دراسات قانونية

مظاهر حماية حقوق الزبون في ظل القانون البنكي (بحث قانوني)

مـظـاهــر حماية حقوق الزبنـاء في ظـل القـانون البنكي المغربي

المملكة المغربية
جامعة الحسن الثاني – عين الشق
كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية
الـدار البيضـاء

بحث لنيل الإجازة في القانون الخاص

: إعداد الطالـب :
عمـر بحبـو

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

تحت إشراف الأستاذة
ذة: أسماء علمي

السنة الجامعية: 2013 / 2014

مـــقـــدمـــة:

تضطلع البنوك بدور طلائعي ووظيفة مهمة في الاقتصاد الوطني والعالمي هي وظيفة توزيع الائتمان فهي تتلقى الودائع من جمهور الزبناء المودعين بفائدة معينة لتستخدمها في منح القروض للتجار و الصناع والمستهلكين وغيرهم بفائدة أعلى لتحقق الربح بمقدار الفارق بين المقرضين والمقترضين وبين عرض النقود و طلبها، فتزود المشروعات بالأموال اللازمة لإنشائها وتنميتها وتحوِل الأموال المودعة من رأس مال نقدي جامد إلى رأس مال نشيط منتج للربح فتساعد بذلك على تمويل التجارة والصناعة وتنشيط الاقتصاد الوطني.
وقد كان أول ظهور للبنوك في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي الذي تميز بإحداث أول بنك بالمدن الإيطالية التي كانت تعد قطب التجارة الدولي في القرون الوسطى، ومها يكن الأمر فإن النشاط البنكي قد ظهر في الشكل الحديث الذي نلمسه اليوم في نهاية العصر الوسيط وبشكل تدريجي.
هذا، وقد اقتصرت البنوك في أولى نشاطاتها على تجارة النقود و القيام بعمليات الصرف ثم أخذ التجار يودعون أموالهم لدى البنوك خشية الضياع والسرقة مقابل شهادات بودائعهم مع حقهم في سحبها في أي وقت، ولما تجمعت لدى البنوك ودائع نقدية طائلة وتبين لها أن جملة الودائع التي تودع لديها تزيد دائما على جملة الأموال التي تسحب منها، أخذت تقرض هذه الودائع لمن تشاء وهكذا نشأت البنوك الحديثة التي كان لها الدور البارز في تنمية الحياة الاقتصادية والمالية وتأكدت وظيفتها في توزيع الائتمان.

وفي هذا السياق إزداد تعامل الناس مع المؤسسات البنكية في المغرب كما هو الحال في سائر الدول، ولعل ما يفسر هذا هو توقف الافراد على اختلافهم ذاتيين كانوا أو معنويين في حياتهم على الخدمات والتسهيلات الائتمانية التي تقدمها البنوك، ومن بين هؤلاء الأشخاص من يجد في البنوك ملاذا لإقتراض ما يحتاجه من المال لتمويل تجارته أو صناعته او لإنجاز أغراض ترتبط بالاستهلاك ، بل الأكثر من هذا هناك من يحد نفسه ملزم بقوة القانون بالتعامل مع البنوك.كما هو الحال بالنسبة للتجار الذين تفرض عليهم المادة 18 من مدون التجارة المغربية[1] ضرورة فتح حساب لأغراضهم التجارية في مؤسسة بنكية أو في مركز للشيكات البريدية، حتى يتسنى إخضاعهم لمقتضيات المادة 306 من نفس القانون التي تلزمهم بضرورة الوفاء بواسطة شيك مسطر أو بتحويل كلما كان المبلغ المترتب عن المعاملة التجارية يفوق 10.000 درهم1.

ويلاحظ في البنوك المغربية أنها واكبت التطورات الهائلة التي عرفها عالم الإقتصاد بصفة عامة وعالم التجارة بصفة خاصة في بذل المجهودات وتوظيف الإمكانيات التقنية لإرضاء الزبناء وإشباع حاجاتهم. والظاهر أن الإصلاح الذي عرفه النظام البنكي المغربي سنة 2006 لم يكن إختيارا بحد ذاته، وإنما كان أمرا ضروريا أملته إعتبارات كثيرة قصد تمكين المؤسسات البنكية من تنظيم قانوني كفيل بجعلها تستجيب لمتطلبات زبنائها وكل المتعاملين معها وفق ما تمليه سياسة تحرير التجارة وإخضاع جملة من العمليات البنكية لقاعدة العرض والطلب.
وقد عرفت القوانين المتعلقة بالمال والأعمال فترة إصلاح إهتمت في أولى مراحلها بالنظام الجبائي المغربي في الثمانينات من القرن الماضي حيث تم إعادة النظر في هذا النظام برمته وإهتم في مرحلة ثانية بنظام المحاسبة والقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها لتيسير تسهيل مهمة إدارات الضرائب مراقبة مدى صحة التصريحات التي يدلي بها الملزمون بالضريبة،ولتمكين جهاز القضاء من الاستعانة بالوثائق المحاسبية في فض النزاعات التي يثيرها امامه المتعاطون للأعمال التجارية[2]، كما همَ هذا الإصلاح في مرحلة ثالثة نحو القواعد القانونية المرتبطة بالسوق المالية والنقدية كما هو الشأن للقوانين الصادرة في صيف سنة 2006 والمتعلقة ببورصة القيم وبمجلس القيم المنقولة والمعلومات المطلوبة إلى الاشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور إلى الإكتتاب في أسهمها وسنداتها، وبالهيئات المكلفة بالتوظيف الجماعي للقيم المنقولة،أما المرحلة الرابعة فقد شملت الإصلاح المذكور للأحكام المتعلقة بكل من التجارة والتجار وبعض شركات الأموال حيث تم في خريف 1996 إصدار قانونين يتعلقان على التوالي بمدونة التجارة وبشركات المساهمة اقل ما يمكن أن يقال عنهما أنهما يعبران عن رغبة المشرع الملحة في الاستجابة لما تتطلبه عولمة الاقتصاد والتجارة.

وفي ظل هذه الحركة التشريعية التي عرفتها بلادنا صدر ظهير في 14 فبراير 2006 بمثابة قانون يتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها[3] وألغى الظهير القديم لـ06 يوليوز1993 وهو يعد عن حق قانون بنكي جديد صدر في خضم الإصلاحات القانونية والتحولات الاقتصادية والمالية.ومن أهم مميزات القانون البنكي الحالي (ظهير 2006) أنه وسع من مجال تطبيقه ليشمل هيئات أخرى تمارس نشاطا بنكيا أو أشبه به ،غير البنوك وشركات التمويل والتي أطلق عليها القانون تسمية ((الهيئات المعتبرة في حكم مؤسسات الائتمان))[4] ومن مميزاته أيضا أنه أحدث نظام للتعاون بين سلطات الرقابة على القطاع المالي ووسع من دور مراقب الحسابات وكلفهم بمهام جديدة . كما عزز دور بنك المغرب وسلطاته وإستقلاليته في مجالي الإشراف و الرقابة على نشاط مؤسسات الائتمان سواء المراقبة المباشرة أو الغير المباشرة.
ولعل مشرع القانون البنكي الحالي كان على وعي ويقظة تامتان بالآثار السلبية لمشاكل ممارسة النشاط البنكي التي تنجر إلى زبناء البنك فتجعل هذا الأخير غير قادر على مواجهة الالتزامات المترتبة عليه لفائدة هؤلاء العملاء و ذلك أن المشرع قد أفرد مقتضيات جديدة في هذا المضمار خاصة بتوفير حماية قانونية لزبناء البنوك سواء في الحالة العادية أوفي حالة تعرض البنك لصعوبات، إذ وفي ظل هذا الزخم التشريعي و الإصلاحي القانوني والتحولات الإقتصادية والمالية التي تنصب كلها في إتجاه واحد يكرس تحرير المعاملات التجارية الليبرالية والمنافسة الحرة وفق ظروف تضمن تحقيق نوع من التوازن بين مؤسسات الإئتمان والزبناء.

إذن كيف تدخل المشرع لحماية الزبون باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة القانونية وفي ذات الوقت الحلقة المهمة في العمليات البنكية ؟وأي مستجدات في الموضوع ؟ وهل أبانت فعلا هذه المقتضيات التشريعية نجاعتها عمليا ؟وما هو أثر هذه الحماية ؟, وكيف هي مظاهر حماية الزبون ؟

ولكي نمهد للدراسة نطرح لمحة عن التطور التاريخي للقانون البنكي المغربي أولا ومدى الأهمية التي يكتسيها هذا الموضوع ثانيا ثم خطة البحث ثالثا.

أولا:التطور التاريخي للقانون البنكي المغربي:

المرحلة الأولى[5]:

بدأت هذه المرحلة سنة 1943 وهو تاريخ ظهور المهنة البنكية بالمغرب ففي 11 مارس 1943 أصدر مدير المالية قرارا يعتبر بمثابة أول إطار قانوني لمراقبة النشاط البنكي بالمغرب، وقد وضع هذا القرار شروطا ينبغي توافرها فيمن يرغب ممارسة المهنة البنكية وأغلب نصوصه مقتبسة من القانون البنكي الفرنسي لسنة1941 .

المرحلة الثانية[6] :

بدأت مع صدور المرسوم الملكي بمثابة قانون يتعلق بالمهنة البنكية والقرض في 21 أبريل 1967 وهذا القانون يعتبر أول قانون يخضع ممارسة المهنة البنكية للحق العام…

المرحلة الثالثة[7]:

هي مرحلة صدور الظهير بمثابة قانون 06 يوليوز1993 المتعلق بمؤسسات الإئتمان ومراقبتها، وأهم ميزة في هذا القانون أنه وحد الإطار القانوني لكل من البنوك وشركات التمويل، وأصبحت تسمى((مؤسسات الإئتمان)) établissements de crédit les، كما تخضع هذه المؤسسات لنفس القواعد القانونية التي تخص الإنشاء والمراقبة والجزاءات المفروضة عليها في حالة مخالفته لأحكام هذا القانون والنصوص التنظيمية.

المرحلة الرابعة[8]:

تنطلق هذه المرحلة من تاريخ صدور القانون البنكي في 16 فبراير2006 المتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها،ومن مستجدات هذا القانون أنه وسع من نطاق تطبيقه ليشمل إلى جانب البنوك وشركات التمويل هيئات أخرى أطلق عليها إسم((الهيئات المعتبرى في حكم مؤسسات الإئتمان)).

المرحلة الخامسة:

ستبدأ هذه المرحلة من تاريخ صدور مشروع القانون رقم 103.12 المعدل للقانون البنكي الحالي ودخوله حيز التنفيذ،وهذا المشروع يحمل عدة مستجدات لعل أبرزها تنظيم البنوك التشاركية وإضافة هيئات أخرى تعتبر في حكم مؤسسات الإئتمان.

ثانيا:أهمية موضوع الدراسة:

تملك البنوك نهجا جديدا في تعاملها مع زبنائها قد ساهم في جعل مختلف العقود البنكية يقترن من حيث الوصف القانوني بعقود الإذعان، فالشائع عملا أن الجزء المهم من مضمون هذه العقود يتحدد عن طريق البنود الواردة في المطبوعات التي يعدها البنك مسبقا لتفرغ فيها العلاقات التي قد تربطه فيما بعد بعملائه،ومن تم فإن إجراء العمليات البنكية على النحو المشار إليه هو الذي كان وراء وصف طريقة تعامل البنوك مع زبنائه بالآلية القانونية،التي مؤداها أن كلا من الزبناء ومستخدمي المؤسسات البنكية يستعملون أساليب في التعامل فيما بينهم من دون ان يكون لهم إلمام بكل التفاصيل والجزئيات[9].
وقد إخترنا هذا الموضوع لما يكتسيه من أهمية بالغة في تحديد المركز القانوني لزبون البنك في ظل الإصلاحات الاقتصادية و الإجتماعية ولإستيعاب وضعية زبناء البنوك الذين يجدون أنفسهم بفعل هذه التحولات أمام مؤسسات بنكية تخضع جميع عملياتها لمنطق الربح و الخسارة ولقاعدة العرض والطلب.
وإذا رجعنا إلى القانون البنكي الحالي نجد أن المشرع قد خصص جزءا منه لمقتضيات خاصة تحت عنوان ((حماية عملاء مؤسسات الإئتمان))[10] التي قد تعترضها صعوبات أو التي قد تتم تصفيتها، بل المشرع ذهب ابعد من ذلك حين أحدث صندوق جماعي لضمان الودائع لتعويض أصحاب الودائع الموضوعة بالبنك الذي تتم تصفيته.

ثالثا:خطة البحث:

إن الموضوع الذي ستناوله إنشاء الله تعالى بالتفصيل إخترنا له كعنوان((مظاهر حماية حقوق الزبناء في ظل القانون البنكي المغربي)) وهذه الحماية تأخذ مظاهر كثيرة منها ما يتعلق بحماية السر المهني البنكي ومسؤولية البنك تجاه الزبون وحماية الأموال المودعة من الضياع الذي قد تتعرض له و فرض الرقابة على مؤسسات الإئتمان على إختلافها…كما سنعتمد التقسيم الذي صارت عليه الدراسات السابقة في الموضوع حيث سنخصص الفصل الأول للحماية التي أرادها المشرع لزبناء المؤسسة البنكية من خلال النشاط البنكي في الظروف الطبيعية العادية، أي في الأحوال التي لا تعرف فيها هذه المؤسسات أي مشاكل إقتصادية ومالية، وتتم هذه الحماية عن طريق إخضاع المهنة البنكية لشروط وقواعد خاصة مع جعل ذلك يتم تحت مراقبة السلطات النقدية، ومن جهة أخرى عن طريق تلك الإمكانيات المخولة للعملاء بموجب أحكام القانون البنكي في مقاضاة البنك الذي تبين أنه مسئول عما يكون قد لحقه من ضرر بهذا الخصوص…
وسنخصص في الفصل الثاني الحماية التي أراد من خلالها المشرع البنكي المغربي توفير قدر من الحماية لصالح الزبناء المتعاملين مع البنك الذي يواجه صعوبات جعلته غير قادر على الإستمرار بالإعتماد على إمكانياته الذاتية الشيء الذي يتطلب تدخلا قانونيا لتدارك الموقف حفاظا على الأموال المودعة من الضياع.
وسنعمل على تفصيل الكلام وإن كنا سنستبقي النظر نحو مظاهر محددة بالذات والتي تشكل حجر الزاوية بالنسبة لموضوع حماية حقوق زبناء البنوك، ولهذا كان حريا بنا أن نعالج هذه الموضوع من زاوية تقنية صرفة تمكننا من فهم معالم الحماية التي يتمتع بها كل من يتعامل مع البنوك.
وتبعا لذلك ستتم دراسة هذا الموضوع وفق التقسيم التالي :

الفصل الأول: حماية الزبناء من خلال الممارسة البنكية في الأحوال العادية.
المبحث الثاني: ضآلة التعويض المقرر منحه للمودعين في حالة تصفية المؤسسة البنكية.

