دراسات قانونية

قانون التأمين (بحث قانوني)

بحث قانوني يفسر قانون التأمين

أ / أحمد أبو زنط

الباب الأول المبادئ العامة فى التأمين

1- نوهنا – آنفاً – إلى أن التأمين، بمعناه الفنى، يعد نظاماً حديثاً نسبياً، بمعنى أن ليس له جذور ضاربة فى أعماق التاريخ كالنظم القانونية المصاحبة لنشأت المجتمع الإنسانى.
وبناء على ذلك فإن الأمر يتطلب بيان ماهية التأمين، والحديث عن تطوره التاريخى، ودراسة إمكانية تقسيمه من الناحية الموضوعية والفنية إلى أقسام متعددة، والتعرف على الوظائف التى يقوم بها، وعرضه على الأحكام الشرعية والقواعد الأخلاقية لبيان متى يأتلف ومتى يختلف معها، وبيان الأسس الفنية التى يقوم عليها والضمانات التأمينية المختلفة.
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال الفصول الآتية.
الفصل الأول – الفكرة العامة فى التأمين.
الفصل الثانى – مشروعية التأمين.
الفصل الثالث – أسس التأمين وضماناته.

الفصل الأول الفكرة العامة فى التأمين

2- لا جرم أن التأمين يقوم على فكرة أساسية يقتضى بيانها لفهم الأحكام المختلفة لعقد التأمين. وللوصول إلى ذلك نبدأ بتعريف التأمين ثم نبحث عن نشأته وتطوره ثم ننظر فى مدى تقسيمه إلى عدة أقسام وأخيراً نعرض لوظائفه فى الحياة العملية.
ونعرض لدراسة فكرة التأمين فيما هو آتٍ من مباحث.
المبحثالأول -التعريف بالتأمين.
المبحث الثانى – نشأة التأمين وتطوره.
المبحث الثالث – أقسام التأمين.
المبحث الرابع-وظائف التأمين.

المبحث الأول التعريف بالتأمين

3- لا جناح أن التأمين يتطلب توافر أمرين لقيامه، علاقة قانونية تقوم بين المؤمن (شركة التأمين) والمؤمن له (شخص يخشى من تحقق الخطر) ، وأسس فنية تسوغ قيام مثل هذه العلاقة، على نحو يباعد بينها وبين المقامرة والرهان التى تقوم على نوع من ضروب الحظ والمصادفة.
ونتناول بيان ذلك من خلال المطالب الآتية.

المطلب الأول العلاقة القانونية

4- لا غرو أن يؤدى، تعاظم المخاطر الذى يتعرض إليها إنسان هذا العصر فى نفسه وماله، إلى قيام جهات تمارس نشاطها فى العمل التأمينى وإلى وجود أشخاص راغبين فى الحماية التأمينية من مثل هذه المخاطر. الأمر الذى يترتب عليه قيام علاقة قانونية بينهما.
فالعلاقة القانونية تنشأ بين طرفين أحدهما المؤمن والآخر المؤمن له بموجب عقد أطلق عليه المشرع مسمى عقد التأمين ووضع له أحكاماً خاصة به. وهذا العقد يرتب التزامات على عاتق طرفيه، فالمؤمن له يلتزم بالوفاء بقسط دورى محدد للمؤمن الذى يلتزم بدوره بتغطية الخطر المؤمن منه والوفاء للمؤمن له، أو المستفيد، بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض عند تحققه.
والمؤمن، عادة ما يكون شخص معنوى خاص أو عام، يتخذ أحد الأشكال المعروفة كجمعية أو شركة أو هيئة أو مؤسسة، ويمارس عمله فى سوق التأمين مع عدد غير قليل من المؤمن لهم.
والمؤمن له هو شخص طبيعى أو معنوى خاص أو عام يهدده خطر معين، ويرغب فى الحصول على تغطية من إحدى الجهات التأمينية لمثل هذا الخطر.

المطلب الثانى الأسس الفنية

5- رأينا أن العلاقة التأمينية تنشأ بين المؤمن والمؤمن له بموجب عقد التأمين، غير أن هذه العلاقة لو كانت فى شكل علاقة ثنائية بينهما لكان ضرباً من المقامرة والرهان غير الجائز قانوناً (شرعى ووضـعى) ولذلك يجب أن تتعدد مثل هذه العلاقة بحيث يكون هناك عدد غير قليل من المؤمن لهم.
بيد أن قيام هذه العلاقات المتعددة لا تجعل المؤمن فى منأى من مخاطر المضاربة إلا إذا أقامها على أسس فنية ودراسات إحصائية.

أولاً – التعاون الافتراضى

6- يفترض التأمين أن المؤمن (شركة التامين) يقوم بدور الوسيط لتنظيم التعاون فيما بين المؤمن لهم لمواجهة المخاطر التى يتعرضون لها (2م). فتعدد المؤمن لهم أمراً ضرورياً حتى لا يصبح التأمين نوعاًمن المقامرة أو الرهان أو المضاربة غير المشروعة التى تتم بين شخصين ينقل بمقتضاها أحدهما الخطر إلى الآخر. بل التأمين هو عملية جماعية تفترض التعاون بين المؤمن لهم لتشتيت الخطر فيما بينهم، على نحو لا يتحمل أثره الشخص الذى تعرض له وحده .

ثانياً – الدراسة الإحصائية

7- لا جرم أن المؤمن لكى يقوم بالعملية التأمينية يحتاج إلى الاستعانة بمبادئ علم الإحصاء (الحسابات الاكتوارية) للوقوف على مدى احتمالية تحقق الخطر المراد التأمين منه، بحيث يحصى عدد حالات وقوعه فى مكانٍ وزمانٍ محددين . وهذا الإحصاء يخوله إمكانية تحديد قيمة القسط على نحو يحقق له أرباح من التأمين. لأنه إذا كانت الدراسة الإحصائية تفيد بأن نسبة تحقق الخطر كبيرة، فإن المؤمن قد يحجم عن تغطية مثل هذا الخطر نظراً لأنه يتطلب منه توجيه مجموع الأقساط التى تقاضاها من المؤمن لهم إلى تغطيته.
ومجمل القول فى ذلك أن للعملية التأمينية لها جانبين.
-الجانب القانونى ويتمثل فى العلاقة القانونية التى تقوم بموجب عقد التأمين بين المؤمن والمؤمن له.
-الجانب الفنى ويتمثل فى عملية إدارة التعاون الافتراضى بين المؤمن لهم والتى يقوم بتنظيمها المؤمن عن طريق الدراسات الإحصائية والرياضية

المطلب الثالث ماهية التأمين

8- رأينا أن العملية التأمينية لها جانبان أحدهما قانونى والآخر فنى فهل يمكن، فى ضوء ذلك، تحديد ماهية التأمين أى تعريفه تعريفاً جامعاً مانعاً ؟.

أولاً – التعريف التشريعى لعقد التأمين

9- لا جرم أن المشرع وهو بصدد تنظيم عقد التأمين تنظيماً خاصاً باعتباره أحد العقود المسماة، وضع تعريفاً له من خلال بيان أطرافه وتحديد الآثار المترتبة عليه [المادة (747) مدنى ].
فهذا التعريف تضمن بيان العناصر الأساسية أو الجوهرية لعقد التأمين، من حيث الأطراف (المؤمن والمؤمن له) ومن حيث المستفيد سواء أكان هو المؤمن له أم كان شخصاً ثالثاً عين فى العقد مستفيداً (الاشتراط لمصلحة الغير) [المادة (154/1) مدنى ]، ومن حيثالتزام المؤمن بتغطية الخطر المؤمن منه، والتزام المؤمن له بدفع الأقساط .
وهذا التعريف يعد جامعاً لأنه لم يقيد عبارته فى أن الهدف من التأمين هو التعويض عن خسارة احتمالية قد تصيب المؤمن له من تحقق الخطر المؤمن منه. بل أطلقها لكى تكون صالحةً لجميع أنواع التأمين، سواء أكان تأميناً على الأشخاص، أم كان تأميناً من الأضـرار
غير أن الفقه القانونى ينتقد هذا التعريف على أساس أنه أغفل بيان الأسس الفنية التى يقوم عليها التأمين . وفى تقديرنا أن هذا الانتقاد فى محله، لأن هناك فارق بين تعريف التأمين وتعريف عقد التأمين الذى يمثل العلاقة القانونية بين طرفيه (المؤمن والمؤمن له) باعتبارها أحد جانبى التأمين فإذا أضفنا إليه الأسس الفنية اكتمل للتامين جانبيه. فهذه الأسس، وإن كانت لازمة لخلو التأمين من المقامرة والرهان، إلا أنها ليست لازمة لقيام عقد التأمين وليست من عناصره الجوهرية ولا تذكر فيه بالكلية. لأن المؤمن يقوم بالعمليات الإحصائية والرياضية بعيداً عن العقد. فضلاً عن كونها تدخل فى الدراسة التجارية أكثر منها فى الدراسة القانونية.
بالإضافة إلى ذلك فهناك نقد آخر يوجه إلى المشرع هو قيامه بوضع تعريف للعلاقة التى ينظمها قانوناً، فهذا ليس من مهمته، والقيام به يجعل النص جامداً عند المعنى الضيق للعبارة التى صب فيها فالتعريف والتأصيل مهمة أصيلة للفقه القانونى. ومع ذلك فإنه يمكن التماس العذرللمشرع، فى تعريفه لعقد التأمين، لأمرين هما : الحداثة النسبية للتأمين. والجدل الذى أثير حول مدى مشروعيته.

ثانياً – التعريف الفقهى التأمين

10- ولا جناح أن التأمين تعددت تعريفاته ولعل أكثرها شيوعاً وقبولاً لدى الفكر القانونى هو التعريف الذى قال به الفقيه الفرنسى / هيمار، حيث عرفه بأنه ” عملية يحصل بمقتضاها أحد الطرفين وهو المؤمن له نظير دفع مبلغ معين وهو القسط، على تعهد لصالحه أو للغير فى حالة تحقق خطر معين من الطرف الآخر وهو المؤمن الذى يتحمل على عاتقه مجموعة من المخاطر يجرى المقاصة بينها وفقاً لقوانين الإحصاء ” .
وعرفه فضيلة الشيخ / على الخفيف بأنه ” نظام تعاقدى ابتدعه رجال الأموال لتوزيع الضرر– الناتج من الأخطار الزمنية التى تصيب الأموال بالإتلاف أو الفساد أو الضياع، أو تصيب الأجسام والأنفس بالنقص والأمراض– وتجزئته بقسمته بين أفراد عديدين يتحمل كل منهم قسطاً منه، وذلك عن طريق تقويمه، والتوصل بقيمته إلى ترميمه، أو تخفيفه؛ وذلك بحمل قيمته ووضعها على أكبر عدد ممكن نتيجة لتعاقد تقوم على تنظيمه ومباشرته، والأشراف عليه : هيئات لها الخبرة الفنية والدربة والتجربة القائمة على أسس وقواعد إحصائية وتجريبية “.

تعريفنا للتأمين

11- وفى ضوء ذلك يمكن أن ندلى بدلونا فى تعريف التامينبمعناه العام ومعناه الخاص.
– فالتأمين فى معناه العام هو ” الأمن من الخوف ” لأن الشخص الذى يهدده خطر معين يلجأ إلى غيره طلباً للحماية، فإذا توفر له ذلك فقد زال الخوف بتوفير الأمن.
– والتأمين فى معناه الخاص هو ” علاقة تعاقدية، تتم فى ضوء أسس فنية، يلتزم المؤمن بموجبها بأداء معين إلى المستفيد عند تحقق الخطر المؤمن منه، نظـير التزام المؤمـن له بدفع قسـط دورى”.

العناصر الأساسية للتأمين

12- ففى ضوء هذا التعريف يتبين أن التأمين يقوم على عدة عناصر هى:
– الصفة التعاقدية للتأمين : حيث أن يقوم بناء على تراضى الأطراف ( المؤمن والمؤمن له) على الآثار المترتبة عليها، حتى لو كان التامين إجبارياً، كأن يكون القانون هو الذى الزم المؤمن له بإجرائه حماية للغير، كالتأمين الإجبارى من حوادث السيارات … الخ.
– الأســس الفنيـة : لكى يكون التأمين، فى منأى عن المقامرة والرهان وشبهة عدم المشروعية، يجب أن يقوم بناء على دراسات إحصائية ورياضية وعلى فكرة التعاون الافتراضى بين المؤمن لهم على تحمل كل منهم حصة فى الأثر المالى المترتب على تحقق الخطر المؤمن منه لأحدهم.
-الالتزامـات المتقابلة : فالصفة التعاقدية للتأمين تلقى على عاتق طرفيها ببعض الالتزامات :
– فالمؤمن يلتزم بالتغطية المالية للخطر المؤمن منه عند تحققه بأن يوفى بأداء معين للمستفيد من التأمين سواء أكان المؤمن له ذاته أم كان شخصاً ثالثاً عين مستفيداً فى عقد التأمين.
-والمؤمن له يلتزم بالوفاء بقسط التأمين الدورى، بالإضافة إلى التزامات أخرى كالإدلاء ببيانات معينة عن الخطر المؤمن منه وإخطار المؤمن بتفاقمه وتحققه

المبحث الثانى : التأمين

نشأته وتطوره

13- لا جرم أن الإنسان منذ أن أخرجته معصيته من الأمن الدائم والنعيم المقيم وهبطت به إلى دنيا التدافع والتنافر والتضاد والمغالبة والمكابدة ، وهو يبحث عن ما يمكنه من السيطرة على الأشياء المسخرة له بسننها، ويؤمنه من مجاهل الطبيعة، ويوفر له القوت الذى يقيم به صلبه، ويقيه من الأخطار التى تهدده فى نفسه وماله.
فعندما كان يؤذيه حر المصيف وبرد الشتاء أمن نفسه بلباس يقيه شرهما، وعندما هدده خطر الدواب والهوام هجر افتراش الأرض والالتحاف بالسماء واتخذ بيتاً يؤمنه من ذلك، وعندما هدده خطر عدوان أقرانه دفع ذلك بذويه وكون الأسرة والعشيرة والقبيلة.
وكان نظام الأسرة هو أول نظام للتأمين حقق ولا زال يحقق الآمان لأفراده ويبث فيهم الطمأنينة. حيث يتعاون أفرادها جميعاً فيما بينهم على تأمين كل منهم من الخطر الذى من المحتمل أن يتعرض له، سواء أكان فى شكل مرض أم كان فى صورة عجز عن العمل. بل الأكثر من ذلك فإن التعاون يمتد، فى نطاق الأسرة إلى تحقيق منفعة كالمساهمة فى تكاليف الزواج والمساعدة فى توفير مستلزمات الحياة المعيشية، ولا يقف فقط عند دفع مفسدة المرض والعجز والشيخوخة.
والتأمين، فى شكل التكافل الاجتماعى، كان الركن الثالث (الزكاة) من خمسة أركان للإسلام، وكانت الصدقة من أهم وسائل التقرب إلى الله -i- على نحو يحقق الخير العام للمجتمع بجلب المنافع لهم ودفع المفاسد عنهم.
غير أن الإنسان ما لبث أن غرق فى المادية وسيطرة عليه روح إيثار الذات فتقلصت بعض المبادئ السامية وضاق نطاق الأسرة. فبعد أن كانت تقوم على رابطة الدم أضحت تقوم على أساس الزوجية (الزوج والزوجة والأولاد). بالإضافة إلى تعرض الإنسان إلى مخاطر لم يكن يتعرض إليها قبل ذلك ولا سيما بعد استخدام الآلات فى الصـناعة.
بيد أنه عندما وجد الإنسان نفسه عرضة للمخاطر مع فقدان التامين التطوعى، أداءً لفرض أو تقرباً بصدقة أو تعاوناً لذى قربى فبدأ يبحث عن وسيلة توفر له نوعاً من الطمأنينة ضد هذه المخاطـر.
فعندما انتشرت التجارة البحرية وكانت تتعرض إلى مخاطر القرصنة بالإضافة إلى المخاطر الطبيعية، بدأ التفكير فى التامين البحرى (ق. 14 م).
وعندما شب حريق فى لندن فى عام 1666م نتج عنه تدمير عدة آلاف من المنازل ونحو مائة كنيسة، ظهر التأمين من الحريق
وبتعاظم رؤوس الأموال فى أوربا (ق. 18 م)، على أثر نهب الدول الاستعمارية لثروات دول العالم الثالث، وتدخل الآلات الميكانيكية فى الصناعة، ظهرت أنواع أخرى من التأمين من أهمها التأمين من المسئولية .
وبازدياد نسبة حوادث العمل، وتجمع العمال فى شكل نقابات شكلت قوى ضغط داخل المجتمعات، أدى ذلك إلى ظهور التأمين من حوادث العمل والأمراض المهنية.
أما التأمين على الحياة فقد تأخر فى الظهور إلى القرن التاسع عشر نظراً لتعرضه لهجوم أكثر من غيره من أنواع التأمين الأخرى.
وخلال القرن العشرين تعاظم دور التأمين نظراً لأن الحياة المعاصر مليئة بالأخطار، سواء أكانت ناتجة عن الآلات الميكانيكية والأجهزة الكهربائية أم كانت فى صورة تلوث للبيئة، فكل هذا أدى إلى ظهور أنواع أخرى من التأمين من حوادث النقل الجوى والتأمين حوادث الطاقة النووية … الخ. وظهرت – كذلك – صور متنوعة من التأمينات الاجتماعية التى تقوم بها المؤسسات والهيئات العامة.
والحقيقة التى لا ينكرها إلا مكابر أن التأمين بات له أهمية قصوى فى الحياة المعاصرة وأمسى له دور بالغ الأهمية فى الأنشطة الاقتصادية فتوفير الأمان يؤدى تشجيع الاستثمار.

التنظيم التشريعى للتأمين فى مصر

14- التأمين البحرى هو أول صور التأمين ظهوراً فى مصر، كسائر دول العالم، حيث نظم أحكامه تقنين التجارة البحرية الصادر سنة 1883م أما التأمين البرى فظلت العلاقة فيما بين المؤمن والمؤمن له خاضعةً لأحكام النظرية العامة للالتزامات فى القانون المدنى القديم (أهلى ومختلط). ومع ذلك صدرت عدة قوانين متتالية تنظم الإشراف والرقابة على التأمين .
بيد أنه بصدور القانون المدنى الحالى رقم 131 لسنة 1948 تم تنظيم الأحكام العامة للتأمين البرى فى المواد (747-771) مدنى. غير أن هذه الأحكام لا تعالج كافة المسائل المتعلقة به حيث ترك هذا الأمر إلى التشريعات الخاصة.
وبناء على ذلك صدرت عدة تشريعات متتالية تنظم حوادث العمل والأمراض المهنية وغيرها من المخاطر الاجتماعية.وصدر القانون رقم 652 لسنة 1955 فى شأن تنظيم التأمين الإجبار من المسئولية الناشئة عن حوادث السيارات. وصدر –أيضاً – القانون رقم 78 لسنة 1982 بشأن التأمين الإجبارى عن حوادث المصاعد الكهربائية، والقانون رقم 106 لسنة 1976 وتعديلاته فى شأن التأمين الإجبارى من حوادث أعمال البناء.

المبحث الثالث أقسام التأمين

15- رأينا أن التأمين يقوم على جانبين هما العلاقة القانونية والأسس الفنية. ومع ذلك فإن له عدة صور، وينقسم – أيضاً – إلى عدة أقسام سواء أكان بالنظر إلى عملية التأمين أم كان من حيث محل عقد التأمين أو موضوعه.
ونتناول دراسة هذا الموضوع فيما هو آتٍ من مطالب :

المطلب الأول : تقسيم التأمين من الناحية الفنية

16- لا جناح أنه يمكن تقسيم التامين على أساس الشكل الذى تتخذه جهة التأمين فى ممارستها لعمليات التأمين، وبالأحرى بالنظر إلى قصد تحقيق أرباح أم لا، إلى تأمين تعاونى وتأمين تجارى :
ونعرض لدراسة هذا الموضوع من خلال الأفرع التالية.

الفرع الأول : التأمين التعاونى

17- لا جرم أن هذا النوع من التأمين يتم بناء على اتفاق بين مجموعة من الأشخاص (تجمعهم حرفة أو مهنة أو طائفة أو غير ذلك) على أن يلتزم كل شخص منهم بدفع مبلغ من المال فى صورة اشتراكات أو غيرها، فإذا تعرض أحدهم لخطر معين من المحتمل أن يتعرضوا له جميعاً صرف له المبلغ المحدد من مجموع الاشتراكات وإذا لم تكن كافية لتغطية هذا المبلغ التزم كل منهم بالمساهمة فى تغطيته.

كيفية تنظيم التأمين التعاونى

18- لا جناح أن التأمين التعاونى تقوم به جهة لا يكون تحقيق الربح من بين مقاصدها، سواء اتخذت شكل جمعية تعاونية تدار بواسطة مجلس إدارة لا يتقاضى أعضاؤه مكافأة إلا أمين الجمعية الذى يعطى جزءً من وقته لهذا العمل، أم تكون فى صورة شركة تعاونية ذات راس مال متغير حيث يقبل الزيادة والنقصان. فالزيادة تكون بقبول شركاء جدد أو زيادة حصص الشركاء الحاليين والنقص يكون بانسحاب أحد الشركاء فيها أو باسترداد الشركاء لجزءٍ مما دفعوه فى شكل حصص

مزايا التأمين التعاونى

19- هذا النوع من التأمين يتميز بالآتى :
1- اجتماع صفتى المؤمن والمؤمن له فى كل شخص من أشخاص الجماعة :
ولا شك فى أن التأمين التعاونى يكون كل شخص من أشخاصه مؤمن ومؤمن له فى نفس الوقت، حيث أن كل منهم يهدده الخطر المحتمل الذى اتفقوا على تأمين كل منهم الآخر منه على سبيل التبادل. فإذا تحقق الخطر بالنسبة لأحدهم كان هو مؤمن له وباقى الجماعة مؤمن.
وبناء على ذلك فالذى يتصف بالمؤمن هم المؤمن لهم أنفسهم، فلا تتولى التأمين التعاونى جهة مستقلة عنهم كما هو الحال فى التأمين التجارى.
2– عدم ثبات القسط التأمينى :
الاشتراك الذى يلتزم به الشخص فى الجماعة، سواء أكان دورياً أم كان دفعة واحدة، غير ثابت بمعنى أنه متغير تبعاً لمقدار المبلغ المطلوب صرفه عند تحقق الخطر المؤمن منه، فإن زاد هذا المبلغ على مجموع الاشتراكات التزم كل منهم بالوفاء بحصته فى هذه الزيـادة .
3– التأمين التعاونى لا يستهدف الربح :
هذا التأمين لا يهدف إلى تحقيق ربح، بل هدفه الوحيد هو التعاون على تأمين كل منهم الآخر ضد الخطر المحتمل الذى يهددهم جميعاً. وذلك بخلاف الوضع فى التأمين التجارى، حيث تحرص الشركة على تحقيق الربح
4– الالتزام التضامنى بين الجماعة :
الأشخاص الذين يشكلون جماعة التأمين التعاونى، لما كان كل منهم ملتزم بتغطية الخطر المؤمن منه الذى تعرض له أحدهم فإنه يوجد بينهم التزامات تضامنية. فكل شخص فى الجماعة ملتزم بالمساهمة فى تغطية هذا الخطر فى حدود حصته، وإذا كانت هناك زيادة فى مقدار هذه التغطية عن مجموع الاشتراكات، فكل منهم يتحمل حصته فى هذه الزيادة
غير أن التأمين التعاونى رغم مزاياه – أنفة البيان – إلا أن مسألة عدم ثبات قيمة الاشتراك الذى يوفى به كل عضو فى جماعة هذا التأمين أدت إلى إعراض البعض عنه. ولذلك جرت محاولات لتلافى ذلك عن طريق إدخال بعض التعديلات عليه، كتحديد قيمة الاشتراك فى ضوء الدراسة الإحصائية للمخاطر التى من المحتمل أن تتعرض إليها الجماعة مع وضع حداً أقصى لمساهمة العضو فى حالة زيادة قيمة التغطية للخطر على مجموع الاشتراكات. على أن يتم إجراء مقاصة بين هذه الاشتراكات وبين المخاطر التى تم تغطيتها، فإذا لم تكن كافية يكمل العضو نصيبه فى حدود الحد الأقصى المتفق عليه، وإذا تبين أن تلك الاشتراكات قد غطت المخاطر التى تحققت ومع ذلك تبقى فائض. فإن هذا الفائض يرصد كاحتياطى لتغطية ما عساه أن يقع من زيادة فى قيمة تغطية المخاطر فى سنوات تالية.

ثانياً – التأمين التجارى (بقسط ثابت)

20- هذا النوع من التأمين لا تقوم به جماعة من الأشخاص كالتأمين التعاونى، إنما تقوم به شركات المساهمة العاملة فى سوق التأمين بقصد الحصول على الربح.

مزايا التأمين التجارى

21-هذا النوع من التأمين يتميز بالآتى :

1 – تعدد أطراف التأمين :
التأمين التجارى يقوم على تعدد أطرافه، أى أن المؤمن شركة مساهمة والمؤمن له أحد الأشخاص سواء أكان طبيعياً أم كان اعتبارياً خاص أو عام، وهذا خلافاً للتأمين التعاونى الذى تجتمع صفتى المؤمن والمؤمن له فى كل شخص من أشخاص الجماعة.

2- ثبات القسط التأمينى :
يمتاز هذا النوع من التأمين بثبات قسط التأمين الذى يلتزم المؤمن له بدفعه للمؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه، أى أن القسط المتفق عليه لا يجرى عليه التغيير، بحسب المخاطر التى تتحقق أو درجة جسامتها بل يظل ثابتةً خلال المدة المحددة للتأمين، بحيث لا يجوز للمؤمن مطالبة المؤمن له بأكثر من القسط المتفق عليه عند التعاقد، طالما أن الخطر المؤمن منه لم يطرأ عليه أى تغيير. وهذا خلافاً للتأمين التعاونى الذى يكون فيه الاشتراك الذى يلتزم به أحد أشخاصه متغاير تبعاً للمخاطر التى تتحقق أو درجة جسامتها، فكلما زاد مقدار التغطية زادت تبعاً له حصة العضو.

3– التأمين التجارى يستهدف الربح :
الشركات التى تقوم بالتأمين التجارى تستهدف الربح عن طريق إجراء مقاصة بين المخاطر وبين الأقساط الثابتة التى يحصل عليها من المؤمن لهم والمحددة بموجب الدراسات الإحصائية. فالفارق بين تغطية المخاطر التى تحققت ومجموع هذه الأقساط يعد بمثابة ربحاً للمؤمن. لأن المؤمن له ليس له الحق فى المطالبة باسترداد ما دفعه من أقساط تحت دعوى أن الخطر المؤمن منه لم يتحقق وانه لم يتقاضى أية تغطية من المؤمن. حيث أن هذه الأقساط فى مقابل شعوره بالأمان وليس فقط فى مقابل تغطية الخطر المؤمن منه.
تقارب نظامى التأمين( التعاونى والتجارى) كلاً من الآخر
22- رأينا أن هذين النظامين له من المزايا التى يتميز بها عن الآخر مما يوحى بوجود فارق كبير بينهما. إلا أن هذا الفارق قد تضاءل حالياً إلى حد كبير، فقد تأثر كل منهما بمزايا الآخر إلى حد الاستفادة منها. لدرجة أن الفارق بين النظامين (التجارى والتعاونى) لا يكون واضحاً إلا عند نشأة التأمين. عندما لا يكون مجموع الاشتراكات كافياً لتغطية المخاطر التى تحقق فى ظل نظام التأمين التعاونى، غير أنه بمرور الوقت فإن التأمين التعاونى يتمكن من تكوين احتياطيات تحقق له القدر على تغطية كافة المخاطر دون أن يتحمل العضو أعباء مالية غير قيمة الاشتراك الملتزم بالوفاء به، على نحو يتحول معه قسط التأمين من متغير إلى ثابت، ويتحقق للتامين التعاونى ذلك عندما يصبح لدية احتياطيات تكفى لتغطية كافة المخاطر التى يتعرض لها جماعة هذا التأمين ، بحيث لا تكون هناك حاجة لمطالبة العضو بأكثر من قيمة الاشتراك.
بيد أنه لم يقف الأمر عند استفادة نظام التأمين التعاونى من نظام التأمين التجارى، بل الأمر وصل إلى أن الأخير تأثر بمزايا الأول ولذلك حرصت شركات التأمين على إشراك المؤمن لهم بطريقة أو بأخرى فى أرباح الشركة.

المطلب الثانى : تقسيم التأمين من الناحية الموضوعية

23- لا جرم أن تقسيم التأمين من حيث الموضوع أو المحل متعدد الزوايا فإذا نظرنا له من ناحية المجال الذى يغطيه وجدنا أن هناك تأمين بحرى وآخر جوى وثالث برى، وإذا أبصرناه من جانب الصفة التعويضية أو عدمها كنا بصدد تأمين الأضرار وتأمين الأشخاص، وإذا رأيناه من زاوية المصلحة التى يتولى التأمين تغطية الخطر الذى يلحق بها لكنا أمام تأمين خاص وتأمين عام.

ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال الأفرع التالية :

الفرع الأول : التأمين من حيث مجال التغطية

24- لا جناح أن التأمين ينقسم، من حيث مجال تحقق الخطر المؤمن منه إلى، ثلاثة أنواع هى : التأمين البحرى والتأمين الجوى والتأمين البرى.

أولاً – التأمين البحرى

25- عرفنا – آنفاً – أن التأمين البحرى هو أقدم أنواع التأمين وجوداً فى الحياة العملية، فهو أول نظام تأمين ظهر للوجود. وأن نطاقه محدد بتغطية المخاطر البحرية التى تحدث خلال عملية النقل البحرى سواء أكان الخطر متعلقاً بالسفينة أم كان بالبضاعة المنقولة بواسطتها بحراً.
غير أن التأمين البحرى لا يتولى تغطية المخاطر التى يتعرض لها الأشخاص الموجودين على السفينة أنفسهم، فالتأمين عليهم يدخل فى نطاق التأمين البرى.
وفى ضوء ذلك يتبين أن التأمين البحرى هو تأمين على الأشياء فلا يغطى الأخطار البحرية بالنسبة الأشخاص، ويلحق به التأمين النهرى الذى يغطى أخطار النقل النهرى بالنسبة إلى المراكب والبضائع دون المخاطر التى تلحق بالأشخاص كذلك.

ثانياً – التأمين الجوى

26- هذا النوع من التأمين يتولى تغطية مخاطر النقل الجوى، سواء أكانت فى شكل أخطار تتعرض لها وسائل النقل الجوى (الطائرة) نفسها أم كانت فى صورة مخاطر تتعرض لها البضائع المنقولة جواً.
بيد أنه، نظراً لأن مجال النقل الجوى متسع النطاق وعابر للحدود الجغرافية للدول، لذلك تهتم به الدول وتجرى فى شأنه اتفاقات دولي. ومن ثم فإن الأحكام التى تقررها الاتفاقيات الدولية هى التى تسرى فى هذا النقل والتأمين من مخاطره.

ثالثاً – التأمين البرى

27- هذا التأمين يتولى تغطية كافة الأخطار التى لم يغطيها نوعى التأمين (البحرى والجوى) وهو يشمل التأمين على الأشخاص، حتى ولو تحقق الخطر المؤمـن منه وهم على متن إحدى وسائل النقل البحرى أو الجوى، ويشمل – كذلك التأمين من الأضرار.

الفرع الثانى : التأمين من حيث الصفة التعويضية

28- عرفنا أن التأمين البرى يشتمل، الذى هو محور هذه الدراسة على نوعين من التأمين وهما التأمين من الأضرار والتأمين على الأشخاص، ونعرض لكل تأمين فى صورة موجزة من خلال النقاط التالية :

أولاً – التأمين من الأضرار

29- لاغرو أن يكون هذا النوع من التأمين ذا صفة تعويضية، لأنه يهدف إلى ضمان وتأمين المؤمن له من النتائج الضارة التى تلحق أمواله من تحقق الخطر المؤمن منه. فإذا لحق الأموال المؤمن عليها خسائر بسبب تحقق الخطر المؤمن منه، فقد انتقصت العناصر الإيجابية للذمة المالية للمؤمن له، على نحو يوجب على المؤمن جبر هذا الانتقاص عن طريق تعويض المؤمن له عن هذه الخسائر.
وطالما أن هذا النوع من التأمين ذا صفة تعويضية فإن القاعدة تقضى بأن التعويض يقدر بقدر الضرر، وبناء على ذلك فإن مبلغ التأمين يتوقف على مدى ما لحق المؤمن له من أضرار نتيجة تحقق الخطر المؤمن منه. فمثلاً لو أن تاجر (المؤمن له) قد أبرم عقداً للتأمين على متجره مع شركة التأمين (المؤمن) ضد مخاطر تعرضه لخطر الحريق ونص فى العقد أن الحد الأقصى لمبلغ التأمين هو 50000جنيه. وخلال فترة سريان التأمين تعرض هذا المتجر لخطر الحريق قدرت قيمة الأضرار التى أصابته بمبلغ 60000جنيه.
فالمؤمن، فى هذه الحالة، لا يلتزم بتعويض هذه الأضرار إلا فى حدود مبلغ التأمين، فإذا كان هذا المبلغ محدد فى عقد التأمين (وثيقة التأمين) بحد أقصى – كما فى المثال السابق – كان المؤمن ملتزماً بتعويض المؤمن له عن الأضرار التى لحقت بأمواله فى حدود مبلغ التأمين المحدد، حتى لو كانت قيمة هذه الأضرار تزيد على هذا المبلغ.
أما إذا كانت قيمة الأضرار أقل من مبلغ التأمين – بأن كانت فى المثال السابق 40000جنيه وليست 60000جنيه – فلا يلتزم المؤمن إلا بالوفاء بما يعادل قيمة الأضرار.
فالمؤمن يلتزم، فى ظل هذا النوع من التأمين، بالوفاء للمؤمن له أو المستفيد بأقل القيمتين متى كان مبلغ التأمين محدداً بحد أقصى.

