معاقبة من يرتكبها وجعلتها من الجرائم التي تستوجب تسليم المجرمين حتى في حالة عدم وجود معاهدة تسليم بين الدول واعتبرت الجريمة وقعت في علي أراضي الدولة الذي قبض علي المتهم فيها وذلك في المادة(15)منها التي نصت علي أن(
1 – تعتبر الجرائم المنصوص عليها في المواد(2/3/4)من هذه الاتفاقية في عداد الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين في أية معاهدة لتسليم المجرمين نافذة بين الدول الأطراف، وتتعهد الدول الأطراف بإدراج تلك الجرائم بوصفها جرائم تستدعي تسليم المجرمين في كل معاهدة تسليم تعقد فيما بينها.
2 – إذا تلقت دولة طرف تجعل تسليم المجرمين رهنا بوجود معاهدة طلب تسليم من دولة طرف أخري لا ترتبط بمعاهدة لتسليم المجرمين جاز لها إذا شاءت أن تعتبر هذه الاتفاقية الأساس القانوني للتسليم فيما يتعلق بهذه الجرائم وتخضع عملية تسليم المجرمين للشروط الأخرى التي يقضي بها قانون الدولة التي يقدم إليها الطلب.
3 – علي الدول الأطراف التي لا تجعل تسليم المجرمين رهنا بوجود معاهدة أن تعتبر هذه الجرائم من الجرائم التي تستدعي تسليم المجرمين فيما بينها مع مراعاة الشروط التي يقضي بها قانون الدولة التي يقدم إليها الطلب.
4 – تعامل الجرائم لغرض تسليم المجرمين بين الدول الأطراف وكأنها قد ارتكبت لا في المكان الذي وقعت فيه فحسب بل أيضا في أقاليم الدول المطلوب منها إقامة ولايتها القضائية وفقا للمادة(9) من هذه الاتفاقية.)
وطالبت الدول بالتعاون القضائي لأقصي درجة من درجات التعاون نظرا لخطورة جريمة المرتزقة علي السلم والأمن الدوليين، فنصت في المادة(13) منها علي(1 – تتبادل الدول الأطراف المساعدة إلي أقصي حد فيما يتعلق بالإجراءات الجنائية التي تتخذ بشأن الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بما في ذلك تقديم جميع ما بحوزتها من أدلة لازمة لتلك الإجراءات ويسري في جميع الحالات قانون الدولة المطلوب مساعدتها.
2 – لا تمس أحكام الفقرة(1)من هذه المادة الالتزامات المنصوص عليها في أية معاهدة أخري فيما يتعلق بالمساعدة القضائية المتبادلة.)
كما فرضت الاتفاقية السابقة علي الدول اتخاذ عدة إجراءات لمحاكمة المتهم سواء كان من مواطنيها أم لا، بينتها في المادة العاشرة منها فنصت علي أن(1 – تقوم أي دولة طرف يوجد في إقليمها الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة، لدي اقتناعها بأن الظروف تبرر ذلك بحبسه وفقا لقوانينها أو اتخاذ تدابير أخري لضمان وجوده الفترة اللازمة لإتاحة اتخاذ أية إجراءات جنائية أو إجراءات تسليم، وتجري هذه الدولة الطرف فورا تحقيقا أوليا في الوقائع.
2 – عندما تقوم أي دولة طرف، عملا بهذه المادة، بحبس أحد الأشخاص أو باتخاذ التدابير الأخرى المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة، عليها أن تخطر بذلك دون تأخير، سواء مباشرة أو بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة، ما يلي:
(أ) الدولة الطرف التي ارتكبت فيها الجريمة:
(ب) الدولة الطرف التي ارتكبت الجريمة ضدها أو شرع فيها ضدها:
(ج) الدولة الطرف التي يكون الشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي ارتكبت الجريمة ضده أو شرع فيها ضده من مواطنيها:
(د) الدولة الطرف التي يكون الشخص المنسوب إليه ارتكاب الجريمة من مواطنيها، أو يكون محل أقامته المعتاد في إقليمها إن كان عديم الجنسية:
(هـ) أي طرف دولة معنية أخري تري من المناسب أخطارها.