الفصل الأول: حماية الزبناء من خلال الممارسة البنكية في الأحوال العادية:

يجب التذكير بهذا الخصوص أنه لتوفير الحماية اللازمة للعميل أو المستهلك[11] على حد سواء يقتضي تدخل المشرع لوضع قواعد قانونية كفيلة بتقنين الشروط والكيفيات التي تمارس في إطارها كل مهنة من المهن،وتحديد حقوق وواجبات الأطراف لمختلف المهن من زاوية.وحقوق وإلتزامات الزبناء المتعاملين معهم من زاوية أخرى.لاسيما تلك المهن التي تتمخض عنها قيام علاقات قانونية نتيجة دخول صاحب المهنة أو الحرفة مع عينة من الزبناء في المعاملات التجارية، وفي نفس المضمار لم يفت المشرع البنكي المغربي أن يخضع البنوك لنظام قانوني فعال وكفيل بإقرار التوازن بين مصالح البنك ومصالح الزبناء الذين يشكلون الحلقة المهمة والعنصر الرئيسي في إجراء مختلف العمليات البنكية ، وهكذا نلاحظ مدى حرص القانون عل أن تتم مزاولة هذا النشاط في ظروف ووفق شروط من شأنها أن تحقق الحماية الكافية لحقوق الزبون مع هذه المؤسسات،وتضمن الحفاظ على السمعة البنكية أمام الإقتصاد الوطني.
والنشاط البنكي لا يمكن ممارسته طبقا لظهير 14 فبراير 2006 إلا من قبل أشخاص معنويين يخضعون لتنظيم قانوني معين،نظرا لما يحققه تسيير المؤسسات البنكية وفق هذا التنظيم من ضمان لحقوق الزبناء،كما حرص المشرع على وضع شروط خاصة على المؤسسات الراغبة في اتخاذ العمل البنكي مهنة لها وذلك حتى لا يسمح بمزاولة أعمال البنوك إلا للمؤسسات التي تتوفر فيها القدرة المالية والتقنية الكفيلة بتمكينها من الوفاء بالتزاماتها تجاه المهنة ذاتها والإقتصاد الوطني وتجاه المتعاملين معها من مودعين ومقترضين وما شاكل ذلك[12].
لذا يظهر مما سبق أن النظام القانوني لمزاولة المهنة البنكية في الظرف العادي يهدف غلى توفير الحماية الكافية لمصالح الزبون الذي يعتبر عن حق الفاعل الرئيسي في النشاط البنكي وفي نفس الوقت الطرف الضعيف في العلاقة، وأخدا بهذا فلتحديد حدود حماية الزبناء من خلال ممارسة المهنة البنكية في الأحوال العادية نرى أن نتطرق للضوابط الخاصة للممارسة المهنة البنكية ثم البحث في الآليات وأحهزة الرقابة (المبحث الأول) وترتيب مسؤولية البنك عن كل خطأ أو تقصير في إنجاز هذه العمليات من شأنه أن يلحق الضرر بمصالح العملاء(المبحث الثاني)، وسنأتي بأحكام قضائية لها صلة بموضوعنا هذا و التي سنخصص لها بحول الله ملحقا تابعا لهذا البحث.

المبحث الأول: الضوابط الخاصة بممارسة المهنة البنكية:

من أهم الضوابط القانونية التي أخضع لها المشرع المغربي لسنة 2006 ممارسة المهنة البنكية رغبة منه في توفير الحماية للزبناء،أنه أقصى فئات عريضة من الأشخاص من مجال مزاولة العمل البنكي،وذلك عن طريق إلزامه بأن تمارس من قبل أشخاص تتوافر فيهم شروط معينة،هذا بالإضافة إلى كون المشرع قد أخضع الشروع في مزاولة النشاط البنكي إلى إذن مسبق بذلك تمنحه السلطة الحكومية المكلفة بالمالية.
ومن أوجه هذه الضوابط أن المشرع البنكي فرض الرقابة على مؤسسات الائتمان بما فيها البنوك من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالمالية ومن قبل هيئات تم إحداثها لهذا الغرض.
وبناءا على ما سبق نعمل على تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول لشروط مزاولة المهنة البنكية والثاني لدراسة المراقبة المفروضة على المؤسسات البنكية.

المطلب الأول:شروط ممارسة المهنة البنكية:

إن أول تدخل تشريعي وضع شروطا ينبغي توافرها فيمن يرغب إتخاذ النشاط البنكي مهنة له كان هو قرار مدير المالية تطبيقا لظهير 31 مارس 1943 وصدر بعده المرسوم الملكي لسنة 1967 الذي جعل ممارسة المهنة البنكية متوقفة على توفر شروط معينة، وفي هذا الإطار فإن ممارسة المهنة البنكية تتوقف على توفر المؤسسة الراغبة في إتخاذ العمل البنكي مهنة لها على عدة شروط خاصة.(الفقرة الأولى) كما تتوقف على أيضا على ضرورة حصول هذه المؤسسة على رخصة إعتماد من طرف وزير المالية(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:ضرورة توفر المؤسسة على شروط خاصة:

إن وظيفة المؤسسات البنكية وظيفة مالية إقتصادية معقدة من جهة وخطيرة من جهة أخرى وعلى إعتبار هذه المؤسسات تشكل أداة هامة في خلق السيولة النقدية ومنح الإئتمان، فإن الوظيفة على تعقدها وخطورتها لا يمكن أن يسمح بالقيام بها إلا للمؤسسة التي ظهرت فيها الصفات والشروط القانونية الضامنة لحماية حقوق الزبناء وتمكن من تنفيذ سياسة الدولة في الميدان الإقتصادي والإجتماعي على أحسن الأحوال.وهكذا نعمل على تقسيم هذه الفقرة إلى فرعين الأول للشروط المتعلقة بالمؤسسة كشخص معنوي والثاني للشروط المتعلقة بالأشخاص المؤسسين والمسيرين.

الفرع الأول:الشروط المتعلقة بالمؤسسة كشخص معنوي:

في مطلع هذا الفرع نأتي على ذكر المادة الأولى من ظهير 14 فبراير 2006 التي جاء فيها (تعتبر مؤسسات الإئتمان الأشخاص المعنوية التي تزاول نشاطها في المغرب،أيا كان موقع مقرها الإجتماعي…) يتضح أن المشرع أقصى الأشخاص الطبيعيين من مجال ممارسة المهنة البنكية وهكذا يكون قد راعى لإعتبارات إقتصادية وإجتماعية صرفة لا يمكن أن تتوفر في الشخص الطبيعي دون المعنوي.
ومن هذه الشروط التي فرضها المشرع البنكي على المؤسسة كشخص معنوي ما يلي:

ضرورة التنظيم في شكل شركة مساهمة:
جاء في المادة 28 من ظهير 2006 (لا يجوز أن تؤسس مؤسسات الإئتمان الموجود مقارها الإجتماعية بالمغرب إلا في شكل شركة مساهمة ذات راس مال ثابت بإستثناء المؤسسات التي حدد لها القانون نظاما أساسيا خاصا) تقابل هذه المادة في مشروع[13] تعديل القانون البنكي الحالي المادة 35 منه ويبدو أن شرط إتخاد شكل شركة مساهمة يرجع إلى عدة إعتبارات، فشركة المساهمة تعتبر في نظر القانون النوع الوحيد من الشركات التي تسهل عملية مراقبتها بفعل التنظيم الذي خصها بها القانون،حيث أن هذه المراقبة تتم بشكل مباشر بواسطة الأجهزة القانونية التي تتوفر عليها الشركات المذكورة وبصورة غير مباشرة عن طريق القواعد القانونية المطبقة على شركات المساهمة وبمعنى اخر فإدارة شركة المساهمة وفق ما قرره القانون تضمن إلى حد كبير حماية الأغيار المتعاملين مع الشركة بفعل قواعد الشفافية التي ينبغي أن يتم في إطارها أعمال الإدارة والتسيير،الامر الذي سيحقق بلا شك ضمان حقوق الزبناء ويحمي السياسة المالية والنقدية المرسومة من قبل الدولة.
.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى انه إذا كان إنشاء البنوك في شكل شركة مساهمة قد يحقق بعض الضمانات لحماية حقوق الزبناء،فإن الفضل في ذلك لا يرجع فقط للمقتضيات القانونية الخاصة بهذا النوع من الشركات وإنما لما أخصه القانون البنكي من مقتضيات تتعلق بطرق وأساليب تسيير وإدارة ومراقبة مؤسسات الإئتمان.

إلزامية التوفر على رأس مال ادنى:
قرر المشرع المغربي على غرار التشريعات الأجنبية أن تتوفر المؤسسات الراغبة في في مزاولة النشاط البنكي على رأسمال لا يقل عن الحد الأدنى الذي تحدده وزارة المالية،وذلك حتى تتمكن هذه المؤسسات من القيام بمختلف العمليات البنكية التي تحتاج إلى وسائل مالية مهمة بكيفية تحقق الحماية اللازمة لمصالح الزبون، وتحافظ بذلك على سمعة المهنة البنكية.
كما يجب على كل مؤسسة إئتمان يوجد مقرها الاجتماعي بالمغرب أن تثبت التوفر في موازنتها على رأس مال مدفوعة مبالغه بكاملها أو إذا تعلق الأمر بمؤسسة عمومية التوفر على مخصصات مدفوع مجموعها ويعادل مبلغها على الأقل رأس المال الأدنى كما هو محدد بالنسبة للصنف أو الصنف الفرعي الذي تنتمي إليه في منشور يصدره والي بنك المغرب بعد إستطلاع رأي لجنة مؤسسات الإئتمان…،وهو نص المادة 29 ظهير 2006.

وقد ورد في المادة 30 ظ 2006 التي تقابلها المادة 37 من المشروع أن أصول كل مؤسسة إئتمان يجب أن تفوق الخصوم المستحقة عليها بمبلغ يعادل على الأقل رأس المال الادنى أو المخصصات الدنيا، وهكذا يكون القانون قد وضع قاعة قوية الميراس مفادها أنه لا يجوز للحد الادنى أن ينزل عليه أو يخفض دونه رأس مال مؤسسات الإئتمان.
ومما لا شك فيه أن هذه الوسائل القانونية تجعل المؤسسات البنكية في وضعية مالية مريحة تمكنها من أداء دورها بصورة تحفظ سمعة المهنة البنكية وتحقق الحماية الكافية لكل المتعاملين مع البنوك.

الفرع الثاني:الشروط المتعلقة بالأشخاص المؤسسين و المسيرين:

إذا كان فعلا المشرع البنكي المغربي قد إشترط في المؤسسة الراغبة في ممارسة المهنة البنكية ان تتخذ شكل شركة مساهمة ذات رأس مال ثابت لا يقل عن الحد الأدنى الذي يتم تحديده من قبل الوزير المكلف بالمالية،فإن ذلك وحده غير كفيل بتحقيق الحماية المرغوب فيها لمصلحة الزبون إذا ما تم إسناد المهام القيادية للمؤسسة البنكية لعناصر تنعدم فيها المروءة والنزاهة والإستقلالية،وغير جديرة بالثقة.
وتأسيسا على ما سبق نشير إلى الصفات والمزايا التي ينبغي أن تطبع مؤسسي ومديري مؤسسات الإئتمان بما فيها البنوك أولا، وأن لا يجمعوا بين مهام تسيير المؤسسة وبعض الوظائف التي تؤثر على استقلاليتهم ثانيا.

أولا:المروءة و حسن السلوك:
قرر المشرع في المادة 31 ظ 2006[14] بأنه لايجوز لأي شخص تأسيس مؤسسة إئتمان أو تسييرها أو تدبيرها أو تصفيتها إذا صدر عليه حكم نهائي من اجل جناية أو مخالفة للتشريع الخاص بالصرف او إذا سقطت أهليته التجارية أو إذا أصدرت عليه محكمة أجنبية حكما إكتسب قوة الشيء المقضي به…وهكذا يظهر الهدف الذي يرمي القانون تحقيقه من وراء هذا المقتضى هو توفير حماية خاصة لجمهور الزبناء المتعاملين مع البنوك للحفاظ وصون وضعهم الإقتصادي والإحتماعي وهذه النقطة تعتبر من مظاهر الحماية المقررة للعملاء.
يرى بعض الفقه أن موقف المشرع من هذا المقتضى تقتضيه ضرورة حماية المودعين و المقترضين ومختلف المتعاملين مع مؤسسات الإئتمان وضرورة الحفاظ على سمعة المهنة البنكية والسوق المالية النقدية الدولية[15].

ثانيا:الاستقلالية والحياد:
تأكد المادة 37 من القانون البنكي الحالي على عدم جواز الجمع بين مهام الرئيس المدير العام والمدير العام وأعضاء مجلس الإدارة الجماعية وكل شخص أسند إليه تفويض في سلطة التسيير من الرئيس المدير العام أو مجلس الرقابة بمؤسسة ائتمان تتلقى اموالا من الجمهور ومهام مماثلة بأي منشأة أخرى بإستثناء:

شركات التمويل التي تتلقى أموالا من الجمهور.
الشركات التي تراقب مؤسسات الإئتمان المعنية التي كان من الممكن ان تمارس هذه الأخيرة نشاطها في الإطار العادي لتدبيرها مع مراعاة التقيد بأحكام النصوص التشريعية الخاصة المطبقة على النشاط المذكور.
نستنتج من خلال المعطى السابق أن المشرع المغربي يهدف من خلال المقتضيات الواردة في المادة 37 التي تقابلها المادة 44 من المشروع إلى توفير حماية لحقوق العملاء وذلك عن طريق تجنيبهم للأثار السلبية التي يمكن أن تنجر إليهم من جراء تدهور الأوضاع المالية لهذة المؤسسة نتيجة ترجيح الشخص الذي بيده سلطات إدارتها كفة المؤسسة التي يشرف على إدارتها بتواز مع إدارة المؤسسة البنكية كفة مصلحة هذه الأخيرة في حالة ما إذا تعارضت هاتان المصلحتان وكانت لهذا الشخص منافع ذاتية في المنشاة.