أنواع التأمين من الأضرار

30- هذا التأمين ينقسم إلى قسمين هما : التأمين على الأشياء. والتأمين من المسئولية.

1- التأمين على الأشياء
31- يهدفهذا النوع من التأمين إلى تعويض المؤمن له عن الضرر الذى لحق ذمته المالية بسبب تعرض الشىء المؤمن عليه للخطر المؤمن منه. والعلاقة العقدية فى ظل هذا التأمين تكون بين المؤمن والمؤمن له.
ويتغاير التأمين على الأشياء تبعاً لتغاير الخطر الذى من المحتمل أن تتعرض له الأشياء المؤمن عليها، فإذا كان هذا الخطر هو السرقة أو الحريق أو نفوق الماشية أو تلف المحاصيل بسبب الصقيع … الخ أطلق على التأمين ضده بالتأمين ضد السرقة أو الحريق أو نفوق الماشية ….الخ.

2 – التأمين من المسئولية
32- لا جرم أن الأنشطة الحياتية للإنسان ينشأ عنها أضرار للغير فى النفس أو فى المال، سواء أكان بفعله الشخصى (المسئولية عن الفعل الشخصى) أم كان بفعل الأشخاص الذى يسأل عنهم (المسئولية عن فعل الغير) أم كان بفعل الأشياء التى تحت سيطرته (المسئولية عن فعل الأشياء). فيترتب على ذلك قيام مسئوليته وشغل ذمته بالتعويض. ولكى يدرأ عن نفسه خطر المطالبة بالتعويض يلجأ إلى التأمين من المسئولية، فمتى تحقق خطر مطالبته بالتعويض التزم المؤمن بدفع هذا التعويض للشخص الذى يحدده العقد أو القانون.
غير أنه يجب ملاحظة أن المؤمن، فى ظل هذا التأمين، لا يقوم بتعويض الضرر الذى لحق الغير، إنما يوفى بالتعويض الذى يثقل كاهل المؤمن له بسبب تحقق الخطر المؤمن منه. فهذا الضرر وإن كان سبباً فى التزام فاعله بالتعويض الذى هو سبب التزام المؤمن بالوفاء به، إلا أنه ليس هو السبب المباشر فى التزام الأخير بهذا الوفـاء.
وإذا كان الأصل أن عقد التأمين من المسئولية ينشأ بين طرفيه هما المؤمن والمؤمن له، إلا أنه قد تنشأ عنه علاقة لشخص ثالث هو المستفيد (المضرور) متى كان هذا العقد قد عين فيه مستفيداً (الاشتراط لمصلحة الغير) أو أن القانون قد قرر له ذلك. ففى هاتين الحالتين يصبح للمضرور (المستفيد من التأمين ) دعوى مباشرة ضد المؤمن يطالبه بالوفاء بقيمة التعويض له مباشرة دون المرور بذمة المؤمن له.
أما إذا كان العقد أو القانون لم يخول المضرور حقاً مباشراً قبل المؤمن تحميه دعوى مباشرة.فلا يكون له فى مواجهة المؤمن إلا دعوى غير مباشـرة باسـتعمال حقوق مدينه (المسئول عن الضرر) المؤمن له والحكم فى هذه الدعوى يدخل مبلغ التأمين فى الذمة المالية للمؤمن له ويجعله عنصراً إيجابياً فيها يشكل ضماناً عاماً لجانب السلبى لهذه الذمة الذى تدخل قيمة التعويض عنصراً فيه. وهذا الأمر يوقع المزاحمة بين دائنى المؤمن له بما فى ذلك المضرور باعتباره دائناً له بقيمة التعويض.
ويتميز التأمين من المسئولية بأن مبلغ التأمين لا يكون محدداً لأنه لا يعرف مدى ما يلتزم به المؤمن له وما تتعرض له ذمته المالية من أضرار نتيجة الحالات التى تنعقد فيها مسئوليته.
وللتأمين من المسئولية صور متعددة، مثل التأمين من المسئولية الناشئة من حوادث السيارات وتأمين المسئولية الناتجة من حوادث العمل وتأمين المسئولية بسبب حريق العين المؤجرة وتأمين المسئولية الناجمة عن حوادث الطاقة النووية والمواد الإشعاعية وتأمين المسئولية المترتبة على حوادث البناء والتشييد ……الخ.

ثانياً – التأمين على الأشخاص

33- لا جناح أنه إذا كان التأمين من الأضرار موضوعه أموال المؤمن له أو ذمته المالية، فإن التأمين على الأشخاص محله شخص المؤمن له. فالمؤمن فى ظل هذا التأمين ملزم بدفع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر الموضح فى العقد، بغض الطرف عن أن هذا الخطر ترتب عليه ضرر للمؤمن له أم من عدمه.
وفى ضوء ذلك فإن شخص المؤمن له هو الذى يكون موضع الاعتبار فى هذا النوع من التأمين، لأنه يهدف إلى تغطية الأخطار التى تلحق بالإنسان ذاته سواء فى نفسه أم فى جسمه أم فى صحته أم فى حياته.
ويتميز التأمين على الأشخاص بأن ليس له أية صفة تعويضية، بمعنى أن المؤمن له يستحق مبلغ التأمين حتى ولو لم يصبه أدنى ضرر عند وقوع الخطر.

– أنواع التأمين على الأشخاص
34- هذا التأمين له عدة أنواع منها :

/التأمين على الحياة
– يهدف هذا التأمين إلى مواجهة خطر الموت الذى يتهدد كل إنسان فى أية لحظة، وهو بدوره له عدة صور :

1- التأمين لحال الوفاة : وهو الذى يلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ التأمين عند تحقق الموت باعتباره الخطر المؤمن منه، إلى المستفيد المعين فى العقد أو إلى الورثة الشرعيين، سواء أكان دفعة واحدة أم كان على دفعات دورية، وذلك فى مقابل قيام المؤمن له بدفع الأقساط خلال مدة التأمين وغالباً ما تكون طيلة حياة المؤمن له.

2- التأمين لحال الحياة : وهو الذى يلتزم المؤمن بموجبه بدفع مبلغ من المال إلى المؤمن له إذا لم تعاجله منيته قبل الأجل المضروب لذلك. أى إذا ظل المؤمن له على قيد الحياة إلى حلول هذا الأجل كالشخص الذى يبرم عقد تأمين لحال حياته حتى بلوغ سن الستين فإذا بلغ المؤمن له هذه السن فإنه يقبض مبلغ التأمين ليواجه متطلبات الحياة بعد هذا السن الذى تضعف فيه صحته ويتعذر عليه ممارسة عمل يسترزق منه.
3- التأمين المختلط : وهو تأمين لحال الحياة وحال الوفاة معاً، وكالشخص الذى يبرم تأمين على حياته لمدة 30 سنة، على أن يستحق مبلغ التأمين لو بقى حياً عند انقضاء هذه المدة، أما إذا مات قبل ذلك آل المبلغ إلى المستفيد المعين.

/ التأمين من الإصابات
– هو التأمين الذى بمقتضاه يلتزم المؤمن فى مقابل أقساط التأمين بأن يدفع للمؤمن له مبلغ التأمين فى حالة ما إذا حدثت له إصابة بدنية، وبأن يرد له مصروفات العلاج والأدوية. وفى حالة وفاة المؤمن له يتم الوفاء بذلك إلى المستفيد.
والالتزام الأساسى الذى يثقل كاهل المؤمن فى هذا التأمين هو تأمين الإصابة، أى الخطر الذى يصيب الإنسان فى بدنه، أما الالتزام بدفع مصاريف العلاج فهو من قبيل الالتزامات الثانوية أو تبعية.

/ التأمين من المرض
هذا النوع من التأمينيلحق عادة بتأمين الإصابات، حيث يلتزم المؤمن بدفع مبلغ معين إلى المؤمن له إذا تعرض لمرض خلال فترة العقد بالإضافة إلى مصاريف العلاج.

/ تأمين الزواج
فى ظل هذا النوع من التأمين يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين إذا تزوج المؤمن له قبل سن معين. كما يوجد تأمين المهر، حيث يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد المحدد فى العقد إذا ما ظل المستفيد حياً حتى ذلك التاريخ المحدد. فيقوم الأب مثلاً بإبرام عقد تأمين لمصلحة ابنه الصغير، بحيث يستحق الابن مبلغ التأمين إذا بلغ سـناً معينة تكون عادة سن الزواج ليدفع عن طريقه المهر اللازم للزواج.

ثالثاً – أهمية تقسيم التأمين من حيث الصفة التعويضية

35- لا ريب فى أن تقسيم التأمين، من زاوية صفته التعويضية وعدمها إلى : تأمين من الأضرار وتأمين على الأشخاص، له أهمية خاصة نظراً لتمايز كل تأمين عن الآخر كالآتى :

1- تحقق الضرر
يجب فى التأمين من الأضرار، باعتباره تأميناً ذا صفة تعويضية، أن يلحق المؤمن له ضرر بسبب تحقق الخطر المؤمن منه لكى يستحق تغطية لهذا الخطر، فإذا لم يلحقه ضرر فلا يلتزم المؤمن بالتغطية [المادة (751) مدنى ([1])].
غير أنه تحقق الضرر، فى التأمين على الأشخاص، ليس بشرط ضرورى لاستحقاق المؤمن له أو المستفيد لمبلغ التأمين. لأنه ليس ذا صفة تعويضية، ولذلك يلتزم المؤمن بالوفاء بهذا المبلغ عند تحقق سببه دون حاجة لإثبات تحقق ضرر معين [المادة (754) مدنى ([2])].

2- التناسب بين التعويض والضرر
فى ظل التأمين من الأضرار يشترط التناسب بين مقدار التعويض الذى يلتزم المؤمن بالوفاء به وبين وقيمة الضرر الذى لحق المؤمن له على أثر تحقق الخطر المؤمن منه. بمعنى أن المؤمن، عند تحقق الخطر المؤمن منه، لا يلتزم بالوفاء إلا بمبلغ يتناسب مع الضرر حتى لو كان مبلغ التأمين المتفق عليه فى عقد التأمين (وثيقة التأمين) أكبر من قيمة هذا الضرر. بل الأكثر من ذلك فإن المؤمن له لا يستحق إلا مبلغ مساو للضرر حتى لو تعدد وثائق التأمين لدى عدة مؤمنين، فليس له مطالبة المؤمنين إلا بما يعادل قيمة الضرر الذى لحق ذمته المالية بسبب تحقق الخطر المؤمن منه. فمثلاً لو أن صاحب سيارة قام بالتأمين عليها ضد الحريق لدى أكثر من شركة تأمين (مصر للتأمين والشرق للتأمين والمهندس للتأمين والأهلية للتأمين ……الخ) وتحقق الخطر المؤمن منه واحترقت السيارة أثناء سريان التأمين لدى كل شركة منها وقدرت قيمة الأضرار التى لحقت بها بمبلغ (20000جنيه)، فالنظرة السطحية تدفع إلى القول أن للمؤمن له الحق فى مطالبة كل مؤمن على حدة بهذه القيمة بحيث يحصل من كل منها على مبلغ (20000جنيه). غير أن أحكام التأمين من الأضرار، نظراً لأنها ذات صفة تعويضية، تقضى بأنه ليس للمؤمن له فى هذه الحالة إلا المطالبة بقيمة الأضرار التى لحقت السيارة ويستوى فى ذلك أن يوجه هذه المطالبة إلى هذه الشركات أم لإحداها فقط (27م).
وفى ضوء ذلك يتبين أنه لا يجوز للمؤمن له فى حالة تعدد مؤمنيه مطالبة كل منهم على حدة بمبلغ مساو لقيمة الضرر. فذلك يعد إثراءً بلا سبب، حيث أن التعويض يقدر بقدر الضرر لا زيادة ولا نقصان.
بينما قاعدة تناسب التعويض مع الضرر لا تسرى فى شأن التأمين على الأشخاص، فللمؤمن له أو المستفيد أن يطالب بمبلغ التأمين المتفق عليه، متى توافر سببه ولو تعددت وثائق التأمين، حيث له الحق فى الجمع بين مبالغ التأمين المستحقة بموجب هذه الوثائق جميعاً ([3]).

3- الجمع بين مبلغى التأمين والتعويض
لا جرم أن هذا الجمع يفترض وحدة السبب لاستحقاق مبلغ التأمين والحصول على مبلغ التعويض، كأن يكون تحقق الخطر المؤمن منه ترتب عليه مسئولية الغير عن التعويض، بالإضافة إلى التزام المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين. فمثلاً لو أن شخص أمن على منزله ضد الحريق وأحترق هذا المنزل بسبب تطاير الشرر من موقد من منزل جاره. ففى هذه الحالة تحقق التزام المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين وتحققت مسئولية الجار عن الأضرار الناجمة عن الحريق.
بيد أنه بعرض هذا المثال – آنف الذكر – على أحكام التأمين من الأضرار نلاحظ أنه لا يجوز للمؤمن له الجمع بين حصوله على مبلغ التأمين من المؤمن له وبين اقتضاء قيمة التعويض من المسئول عن الفعل الضار الذى ترتب عليه تحقق الخطر المؤمن منه.
غير أنه يجوز للمؤمن له، فى حالة تجاوز قيمة الضرر لمبلغ التأمين الملتزم المؤمن الوفاء به له بموجب العقد، مطالبة المسئول عن الفعل الضار بما يحقق له الحصول على التعويض الكامل لما لحقه من أضرار. فمثلاً لو كانت قيمة الأضرار (20000 جنيه) وكان الحد الأقصى لمبلغ التأمين المتفق عليه فى العقد هو (15000 جنيه)، ففى هذه الحالة للمؤمن له مطالبة المؤمن بمبلغ التأمين (15000جنيه) ومطالبة المسئول عن الفعل الضار بمبلغ (5000 جنيه).
وللمؤمن، الذى وفى بمبلغ التأمين، الحق فى مطالبة المسئول بالتعويض فى حدود قيمة الوفاء، بموجب دعوى الحلول القانونى [المادة (771) مدنى ([4])].
أما التأمين على الأشخاص فإنه يجوز للمؤمن له أو المستفيد الجمع بين مبلغى التأمين والتعويض، فمثلاً لو أن شخصاً أمن على حياته لصالح ذويه ثم توفى على أثر حادث ناتج عن فعل ضار من الغير، فلذويه فى هذه الحالة الحق فى الجمع بين مبلغ التأمين من المؤمن ومبلغ التعويض من المسئول عن الفعل الضار [المادة (765) مدنى ([5])].

الفرع الثالث : التأمين من حيث نوع المصلحة

36- لا جرم أن تقسيم التأمين من هذه الزاوية يقوم على أساس المصلحة المراد تغطيتها، فإذا كانت المصلحة اجتماعية كنا بصدد تأميناً اجتماعياً وإذا كانت مصلحة خاصة لأحد الأشخاص كان التأمين خاصاً.

أولاً – التأمين الاجتماعى

37- لا جناح أن التأمين الاجتماعى يهدف إلى حماية مصلحة إحدى طوائف المجتمع هى الطبقة العاملة التى تعتمد فى قوتها على جهدها البشرى الذى تبذله فى العمل فى مقابل أجر يتقاضاه لتأمين حياته المعيشية. ولهذا يجب توفير الحماية الاجتماعية لهؤلاء العمال إذا ما تعرضت معيشتهم للخطر بسبب عدم قيامه بالعمل سواء أكان لعدم وجود فرصة عمل أم كان لفقدان القدرة على العمل بصفة مؤقتة كحالة الإصابة والمرض أو بصفة دائمة كالعجز والشيخوخة.
والتأمين الاجتماعى تتعدد صوره تبعاً لتعدد نوع الخطر الذى يهدد القوى العاملة كالتأمين ضد البطالة والإصابة والمرض والعجز والشيخوخة. فمثل هذه المخاطر تهدد العامل فى مصدر رزقه، ولهذا يقوم التأمين بتوفير الأمان الاجتماعى خلال فترة تعرضه لهذه المخاطـر.
وفى ضوء ذلك يتبين أن هذا النوع من التأمين يقوم على فكرة التضامن الاجتماعى، التى تستلزم رعاية الطبقات التى تعتمد على جهدها البشرى فى حصولها على مصدر معيشتها. ولما كان العمل هو مصدر رئيسى لشريحة كبيرة من المجتمع لذلك برزت أهمية التأمين الاجتماعى فى العصر الحديث. على نحو أصبح هذا النوع من التأمين إجبارياً بقوة القانون، بالإضافة أن دفع قيمة قسط التأمين لا يتحمله العامل المؤمن عليه وحده بل يساهم صاحب العمل فيه بنسبة كبيرة ويقع عليه عبء الوفاء به لهيئة التأمين الاجتماعى.

ثانياً – التأمين الخاص

38- لا جرم أنه إذا كان التأمين الاجتماعى يهدف إلى حماية مصلحة اجتماعية عامة، فإن التأمين الخاص ليس على هذا النحو لأنه يهدف إلى توفير الحماية لمصلحة خاصة. وبناء على هذا فكل من يهدد مصلحته الخاصة خطر معين له الحق فى اللجوء إلى إحدى الشركات العاملة فى سوق التأمين ليبرم معها عقد تأمين ضد هذا الخطر. فهذا التأمين يخضع لمحض اختيار الشخص، بمعنى أنه اختيارياً – كقاعدة عامة – باستثناء بعض الأنشطة التى إذا مارسها الشخص يجب عليه قانوناً التأمين ضد الخطر الذى يهدد الغير منها كالتأمين الإجبارى للمسئولية من حوادث السيارات، وحوادث المفاعلات النووية وحوادث النقل الجوى …الخ.

المبحث الرابع : وظائف التأمين

39- لا جرم أن مناط أى عمل ودعامة تطوره هو الدور الذى يؤديه سواء أكان للقائمين به أم كان للمجتمع الذى يتم بين ظهرانيه. وهذا ينطبق – أيضاً – على التأمين، فلولا الوظائف التى يقوم بها لندثر تحت وطأة معارضيه. فالتأمين يؤدى عدة وظائف على المستوى الفردى وعلى المستوى الاجتماعى.
ونتناول بيان وظائف التأمين من خلال النقاط التالية :

أولاً – بث الطمأنينة (*)

40- لا جرم أن الطمأنينة هى مطلب فطرى للإنسان وبثها فى نفسه وشعوره بها يحقق الخير الوفير للشخص وللمجتمع معاً. ولذلك كان من أهم وظائف التأمين والتى تقصد بعينها هو بث الطمأنينة لما تحققه من نتائج طيبة على المستويين الفردى والاجتماعى :

1- على المستوى الفردى
التأمين يوفر للأشخاص الطمأنينة الدافعة إلى قيامه بدوره الفاعل فى مجتمعه وتمكنه من النظر إلى المستقبل بثقة تؤهله للممارسة أنشطته العملية على أكمل وجه. ولا سيما عندما يشعر أن التأمين سوف يؤمنه ضد مخاطر المستقبل الذى قد تصيب الشخص فى النفس وما دونها أو فى ذمته المالية.
والتأمين يحقق لإنسان ذلك، ففى التأمين من الأضرار يقوم التأمين برأب الصدع الذى أصاب الذمة المالية للشخص بسبب تحقق الخطر المؤمن منه. فالتعويض سيحل محل الأضرار التى قد تصيب أموال الشخص. وفى التأمين على الحياة، فعائل الأسرة يوفر لأسرته عن طريق التأمين الادخارى الذى يحقق لها مواجهة مطالب الحياة عندما لا يستطيع أن يوفر لها ذلك لموته أو عجزه أو شيخوخته ([6]).
ولا غرو أن تكون الحاجة إلى الطمأنينة تزداد أهميتها كلما ازدادت المخاطر التى يتعرض لها الإنسان. ففى العصر الحاضر صاحب التقدم الهائل فى الوسائل، التى تحقق رغدة ورفاهية الحياة المعيشية لإنسان، تزايد المخاطر التى تهدد الإنسان فى نفسه أو ماله، كحوادث السيارات والطائرات والطاقة النووية وتلوث البيئة …الخ.
ولتحقيق التأمين لوظيفته فى بث الطمأنينة، فى مجال ممارسة الأنشطة التى يترتب عليها التعرض للمخاطر المصاحبة لها (التأمين من الأضرار)، وفر الطمأنينة للمسئول من خطر المطالبة بالتعويض وأمن المضرور فى حصوله على حقه فى التعويض، وذلك عن طريق التأمين من المسئولية. ولم ينته به المطاف عند هذا الحد فى مواجهة هذه المخاطر، بل بسط وظيفته لتغطى الخسارة التى تلحق المؤمن له من جراء احتراق أمواله حيث أن الحريق أصبح فى غاية الخطورة بالنسبة لنتائجه الضارة ولهذا فإن التأمين يؤمن الشخص ضد الخسارة الرهيبة لأمواله فى حالة الحريق.
ولقيام التأمين بوظيفته فى بث الطمأنينة فإن معظم الدول وضعت قواعد تخولها الإشراف والرقابة على الجهات العاملة فى سوق التأمين لضمان عدم دخول المضاربين فى التأمين، كما يضمن توافر احتياطات كافية من الأموال للوفاء بالتزاماتها قبل المؤمن لهم.

2- على المستوى الاجتماعى
لا جرم أن إذا كان بث الطمأنينة فى نفوس الأشخاص، على المستوى الفردى، يدفعهم إلى العمل على أكمل وجه، فهذا فى حد ذاته يحقق للمجتمع الازدهار الاقتصادى وزيادة الإنتاج ([7])، نظراً لأن الطمأنينة أضحت ضرورة اجتماعية فى عصر ليس للأخطار فيه حدود.
بالإضافة إلى ذلك فإن التأمين يحافظ على عناصر الإنتاج (العمل ورأس المال) من خلال التأمين على الأشخاص توفير الحماية الاجتماعية للطبقة العاملة ضد مخاطر البطالة والمرض والإصابة والعجز والشيخوخة، فالعامل الذى يتعرض لمثل هذه المخاطر لأن يكون عالة على المجتمع حيث أنه يجد فى مبلغ التأمين ما يسد به حاجته. ومن خلال التأمين على الأشياء يساعد المؤمن له عند تحقق الخطر المؤمن منه فى الحصول على أشياء جديدة ذات قوة إنتاجية بدلاً عن التى أتلفها هذا الخطر.
فكل هذا يؤدى إلى دعم الاقتصاد القومى بأسره، فالتأمين يصبح بمثابة أحد العوامل المهيأة لزيادة الإنتاج، فهو يضمن المحافظة على رؤوس الأموال وعلى قوة العمل. فهو يسمح بإعادة تكوينها بسهولة فى حالة تعرضها للخطر المؤمن منه، فمن تتعرض منشأته للحريق يستطيع عن طريق التأمين إعادة بناءها بأسرع ما يمكن، وبالتالى فالتأمين يحافظ على رؤوس الأموال ويساعد على زيادة الدخل القومي.

ثانياً – تكوين رؤوس الأموال

41- عرفنا أن المؤمن يقوم بدور الوسيط بين المؤمن لهم فهو يحصل منهم على الأقساط الدورية على أن يوفى منها مبالغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، فهذه الوضعية تؤدى إلى تجميع مبالغ طائلة تحت يد الجهات العاملة فى سوق التأمين ([8])، وهذا يساعد على تكوين رءوس الأموال التى تستغلها هذه الجهات فى أنشطة استثمارية تعود بالنفع على الاقتصاد القومى.

ثالثاً – تشجيع الائتمان

42- لا غرو أن يكون التأمين أحد عوامل تشجيع الائتمان، وذلك عن طريق أن يقوم المدين، بالإضافة إلى ضمان الوفاء الخاص أو العام ([9]). فإنه يقوم بالتأمين ضد تفويت هذا الضمان، على نحو يضمن الدائن من خلاله اقتضاء حقه تحت أى ظرف، سواء أكان من مال المدين المثقل بتأمين عينى (*) أم كان من مبلغ التأمين الذى يستحقه المؤمن له (المدين) نظراً لتعرض هذا المال لتحقق الخطر المؤمن منه [المادة (770/1) مدنى ([10])]، وتوفير الضمان، على هذا النحو، يؤدى بالتبعية إلى زيادة الائتمان، حيث أنه يشجع الدائن على تقديم القروض اللازمة للمدين للممارسة أنشطته المختلفة.
أما الشخص الذى لا مال له إلا ما يحصل عليه من عمله ويريد أن يحصل على ائتمان، فإنه يستطيع أن يوفر الضمان للدائن عن طريق التأمين على حياته لمصلحة الدائن، وهذا يشجع الدائن على تقديم الائتمان للمدين اللازم للقيام بأنشطته المختلفة.
ولا يقف الأمر بوثيقة التأمين على الحياة عند هذا الحد، بل يستطيع المؤمن له، بعد مضى وقت معين على إبرامها، أن يقوم برهنها إلى الدائن، سواء أكان المرتهن هو المؤمن ذاته أم كان شخص من الغير. وبذلك يستطيع المؤمن له أن يستفيد من الوثيقة فى الحصول على الائتمان الذى يريده.
بالإضافة لقيام التأمين بتحقيق الائتمان على مستوى الأفراد فإنه يقوم بدور مماثل على المستوى العام، حيث أنه يعد من وسائل تنشيط الائتمان العام للدولة. فشركات التأمين ملزمة بتكوين احتياطيات ضخمة من الأموال وتقوم باستغلال جزء منها فى صورة شراء السندات التى تصدرها الدولة، فهى بذلك تقدم الائتمان للدولة والمؤسسات العامة وذلك بموجب حكم المادة 32 من القانون رقم 159 لسنة 1959 الذى يلقى على عاتق شركات التأمين التزام بأن تحتفظ فى مصر بأموال قيمتها على الأقل تعادل مقدار الاحتياطى الحسابى الخاص بالعمليات التى تباشرها، على ألا تقل هذه الأموال عن عشرة آلاف جنيه بالنسبة لكل فرع، وتقرر المادة 24 من نفس القانون أن على وزير الاقتصاد أن يحدد طريقة توظيف واستثمار وإيداع الأموال التابعة لشركات التأمين.

رابعاً – دور التأمين فى المجال الدولى

43- رأينا أن التأمين يقوم على فكرة تجميع أكبر عدد ممكن من المؤمن لهم بقصد إجراء مقاصة بين المخاطر التى يتعرضون لها طبقاً لأسس فنية قائمة على قواعد الإحصاء وحساب الاحتمالات، وحجم شركات التأمين مركزها يقاس بعدد المؤمن لهم والعقود التى تبرمها. فهذا من شأنه أن يجعل حساباتها أكثر دقة، فقانون الكثرة تزداد دقته وصحة النتائج التى يتوصل إليها كلما ازدادت الحالات المؤمن عليها، كما أن زيادة العقود من شأنها أن تخفض تكلفة التأمين بالنسبة للمؤمن لهم عن طريق تخفيض الأقساط.
ولما كانت مخاطر هذا العصر لا تعترف بالحدود الجغرافية للدول، بل أنها تتشابه فى أغلب بلاد العالم، فإن شركات التأمين تسعى لأن بسط نشاطها إلى خارج هذه الحدود. بحيث أصبح التأمين – أيضاً – لا يعرف الحدود الجغرافية، والسبب فى ذلك يرجع إلى أن هناك الكثير من صور التأمين تفترض بسط العملية التأمينية لتغطى المخاطر فى أكثر من دولة كالتأمين على نقل البضائع أو الأشخاص عبر حدود الدول بالبحر أو البر أو الجو.
وتظهر أهمية الدور الدولى للتأمين فى مجال نظام إعادة التأمين حيث تقوم الشركة الوطنية بإعادة التأمين على بعض المخاطر التى تقوم بالتأمين ضد تحققها لدى إحدى الشركات الأجنبية الضخمة، وذلك بقصد توزيع الآثار التى تترتب على حدوث الكارثة على أكثر من شركة تأمين، فاقتصاد الدول الأجنبية يشارك فى تحمل جزء من الكوارث الوطنية.
ولا جناح أن الدور الدولى للتأمين من شأنه أن يساعد ويساهم فى وضع قواعد موحدة للتأمين فى أغلب بلاد العالم، فوحدة المشاكل والمخاطر التى تتعرض لها شركات التأمين من شأنها أن تدعم توحيد القوانين. بل الأكثر من ذلك فإن التأمين ساهم بدور فاعل فى تقارب أحكام بعض النظم القانونية وعلى سبيل المثال أحكام المسئولية المدنية بات فى الدول الأوربية تتقارب إلى حد كبير.

الفصل الثانى : مدى مشروعية التأمين

44- رأينا أن التأمين تنشئه علاقة قانونية على أسس فنية وأنه متعدد الصور على نحو ينبسط ليغطى مجالات شتى تؤهله للقيام بوظائف جمة سواء أكان لمصلحة أطراف هذه العلاقة أم كان للمصلحة العامة فى المجتمع.
غير أن ما سبق هو الصورة المتطورة للتأمين والتى أفرزها الجدل الذى أثير حوله منذ نشأته والذى أدى إلى إجراء بعض التعديلات محسنة لصورته.
بيد أن التأمين، باعتباره نظاماً مستحدثاً، تعرض للنقد الشديد من معارضيه، حيث أن بعضهم يرون فيه أنه ينطوى على مخالفة للأحكام الشرعية والبعض الآخر يرون فيه مخالفة لقواعد الأخلاق.
ونتناول دراسة هذه الموضوع من خلال المباحث التالية :
المبحث الأول – مشروعية التأمين فى ضوء الفقه الإسلامى.
المبحث الثانى – التأمين فى ضوء قواعد الأخلاق.

المبحث الأول : مشروعية التأمين فى ضوء الفقه الإسلامى

45- لا غرو أن يختلف الرأى فى الفقه الإسلامى فى العصر الحديث حول مشروعية التأمين التجارى وذلك لأسباب التالية :
1- خلو أصول المذاهب الفقهية من أحكام تنظم التأمين نظراً لحداثته ([11]).
2- ظاهر التأمين التجارى يوحى بمخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية.
3- الهيمنة الأجنبية على التأمين التجارى، فى صورته الأولى، من حيث النشأة والقائمين عليه.
4- النظر إلى المخاطر على أنها من قبيل القضاء والقدر واجب التسليم به. مع أن هذا التسليم لا يتعارض مع علاج الآثار الضارة المترتبة على تحققه، بل الأكثر من ذلك أن هذا العلاج هو فى ذاته تسليماً.
5-اللجوء إلى تغليب المنع (الاستثناء) على الإباحة (الأصل) فى مجال المعاملات.
6- التأمين يحقق النفع لأطرافه بصفة خاصة وللمجتمع بصفة عامة.

وفى ضوء ذلك فلقد افترق الرأى إلى ثلاثة اتجاهات – فمنها القائل بعدم المشروعية ومنها القائل بالمشروعية ومنها القائل بمشروعية بعض أنواع التأمين وعدم مشروعية البعض الآخر ([12]) – ونعرض لكل اتجاه فى صورة موجزة على النحو التالى ([13]) :

الاتجاه الأول – عدم مشروعية التأمين
46- يذهب أنصار هذا الاتجاه ([14]) إلى نعت التأمين بعدم المشروعية بالنظر إلى العملية التأمينية فى ذاته مجردة عن الغاية النهائية من التأمين مع الوقوف عند حرفية الحكم دون غايته، ولذلك استندوا إلى الآتى :

1- التأمين ينطوى على جهالة وغرر
لا جرم أن المشرع، فى تصنيفه للعقود المسماة فى الكتاب الثانى من التقنين المدنى، نظم أحكام التأمين فى الباب الرابع منه تحت تصنيف عقود الغرر. لأن التأمين يعد من العقود الاحتمالية التى تكون فيها التزامات الأطراف غير محددة فى وقت إبرامها، فضلاً عن كون الخطر المؤمن منه محتمل الوقوع فى ذاته وتاريخه. فالمؤمن له قد يدفع كل أقساط التأمين، وطالما أن الخطر المؤمن منه لم يتحقق فلا يحصل على شئ من مبلغ التأمين، والمؤمن قد يلتزم بالوفاء بمبلغ التأمين كاملاً عند تحقق الخطر المؤمن منه بعد إبرام العقد بالرغم من أن المؤمن له لم يدفع من الأقساط إلا اليسير.
ولما كانت الشريعة الإسلامية تنهى عن الغرر فى عقود المعاوضات وكذلك تنهى عن الجهالة الفاحشة فى المعقود عليه فى هذه العقود، وكان التأمين ينطوى على الغرر والجهالة فلذلك يمكن نعته بعدم المشروعية.