3 – يحق لكل شخص تتخذ بشأنه التدابير المشار إليها في الفقرة(1)من هذه المادة:
(أ) أن يتصل دون تأخير بأقرب ممثل مناسب من ممثلي الدولة التي يكون من مواطنيها أو التي لها بأية صورة الحق في حماية حقوقه، أو إذا كان شخصا عديم الجنسية، الدولة التي يكون محل أقامته المعتاد في إقليمها،
(ب) أن يزوره ممثل تلك الدولة.
4 – لا تخل أحكام الفقرة (3) من هذه المادة بحق أية دولة طرف، لها حق الولاية القضائية ووفقا للفقرة (1/ب)من هذه المادة(9) في أن تدعو لجنة الصليب الأحمر الدولية إلي الاتصال بالشخص المنسوب إليه الجريمة وإلي زيارته.
5 – تبادر الدولة التي تجري التحقيق الأولي المتوخي في الفقرة (1)من هذه المادة بإبلاغ نتائج تحقيقها للدول المشار إليها في الفقرة(2)من هذه المادة وتبين ما إذا كانت تعتزم ممارسة ولايتها القضائية.)
يتضح من نصوص هذه الاتفاقية واتفاقية منظمة الاتحاد الأفريقي لمناهضة المرتزقة، والقرارات الصادرة من كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة والسابق ذكرها، أن احتراف مهنة المرتزقة غير شرعية وتقع خارج دائرة الشرعية الدولية والقانون الدولي، كما أنها تعد جريمة دولية خطيرة ذات اختصاص عالمي، فضلا عن أن استخدام المرتزقة يعد غير مشروع وتجنيد المرتزقة وهو ما تفعله الشركات العسكرية والأمنية الدولية الخاصة غير مشروع بل جريمة خطيرة من الجرائم الدولية ذات الاختصاص العالمي، ويمثل تدريب المرتزقة أيضا جريمة من الجرائم الدولية الخطيرة ذات الاختصاص العالمي( )، وكل ما سبق تفعله الشركات العسكرية الدولية الخاصة.
وتتحمل الدول التي صرحت وسمحت بإنشاء تلك الشركات علي أراضيها والدول التي تستخدمها المسئولية الدولية كاملة عن أعمال هذه الشركات والجرائم التي يرتكبونها في أي دولة من الدول طبقا لما ورد في مواد اللجنة القانونية الدولية حول (المسئولية الدولية لعام2001)والتي نصت علي أنه( تقع علي عاتق الدول مسئولية الأعمال التي تقوم بها الجهات غير الحكومية بالنيابة عن الدولة) والشركات العسكرية والأمنية الخاصة تقوم بذلك.
مما سبق يتبن أن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة شركات للمرتزقة مهما أطلق عليها من تسميات مضللة خادعة، ومهما قيل في تبريرها وجودا وحياة فهي غير شرعية بل أنها تعد من أخطر جرائم العصر فهي تهدد السلم والأمن الدوليين في كل رجا من أرجاء الأرض، فالجرائم التي يرتكبوها والمذابح التي يقدمون عليها بدم بارد في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفا وفي أفغانستان وفي أفريقيا علي مدي عقود طويلة وفي العراق، ولا نغالي في القول إذا قلنا أنهم وراء كل بؤر التوتر وعدم الاستقرار في العالم فيه حقا تهدد السلم والأمن الدوليين فمن يجرؤ بعد ذلك علي القول بشرعيتها وضرورة وجودها في الحياة إلا تجار الحروب والموت والدمار والخراب أصحاب المجمع الصناعي العسكري الخاص وأنصارهم وأذيالهم من ضعاف النفوس والخونة والعملاء من الحكام.