الفقرة الثانية:ضرورة الحصول على رخصة الإعتماد:

إن توافر الشروط المذكورة سابقا لا يكفي للسماح للمؤسسات المعنية بالأمر بمزاولة النشاط البنكي،ذلك أن المشرع المغربي إشترط علاوة على ذلك ان تحصل هذه المؤسسات على رخصة إعتماد يمنحها والي بنك المغرب بعد إستطلاع رأي لجنة مؤسسات الإئتمان.وقد نصت م27 من ظهير 2006[16] (يجب على كل شخص يعتبر مؤسسة إئتمان،وفقا لأحكام المادة الأولى أعلاه،أن يكون قبل مزاولة نشاطه في المغرب معتمدا سلفا من لدن والي بنك المغرب بعد إستطلاع رأي لجنة مؤسسة الإئتمان إما بإعتباره بنكا أو بإعتباره شركة تمويل…) يبدو من خلال هذه المادة حرص القانون قدر المستطاع على إحاطة هذه المهنة بالعديد من الضمانات لما تكتسيه مختلف العمليات التي تقوم بها البنوك من خطورة على جميع المصالح اللصيقة بها ولما لهذه العمليات من تأثير على النمو التجاري والصناعي.

وقد نادى بعض الفقه بفرض الرقابة الحكومية ليس فقط على مؤسسات الائتمان وشركات البورصة بل حتى على تأسيس شركات المساهمة عن طريق اخضاعها لمسطرة الترخيص المسبق الذي تمنحه السلطة الحكومية المكلفة بذلك، وخاصة تلك الشركات الكبرى التي تطرح جانبا من الاسهم المكونة لرأسماله للاكتتاب العام[17].
ونعود لنؤكد على كون المشرع البنكي علق ممارسة المهنة البنكية بالحصول على رخصة الإعتماد الفرع الأول كما أن هذه الرخصة قد تسحب من البنك في حالات حددها القانون الفرع الثاني.

الفرع الأول:مسطرة الحصول على رخصة اعتماد:

قلنا في السابق أن المؤسسة المعنية بالأمر لا تمارس النشاط البنكي إلا بعاد الحصول على رخصة إعتماد يمنحها إياها والي بنك المغرب[18] بعد إستطلاع رأي لجنة مؤسسات الإئتمان التي لا تبدي هذه الموافقة إلا بعد التأكد من مدى توفر طالب الإعتماد على الشروط القانونية أولا إضافة إلى هذا القرار الذي يقضي بمنح الرخصة من عدمها يرتب عدة آثار قانونية ثانيا.

أولا:شروط الحصول على رخصة الإعتماد:

الحصول على رخصة إعتماد لمزاولة النشاط البنكي يتوقف على توفر بعض الشروط القانونية، وفي هذا الإطار حددت المادة 27 من ظهير 2006 بعض الشروط التي ينبغي أن يتحلى بها طالب الإعتماد للممارسة النشاط البنكي منها ماهو قانوني وما هو إقتصادي إجتماعي لذا ولكي تستقيم الرؤية نعمل على عرض هذه الشروط المشار إليها في المادة المذكورة أعلاه:
– ملاءمة الوسائل التقنية والمالية للشخص المعنوي طالب الإعتماد وعيا بوجه خاص للموقع المزمع إحداث المنشأة به وبرنامج النشاط الذي تعتزم تطبيقه.
– التجربة المهنية والإستقامة المتوفرة في المؤسسين والمشاركين في راس مال وأعضاء أجهزة الإدارة التسيير والتدبير.
– قدرة طالب الاعتماد على التقيد بأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه.
– أن ليس من شأن روابط راس مال التي يمكن ان توجد بين الشخص المعنوي طالب الإعتماد وأشخاص معنوية أخرى أن تعرقل المراقبة الإحترازية.
ويرى بعض الفقه المغربي بأن ضرورة حماية حقوق الزبناء والإقتصاد الوطني بوجه عام تقتضي التشدد في منح الترخيص بمزاولة المهنة البنكية وذلك عن طريق تخويل الجهة المكلفة بالتقدير في هذا الشأن سلطات تقديرية واسعة تلافيا لكل ما من شأنه أن يجعل ممارسة هذه المهنة تؤدي إلى عكس النتيجة المتوخاة من تنظيمها.

ثانيا: الآثار المترتبة على القرار الحكومي المتعلق بطلب رخصة الإعتماد:

جاء في الفقرة الرابعة من المادة 27 من ظهير 2006 بخصوص منح أو رفض تسليم رخصة الإعتماد ما يلي (يبلغ والي بنك المغرب مقرر منح الإعتماد أو إن إقتضى الحال رفضه المعلل بوجه قانوني إلى المنشأة طالبة الإعتماد داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ تسليم جميع الوثائق والمعلومات المطلوبة).
تساؤل:هل عدم تبليغ القرار المذكور إلى طالب رخصة الإعتماد داخل مدة 4 أشهر المنصوص عليها قانونا وسكوت الجهة المعنية بالأمر عنذلك بالرغم من فوات هذه المدة ، يفيد الموافقة الضمنية على منح الرخصة أم على العكس من ذلك يفيد الرفض الضمني لها ؟
القانون البنكي المغربي سكت عن هذه المسألة وقد كان جواب بعض الفقه كالتالي:
الجواب: إن سكوت والي بنك المغرب عن التقرير بعد إستطلاع رأي لجنة مؤسسات الإئتمان بشأن طلب رخصة الإعتماد لممارسة النشاط البنكي، داخل المدة القانونية لا يعني رفضا لهذا الطلب ولا قبولا لهذا الطلب لأنه لايمكن بتاتا ممارسة المهنة البنكية دون الحصول على رخصة الإعتماد لذلك تسلم بمقتضى قرار صريح يصدره لهذا الغرض والي بنك المغرب نظرا لما يوفره إجراء من هذا القبيل من حماية للمهنة وللزبناء.
وتأسيسا على السابق فإن طالب رخصة الإعتماد لمزاولة المهنة البنكية، الذي لايتوصل بقرار والي بنك المغرب داخل أجل 4 أشهر بإمكانه اللجوء إلى القضاء لمطالبة الدولة المغربية بتعويضه عن الأضرار التي لحقته بسبب موقف والي بنك المغرب.
لكن ماذا عن الحالة التي تمنح فيها رخصة الإعتماد أو يقرر رفض منحها هذا ما سنراه فيما سيأتي:

حالة منح رخصة الإعتماد:
من أهم أثار قرار منح رخصة الإعتماد هو قيام المؤسسة المعنية بالأمر بالتسجيل في قائمة مؤسسات الإئتمان التي يتولى بنك المغرب إعدادها.
ويمكن ان يقتصر هذا الإعتماد على مزاولة بعض العمليات فقط إذا تبين أن وسائل طالب الإعتماد البشرية أو التقنية أو المالية غير كافية بالنظر إلى العمليات المزمع القيام بها،ولعل توجه المشرع في التقييد من هذه العمليات أملته اعتبارات تتعلق بحماية الزبناء بالدرجة الأولى وسمعة المهنة البنكية بالدرجة الثانية[19].

حالة رفض تسليم رخصة الإعتماد:
قد يصدر قرار سلبي يقضي برفض الطلب إما لإنعدام الشروط القانونية أو نقصان إحداها أو لعلة ضعف الإمكانات المادية والتقنية للمؤسسة المعنية بالأمر.وفي رفض تسليم رخصة الإعتماد لامانع يمنع طالب الإعتماد من التقدم بطلب ترخيص جديد وقتما شاءت ودون أجل عملا بالقاعدة الشهيرة الاصل في الأشياء الإباحة وان لا منع بدون نص.
ويرى بعض الفقه بأن قرار والي بنك المغرب،الصادر بشأن رفض منح رخصة الإعتماد لتعاطي النشاط البنكي،يقبل الطعن بالإلغاء أمام القضاء الإداري بسبب الشطط في إستعمال السلطة مادام ان القانون لا يمنع بنص صريح إمكانية اللجوء إلى هذا الطعن.
ومع ذلك فإن ضرورة حماية مصلحة الزبناء وسمعة المهنة البنكية والإقتصاد الوطني بشكل عام تقتضي ان تملك الهيئات الحكومية المكلفة بالإشراف على القطاع البنكي سلطات شبه تحكمية فيما يخص تقدير مدى توفر طالب الإعتماد على الشروط التي تمكنه من ممارسة المهنة البنكية في ظروف تحقق الحماية المذكورة وتساهم في التنمية الإقتصادية والإجتماعية للبلاد،وذلك لتفادي تسرب بعض المؤسسات غير المتوفرة على الشروط المذكورة إلى الحقل البنكي[20].
وفي ذات السياق قالت محكمة النقض كلمتها في قرار لها في تاريخ 22 يناير 1962 في قضية أطلس بنك “ان السلطة المكلفة بتاطير نشاط البنوك تتمتع بسلطة تقديرية واسعة لمنح أو رفض منح رخصة الإعتماد لتعاطي النشاط البنكي”[21]

الفرع الثاني: سحب رخصة الاعتماد:

وإلى جانب منح الرخصة أو رفض منحها تمت السحب الذي نظم في المادة 43 ظ 2006 حيث يقرر والي بنك المغرب سحب رخصة الإعتماد إما بطلب من مؤسسة الإئتمان بنفسها وإما في إحدى الحالات التالية:
إذا لم تستخدم المؤسسة إعتمادها داخل اجل 12 شهرا من تاريخ تبليغ مقرر منح الإعتماد؛
إذا إنقطعت المؤسسة عن مزاول نشاطها منذ ستة أشهر على الأقل؛
إذا لم تعد المؤسسة مستوفية للشروط التي منح على أساسها الإعتماد؛
وإما عندما تعتبر وضعية مؤسسة الإئتمان مختلة بشكل لارجعة فيه؛
وإما على سبيل عقوبة تأديبية تطبيقا لأحكام المادة 133 أدناه.

المطلب الثاني:مراقبة المؤسسات البنكية:

إن ترك الحرية المطلقة لمؤسسات الإئتمان في مزاولة عملها وفق سجيتها ومصالحها المبنية على قاعدة الربح والخسارة من شانه أن يؤدي إلى نتيجة تعاكس إرادة المشرع المغربي من وراء إخضاع النشاط البنكي لمجموعة من النصوص التشريعية و التنظيمية ولهذه الأسباب فرض المشرع الرقابة على عمل المؤسسات البنكية لحمية مصلحة الزبناء والإقتصاد الوطني بوجه عام.
وبما أن المنظومة البنكية المغربية إستمدت معظم أحكامها من القانون البنكي الفرنسي لسنة 1984 فإن المشرع البنكي قد خول مراقبة مؤسسات الإئتمان لجهاز ذي طابع مختلف أي البنك المركزي[22] وهيئات أخرى تم إحداثها لهذا الغرض.
وتظل الغاية من وراء هذه المراقبة هي حماية حقوق كل من يقصد الخدمات المصرفية من التجار ومن غيرهم هذا من جهة ولتنظيم شروط منح الإئتمان الذي يعد عن جد عصب الإقتصاد الوطني من جانب أخر.
وفي هذا السياق عمل المشرع بمقتضى قانون 14 فبراير 2006 المتعلق بمؤسسات الإئتمان والهيئات المعتبرة في حكمها،على سن إجراءات تهدف إلى مراقبة مؤسسات الإئتمان (بما فيها البنوك) وأوكل مهمة المراقبة إلى ثلاثة هيئات:
هيئات تقريرية
هيئات إستشارية
هيئات أخرى

الفرع الأول:الهيئات التقريرية:

أسند القانون مهمة وضع القرارات المتخذة بخصوص ممارسة المهنة البنكية ومراقبتها إلى سلطات نقدية حكومية تحتكر لوحدها سلطة التقدير فيما يخص سير العمل البنكي ومراقبة حركاته وسكناته ورسم السياسة المالية والنقدية الواجبة الإتباع ، وهذه السلطة فيما يتعلق بمراقبة مؤسسات الإئتمان في التشريع المغربي يتقاسمها كل من الوزير المكلف بالمالية(أولا) وبنك المغرب(ثانيا).

أولا:وزير المالية:
يضطلع وزير المالية في القانون البنكي المغربي بأدوار جوهرية فيما يتعلق بوضع وتوجيه وتنفيذ سياسة الدولة في المجال النقدي والمالي وتنظيم القطاع البنكي ومراقبته، وبالتبعية فهو الذي يمارس سلطة الوصاية على هذه المؤسسات، كيف وأن مصالح وزارة المالية هي التي تتولى دون غيرها إعدادا مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالنشاط البنكي.
ويظل القانون البنكي المغربي في جوانب كثيرة منه يخول لوزير المالية سلطات تقريرية واسعة فيما يخص النشاط البنكي الشيء الذي يسمح له بالتأثير في صناعة القرارات التي لها صلة بسير عمل المؤسسات البنكية[23].
وهكذا نجد أن الوزيرالمكلف بالمالية هو الذي يرأس المجلس الوطني للإئتمان والإدخار،ويصدرمناشر تكميلية لأحكام القانون البنكي، ويصادق على النظامين الأساسيين للجمعيات المهنية لشركات التمويل والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، و يحدد سعرالفائدة الذي ينبغي على المؤسسات البنكية الإلتزام بها …
وفي الأخير نقول أن وزير المالية فعلا هو سلطة حكومية يعهد إليها بتنفيذ سياسة الدولة في المجال النقدي والمالي.