2- التأمين فيه شبهة القمار
لا ريب فى أن الشريعة الإسلامية تنهى عن القمار (الميسر) بنصوص قطعية الدلالة والثبوت ([15])، ولذلك ذهب بعض أنصار عدم مشروعية التأمين إلى أنه ينطوى على قمار أو فى معنى القمار أو شبهة القمار، حيث أن القمار يقوم على جهالة مطلقة فيما يدفع وما يقبض، والتأمين فيه شبهة ذلك أو فى معناه.

3- التأمين فيه التزام بما لا يلزم
لا جناح أن أحكام الضمان، سواء أكان التزاماً بالعقد أو إلزاماً بالشرع متى توافرت أسبابه، لا تنطبق على التأمين لعدم توافر شروط الضمان فيه لا بمعناه الخاص (الكفالة) لأن المؤمن لا يعد كفيلاً (عينياً أو شخصياً) للمؤمن له، ولا بمعناه العام (العدوان) لأن المؤمن لا يلتزم بالوفاء بمبلغ التأمين باعتباره متعدياً، بل يدفعه باعتباره مؤمناً لتحقق الخطر الذى ليس هو مصدره.
وبناء على ذلك فإن التزام المؤمن له بدفع القسط والتزام المؤمن له بالوفاء بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، تعد من قبيل الالتزام بما لا يلزم شرعاً، لعدم وجود سبب يقتضى وجوب مثل ذلك وعقد التأمين لا يصلح سبباً شرعاً لوجوب الضمان.
ولم ينته المطاف ببعض أنصار عدم مشروعية التأمين عند ما ذكر – آنفاً – بل ذهبوا إلى أنه ينطوى على أكل أموال الناس بالباطل وفيه الربا المحرم شرعاً وأن معظم شروطه فاسدة، وفيه عدم التسليم بالقضـاء والقدر وأن التعامل به يتعارض من الأمر بالتوكل على الله -i- وتفويض الأمر إليه …الخ.

الاتجاه الثانى – مشروعية التأمين
47 – يذهب أنصار هذا الاتجاه، إلى النقيض من سابقه، والقول بمشروعية التأمين بكل أشكاله وأنواعه، سواء أكان تأميناً تعاونياً، أم كان تأميناً تجارياً، أم كان تأميناً من الأضرار، أم كان تأميناً على الأشخاص، وسندهم فى ذلك المصلحة التى يحققها التأمين وتغليب إيجابياته على سلبياته والبعد عن لىّ زمام النصوص للانتصار للرأى أكثر من للحق، بالإضافة إلى أن معرفة المعانى فهم وإدراك المرامى فقه. واستدلوا على قولهم بالآتى :

1 – التأمين يحقق التعاون والتضامن الاجتماعى
عرفنا أن التأمين يقوم على فكرة تشتيت الآثار المالية المترتبة على تحقق الخطر المؤمن منه على أكبر عدد من الناس (المؤمن لهم) بدلاً من أن يتحملها أحدهم فى حالة عدم وجود التأمين.
وفى ضوء هذا يتبين أن التأمين يحقق قدر من التعاون والتضامن الاجتماعى بين أفراد المجتمع المؤمن لهم وغيرهم، فالمؤمن لهم يساهم كل منهم مع الآخر فى تخفيف الآثار المترتبة على تحقق المخاطر، وغير المؤمن لهم يرفع عنهم عبء تحول الذين لحق بهم cلخطر إلى عالة عليهم، وإذا كان أحدهم قد أضير من تحقق الخطر المؤمن منه فإنه يضمن الحصول على حقه فى التعويض ولا سيما فى التأمين من المسئولية مع تعين المضرور مستفيداً.
وإذا كان التأمين على هذا النحو فإنه يكون عين ما تحض عليه شريعة الاسلام بنصوص قطعية الدلالة والثبوت، كقوله -i- “……. …وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونو على الأثم والعدوان واتقوا الله إنالله شديد العقاب ” ([16]) وقوله -تعالى- ” يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ….. ” ([17]) وقوله -ص- ” الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه ” وقوله -ص- ” من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة “.

2 – التأمين يبث الطمأنينة
نوهنا –- آنفاً –- أن التأمين فى معناه العام هو ” الأمن من الخوف” ورأينا، عند الحديث عن وظائفه، أنه يبث الطمأنينة فى نفوس المؤمن لهم على نحو يدفع عنهم خشية المخاطر. والأمن والطمأنينة حاجة فطرية فطر الله عليها الإنسان وجعلها علة الأمر بعبادته لقوله -تعالى- ] فليعبدوا رب هذا البيت * الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف[ ([18]).

3 -– التأمين من العقود المستحدثة
لا جرم أن اختلاف الرأى فى الفقه الإسلامى حول حكم التأمين بين المشروعية وعدمها والبين بين، كان السببcلمباشر فيه هو خلو أصول المذاهب الفقهية من أحكام تنظمه، نظراً لحداثته. وعندئذ فلا يجوز قياس التأمين على عقد أو نظم معروفة فى الفقه الإسلامى، فهو عقد جديد له مقوماته وخصائصه.
ولا يوجد مانع شرعى يحول دون تقرير مشروعيته? وذلك استصحاباً للأصل فى المعاملات وهو الإباحة. ولا سيما أن غالبية الفقة يجمع على أن العقود فى الشريعة الإسلامية لم ترد على سبيل الحصر، فهى كسائر النظم القانونية نظمت العقود التى يغلب أن يقع بها التعامل فى الحياة العملية فىزمنهم، ولما كانت شريعة صالحة لكل زمان ومكان فإنه خولت المخاطبين بها إنشاء عقود جديدة متى اقتضتها حاجة سوق التعامل طالما أنها لم تنطو على مخالفة للمبادئها العامة ([19]). وظاهر أن عقد التأمين لا ينطو على مثل هذه المخالفة وأن حاجة العصر الحاضر تقتضيه.

4 –- خلو التأمين من شبهة المقامرة
نوهنا -–آنفاً–- أن الاتجاه الذى يرى عدم مشروعية التأمين كان من أدلته هو أنطواءه ?لى شبهة المقامرة، وهذا قول يجانب الحقيقة فالتأمين ليس من المقامرة فى شئ، فالقمار لا يرد على ربح مظنون بل يرد على عمل غير مشروع هو إيقاع أحد الأطراف فى خطر ليخسر فيربح الآخر، أى أن الم?سب والخسارة فيه تمت بصلة لأحد الأطراف بينما التأمين يخلو من هذا تماماً لأن من شروطه الجوهرية ألا يكون تحقuق الخطر راجعاً لإرادة أحد طرفى العقد ومخالفة ذلك يترتب عليه البطلان ([20]). فضلاً عن كون القمار نوع من اللعب بالحظوظ ومقتلة للأخلاق. بالإضافة إلى أن التأمين من قبيل المعاوضة المفيدة لطرفيه، فهناك ربح للمؤمن ووعد بالأمان للمؤمن له، أما القمار فلا فائدة تعود على الخاسر من ربح الفائز ([21]). وبذلك فإن التأمين لا ينطو على ما يخالف نظام التعاقد الشرعى.

5 –-الغرر فى التأمين غير مفسدٍ له
لا ريب أنه لا أحد يجادل فى أن التأمين من العقود الاحتمالية التى تنطوى عل? قدر من الغرر، وأن الغرر الفاحش فى المعاوضات منهى عنه شرعاً. فالغرر المنهى عنه هو الذى يؤدى إلى المنازعة، ويرجع فى ذلك إلى ما تعارف عليه الناس ([22]). والغرر المقصود بالنهى هو الذى يكون أصل cلمعاوضة قائماً على مخاطرة فى معنى القمار أو الرهان، بحيث تكون نتائجه ليست معاوضة محققة للطرفين بل ربحاً لطرف وخسارة لآخر بحسب المصادفة.
غير أن الغرر فىالتأمين يسير، فضلاً عن كون أن الغرر يجوز إذا ما دعت إليه ضرورة، بالإضافة إلى أن المعاوضة فى التأمين محققة للطرفين، فالقسط يقابله الوعد بالأمان وليس فقط قبض مبلغ التأمين.

الاتجاه الثالث – مشروعية بعض صور التأمين دون البعض
رأينا أن التأمين، باعتباره نظاماً مستحدثاً، قد تأرجح به الرأى بين المشروعية وعدمها جملة وتفصيلاً، إلا أن هذا الاتجاه لم ي?رف المشروعية وعدمها على التأمين جملة وتفصيلاً. بل ذهب إلى عدم مشروعية بعض صور التأمين ولا سيما التأمين على الحياة لمصلحة المؤمن له، وذهب –- كذلك –- إلى مشروعية البعض الآخ? وبصفة خاصة التأمين من المسئولية.
واستند انصار هذا الاتجاه إلى أدلة الاتجاه الأول بالنسبة للصور التى رأوا فيها عدم المشروعية وإلى أدلة الاتجاه الثا?ى بالنسبة للصورة التى قالوا فيها بالمشروعية ([23]).

رأينا فى مدى مشروعية التأمين

48- بادئ ذى بدء نشير إلى أن جميع الذين أدلوا بوجهة نظرهم حول مدى موافقة التأمين لأحكام الشرع الحنيف، سواء الذين قالوا بالمشروعية وعدمها ومن فصل فى ذلك، علماء أصحاب فضل وشرف قدر ولا يجب أن يبخسوا حقهم.
وفى تقديرنا أن الاتجاه الثانى، القائل بمشروعية التأمين، ([24]) هو الأرجح لأنه يحقق المصلحة فى زمن تعاظمت فيه المخاطر التى يتعرض إليها الإنسان، على نحو يمكن القول معه بأن الحاجة التى تنزل منزلة الضرورة تقتضيه فى وقت غاب فيه النظام الذى يخلو من المحاذير الشرعية، وزمن يغلب عليه طابع الأنانية الفردية. بالإضافة إلى وجود شواهد فى الشرع لا تأباه وسندنا فى ذلك الآتى ([25]) :
1- الأصل فى المعاملات الحل إلا إذا ورد الدليل على تحريمها والأصل فى العبادات الحرمة إلا ما ورد الدليل على حلها. ولما لم يرد فى أحكام الشرع ما يحول دون استحداث المخاطبين به عقود تحقق مصلحتهم بما فى ذلك عقد التأمين، طالما أنه لا ينطو على محاذير شرعية، إلا التى يمكن التجاوز عنها عند الضرورة أو الحاجة التى تنزل منزلتها، كالغرر اليسير مثلاً ([26]).
2- حث الله -I- المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم عند مواجهة الأخطار أى أن يعدوا لكل أمرٍ عدته حتى لا تداهمهم الأخطار وهم فى عفلة عن شئونهم ([27]).
3- ما روى عن الرسول -e- أن المسألة سحت لا تحل إلا أحد من ثلاثة : رجل أصابت ماله جائحة، ورجل تحمل حمالة، ورجل أصCبته فاقة ([28]). فإذا كان الرسول -r- وضع قاعدة عامة تقضى بتحريم المسألة وأستثنى منها الجائحة التى تصيب المال والحمالة والفاقة. ولما كانت المسألة تأباها الفطرةالسليمة حتى مع توافر الإستثناء المجوز لها، أليس من الأكرم للأنسان أن يدفع بعض ماله لآخر ليحفظ عليه ماء وجهه عندما تصبه إحدى هذه الثلاث. ففى ضوء ذلك يصبحالتأمين جائزاً فى مثل هذه الحالات.
4- تعاظم المخاطر فى هذا العصر وتردد أصحاب رءوس الأموال وسيطرة الأنانية، داءات تضر بالمصلحة العامة تقتضى قيام نظام قانونى يخفف من وطأتها، ولقد وجد الإنسان ضآلته فى نظام التأمين.
5- أن ولى الأمر قد وضع الأحكام المنظمة لعمليات التأمين فى بعض صورها فى [المواد (741-771) مدنى] مستعملاً فى ذلك الرخصة التى خولها له الله -I- فى وضع الأحكام التى تقتضيها المصلحة العامة، لأنه مكل? بحراسة الدين وسياسة الدنيا.
6- أن توجيه دفة الاقتصاد والسيطرة عليه ليس فى يد أبناء الشريعة الإسلامية، ولا سيما فى ظل الاتفاقيات الدولية وبصفة اتفاقية ” الجات “. والتأمين يعد دعامة أساسية فى البناء الاقتصادى فى المجتمع.
والشريعة الإسلامية منظومة متكاملة، لا تتناغم إلا بتطبيقها فى شتى مناحى الحياة بشكل متكامل، وعندئذ فإن البحث عن المشروعية فىجزئية التأمين بصفة مستقلة يعد ضرباً من العبث الذى لا يقبله رب الشريعة -I- ولا مبلغها – e – ولا مجتهديها – y -.
7-عموم البلوى، التامين بات له قدماً ثابتة فى العديد من المجالات، على نحو يمكن القول معه بعموم البلوى، حيث تعارف به الناس وتواضعوا عليه، فهو وصل إلى نقطة ألا عودة. وأن القول بعدم المشروعية يجلب المشقة التى تنهى عنها أصول الشريعة الإسلامية التى تذهب إلى أن المشقة تجلب التيسير.

المبحث الثانى : التأمين فى ضـوء قواعد الأخلاق

49- لا جرم أن المقامرة والرهان تعد من الأمور التى تأباها الأخلاق – كقاعدة عامة – فكما رأى البعض أن التأمين يصدم بأحكام الشرع لانطوائه على مثل ذلك، فذات السبب هو الذى أدى بالبعض بالقول بأن التأمين فى بعض جوانبه يتنافى مع قواعد الأخلاق.
غير أن واضعى أحكام التأمين قد نحوها جانباً وقرروا تحريمها وأن عقد التأمين الذى ينطوى على شروط تقرب التأمين من المقامرة يقع هذا العقد باطلاً. وأبطل العقد – كذلك – إذا كان تحقق الخطر المؤمن منه بإرادة أحد الأطراف. فضلاً عن كون التأمين يقوم – حالياً – على أسس علمية وفنية تجعله يبتعد كثيراً عن المقامرة والرهان. والأسس الفنية للتأمين ابتعاده عن المقامرة.
ولكى يبقى للتأمين ذا طابع أخلاقى فقد جرى العرف التأمينى والتشريع المنظم للتأمين فى معظم دول العالم بما فيها مصر على وضع العديد من القواعد التى تضمن بقاء التأمين فى حظيرة الأخلاق.
ومن القواعد التى تجعل التأمين فى حظيرة الأخلاق، قاعدة عدم جوز التأمين ضد الخطر العمدى حتى لا يؤدى إلى شعور الشخص بالا مبالاة وعدم المسئولية والإهمال، وكذلك إبراء ذمة المؤمن فى حالة انتحار المؤمن على حياته [المادة (756/1) مدنى ([29])]، وتوفير الحماية المؤمن له باعتباره والطرف الضعيف فى عقد الإذعان، وذلك لأن المؤمن له يريد أن يتجنب الخوف ومفاجآت المستقبل.
ومن مظاهر الطابع الأخلاقى للتأمين مبدأ التعويض من الأضرار حيث يترتب على ذلك المبدأ عدم جواز الإثراء من التأمين. فيجب أن يقتصر على تعويض ما يصيب الأموال من أضرار [المادة (751) مدنى ([30])]، بالإضافة إلى اشتراط أن يكون محل التأمين مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على الشخص من عدم تحقق الخطر المؤمن منه [المادة (749) مدنى ([31])].
والتأمين، كسائر العقود، يجب أن يتم وينفذ وفق مقتضيات حسن النية [المادة (148/1) مدنى ([32])]، أى يجب أن يتصرف المؤمن له سواء عند إبرام العقد أو أثناء تنفيذه بحسن نية، أى بطريقة تتفق مع الأخلاق

الفصل الثالث : فن للتأمين

50- لا جرم أن التأمين لا يقوم على ضروب من الحظ والمصادفة. بل يقوم على أسس فنية تعد بمثابة العامود الفقرى للعملية التأمينية. ولم يقف الأمر هذا الحد بل تم توفير الضمانات للوفاء بالالتزامات الناشئة عن تحقق المخاطر المؤمن منها.
ونتناول دراسة هذا الموضوع فيما هو آتٍ من مباحث.

المبحث الأول : الأسس الفنية للتأمين

51- رأينا – آنفاً – عند تعريف التأمين أنه عبارة عن علاقة قانونية تتم فى ضوء أسس فنية يتم على أساسها تنظيم العلاقة فيما بين المؤمن ومجموع المؤمن لهم. وهذا الذى يبرئ التأمين من تهمة المقامرة والرهان، لأن عملية التأمين منظوراً إليها فى مجموعها تعتبر عملية قائمة على أسس علمية بعيدة كل البعد عن ذلك. فهى قائمة على التعاون والمقاصة بين المخاطر بالاستعانة بعلوم الإحصاء.
ونتناول دراسة هذا الموضوع فيما هو آتٍ من مطالب

المطلب الأول : التعاون الافتراضى

52- لا جناح أن الإنسان مدنى بطبعه فهو لا يستطيع العيش بمفرده بل يبحث – دائماً – عن أقرانه لكى يتعاون معهم فى دفع المخاطر المشتركة التى يتعرضون لها. وعندما تعرض الإنسان لمخاطر متزايدة دفعه هذا إلى التفكير فى التأمين لتفادى الآثار المالية المترتبة على تحقق هذه المخاطر. فالتأمين لا يؤدى إلى تفادى الكارثة وإنما يوزع آثارها على مجموع المؤمن لهم. وعمليات التأمين تفترض التعاون فيما بين المؤمن لهم الذين يهددهم خطر ذات طبيعة واحدة.
ففى ضوء ما سبق يتضح أن التأمين عملية تعاونية يقوم بتنظيمها المؤمن عن طريق الحصول على أقساط دورية من المؤمن لهم، على أن يقوم بدفع تعويض لمن تلحقه الخسارة منهم، من خلال ما يتجمع لديه من هذه الأقساط، فالمؤمن ليس مضارباً أو مقامراً أو مرابياً وإنما منظماً للعملية التأمينية التى تفترض التعاون بين المؤمن لهم.
ولا جرم أن التعاون يعد ضرورياً لأداء التأمين لمهمته فى المجتمع، عن طريق توزع المخاطر على أكبر عدد من الناس، وبث الطمأنينة فى نفوس المؤمن لهم بضمان تغطية الخطر المؤمن منه .
ويظهر التعاون جلياً فى التأمين التعاونى حيث تذهب إرادة كل عضو فى الجماعة إلى تأمين كل منهم الآخر من تحقق الخطر الذى اتفقوا على ضمانه فيما بينهم. أما التأمين التجارى (بقسط ثابت) فلا يظهر التعاون واضحاً فى العلاقة العقدية فيما بين المؤمن والمؤمن له، ومع ذلك فإنه يفترض بالنظر إلى تعدد العلاقات بين المؤمن والمؤمن لهم لأن تغطية الخطر الذى يتعرض له أحدهم يتم من خلال الرصيد المشترك المكون من مجموع الأقساط التى قاموا بدفعها إلى المؤمن. على نحو يمكن القول معه بأن المؤمن يقوم بدور الوسيط فى توزيع الأثر المالى المترتب على تحقق الخطر المؤمن منه بالنسبة لأحدهم على سائرهم ([1]).
فالتأمين يقوم على فكرة تبادل المساهمة فى تحمل الآثار المالية المترتبة على تحقق الخطر المؤمن منه، ولهذا فإن العملية التأمينية تقتضى تعدد المؤمن لهم وكثرتهم حتى يتسنى للمؤمن الوفاء بالتزاماته فى مواجهة المؤمن لهم بالإضافة إلى تحقيق هامش ربح.

التعاون عنصر مميز للتأمين

53- لا ريب أن التعاون أضحى عنصراً مميزاً للتأمين عن غيره، على نحو يمكن القول بأنه إذا انتفى التعاون من العلاقة القانونية فلن نكون بصدد عملية تأمينية، بل نكون بصدد نظام قانونى آخر.
فالتأمين ليس هو النظام الوحيد الذى يبث الطمأنينة ويكفل الآمان بل توجد العديد من النظم أو الوسائل القانونية التى تقوم بهذا الدور إلا أن التأمين يتفرد عنها بعنصر أو خاصية التعاون.
ولدراسة هذه المسألة نستعرض بعض النظم فى النقاط التالية :

الإيراد المرتب مدى الحياة (*)
54- قد يتصرف شخص بالبيع فى مال مملوك له لآخر فى مقابل ثمن يتم الوفاء به له فى صورة مرتب دورى مدى حياة البائع، فهذا البيع ينطوى على عنصر الاحتمال حيث يحتمل المكسب والخسارة تبعاً لبقاء البائع على قيد الحياة أم من عدمه. ومع ذلك فإن مثل هذا التصرف يبث فى نفس المتصرف الطمأنينة فى حصوله على مصدر معيشة مدى حياته. إلا أنه يختلف عن التأمين فى أنه لا يقوم على مبدأ التعاون، بل يقوم فى شكل عملية منفردة بين المتصرف والمتصرف إليه.

شرط عدم المسئولية (*)
55- لا جرم أن التعاون هو الذى يميز التأمين عن شرط عدم المسئولية على الرغم من وحدة النتيجة المترتبة على كل منهما. ففى الثانى يشترط أحد الطرفين عدم مسئوليته عما يقع للطرف الآخر من ضرر، وبهذا يؤمن المشترط نفسه من خطر مطالبته بالتعويض عن الضرر الذى يلحق الآخر. كالناقل الذى يشترط عدم مسئوليته عما يصيب البضاعة من تلف خلال عملية النقل فى مقابل تخفيض الأجرة، بهذا الشرط يكون الناقل قد أمن على مسئوليته.
ومع ذلك تظل فكرة التعاون هى المميزة للتأمين عن شرط عدم المسئولية الذى يخلو من هذه الفكرة، لان كل ما يحدث هو مجرد نقل تبعة الخطر من أحد الطرفين إلى الآخر.

المطلب الثانى : الاستعانة بعلم الإحصاء

56- لا جرم أن المؤمن يقدم وعداً للمؤمن له بتغطية الخطر المؤمن منه فى مقابل قيام الثانى بالوفاء بقسط التأمين، ولما كانت هذه التغطية لا تتم إلا من خلال الرصيد الذى كونه من مجموع أقساط المؤمن لهم، كان على المؤمن أن يقوم بحساب قيمة الأقساط بناء على علم الإحصاء الذى يمكن عن طريقه إجراء دراسة إحصائية لاحتمالات وقوع الأخطار المؤمن منها ومدى جسامتها، لكى يقف على حقيقة الأمر من حيث الوفاء بالتزاماته والأرباح التى ستعود عليه بحسب الفارق بين مجموع الأقساط وقيمة هذا الوفاء.
ولا ريب فى أن التأمين يقوم على حساب الاحتمالات، ويقصد به التعرف على فرص تحقق الخطر خلال فترة زمنية معينة، فإذا أراد المؤمن أن يغطى المخاطر الناشئة عن الحريق، فيجب أن يكون لديه إحصاءات سليمة تبين عدد حوادث الحريق التى تقع سنوياً على نحو يعطيه فكرة تقريبية لعدد المخاطر التى سيلتزم بتغطيتها سنوياً.
وإذا كان تحقق المخاطر المؤمن منها يقع مصادفة إلا أن علم الإحصاء عن طريق حساب الاحتمالات (التعرف على فرص تحقق الخطر) وقانون الكثرة (كثرة الحالات التى تكون معرضة للخطر) جعل تقدير وقوع المخاطر يعطى نتائج إلى حدٍ ما سليمة. على نحو يمكنالمؤمن من تحديد التزاماته والمخاطر التى يقع عليه عبء تغطيتها وحساب مقدار القسط الذى يلتزم المؤمن له بدفعه بصفة دورية. فمثلاً إذا لم يكن فى الوسع معرفة التاريخ الذى سوف يتوفى فيه الشخص إلا أنه من الممكن عن طريق الإحصاء معرفة عدد من يبقى من الأشخاص على قيد الحياة بعد سن معينة.
ولا جناح أن حساب الاحتمالات يقوم على العلاقة بين عدد فرص تحقق وقوع الخطر محل التأمين بالنسبة لعدد الحالات الممكنة. والذى يقوم بهذا الحساب يسمى بالخبير الاكتوارى، وعلى أساس حساب الاحتمالات يستطيع المؤمن أن يحدد قيمة قسط التأمين.

المطلب الثالث : المقاصة بين المخاطر

57- عرفنا أن المؤمن يرمى إلى تحقيق ربح من خلال قيامه بالعملية التأمينية، بمعنى أنه ليس جهة خيرية تقوم بهذه العملية دون مقابل، ولكى يتحقق له ذلك يقوم بإجراء المقاصة بين قيمة الأقساط التى يوفى بها المؤمن لهم وبين المبالغ التى من المتوقع الوفاء بها إليهم عند تحقق الخطر المؤمن منه، على نحو يأمن معه من مغبة تفويت فرص الكسب عليه أو التقاعس عن الوفاء بالتزاماته. ولذلك يقوم المؤمن فى سبيل إجراء هذه المقاصة بتجميع أكبر عدد من المخاطر وتصنيفها حسب النوع ( حرائق، سرقات، وفيات، حوادث طريق … الخ) ثم يتم تقسيم كل بحسب موضوع الخطر.
وفى ضوء ذلك يتبين أن المقاصة عبارة عن عملية فنية يقصد بها تنظيم التعاون الافتراضى بين المؤمن لهم بقصد توزيع عبء المخاطر عليهم.

المبحث الثانى : ضمانات التأمين

58- نوهنا إلى أن المؤمن يقدم للمؤمن له وعد بالضمان بأن يقوم بتغطية الخطر المؤمن منه عند تحققه، بينما الأخير يجب عليه الوفاء بالتزاماته الناشئة عن عقد التأمين ومن أهمها دفع قسط التأمين. ولما كانت هذه الوضعية قد تعرض المؤمن له لعدم حصوله على تغطية الخطر المؤمن منه رغم تحققه بسبب إحجام المؤمن عن الوفاء به، فإن المشرع أصبغ الحماية القانونية لحق المؤمن له فى الحصول على هذه التغطية عن طريق إلزام المؤمن بالاحتفاظ باحتياطيات مالية لمثل هذه التغطية. فضلاً عن قيام شركات التأمين بإعادة التأمين لدى شركات تأمين أخرى حتى يتسنى لها توفير التغطية اللازمة لحالات تحقق الخطر المؤمن منه.

المطلب الأول : احتياطيات التأمين

59- لا غرو أن يفرض المشرع على المؤمن الاحتفاظ، بصفة دائمة بالقدرة المالية التى تمكنه من الوفاء بالتزاماته فى مواجهة المؤمن لهم. وهذه القدرة تتمثل فى الاحتياطيات سواء أكانت فى شكل احتياطى حسابى أم كانت فى صورة تكوين رأس المال أم كانت أقساط مدفوعة مقدماً أم كانت فى صورة احتياطى الحوادث التى لم تتم تسويتها ([2]).
والاحتياطيات المالية وغيرها ليست اختيارية للمؤمن بل إجبارية عليه أى يجب عليه أن تكون هذه الاحتياطيات فى صورة أصول فى ميزانية المؤمن ولا يكفى أن تدرج فى شكل خصوم فيها، بحيث أن تكون فى صورة قيم مالية تملكها الشركة وموثوق بها فلا تكون مهددة بالضياع.

المطلب الثانى : إعادة التأمين

60- عرفنا أن العملية التأمينية تقوم على تقدير الاحتمالات طبقاً لقوانين الإحصاء، والمؤمن يبذل جهده لكى يصل إلى تقديرات مضبوطة تمكنه من تحديد التزاماته فى مواجهة المؤمن لهم، ويحتفظ باحتياطيات مالية لضمان الوفاء بهذه الالتزامات. غير أن هذه الاحتياطات قد لا توفر الطمأنينة الكاملة للمؤمن لمواجهة هذه الالتزامات لأن تقديراتها هى فى الأصل تقريبية قد تخطئ، وإن كان هذا الخطأ يقل إلى أدنى حد كلما كثر عدد المؤمن لهم طبقاً لقانون الكثرة.
بيد أنه لمواجهة الخطأ المحتمل يقوم المؤمن بإعادة التأمين لدى شركات تأمين أخرى لكى يطمئن للوفاء بما عليه من التزامات وتوفير الثقة لجمهور المؤمن لهم فى مركزه المالى وقدرته على تغطية كافة المخاطر التى يؤمن ضدها.
وإعادة التأمين قد تكون إجبارية أى يفرضه القانون على المؤمن لمواجهة أخطار معينة كالتأمين من الأضرار، وقد تكون اختيارية أى يلجأ إليها المؤمن من تلقاء نفسه عندما يرغب فى توفير الثقة فى قدرته التأمينية ([3]).

تعريف إعادة التأمين

61- عرفنا أن دافع المؤمن للقيام بعمليات التأمين هو تحقيق الربح، وهذا الدافع يجعله يسعى إلى توفير الطمأنينة لنفسه وثقة جمهرة المؤمن لهم فى قدرته على الوفاء بالتزاماته فى مواجهتهم. وفى سبيل تحقيق ذلك يلجأ إلى إعادة التأمين على المخاطر التى قام بالتعاقد على تأمينها مع عملائه، وذلك عن طريق التعاقد مع مؤمن آخر يشاركه فى الغنم والغرم، يحصل على نسبة من الأقساط ويتحمل حصة فى تغطية المخاطر.
وفى ضوء ذلك يمكن تعريف نظام إعادة التأمين بأنه ” هو اتفاق بين مؤمنين أو أكثر على المشاركة فى الغنم والغرم من عمليات التأمين التى يجريها أحدهم أو كلاهم ” ([4]).

صور إعادة التأمين

62- لا جرم أن قيام المؤمن بإعادة التأمين لدى مؤمن آخر يتخذ عدة صور نذكر منها ([5]) :

– إعادة التأمين بالمحاصة
إذا اتفق المؤمن المباشر (مؤمن المؤمن له) مع المؤمن المعيد ( مؤمن المؤمن) على مشاركته فى جميع عمليات التأمين التى يجريها بنسبة معينة 25% أو 30% مثلاً، فهذا الاتفاق يطلق عليه التأمين بالمحاصة لأن المؤمن الآخر يشارك المؤمن المعيد للتأمين بحصة معينة فى عمليات التأمين التى يغطيها سواء أكانت كبيرة أم كانت صغيرة، ويحصل فى مقابل ذلك على نسبة من أقساط التأمين تتعادل مع حصة مشاركته فى تغطية المخاطر.

– إعادة التأمين فيما جاوز حد الطاقة
فى هذه الصورة يتدارك المؤمن المباشر العيب الكامن فى إعادة التأمين بالمحاصة، والناجم عن مشاركة المؤمن المعيد له فى كل عمليات التأمين التى يجريها بنسبة معينة. فيقصر عملية إعادة التأمين على العمليات التى تجاوز قدرته المالية، ففى ظل هذه الصورة يستقل المؤمن المباشر فى تغطية المخاطر التى يكون بوسعه تغطيتها مالياً. أما المخاطر التى تجاوز قدرته المالية فإنه يقوم بإعادة التأمين لدى مؤمن المعيد.

– إعادة التأمين فيما جاوز حداً معيناً من الكوارث
ففى هذه الصورة لا يتم إعادة التأمين لا بالمحاصة ولا فيما يجاوز الطاقة، إنما يقوم المؤمن المباشر بتحديد حد أقصى لمقدار التغطية لكل خطر مؤمن منه ويستقل بتغطيته بنفسه. أما القدر الذى يجاوز هذا الحد فإنه يقوم بإعادة التأمين عليه لدى المؤمن المعيد. فمثلاً لو أن المؤمن المباشر قرر تغطية الخطر المؤمن منه فى حدود 75% من مقداره وإعادة التأمين فى الباقى وهو 25%، فالمؤمن المباشر يلتزم بالتغطية طالما أن القيمة لا تجاوز 75%، أما إذا كانت القيمة تجاوز ذلك فإن المؤمن المعيد يلتزم بتغطية مقدار الزيادة. وهذه الصورة أكثر شيوعاً فى التأمين من المسئولية.