ثانيا:بنك المغرب:
يمارس بنك المغرب صلاحيات عدة كإصدار النقود الورقية وقطع العملة الرائجة في المملكة، ويسهر على إستقرار العملة وقابليتها للتحويل وعلى السير الحسن للنظام المغربي وإجراء الإحصاءات المتعلقة بالعملة والإئتمان…
ومن أهم صلاحيات بنك المغرب في مجال مراقبة مؤسسات الإئتمان:
– مراقبة مدى تقيد مؤسسات الإئتمان بأحكام هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه لتطبيقه؛
– يتأكد من ملائمة التنظيم الإداري والمحاسبي ونظام المراقبة الداخلية للمؤسسات المذكورة ويسهر على جودة وضعيتها المالية؛
– يجوز لبنك المغرب أن يتعرض بمقرر معلل بوجه قانوني على تعيين شخص في حظيرة أجهزة إدارة إحدى مؤسسات الإئتمان أو تسييرها أوتدبيرها ولا سيما إذا تبين له أن الشخص المذكور لا يتوفر على الاستقامة التجربة اللازمة لمزاولة مهامه.

ويلاحظ أن لبنك المغرب ممثل يمارس سلطاته في مراقبة نشاط مؤسسات الإئتمان وفق ما تمليه ضرورة حماية حقوق المودعين والمقترضين، والكلام هنا عن والي بنك المغرب الذي توج بقائمة من الصلاحيات لعل أهمها رئاسة لجنة مؤسسات الإئتمان وإصدار القرار بمنح أو رفض منح رخصة الإعتماد وسحبها، وأن نائب والي بنك المغرب أو المدير العام لهذا البنك يترأس اللجنة التأديبية لمؤسسات الإئتمان، كما يعين والي بنك المغرب المدير المؤقت للبنك الذي يتخبط في صعوبات…

الفرع الثاني:الهيئات الاستشارية:

هذه الهيئات هي المجلس الوطني للعملة والإدخار و لجنة مؤسسات الإئتمان واللجنة التأديبية لمؤسسات الإئتمان وسنعمل على تفصيل الكلام فيما سيأتي:

أولا:لجنة مؤسسات الإئتمان:
أحدثت لجنة مؤسسات الإئتمان بموجب ظهير 1993 المادة 19 منه المتعلق بنشاط مؤسسات الإئتمان ومراقبتها.وقد أبقى عليها ظهير 14 فبراير 2006 وبين إختصاصها وتشكيليها في المادة 16 و 20.وتبعا لذاك فهذه اللجنة يستطلع رأيها والي بنك المغرب في كل مسألة ذات طابع عام أو فردي لها علاقة بنشاط مؤسسات الإئتمان و الهيئات المعتبرة في حكمها،كما تقوم اللجنة كذلك بجميع الدراسات المتعلقة بنشاط مؤسسات الإئتمان لاسيما بعلاقتها مع الزبناء وبإعلام الجمهور.كما يرأس والي بنك المغرب لجنة مؤسسات الإئتمان وتضم اللجنة علاوة على ذلك:

ممثلا لبنك المغرب نائبا للرئيس؛
ممثلين اثنين للوزارة المكلفة بالمالية،منهما مدير الخزينة والمالية الخارجية؛
ممثلين اثنين للمجموعة المهنية لبنوك المغرب منهما الرئيس؛
ممثلين اثنين للجمعية المهنية لشركات التمويل منهما الرئيس.

أضاف مشروع تعديل القانون البنكي الحالي إلى هذه التشكيلة رئيس الجمعية المهنية لمؤسسات الأداء ورئيس الفدرالية الوطنية لجمعيات السلفات الصغيرة[24].
ومن بين صلاحيات اللجنة أنها تبدي رأيها لوالي بنك المغرب فيما يتعلق بمنح رخص اعتماد جديدة وفي القضايا المتعلقة بالجوانب التقنية بآليات السياسة النقدية الوطنية وبقواعد الحيطة الواجب اتباعها…
ومن باب التذكير فهذه اللجنة حلت محل “اللجنة المصغرة لمجلس القرض والسوق المالية”المحدثة بموجب المرسوم الملكي لعام1967.

ثانيا: المجلس الوطني للائتمان و الإدخار:
أحدث هذا المجلس بموجب المادة 16 من ظهير 2006 وقد حل محل”مجلس القرض والسوق المالية” المحدث بموجب المرسوم الملكي لسنة 1967.
للمجلس دور استشاري واسع نصت عليه المادة 18 من ق34.03 تقابلها المادة 27 من المشروع ويرأسه الوزير المكلف بالمالية بينما يقوم بنك المغرب بأعمال سكرتارية المجلس، ويتداول المجلس الوطني للإئتمان والإدخار في كل مسألة تهم تنمية الادخار وتطور نشاط مؤسسات الإئتمان، ويقدم إقتراحات إلى الحكومة في الميادين التي تدخل في إختصاصه.

ثالثا: اللجنة التأديبية لمؤسسات الإئتمان:
أحدثت هذه اللجنة بموجب ظهير 1993 المادة 73 منه،وأبقى عليها ونظم إختصاصها وتشكيليها وطريقة تسييرها ظهير 14 فبراير 2006 في المواد 21 إلى 24 والمشروع في المواد من28 إلى 31، وقد حلت بدورها محل “اللجنة المصغرة لمجلس القرض والسوق المالية” المحدثة بمقتضى المرسوم الملكي لسنة1967 .
يرأس هذه اللجنة والي بنك المغرب أو مديره العام أو ممثل له يعينه الوالي م22 من قانون رقم 34.03.
كما يعهد إلى اللجنة ببحث الملفات التأديبية وتقديم اقتراحات لوالي بنك المغرب في شأن العقوبات التأديبية الممكن إنزالها في حق مؤسسات الإئتمان.

تتألف هذه اللجنة من:
ممثلا لبنك المغرب؛
ممثلين اثنين للوزارة المكلفة بالمالية؛
قاضيين يعينهما الوزير المكلف بالمالية بناءا على اقراح من وزير العدل[25].
الفرع الثالث:هيئات أخرى
مراقبي الحسابات:

إن ظهير 1993 قد تعرض لمقتضيات مراقبة مراقبي الحسابات في المواد الخاصة بالأحكام المتعالقة بالتقيد بالقواعد المحاسبية،إلا أن ظهير 2006 افرد لمراقبي الحسابات فصلا مستقلا يضم ثمانية مواد (من م 70 الى م78 ) وهو نفس موقف المشروع (م من 99 الى 107).
تلزم مؤسسات الإئتمان بتعيين مراقبين اثنين للحسابات بعد موافقة بنك المغرب،كما يعهد إلى مراقبي الحسابت بمراقبة الحسابات وفقا لأحكام القسم السادس من القانون رقم 17.95 المتعلق بقانون شركات المساهمة، والتحقق من صدق المعلومات المقدمة إلى الجمهور ومن مطابقتها للحسابات، والتأكد من إحترام التدابير المتعلقة بالمحاسبة والقواعد الاحترازية…

لجنة التنسيق بين أجهزة الرقابة على القطاع المالي:
هذه اللجنة تعد من المستجدات التي أتى بها ظهير 2006 وقد نظمها في المواد من 81 إلى84
وتتكون من بنك المغرب والادارة المكلفة بمراقبة التأمين واعادة التأمين ومجلس القيم المنقولة.
تنحصر مهامها في تنسيق أعمال الهيئات المذكورة التي تتشكل منها فيما يتعلق بالرقابة على المؤسسات الخاضعة لمراقبتها، كما تنحصر في كل مسألة ذات اهتمام مشترك يرفعها اليها الوزيرالمكلف بالمالية.
للإشارة فقد أحدث المشرع البنكي بموجب مشروع تعديل القانون البنكي الحالي لجنة سماها”لجنة التنسيق و الرقابة على المخاطر الشمولية” والتي ستحل محل لجنة التنسيق بين اجهزة الرقابة على القطاع المالي[26].
وهكذا نكون قد تناولا بالدراسة الهيئات المكلفة بمراقبة مؤسسات الائتمان في ظل القانون البنكي المغربي ووضحنا دورها المتمركز في تنفيذ سياسة الدولة في المجال النقدي والمالي وبسط رقابتها لضمان حماية أكبر للمتعاملين مع البنوك والحفاظ على السمعة الحسنة للمهنة البنكية.

المبحث الثاني: مسؤولية البنك ودورها في حماية حقوق الزبناء:

سبق أن رأينا في المبحث السابق ان ممارسة المهنة البنكية تحتل مكانة مهمة في الاقتصاد الوطني بحكم الدور الكبير الذي تلعبه البنوك في المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وفي تنفيذ التوجهات الحكومية في مجال النقد والمالية، وغني عن البيان أن هذه الاعتبارات هي التي جعلت المشرع البنكي المغربي لسنة 2006 يخضع ممارسة المهنة البنكية للعديد من الشروط والضوابط الخاصة التي قلما تتطلب لممارسة أي عمل تجاري وعلى جعل هذا النشاط يزاول تحت إشراف ومراقبة السلطات الحكومية، مع تخويل هذه السلطات الحق في إنزال العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون على المؤسسة التي لا تعمل على احترام المقتضيات القانونية المتعلقة بالمهنة البنكية على الخصوص.
والى جانب هذه المقتضيات التي تضمن قدر كاف من الحماية، يلتزم البنك يتنفيذ جملة من الإلتزامات القانونية التي تفرضها عليه ضوابط المهنة وعاداتها، والمؤسسات البنكية عند قيامها بالأعمال المنوطة بها قد تقع في بعض الأخطاء التي تلحق ضررا للزبائن او للاغيار وهذا ما يجعلها مسؤولة مسؤولية قانونية.
والمسؤولية القانونية البنكية يتغير تكييفها بحسب ما اذا كان الخطا المرتكب ناتج عن مخالفة للقوانين والنظم القانونية والتي تفرض على البنك القيام بتنفيذ التزامات ذات طبيعة قانونية صرفة فتسمى عندئذ بالمسؤولية التقصيرية ، كما يمكن ان تنتج المسؤولية القانونية البنكية عن خطا ترتكبه المؤسسة البنكية اثناء تنفيذ العقد المبرم بينها وبين الزبون وهو ما يصطلح عليه بالمسؤولية العقدية[27] ، وقد تستقيم المسؤولية الجنائية للمؤسسة البنكية إذا خالفت المقتضيات القانونية التي توقع عقوبة الحبس او الغرامة على كل مؤسسة لم تحترم ضوابط المهنة[28].
وهكذا نلاحظ ان حقوق عملاء مؤسسات الائتمان قد تكون محل تعرض للهدر والضياع بفعل عدم وفاء هذه المؤسسة بالتزاماتها القانونية أو التعاقدية اتجاهه، إما عن طريق الامتناع عن تنفيذ بنوذ العقد موضوع العملية البنكية المتفق عليها او تنفيذها بشكل متأخر او معيب .الأمر الذي يقتضي منا البحث في أهم التزامات البنك تجاه الزبناء والتي عند الوفاء بها تزداد الرابطة التعاقدية تماسكا وتحصل الثقة بين الاطراف وعند عدم الوفاء بها يترتب عن ذلك قيام قواعد مسؤولية البنك على اختلافها(عقدية، تقصيرية،جنائية).

أولا:المسؤولية عن إفشاء السر المهني البنكي:

إن الالتزام بالسر المهني البنكي يتصدر قائمة التزامات المؤسسة البنكية،حيث تتعهد هذه الاخيرة بعدم افشاء الاسرار البنكية التي اودعها الزبناء او لطلعت عليها بفعل الممارسة المهنية،وكل اخلال بهذا الالتزام يعرض البنك للمسؤولية.
هذه المسؤولية التي تطورت وانتشرت بين دول العالم حيث تم تجريم افشاء المعلومات الائتمانية للزبون،ليس فقط لتحمي مصلحة هذا الاخير الادبية لا بل لحماية الثقة في البنوك كمؤسسات مالية اقتصادية فضلا عن حماية المصلحة العامة في تدعيم الائتمان وتوفير المناخ المناسب للاستثمار والاستقرار الاقتصادي[29].
والسرية البنكية تعتبر ثروة وطنية ومهمة للاقتصاد الوطني،وذلك أن توفير ملائم من الثقة لأصحاب رؤوس الاموال من خلال حفظ اعمالهم البنكية وكافة المعلومات ذات الصلة بثرواتهم يجعل ذلك حافزا ويوفر بنية تشريعية مناسبة للاستثمار داخل البلاد وتشجيع الادخارات الوطنية بدلا من تهريبها لبلد اخر أكثر ثقة واكثر سرية في هذا المجال،لذا فالسرية البنكية مورد حقيقي لجلب الأموال الشيء الذي ينعكس ايجابا على الاقتصاد الوطني[30].
نرى بدورنا ان الالتزام بالحفاظ على السر المهني البنكي هو التزام قانوني يجد اساسه في المادة 79 من ظهير 2006 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها والتي ألزمت مجموعة من الاشخاص بكتمان السر المهني الذي إطلعت عليه بمناسبة ممارسة مهامها،وإخلالها بهذا الالتزام يعرضها للمسؤولية الجنائية المنصوص على عقوبتها في الفصل 446 من مجموعة القانون الجنائي المغربي،لكن الذي نلاحظه أيضا أن المادة 80 من القانون البنكي الحالي حددت على سبيل الحصر جهات لاتواجه بالسر البنكي والمتمثلة في بنك المغرب والسلطات القضائية في إطار مسطرة جنائية[31]، ففي هذه الحالات يعفى البنك من المسؤولية عم إفشاء الاسرار المهنية،ويضيف بعض الفقه الى جانب هذه الحالات الحالة التي يتنازل الزبون فيها عن حقه في الالتزام بالسر المهني لبنكي.

انطلاقا من المادة 79 اعلاه فان من يفرض عليهم القانون الالتزام بالحفاظ على السر المهني البنكي هم الاشخاص التالية:
مديري مؤسسات الائتمان ومسيريها ومديريها؛
مستخدمي مؤسسات الائتمان؛
اعضاء المجلس الوطني للائتمان والادخار؛
اعضاء لجنة مؤسسات الائتمان؛
اعضاء اللجنة التأديبية لمؤسسات الائتمان؛
اعضاء لجنة التنسيق بين اجهزة الرقابة بالقطاع المالي؛
الاشخاص المكلفون بمراقبة المؤسسات الخاضعة لرقابة بنك المغرب.
أضافت المادة 180 من المشروع الاشخاص التالية:
لجنة التنسيق والرقابة على المخاطر الشمولية؛
مجلس الادارة؛
مستخدمي الشركة المسيرة.
إذن لو اقدم احد هؤلاء وافشى احدى الاسرار التي اطلع عليها بحكم ممارسته لمهامه قامت حينها مسؤوليته الجنائية بحكم الفصل 466 من ق.الجنائي الذي جاء فيه :(الأطباء والجراحون وملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة والمولدات وكل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه، وذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من ألف ومائتين إلى عشرين ألف درهم…)[32]
ولقيام المسؤولية الجنائية عن جريمة إفشاء السر المهني المنصوص عليها في الفصل 446 من م.ق.ج يتعين توافر ركنين هما: الركن المادي والركن المعنوي[33].