– إعادة التأمين فيما جاوز حداً معيناً من الخسارة
فى هذه الصورة لا يتم الاتفاق على إعادة التأمين فى كل وثيقة تأمين على حدة، إنما يتم الاتفاق على نوع معين من التأمين كالتأمين من المسئولية أو التأمين على الحياة أو التأمين من حوادث الحريق مثلاً. فبمقتضى هذا الاتفاق يحصل المؤمن المعيد على نسبة مئوية من مجموع الأقساط التى يحصل عليها المؤمن المباشر فى فرع معين من أفرع التأمين فى مقابل تغطية الخسارة التى تجاوز الحد المتفق عليه. فالمؤمن المباشر يلتزم بالتغطية فيما دون هذا الحد والمؤمن المعيد يلتزم بالتغطية فيما جاوز هذا الحد

الباب الثانى : انعقاد التأمين

63- ألفينا أن التأمين يقوم على فكرة تشتيت الآثار المالية الناجمة عن تحقق الخطر المؤمن منه على عدد غير قليل من المؤمن لهم. وعرفنا موقف الشرع الحنيف منه باعتباره نظامنا مستحدثاً. وعلمنا الأسس الفنية التى يقوم عليها التأمين وضماناته التى تباعد بينه وبين شبهة المقامرة والرهان غير المشروعة.
ولما كان التأمين يقوم على فكرة التعاقد، أى مصدر إنشاءه هو العقد، حتى فى الحالات التى يجعله القانون إجبارياً على الشخص (المؤمن له) الذى يباشر نشاط معين يتسم بالخطورة، كالتأمين الإجبارى من حوادث السيارات والتأمين الإجبارى من حوادث البناء والتشييد والتأمين الإجبارى من حوادث الطاقة النووية…الخ. فما هى خصائص هذا العقد ؟ وما هى أركانه ؟ وما هى الآثار المترتبة عليه ؟.
نتناول دراسة هذا الموضوع من خلال الفصول الآتية :
الفصل الأول – خصائص عقد التأمين.
الفصل الثانى – أركان عقد التأمين.
الفصل الثالث- أثار عقد التأمين.
الفصل الرابع – انقضاء عقد التأمين.

الفصل الأول خصائص عقد التأمين

64- لا جرم أن التأمين، باعتباره عقداً، يختص ببعض الخصائص التى تعكس ذاتيته الخاصة سواء أكان من حيث انعقاده أم كان من حيث مضمونه أم كان من حيث تنفيذه.
ونعرض لهذه الخصائص من خلال المباحث التالية

المبحث الأول : عقد التأمين

من حيث الانعقاد
65- لا جناح أن النظر إلى عقد التأمين من زاوية انعقاده، نجده رضائياً لأنه ينعقد بمجرد توافق الإراديتين على إحداث الأثر الذى يرتبه القانون. ونلاحظ عليه – أيضاً – أنه عقد إذعان لاختلاف مراكز الأطراف فيه.

أولاً – عقد التأمين من العقود الرضائية

66- لا ريب فى أن عقد التأمين لا يخرج عن الأصل العام، فى القانون الحديث، وهو رضائية العقود، حيث أن الأحكام الخاصة به فى القانون المدنى لم تقض بغير ذلك ([1]). وبناء عليه فإن عقد التأمين ينعقد بمجرد توافق وتبادل وتطابق الإيجاب والقبول بين طرفيه المؤمن والمؤمن له ([2]). وعلى المدعى بقيام عقد التأمين أن يثبت ذلك بإقامة الدليل على دعواه وفق قواعد الإثبات.
أما صياغته فى شكل وثيقة للتأمين فهذا لا يخرج عن كون الكتابة فى هذه الحالة للإثبات وليس للانعقاد ([3])، وأن إلزامية اشتمالها على بيانات معينه والتوقيع عليها من طرفى العقد المؤمن والمؤمن له، لا يغير من رضائية هذا العقد. إنما استلزم ذلك بسبب خاصية الإذعان وما يشتمل عليه من شروط متنوعة، لكى يتوافر العلم وتنتفى الجهالة لدى المؤمن له بما تتضمنه الوثيقة من بيانات.
غير أن الرضائية، باعتبارها أصلاً، لا تحول دون أن يتفق طرفا عقد التأمين على أن يكون شكلياً أو عينياً ([4]). فيكون شكلياً متى اشترط صراحة عدم انعقاده إلا إذا اتخذت إجراءات شكلية معينة. ويكون عينياً إذا اشـترط المؤمن عدم قيام العقد إلا إذا قام المؤمن له بدفع قسط التأمين.

ثانياً – عقد التأمين من عقود الإذعان

67- الإذعان هو التسليم بالأمر كله دون مناقشة لتفصيلاته، بمعنى أن المؤمن يعرض على المؤمن له عدة نماذج من وثائق التأمين المطبوعة ويطلب منه اختيار إحداها دون أن يعطيه الحق فى مناقشة بنودها، فله قبول الوثيقة أو رفضها جملة وتفصيلاً([5]).
وهذه الخاصية هى التى دفعت المشرع إلى التدخل لإعادة التوازن بين الأطراف بإبطال بعض الشروط إذا وردت فى وثيقة التأمين [المادة (750) مدنى ([6])] وبالحد من الشروط التعسفية وتخويل القاضى تفسير شروط العقد على نحو غير ضار بمصلحة المؤمن له ([7]).

المبحث الثانى : عقد التأمين من حيث المضمون

68- لا جرم أن عقد التأمين يختص من حيث المضمون بعدة خصائص فمن حيث الأداءات المتقابلة فهو عقد احتمالى ومن حيث العطاءات المتبادلة فهو عقد معاوضة ومن حيث الآثار فهو عقد ملزم للجانبين.

أولاً – عقد التأمين من العقود الاحتمالية

69- عقد التأمين يعد نموذجاً للعقود الاحتمالية أو الغرر ([8])، فالأداءات المترتبة عليه لا تكون معلومة المقدار فلا يعلم المؤمن فى وقت انعقاد العقد مقدار ما يأخذه ولا مقدار ما يعطيه للمؤمن له لان ذلك متوقف على تحقق أو عدم تحقق الخطر المؤمن منه ([9]).
غير أنه يجب ملاحظة أن محل التزام كل طرف فى العقد معلوم للطرف الآخر. فالمؤمن يعلم أنه ملتزم بتغطية الخطر المؤمن منه والمؤمن له يعلم أنه ملتزم بدفع قسط التأمين. إلا أن مقدار تغطية المؤمن وكذلك عدد الأقساط التى سيدفعها المؤمن له غير معلومة لهما فى وقت إبرام العقد ([10]). فمثلاً لو أن شخص قام بالتأمين على سيارة قيمتها 50000 جنيه فى مقابل قسط 100 جنيه سنوياً ضد الحريق وبعد إبرام العقد احترقت السيارة فيلتزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين للمؤمن له كاملاً. وفى الصورة المقابلة قد يدفع المؤمن له الأقساط كاملة إلا أن الخطر المؤمن منه لم يتحقق لعدم احتراق السيارة. ففى هذا المثال نلاحظ أن المؤمن قد يوفى بمبلغ التأمين، فى حالة تحقق الخطر المؤمن منه، دون أن يحصل على شئ، وأن المؤمن له قد يدفع الأقساط كاملة، عند عدم تحقق الخطر المؤمن منه، دون أن يحصل– أيضاً – على شئ. فهذه هى الاحتمالية التى تعد أهم خاصية مميزة لعقد التأمين.
وخاصية الاحتمالية تحول دون الطعن فى عقد التأمين بالإبطال للاستغلال، باعتباره أحد عيوب الإرادة، لأن التأمين قائم على عدم تعادل القيم بين ما يعطى كل طرف للآخر.

ثانياً – عقد التأمين من عقود المعاوضة

70- لا ريب أن عقد التأمين يعد من عقود المعاوضة، لأن كل طرف فيه يأخذ مقابلاً لما يعطى. فالمؤمن يؤمن المؤمن له من الخطر الذى يهدده فى مقابل دفع الأقساط، فإذا تحقق هذا الخطر التزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين للمؤمن له. ويدفع المؤمن له القسط التأمينى للمؤمن نظير شعوره بالطمأنينة والآمان خلال مدة التأمين وحصوله على مبلغ التأمين فى حالة تحقق الخطر المؤمن منه.
ولا يغير من معاوضة عقد التأمين كون الخطر المؤمن منه لم يتحقق ومن ثم فلا يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له، لأن الأقساط الذى يوفى بها الأخير ليست فى مقابل هذا المبلغ، إنما فى مقابل الآمان الذى يوفره التأمين له وتحمل الأول لتبعة ذاك الخطـر ([11]).

ثالثاً- عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين

72- لا جرم أن عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين لأن سبب التزام أحدهما هو محل التزام الثانى. فسبب التزم المؤمن بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه، سواء أكان بتوفير الآمان للمؤمن له أم كان بالوفاء بمبلغ التأمين عند تحقق هذا الخطر، هو التزام المؤمن له بدفع الأقساط وسبب التزام المؤمن له بذلك هو التزام المؤمن بتحمل هذه التبعة.
ولا يقدح فى إلزامية عقد التأمين لجانبيه القول بأن التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين معلق على شرط واقف هو تحقق الخطر المؤمن منه، أو أنه لا يلتزم بدفع هذا المبلغ عند عدم تحقق هذا الخطر. لأن تبادلية الالتزامات أو تقابلها لا ينظر إليها عند تنفيذ العقود إنما يبحث عنها فى وقت انعقادها ([12]).

المبحث الثالث : عقد التأمين من حيث طبيعته وتنفيذه

73- ولا جرم أن عقد التأمين تتحدد طبيعته بتحديد صفة أشخاصه والأعمال محل التأمين.

أولاً – من حيث طبيعة عقد التأمين

74- يجرى العمل على التفرقة بين العقود، من حيث طبيعتها القانونية إلى تجارية ومدنية، تبعاً للأشخاص العقد والغرض من إبرامها، فإذا كان أشخاص عقد التأمين من التجار والغرض منه التأمين على عملية تجارية كان هذا العقد ذا طبيعة تجارية. أما إذا كان أطرافه ليسوا تجاراً فإن العقد يكون ذا طبيعة مدنية.

ثانياً – من حيث تنفيذ عقد التأمين

1- عقد زمنى مستمر
450- عقد التأمين يعد من العقود الزمنية المستمرة، لأن الزمن عنصر جوهرى فيه. فالمؤمن يلتزم بتوفير الآمان للمؤمن له من الخطر الذى يهدده فى مقابل التزام الأخير بدفع أقساط دورية خلال مدة التأمين.
ولا جرم أنه يترتب على زمنية عقد التأمين عدم إمكانية إعمال قاعدة الأثر الرجعى للفسخ. بل يتم إعمال قاعدة الأثر الفورى له إذا تم فسخ عقد التأمين لتوافر سببه. وبناء على ذلك إن هذا الفسخ لا يكون له أثر رجعى لأن ما مضى من الزمن لا يمكن إرجاعه، بل له أثر فورى ومباشر من تاريخ الفسخ.

2- التأمين من عقود حسن النية
75- الأصل أنه يجب توافر حسن النية فى سائر المعاملات ولا سيما فى العقود [المادة (148/1) مدنى ([13])]. ومع ذلك فإن مجال التأمين أكثر المعاملات اقتضاءً لذلك من غيرها. فيجب أن تتوافر الثقة المتبادلة بين أطراف العقد [المادة (150/2) مدنى ([14])]. لأن المؤمن يعتمد إلى حد كبير على ما يدلى به طالب التأمين من بيانات عن شخصه والظروف المحيطة بالخطر المراد التأمين ضده وبالإضافة إلى أخطار المؤمن له للمؤمن عن كل ما يؤدى إلى تفاقم الخطر خلال فترة التأمين ([15]).
غير أن سوء النية يترتب عليه سقوط حق المؤمن له فى مبلغ التأمين متى اشترط ذلك بشكل ظاهر فى وثيقة التأمين أو وصل ذلك إلى درجة الغش الفاحش حتى ولو لم ينص على ذلك صـراحة

الفصل الثانى : أركان عقد التأمين

76- لا جرم أن عقد التأمين كسائر العقود يجب أن تتوافر فيه الشروط العامة التى يتطلبها القانون فى العقد كالتراضى والمحل والسبب. ورغم أن هذه الشروط تخضع للأحكام العامة فى نظرية العقد، إلا أن ذاتية عقد التأمين تتطلب دراسة الرضاء والمحل لبيان عناصره المختلفة.
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال المباحث الآتية :

المبحث الأول : التراضى فى عقد التأمين

77- لا جناح أن الرضاء هو قوام العقد ومصدر وجوده، ومن ثم فإنه يجب أن يكون التراضى موجوداً بتطابق الإيجاب والقبول وأن يكون صحيحاً بأن يكون لدى المتعاقدين أهلية إبرامه وأن تكون إرادة كل منهما خالية من عيوب الإرادة (كالغلط والتدليس والإكراه). فإذا توافر لعقد التأمين ذلك فأصبح موجوداً من الناحية القانونية.
أما من الناحية العملية فإن عقد التأمين يبرم على نحو خاص ومن عدة مراحل متوالية. ونعرض لدراسة هذا الموضوع من خلال المطالب التالية :

المطلب الأول : طرفا عقد التأمين

78- نعلم أن العقد، بصفة عامة، هو الجمع بين طرفين لم يكن بينهما جامع من قبل، وكذلك عقد التأمين فهو يجمع بين طرفيه وهما المؤمن ومؤمن له.
غير أن الذاتية الخاصة للتأمين والتنافسية بين شركات التأمين وتسابقها على الاستحواذ على أكبر عدد ممكن من المؤمن لهم، تجعل المؤمن يدفع بعدد غير قليل من وسطاء التأمين سعياً وبحثاً عن المؤمن له وذلك طبقاً لمقولة ” التأمين يباع ولا يشترى ” والأفضل القول بأن ” التأمين يعرض ولا يطلب “.
ونتناول الحديث عن طرفى عقد التأمين من خلال النقاط التالية :

أولاً – المؤمن

79- لا جناح أن المؤمن، باعتباره طرفاً فى عقد التأمين، هو كل شخص يعرض تحمله تبعة الخطر (الواقعة) الذى يحدث لآخر فى مقابل مبلغ من المال ( القسط). وقد يتخذ المؤمن شكل شركة مساهمة تكون لها الشخصية القانونية المستقلة عن المساهمين وعن المؤمن لهم، فهى تجمع الأقساط فى مقابل ضمان الخطر المؤمن منه والوفاء بمبلغ التأمين فى حالة تحقق هذا الخطر. وقد يتخذ المؤمن شكل جمعية للتأمين التبادلى أو التعاونى لا تستهدف الربح من عملها ويجمع أعضاؤها بين صفتى المؤمن والمؤمن لهم فى ذات الوقت، حيث يؤمن بعضهم بعضاً ([1]).
نوهنا – آنفاً – إلى أن التأمين يعرض ولا يطلب، ولما كانت زيادة عدد المؤمن لهم يحقق للمؤمن مزيد من الربح والثقة فى قدرته على الوفاء بالتزاماته وثقة العملاء فيه. لذلك يخول المؤمن بعض الأشخاص فى كل أو بعض سلطاته فى إبرام العقود مع المؤمن لهم، وهؤلاء الأشخاص يطلق عليهم وسطاء التأمين.

– وسطاء التأمين
80- هؤلاء الوسطاء هم الذين يمثلون المؤمن (شركة التأمين) وينتشرون فى كل مكان من أجل عرض التأمين على الناس والحصول منهم على قبول ما يعرضونه من وثائق تأمين المختلفة. وتختلف درجة تمثيل كل منهم للمؤمن تبعاً للسلطات المخولة له فى إبرام عقد التأمين مع العملاء.

1 – الوكيل المفوض
وهو الشخص الذى يوكله المؤمن فى التعاقد المباشر مع المؤمن لهم نيابة عنه. وهذه النيابة تخول المفوض فى تحصيل الأقساط وتعديل شروط العقد ومد مدته وفسخه إذا توافر سببه وتسوية مبالغ التأمين ([2]).

2- المندوب ذو التوكيل العام
وهو الشخص الذى يخوله المؤمن سلطة إبرام عقد التأمين مع المؤمن له، شريطة التقييد بشروط التأمين العامة المألوفة والتى تكون – غالباً – مدرجة فى وثائق التأمين المختلفة. فهذا المندوب ليس له التعديل فى هذه الشروط بالحذف أو الإضافة ([3]) سواء أكان ذلك لمصلحة المؤمن أم كان لمصلحة المؤمن له. لأن سلطته مقصورة على إبرام عقد التأمين فقط ولذلك فسلطته أدنى من سلطة الوكيل المفوض.
وعمومية توكيل هذا المندوب هى التى تحد من سلطته بحيث تلزمه بعدم مجاوزة حدود وكالته وهى لا تخوله أكثر من إبرام عقد التأمين.

3- السمسار غير المفوض
وهو الشخص الذى ينحصر عمله فى الوساطة والتقريب بين راغبى التأمين دون أن يكون له سلطة إبرام عقد التأمين. وسلطة السمسار فى عملية التأمين تضيق وتتسع تبعاً علاقته بالمؤمن وهى لا تخرج أحد فرضين وهما ([4]) :

الأول – عدم وضوح حدود سلطة السمسار. والسمسار فى هذه الحالة بالرغم من كونه من وسطاء التأمين، إلا أنه ليس له سلطة إبرام العقد مع طالب التأمين. حيث تظل هذه السلطة فى يد المؤمن، والمهمة التى يؤديها السمسار هى عرض التأمين وتقديم الوثيقة الموقعة من المؤمن إلى المؤمن له للتوقيع عليها بالقبول ([5]).
الثانى– وضوح حدود سلطة السمسار فى كونه وسيط يتولى البحث عن عملاء وعرض التأمين عليهم ووضعهم فى علاقة مباشرة مع المؤمن لإبرام عقد التأمين.

ثانياً – المؤمن له

81- لا جـرم أن المؤمن له، باعتباره طرفاً فى عقد التأمين، هو كل شخص يهدده خطر معين يرغب فى درئه عن نفسه بنقل تبعته إلى شخص آخر (المؤمن) فى مقابل دفع مبلغ من المال (القسط).
بيد أن يجدر الإشارة إلى أنه تتداول فى مجال التأمين ثلاثة مصطلحات قد تجتمع فى شخص واحد أو تتفرق على أكثر من شخص، وهى طالب التأمين، والمؤمن له، والمستفيد ([6]).
-طالب التأمين : هو الشخص الذى يبرم عقد التأمين مع المؤمن ويتعهد بتنفيذ الالتزامات المقابلة لالتزامات المؤمن.
-المؤمن له أو المؤمن عليه أو المستأمن : وهو الشخص الذى يهدده الخطر المؤمن منه.
-المستفيد : وهو الشخص الذى يستحق مبلغ التأمين أو قيمة التعويض عند تحقق الخطر المؤمن منه.
فهذه المصطلحات قد تجتمع فى شخص واحد ويطلق عليه المؤمن له ولا سيما فى التأمين من الأضرار، بأن يكون هو طالب التأمين الذى تعاقد مع المؤمن وهو –أيضاً- والمؤمن له الذى يهدده الخطر وهو المستفيد من هذا التأمين، بمعنى هو الذى يتقاضى مبلغ التأمين عند تحقق هذا الخطر. فمثلاً الشخص الذى يؤمن على سيارته ضد الحريق فهذا الشخص هو الذى تعاقد مع شركة التأمين (طالب التأمين) وهو الذى يهدده خطر حريق سيارته (المؤمن له)، وهو الذى يتقاضى مبلغ التأمين من الشركة فى حالة احتراق سيارته (المستفيد).
غير أن هذه المصطلحات قد تتفرق بين أكثر من شخص كما فى التأمين على الحياة. فمثلاً يتعاقد شخص (طالب التأمين) مع المؤمن على التأمين على حياة زوجته (المؤمن عليه) لمصلحة أبنه (المستفيد). أو يؤمن الشخص على حياته (طالب التأمين والمؤمن له) لمصلحة وارثه (المستفيد). ففى هذه الحالة الأخير يجتمع للشخص مصطلحين هما : طالب التأمين والمؤمن له، أما مصطلح المستفيد فإنه يطلق على وارثه. كما يجوز أن يكون المؤمن له والمستفيد شخصاً واحداً وطالب التأمين شخص آخر، فمثلاً لو آمن المشترى بثمن مؤجل على الشئ الذى اشتراه – تأميناً شاملاً لكل الأخطار – لمصلحة البائع (*)، فإن المشترى فهذه الحالة يكون طالباً للتأمين والبائع يكون مؤمناً له ومستفيداً من التأمين يستحق مبلغ التأمين متى تحقق الخطر المؤمن منه.
وعقد التأمين كسائر العقود كما يجوز أن يبرمه المؤمن له أصالة عن نفسه يجوز – كذلك – أن يبرمه بواسطة نائب قانونى (كالولى أو الوصى أو القيم أو الحارس القضائى أو السنديك) أو اتفاقى (كالوكيل)، ومن ثم تطبق عليه الأحكام العامة فى النيابة فى التعاقد وينصرف أثر عقد التأمين مباشرة إلى الأصيل (المؤمن له) دون النائب.
كما يجوز أن يبرم عقد التأمين بطريق الفضالة متى توافرت شروطها فى القواعد العامة، كما لو أمن أمين النقل على البضاعة التى ينقلها لحساب الشاحن لتوافر أمر عاجل دفعه إلى ذلك، ففى ذلك ينصرف أثر عقد التأمين إلى صاحب البضاعة (الشاحن) مباشرة، وتخضع هذه الحالة إلى أحكام الوكالة فى العلاقة بين الفضولى (الناقل) ورب العمل (الشاحن) [المادة (190) مدنى ([7])]

المطلب الثانى : التراضى وجوده وصحته

82- نعلم أن التراضى هو قوام العقد فلا وجود للأخير إلا إذا وجد الأول. والتراضى، باعتباره تعبيراً عن الإرادة، فلابد أن يكون موجوداً وصحيحاً أى سليماً من العيوب.
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال النقاط التالية :

أولاً – وجود التراضى

83- عرفناً أن عقد التأمين من العقود الرضائية التى تنعقد بمجرد توافق إرادتين على إحداث أثر يرتبه القانون، وأن استلزام الكتابة للإثبات وليس للانعقاد. وبناء على ذلك فإنه يجب أن يكون التراضى موجوداً بأن يعبر القابل (المؤمن) عن إرادته على نحو يتوافق مع التعبير الصادر من طالب التأمين ويتطابق معه. ومتى تطابق القبول مع الإيجاب فإن عقد التأمين ينعقد دون الحاجة إلى إى إجراء آخر وفقاً لما تقضى به أحكام التقنين المدنى ([8]).
غير أن ذاتية التأمين وتنوع شروط عقده وبياناته تجعل طرفيه، فى أغلب الأحيان، يعلقان تمامه على التوقيع على وثيقة التأمين من كليهما (المؤمن والمؤمن له)، وقد يشترطان عدم انعقاد العقد إلا إذا دفع المؤمن له القسط الأول من أقساط التأمين، وبناء على ذلك فإن العقد لا ينعقد إلا إذا تم التوقيع على تلك الوثيقة ودفع هذا القسط ([9]).

ثانيا- صحة التراضى

84- نعلم أنه لا وجود للتراضى إلا بالتعبير عن الإرادة – إيجاباً وقبولاً – فإذا تم هذا التعبير فقد تحقق ذاك الوجود، إلا أنه قد يأتى غير صحيح بأن يكون التعبير قد صدر عن غير ذى أهلية لإبرام العقد أو يكون قد لحق بالإرادة التى تم التعبير عنها عيباً كغلط أو تدليس أو إكراه.

1 – الأهليـة
لا جرم أنه لا يثور الحديث عن الأهلية إلا إذا كنا بصدد تصرفاً قانونياً (عقد أو إرادة منفردة)، حيث أن إبرام مثل هذا التصرف يتطلب دراجة من الأهلية تتناسب مع نوع المحل فيه، فإذا كان من أعمال التصرف وجب أن يكون مبرمه كامل الأهلية أو أن يكون عمل الإدارة يقتضيه، أما إذا كان محله من أعمال الإدارة فإنه يجوز للقاصر والمحجور عليه المأذون له فى إدارة أمواله إبرامه.
ونعرض للحديث عن الأهلية بالنسبة لطرفى عقد التأمين – المؤمن والمؤمن له – على النحو التالى :

أ- أهلية المؤمن
المؤمن، باعتباره شركة مساهمة أو جمعية تأمين تبادلية، فلا محل للكلام عن الأهلية بالنسبة له متى كان قد اكتسب الشخصية القانونية وطالما أن الشخص الذى قام بإبرام عقد التأمين مع المؤمن له هو الممثل القانونى للشخص المعنوى.

ب- أهلية المؤمن له
لا جناح أن عقد التأمين يعد من أعمال الإدارة، ومن ثم فإنه يجوز للبالغ الرشيد أن يبرمه، كما يجوز للقاصر أو المحجور عليه إذا كان مأذون له فى إدارة أمواله إبرام عقد التأمين.
أما القاصر أو المحجور عليه غير المأذون له فى الإدارة، فليس له إبرامه وإذا أبرمه كان قابلاً للإبطال لمصلحته، إلا إذا أجازه وليه أو أجازه هو عند بلوغه سن الرشد أو بعد الإذن له فى إدارة أمواله ([10]).
ويجوز – أيضاً – للولى والوصى والوكيل وكالة عامة أن يبرم هذا العقد، لأن هؤلاء له مباشرة أعمال الإدارة نيابة عن الأصيل ([11]).

2 – عيوب التراضى
لا جرم أنه قد يوجد التراضى من الشخص الذى له أهلية إبرام عقد التأمين، إلا أن رضاءه يأتى معيباً بأحد عيوب الإرادة، ومن ثم يسرى فى شأنه أحكام النظرية العامة للعقد.
فإذا وقع العاقد فى غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال، فإنه – طبقا للقواعد العامة – يكون له الحق فى التمسك بطلب إبطال عقد التأمين. غير أن ذاتية التأمين اقتضت استقلاله بأحكام خاصة تلقى على المؤمن له بالتزامات يجب عليه الوفاء بها وإلا تعرض للجزاء القانونى المترتب على الإخلال به، كالالتزام بالإدلاء بجميع البيانات والظروف التى من شأنها إعطاء المؤمن فكرة حقيقية وكاملة عن الخطر المؤمن منه.

المطلب الثالث : مراحل إبرام عقد التأمين

85– الأصل أن العقد ينعقد بمجرد اقتران القبول بالإيجاب على نحو يحدث أثراً قانونياً فى المعقود عليه. إلا أن ذاتية التأمين التى تقتضى إجراء حسابات دقيقة حول الخطر المؤمن منه واشتمال وثيقة التأمين على شروط وبيانات متنوعة، اقتضت أن يجرى فى الواقع العملى أن يمر إبرام عقد التأمين بمراحل متتالية.

أولاً – طلب التأمين

86- نوهنا – آنفاً – إلى أن التأمين يعرض ولا يطلب، ولذلك فإن المؤمن يسعى بواسطة وسطاء التأمين إلى الناس ليعرض عليهم فوائد التأمين ومزاياه، فإذا اقتنع شخص بما عرض عليه قدم الوسيط إليه نموذجاً مطبوعاً مدون فيه بعض الاستفسارات عن الخطر المراد التأمين ضده التى يجب على هذا الشخص تحرى الصدق والأمانة فى الإجابة عنها. بالإضافة إلى بيانات أخرى تتعلق بمقدار قسط وتاريخ الوفاء به ومبلغ التأمين الذى يتعهد دفعه المؤمن فى حالة تحقق الخطر المؤمن منه، متى كان هذا الخطر محدداً فى ذاك النموذج، كما يجرى عليه العمل فى سوق التأمين بالنسبة لتأمين على الحياة. عندئذ يقوم طالب التأمين باستيفاء بيانات هذا الطلب والتوقيع عليه وتسليمه للوسيط أو إرساله إلى المؤمن.

– القوة الإلزامية لطلب التأمين

هذا الطلب، بالرغم من أنه يتضمن البيانات التى يبرم على أساسها عقد التأمين، إلا أنه ليس له قوة إلزامية فهو لا يكون ملزماً لطالب التأمين، مع أنه موقعاً منه، ولا للمؤمن.
فبالنسبة إلى المؤمن، لا يمكن القول بأن النموذج المطبوع الذى قدمه وسيطه إلى الراغب فى التأمين ملزماً له. فهذا النموذج لا يعد من قبيل الإيجاب، حتى يقال أن توقيع طالب التأمين عليه يعد قبولاً له. إنما يعد من قبيل المفاوضات التى تسبق الجزم بالإيجاب الذى يصدر من طالب التأمين.
وبناء على ذلك فإنه يكون للمؤمن قبول طلب التأمين أو رفضه دون أدنى إلزام عليه ببيان أسباب هذا الرفض، أو بإعلان طالب التأمين به.
وبالنسبة لطالب التأمين فإن تقديم طلب التأمين مع الاستعلام عن مقدار القسط أو أى بيانات أخرى لا يعد من قبيل الإيجاب البات، وحتى لو كان إيجاباً باتاً لا يكون ملزماً له. لأن العمل جرى فى سوق التأمين على أن تقديم طلب التأمين لا يعد من قبيل الإيجاب الملزم ([12]).
وبناء على ذلك فإنه يجوز للمؤمن له إبرام العقد مع المؤمن، كما يجوز له الرجوع عن إيجابه متى تم ذلك قبل صدور القبول من الأخير. أما إذا كان هذا القبول قد صدر، فلا يجوز الرجوع فى الإيجاب، لأن عقد التأمين يكون قد انعقد متى جاء الأول مطابقاً لثانى.
وإن كان ما سبق ذكره يتعارض مع القاعدة العامة التى تقضى بإلزامية الإيجاب متى حدد ميعاداً للقبول أو استخلص هذا الميعاد من ظروف الحال أو طبيعة المعاملة [المادة (93) مدنى ([13])]، إلا أن هذا التعارض تقتضيه ذاتية التأمين ولا سيما ما جرى عليه العمل فى سوق التأمين من تعليق تمام العقد على التوقيع على وثيقة التأمين من طرفيه، فبالرغم من رضائية عقد التأمين إلا أنه لا يكفى لانعقاده – فى هذه الحالة – الإيجاب والقبول، بل يجب التوقيع على العقد ([14]).
وفى تقديرنا أنه لا يجب البحث فى القواعد العامة لتحديد طبيعة طلب التأمين ما إذا كان يعد إيجاباً أو قبولاً ملزماً أو غير ملزم، سواء أكان تضمن العناصر الأساسية للعقد أم كان من عدمه ([15])، بل يجب البحث عن ذلك فى الأحكام الخاصة بعقد التأمين وما جرى العرف التأمينى عليه فى الواقع العملى.

ثانياً – مذكرة التغطية المؤقتة

87- نوهنا – آنفاً – إلى أن طلب التأمين قد يعد منذ البداية إيجاباً باتاً من الشخص طالب التأمين. وقد يتحول من طلب إيضاح بعض المعلومات من المؤمن ويصل إلى مرحل الإيجاب البات. فإذا وصل هذا الطلب إلى هذه المرحلة، بأن كان مشتملاً عن العناصر الجوهرية فى عقد التأمين كتحديد مقدار القسط ومبلغ التأمين ومدته، كان حرى بالمؤمن أن ينظر فيه ويتخذ فى شأنه قراراً بالقبول أو بالرفض.
ولما كان إعداد وثيقة التأمين والتوقيع عليها من الأطراف يستغرق بعض الوقت، أو كان المؤمن يحتاج لبعض الوقت للبت بشكل قاطع فى قبوله لطلب التأمين أو رفضه. ففى الحالين يكون طالب التأمين (الموجب) بدون تغطية من الخطر الذى يهدده خلال هذه الفترة. لذلك جرى العمل على إمكانية الاتفاق بين طالب التأمين والمؤمن على توفير التغطية فى الفترة السابقة على إبرام عقد التأمين بشكل نهائى عن طريق مذكرة التغطية المؤقتة.
فهذه المذكرة تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائى يلزم كل طرف بما يجب عليه قبل الآخر مع الاحتفاظ بحق الإقالة إذا لم تسلم وثيقته قبل انقضاء الأجل المضروب ([16]).

– حالتان لمذكرة التغطية المؤقتة
88- اعتبرنا – آنفاً – أن هذه المذكرة تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائى يرتب التزامات على عاتق طرفيه ([17])، ومع ذلك فإنها لا تخرج عن الحالتين الآتيين ([18]):

الأولى – قبول المؤمن لطلب التأمين
ففى هذه الحالة يقبل المؤمن طلب التامين من طالبه. إلا أنه يكون فى حاجة إلى بعض الوقت لدارسة الأمر وإعداد وثيقة التأمين والتوقيع عليها من الأطراف، فيقدم لطالب التأمين تغطية تأمينية خلال فترة إعداد التعاقد النهائى على التأمين وذلك عن طريق تقديم مذكرة التغطية المؤقتة ([19]).

الثانية – عدم البت فى طلب التأمين من قبل المؤمن
فى هذه الحالة لا يكون المؤمن قد وصل إلى قرار بالقبول أو بالرفض لطلب التأمين، وأن الوصول إلى ذلك يحتاج إلى فترة زمنية لدراسة الخطر المؤمن منه ومدى إمكانية التأمين عليه بشكل نهائى. ولما كان كثرة عدد المؤمن لهم لدى المؤمن تحقق له فائدة كبرى، وأن التسرع فى قبول طلبات التأمين بدون دراسة متأنية تعرضه لخسارة فادحة، لذلك فإن المؤمن يعطى لنفسه مهلة للدراسة على أن يقدم لطالب التأمين تغطية خلال هذه الفترة فإذا انقضت دون تسليم وثيقة التأمين إلى طالبه يقيل كل منهما الآخر من التزاماته ([20]).

– شكل مذكرة التغطية المؤقتة
89- نعلم أن الأصل فى عقد التأمين – طبقاً لأحكام القانون المدنى – أنه رضائى، إلا أن ذلك لا يحول دون أن ينص تشريع أو يتفق الأطراف على صبه فى قالب شكلى معين. وهذا أيضاً ينصرف إلى هذه المذكرة التى يجرى العمل على أنه تكون مكتوبة وموقعة من المؤمن بما يفيد رضاءه بالتغطية المؤقتة. أما رضاء طالب التأمين فقد أفصح عنه فى الإيجاب الصادر منه فى شكل طلب التأمين الذى وقع عليه وقدمه إلى المؤمن.
بيد أنه لا يوجد شكل خاص للمذكرة المؤقتة، فأية ورقة مكتوبة وموقعة من المؤمن تتم به هذه المذكرة ولو كان خطاب عادى مرسل إلى طالب التأمين يفيد قبول المؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه مؤقتاً. ويبدأ سريان هذه التغطية من التاريخ المدون على هذه المذكرة أو من التاريخ المحدد بها لسريانه. وإذا تحقق الخطر المؤمن منه بعد هذا التاريخ وقبل نهاية مدة التغطية يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد ([21]).
وفى ضوء ذلك يتبين صدق ما ذهبنا إليه من أن مذكرة التغطية المؤقتة تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائى يحتفظ فيه طرفيه بحق الإقالة فى حالة عدم تسليم طالب التأمين الوثيقة التى تفيد التعاقد بشكل نهائى على تأمين المؤمن له من الخطر المؤمن منه. ولذلك يجب أن تتضمن هذه المذكرة البيانات الأساسية التى يتطلبها عقد التأمين ولا سيما نوعية الخطر ومبلغ التأمين ومقدار القسط ([22]).

ثالثاً – وثيقة التأمين

90- لا جرم أنه إذا بت المؤمن فى الإيجاب البات الموجه إليه من طالب التأمين بالقبول، فإنه يجب عليه إعداد وثيقة التأمين والتوقيع عليها وإرسالها إلى المؤمن له، وبناء على ذلك يتحول عقد التأمين الابتدائى الذى تضمنته مذكرة التغطية المؤقتة إلى تعاقد نهائى جرى العمل على أن يأتى فى صورة وثيقة.
ولا جناح أن توقيع المؤمن له على الوثيقة ليس أمراً ضرورياً، إلا إذا كان ذلك من شروط التعاقد النهائى، لأن توقيعه سبق وضعه على طلب التأمين الذى يمثل إيجابه البات الموجه إلى المؤمن.
بيد أنه يجب أن تتضمن الوثيقة بيانات أساسية تتعلق بالأطراف كالاسم والموطن ونوعية الخطر المؤمن منه وتحديد مبلغ التأمين ومقدار القسط.

– مهمة وثيقة التأمين
91- الوثيقة، باعتبارها الثوب الدائم الذى يرتديه عقد التأمين بعد تجريده من ثوبه المؤقت المتمثل فى مذكرة التغطية المؤقتة، فما هى مهمتها بالنسبة للتأمين ؟.
سبق القول أن عقد التأمين، فى أحكام القانون المدنى، عقد رضائى ومن ثم فإن اشتراط الكتابة فى وثيقة التأمين يكون للإثبات وليس للانعقاد. ومع أن المشروع التمهيدى لهذا القانون ([23]) كان يشترط لتمام العقد أن يتم التوقيع على وثيقة التأمين من أطرافه (المؤمن والمؤمن له). وبديهياً أن اشتراط ذلك يستلزم أن تكون هذه الوثيقة مكتوبة، لأن التوقيع (بالإمضاء أو بصمة الإصبع أو الختم) لا يكون إلا على مكتوب. وجرى العمل فى سوق التأمين على وجوب الكتابة لانعقاد عقد التأمين سواء أكان فى صورة مذكرة تغطية مؤقتة (الابتدائى) أو فى شكل وثيقة تأمين (النهائى). وعندئذ تصبح الكتابة لازمة للانعقاد وليس لمجرد الإثبات فقط، ولما كانت الوثيقة هى الشكل الذى يصب فيه عقد التأمين فإن كتابتها يكون ضرورية لانعقاد هذا العقد وليس لإثباته فقط ([24]).
وبالرغم من اشتراط الكتابة فى وثيقة التأمين، إلا أنه لا يشترط شكلاً خاصاً، فأية وسيلة تتحقق بها الكتابة يتوافر بها ذلك، فيجوز أن تكون مطبوعة أو مكتوبة على الآلة الكاتبة أو بخط اليد … الخ.

– بدء سريان التأمين
92- نوهنا – آنفاً – إلى أن مذكرة التأمين تعد بمثابة عقد تأمين ابتدائى وأن الوثيقة هى التعاقد النهائى للتأمين، وبناء على ذلك فإن سريان التأمين يبدأ من تاريخ هذه المذكرة، أو من تاريخ الوثيقة فى حالة عدم الاتفاق على تغطية مؤقتة، ما لم يحدد المتعاقدان وقت آخر لذلك. فمن تاريخ سريان التأمين يلتزم كل طرف بما وجب عليه قبل الآخر فطالب التأمين يوفى بالأقساط والمؤمن يتحمل تبعة الخطر المؤمن منه.

– تفسير وثيقة التأمين
93- عرفنا أن وثيقة التأمين تعد عقد التأمين المكتوب، وبذلك فهى تخضع للمبادئ العامة فى تفسير العقود ، ولما كان هذا العقد من عقود الإذعان فإنه يجوز لقاضى الموضوع أن يعدل من شروطه أو أن يعفى الطرف المذعن (المؤمن له) [المادة (149) مدنى ([25])]، ولا يجوز له أن يفسر العبارات الغامضة فيه على نحو ضار بهذا الطرف سواء أكان دائناً أم كان مديناً [الماد (151/1) مدنى ([26])] ([27]).

رابعاً – ملحق وثيقة التأمين

94– عرفنا أن المؤمن قد يكون فى حاجة لفترة زمنية لدراسة طلب التأمين (إيجاب طالب التأمين البات) وقد يقدم لطالب التأمين تغطية مؤقتة خلال هذه الفترة، فإذا ما قرر المؤمن قبول التأمين فإنه يجب عليه إعداد وثيقته وتسليمها إلى المؤمن له. غير أن الواقع العملى قد يكشف عن الحاجة إلى إجراء تعديل فى هذه الوثيقة، فيجرياه العاقدان بواسطة اتفاق يطلق عليه ملحق وثيقة التأمين.
فهذا الملحق يمكن تعريفه بأنه ” اتفاق العاقدان (المؤمن والمؤمن له) على تعديل وثيقة التأمين الأصلية (عقد التأمين) ويلحق بها “.

الشروط الواجب توافرها فى ملحق الوثيقة

فى ضوء هذا التعريف يتبين أنه يشترط فى ملحق وثيقة التأمين الشروط الآتية ([28]) :

1-أن تكون وثيقة التأمين الأصلية موجودة وقائمة : فإذا لم يكن هناك وثيقة أصلاً أو كانت موجودة لكنها انقضت قبل الاتفاق على تعديلها فلا نكون بصدد ملحقاً لوثيقة التأمين، بل نكون بصدد اتفاق على التأمين يجرى فى شأنه ما سبق ذكره من أحكام. غير أنه لا يشترط أن تكون الوثيقة الأصلية نافذة، فيجوز الاتفاق على إضافة ملحق لوثيقة موقوفة ويأخذ حكمها فيكون موقوفاً مثلها.

2-أن يتضمن الملحق الإضافى تعديلاً فى الوثيقة الأصلية : كالاتفاق على زيادة مبلغ التأمين أو مقدار القسط أو امتداد فترة التأمين أو سريان الوثيقة بعد أن كانت موقوفة … الخ.

3-أن يكون من مقتضيات إجراءه اتفاق الطرفين : أما إذا كان تعديل بعض شروط الوثيقة الأصلية تنفيذاً لحكم القانون وبناء على إرادة المؤمن له المنفردة دون الحاجة إلى قبول المؤمن لذلك فلا نكون بصدد ملحق لها. فمثلاً لو كانت الوثيقة موقوفة بسبب تأخر المؤمن له فى دفع قسط التأمين، فإن هذه الوثيقة تعود لسريان بمجرد دفع القسط المتأخر بحكم القانون دون الحاجة إلى قبول من المؤمن.

– آثار ملحق الوثيقة الأصلية
علمنا أن القصد من إضافة ملحق لوثيقة التأمين هو إجراء تعديل لبعض بنودها بالإضافة أو الحذف، وعندئذ فإن أثرها يكون مقصوراً على هذه البنود دون أن يتعدى إلى غيرها. ويبدأ سريان هذا التعديل من تاريخه ما لم يتفق على تاريخ لذلك. وإذا وقع تعارض بين الشروط التى جاءت بالمحلق وبين شروط الوثيقة الأصلية رجحت الأولى لأن اللاحق ينسخ من السابق ما يتعارض معه ([29]).
غير أنه يجب ملاحظة أن الملحق الذى تتوافر فيه الشروط – آنفة البيان – يصبح جزءً من الوثيقة الأصلية ويكونا معاً وحدة عضوية

المبحث الثانى : المحل فى عقد التأمين (المعقود عليه)

95- لا جرم أن عقد التأمين يخضع – باعتباره عقداً – فيما يتعلق بركنيه (السبب والمحل) إلى القواعد العامة فى نظرية العقد. غير أن ذاتية التأمين تتطلب أن نولى الدراسة شطر المسائل الخاصة به كالخطر المؤمن منه والقسط الذى يلتزم المؤمن له بدفعه إلى المؤمن ومبلغ التأمين الذى يلتزم المؤمن بأدائه للمؤمن له فى حالة تحقق الخطر المؤمن منه والمصلحة المشروعة للمؤمن له فى عدم وقوع الخطر المؤمن منه.
ونتناول دراسة ذلك فيما هو آتٍ من مطالب :
المطلب الأول – الخطر المؤمن منه.
المطلب الثانى – قسط التأمين.
المطلب الثالث – مبلغ التأمين.
المطلب الرابع – المصلحة فى التأمين.

المطلب الأول : الخطر المؤمن منه

96- لا جناح أن الخطر يعد العنصر الأساسى فى التأمين، حيث أن التأمين لم يوجد أصلاً إلا لبث الطمأنينة فى نفس المؤمن وإزاحة شبح تحقق هذا الخطر عنه.
وبالإضافة إلى ذلك فإن التأمين يعمل على نقل الآثار المالية المترتبة على تحقق الخطر المؤمن منه إلى عاتق المؤمن الذى يتحمل تبعته ورأب الصدع الذى يحدثه ذلك فى الذمة المالية للمؤمن له من خلال مجموع الأقساط التى يحصل عليها من جماعة المؤمن لهم، حيث أن تحقق هذا الخطر يلزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين إلى المؤمن له.
ولا غرو أن ترتبط عناصر التأمين الأخرى (قسط التأمين ومبلغ التأمين) بالخطر ارتباطاً وثيقاً، حيث يترتب على تحديد نوعيته بيان قيمة القسط وتقدير مبلغ التأمين ([30]).

ماهية الخطر (الواقعة) المؤمن منه

لا جرم أن هذا الخطر يصنف تحت مصنف العلوم الإنسانية التى تظل محلاً لاختلاف الأفهام حول تحديد مدلولها وتسمع لكل صاحب فكر بالإدلاء بدلوه فى هذا المجال. ولذلك تتعدد التعريفات الفقهية للخطر ([31]).
بيد أن هذا التعدد هو الذى سهل لنا الإدلاء بدلونا فى هذا المجال حيث يمكن تعريف الخطر بأنه “هو أمر مستقبل محتمـل لا يتوقف تحققه على محض إرادة أحد طرفى عقد التأمين “([32]).
غير أنه يجب ملاحظة أن للخطر فى التأمين معنى خاص قد لا يتفق مع المعنى اللغوى للفظة ” الخطر ” ولا مع المعنى الاصطلاحى لها فى القانون. فالمعنى الخاص له قد يقصد به ضراء كحوادث الحريق والطريق والوفاة وقد يقصد به سراء كوقائع الميلاد والزواج ([33]).
وفى تقديرنا أنه يجب استخدام عبارة ( الواقعة المؤمن منها) بدلاً عن عبارة (الخطر المؤمن منه)، أى إحلال لفظة الواقعة محل لفظة الخطر. لأن اللفظة الأولى أكثر دلالة على المجالات التى يغطيها التأمين، حيث أن مجال تغطيته لا يقف عند الخطر الذى يمثل الضراء فقط بل أضحت تمتد إلى الواقعة التى تعد من قبيل السراء. ولذلك تكون لفظة واقعة أكثر دلالة على الأمرين معاً (الضراء والسراء).
ونستعرض من خلال الفرعين التاليين بيان شروط الخطر وأنواعـه:
الفرع الأول – شروط الخطر المؤمن منه.
الفرع الثانى – أنواع الخطر المؤمن منه.
الفرع الثالث – تحديد الخطر المؤمن منه.

الفرع الأول : شروط الخطر المؤمن منه

97- نوهنا إلى أن الخطر المؤمن منه يعد بمثابة ركن المحل فى عقد التأمين ولذلك يجب أن تتوافر فى هذا الخطر الشروط التالية:

الشرط الأول– أن يكون الخطر أمراً محتملاً غير محقق الوقوع:

يشترط فى الخطر المؤمن منه، باعتباره محلاً لعقد التأمين، أن يكون أمراً محتملاً، إى غير محقق الوقوع. لأن فكرة الاحتمال هى جوهر العقود الاحتمالية التى منها هذا العقد.
بيد أن الخطر يكون غير محقق الوقوع على إحدى صورتين هما :
الأولى– الخطر محتمل من حيث حقيقة وقوعه : أى أنه غير محتم الوقوع، كالتأمين ضد الحريق أو السرقة أو المسئولية أو الإصابات، فأمر وقوع هذا الخطر مشكوك فيه فقد يقع وقد لا يقع.
الثانية– الخطر محتمل من حيث وقت وقوعه : هذا الخطر ليس محتملاً من حيث الوقوع بل سيقع لا محالة ولكن وقت وقوعه غير معروف. كالتأمين على الحياة ، فخطر الموت محقق الوقوع لكن وقته غير معروف، فاحتمالية هذا الخطر من حيث وقت الوقوع وليس الوقوع نفسه لأنه أمر محتم.
غير أنه يجب ملاحظة الفارق بين احتمالية الوقوع واستحالته. فالخطر المؤمن منه يجب أن يكون محتملاً، وفى نفس الوقت يجب ألا يكون مستحيلاً، لأنه محل عقد التأمين والذى يجب أن يكون ممكناً فلو كان مستحيل الوقوع وقع العقد باطلاً لاستحالة محله [المادة (132) مدنى ([34])]. فمثلاً لو أمن شخص على سيارته ضد كل الأخطار، ثم تبين أن هذه السيارة كانت قد هلكت كلية قبل إبرام العقد، فهذا العقد يكون باطلاً لانعدام المحل. إذ أن هلاك الشئ قبل التأمين عليه يجعل تحقق الخطر مستحيلاً فينعدم المحل فيبطل العقد.
واحتمالية الخطر المؤمن منه تقتضى ألا يكون قد تحقق فعلاً أو زال قبل إبرام عقد التأمين ([35])، لأن الخطر فى الحالين (التحقق والزوال) يعد مستحيلاً وليس محتملاً. كما لو أمن شخص على منزل ضد الحريق وكان المنزل قد احترق فعلاً قبل التأمين، ففى ذلك يكون الخطر الذى يتهدد المؤمن له قد تحقق فعلاً وليس محتمل الوقوع. كما لو أمن شاحن على البضاعة المنقولة براً ضد مخاطر الطريق ثم تبين أن هذه البضاعة وصلت فعلاً إلى مخازن الشاحن قبل إبرام عقد التأمين فإن وصول البضاعة – فى هذه الحالة – يعنى استحالة تعرضها لخطر الطريق المؤمن منه لأنها وصلت فعلاً، والعقد يبطل بصرف النظر عن علم المؤمن أو عدم علمه.
واحتمالية الخطر تفترض أنه يجب أن يكون مستقبلاً، فالحادث الذى يقع فى الماضى لا يمكن أن يكون احتمالياً وإنما يكون محققاً.

الشرط الثانى– عدم تعلق تحقق الخطر على محض إرادة أحد طرفى العقد :

يجب، فوق كون الخطر محتملاً، أن يكون تحققه غير معلق على محض إرادة أحد طرفى عقد التأمين. لأن ذلك يتنافى مع فكرة احتمالية الخطر. فإذا كان تحققه يتوقف على إرادة المؤمن له فإن عنصر الاحتمال ينتفى، بل تصبح الحادثة مؤكدة بالنسبة له فالخطر يتحقق بمحض مشيئته، وقد يغريه مبلغ التأمين، إذا ما كان مستفيداً، إلى العمل على تحقق الخطر المؤمن منـه ([36]).
أما إذا كان تحقق الخطر متوقف إرادة المؤمن، وهذا لا يقع فى العمل، لأنه سوف يسعى إلى عدم تحقق الخطر، فالخطر المؤمن منه – فى هذه الحالة – يصبح عدم تحققه مؤكداً، وعندئذ سوف يحصل المؤمن على الأقساط دون أن يقابل ذلك ضمان خطر ما يكون محلاً لعقد التأمين، لأن عدم وقوعه مؤكد ([37]).
والخطر الذى يكون تحققه وعدم تحققه متوقف على محض مشيئة أحد طرفيه يتعارض مع الفكرة الأساسية، التى يقوم عليها عقد التأمين، وهى الاحتمالية. وعندئذ يقع هذا العقد باطلاً لعدم توافر أحد أركانه وهو المحل.
غير أنه يجب ملاحظة أن العقد يوصف بالبطلان عندما تكون إرادة الطرف هى التى استقلت فى تحقق الخطر دون مساهمة من عوامل خارجية (كفعل الطبيعة أو المصادفة أو إرادة الغير). أما إذا كان الدور الذى ساهمت به الإرادة فى تحقق الخطر مع العامل الخارجى دور ثانوى، كمن يؤمن نفسه من مسئوليته المدنية عن الأضرار التى تحدث للغير، فإذا وقع منه خطأ غير عمدى أدى لقيام مسئوليته الشخصية، فمثل هذا لا يبطل عقد التأمين لأنه وإن كانت لإرادة المؤمن له دور فى تحقق الخطر المؤمن منه إلا أنه دور لم يعتد به القانون لمساهمة عوامل خارجية فى ذلك.
بيد أنه يجب ملاحظة الفارق بين تعلق تحقق الخطر على محض مشيئة الطرف وبين تعمد المؤمن له تحقيق هذا الخطر للحصول على مبلغ التأمين. فالأول يؤدى إلى بطلان العقد – كما بينا آنفاً – أما الأخير يترتب عليه سقوط الحق فى مبلغ التأمين، لأن إرادة المؤمن له هى السـبب فى تحقق الخطر، وليس عاملاً خارجياً كالصدفة والاحتمال.

التأمين و الخطأ العمدى

لا جرم أنه يجب التفرقة، فى شأن الخطأ العمدى، بين الحالة التى يترتب بطلان عقد التأمين وبين التى يترتب عليها سقوط حق المؤمن له فى مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، وذلك على النحو التالى:

الأولى– الخطأ العمدى الذى يبطل عقد التأمين أو أحد شروطه : كأن يطلب شخص من المؤمن التأمين من أخطائه العمدية. وهذه الأخطاء – غالباً – تشكل جرائم لمخالفتها لأحكام القانون الجنائى. فإذا كان الخطأ العمدى يمثل جناية أو جنحة وكان التأمين عليه جاء فى صورة شرط فى العقد (وثيقة التأمين) فإن هذا الشرط يبطل [المادة (750/1) مدنى ([38])] وتبقى باقى شروط التأمين منتجة لآثارها الأخرى، متى كان العقد قابلاً للتجزئة. أما إذا كان غير قابل لذلك فإن العقد يقع باطلاً جملة وتفصيلاً [المادة (143) مدنى ([39])]. ويبطل – كذلك – إذا كان ضمان مثل هذه الأخطاء يمثل المحـل، باعتباره ركناً فى العقد، لمخالفة النظام العـام ([40]).
أما إذا كان الخطأ العمدى يشكل مخالفة فإنه يجوز التأمين منه. وإذا ورد فى وثيقة التأمين شرط يقضى بسقوط الحق لمجرد مخالفـة القوانين واللوائح. فإن التأمين يظل صحيحاً ويبطل هذا الشرط بحكم القانون [المادة (750/1) مدنى] ([41]).
ويجوز التأمين – كذلك – من الخطأ العمد الذى يقع من الغير – أياً كان درجته ومداه – حتى لو كان تابعاً للمؤمن له [المادة (769) مدنى ([42])]. لأن علاقة التبعية لا تجعل من خطأ التابع بمثابة خطأً للمتبوع المؤمن له نفسه، فلكل منهما إرادته المستقلة، إلا إذا كان ارتكاب التابع للخطأ العمد كان بتحريض من المؤمن له ذاته.

الثانية– الخطأ العمدى الذى يسقط الحق فى مبلغ التأمين : كأن يؤمن شخص ضد أحد الأخطار التى يجوز التأمين عليها. إلا أنه ارتكب خطأً عمدياً أدى إلى تحقق الخطر المؤمن منه. كالتأمين ضد حريق منزله ويضرم النار فيه أو يؤمن على حياته أو حياة شخص آخر ثم ينتحر أو يقتل هذا الشخص. ففى هاتين الحالتين وأمثالها يسقط حق المؤمن له فى مبلغ التأمين وتبرأ منه ذمة المؤمن. إلا أنه لا يؤد إلى بطلان عقد التأمين، إذ يظل على عاتق المؤمن تبعة الخطر المؤمن منه.
غير أنه يجب ملاحظة أنه إذا كان الخطأ العمدى قد وقع من طالب التأمين أو من المؤمن له وكان المستفيد من التأمين شخص آخر من الغير. فإن مثل هذا الخطأ لا أثر له على حق المستفيد (الغير) فى مبلغ التأمين ولا تبرأ ذمة المؤمن إلا بالوفاء به إليه. وهذا يستفاد ضمنياً من الأحكام الواردة فى [المادتين (756-757) مدنى]. فمثلاً فى التأمين الإجبارى من حوادث السيارات يظل للمضرور حق مباشر فى مواجهة المؤمن تحميه دعوى مباشرة فى المطالبة بالتعويض حتى لو كان المؤمن له قد تعمد إحداث هذا الضرر.
كما يجوز أن يتقاضى المؤمن له مبلغ التأمين من المؤمن بالرغم من ارتكابه خطأً عمدياً متى كان ارتكابه لذلك أداءً لواجب أو حمايةً لمصلحة العامة، كأن يعرض حياته المؤمن عليه للموت إنقاذاً لغيره من خطر داهم كغرق أو حريق …الخ أو قيامه بإتلاف بعض المنقولات المؤمن عليها لمنع امتداد الحريق إلى غيرها، كمن يجاهد بنفسه دفاعاً عن وطنه.
ولا جناح أنه إذا نحينا الخطأ العمد بصفاته – آنفة البيان – فإن أى خطأ آخر أياً كان نوعه وأياً كانت درجته، فإنه يجوز أن يكون محلاً للتأمين وهذا ما قررته [المادة (768) مدنى ([43])].

الشرط الثالث– أن يكون الخطر مشروعاً :

يلزم لكى يكون الخطر محلاً لعقد التأمين، فوق كونه محتملاً وغير متوقف تحققه على محض مشيئة أحد أطراف العقد، أن يكون مشـروعاً. بمعنى ألا يكون الخطر المؤمن منه مخالفاً للنظام العام والآداب. والسبب فى ذلك أن الخطر يعد بمثابة محلاً لعقد التأمين الذى يخضع لأحكام القانون المدنى التى تقتضى أن يكون المحل مشروعاً وإلا وقع العقد باطلاً [المادة (135) مدنى ([44])]. ولذلك اشترط المشرع صراحة أن تكون المصلحة المؤمن عليها مصلحة اقتصادية مشروعة [المادة (749) مدنى ([45])].
وفى ضوء ما سبق يتبين أنه لا يجوز التأمين ضد خطر المطالبة بالغرامة المالية التى تحكم بها على الشخص ولا التأمين على الحكم الجنائى بالمصادرة. لأن التأمين ضد أية منهما يخالف مبدأ شخصية العقوبة الجنائية.
ولا يجوز التأمين على الاتجار فى المواد المخدرة أو الاتجار فى الأعضاء البشرية أو التأمين على أماكن اللهو والميسر والدعارة والمقامرة ضد أعمال الضبط والتفتيش الذى تقوم به السلطة العامة فالخطر فى هذه الحالات غير مشروع ومن ثم لا يجوز التأمين عليه وإلا وقع العقد باطلاً لمخالفة محلة للنظام العام والآداب ([46]).

الفرع الثانى : قياس احتمالية تحقق الخطر

98- ألفينا أن احتمالية الخطر المؤمن منه عنصراً أساسياً لقيام التأمين، بمعنى أنه يجب أن يكون الخطر محتملاً لا مؤكداً ولا مستحيلاً. وإذا كان هذا هو شأنه فكيف يتم قياسه ؟.
لا جرم أن العلوم الرياضية توفر للمؤمن إمكانية قياس الاحتمالات، ولا سيما فى ظل قانون الكثرة. وذلك عن طريق استخدام علم الإحصاء فى إحصاء عدد مرات وقوع حادثة معينة تخضع فى حدوثها، فى مكان وزمان معينين، إلى الصدفة البحتة. وإن كان هذا القياس تقريبياً إلا أنه أقرب ما يكون إلى الحقيقة. فمثلاً إذا كان من الصعب معرفة تاريخ وفاة شخص مؤمن على حياته، إلا أنه يمكن معرفة نسبة الوفيات بين سكان منطقة محددة خلال فترة زمنية معينة وذلك عن طريق علم الإحصاء ([1]).

عوامل قياس احتمالية تحقق الخطر

99- لا جرم أنه إذا كان احتمالية تحقق الخطر المؤمن منه تخضع للقياس فإن دقة ذلك تتوقف على العوامل التالية :

العامل الأول – اتساع دائرة عملية القياس :
لا جناح أنه لكى نصل إلى دقة فى إمكانية تحقق الخطر المؤمن منه، يجب أن تتسع دائرة إجراء العملية الإحصائية من حيث المكان (أفقياً) بأن تشمل منطقة جغرافية كبيرة، ومن حيث الزمان (رأسياً) بأن تجرى تتابعاً فى فترات زمنية متلاحقة.

العامل الثانى – انتظام تحقق الخطر :
يلزم لدقة قياس الخطر المحتمل، فوق كون دائرة القياس متسعة أفقياً ورأسياً، أن يكون تحقق الخطر أمراً منتظماً بشكل دورى على وجه العموم، أى ألا يكون نادراً. لأن تكرار تحقق الخطر يساعد بدرجة كبيرة فى صحة الدراسة الإحصائية ومطابقتها للواقـع.

العامل الثالث – تجانس الأخطار محل القياس :
يجب، فوق اتساع عملية القياس وانتظام تحقق الخطر، أن توجد حالة من التجانس والتماثل بين درجات الخطر الذى يجرى قياس نسبة تحققه، فمثلاً التأمين ضد الحريق ينصف تأمينياً نوعاً واحداً إلا أن الأشياء التى تتعرض لخطره متعددة، كالمنازل والسيارات والبضائع والحاصلات الزراعية …… الخ.

الفرع الثالث : أنواع الخطر المؤمن منه

100- لا جرم أنه إذا توافرت الشروط – آنفة البيان – فى الخطر أضحى محلاً لعقد التأمين. ومع ذلك فإنه متعدد الأنواع تبعاً للزاوية التى ينظر منها إليه، فمن زاوية الثبات يتنوع الخطر إلى ثابت ومتغير ومن حيث التعيين يكون الخطر معيناً وغير معين.

أولاً – الخطر من حيث الثبات

101- لا جرم انه لا ينظر إلى الخطر المؤمن منه من زاوية القيم المالية للقسط أو مبلغ التأمين. إنما ينظر إليه من ناحية احتمالية تحققه خلال مدة التأمين وفقاً لما تشير إليه الدراسات الإحصائية، فمن هذه الناحية فقد يكون الخطر ثابتاً أو متغيراً.

1- الخطر الثابت
لا جناح أن الخطر يكون ثابتاً متى كانت ظروف تحققه ودرجة احتمال وقوعه ثابتة غير متغيرة خلال مدة التأمين التى تقدر بوحدة زمنية معينة – فى الغالب – مدة سنة.
ولا يغير من نعت هذا الخطر بهذا الوصف كون الثبات نسبياً فقد يطرأ عليه تغيرات وقتية أو عارضة. فكل خطر مهما قيل عن نسبة ثباته إلا أنه قد تتغير درجة احتمال وقوعه من وقت لآخر. ولكى ينعت بوصف الثبات يجب أن يكون ثابتاً خلال فترة غير قصيرة ([2]). فمثلاً التأمين من الأضرار (الحريق أو السرقة أو المسئولية …الخ) يعد – فى الغالب – تأمين من خطر ثابت، فهذه المخاطر وإن كانت يزداد وقوعها خلال بعض فصول السنة، ككثرة الحرائق فى فصل الصيف وحوادث السيارات فى فترة الانتقال من فصل إلى آخر والسرقات فى فصل الشتاء، إلا أن الدراسة الإحصائية تشير إلى عدم التفاوت الكبير بين سنة وأخرى، ولذلك تعد من قبيل المخاطر الثابتة.

2- الخطر المتغير
الخطر يكون متغيراً متى كانت الدراسات الإحصائية تشير إلى أن احتمالية تحققه خلال مدة التعاقد متغيرة تصاعدياً أو تنازلياً. فمثلاً التأمين على الأشخاص وبصفة خاصة التأمين على الحياة لحال الوفاة، وإن كانت كل نفس – صغيرة كانت أو كبيرة – ذائقة الموت متى انتهى أجلها ([3])، إلا أن الدراسات الإحصائية تشير إلى نسبة تحققه فى الأعمار المتأخر أكبر من الأعمار المبكرة. ومن ثم فإن تحقق خطر الموت يعد من قبيل الخطر المتغير تغيراً تصـاعدياً.
أما الخطر المتغير تغيراً تنازلياً فهو التأمين على الحياة لحال البقاء، وهو أن يؤمن الشخص على حياته إن بقى حياً بعد سن معينة ولو تكن الستين عاماً، فمثلاً، فإذا عاش هذا الشخص بعد هذا السن استحق مبلغ التأمين ([4]).

– أهمية تقسيم الخطر من حيث الثبات

102- لا غرو أن يكون التمييز بين الخطر الثابت والخطر المتغير أهمية بالنسبة لتحديد مقدار قسط التأمين الذى يلتزم المؤمن بدفعه للمؤمن فى مقابل تحمله تبعة تغطية الخطر المؤمن منه. فثبات الخطر يترتب عليه ثبات مقدار هذا القسط. والمفروض أن تغير الخطر يؤدى إلى تغير هذا المقدار، إلا أن المؤمن، نظراً للتنافسية فى سوق التأمين والرغبة فى زيادة عدد المؤمن لهم لديه، يجعل مقدار القسط بالنسبة للخطر المتغير ثابتاً كذلك، على أن يحتفظ باحتياطيات مالية لمواجهة الأخطار المتغيرة.

ثانياً – الخطر من حيث التعيين

103- لا جرم أن تقسيم الخطر من زاوية التعيين لا يتعلق بالقيم المالية كمقدار القسط أو مبلغ التأمين، بل يتعلق بالمحل الذى يهدده الخطر فقد يكون معيناً وقد غير متعين.

1- الخطر المعين :
نعلم أن الخطر المؤمن منه هو أمر محتمل يلحق بالشخص أو بالشىء المؤمن عليه إذا تحقق. والخطر يكون معيناً متى كان المحل المؤمن عليه – شخصاً كان أو شيئاً ـ معيناً فى وقت إبرام عقد التأمين. فالشخص الذى يؤمن على حياته أو حياة غيره أو الذى يؤمن على منزله من الحريق أو بضاعته من التلف، فالخطر فى هذه الحالات وأمثالها يعد خطراً معيناً لأن الشخص المؤمن على حياته والمنزل المؤمن ضد حريقه والبضاعة المؤمن ضد تلفها معلومة ومحددة فى وقت التأمين عليها.