الركن المادي : يتمثل الركن المادي لجريمة افشاء السر المهني البنكي في فعل الافشاء،ويتحقق بارتكاب بمجرد السماح بالاطلاع على حسابات الزبناء وودائعهم وامانتهم وخزائنهم وكذا المعاملات المتعلقة بهم.
الركن المعنوي : يتخد الركن المعنوي في جنحة افشاء السر المهني البنكي صورة القصد الجنائي،والقصد المتطلب في هذه الجريمة هو القصد العام.
ويقوم القصد العام لتلك الجريمة على عنصرين هما العلم والارادة، فيجب ان يعلم المتهم بان للواقعة صفة السرية،وأن مهنته تفرض عليه الالتزام بالكتمان البنكي وان يعلم ان فعل الافشاء قد تم في غير الحالات المصر بها قانونا.
كما يحتفظ الزبون المتضرر حق اقامة الدعوى المدنية للمطالبة بتعويض الضرر الذي لحقه من جراء من جراء ماقام به من الينك من الافصاح عن هذه الاسرار للغير في اطار المسؤولية المدنية.
وهكذا يتضح ان الجزاءات الناتجة عن افشاء السر المهني البنكي تتمثل في المسؤولية الجنائية في الحالات التي تعاقب على جنحة افشاء الاسرار الشخصية المنصوص عليها وعلى عقوبتها في القانون الجنائي، وتتمثل ايضا هذ الجزاءات في المسؤولية المدنية التي تعطي الحق لكل متضرر من هذا الفعل المخل بالالتزام القانوني والاتفاقي على حد سواء بالمطالبة بتعويض هذا الضرر الحاصل له، كما يمكننا ان نتحدث عن المسؤولية التأديبية التي تقررها قواعد المهنة البنكية.
وعلاوة على مقتضيات القانون البنكي والمجموعة الجنائية يخضع السر المهني البنكي لأحكام القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الاشخاص الذاتيين تجاه المعطيات ذات الطابع الشخصي،ويؤكد هذا القانون على ضرورة حفظ معطيات الأشخاص التي تكتسي طابعا خصوصيا عند اصحابها، وقد أتى المشرع في هذا القانون في الباب السابع منه بالعقوبات التي تطال كل مخالف لأحكامه، وتختلف العقوبة بين غرامات مالية وعقوبات حبسية تختلف مددها حسب نوع الجريمة.
ومن المستجدات التي يحملها المشروع أنه جاء في الفقرة الثانية والثالثة من المادة 180 منه بإمكانية مد مؤسسات الائتمان جهات معينة بالمعلومات الخاضعة للسر المهني في حالات معينة ولأجل عمليات محددة،حينما تكون تلك المعلومات ضرورية لانجاز العمليات المذكورة، او كلما سمح بذلك الاشخاص الذين تتعلق بهم هذه المعلومات.
كما اضاف المشروع إلى الهيئات التي لا يحتج في مواجهتها بالسر المهني البنكي والتي هي بنك المغرب والسلطة القضائية العاملة في اطار مسطرة جنائية أي سلطة تابعة لدولة ابرمت اتفاقية مع المغرب تنص على تبادل المعلومات في المجال الضريبي.
من خلال ما سبق بدا ان السر المهني البنكي للزبون يتمتع بحماية قانونية في نصوص متفرقة كافية للحفاظ على اسراره ومعطياته المودعة عند البنك، فقد إتضح ان الزبون يطلب من المؤسسة البنكية بألا تكشف عن رقم حسابه اذا ما طالب بذلك زوجه او ذوي حقوقه مما يترتب على ذلك قيا مسؤولية البنك عند الافصاح عن ما هو الملزم بإمساكه من اسرار مصرفية.

ثانيا الالتزام بإعلام الزبون : obligation d’informer:
من الواجبات التي تقع على عاتق المؤسسة البنكية اتجاه الزبون الذي يريد ان يستفيد من عملية الاقتراض تقديم النصح والرشاد وكل المعلومات والملاحظات والجزئيات قبل منح اي قرض لأن من شأن القرض الممنوح ان يشكل خطرا على الذمة المالية للزبون أو المقاولة أوالشركة التي تستند الى القرض لتمويل مشاريعها،وهكذا حتى تعفى المؤسسة البنكية من مسؤوليتها باعتبارها مؤسسة مالية هي الاقدر والأجدر على اعطاء النصح والارشاد[34].
وإذا اعتبرنا ان القروض المقدمة من قبل المؤسسات البنكية من قبيل الخدمات الموجهة لجمهور المستهلكين،فان هذه المؤسسات تكون ملزمة باحترام مقتضيات القانون رقم 31.08 المتعلق بتحديد تدبير لحماية المستهلك[35] والذي افرد فيه المشرع باباً فريدا تحت عنوان الالتزام بالاعلام بغية حماية المستهلك من بعض الخدمات المصرفية التي لا تراعي الضوابط القانونية المتصله بالاعلام.
و يأخد واجب الاعلام شكله الاساسي اثناء مرحلة التفاوض حول القروض التي يطلبها الزبون من المؤسسة البنكية حيث ان هذه الاخيرة تكزن ملزمة بابداء النصح لزبونها بناءا على المعلومات المتوفرة لدى البنك، وعلى المؤسسة البنكية باعتبارها مؤسسة مهنية ملزمة باعلام زبونها بالمخاطر التي يمكن ان تنجم عن عملية القرض بناءا على توقعات البنك لمدى مردودية ونجاح المشروع المرتبط بالقرض.
القضاء قال كلمته في هذا المضمار كما جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية لأوكسير بتاريخ29 سبتمبر 1996 على انه يمكن للزبون ان يحمل المؤسسة البنكية مسؤولية التقصير في ابداء النصح خاصة في حالة التوقعات غير الكافية في منح القرض،ففي مثل هذه الحالات تثبت مسؤولية البنك عن الاضرار التي تلحق طالب الاعتماد (مسؤولية مدنية تقصيرية)،ويتحمل البنك مسؤوليته تجاه الغير المتضرر من هذا الاقتراض ومسؤول كذلك عن عدم قدرة المقترض من اداء الديون المتخلدة في ذمته تجاه المؤسسة البنكية.
ومن صور الالتزام بالاعلام، اعلام البنك لزبون بسعر الفائدة واخباره بها، وهذا الالتزام يفرض على البنك بموجب المادة 116 ظهير 2006 الذي جاء فيه:( يجب ان يخبر الجمهور وفق الشروط المحددة بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة مؤسسات الائتمان بالشروط التي تطبقها مؤسسات الائتمان على عملياتها ولاسيما فيما يتعلق بسعر الفوائد المدينة والدائنة والعمولة ونظام تواريخ القيمة) ويستشف من هذه المادة ان البنك ملزم بإخبار زبنائه بكيفية احتساب الفوائد وتاريخ سريانها، لانه عادة مايقوم البنك باخبارالزبون بسعر الفائدة متجاهلا تكاليف القروض الاخرى والتي تجعل سعر الفائدة يرتفع في بعض الاحيان الى الضعف،هذا وقد جاء في دورية لوالي بنك المغرب أن البنوك ملزمة بان تعلق على كافة شبابيكها السعر الأساسي للفائدة taux base bancaire اي سعر الفائدة الادنى المطبق على عملائها، وقد يتعرض البنك عند عدم تقيده بهذا الالتزام غلى امكانية ايقاع عقوبة مالية عليه من طرف والي بنك المغرب تساوي على الاكثر خُمُسْ راس مال الادنى المطبق عليه بصرف النظر عن التحذير او الانذار عملا بالمادة128 من القانون البنكي المغربي.
ولعل الغاية من اعلام المقترض بخصوص تكلفة القرض سيخوله معرفة السعر الحقيقي والفعلي الإجمالي وبالتالي تمكينه من اجراء مقارنات بين العرض المقدم من مختلف المؤسسات واختيار العرض المناسب له.

ثالثا:الالتزام بالاستعلام obligation de s’informer:
هذا الالتزام يعد من مقدمات الالتزامات البنكية عندما يتقدم شخص يريد الاستفادة من الخدمات التي تقدمها البنوك، فهذه الاخيرة ينبغي عليها البحث في وضعيىة الزبناء المالية قبل الاقدام على عقد قروض وذلك حتى لاتتأزم وضعيتهم هذه بموجب هذه الخدمات.
وقد عمل المشرع البنكي على حث المؤسسات البنكية على ضرورة الاخذ بالقواعد الاحترازية وفي قمتها ضرورة تعيين مراقبين للحسابات تنحصر مهمتهم في التأكد من صحة الوثائق المحاسبية التي يدلي بها الزبون طالب القرض او من اجل التأكد من الوضعية المالية الحقيقية للشخص المعنوي(شركة او مقولة).

وقد ألزمت المادة 70 من القانون البنكي لسنة 2006 والتي تقابلها المادة 99 من المشروع مؤسسات الائتمان بتعيين مراقبين اثنين للحسابات بعد موافقة بنك المغرب.
كما ان الأخد بمراقبة مراقبي الحسابات توَفر للبنك سندا يعفي من المسؤولية القانونية المدنية عند تمكينه للزبون قرضا معينا،كما ان ذات المراقبة هي التي قد تكون سببا في تحميل المؤسسة البنكية المسؤولية عن المخاطر التي تنجر الى الزبون بموجب القرض.
وقد أثبت القضاء في كثير من احكامه وقراراته مسؤولية المؤسسة البنكية تجاه الزبون عما لحقه من ضرر جراء عدم التحري عن مدى استحقاق هذا الاخير للائتمان الذي منح له[36].

رابعا:واجب التقيد بتعليمات الزبون:
لما كانت علاقة صاحب الحساب (الزبون) بالمؤسسة البنكية علاقة مودع بمودع لديه فان هذه الاخيرة تكون ملزمة كلما قدم لها شيك للوفاء يحمل كافة البيانات الاساسية العمل على تنفيذ امر الساحب عن طريق وفاء البنك بذلك،وفي هذا الصدد نصت المادة 309 من مدونة التجارة ان كل مؤسسة بنكية ترفض وفاء شيك سحب على صناديقها سحبا صحيحا وكانت لديها مؤونة ودون ان يكون هناك اي تعرض، تعتبر مسؤولة عن الضرر الحاصل للساحب عن عدم تنفيذ امره وعن المساس بائتمانه،وتبعا لذلك يتحمل البنك مسؤوليته عن عدم الاداء.
والمادة 247 من مدونة التجارة الزمت المسحوب عليه بالوفاء بمبلغ الشيك المحرر بالأحرف في الحالة التي يحرر فيها مبلغ الشيك بالأحرف والأرقام في آن واحد حيث يتحمل البنك مسؤوليته اتجاه زبونه ويلزم بأداء الفرق بين البلدين.
إن عدم تنفيذ البنك لتعليمات زبنائه بكل امانة يستوجب مسؤوليته وبالتالي تعويض الزبون عما لحق به من ضرر(الضرر يجبر).
وقد ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في احدى قراراتها على انه ((وحيث وكما سبق القول اعلاه انه كان على المؤسسة البنكية لما بلغها زبونها المستأنفة بعد استعمال البطاقة الخاصة بها من طرف السيد…ان تعمل حالا على ايقاف العمل بها وعدم صرف اي مبلغ يتعلق بتحويلاتها,ومادامت لم تفعل تكون مسؤوليتها ثابتة وتعين عليها والحالة هاته ان تؤدي العارضة المبالغ التي صرفت او حولت بعد التعليمات المذكورة))[37].
نلاحظ ان القضاء حمل المؤسسة البنكية المسؤولية كلما اعطاها الزبون امرا على النحو المطلوب قانونا،واوجب عليها دفع تعويض مناسب للزبون،وتبعا لذلك يظهر لنا مدى فعالية قواعد المسؤولية على اختلافها في توفير حماية للمتعامل مع البنك سواء كان مودعا او مقترضا.

خامسا:التزام البنك برد الوديعة:
يعد هذا الالتزام من بين الالتزامات المرتبطة بعمليات الايداع، فبالاضافة الى التزام المودع لديه بحفظ الوديعة البنكية، فان هناك التزاما اخر يقع على عاتق المؤسسة البنكية، والامر يتعلق بأحقية المودع في استرجاع ما اودعه لدى البنك وقتما شاء او عند حلول الاجل المتفق عليه اذا كانت الوديعة لأجل، وذلك كله تحت طائلة ترتيب المسؤولية المدنية للبنك في حالة الامتناع عن رد الوديعة الى المودع او عدم تمكينه من استردادها لأسباب غير مشروعة.
وسنقتصر لدراسة هذا الالتزام على وديعة النقود التي تثير مسالة استردادها العديد من المشاكل بين البنوك وعملائها على المستوى العملي، لكون هذا الاسترداد يتم عن طريق استعمال المودع وسائل الوفاء المسلمة اليه من قبل البنك الذي يمسك حساب وديعته النقدية، مما يجعل مسؤولية البنك قائمة في العديد من حالات الوفاء بالشيك[38] او باستخدام البطاقة البنكية اذا مانازع الزبون الساحب في استعمال هذه البطاقة او في صحة توقيعه او سلامة البيانات المدرجة في الشيك.
والبنك يلتزم برد قدر مماثل للنقود التي اودعها الزبون لديه، حيث يتم في هذه الحالة الرد الى المودع نفسه، او الى نائبه المخول له ذلك بمقتضى وكالة قانونية ونشير انه قد جرى العمل ان يطلب الزبون عند ابرام عقد الايداع وضع نموذج توقيعه او توقيع وكيله حتى يتسن له الاطمئنان الى تنفيذ التزامه برد الوديعة الى من له الحق فيها، وذلك عن طريق القيام اثناء كل عملية سحب للنقود المودعة بمقارنة التوقيع المذيل به الشيك مع نموذج توقيع الساحب الموضوع على البطاقة المخصصة لذلك.
يمكن للبنك ان يمتنع عن ارجاع وديعة الزبون اذا كان رصيد الوديعة محل حجز عملا بمقتضيات الفصل 488 ومايليها من قانون المسطرة المدنية المتعلقة بحجز ما للمدين لدى الغير ،على ان هذا الامتناع يجب الا يتجاوز المبلغ المقرر عليه الحجز.
ويبدو من خلال دراسة الالتزامات السابقة والتي هي فقط بعض صور التزام البنك ليس إلا، ان نظام مسؤولية البنك تجاه الزبون يساهم في تحقيق رعاية لمصالحه والحفاظ عليها عن طريق التزاماته عن حسن نية، وفي زرع الثقة في نفوس كل من يقبل على التعامل مع المؤسسات البنكية من مودعين ومقترضين ومستثمرين على إعتبار الزبون يشكل الحلقة التي عليها المدار في الحقل البنكي،لذا كان من المفروض إحاطته بسياج تشريعي يحدد جوانب علاقته مع البنك ويحمي مصالحه.

الفصل الثاني: حماية الزبناء في حالة تعرض البنك لصعوبات:

لقد إزداد وعي المشرع في جل القوانين المقارنة على مختلف مشاربها لما أخضع الحقل التجاري لأحكام خاصة به،لاسيما فيما يخص الوقاية من الصعوبات التي تعترض الافراد والمقاولات خلال مزاولتهم لنشاطهم ومعالجتها بهدف الحد وتقزيب آثارها السلبية التي قد تنجر الى الدائنين وذوي الشأن، بحيث يتم تطبيقا لذلك حماية حقوق هؤلاء عن طريق وضع المقاولة التي تعرضت لخسارة مالية دفعتها الى التوقف عن الدفع في حالة الافلاس او تقويم قضائي او تسوية او تصفية قضائية وذلك وفق الاجراءات المعمول بها في تشريع كل بلد.
ولما كانت المؤسسات البنكية تزاول الانشطة التجارية الخاصة بتجارة النقود، ولما ازداد تعامل شرائح كبرى من المجتمع مع البنوك رغبة في الاستفادة من خدماتها المصرفية تقوت حينها المكانة البنكية فأضحت تشكل عصب الاقتصاد داخل النظم المالية الوطنية والدولية، ومن شان هذا التطور الذي عرفه الحقل البنكي في القرون الأخيرة ان يجعل البنوك محفوفة بالمخاطر التي تفوق وبكثير تلك التي تحف الانشطة التجارية الأخرى مما يقتضي أن يتم الاحتياط اكثر لتفادي تعرض البنوك لصعوبات قد تحول دون الاستمرار في مزاولة نشاطه في ظروف تحقق حماية مصالح الزبناء وتحفظ سمعه المهنة البنكية.
ونحن نتسائل دائما عن مصير الأموال المودعة من لدن العملاء في حالة تعرض البنك لصعوبات وأزمات مالية اصبحت معها مصالح الزبناء في خطر ضياع اموالهم التي تقدر بملايير الدراهم وهل تمت نظام يضمن للمتضرر من هذه الصعوبات في الاستفادة من تعويضات تتساوى وقيمة الاموال المودعة؟ وهل ترك القانون البنكي المغربي للبنك المتخبط في صعوبات التصدي لهذه الازمات لحاله؟ هذه كلها تساؤلات تطرح في ذهن الباحث في المادة البنكية على الخصوص لما في الأمر من خطورة تقتضي تدخلا من السلطات الحكومية والاستعجال قبل فوات الاوان.
ولو ترك الامر للمؤسسات البنكية في مواجهة ازماتها المالية لاستحال عليها الامر،الشيء الذي تصبح معه حقوق عملائها معرضة للضياع والتلف،علما وان التسهيلات التي يقدمها البنك المركزي المغربي للبنوك لايكمن ان تساهم في معالجة الصعوبات، لان هذه التسهيلات تمنح لمدة قصيرة مع فائدة مرتفعة السعر.
ولقد كان حريا بالمشرع المغربي لتخطي هذه الصعوبات ومواجهتها ان يعمل على احداث صندوق خاص سماه بـ (الصندوق الجماعي لضمان الودائع)[39] يمنح مساعدات مالية لكل مؤسسة بنكية تعترضها صعوبات من ذلك النوع الذي يستدعي وضع هذه المؤسسة تحت الادارة المؤقتة.
وقد وضع الصندوق الجماعي لضمان الودائع لتقديم المساعدات المالية للمؤسسة البنكية المعنية بالامر،ولتعويض اصحاب الودائع الموضوعة بالبنوك التي تقع تصفيتها(المبحث الاول).
وقد يفاجئ اصحاب هذه الودائع عند اعلان التصفية بضآلة التعويض الذي يمكنهم الحصول عليه مقابل امولهم المودعة، وهذا يشكل بالنسبة ليهم خيبة أمل في القواعد التشريعية الموضوعة لحمايتهم في مثل هذه الحالة ( المبحث الثاني).

المبحث الاول:الصندوق الجماعي لضمان الودائع كجهاز لتعويض المودعين:

اهتمت مختلف التشريعات المقارنة في المادة التجارية بتوفير حماية للمودعين في الحالة التي يتعرض فيها البنك لصعوبات وتخبطات على المستوى المالي، فأحدثت صناديق وأجهزة تختص من جهة بتقديم المساعدات المالية للمؤسسة البنكية التي تعترضها صعوبات لتمكينها من تقويم وضعيتها لوقاية زبنائها من الاضرار التي يمكن ان تنجر اليهم عند تصفيتها، ومن جهة اخرى في منح عملاء البنوك التعويضات المستحقة لهم في حالة ما اذا تمت تصفية احد البنوك لأي سبب من الاسباب[40].
وقد ساير المشرع البنكي المغربي منهج القانون المصري، حينما احدث صندوق يمول بكيفية منتظمة ودورية من قبل جميع البنوك المنخرطة في المجموعة المهنية لبنوك المغرب.
ولكي نحدد دور الصندوق الجماعي لضمان الودائع البنكية، نطرح في مطلب اول تنظيم هذا الصندوق وفي مطلب ثان اوجه تدخله في اطار ادائه لوظيفته.

المطلب الاول : تنظيم الصندوق الجماعي لضمان الودائع:

تنص المادة 105 من ظهير 2006 على انه( دون الاخلال بالأنظمة التي يكون لها نفس الغرض ويمكن ان توجد على صعيد بعض مؤسسات الائتمان، يحدث صندوق جماعي لضمان الودائع يعد بناءا على مقرر يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع راي لجنة مؤسسات الائتمان للقيام بالمهام التالية:
تعويض مودعي مؤسسات الائتمان في حالة عدم توفر ودائعهم او جميع الاموال الاخرى القابلة للارجاع؛
تقديم مساعدات قابلة للارجاع على وجه الاحتياط والإستثناء لفائدة عضو من اعضائها يخشى ان تؤدي وضعيته آجلا الى عدم توفر الودائع او جميع الاموال الاخرى القابلة للارجاع، شريطة ان يقدم تدابير تقويم يقبلها بنك المغرب).
والذي نلاحظه من خلال المادة 105 المذكورة اعلاه أن تسمية ((الصندوق الجماعي لضمان الودائع)) قد يفهم منها القارئ ان هذا الجهاز قد تم احداثه لضمان الودائع البنكية المتلقاة من الجمهور، وانه لا علاقة له بتقديم الدعم المالي للمؤسسات البنكية التي تواجه صعوبات اصبحت معها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الزبناء.
والحال ان الأمر ليس كذلك فهذا الصندوق وفق المادة 105 الذكورة اعلاه يتميز بوظيفتين، فهو يمنح المساعدات المالية للبنوك حتى شركات التمويل التي تعرف صعوبات، ويقدم تعويضات لأصحاب الودائع الموضوعة بالبنوك التي تقع تصفيتها.
ومن هنا يظهر تميز الصندوق الجماعي لضمان الودائع عن غير من الصناديق المحدثة بمقتضى قوانين خاصة، كما هو الشأن بالنسبة لقطاع التامين وقطاع البورصة، لكن الذي يلاحظ من خلال القواعد التشريعية المطبقة على شركات التامين وشركات البورصة بالمغرب لا تجمع بين وظيفة المساعدة المالية لشركات التامين او شركات البورصة التي تعترضها صعوبات، وبين وظيفة منح تعويضات لعملاء احدى هاتين الشركتين التي قد تتم تصفيتها،ذلك أن القانون المتعلق بقطاع التامين قد حصر دور صندوق تضامن مؤسسات التامين على منح معونات مالية لشركات التامين التي تواجه ازمات مالية دون ان يلتفت ا لى الزبناء.
وتكملة للطرح السابق فان القانون المنظم لشركات البورصة قد حصر دور صندوق الضمان في منح تعويضات لعملاء شركات البورصة التي تعلن افلاسها غير مبال لأمر تقديم مساعدات مالية للنهوض بشركة البورصة التي تعترضها صعوبات[41].

وبناءا على ما سبق يبدو ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع بالمقارنة مع الصندوقين المذكورين يجمع بين وظيفتين وهي:
وظيفة وقائية : تقديم مساعدات مالية لكل مؤسسة ائتمان تواجه صعوبات.
وظيفة علاجية: منح تعويضات لأصحاب الودائع الموضوعة بالبنك الذي تقع تصفيته.
و تكملة لأحكام القانون البنكي الحالي ظهير 2006 صدر عن الوزير المكلف بالمالية فيما يتعلق بتنظيم الصندوق الجماعي لضمان الودائع قرار تحت رقم 95-2445 بتاريخ 29 فبراير 1996 يقضي ( بتحديد الاسس التي يتم على ضوئها دفع البنوك مساهماتها في تمويل الصندوق الجماعي لضمان الودائع مع تعييىن الذي تدفع اليه هذه المساهمات)،وكذا كيفيات حصول المؤسسات البنكية التي تعترضها صعوبات على مساعدات مالية من هذا الصندوق، وكيفيات تعويض اصحاب الودائع الموضوعة بالبنوك التي تقع تصفيتها.
وقد اوكل قرار وزير المالية امر السهر على تطبيق المقتضيات الواردة فيه لوالي بنك المغرب باعتباره السلطة المكلفة بإدارة وتسيير الصندوق.
وإذا رجعنا الى المادة الاولى من قرار الوزير المكلف بالمالية المتعلق بالصندوق الجماعي لضمان الودائع نجد انها اعتمدت الودائع النقدية فحسب فيما يتعلق بأساس احتساب الاشتراكات السنوية الواجب على المؤسسات البنكية دفعها لتمويل هذا الصندوق، وقد جعلت هذه المادة الامر يقتصر على الودائع للإطلاع او لأجل المحررة اوالموضوعة بالدرهم او الدرهم القابل للتحويل او بالعملات الاجنبية والمودعة لدى البنك المعني بالأمر من قبل الزبناء المقيمين بالمغرب وغير المقيمين به، فنسبة الاشتراكات المذكورة تطبق على المعدل الشهري للودائع النقدية التي تتلقاها كل مؤسسة بنكية خلال السنة المالية السابقة للسنة التي برسمها يتم دفع هذه الاشتراكات.
وأخدا بالمادة 106 من القانون البنكي المغربي التي تنص على عدم جواز زيادة مبلغ الاشتراك السنوي على 0.25 %من مبلغ الودائع النقدية المودعة لدى البنك، حددت المدة الثانية من القرار الوزاري المذكور سالفا نسبة الاشتراك على النحو التالي:
%0.10 بالنسبة الى المساهمات عن سنتي 1996 الى 1997.
0.15 % بالنسبة الى المساهمات عن سنتي 1998 الى 1999.
0.20 % بالنسبة الى المساهمات عن السنوات التالية لسنة 1999.
نلاحظ ان هذه النسب لم تبلغ الحد الاقصى المقرر في المادة 106 من القانون البنكي لسنة 2006 هذا الحد الاقصى الذي يعتبره البعض جد مرتفع بالمقارنة مع النسب المطبقة في بعض الدول الأجنبية، والذي نقوله في هذا الباب ان النسبة التي حددتها المادة 106 تبقى مقبولة مع الموازاة بالوظائف التي يقدمها هذا الصندوق فهو يقدم أولا المساعدات المالية اللازمة لمؤسسات الائتمان التي تعاني من ازمات ويمنح ثانيا تعويضات للمودعين بكل بنك تتم تصفيته. وهذا ما يفسر ارتفاع سعر هذه الاشتراكات حيث يظهر ان هناك حرص شديد على تامين تغذية هذا الصندوق بالموارد المالية الكفيلة التي تمكنه من اداء وظائفه.
كما نشير في كون هذا الاشتراكات السنوية تدفع الى الجانب الدائن بالحساب المفتوح لدى بنك المغرب في اسم الصندوق وذلك في نهابة شهر مارس على ابعد تقدير (الماد 3 من قرار وزير المالية).
أما في حالة عدم دفع الاشتراكات السنوية الواجبة، جاز لبنك المغرب ان يوقع على المؤسسة المعنية عقوبة مالية تساوي على الاكثر خمس 5/1 راس المال الدنى المطبق عليها بصرف النظر عن التحذير و الانذار المنصوص عليهما في المادة 58 و51 من ظهير 2006 المتعلق بمؤسسات الائتمان الهيئات المعتبرة في حكمها، ويلاحظ على مستوى التشريع المقارن ان القانون البنكي المصري قد فضل بدوره اللجوء الى فرض عقوبات مالية على البنوك المخالفة لأحكام النظام الاساسي لصندوق التامين على الودائع بالبنوك العاملة في مصر.
ومن المستجدات التي وردت في المشروع تعديل القانون البنكي الحالي قانون رقم 103.12 انه احدث الى جانب الصندوق الجماعي لضمان الودائع صندوقاً ثانيا اطلق عليه اسم صندوق ((ضمان ودائع البنوك التشاركية)) يسير من قبل شركة مساهمة يشار إليها بالشركة المسيرة، والجديد في هذا المشروع ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع سيخضع لتسيير ذا الشركة المسيرة[42].
بقي ان نشير ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع احدث لأول مرة بموجب المادة 56 القانون البنكي الملغى لسنة 1993.