2- الخطر غير المعين :
يكون الخطر غير معينٍ متى كان المحل المؤمن عليه غير معين فى وقت التعاقد على التأمين، بمعنى أن تعين هذا المحل يكون فى وقت تحقق الخطر. فمثلاً التأمين من المسئولية عن حوادث السيارات فهو تأمين على خطر غير معين، حيث أن التأمين ليس ضد حادث معين بالذات وإنما ضدى أى حادث وعليه فإن الخطر لا يتحدد إلا عند تحققه.

– أهمية تقسيم الخطر من حيث التعيين

104- لا ريب فى أن للتمييز بين الخطر المعين والخطر غير المعين أهمية تظهر عند تحديد مقدار مبلغ التأمين الذى يلتزم المؤمن أداءه عند تحقق الخطر. فالخطر المعين يحقق للمؤمن العلم بحجم هذا الالتزام فى وقت التأمين، ففى التأمين على الأشياء، يكون الشئ المؤمن عليه معيناً فى وقت التعاقد – كمنزل أو سيارة أو بضاعة …الخ – ومقدار مبلغ التأمين يتحدد بقيمة الشئ المؤمن عليه أو بأقل منه متى تم الاتفاق على حد أقصى لضمان المؤمن. وفى التأمين على الأشخاص يجوز تحديد المبلغ الذى يلتزم المؤمن بأدائه عند تحقق الخطر المؤمن منه.
أما فى الخطر غير المعين فالوضعية تختلف، إذ لا يمكن الوقوف على حجم التزام المؤمن فى وقت التعاقد. ولذلك يصح أن يكون مقدار مبلغ التأمين غير محدد فى هذا الوقت على أن يكون محدداً فى وقت الوفاء به. فيلتزم المؤمن بتعويض المؤمن له تعويضاً كاملاً عن مسئوليته عن كل حادث يقع خلال فترة التأمين، ما لم يكن الأطراف قد اتفقوا على حد أقصى لالتزام المؤمن ([5]).

الفرع الثالث : تحديد الخطر المؤمن منه

105- عرفنا – آنفاً – أن الخطر المؤمن منه هو المعقود عليه (المحل) فى عقد التأمين، ولذلك يجب أن يكون محدداً تحديداً نافياً للجهالة. وقد يتفق الطرفان فى عقد التأمين على خطر معين ومع ذلك يستبعدا بعض عناصره من نطاق ضمان المؤمن، فيجب أن يكون هذا الاستبعاد وضحاً ومحدداً حتى يعلم المؤمن له متى يكون له الحق فى مطالبة المؤمن بمبلغ التأمين ومتى لا يكون له ذلك.
ونعلم – أيضاً – أن عقد التأمين من عقود الإذعان التى يجب على الطرف المذعن (المؤمن له ) قبولها بالكلية أو رفضها بالكلية فليس له الحرية فى مناقشة شروطها، وحماية للمؤمن له (المذعَن) من الشروط المجحفة به أبطل المشرع بعض الشروط وجعل حكم بطلانها متعلق بالنظام العام، أى لا يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفتها وإذا تم ذلك وقع باطلاً.
ونتناول فيما هو آتٍ من نقاط بيان كيفية تحديد الخطر المؤمن منه، واستثناء بعض عناصر الخطر من نطاق ضمان المؤمن، وأخيراً الشروط التى أبطلها المشرع لمخالفتها للنظام العام.

أولاً – كيفية تحديد الخطر المؤمن منه

106- ألفينا أن الخطر يعد عنصراً جوهرياً فى عقد التأمين، وأنه من الأهمية بمكان بالنسبة للمؤمن والمؤمن له على حدٍ سواء، ولذلك يجب أن يكون الخطر أو الأخطار المؤمن منها محدداً تحديداً نافياً للجهالة بالنسبة لطرفى العقد.
ولا جرم أنه للعاقدين الحرية فى تحديد الخطر المؤمن منه بتحديد طبيعته والمحل الذى يتعرض له، شريطة ألا ينطوى على مخالفة للنظام العام والآداب. فمثلاً فى التأمين من الحريق فإن طبيعة الخطر المؤمن منه هو الحريق وأن محله هو الشئ الذى من المحتمل أن يحترق فقد يكون منزلاً أو سيارة أو بضاعة أو أى شئ آخر يكون المؤمن قد أمن عليه ضد الحريق.
غير أنه لا يوجد ما يمنع من أن تتعدد طبيعة الخطر المؤمن منه مع تفرد المحل (الشىء)، فقد يكون المحل المؤمن عليه هو سيارة – مثلاً – مؤمن عليها ضد السرقة والحريق والتلف والمسئولية… الخ أو يكون التأمين ضد كافة الأخطار.
والخطر كما يتحدد بطبيعته ومحله يتحدد– كذلك – بسببه، ويقصد بالسبب هنا هو سبب تحقق الخطر، فإذا كانت طبيعته هى الحريق فإن أسباب نشوبه متعددة كتماس الأسلاك الكهربائية (ماس كهربائى) أو امتداد النيران من مكان مجاور أو عيب فى الشئ المؤمن عليه ذاته …الخ. وإذا كانت طبيعة الخطر المؤمن منه هو الموت فى التأمين على الحياة، فإن أسبابه متعددة كالمرض أو الغرق أو الحريق … الخ.
وتحديد الخطر المؤمن منه بسببه كما يكون إيجابياً (الاستيعاب) كما فى الأمثلة – آنفة الذكر – حيث أن المؤمن لا يتحمل تبعة تحقق الخطر إلا إذا كان ناجماً عن السبب المحدد. يكون سلبياً (الاستبعاد) بأن يستبعد المؤمن بعض أسباب تحقق الخطر من نطاق ضمانه، كأن يتحمل المؤمن تبعة تحقق خطر الحريق إلا ما ينشأ عن الصواعق أو الزلازل أو الحروب ([6]).
بيد أن استبعاد بعض أسباب تحقق الخطر من نطاق ضمان المؤمن يجب أن يكون محدداً تحديداً دقيقاً ولا يكون كذلك إلا إذا كان محل شرط خاص ظاهر فى وثيقة التأمين أو ما يقوم مقامها كمذكرة التغطية المؤقتة أو ما يلحقها من كملحق لها. والاستبعاد الذى لا يكون محل شرط خاص وظاهر لا يعتد به.

ثانياً – شروط مخالفة للنظام العام فى تحديد الخطر

107 – لا جرم أن الواقع العملى فى سوق التأمين أفرز بعض الشروط درج المؤمن على أن يضمنها عقد التأمين. ولما كانت طبيعة الإذعان فى هذا العقد تحول بين المؤمن له وبين مناقشتها. فإن المشرع عمد عند وضع أحكام هذا العقد إلى النص على بطلانها لمخالفتها النظام العام. لأن مثل هذه الشروط كلها تنص على سقوط حق المؤمن له فى مبلغ التأمين [المادة (750) مدنى ([7])] وهذه الشروط هى :

1- شروط سقوط حق المؤمن له فى مبلغ التأمين بالأسباب التالية :
-مخالفة المؤمن له للقوانين واللوائح إلا إذا انطوت هذه المخالفة على جناية أو جنحة [المادة (750/1) مدنى].
– تأخر المؤمن له فى إعلان السلطات العامة بوقوع الحادث المؤمن منه أو فى تقديم المستندات إلا إذا تبين أن التأخير كان لعذر مقبول [المادة (750/2) مدنى].

2- الشروط التى ترد بالوثيقة وتكون غير واضحة [المادة (750/3-4) مدنى كالآتى :
– كل شرط غير ظاهر ويؤدى إلى البطلان أو السقوط.
– شرط التحكيم الذى لم يرد فى صورة اتفاق خاص منفصل عن الشروط العامة الواردة بالوثيقة.

3- كل شرط تعسفى آخر يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر فى تحقق الخطر المؤمن منه [المادة (750/5) مدنى].

المطلب الثانى : قسط التأمين

108- لا جرم أن قسط التأمين يعد محل التزام المؤمن له، أى هو الأداء الذى يلتزم بموجب عقد التأمين أداءه للمؤمن فى مقابل تحمل الأخير تبعة تحقق الخطر المؤمن منه.
ويمكن تعريف قسط التأمين بأنه ” هو مبلغ من المال يلتزم المؤمن له بدفعه للمؤمن كمقابل لتحمله تبعة تحقق الخطر المؤمن منه ” ([8]).
ففى ضوء هذا التعريف يتضح أن القسط فى عقد التأمين كالثمن فى عقد البيع والأجرة فى عقد الإيجار. لأنه يعد مقابلاً مالياً للتأمين الذى يقدمه المؤمن للمؤمن له. وهو الذى يجعل عقد التأمين من عقود المعاوضة التى ترتب التزامات متبادلة فى ذمة طرفيها.

الارتباط الوثيق بين القسط و الخطر

109- ولا جرم أنه توجد علاقة وطيدة بين قسط التأمين والخطر المؤمن منه، فمن خلال الدراسة الإحصائية والبيانات التى يدلى بها المؤمن له عن هذا الخطر يستطيع المؤمن حساب مقدار القسط. وإذا تغير الخطر زيادة أو نقصاً تغير تبعاً له القسط طبقاً لمبدأ نسبية القسط للخطر. فكما أنه لا تأمين بلا خطر يضمنه المؤمن فإنه لا تأمين بلا مقابل مالى يدفعه المؤمن له، فكلاهما يكونان وجهى العملية التأمينية ([9]).
والمقابل المالى للتأمين يسمى قسطاً إذا كان المؤمن شركة مساهمة، أما إذا كان المؤمن جمعية للتأمين التبادلى أو التعاونى أطلق عليه اشتراكاً.
ويلاحظ أنه خلال دراستنا لهذا المقابل سوف نستخدم المصطلح الذى درج العمل عليه من تسميته قسطاً فى كل الأحوال، سواء أكان قسطاً أم كان اشتراكاً.
وقسط التأمين قد يتفق الأطراف على دفعه مرة واحدة فيسمى بالقسط الواحد، وقد يتفقوا على دفعه منجماً على دفعات (سنوية أو نصف سنوية أو ربع سنوية أو شهرية) ([10]).

تحديد مقدار قسط التأمين
110- لا جرم أن دراسة القسط، باعتباره محلاً للالتزام المؤمن له، لها جانب قانونى وآخر فنى، فالجانب القانونى تدخل دراسته فى نطاق دراسة التزامات المؤمن له ([11]). أما دراسة الجانب الفنى (تحديد مقدار القسط ) هى التى نتناولها فى هذه الجزئية.
والأصل فى تحديد مقدار القسط أنه يتوقف على اتفاق طرفى عقد التأمين (المؤمن والمؤمن له)، لأن ذلك من المسائل التى تكون محلاً للمناقشة والمساومة بينهما. ومع ذلك فقد يتدخل المشرع بوضع حد أقصى وحد أدنى ويترك للأطراف تحديد مقدار القسط بين هذين الحديـن.
بيد أن تحديد مقدار القسط لا يتم بطريقة عشوائية أو تحكمية، بل يخضع لعوامل عدة منها كحجم الخطر ومدة التأمين وغيرهما. ويجب فى هذا الصدد التمييز بين القسط الصافى والقسط التجارى.

أولاً – القسط الصافى

111 – نعلم أن القسط والخطر هما وجهى العملية التأمينية وأنه تقدير الأول يعتمد على دقة الدراسة الإحصائية التى قام بها خبراء التأمين للثانى. ولذلك يقصد بالقسط الصافى هو المقدار المالى الذى يوازى على وجه التقريب قيمة الخطر الذى حددته الحسابات الدقيقة للمؤمن.
فالقسط يمثل بالنسبة للمؤمن المبلغ اللازم لتغطية الخطر المؤمن منه دون زيادة أو نقصان (ربح أو خسارة). ويتم حساب القسط الصافى على أساس وحدة قيمية ووحدة زمنية. فالوحدة القيمية تمثل مبلغاً من النقود يقدره المؤمن كألف جنيه، مثلاُ، والوحدة الزمنية تكون فى العادة سنة واحدة. فلو قلنا أن المؤمن يحصل على كل ألف جنيه خمسة جنيه فى السنة، فإذا كانت قيمة المؤمن عليه خمسين ألف جنيه، فإنه سيحصـل على خمس أمثال 5×5 =25 متكررة فى عدد سنوات التأمين ([12]).
ولنضرب مثلاً حسابياً فإذا كان الخطر المؤمن منه يتحقق فى التأمين ضد حوادث السيارات بنسبة 10 لكل 1000 سيارة، بمعنى أن من بين كل 1000 سيارة مؤمن عليها تتدخل 10 سيارات فى حوادث ضارة بالغير، فإذا كان مبلغ التأمين الواجب دفعه، فى المتوسط، هو 5000 جنيه عن كل حالة تحقق الخطر المؤمن منه.
النسبة المئوية لتحقق الخطر المؤمن منه
= 10×100÷1000=1%
مجموع مبالغ التأمين التى من المحتمل الوفاء بها من قبل المؤمن =
النسبة المئوية × عدد المؤمن لهم × متوسط مبلغ التأمين
1÷100 × 1000× 5000 = 50000جنيه
قيمة القسط الصافى = مجموع مبالغ التأمين ÷ عدد المؤمن لهم
50000÷ 1000 = 50 جنيه.
غير أن عامل الخطر ليس هو العامل الوحيد فى تقدير قيمة القسط، بل توجد عوامل أخرى تساهم معه فى ذلك كمقدار مبلغ التأمين ومدته وسعر الفائدة الذى يحصل عليه المؤمن من استغلال رصيد الأقساط المجتمع لديه.

ثانياً – القسط التجارى

112- نوهنا – آنفاً – أن القسط الصافى يساوى تقريباً الخطر المؤمن منه، ومع ذلك فإن المؤمن، وإن كان العبء الأكبر هو تغطية هذا الخطر، إلا أنه يتحمل أعباء أخرى منها :
-العمولات التى يتقاضاها الوسطاء، لأن المؤمن يستخدم بعض الأشخاص كوسيط بينه وبين المؤمن لهم.
-نفقات تحصيل الأقساط ، فالمؤمن هو الذى يسعى – فى الغالب – إلى المؤمن لهم لتحصيل أقساط التأمين.
-المصروفات الإدارية، وهى المصروفات التى يتكبدها المؤمن فى إدارة عمليات التأمين.
-الضرائب والرسوم، المؤمن يتحمل بعض الضرائب ويدفع رسوم عن نشاطه التأمينى.
-أرباح المساهمين، فإذا كان المؤمن فى شكل شركة مساهمة فإن المساهمين يتقاضون أرباحاً معقولة على أسهمهم فى الشركة.
فالقسط التجارى = القسط الصافى + نسبة من الأعباء الإضافية ( آنفة الذكر).

المطلب الثالث : مبلغ التأمين

113- إذا كان القسط – كما بينا آنفاً – هو محل التزام المؤمن له فى مواجهة المؤمن. فإن مبلغ التأمين هو محل التزام المؤمن الذى يجب عليه أداءه للمستفيد عند تحقق الخطر المؤمن منه الذى تحمل تبعته بموجب عقد التأمين. وتقابل الالتزامات فى هذا العقد تبرز خاصيته بأنه عقد ملزم للجانبين. فمثلاً فى التأمين على الحياة لحال الموت، إذا توفى المؤمن عليه فإنه يجب على المؤمن الوفاء بمبلغ التأمين إلى الشخص المعين مستفيداً فى عقد التأمين (الوارث أو الغير)، وإذا احترق الشئ المؤمن عليه (منزل أو سيارة أو بضاعة … الخ) فإن المؤمن له يستحق مبلغ التأمين ما لم يعين شخص آخر كمستفيد من هذا التأمين، وكذلك لو تدخلت السيارة المؤمن عليها ضد حوادث السيارة فى حادثة، التزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين (التعويض) إلى المضرور من ذلك.
ويمكن تعريف مبلغ التأمين بأنه ” هو المقابل المالى الذى يدفعه المؤمن للمستفيد، بموجب عقد التأمين، عند تحقق الخطر المؤمن منه ” ([13]).
ففى ضوء هذا التعريف يتبين أن التزام المؤمن فى عقد التأمين هو التزاماً مالياً يجب عليه أداءه للمستفيد (المؤمن له أو المشترط التأمين لصالحه) عند تحقق الخطر المؤمن منه [المادة (747) مدنى ([14])]، حتى فى الحالة التى يتعهد المؤمن بإعادة الشئ المؤمن عليه إلى حالته قبل تحقق الخطر المؤمن منه، فتعهده بإعادة الحالة أو الإصلاح يوفى به المؤمن من خلال الغير الذى يتقاضى مقابل ذلك مبلغاً من النقود. ولذلك يظل التزام المؤمن فى جميع الحالات التزاماً مالياً.

نطاق التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين

114- نوهنا – آنفاً – إلى أن المؤمن يلتزم بدفع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه، فهل لهذا الالتزام حدود ؟ أم لا ؟.
بيد أن الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب التفرقة بين التأمين على الأشخاص والتأمين من الأضرار.

1- التأمين على الأشخاص
115- عرفنا – سابقاً – أن التأمين على الأشخاص هو الذى يكون موضوعه شخص المؤمن له (حياته أو سلامته أو صحته أو ظروف حياته). ويتميز هذا النوع من التأمين أنه ليس له صفة تعويضية وبذلك يلتزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه بغض الطرف عما إذا كان المؤمن له قد أصابه ضرر من ذلك أم لا ([15]).
ففى ضوء ذلك يتبين أن المؤمن يلتزم بالوفاء بمبلغ التأمين إلى المستفيد أو المؤمن له، عند تحقق الخطر المؤمن منه، وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين طرفى العقد. فمثلاً فى التأمين على الحياة لحال الموت، فالوفاة هى الخطر المؤمن منه فإذا تحقق دفع المؤمن مبلغ التأمين للمستفيد، وفى حالة التأمين ضد الإصابة أو المرض يدفع المؤمن هذا المبلغ للمؤمن له أو الشخص المحدد فى العقد (المستفيد).

2- التأمين من الأضرار
116- فهذا النوع من التأمين هو الذى يكون محله أموال المؤمن له وليس شخصه (كالتأمين على الأشياء والتأمين من المسئولية)([16]). ويتميز التأمين من الأضرار بأنه ذو صفة تعويضية، ولذلك فإن مبلغ التأمين الذى يلتزم المؤمن بالوفاء به للمؤمن له يتحدد بأقل القيمتين (مقدار الضرر ومبلغ التأمين)، ويساهم فى تحديده عوامل ثلاثة هى :

العامل الأول– الاتفاق :

يحدد الاتفاق التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له. فمثلاً لو أن شخص اتفق مع المؤمن على التأمين على منزله ضد الحريق بمبلغ (30000 جنيه) وتحقق الخطر المؤمن منه فلا يستطيع المؤمن له أن يطالب المؤمن إلا فى حدود هذا المبلغ المحدد اتفاقاً فى عقد التأمين، حتى لو كانت قيمة التلفيات التى لحقت المنزل تجاوز هذا المبلغ، شريطة ألا يجاوز مقدار الضرر الناجم عن تحقق الخطر المؤمن منه .
غير أن التحديد الاتفاقى لمبلغ التأمين لا يعتبر العامل الوحيد، بل تساهم معه عوامل أخرى فى تحديد هذا المبلغ، كمبدأ التعويض ومبدأ النسبية.

العامل الثانى– مبدأ التعويض :

نوهنا – آنفاً – إلى أن التأمين من الأضرار ذو صفة تعويضية، بمعنى أن مبلغ التأمين يقدر بقدر الضرر الذى لحق المؤمن له فعلاً من جراء تحقق الخطر المؤمن منه. ففى المثال السابق إذا كانت قيمة التلفيات الناجمة عن تحقق خطر حريق المنزل كانت (15000 جنيه) فإن المؤمن له لا يستطيع مطالبة المؤمن إلا فى حدود هذه القيمة. طالما أنه لا يجاوز مبلغ التأمين المتفق عليه فى العقد ([17]). وذلك طبقاً مبدأ الصفة التعويضية فى التأمين من الأضرار التى تقدر مبلغ التعويض بقدر الضرر، ولا تسمح للمؤمن له بالإثراء على حساب تحقق الخطر المؤمن منه، حتى لو كان من عقد تأمين آخر أو استحق تعويض من المسئول عن هذا الضرر الذى يمثل – فى نفس الوقت – الخطر المؤمن منه ([18]). فمثلاً لو كان المنزل محل عقد تأمين آخر وحصل المؤمن له على منه على تعويض يغطى مقدار الضرر الذى لحق بالمنزل، فلا يكون له الحق فى الرجوع على المؤمن الآخر لمطالبته بذات التعويض ([19]) إلا إذا كان مبلغ التأمين الذى حصل عليه من المؤمن الأول لا يغط كامل الضرر فيكون من حقه الرجوع على المؤمن الآخر بالفارق بين هذا المبلغ ومقدار الضرر. فمثلاً لو كان قد أمن على المنزل لدى المؤمن (أ) بمبلغ (20000 جنيه) وأمن عليه لدى المؤمن (ب) بمبلغ (15000 جنيه) وكانت مقدار الضرر (30000 جنيه) فيكون له مطالبة (أ) بكامل مبلغ التأمين ومطالبة (ب) بما يغطى الضرر (10000 جنيه). وكذلك الأمر لو تسبب الغير بخطأٍ منه فى احتراق المنزل المؤمن عليه ضد الحريق واستحق المؤمن له منه تعويضاً عن ذلك يغطى كل الضرر الناجم عن الحريق، فلا يكون له الحق فى الرجوع على المؤمن مطالباً إياه بمبلغ التأمين.

العامل الثالث– قاعدة النسبية :

عرفنا أن المؤمن – فى التأمين من الأضرار – يلتزم بالوفاء للمؤمن له، عند تحقق الخطر المؤمن منه، بأقل القيمتين (مبلغ التأمين أو مقدار الضرر).
غير أنه يحدث – فى الواقع العملى – أن يكون مبلغ التأمين أقل من قيمة الشئ المؤمن عليه ويعرف بالتأمين البخس ([20])، فإذا أدى تحقق الخطر المؤمن منه إلى هلاك بعض هذا الشئ وليس كله. فمثلا لو كانت قيمة المنزل (40000 جنيه) وكان مبلغ التأمين المتفق عليه (30000 جنيه) وقدرت التلفيات الناجمة عن تحقق خطر الحريق بمبلغ (20000 جنيه). ففى ضوء هذا المثال هل يتقاضى المؤمن له ما يغطى الضرر (20000 جنيه) ؟، أم يتقاضى نسبة تتعادل مع قيمة الشئ ومبلغ التأمين ؟.
والإجابة – فى ظل إعمال قاعدة النسبية – نجد أن المؤمن له لن يتقاضى ما يغطى كامل الضرر، بالرغم من أنه لم يجاوز مبلغ التأمين المتفق عليه، بل يتقاضى نسبة تعادل ما احترق من المنزل مع قيمة المنزل كله ما لم يتفق على غير ذلك ([21]) بالكيفية الآتية:
التعويض الذى يدفعه المؤمن للمؤمن له =
مقدار الضرر × مبلغ التأمين ÷ قيمة المنزل
20000 × 30000 ÷ 40000 = 15000 جنيه.
بيد أنه يستطيع المؤمن له أن يتفادى تطبيق مبدأ النسبية عند تحقق الخطر، الذى يقل فيه مقدار الضرر عن قيمة الشئ المؤمن عليه ومبلغ التأمين المتفق عليه، بأن يتفق مع المؤمن على عدم تطبيق هذا المبدأ على علاقتهما التأمينية.

المطلب الرابع : المصلحة فى التأمين

117- عرفنا أن الخطر المؤمن منه يعد بمثابة المحل فى عقد التأمين، وأن القسط هو محل التزام المؤمن له، وأن مبلغ التأمين هو محل التزام المؤمن. ومع ذلك فإن المشرع استلزم أن يكون محلاً للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة تعود على المؤمن له من عدم تحقق الخطر المؤمن منه [المادة (749) مدنى ([22])].
غير أن استعمال مشرعنا المدنى للفظة ” اقتصادية ” مضافة إلى لفظة ” مصلحة ” أثار خلافاً فى الفقه مبناه أن المصلحة عنصراً فى محل التأمين على الأضرار وليست كذلك بالنسبة للتأمين على الأشخاص ([23]).
وفى تقديرنا أن المشرع لم يكن فى حاجة إلى إضافة هذه اللفظة إلى لفظة المصلحة فكان يكفيه إيراد العبارة على النحو التالى ” …… مصلحة مشروعة …… ” ([24]). وعلى كل حال فإنه يجب أن يكون للمؤمن له أو المستفيد مصلحة مشروعة (اقتصادية أو أدبية) فى عدم تحقق الخطر المؤمن منه فى نوعى التأمين (الأشخاص والأضرار) على حدً سواء ([25]). حيث أنه إذا لم يكن هناك مصلحة فى عدم تحقق هذا الخطر فإن ذلك يكون من شأنه أن يجعل التأمين نوعاً من المضاربة، وعدم استلزام مثل ذلك يدفع المؤمن له على التحريض على تحقق الخطر المؤمن منه طمعاً فى الحصول على مبلغ التأمين ([26]).

الفصل الثالث :  آثار عقد التأمين

118- أسلفنا أن عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين، ومن ثم فإنه يلقى بالتزامات متقابلة ومتبادلة على عاتق طرفيه – المؤمن له والمؤمن – فما هى هذه الالتزامات ؟.
نتناول الإجابة على هذا التساؤل خلال المبحثين التاليين :

المبحث الأول : آثار التأمين بالنسبة للمـؤمـن لـه

119- لا جرم أن عقد التأمين ينشئ فى ذمة المؤمن له عدة التزامات من أهمها : الإدلاء بالبيانات المتعلقة بالخطر المؤمن منه ودفع قسط التأمين ([1]).

المطلب الأول : الإدلاء ببيانات الخطر

120- لا غرو أن التأمين، وإن كان يعتمد على الدراسات الإحصائية، إلا أن هذه الدراسات ترتكز بالدرجة الأولى على البيانات التى يدلى بها طالب التأمين عن الخطر المراد التأمين عليه، لأنه محل عقد التأمين.
غير أن التزام طالب التأمين بالإدلاء ببيان الخطر لا ينقضى بمجرد إتمام العقد، بل يستمر طيلة مدة التأمين، بحيث يجب على المؤمن له إبلاغ المؤمن عن ما يطرأ من بيانات خلال تنفيذ العقد.
ونتناول دراسة ذلك من خلال الأفرع التالية :

الفرع الأول : إعلام المؤمن بالخطر

121- نوهنا – آنفاً – إلى أن الخطر المؤمن منه هو محل العقد ولذلك يجب أن يتوافر للمؤمن العلم الكافى بكل تفصيلاته على نحو يمكنه من معرفة الخطر الذى يتحمل تبعة تحققه. فبناء على المعلومات التى يقدمها طالب التأمين للمؤمن عن هذا الخطر تجعله على بينة تمكنه من تقدير حجم الالتزامات التى يقلى بها عقد التأمين على عاتقه فى مواجهة المؤمن له.
ولا جرم أن طالب التأمين يلتزم بتقديم كافة البيانات عن الخطر المؤمن منه عند التعاقد، أى فى وقت إبرام عقد التأمين. لأن هذه البيانات تحقق للمؤمن أمرين هما :
الأول – تقدير أمر قبول أو رفض التأمين على هذا الخطر.
الثانى – تحديد قيمة قسط التأمين الذى هو يلتزم المؤمن له بالوفاء به له نظير تحمله تبعة الخطر المؤمن منه ([2]).

– الشروط الواجب توافرها فى البيانات

122- بيد أنه يشترط فى البيانات التى يدلى بها طالب التأمين للمؤمن عند التعاقد الشرطين التاليين :
الشرط الأول–أن تكون هذه البيانات محل اهتمام من المؤمن: يجب أن يكون لهذه البيانات تأثير على تحديد حجم التزامات المؤمن بالنسبة للمخاطر التى يتحمل تبعتها وتساهم فى تحديد مقدار قسط التأمين الذى يلتزم به المؤمن له.
الشرط الثانى– أن تكون هذه البيانات معلومة للمؤمن له: يلزم، فوق كون البيانات محل اهتمام المؤمن، أن تكون هذه البيانات معلومة لطالب التأمين عند التعاقد، أى ألا تكونه مجهولة بالنسبة له. ويلجأ المؤمن – عادة – إلى توجيه أسئلة محددة ومكتوبة لكى يجيب عليها طالب التأمين – قبل التعاقد – والإجابة عن هذه الأسئلة توفر للمؤمن قدر لا بأس به من البيانات. إلا أن ذلك لا يعف طالب التأمين من الإدلاء بالبيانات الأخرى، التى لم تكن محل أسئلة متى رأى أنها هامة بالنسبة للمؤمن.

– نوعا البيانات
123- ولا جناح أن البيانات التى يجب على طالب التأمين الإدلاء بها متنوعة تبعاً لمحلها وهى نوعين :

النوع الأول– البيانات الموضوعية :
هذا النوع من البيانات هى التى تتعلق بالخطر المؤمن منه، وهى عبارة عن معلومات ضرورية عنه، كصفاته والظروف المختلفة التى تحيط به والملابسات التى يكون من شأنها تحديده تحديداً دقيقاً لا لبس فيه.
فمثل هذه البيانات هى التى تمكن المؤمن من تقدير قيمة القسط الذى يلتزم المؤمن له بدفعه.

النوع الثانى– البيانات الشخصية :
وهى البيانات التى تتعلق بشخص طالب التأمين، كاسمه وموطنه وأخلاقه الشخصية ومقدار يساره ودرجة عنايته بشئونه … الخ.
فهذا النوع من البيانات، وإن كانت لا تتعلق بذات الخطر، إلا أنها تؤثر فى إقدام المؤمن أو إحجامه عن قبول التأمين على هذا الخطر.

الفرع الثانى : إعلان المؤمن بتفاقم الخطر

124- عرفنا أن طالب التأمين يلتزم بالإدلاء – عند التعاقد – بالبيانات التى تهم المؤمن سواء أكانت تتعلق بالخطر المؤمن منه ذاته أم كانت خاصة بشخص طالب التأمين.
غير أن التزام المؤمن له – بذلك – لا ينقض بمجرد تمام العقد. بل يظل هذا الالتزام قائماً ويثقل كاهله خلال سريان التأمين، لأن هذا العقد من العقود المستمرة. ولذلك يجب على المؤمن له إعلان المؤمن بكل ما يطـرأ على الخطر المؤمن منه ويكون من شأنه أن يؤدى إلى تفاقمه ([3])، سواء أكان بزيادة فرص وقوعه أم كان بزيادة جسامة حجم الأضرار الناشئة تحققه. فمثلاً فى التأمين ضد الحريق يعد من قبيل تفاقم الخطر نقل الشئ المؤمن عليه إلى منطقة تزداد فيه نسبة احتمالات تحقق الخطر، أو تغيير وجه استعماله بما يؤدى إلى ذلك كاستعمال العقار المؤمن عليه فى تخزين المواد القابلة للاشتعال أو تأجير جزء منه لهذا الغرض. وفى التأمين على الأشخاص من الإصابات يعد من قبيل تفاقم الخطر تغيير مهنة المؤمن عليه من عادية إلى مهنة أشد خطراً كالعمل فى مجال الأشعة التشخصية أو العلاجية فى دور العلاج، وكالتعامل مع المواد الكيماوية والمبيدات الحشرية ………الخ.
غير أن تفاقم الخطر فى الصور السابقة يختلف تماماً عن زيادة القيمة المالية للأشياء المؤمن عليها، كارتفاع قيمة الشىء المؤمن عليه بسبب تغير القوى الشرائية للنقود أو بسبب ظروف طارئة أدت إلى هذا الارتفاع. فهذه الوضعية وإن كانت تؤدى إلى زيادة مبلغ التأمين (قيمة الخطر) الذى يتحمل المؤمن عبئه، إلا أن ذلك لا يعد من قبيل تفاقم الخطر الذى يلتزم المؤمن له بإخطار المؤمن به ([4]).
بيد أنه يجب ملاحظة أن عقد التأمين لا يلق على عاتق المؤمن له التزاماً بعدم زيادة المخاطر التى من المحتمل أن يتعرض لها المؤمن عليه (الشئ أو الشخص). فالتأمين لا يحجر على المؤمن له فى مباشرة كافة حقوقه على المؤمن عليه، فمثلاً فى التأمين على منزل ضد الحريق لا يحول دون قيامه بتعلية المبنى أو تغيير الغرض المخصص له. وكذلك فى التأمين على الحياة لا يحجر على المؤمن عليه من الخضوع لفحوص طبية وإجراءات عمليات جراحية حتى لو كانت نسب نجاحها ضئيلة.
وبالإضافة إلى ما سبق فإن طبيعة المخاطر المؤمن منها ذات خاصية احتمالية فقد تتفاقم عما كانت عليه فى وقت التعاقد وقد تتضآل. إنما يقع على عاتقه إعلان المؤمن بما يزيد من فرص تحقق الخطر المؤمن منه أو يزيد من جسامة الأضرار الناشئة عنه.
بيد أن تفاقم الخطر المؤمن منه لا يخول المؤمن تلقائياً المطالبة بفسخ العقد. لأن تفاقم الخطر حتى لو كان بفعل المؤمن له، متى أعلن المؤمن بذلك، لا يعد من قبيل الإخلال بالالتزامات العقدية التى تخول الفسخ ولا يعد خطأ يستوجب المسئولية ([5]).
غير أنه يجوز للمؤمن المطالبة بفسخ عقد التأمين بسبب تفاقم الخطر متى توافرت إحدى حالتين هما :
الحالة الأولى – تفاقم الخطر وصل إلى درجة من الجسامة بحيث كان لو علم بها عند التعاقد ما أقدم عليه.
الحالة الثانية – رفض المؤمن له طلب المؤمن فى زيادة مقدار القسط بنسبة تتناسب مع حجم التفاقم ([6]).
وفى ضوء ما سبق فما هى الشروط الواجب توافرها لقيام التزام المؤمن له بالإعلان عن تفاقم الخطر ؟

شروط قيام التزام المؤمن له بالإعلان عن تفاقم الخطر
125- يشترط، لكلى يقوم التزام على عاتق المؤمن له بواجب الإعلان عن تفاقم الخطر، الشروط الآتية ([7]) :

الشرط الأول–أن تطرأ ظروف بعد إبرام العقد :
يشترط، لقيام الالتزام بالإعلان، أن تكون هناك ظروف قد طرأت بعد إبرام عقد التأمين وقبل انقضائه. لأن الظروف الخاص بالخطر المؤمن منه إذا كانت سابقة على إبرام التعاقد، فإن عدم علم المؤمن بها يمثل إخلالاً من طالب التأمين بالتزامه بالإدلاء بالبيانات الخاصة بالخطر المؤمن منه. أما إذا كانت لاحقة لزوال العقد لتوافر سبب ذلك فإنه لا أثر له ولا يعتد به.