المطلب الثاني : نطاق تدخل الصندوق الجماعي لضمان الودائع:

اشارت المادة 106 من القانون البنكي الى الغرض الذي من اجله تم احداث الصندوق الجماعي لضمان الودائع, فهو يتدخل لتحقيق هدفين يوفران حماية لمصالح عملاء مؤسسات الائتمان. ففي المرحلة الاولى يقدم مساعدات ومعونات مالية للبنوك التي تعترضها صعوبات أولا وفي مرحلة ثانية يقدم تعويضات لأصحاب الودائع الموضوعة بالبنك الذي يعل عن تصفيته ثانيا .

اولا: تقديم مساعدات للبنوك التي تعترضها صعوبات:

الذي ينبغي بيانه في هذا المضمار ان القانون البنكي المغربي لم يعمل سوى على اقرار حق المؤسسات البنكية في الحصول على مساعدات مالية من هذا الصندوق، تاركا بذلك الامر للوزير المكلف بالمالية ليتولى فيما بعد بواسطة قرارات يصدرها لهذا الغرض تحديد مبالغ المساعدات الممكن تقديمها لكل بنك تعترضه صعوبات وكيفيات تقديم هذه المساعدات وشروط ذلك[43].
والمادة 4 من قرار الوزير المكلف بالمالية قد اكدت أن لهذا الاخير كامل الصلاحية في تحديد مبلغ المساعدات القابلة للإرجاع التي يمكن ان يمنحها الصندوق لمؤسسات الائتمان التي تتخبط في براثين الازمات وكذا كيفيات ارجاعها و نسبة الفائدة المترتبة عليها، اذ يلاحظ في هذه المادة كونها تركت امر تحديد حجم المساعدات لقرارات تصدر عن الوزير المكلف بالمالية بالنسبة لكل حالة على حدة.
وعلى ما يبدو ان ترك امر تحديد هذه المساعدات المالية لقررات فردية تصر عن وزير المالية يعد مقبولا لان حدة الازمة التي تتعرض لها مؤسسة بنكية مثلا ليست تلك التي تواجه مؤسسة أخرى لذا يكون المشرع قد تنبه لاختلاف الازمات المالية مع اختلاف قيمة المساعدات التي تصلح للنهوض بها. وان التحديد المسبق لمبلغ وشروط تقديم المساعدات المالية التي يمكن ان توحد بين جميع البنوك من شانه ان يشكل عرقلة وعائق امام تحقيق الغاية التي وجد الصندوق من اجلها.
إضافة الى الطرح السابق اذا ما تم تحديد المبلغ وشروط تقديم المساعدات المالية لكل بنك تعترضه صعوبات، قد تغل يد الوزير المكلف بالمالية وتجمد صلاحياته بالرغم من كونه سلطة حكومية يعهد اليه امر تطبيق وصاية الدولة على القطاع البنكي واتخاذ مختلف الاجراءات التي تهدف الى احداث ملاءمة مع المساعدات المالية وظروف كل مؤسسة بنكية.
ثانيا: تعويض أصحاب الودائع الموضوعة البنوك التي تقع تصفيتها:
نصت المادة 6 من القرار الوزاري المتعلق بالصندوق الجماعي لضمن الودائع على انه (يعتبر صاحب وديعة واحد ويمنح التعويض المستحق له على اساس :
كل من له عدة حسابات كيفما كان عددها وطبيعتها واجلها والعملة الاجنبية المحررة بها؛
اصحاب الحسابات المشتركة او حسابات التركة).
وفي المادة 60 من القانون البنكي الملغى لسنة 1993 كان التعوبض يمنح في حدود مبلغ لا يزيد عن 50.000 دهم مهما كان رصيد حسابات الزبناء، أما الآن وفي ظل القانون البنكي الحالي فالقانون لم يحدد مبلغ التعويض سلفاً بل قال في المادة 108 ميتم تعويض المودعين في حدود مبلغ اقصى لكل مودع سواء اكان شخصا ام معنويا، إذن يلاحظ ان المادة 108 ربطت قيمة التعويض الذي يحصل عليه الزبون بالمبلغ الاقصى لهذا الاخير.
أما على مستوى التشريعات المقارنة يلاحظ أن الدول اختلفت حول مقدار التعويض، ويصل هذا الحد في مصر الى مبلغ 10.000 جنيه، وفي فرنسا 400.000 فرنك فرنسي.
وعند اعلان تصفية البنك يقع التحاص بين الزبناء في مجموع المبالغ المتوفرة بصندوق ضمان الودائع، وهكذا فلو كانت المبالغ غير كافية لتعويض المودعين كل حسب مبلغه الاقصى فان التعويض يكون جزئي.
وقد يقع ألا يحصل اصحاب الودائع على تعويض في حدود المبلغ لكل مودع اذا لم تسمح الموارد المالية المتوفرة في الصندوق، وهذا لاينقص شيئا من الحماية التي اريد توفيرها لعملاء مؤسسات الائتمان التي تعترضها صعوبات.
أما فيما يخص موارد الصندوق التي يمكن تخصيصها لمنح التعويضات المستحقة لأصحاب الودائع تحصر يوم تصفية مؤسسات الائتمان.

ومن وجهة نظرنا، نرى ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع يعد من حسنات القانون البنكي المغربي، حيث وان القارئ وهو يدرس تنظيم هذا الصندوق يلاحظ أن المواد المتعلقة به قد أدخلها القانون في باب تحت عنوان “حماية عملاء مؤسسات الائتمان” وهذا يعكس رغبة التشريعات الحديثة في تحقيق حماية للمتعاملين مع البنوك باعتبارهم العجلة النشيطة داخل الحقل البنكي وانه كلما علم الزبون انه سيتم تعويضه اذ ما جوبهت المؤسسة المهنية يأية صعوبة تزداد ثقته ويُقبِلُ دون تردد للاستفادة من الخدمات والتسهيلات التي تقدمها البنوك في هذا المجال.

المبحث الثاني: ضآلة التعويض المقرر منحه للمودعين في حالة تصفية المؤسسة البنكية:

من ابرز مميزات القانون البنكي لسنة 1993 انه احدث لأول مرة على غرار التشريعات المقارنة و بهدف حماية اصحاب الاموال المودعة صندوقا جماعيا لضمان الودائع يعمل على منح تعويضات للمتضرر من تصفية احد المؤسسات البنكية الواقعة في ازمة مالية، وقد أتى ظهير 2006 ببعض الاصلاحات على هذا الصندوق الى جانب قرار الوزير المكلف بالمالية المتعلق بالصندوق الجماعي لضمان الودائع والذي تناول هذا الاخير بشيء من التفصيل محددا موارده من اشتراكات سنوية وكيفيات دفعها وحدد من يستفيد من التعويض وجاء بالحلول التي يمكن سلوكها عند عدم كفاية موارد الصندوق، ونظم اختصاصات المصفي واسند الى والي بنك المغرب امر تنفيذ احكام هذا القرار، وتكملة لهذه الاصلاحات التشريعية التشريعية اضاف مشروع تعديل القانون البنكي الحالي صندوقا جماعيا اخر أطلق عليه اسم صندوق ضمان ودائع البنوك التشاركية لحماية المتعاملين مع هذا النوع من البنوك.
والغاية كما اسلفنا الذكر في المباحث السابقة فيما يتعلق بإحداث الصندوق هي حماية حقوق الزبناء بصورة غير مباشرة عن طريق تقديم مساعدات مالية للبنك المتعرض لصعوبات وذلك للحيلولة دون تصفيته، وبصورة مباشرة عن طريق صرف التعويضات المستحقة للمودعين في الحالة التي يصفى فيها البنك بسبب استحالة تقويم وضعيته.
ولما كانت الودائع النقدية هي التي تمكن المؤسسة البنكية من القيام بعملياتها الائتمانية التي لا يمكن اجراؤها بمجرد الاعتماد على اموالها الذاتية. كان لزاما على المشرع البنكي أن يحدث صندوقا يضمن هذه الودائع, لكن الذي يلاحظ ان كيفية تشغيل هذا الصندوق وشروط الاستفادة من التعويضات التي يصرفها، أن الامر لا يوحي الى التعويض بالمعنى الصحيح وهذا يرجع لهزالة التعويض.فالمودع يحصل على تعويض كيفما كان عدد حساباته وطبيعتها واجلها والعملة الاجنبية المحررة بها، الشيء الذي تصبح معه الحماية التي أرادها القانون من خلال إحداث صندوق الضمان هذا ناقصة ولها دور محدود كما سنرى فيما سيأتي.
وبذلك فان المسطرة المتبعة من اجل تعويض اصحاب الودائع تتم وفق شكل خاص يخضع للعديد من المتغيرات والشروط القاسية التي تؤدي في اخر المطاف الى حصول المودعين على تعويضات هزيلة وقليلة.

إن التعويضات المقرر منحها للمودعين من قبل الصندوق الجماعي لضمان الودائع مشروطة فيما يخص المعايير التي نعتبرها باللامنطقية التي وضعها قارار وزير المالية في المادة السادسة منه حينما حدد مفهوم المودع وطبيعة الحساب البنكي الذي يجعله محقا في الاستفادة من التعويض المقدم من قبل هذا الصندوق وقد نصت المادة 6 بالحرف[44]: (يعتبر صاحب وديعة واحد ويمنح التعويض المستحق له على اساس :
كل من له عدة حسابات كيفما كان عددها وطبيعتها واجلها والعملة الاجنبية المحررة بها؛
اصحاب الحسابات المشتركة او حسابات التركة)
نفهم من هذه المادة أن المودع الذي له عدة حسابات بالمؤسسة البنكية التي تمت تصفيتها يعتبر فيما يخص حصوله على التعويض المستحق له “صاحب وديعة واحدة un deul déposant ” بصرف النظر ما إذا كانت هذه الودائع لأجل أو للإطلاع كلها او بعضها، وعما اذا كانت محررة بالعملة الاجنبية او الوطنية.
ومن باب توضيح الموضحات نفترض المثال التالي ( لو كانت الموارد التي قد تكون متوفرة بالصندوق الجماعي لضمان الودائع يوم اعلان وضع المؤسسة البنكية في حالة تصفية تكفي لمنح كل مودع التعويض المستحق له في حدود مبلغ أقصى لكل مودع، فإن ذلك لا يخدم سوى مصلحة المودع الصغير الذي له حساب وديعة واحد).
وتأسيسا على الطرح السابق، فان الشخص الطبيعي او المعنوي، الذي له عدة حسابات بمثابة صاحب حساب واحد من شأنه أن يخل بمبدأ المساواة بين المودع الذي له حساب واحد وذلك الذي له عدة حسابات، وهذا يشكل إجحافا وإرهاقا لهذا الاخير الذي لا يمكنه أن يعوض عدة مرات وهنا تكمن الخطورة التي تعتري المادة 6 من القرار الوزاري الخاص بصندوق الضمان.
لكن على كل حال نقول ان الوضع تحسن على ما كان عليه الامر في التشريع البنكي الملغى لسنة 1993 الذي وضع حداً أقصى لمبلغ التعويض في 50.000 درهم فحتى لو كانت الحسابات مرتفعة عن هذا الرقم استحق صاحبها مبلغ الــ 50.000 د والذي يستفيد من هذا المبلغ هو المودع الصغير صاحب الحساب الواحد الذي قد يساوي مبلغ الودائع، او يفوق بقليل مبلغ خمسون ألف درهم، اما الآن وفي ظل المادة 108 من القانون البنكي الحالي فالمشرع تفادى و تحاشى تحديد الحد الاقصى للتعويض بل جعله يتم في حدود مبلغ اقصى لكل مودع، هُنا يكون المشرع قد أصاب وتنبه بخطورة ما ورد في القانون البنكي الملغى لكن يبقى العائق هو التعامل مع الحسابات المتعددة او المشتركة في حكم حساب واحد، وهذا يخالف المنطق القانوني الذي يقضي بتوفير حماية لحقوق زبناء المؤسسة البنكية التي تقع تصفيتها.

وفي نظر بعض الفقه المغربي[45] ، فان حماية حقوق زبناء البنوك التي فرضت على المشرع المغربي إحداث الصندوق الجماعي لضمان الودائع الموضوعة بالمؤسسات البنكية التي تقع تصفيتها تقتضي ان تتم معاملة المودعين اصحاب الحسابات المتعددة بطريقة تمكنهم من الحصول على التعويض الذي يناسب الحجم الاجمالي للودائع المدرجة في مختلف حساباتهم هذه،لاسيما ان المودعين الذين يمكن ان يكونوا في مثل هذا الوضع قد يتشكلون في غالبيتهم من الاشخاص المعنويين كما هو الشأن بالنسبة للشركات التجارية التي تفرض عليها معاملاتها فتح أكثر من حساب بنكي واحد، والتي تكون ودائعها بمبالغ جد مهمة.
ويرد بعض الفقه السبب الحقيقي الذي قاد الى محدودية دور الصندوق الجماعي لضمان الودائع في الطبيعة القانونية لهذا الصندوق الذي لا يتمتع الشخصية المعنوية والاستقلال المالي، كما هو الحال بالنسبة لصندوق التأمين على الودائع بالبنوك العالة في مصر والمسجلة لدى البنك المركزي المصري الذي يتمتع بهاتين الخاصيتين.