الشرط الثانى–أن يكون – من شأن – الظروف الطارئة تفاقم الخطر :
يلزم، فوق كون الظروف طارئة بعد التعاقد، أن يكون من شأنها أن تؤدى إلى تفاقم الخطر المؤمن منه، كزيادة فرص تحققه أو زيادة درجة جسامة الأضرار الناجمة عنه، فإذا كان الظروف الطارئة ليس لها تأثير على الخطر، أى لا تؤدى إلى تفاقمه، فلا عبرة بها ولا تلزم المؤمن له بإعلان المؤمن بها على الرغم من حدوثها.

الشرط الثالث–أن تكون الظروف الطارئة معلومة للمؤمن له :
يجب، فوق كون الظروف طارئة ومن شأنها تفاقم الخطر، أن تكون هذه الظروف معلومة للمؤمن له. وهذا شرط بديهى لأن من غير المعقول أن يلتزم المؤمن له بالإعلان عن تفاقم خطر بسبب ظروف غير معلومة له حتى لو كانت طارئة ومؤثرة فى الخطر المؤمن منه.
فمتى توافرت هذه الشروط فإنه يجب على المؤمن له إعلان المؤمن بتفاقم الخطر، وفى هذا الصدد نفرق بين فرضين هما :

الفرض الأول–للمؤمن له يد فى تفاقم الخطر :
إذا كانت الظروف التى أدت إلى تفاقم الخطر المؤمن منه بفعل المؤمن له، بأن قام بتغيير الغرض المخصص له الشئ كتحويل سيارته الخاصة إلى سيارة أجرة، فإنه يجب على المؤمن له إعلان المؤمن بهذه الظروف قبل حدوثها بخطاب موصى عليه ([8])، ما لم يتفق الطرفان على وسيلة للإعلان كخطاب عادى أو إنذار على يد محضر.

الفرض الثانى–ليس للمؤمن له يد فى تفاقم الخطر :
إذا كان ليس للمؤمن له يد فى حدوث الظروف التى أدت إلى تفاقم الخطر المؤمن منه، كأن أنشأ إلى جوار المنزل المؤمن عليه ضد الحريق مخزن لمواد قابلة للالتهاب. ففى هذه الحالة لا يكون ملزما بالإعلان متى كان ذلك غير معلوم له، أما إذا علم به فإنه يجب عليه إعلان المؤمن بها خلال مدة معقولة بخطاب موصى عليه ([9]) ما لم يتفق الطرفان على وسيلة أخرى.

الأثر المترتب على الإعلان بتفاقم الخطر
126- لا جرم أنه متى توافرت الشروط – آنفة البيان – فى الظروف الطارئة ووفى المؤمن له بالتزامه بإعلان المؤمن بتفاقم الخطر، التزم المؤمن بتغطية الخطر مؤقتة خلال الفترة التى يستغرقها لتحديد موقفه فى ظل هذه الظروف وله فى ذلك ثلاثة خيارات هى :

الخيار الأول–تغطية الخطر مع زيادة قسط التأمين :
قد يجد المؤمن أن من مصلحته الاستمرار فى تغطية الخطر المؤمن منه فى ظل الظروف الطارئة التى أدت إلى تفاقمه مع مطالبة المؤمن له بزيادة قيمة قسط التأمين، ويستوى فى ذلك أن يبتدئ هو بهذه المطالبة أو يعرضها عليه المؤمن له مع الإعلان عن تفاقم الخطر المؤمن له.

الخيار الثانى–تغطية الخطر بدون زيادة قسط التأمين :
لا جناح أن المؤمن يقوم، فى ظل تفاقم الخطر المؤمن منه مع رفض المؤمن له زيادة القسط، بالموازنة بين الاستمرار فى تغطية الخطر دون زيادة فى قيمة القسط وبين عدم الاستمرار فى ذلك وإنهاء عقد التأمين، وقد يجد من مصلحته الاستمرار فى تغطية الخطر مع تفاقمه دون هذه الزيادة إما لكون التفاقم لم يؤثر على حساباته المتعلقة بالخطر وإما لكون عملية التأمين وشخص المؤمن له من الأهمية بمكان فى سوق التأمين بحيث يترتب على إنهاء التأمين خسارة مالية أو فقدانه كعميل كبير لديه.

الخيار الثالث–فسخ عقد التأمين :
وأخيراً، قد يجد المؤمن أن مصلحته تقتضى عدم الاستمرار فى تغطية الخطر المؤمن منه بعد تفاقمه وفسخ العقد، ويلجأ المؤمن إلى ذلك فى إحدى حالتين هما ([10]) :
الأولى– جسامة الخطر : إذا كان تفاقم الخطر على درجة من الجسامة لو علم بها المؤمن عند التعاقد ما أقدم عليه.
الثانية– رفض زيادة القسط : إذا كان الاستمرار فى تغطية الخطر المتفاقم يقتضى زيادة القسط إلا أن المؤمن له رفض الزيادة
بيد أنه لا يجوز للمؤمن التذرع بتفاقم الخطر وطلب فسخ العقد متى كان قد أبدى رغبته فى الاستمرار فى تغطية هذا الخطر فى ظل الظروف الطارئة. وقد يكون إبداء هذه الرغبة صريحا وقد يستفاد ضمنياً من الاستمرار فى تحصيل الأقساط أو دفع مبلغ التأمين بعد تحقق الخطر المؤمن منه ([11]).
ولا جرم أن فسخ عقد التأمين ليس له أثر رجعى، لأنه من العقود الزمنية التى يستحيل إعمال هذا الأثر فيها، بل أثره مباشر من وقت وقوعه.
– حالتان يمتنع فيهما إعمال الأثر المترتب على الإعلان عن تفاقم الخطر ([12])

الأولى– تفاقم الخطر ناجم عن عمل قصد منه حماية المؤمن :
إذا كان الذى أدى إلى تفاقم الخطر هى قيام المؤمن له بأعمال قصد منها حماية المؤمن، كإجراء عملية جراحية لزرع قلب أو كلى للمؤمن على حياته كان من آثارها السلبية زيادة احتمالية الوفاة المبكرة، فإن إعلان المؤمن بذلك لا يكون له أى أثر على الالتزامات العقدية.

الثانية– تفاقم الخطر ناجم عن القيام بواجب إنسانى أو خدمة لمصلحة عامة :
إذا كانت زيادة الخطر بسبب قيام المؤمن له بواجب إنسانى، إنقاذ حياة غريق نجم عنه تعرضه لأضرار، أو إتلاف بعض الأشياء المؤمن عليها لإطفاء حريق أضرم فى أموال الجار. وكذلك الأمر إذا كان تفاقم الخطر بسبب أداء خدمة عامة كمساعدة رجال السلطة العامة فى ضبط مجرم خطر أو القضاء على حيوان متوحش أو المساهمة فى الدفاع عن الوطن … الخ.

الفرع الثالث : جزاء الإخلال بالتزام الإعلام والإعلان

128- عرفنا أنه يجب على المؤمن له إعلام المؤمن بكافة بيانات الخطر المؤمن منه عند التعاقد وأنه يلتزم – خلال مدة التأمين – بإعلان المؤمن بالظروف الطارئة التى تؤدى إلى تفاقم هذا الخطر. ومع ذلك فإن مشرعنا المدنى لم يحدد الجزاء الذى يترتب على الإخلال بهذا الالتزام، إلا ما يتعلق بالخطأ فى سن المؤمن على حياته [المادة (764) مدنى].
ولما كانت القواعد العامة هى ملاذ كل من تعوزه الأحكام الخاصة، وبالرغم من أنه تقرر حلول لهذه المسألة. إلا أن ذلك يؤدى إلى نتائج غير مرغوبة فى نطاق التأمين، لأنها تخول المؤمن طلب إبطال العقد متى كان قد وقع فى غلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال، وأن إبطال العقد يترتب عليه إعادة العاقدين إلى الحال التى كان عليها قبل التعاقد ومنها إلزام المؤمن برد الأقساط لزوال سبب الاحتفاظ بها ([13]).
غير أن التقنين المدنى الحالى كاد أن يقنن العرف التأمينى فى هذا الخصوص ([14]) إلا أن السلطة التشريعية وقتئذ رأت أن هذا من قبيل الجزئيات التى يجب أن ينتظمها قانون خاص.
بيد أن العرف التأمينى يقرر جزاءً لإخلال المؤمن له بالتزام الإعلان أو الإعلام عن الخطر أو تفاقمه، إلا أنه يفرق فى ذلك بين سوء نيته وحسنها وفى الحالة الأخير يفرق بين انكشاف الحقيقة قبل تحقق الخطر المؤمن منه وانكشافه بعد تحققه.
ونستعرض بيان ذلك من خلال النقاط التالية :

الفرض الأول–سوء نية المؤمن له :

129- نعلم أن التزام المؤمن له بالإدلاء ببيانات عن الخطر المؤمن منه يتفرع إلى الالتزام بالإعلام عند التعاقد والالتزام بالإعلان خلال مدة التأمين. فإذا أخل المؤمن له بأيهما سواء أكان بكتمان بيان أم كان بالإدلاء ببيان كاذباً، ترتب على ذلك – طبقاً للقواعد العامة – أحد جزاءين هما :
الأول – طلب الإبطال لوقوع المؤمن فى غلط أو تدليس.

الثانى – طلب الفسخ لإخلال المؤمن له بالتزامه الناشئ عن عقد التأمين ([15]).
غير أن العرف التأمينى – لاعتبارات خاصة بسوق التأمين – لم يرتب أى من هذين الجزاءين، إنما جرى على بطلان العقد كجزاء للغش الصادر من المؤمن له أو إخلاله بالتزامه ([16]). مع ملاحظة أن هذه حالة خاصة من البطلان لا تخضع للقواعد العامة المقررة فى نظرية البطلان.
ولا جرم أنه يقع على عاتق المؤمن عبء إثبات سوء نية المؤمن له لأن الأصل يشفع له – وهو افتراض حسنة النية – وعلى من يدعى خلاف هذا الأصل إقامة الدليل على دعواه.
وبناء على ذلك فإنه يجوز للمؤمن أن يطلب إبطال عقد التأمين، متى أقام الدليل على سوء نية المؤمن له، لكى يتحلل من التزامه بضمان الخطر المؤمن منه فى حالة تحققه. فمتى تقرر البطلان سقط حق المؤمن له فى مطالبة المؤمن بمبلغ التأمين عند تحقق الخطر حتى لو كان تحققه كان سابقاً على تقرير البطلان. وسقط –كذلك– حقه فى مطالبة المؤمن بمجموع الأقساط التى وفى بها.

الفرض الثانى–حسن نية المؤمن له :

130- علمنا أن عبء إثبات سوء نية المؤمن له، فى تنفيذ الالتزام بالإعلام أو الإعلام، يقع على عاتق المؤمن، والفشل فى هذا الإثبات يقود إلى الأصل وهو حسن نية المؤمن له.
ويقتضى المنطق عدم المساواة بين حسن النية وسوءها فى الحكم ولذلك قرر العرف التأمينى جزاءً أخف مع اتخاذ تحقق الخطر المؤمن منه معياراً للتفرقة بين حالتى اكتشاف الحقيقة التى يجهلها المؤمن عن هذا الخطر.
ونستعرض بيان ذلك من خلال النقاط التالية :

الحالة الأولى– علم المؤمن بحقيقة الخطر قبل تحققه :
قد يكتشف المؤمن ما لم يكن يعلمه عن الخطر المؤمن منه قبل تحققه، سواء أكانت جهالة الأمر تتعلق بما كان يجب على المؤمن له إعلامه للمؤمن عند التعاقد أم كان يتعلق بما يجب عليه إعلانه خلال مدة العقد. فإن العرف التأمينى يخول المؤمن عدة خيارات هى :
– الاستمرار فى تغطية الخطر بحالته المكتشفة مع زيادة قسط التأمين.
– الامتناع عن تغطية الخطر بهذه الحالة وطلب فسخ العقد.
وقد جرى العمل – فى سوق التأمين – على أن يرسل المؤمن خطاباً مسجلاً إلى المؤمن له يعلمه فيه برغبته فى إنهاء العلاقة القانونية فيما بينهما. إلا أن الفسخ لا يقع من تاريخ هذا الخطاب بل بعد مرور عشرة أيام من هذا التاريخ حتى يعطى للمؤمن له إيجاد مؤمن آخر يقبل التأمين على الخطر بحالته الجديدة ([17]).

الحالة الثانية ـ علم المؤمن بحقيقة الخطر بعد تحققه:
قد يعلم المؤمن ما كان يجهله عن الخطر المؤمن منه بعد تحققه، ففى هذه الحالة لا يجوز للمؤمن طلب فسخ العقد. حيث أن العرف التأمينى قد درج على أن يكون الجزاء مقصوراً على تقاضى المؤمن له تعويضاً مخفضاً أى أقل من مبلغ التأمين المتفق عليه أو من مقدار الضرر الذى نجم عن تحقق هذا الخطر ([18]).
بيد أن مقدار التخفيض يحتسب على أساس نسبة القسط المحدد فى العقد إلى مقدار القسط الذى كان يجب على المؤمن له أداءه للمؤمن لو علم بحقيقة الخطر. فمثلاً لو كان المؤمن يلتزم، عند تحقق الخطر المؤمن منه، بدفع مبلغ التأمين وقدره (20000 جنيه) أو كان هذا المبلغ هو قيمة تعويض الضرر الناجم عن تحقق الخطر، وكانت قيمة القسط المحدد فى العقد (40 جنيه)، وكانت قيمة القسط الواجب دفعه فى حالة علم المؤمن بحقيقة الخطر (50). ولتوضيح ذلك نضع هذا المثال فى مسألة حسابية كالتالى :
قيمة التعويض المخفض = مبلغ التأمين المتفق عليه أو مقدار التعويض عن الضرر الناجم عن تحقق الخطر × قيمة القسط المحدد فى العقد ÷ قيمة القسط الذى كان يجب دفعه :
الحل:20000× 40 ÷ 50 = 16000 جنيه بدلاً عن20000 ج.

المطلب الثانى : دفع قسط التأمين

131 – لا جرم أن الالتزام بدفع قسط التأمين هو أهم الالتزامات التى يلقى بها عقد التأمين على عاتق المؤمن له. فالقسط هو المقابل المالى لتحمل المؤمن تبعة الخطر المؤمن منه (بث الآمان) والوفاء بمبلغ التأمين عند تحققه.
بيد أنه إذا كان محل التزام كل طرف – فى العقد – هو سبب التزام الآخر. فالقسط يمثل محل التزام المؤمن له وسبب التزام المؤمن بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه.
بيد أنه يجب ملاحظة أن لفظة القسط سوف تطلق على الجعل (المبلغ المالى) الذى يدفعه المؤمن له إلى المؤمن سواء أكان شركة مساهمة أو كان جمعية تأمين تبادلى. وأن سائر الأحكام التى نعرض لها تسرى على التأمين أياً كان نوعه بما فى ذلك التأمين على الحياة الذى يسمح فيه القانون للمؤمن له التحلل من التزامه من دفع القسط [المادة (759) مدنى ([19])]. ويعزى هذا السماح إلى الطبيعة الادخارية لهذا النوع من التأمين والرغبة فى تشجيع الناس على إبرام عقود التأمين على الحياة ([20]).

الفرع الأول : أحكام الالتزام بدفع القسط

132- نوهنا إلى أن الالتزام بدفع قسط التأمين يعد من أهم الالتزامات التى يلقى بها عقد التأمين على عاتق المؤمن له. وبناء على ذلك فإن هذه الوضعية تتطلب تحديد المدين بالوفاء به، ومكان وزمان الوفاء، وكيفية إثبات الوفاء به.

ونتناول بيان ذلك من خلال النقاط التالية :

أولاً – المدين بالوفاء بالقسط
133- لا شك فى أن الالتزام بدفع قيمة القسط يقع على عاتق الطرف المقابل للمؤمن فى عقد التأمين أياً كانت الصفة التى ينعت بها هذا الطرف سواء أكان طالباً للتأمين أم كان مؤمناً له. ولقد سبق القول بأن هناك ثلاث صفات قد يتصف بها أكثر من شخص وقد تجتمع فى شخص واحد (طالب التأمين والمؤمن له والمستفيد) ([21])، فإذا تفرقت الصفات على أكثر من شخص كان طالب التأمين هو الملتزم بدفع قسط التأمين دون غيره لأنه هو الطرف الذى تنصرف إليه آثار عقد التأمين ([22]).
ويجب ملاحظة أن الصفة التى ستستخدم فى الدراسة هى المؤمن له، أياً كانت صفة الطرف الآخر فى العقد مع المؤمن، لأن هى الأكثر استعمالاً فى كتب الفقه.
ولا جرم أنه يتصف بصفة الطرف فى العقد (المؤمن له) الآتى :
-الأصيل فى التعاقد عن طريق النيابة (القانونية أو الاتفاقية {الوكالة}).
-رب العمل فى التعاقد بواسطة الفضالة.
-الخلف (عام أو خاص) متى كان إبرام السلف للعقد سابقاً على انتقال الحق إلى الخلف مع توافر علمه به ([23]).
فالنائب أو الوكيل أو الفضولى أو السلف يعد عاقداً (*) وليس طرفاً فى عقد التأمين لأن ما يجريانه من تصرفات قانونية تنصرف آثارها مباشرة إلى الأصيل أو رب العمل أو الخلف.
وتبرأ ذمة المدين من الالتزام بدفع القسط بمجرد قيامه بنفسه أو بواسطة نائبه بتسليمه إلى المؤمن أو لأحد من وسطائه أو من يتمتع بوكالة ظاهرة عن المؤمـن. ويصح طبقاً للقواعد العامة، الوفاء بقسط التأمين من الغير الذى له مصلحة فى سريان التأمين أو ممن ليست له مصلحة فيه ولو كان دون علم المدين أو رغم إرادته [المادة (323) مدنى ([24])].

ثانياً – الدائن بقيمة القسط
134- نعلم أن الالتزام والحق وجهان لعملة واحدة، فإذا كان المؤمن له هو الملتزم بدفع قيمة القسط كان المؤمن هو الدائن به لأن كليهما طرفا عقد التأمين وتنصرف إليهما آثاره.
ويكون المؤمن قد اقتضى حقه بمجرد حصوله على قيمة القسط بنفسه أو بواسطة أحد وسطاءه المفوض فى ذلك.

ثالثاً – محل التزام المدين
135- نوهنا- آنفاُ – إلى أن المدين بدفع القسط هو المؤمن له، وأن الدائن بقبضه هو المؤمن. وعندئذ يكون القسط هو محل الالتزام الذى يكون –عادة – مبلغاً من النقود ويجب على الأول الوفاء به للثانى الذى لا يجبر على قبول شئ آخر ولو كان مساوياً له فى القيمة أو كانت قيمته أعلى [المادة (341) مدنى ([25])].
وفى الغالب أن قيمة القسط، المتفق عليها فى عقد التأمين، ثابتة لا تتغير. ولما كانت هذه القيمة تقدر تبعاً للخطر المؤمن منه، فإن تغير ظروف الثانى يترتب عليه أن يصبح الأول قابلاً للزيادة والنقص تبعاً لطبيعة هذا التغير، فإذا كانت الظروف المتغيرة، من شأنها، أن تؤدى إلى تفاقم الخطر المؤمن منه أو زيادة فى التزامات المؤمن فإن هذا يعطيه الحق فى مطالبة المؤمن له بزيادة قيمة القسط ([26]). أما إذا أدت إلى زوال بعض الاعتبارات التى أخذ فى الحسبان عند تحديد هذا الخطر، فإنه يصبح من حق المؤمن له مطالبة المؤمن بتخفيض القسط لتحقيق التناسـب بينه وبين الخطر المؤمن منه فى ظل الظروف الجديدة ([27]).

رابعاً – زمان ومكان الوفاء بالقسط
136- لا جرم أن زمان ومكان الوفاء بالقسط يحدده الطرفان فى عقد التأمين فما هو زمان هذا الوفاء ومكانه الذى يجرى عليه العرف التأمينى ؟
نتناول الإجابة على هذا السؤال فما هو آتٍ من نقاط.

1- زمان الوفاء بقسط التأمين
137- تقضى القواعد العامة بأنه، إذا لم يكن الالتزام مضافاً إلى أجل واقف أو معلقاً على شرط واقف، يجب على المدين الوفاء به بمجرد نشوئه وإلا كان للدائن الحق فى اقتضاء حقه جبراً عنه. وبناء على ذلك فإن القسط يكون واجب الأداء فور انعقاد التأمين – كقاعدة عامة – ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.
ويستحق القسط بحلول الأجل المتفق عليه فى عقد التأمين، فقد يكون الوفاء به كل شهر أو ربع سنوى أو نصف سنوى أو سنة أو أكثر من ذلك. ويجب عدم الخلط بين أجل الوفاء بالقسط ومدة سريان التأمين على النحو التالى :
الأول– أجـل الوفـاء :يحدد الوقت الذى يجب على المؤمن له تنفيذ التزامه العقدى بأداء قيمة قسط التأمين للمؤمن.
الثانية– مدة السريان : تحدد فترة التغطية التأمينية التى ينقضى عقد التأمين بانقضائها.
ويجرى العمل – فى سوق التأمين – على اشتراط وفاء المؤمن له بالقسط مقدماً فى بداية مدة التأمين للمؤمن ([28])، حتى يتسنى للأخير من التعرف على جدية المؤمن له وضبط حساباته والاستعداد لتغطية الخطر المؤمن منه من – مجموع الأقساط – عند تحققه.

2- مكان الوفاء بقسط التأمين
138- الأصل أن مكان دفع القسط هو موطن المدين به أى موطن المؤمن له – أى أن الدين يطلب ولا يحمل – [المادة (347/2) مدنى ([29])].
غير أن العرف التأمينى جرى – على عكس ذلك – فيما يتعلق بدفع القسط الأول واستلزم أن يكون الوفاء به فى موطن المؤمن أو مركز أعماله – أى أن هذا القسط يحمل ولا يطلب –. أما دفع الأقساط التالية يكون فى موطن المؤمن له أو مركز إدارة أعماله إذا كان التأمين متعلقاً بهذه الأعمال ([30]). ما لم يكن المؤمن له قد تأخر فى الوفاء بأحدها، فإذا تأخر فى ذلك وأعذره المؤمن بالوفاء فإن مكان الوفاء بهذا القسط يكون فى مركز أعمال المؤمن ([31]).
وموطن المؤمن له هو الموطن الذى ذكره فى وثيقة التأمين أو أى موطن آخر يعلن به المؤمن بعد ذلك ([32]).

خامساً – كيفية دفع القسط وإثباته
139- يدفع المؤمن له أو نائبه إلى المؤمن أو من يفوضه فى ذلك قيمة القسط نقداً أو بموجب شيك مقبول الدفع عند الإطلاع، على أن يسلم الثانى أو من يمثله إلى الأول أو نائبه مخالصة دالة على الوفاء بهذه القيمة.
ويقع عبء إثبات دفع قسط التأمين على المؤمن له، ويجوز له إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات متى كانت قيمته لم تجاوز مائة جنية (نصاب الإثبات بالبينة) أو كانت قيمته تجاوز هذا النصاب إلا أن المؤمن فى العملية التأمينية يقوم بأعمال تجارية كشركات التأمين مثلاً. أما إذا كانت قيمته تجاوز هذا النصاب – فى غير العمل التجارى – فلا يجوز إثبات الوفاء بالقسط إلا بالكتابة ما لم يتفق الأطراف على غير ذلك [المادة (60) إثبات ([33])].
ويتحقق الوفاء بقيمة القسط بالمقاصة، متى تحقق الخطر المؤمن منه قبل هذا الوفاء فتجرى المقاصة بين مبلغ التأمين الذى يجب على المؤمن أداءه للمؤمن له وبين قيمة القسط المستحق ([34]).

الفرع الثانى : جزاء الإخلال بالتزام الوفاء بالقسط

140- عرفنا أن عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين ولذلك فإنه يخضع إلى القواعد العامة فى الالتزامات التبادلية فى حالة إخلال أحد الأطراف بالتزاماته. وبناء ذلك فإن هذه القواعد تخول المؤمن فى حالة تقاعسه عن الوفاء بالقسط أو تأخر فيه، بعد إعذاره، المطالبة بالتنفيذ العينى أو بفسخ العقد. ولما كان عقد التأمين من العقود الزمنية فإن الحكم بالفسخ ذا أثر فورى لا رجعى بمعنى أن المؤمن لا يتحلل من التزامه بتحمل تبعة تحقق الخطر المؤمن منه إلا من وقت الحكم بالفسخ.
وفى ضوء ما سبق يتبين أن تطبيق القواعد العامة على إخلال المؤمن له بالتزامه بالوفاء بالقسط يترتب عليه إجحاف بالمؤمن لأنه يكون ملتزما بضمان الخطر المؤمن منه فى الوقت الذى يكون المؤمن له مخلاً بالتزامه بهذا الوفاء. لذلك جرى العرف التأمينى على التخفيف من ذلك بواسطة أحكام خاصة تتناسب مع ذاتية التأمين.
ونعرض لدراسة الإعذار ووقف سريان التأمين فيما هو آتٍ من نقاط ([35]) :

أولاً –إعـذار المؤمن له

141- إذا تأخر المؤمن له فى الوفاء بقسط التأمين، وجب على المؤمن أن يبدأ بإعذار المؤمن له بضرورة الوفاء وتذكيره بالنتائج المترتبة على إخلاله بالتزامه بهذا الوفاء.
ويكون هذا الإعذار بكتاب موصى عليه يرسل إلى المؤمن له فى موطنه المعلن عنه.
ويترتب على الإعذار النتائج التالية :
أ- محل الوفاء بقيمة القسط يصبح فى موطن المؤمن أو مركز أعماله حتى لو كان من الأقساط التى يتم الوفاء بها فى موطن المؤمن له – عادة – أى يصبح محمولاً بعد أن كان – فى الأصل – مطلوباً.
ب- قطع تقادم دعوى المطالبة بالقسط، على الخلاف القواعد العامة التى تقضى بأن قطع مدة التقادم لا يكون إلا بالمطالبة القضائية أو ما يقوم مقامها ([36]).
ج- بدء حساب مهلة الوفاء بالقسط (30 يوماً) والتى يبدأ بانقضائها وقف سريان التأمين.

ثانياً – وقف سريان التأمين

142- إذا أعذر المؤمن له بالوفاء وانقضت المهلة المحددة لذلك (30يوماً)، والتى يبدأ حسابها من اليوم التالى لإرسال الكتاب الموصى عليه إليه، جاز للمؤمن وقف سريان التأمين على الخطر المؤمن منه. فما هى ماهية هذا الوقف ؟ وما هى شروطه ؟ وما هو الأثر المترتب عليه ؟.
نتناول الإجابة على هذه الأسئلة فيما هو آتٍ من نقاط :

1 – ماهية وقف سريان التأمين
143- يمكن تعريف هذا الوقف بأنه ” هو وقف مؤقت لالتزام المؤمن بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه كجزاء لإخلال المؤمن له بالتزامه بدفع القسط المستحق مع استمرار تحمل الأخير بكل التزاماته ” ([37]).

2- شروط وقف سريان التأمين
144- فى ضوء التعريف – آنف الذكر – يتبين أن يجب أن يتوافر لوقف سريان التأمين الشروط الآتية :

الشرط الأول– إخلال المؤمن له بالتزامه بدفع قسط التأمين. بأن يكون قد تأخر المؤمن له فى دفع القسط أو امتنع عن الوفاء به. أما إذا كان عدم الوفاء راجعاً لسبب أجنبى عن المؤمن له كقوة قاهرة أو بفعل من المؤمن حيث لم يطلب القسط الذى يجب الوفاء به فى موطن المؤمن له فلا يعد ذلك من قبيل الإخلال بالالتزام المبرر لوقف التأمين.

الشرط الثانى– إعذار المؤمن له بضرورة دفع القسط المستحق. وهذا الأعذار يتم بموجب كتاب موصى عليه مرسل إلى المؤمن له ينبه عليه بضرورة دفع القسط ومذكراً له بالنتائج المترتبة على عدم الوفاء.

الشرط الثالث– انقضاء مهلة الوفاء (30يوماً) : لم يعط العرف التأمينى الحق للمؤمن فى وقف سريان التزامه بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه بمجرد إعذار المؤمن له والتنبيه عليه بدفع القسط المستحق. بل أعطى مهلة للأخير للوفاء بهذا القسط وتدارك الأثر المترتب على هذا الوقف، وقدر هذه المهلة بثلاثين يوماً تبدأ من اليوم التالى لإرسال الكتاب الموصى عليه.

3 – الأثر المترتب على وقف سريان التأمين
145- إذا توافرت الشروط – آنفة البيان – اللازمة لإعمال المؤمن لجزاء وقف سريان التأمين، ترتب عليه الآثار الآتية :
– وقف التزام المؤمن بتحمل تبعة الخطر المؤمن منه، أى أن المؤمن لا يكون ملتزماً بدفع مبلغ التامين إلى المستفيد من التأمين إذا تحقق الخطر المؤمن منه خلال الوقف. وذلك حتى يقوم المؤمن له بالوفاء بما هو مستحق من أقساط مع المصاريف إن وجدت أو ينزل المؤمن – صراحة أو ضمنياً – عن حقه فى الوقف.
– استمرار التزام المؤمن له بكافة التزاماته الناشئة عن عقد التأمين، لأن وقف سريان التأمين يتعلق فقط بوقف التزام المؤمن بتحمل تبعة تحقق الخطر المؤمن منه. أما التزامات المؤمن له تظل قائمة فيجب عليه بداءة الوفاء بالأقساط المستحقة وإعلام المؤمن بتفاقم الخطر المؤمن منه وأخطاره بتحقق الخطر المؤمن منه.

4- زوال وقف سريان التأمين
146- لا جرم أن الوقف يدور مع سببه وجوداً وعدماً، وبناء على ذلك فإن هذا الوقف يزول بزوال سببه وهو الوفاء بقيمة القسط المستحق مع ما تكبده المؤمن من مصروفات بسبب التأخر فى الدفع ([38]). ويستوى حدوث هذا الوفاء من المؤمن له أم من الغير سواء أكان له مصلحة فى سريان التأمين أم لم يكن له مصلحة فى ذلك.
ويزول الوقف – كذلك – بنزول المؤمن عنه – صراحة أو ضمنياً – لأن وقف سريان التأمين حق له فيجوز التمسك به أو النزول عـنه.
ولا غرو أن يكون لزوال الوقف أثر فورياً لا رجعياً، أى أن التأمين يعود للسريان اعتباراً من تاريخ الزوال ويقع على عاتق المؤمن تبعة تحقق الخطر المؤمن منه، ما لم يكن قد حكم بفسخ عقد التأمين بناء على طلب المؤمن بعد مضى مدة (10 أيام ) من تاريخ الوقف ([39]).