خـــــــاتـــــمــــــة:

لقد حاولنا عبر هذا البحث سرد اهم مواقف المشرع البنكي المغربي في ميدان حماية مصلحة الزبناء وتوضيح اوجه التدخل لوقاية هؤلاء شر ما قد ينجر اليهم من مخاطر وأثار سلبية جراء ممارسة البنوك لمهامها في جو مطبوع بالليبرالية والمنافسة، ذلك أن النظام البنكي المغربي قد اتى على وسائل قانونية مسطرة في نصوص متفرقة تقي الزبون من تلكم الاثار وتحفظ مركزه داخل علاقته مع البنك باعتباره الحلقة الاهم في هذه العلاقة ، فالبنك كما اوضحنا سلفا لا يمنح الائتمانات من رأسماله الخاص بل من مجموع الاموال المودعة من قبل الجمهور الشيء الذي يفرض على المشرع التدخل لحماية ائتمان الاشخاص وأموالهم المودعة لدى مؤسسات الائتمان بما فيها البنوك.
ومما يتبين من خلال هذه الدراسة اننا تناولنا اهم الضوابط الخاصة بممارسة المهنة البنكية اذ من التابث ان حماية حقوق الزبناء تفرض وضع شروطا ينبغي ان تتوفر في كل مؤسسة تريد ان تتخذ من النشاط البنكي مهنة لها، كما أتينا على مسطرة الحصول على رخصة الاعتماد حيث تتاكد السلطات المكلفة بالمالية من مدى احترام هذه المؤسسة لقواعد المهنة وللقواعد الاحترازية التي تضمن للزبون مركزاً آمناً داخل علاقته مع البنك،كما سجلنا في هذا السياق ان البنوك تخضع لمراقبة قوية بعد حصولها على رخصة الاعتماد من طرف هيئات تقريرية وأخرى استشارية مع امكانية انزال عقوبات مختلفة على المؤسسة التي لاتتقيد بواجب المهنة الذي يضع مصلحة الزبون في رتبٍ عليا نظرا لمركزه الضعيف داخل علاقته مع البنك ، ولما كانت علاقة هذا الاخير مع الزبون علاقة قانونية ترمي بالتزامات على عاتق كلا الطرفين فقد تناولنا بتفصيل موضوع مسؤولية البنك اتجاه عملائه وأشرنا الى انواع هذه المسؤولية.

وبالرغم من احترام البنك لكل الالتزامات القانونية التي تدخل في اطار حماية حقوق الزبناء فقد يحصل ان يقع البنك في صعوبة نتيجة وقوع تفاوت بين اصولها وخصومها ، مما تصبح معه اموال الجمهور المودعة معرضة للضياع الشيء الذي حدا بالمشرع المغربي إلى منح هؤلاء ضمانة حين إحداثه للصندوق الجماعي لضمان الودائع الذي يمتاز بخاصية مزدوجة.
وعليه ، نرى ان القانون البنكي المغربي الصادر في 14 فبراير 2006 أتى باصلاحات جذرية تلائم القواعد الدولية التي تفرض البحث عن كل الوسائل التي تضمن توفير خدمات مصرفية مناسبة للزبناء وتعكس صورة حسنة للنظام البنكي المغربي الذي يعرف تطورا بالغا في السنوات الاخيرة فمشروع تعديل القانون البنكي الحالي يناقش الان في البرلمان والذي سيحمل للحقل البنكي عدة مستجدات لعل اهمها وضع اطار قانوني يحكم البنوك التشاركية والتوسيع من العمليات التي تقوم بها مؤسسات الائتمان…، وقد حرصنا في هذا البحث على اجراء مقارنات ومقابلات بين مقتضيات القانون البنكي لسنة 2006 وبين مستجدات المشروع رغبة منا ان تفي هذه الدراسة بالمقصود وان تساهم عن جد في تطوير المدارك القانونية والعلمية للباحث وان تمنح قيمة مضافة للمهتمين بالشأن القانوني.

ومسك الختام
أن الحمد لله رب العالمين

مـــلـــحـــق

حـكـم قضـائي فـي
بـاب المسـؤولـيـة مـع التعـليـق

حكم قرار 1398/2001
بتاريخ 28/11/2001
ملف تجاري رقم 11101/200/1

حيث يهدف الطلب الى التصريح بمسؤولية البنك المدعى عليه عن الاضرار اللاحقة بالمدعية.
اولا: بسبب امتناع البنك عن وفاء الشيك قامت بسحبه رغم توفرها على اعتماد السحب المكشوف.
ثانيا: بسبب عدم اشعار البنك للعارضة برجوع اوراق تجارية قدمتها له في اطار الخصم دون الاداء كما يهدف الطلب الى اجراء الخبرة لتحديد التعويض المستحق عن الاضرار المذكورة.
وحيث ان دفع المدعى عليه بعدم قبول الطلب لكونه يرمي الى اجراء خبرة دفع مردود ذلك ان طلب المدعية يهدف الى تقرير مسؤولية البنك المدعى عليه عن الاضرار اللاحقة بها من جراء عدم وفائه بالشيك المسحوب عليه من جراء احتفاظه بالأوراق المخصومة بعد رجوعها بدون اداء.
وحيث من التابث من وثائق الملف ان المدعية سبق ان بادرت بتسليم البنك المدعى عليه اوراق تجارية من اجل استخلاص وتقييد قيمتها في الجانب الدائن للمدعية ولم يتم استخلاص قيمتها ولم يتم تسجيلها في الجانب المدين للمدعية إلا في 6/8/1998 في حين ان المدعية سبق ان اعلمت وأخبرت المدعى عليه بواسطة رسالة تحمل خاتمه بتوصله في 23/12/1996.
وحيث وانه والحالة هذه فان عدم قيام البنك بإخبار المدعية داخل الاجال القانونية المنصوص عليها في الفصل 228 من مدونة التجارة بعد استخلاص قيمة الاوراق التجارية كما ان عدم قيامه بوفائه بالشيك الحامل لمبلغ 402,647,99 درهم لفائدة… بالرغم من الكفالة الشخصية بمبلغ 2,000,000,00 من قبل مدير المدعية وبالرغم من اعتماد البنك على اداء الشيكات على المكشوف مما يشكل انهاءا تعسفيا من قبله للاعتماد الغير المحدد الممنوح للمدعية وبالتالي يكون البنك المدعى عليه مسئولا عن الاضرار الاحقة بالمدعية من جراء صفاته اتجاهها.
وحيث ان المحكمة لا تتوفر على العناصر الضرورية لتقدير مبلغ التعويض عن الاضرار اللاحقة بالمدعية من جراء تصرفات البنك المدعى عليه المذكورة اعلاه مما يتعين اجراء خبرة محاسبية.
حيث ينبغي حفظ الحق للطرفين للتعقيب على الخبرة.
لهذه الاسباب:
حكمت المحكمة بجلستها العلنية ابتدائيا.
بتقرير مسؤولية المدعى عليه عن الاضرار اللاحقة بالمدعية من جراء عدم وفائه بالشيك بمبلغ 402,647,99 درهم وعدم اشعار المدعية بذلك داخل الاجل القانوني وكذا من اجرا احتفاظه بالأوراق التجارية المخصومة بعد رجوعها بدون اداء وعدم اشعار المدعية.
تأمر بإجراء خبرة محاسبية نعين القيام بها الخبير السيدة فتحي السعدية وذلك قصد استدعاء الطرفين بواسطة البريد المضمون مع الاشعار بالتوصل وإجراء محاولة صلح بينهما في حالة فشلها اجراء محاسبة ذلك من اجل تحديد مبلغ الاضرار اللاحقة بالمدعية من جراء الاخطاء المذكورة في مواجهة المدعية.
تحدد اجرة الخبير 1500,00 درهم تؤديها المدعية داخل اجل 15 يوما من تاريخ توصلها بالقرار.
نحدد اجل شهرين للخبير من اجل انجاز مهمته.
يحتفظ للطرف الحق في التعقيب على الخبرة
يعين الملف لجلسة 11/12/2001
وبهذا صدر الحكم في اليوم والشهر والسنة اعلاه بنفس الهيئة التي شاركت في المنافسة.

الـــــــتــــعـــــلــــيـــــق:

أولا : صورة القضية:

تتلخص وقائع هذه الدعوى في كون المدعية صاحبة الطلب الاصلي تقدمت بدعوى في مواجهة البنك المدعى عليه مطالبة بتقرير مسؤولية هذا الاخير بسبب امتناع البنك عن وفاء شيك قامت بسحبه سحبا صحيحا وبسبب عدم اشعار البنك للمدعية برجوع الاوراق التجارية التي سحبتها على البنك في اطار الخصم دون الأداء وقد حدث ان البنك المدعى عليه لم يقبل الطلب ورأى ان المدعية تهدف من ورائه الى اجراء خبرة، لكن المحكمة حكمت برد هذا الدفع وأوضحت ان طلب المدعية انما يرمي الى تقرير مسؤولية البنك المدعى عليه عن الضرر الاحق بها من جراء عدم الوفاء بالشيك المسحوب عليه والاحتفاظ بالأوراق التجارية بدون اي اداء.
كما أتبتث المحكمة ان وثائق ملف المدعية يفهم من خلالها انها سلمت البنك المدعى عليه اوراق تجارية قصد استخلاص وتقييد قيمتها في الجانب الدائن للمدعية ، لكن هذا الاستخلاص والقيد لم يتم إلا في 6/8/1998 والحال ان المدعية قد اعلمت البنك بذلك في 23/12/1996 عن طريق البريد المضمون ، وهذا يشكل تأخيرا بالغا يمس بائتمان الزبون.
وبالرجوع لحيثيات الحكم يلاحظ ان المحكمة المذكورة قد اعتبرت البنك المدعى عليه مسؤولا عن كل الاضرار التي لحقت المدعية من جراء عدم قيام البنك بإخبار المدعية داخل الاجال القانونية المنصوص عليها في مدونة التجارة وذلك بعد استخلاص الاوراق التجارية ، كما ان عدم قيامه بوفائه بالشيك الحامل لمبلغ 402,647,99 درهم لفائدة المعني بالأمر بالرغم من الكفالة الشخصية بقيمة 2,000,000,00 درهم مقدمة من قبل مدير المدعية والكفالة من ضمانات تنفيذ الالتزامات ، وبالرغم من اعتماد البنك على المكشوف مما يشكل في نظر المحكمة إنهاءا تعسفيا من قبل البنك للاعتماد الغير المحدد الممنوح للمدعية.
وقد اكدت المحكمة في حكمها انها لا تتوفر على العناصر اللازمة التي تمكنها من تقدير التعويض عن الاضرار اللاحقة بالمدعية ،ولهذا اختارت ان تجرى خبرة حسابية.

ثانيا : ما ذهبت اليه المحكمة المختصة:

وقد خلصت المحكمة في حكمها بناءا على الاسباب المذكورة الى:
بتقرير مسؤولية البنك عن ما سببه من اضرار للمدعية جراء عدم وفائه بالشيك بمبلغ 402,647,99 وعدم اشعار المدعية بذلك داخل الاجل القانوني بالإضافة الى احتفاظه بالأوراق التجارية المخصومة بعد رجوعها بدون اداء وعدم اشعار المدعية.
تأمر بإجراء خبرة حسابية قصد استدعاء الطرفين المتنازعين بواسطة البريد المضمون وجر محاولة صلح وفي حالة فشلها يحدد الخبير حجم الاضرار اللاحقة بالمدعية.
كما يلاحظ ان اجر الخبير1500,00 درهم ستدفعه المدعية داخل اجل 15 يوم من تاريخ توصلها بالقرار، وقد حددت المحكمة مدة انجاز الخبير لمهمته في شهر كامل وأبقت على حق كل طرف في التعقيب على الخبرة.

ثالثا : التعليق على الحكم:

والذي يستفاد من الحكم موضوع التعليق أن البنك لم يفي بالتزاماته القانونية تجاه زبونها حينما لم يعمل على الوفاء بالشيك المقدم اليه بمبلغ 402,647,99 لفائدة المعنية بالأمر بالرغم من الكفالة المقدمة من قبل مدير المدعية والكفالة من ضمانات تنفيذ الالتزامات ، وبالتالي فتصرف المؤسسة البنكية يكون قد خالف نص المادة 309 من مدونة التجارة في الفقرة الثاينة منها حيث جاء فيها(كل مؤسسة بنكية ترفض وفاء شيك سحب على صناديقها سحبا صحيحا، وكانت لديها مؤونة ودون أن يكون هناك أي تعرض، تعتبر مسؤولة عن الضرر الحاصل للساحب عن عدم تنفيذ أمره وعن المساس بائتمانه.) ومن تم كان المبدأ المسلم به في باب المسؤولية أن من أضر بغيره التزم بتعويضه.
ومن بين التزامات البنك عموما الالتزام بالإعلام اي اعلام الزبون بكل العمليات التي لها صلة بحساب العميل، وهكذا فان إخلال المؤسسة البنكية وتقاعسها عن إعلام العارضة برجوع اوراق التجارية قدمتها له في إطار الخصم يوجب مسائلتها وجبر الضرر الحاصل لها بفعل هذا التصرف، ولو تم اعلامها برجوع هذه الاوراق في اجل معقول لإتخذت المدعية ما تراه مناسبا للحفاظ على مركزها مع المتعاقد معها. وهذا بالطبع تكريسا لمبدأ استقرار المعاملات.
والملاحظ بخصوص تعيين المحكمة للخبير من اجل القيام بخبرة حسابية على امتداد شهر كامل من شانه ان يعطي صورة شفافة عن حجم الاضرار التي تعرضت لها المدعية و البحث فيها ثم تقدير مبلغ التعويض المناسب.
كما يستشف من هذا الحكم ان المحكمة لجأت الى امكانية اجراء الصلح بين اطراف الخصومة لان من شان نجاح الصلح بينهم تفادي طول المساطر والإجراءات التي تلزم للقيام بخبرة حسابية كاملة وان لم تفلح مسطرة الصلح استمرت الخبرة.
و التابث من خلال تعيين الخبير لتقدير مبلغ التعويض عن طريق معاينته لحجم الاضرار اللاحقة بالمدعية أن المحكمة لم تُعمِل المبدأ الذي يقضي بان التعويض موكول الى القضاء لكن الامر يقتضي خلاف ذلك حيث انه لما لم تتوفر المحكمة على كل العناصر الضرورية لتقدير مبلغ التعويض إرتأت ان تعين خبير تنحصر مهامه في اجراء خبرة حسابية دقيقة للخروج بالمبلغ المناسب كتعويض لفائدة المدعية.
وفي الأخير نقول ان المحكمة التجارية بالدار البيضاء في حكمها عدد 1398/2001 بتاريخ 28/11/2001 قد كانت صائبة حين تقريرها للمسؤولية المدنية للبنك المدعى عليه وهاته المسؤولية التي إتخذت شكل تعويضات يدفعها هذا الاخير للمدعية بعد تقدير مبلغ التعويضات من طرف الخبير سيما وان الزبون يشكل المركز الضعيف داخل علاقته مع البنك وفي ذات الوقت الحلقة المهمة فيها ، وهذا ما يفسر ذهاب القضاء المغربي في كثير من احكامه وقراراته الى التأكيد على واجبية حماية الطرف الضعيف في العقد دون الاضرار بباقي المتعاقدين لتحقيق التوازن بين المراكز القانونية للأشخاص.

 

(محاماه نت)

إغلاق