ثالثاً – التنفيذ العينى أو الفسخ
147- يجوز للمؤمن، متى انقضت مدة (10 أيام) من تاريخ الوقف أى بانقضاء أربعون يوماً كاملة من تاريخ الإعذار، المطالبة القضائية بالتنفيذ العينى ويستصدر حكم بإلزام المؤمن له بدفع قسط التأمين والمصروفات والتعويض إن كان له مقتضى.

ويجوز للمؤمن – كذلك – أن يطلب فسخ العقد متى انقضت تلك المدة. ويترتب على الفسخ زوال عقد التأمين بالكلية من تاريخ إرسال كتاب موصى عليه إلى المؤمن له على آخر موطن معلن عنه ([40]) أو رفع دعوى قضائية بالفسخ ([41]).

المطلب الثالث : الإخطار بتحقق الخطر المؤمن منه

148- لا جرم أن القواعد العامة تقضى بأن العقد لا يقتصر على إلزام العاقد بما ورد فيه، بل يتناول كل ما يعد من قبيل مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة وبحسب طبيعة الالتزام [المادة (148/2) مدنى ([42])]. ولقد أورد العرف التأمينى تطبيقاً خاصاً لذلك بإلزام المؤمن له بإخطـار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن مـنه ([43])، لأن التزام الأخير الجوهرى هو تحمل تبعة ذلك، والوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض.
ونعرض لبعض أحكام الالتزام بالإخطار عن تحقق الخطر المؤمن منه والجزاء المترتب على الإخلال به، من خلال النقاط التالية :

أولاً – أحكام الالتزام بالإخطار عن تحقق الخطر
149- نوهنا إلى أنه يقع على عاتق المؤمن له الالتزام بالإخطار عن وقوع الحادثة المؤمن منه، كالوفاة فى التأمين من الحياة لحال الممات، واحتراق الأشياء المؤمن عليها فى التأمين ضد الحريق، وقيام مسئولية المؤمن له عن تعويض المضرور فى التأمين من المسئولية … الخ.

1- شروط وجوب الأخطار
150- يجب، لقيام واجب الإخطار على عاتق المؤمن له، أن تتوافر الشروط التالية :

الشرط الأول–تحقق الخطر المؤمن منه :
يشترط لقيام واجب الإخطار أن تكون الحادثة التى وقعت تمثل بمثابة الخطر المؤمن منه المدرج فى وثيقة التأمين.

الشرط الثانى–علم المؤمن له بمسئولية المؤمن عن هذا الخطر :
يجب، فوق وقوع الكارثة، أن يتوافر لدى المؤمن له العلم بأن هذه الكارثة تمثل الخطر المؤمن منه الذى يسأل عنه المؤمن وتلقى على عاتقه الوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض.

2- وجوب الإخطار عن تحقق الخطر
151- متى توافرت الشروط – آنفة البيان – وجب على المؤمن له إخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه. كما يتحقق الإخطار من المؤمن له يتحقق بصدوره من خلفه العام أو الخاص أو من المستفيد.

3- شكل الإخطار بتحقق الخطر وميعاده
152- ليس للإخطار شكل خاص، فيجوز أن يكون بكتاب موصى عليه أو بأى وسيلة اتصال أخرى (كالخطاب العادى أو البرقية أو التلكس أو الفاكس أو الهاتف … الخ)، ولما كان الإخطار واجباً على المؤمن له فإن عبء الإثبات يقع على عاتقه، ولذلك عليه تخير وسيلة تخفف عنه هذا العبء.
لم يرد بتقنينا المدنى نص يحدد ميعاداً معيناً للإخطار، على نحو يوحى بأن المشرع ترك هذا الأمر للإرادة المشركة للإطراف. ومع ذلك فإنه يجب أن يكون الإخطار خلال مدة معقولة، وقاضى الموضوع هو الذى يحدد معقولية المدة عند المنازعة. وإذا تأخر المؤمن له عن الإخطار خلال المدة المحددة اتفاقاُ فى العقد أو المدة المعقولة دون مبرر وترتب على ذلك إلحاق ضرراً بالمؤمن، أضحى له الحق فى مطالبة المؤمن له المخطئ بالتعويض عن هذا الضرر ([44]).

ثانياً- جزاء الإخلال بالالتزام بالإخطار عن تحقق الخطر
153- لا جرم أن مشرعنا المدنى لم يضمن الأحكام الخاصة بعقد التأمين حكماً ينظم التزام المؤمن له بإخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه. وبالتالى لم يكن فى حاجة إلى النص على جزاء على الإخلال به. ولما كان الإخطار عن تحقق الخطر المؤمن منه التزاماً يلقيه عقد التأمين على عاتق المؤمن له، فإن الإخلال به يرتب مسئوليته العقدية – طبقاً للقواعد العامة – [المادة (157/1) مدنى ([45])]. ومع ذلك فإن مشروع الحكومة قد أورد نوعين من الجزاء هما ([46]) :
الأول– خفض قيمة التعويض المستحق – عن تحقق الخطر –بمقدار ما أصاب المؤمن من ضرر نتيجة التأخير فى الإخطار.
الثانى– سقوط الحق فى التعويض المستحق – عن تحقق الضرر – متى أقام المؤمن الدليل على سوء نية المؤمن له فى عدم الإخطار.
بيد أن الأمر متروك للإرادة المشتركة للإطراف والاتفاق على جزاء معين للإخلال المؤمن له بواجب إخطار المؤمن بتحقق الخطر منه، سواء أكان هذا الجزاء فى صورة سقوط الحق فى مبلغ التأمين أم كان فى شكل تخفيض لهذا المبلغ.

المبحث الثانى : آثار التأمين بالنسبة للمؤمن

154– أسلفنا أن عقد التأمين من العقود الملزمة للجانبين، وأنه كما ألقى بالتزامات على عاتق المؤمن له (الإعلام ببيانات الخطر والإعلان عن تفاقمه ودفع القسط والإخطار عن تحقق الخطر)، فإنه يلقى على عاتق المؤمن بالتزام مقابل هو تحمل تبعة الخطر المؤمن منه ودفع مبلغ التأمين أو التعويض إلى المؤمن له أو المستفيد عند تحقق الخطر أو حلول أجل العقد ([47]).
بيد أنه قد يتسبب الغير بفعله فى تحقق الخطر المؤمن منه الذى يترتب عليه تنفيذ المؤمن لالتزامه بالوفاء بمبلغ التأمين لصاحب الحق فيه، فهل هذا يخول المؤمن الحق فى الرجوع على الغير بقيمة هذا الوفاء ؟.
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال المطلبين التاليين :

المطلب الأول : التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين

155- ألفينا أن المؤمن له يلتزم بإخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن له الذى يلزمه بدفع مبلغ التأمين أو مقدار التعويض.
ونتناول دراسة هذا الالتزام فيما هو آتٍ من نقاط :

أولاً – محل الالتزام
156- متى قام المؤمن له بتنفيذ التزامه بأخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه – خلال المدة المتفق عليها أو مدة معقولة – أضحى المؤمن ملتزماً بدفع مبلغ التأمين أو قيمة التعويض لصاحب الحق فيه (الدائن).
ويمكن تعريف مبلغ التأمين الذى هو محل التزام المؤمن بأنه ” هو مبلغ من المال (مقدراً أو قابل للتقدير(*)) يلتزم المؤمن بدفعه للمؤمن له (أو من يحل محله(**)) وفاءً لالتزامه بتحمله تبعة تحقق الخطر المؤمن منه “.

ثانياً – الدائن بمبلغ التأمين
157- فى ضوء التعريف السابق يتبين لنا أن المدين بالوفاء بمبلغ التأمين هو المؤمن والدائن به هو المؤمن له. وقد ينتقل حق المؤمن له إلى خلفه الخاص أو العام أو الشخص المعين فى عقد التأمين أو بنص القانون مستفيداً ، كالشخص الذى يؤمن على حياته مع تعين ابنه فى العقد مستفيداً أو كالمضرور من حوادث السيارات الذى يعينه القانون مستفيداً.
ويقع على عاتق صاحب الحق فى مبلغ التأمين إثبات تحقق الخطر المؤمن منه وإخطار المؤمن به لكى يلزمه بالوفاء التزامه.

ثالثاً – ميعاد حلول أجل الالتزام بالوفاء بمبلغ التأمين
158- عرفنا أنه يجب على المؤمن له أو من يحل محله إخطار المؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه، فمتى تحقق هذا الخطر وتم الإخطار به أمسى المؤمن ملزماً بالوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض من وقت تحققه، فمثلاً فى التأمين على الحياة لحال الوفاة يحل أجل العقد بوفاة المؤمن عليه وفى الوقت نفسه يحل أجل التزام المؤمن (المدين) بالوفاء بمبلغ التأمين ([48]).
وعلى العموم يجب على المؤمن (المدين) الوفاء بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض خلال مدة معقولة ويخضع تقدير معقولية هذه المدة للسلطة التقديرية لقاضى الموضوع عند المنازعة.

المطلب الثانى : حق المؤمن فى الرجوع على الغير

159- عرفنا – آنفاً – أنه يجب على المؤمن تنفيذ التزامه بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له أو من يحل محله عند تحقق الخطر المؤمن منه. غير أنه قد يتسبب الغير بفعله فى تحقق هذا الخطر وتنفيذ المؤمن لالتزامه، فهل هذا يخوله حق الرجوع على الفاعل بمبلغ التأمين الذى وفى به للمؤمن له ؟.
بيد أن الإجابة على هذا التساؤل يتطلب التفرقة بين نوعى التأمين (الأشخاص والأضرار) ([49]).

أولاً – التأمين على الأشخاص

160 – نعلم أن هذا النوع من التأمين هو الذى يكون المؤمن عليه فيه هو الإنسان، وأنه ليس ذا صفة تعويضية. بمعنى أن المؤمن يلتزم بدفع مبلغ التأمين لصاحب الحق فيه عند تحقق الخطر المؤمن منه بغض الطرف عن تحقق ضرر أم عدم تحققه أو أن مبلغ التأمين يتعادل مع الضرر الذى لحق المؤمن له أم ينقص عنه أو يتجاوزه، فكل ذلك لاعتبار له فى هذا النوع من التأمين.
ومن ثم فإنه يجوز للمؤمن له الجمع بين مبلغ التأمين من المؤمن بسبب تحقق الخطر المؤمن منه – طبقا لأحكام عقد التأمين – وبين التعويض من الغير فاعل الضرر الناجم عن تحقق الخطر المؤمن منه – طبقاً لأحكام المسئولية التقصيرية -. فمثلاً لو أن شخص أمن على حياته لحال الوفاة وتسبب الغير بفعله فى وفاته، فإن المستفيد من هذا التأمين يستحق من المؤمن مبلغ التأمين – بموجب عقد التأمين – وله كذلك الحق فى مطالبة المتسبب فى الوفاة (فاعل الضرر) بالتعويض متى كان قد لحقه ضرر من ذلك.
وبناء على ذلك فإن هذا النوع من التأمين لا يخول المؤمن الحق فى الرجوع على الغير فاعل الضرر، الذى تسبب بفعله فى تحقق الخطر المؤمن منه، لمطالبته بمبلغ التأمين الذى وفى به إلى المؤمن له تنفيذاً لالتزامه الناشئ عن عقد التأمين [المادة (765) مدنى

ثانياً – التأمين من الأضرار

161- نعلم أن هذا النوع من التأمين، على خلاف التأمين من الأشخاص، هو الذى يكون الخطر المؤمن منه أمراً يتعلق بمال المؤمن له لا بشخصه. وأن لهذا النوع صفة تعويضية، بمعنى أن قيمة التعويض تقدر بقدر الضرر شريطة ألا يتجاوز مبلغ التأمين المحدد فى عقد التأمين (أى بأقل القيمتين مبلغ التأمين أو مقدار الضرر) [المادة (751) مدنى ([1])].
ومن ثم فإنه لا يجوز للمؤمن له الجمع بين التعويض الذى يحصل عليه من المؤمن بسبب تحقق الخطر المؤمن منه – طبقاً لأحكام عقد التأمين – وبين مطالبة الغير بالتعويض لتسبب فعله فى الضرر الذى لحقه من تحقق هذا الخطر – وفقاً لأحكام المسئولية التقصيرية، لتعارض ذلك مع الصفة التعويضية التى يتصف بها هذا النوع من التأمين. فمثلاً لو أن شخص أمن على منزله ضد الحريق وتسبب الغير فى حريقه، فإذا حصل على تعويض الضرر من المؤمن لا يجوز له مطالبة الغير بتعويض عن ذات الضرر الذى عوضه عنه المؤمن.
وبناء على ذلك فإنه يجوز للمؤمن فى ظل هذا النوع من التأمين – وعلى عكس التأمين على الأشخاص – الرجوع على الغير، الذى تسبب بفعله الخاطئ فى تحقق الخطر المؤمن منه وتنفيذ التزامه بدفع التعويض للمؤمن له، ومطالبته بقيمة التعويض الذى وفى به للمؤمن له جبراً للضرر الذى لحق به من جراء تحقق هذا الخطر.
– الطبيعة القانونية لحق المؤمن فى الرجوع على الغير فاعل الضرر

162- لا غرو أن يحدث خلاف فقهى حول تحديد الطبيعة القانونية لحق المؤمن فى الرجوع على المتسبب بفعله الخطأ فى تحقق الخطر المؤمن منه.
ونستعرض فيما هو آتٍ من نقاط الآراء الفقهية حول طبيعة حق المؤمن فى الرجوع على الغير فاعل الضرر.

الضرر هو أساس حق المؤمن فى الرجوع على الغير

ذهب رأى إلى أن طبيعة هذا الحق تكمن فى الضرر الذى لحق بالمؤمن من تنفيذ التزامه بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له بسبب الفعل الخاطئ من الغير، ويتم الرجوع على الغير بموجب أحكام المسئولية التقصيرية.
غير أن هذا الرأى لم يصل إلى الهدف الذى صوب عليه، لأن المؤمن يوفى بمبلغ التأمين وفاءً منه لالتزامه الناشئ عن عقد التأمين، ومن غير المقبول اعتبار أن الوفاء بالالتزام نوعاً من الضرر الموجب للتعويض.
دعوى الحلول هى أساس حق المؤمن فى الرجوع على الغير
ذهب رأى آخر إلى أن المؤمن يرجع على الغير فاعل الضرر بموجب دعوى الحلول – طبقاً للقواعد العامة – [المادة (326) مدنى ([2])]. لأن وفاء الأول بمبلغ التأمين للمؤمن له يعد بمثابة وفاءً بدين فى ذمة الغير (المسئول).
غير أن هذا الرأى لم يصب كبد الحقيقة لأن المؤمن يوفى بالتزامه الناجم عن عقد التأمين لا يوف بالتزام غيره حتى يخول الحق فى الحلول محل الدائن (المؤمن له) فى مطالبة المدين (المسئول) بقيمة الوفاء.

حوالة الحق هى أساس حق المؤمن فى الرجوع على الغير
ذهب رأى إلى أن الحق فى الرجوع هو بمثابة حوالة الحق [المادة (303) مدنى ([3])]. إلا أن ذلك يتطلب قيام المؤمن له (الدائن) بحوالة حقه إلى المؤمن، سواء أكان ذلك فى عقد التأمين أم كان باتفاق لاحق. وهذا الحوالة لا تكون نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قبلها المدين (المسئول) أو أعلن بها [المادة (305) مدنى ([4])].
الحلول القانونى هو أساس حق المؤمن فى الرجوع على الغير
لا جرم أن المشرع قد حسم الخلاف الفقهى – حول طبيعة حق المؤمن فى الرجوع – بالنسبة للتأمين ضد الحريق حيث أنه خول المؤمن الحق فى الحلول القانونى محل المؤمن له (الدائن) فى مطالبة المسئول (المدين) بقيمة التعويض الذى وفى به تنفيذاً لالتزامه الناشئ عن عقد التأمين. شريطة ألا يكون فاعل الضرر صهراً أو قريباً للمؤمن له ممن يكونون معه فى معيشة واحدة أو يكون شخصاً يسأل عنه المؤمن له، فهؤلاء لم يخوله القانون الحق فى الرجوع عليهم ومطالبتهم بقيمة التعويض الذى وفى به للمؤمن له [المادة (771) مدنى ([5])].

الفصل الرابع انقضاء عقد التأمين

163- عرفنا أن عقد التأمين من العقود الزمنية التى يشكل الزمن عنصراً جوهرياً فيها، لأن حجم التزامات أطرافها يتحدد بموجبه. وبناء على ذلك فانتهاء المدة هو الطريق الطبيعى لانقضاء التأمين. ومع ذلك قد ينتهى عقد التأمين قبل حلول أجله بالفسخ للإخلال بالتزاماته والإنفساخ لهلاك الشئ المؤمن عليه وزوال العقد بعد مدة معينة بالإرادة المنفردة لأحد طرفيه. ولتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين أثر على تنفيذ التزاماته.
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال الحديث عن انقضاء مدة التأمين وتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين، ونحيل أمر دراسة أحكام الفسخ والإنفساخ إلى القواعد العامة، وذلك من خلال المباحث التالية :

المبحث الأول : أحكام انقضاء مدة التأمين

164 – لا جرم أن مدة التأمين من المسائل الجوهرية فى عقد التأمين التى يجب أن تكون محل تراضى من أطرافه وأن تكون من البيانات الجوهرية التى تشتمل عليها وثيقة التأمين ([6]) وأن تكون مكتوبة بشكل ظاهر وواضح.
وبناء على ذلك فإنه يجوز لأطراف العقد أن يحددوا مدة التأمين التى ينقضى العقد بانتهائها، ولا يحد من حريتهم فى ذلك إلا ما جرى عليه العرف التأمينى من أنه إذا زادت المدة التى حددت فى العقد عن خمس سنوات، جاز لكل من طرفى العقد إنهاءه بانقضاء خمس سنوات. وما نص عليه القانون – فى شأن التأمين على الحياة – من جواز تحلل المؤمن له من التزاماته فى أى وقت بأخطار كتابى يرسله إلى المؤمن [المادة (759) مدنى ([7])].
فينقضى العقد بانتهاء مدة التأمين المحددة فى وثيقته أو التى حددها العرف التأمينى.
غير أن عقد التأمين على الحياة يستقل بحكم خاص وهو جواز تحلل المؤمن له من التزاماته بإرادته المنفرة شريطة أن يخطر المؤمن بذلك بكتاب.
غير أن عقد التأمين قد ينقضى قبل انتهاء مدته وقد يمتد بعد انتهاء هذه المدة. ونتناول بيان ذلك من خلال المطالب التالية :

المطلب الأول : فسخ عقد التأمين بالإرادة المنفردة

165- نوهنا – آنفاً – إلى أن عقد التأمين ينقضى بانتهاء مدته المنصوص عليها فى وثيقته. ومع ذلك فقد درج العرف التأمينى على جواز استقلال إرادة أحد الطرفين بفسخ العقد، فيما عدا التأمين على الحياة، قبل انتهاء هذه المدة بمضى خمس سنوات متى كانت مدته المتفق عليها تجاوز خمس سنوات ([8]).

شروط فسخ عقد التأمين بالإرادة المنفردة
166- إذا كان العرف التأمينى قد أطرد على تخويل كل طرف فى عقد التأمين بفسخه بإرادته المنفردة، إلا أن هذا الحكم ليس على إطلاقه بل يجب أن تتوافر فيه الشروط التالية :

الشرط الأول– أن تكون مدة التأمين أكثر من خمس سنوات :
يشترط، لإنهاء عقد التأمين بالإرادة المنفردة لأحد طرفيه، أن تكون مدة التأمين المنصوص عليها فى الوثيقة تجاوز الخمس سنوات.

الشرط الثانى– ألا يكون التأمين تأميناً على الحياة أو لتكوين الأموال :
يلزم، فوق كون المدة الاتفاقية تجاوز الخمس سنوات، ألا يكون عقد التأمين من قبيل التأمين على الحياة أو لتكوين الأموال، لأن مدة التأمين بطبيعتها فى الحالين طويلة ويغلب أن تزيد على خمس سنوات فضلاً عن أن المؤمن له فى التأمين على الحياة يستطيع التحلل من التزاماته فى أى وقت شاء [المادة (759) مدنى]. فما عدا ذلك يجوز لأى طرف أن ينهى عقد التأمين بإرادته المنفردة.

الشرط الثالث– إخطار الطرف الآخر بكتاب موصى عليه بعلم وصول:
يجب، فوق تجاوز المدة خمس سنوات وألا يكون تأميناً على الحياة أو لتكوين الأموال، أن يقوم الطرف، الذى يرغب فى إنهاء عقد التأمين بإرادته المنفردة، بإخطار الطرف الآخر بعزمه على ذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلم الوصول.
الشرط الرابع– ألا يقع الفسخ قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الإخطار :
وأخيراً يجب ألا يقع الفسخ قبل انقضاء ستة أشهر من تاريخ الإخطار بالكتاب الموصى عليه والمصحوب بعلم وصول.

الأثر المترتب على الفسخ عقد التأمين بالإرادة المنفردة
167-لا جناح أنه متى توافر فى الفسخ بالإرادة المنفردة الشروط – آنفة البيان – فقد ترتب عليه أثره بفسخ عقد التأمين وتحلل كل طرف مما يجب عليه للطرف الآخر بانقضاء ستة أشهر من تاريخ إخطار الطرف الآخر برغبته فى فسخ العقد. فمثلاً لو كان تاريخ الإخطار هو الأول من شهر يناير فإن الفسخ لا يقع إلا اعتباراً من الأول من شهر يوليو.
المطلب الثانى : امتداد عقد التأمين بعد انقضاء مدته

168- لا غرو أن يكون عقد التأمين قابلاً للتمديد لأنه من العقود الزمنية التى يجرى فى شأنها التمديد والتجديد الضمنى لارتباطها بالزمن الذى يعد عنصراً جوهرياً فيها. وإن كانت الغاية من التمديد والتجديد واحدة إلا أنه يوجد فارق بينهما على النحو التالى :
-التمديد : يجب النص عليه صراحة فى العقد ولا يتم إلا بموجب هذا النص. وهذا ما يجرى بالنسبة لعقد التأمين من الأضرار.
-التجديد : يتم دون الحاجة للنص الصريح بل يتم بمجرد استمرار الأطراف فى الوفاء بالتزاماتهم الناشئة عن العقد بعد انقضاء الأجل المحدد اتفاقاً فى العقـد. وهذا الذى يجرى عليه العمل فى شأن عقد الإيجار ([9]).
ولقد اطرد العرف – فى سوق التأمين – على أنه يجوز بموجب شرط مدون فى وثيقة التأمين بشكل ظاهر الاتفاق على امتداد العقد من تلقاء نفسه سنة فسنة ([10]).

شروط امتداد عقد التأمين بعد انقضاء مدته
169- لا جرم أنه يجب، لامتداد عقد التأمين بعد انتهاء مدته، أن تتوافر فيه الشروط الآتية ([11]) :

الشرط الأول– أن يكون العقد تأميناً من الأضرار :
يشترط، لامتداد العقد من تلقاء نفسه، أن يكون محله التأمين من الأضرار، أى أن يكون المؤمن عليه يتعلق بمال المؤمن له وليس بشخصه. أما إذا كان محل العقد تأمين على الأشخاص، ولا سيما التأمين على الحياة، فلا يسرى فى شأنه مثل هذا التمديد لأن انقضاءه مرتبط بتحقق الخطر المؤمن منه أكثر من ارتباطه بمدة معينة، فإذا تحقق هذا الخطر فلا يكون هناك حاجة لتمديده.

الشرط الثانى– أن يدرج التمديد الحولى فى الوثيقة فى شكل شرط اتفاقى صريح وظاهر :
يجب، فوق كون محل العقد التأمين من الأضرار، أن يكون النص على التمديد الحولى للعقد بعد انقضاء مدته قد ورد فى وثيقة التأمين فى شكل شرط اتفاقى صريح وظاهر. أما إذ لم يكن الشرط قد ورد صريحاً وظاهراً فى هذه الوثيقة أو تحفظ عليه أحد الأطراف، فإن العقد لا يمتد به.
ولقد ورد فى المادة التاسعة من مشروع الحكومة النص على بطلان كل اتفاق على تمديد العقد لمدة تزيد على سنة. وإن كان هذا المشروع لم ير النور فى صورة قانون حتى تاريخه، إلا أن ذلك لا يحول دون النظر فيما يقرره حيث أن واضع هذا النص قد بالغ فيه عندما قضى ببطلان كل اتفاق على زيادة التمديد عن مدة سنة، فى حين أنه كان الأولى به أن ينص على بطلان الزيادة لا بطلان الاتفاق بأكمله.

الشرط الثالث– انقضاء المدة الأصلية المحددة فى العقد :
يلزم، إلى جانب الشرطين السابقين، أن يكون العقد – فى الأصل – محدد المدة وأن تكون هذه المدة قد انقضت. لأن لا تمديد لعقد غير محدد المدة ولا لعقد لم تنقضى مدته الأصلية.

الشرط الرابع– ألا يعلن المؤمن له معارضته للتمديد قبل انقضاء المدة الأصلية بثلاثين يوماً :
أخيراً، يلزم، لتمديد العقد سنة فسنة، ألا يخطر المؤمن له المؤمن بعدم رغبته فى التمديد قبل انقضاء المدة الأصلية المحددة فى وثيقة التأمين بثلاثين يوماً. أما إذا أعلن المؤمن له عن معارضته لذلك فى الوقت المحدد له، فلا يتم تمديد العقد.
ولقد درج العرف فى سوق التأمين على أن يكون إخطار معارضة التمديد فى شكل كتاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول.

الأثر المترتب على امتداد عقد التأمين بعد انقضاء مدته
170- لا جرم أنه متى توافرت فى التمديد الشروط – آنفة البيان – فإن الأثر المترتب على ذلك هو امتداد عقد التأمين الأصلى الذى انقضت مدته إلى مدة سنة تالية. بمعنى أن يعد بمثابة استمراراً لهذا العقد بشروطه المتفق عليها لا إبراماً لعقد جديد.
المبحث الثانى : تقادم الدعاوى الناشئة عن التأمين

171- لا جرم أن التقادم – فى معناه العام – هو بمثابة مضى فترة زمنية يحددها القانون على أمر ما يترتب عليه فقدان صاحب الحق الحماية القانونية لحقه، وتوفر هذه الحماية للحقوق يتم بواسطة مباشرة الدعاوى القضائية.
ولقد حدد القانون أجل التقادم للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين فى حكم [المادة (752) مدنى ([12])] الذى قضى بتقادمها بمضى ثلاث سنوات من وقت حدوث الواقعة.
ونتناول ذكر الدعاوى التى تعد ناشئة عن عقد التأمين والدعاوى التى لا تعد كذلك. وذلك من خلال المطالب التالية :

المطلب الأول : الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين

172- بادئ ذى بدء نشير إلى أن التقادم الثلاثى (ثلاث سنوات من تاريخ حدوث الواقعة التى تولدت عنها الدعوى) يسرى على الدعاوى أياً كان المؤمن سواء أكان شركة أم كان جمعية تبادلية. ويشمل الدعاوى المتعلقة بالمؤمن أو بالمؤمن له.

أولاً – دعاوى المؤمن الناشئة عن عقد التأمين
173- نعلم أن عقد التأمين تتعلق به أحكام ويرتب التزامات على عاتق طرفيه وأى إخلال بهذه الالتزامات أو بتلك الأحكام من جانب المؤمن له يخول المؤمن مباشرة الدعوى القضائية فى مواجهته. ومن هذه الدعاوى ما يأتى :
-دعاوى المطالبة بالأقساط المستحقة على المؤمن له.
-دعاوى البطلان، إذا أورث خللاً فى أحد أركانه، أو الإبطال لتوافر أحد عيوب الإرادة.
-دعاوى الفسخ لإخلال المؤمن له بأحد التزاماته الناشئة عن العقد أو لعقد التأمين التى تزيد مدته عن خمس سنوات.

ثانياً -دعاوى المؤمن له الناشئة عن عقد التأمين
174- لا جناح أن للمؤمن له الحق فى مباشرة دعوى قضائية فى مواجهة المؤمن، إذا وقع خلل بأحكام العقد أو أخل الأخير بأى التزام ناشئ عن عقد التأمين، ومن أهم هذه الدعاوى ما يأتى :
-دعاوى المطالبة بمبلغ التأمين أو قيمة التعويض عن الضرر الذى لحق به من تحقق الخطر المؤمن منه.
-دعاوى البطلان، إذا أورث خللاً فى أحد أركانه، أو الإبطال لنقص الأهلية أو توافر أحد عيوب الإرادة.
-دعاوى الفسخ لإخلال المؤمن بأحد التزاماته الناشئة عن العقد أو لعقد التأمين التى تزيد مدته عن خمس سنوات.

المطلب الثانى : الدعاوى التى لا تنشأ عن عقد التأمين

175- لا غرو أن تنشأ دعاوى تتعلق بالتأمين، لكن لا يسرى فى شأنها التقادم الثلاثى إلا إذا كانت صادرة من طرف فى عقد التأمين ضد الآخر. أما إذا كانت الدعاوى صادرة من الغير على أحد الأطراف أو من أحد الأطراف ضد الغير، فإن مثل هذه الدعاوى يسرى فى شأنها القواعد العامة فى التقادم وليس التقادم الثلاثى الخاص بعقد التأمين، ومن هذه الدعاوى ما يأتى :
-دعوى المسئولية التى يرفعها المضرور للمطالبة بالتعويض سواء أكانت دعوى مباشرة ضد المسئول (المؤمن له) الذى أمن من هذه المسئولية، أم كانت دعوى غير مباشرة ضد المؤمن التى يستعمل فيها الدائن (المضرور) حقوق مدينه (المسئول).
– الدعوى المباشرة التى يرفعها المضرور ضد المؤمن لمطالبة بالتعويض لتحقق مسئولية المؤمن له التى أمن منها (التأمين من المسئولية)، سواء أكان يستند فيها إلى القانون مباشرة كالتأمين من حوادث السيارات أم كان يستند إلى تعينه فى عقد التأمين مستفيداً (الاشتراط لمصلحة الغير).
-دعوى المؤمن له ضد المسئول عن تحقق الخطر المؤمن منه – فى التأمين على الأشخاص – فمثلاً لو أمن شخص ضد الإصابات الجسدية وتسبب آخر فى حدوث هذه الإصابات، فيصبح من حق هذا الشخص (المؤمن له) مباشرة دعوى المسئولية ضد الآخر (المسئول) لمطالبته بالتعويض.
-دعوى الحلول القانونى للمؤمن محل المؤمن له فى الرجوع على المسئول عن تحقق الخطر المؤمن منه – فى التأمين على الأشياء – ([13]).
-دعوى صاحب التأمين العينى ضد المؤمن بما له من حق على مبلغ التأمين، لأن مبلغ التأمين يحل محل الشئ الذى يرد عليه حق الرهن أو حق الامتياز … الخ ([14]).

المطلب الثالث : بطلان الاتفاق على تعديل أجل التقادم لمصلحة المؤمن

176- الأصل أنه لا يجوز الاتفاق على النزول عن التقادم قبل ثبوت الحق فيه ولا على مدة تختلف عن التى عينها القانون، إلا أنه يجوز النزول عنه بعد ثبوت الحق فيه [المادة (388) مدنى ([15])]
غير أن أحكام التقادم الخاص بالتأمين بعد أن أقرت ذاك الأصل أوردت استثناءً مفاده جواز الاتفاق على تعديل هذه الأحكام متى كان ذلك يحقق مصلحة المؤمن له أو المستفيد. بمعنى أن الاتفاق على ما يخالف تلك الأحكام يقع باطلاً إذا كان لمصلحة المؤمن، ويصح إذا كان لمصلحة المؤمن له أو المستفيد [المادة (753) مدنى ([16])] ([17]).
ففى تقديرنا أن النص الأول يمثل حكماً عاماً والنص الثانى يمثل حكماً خاصاً والقاعدة تقضى بأن الخاص يخصص العام فيما تعارض معه، بالإضافة إلى أن مصدر النصان هو المشرع الذى له المغايرة بين الأحكام وفقاً لمقتضيات المصلحة المراد حمايتهـا([18]).
المطلب الرابع : بدء سريان تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين

177- يسرى التقادم الثلاثى للدعاوى الناشئة عن عقد التأمين اعتباراً من الوقت التى حدثت فيه الواقعة التى تولدت عنها الدعوى [المادة (752/1) مدنى ([19])]. فمثلاً دعوى مطالبة المؤمن له للمؤمن بمبلغ التأمين، لتحقق الخطر المؤمن منه، تتقادم بثلاث سنوات تبدأ من وقت تحقق هذا الخطر. ودعوى مطالبة المؤمن للمؤمن له بالقسط المستحق تتقادم بثلاث سنوات من وقت حلول أجل الوفاء بالقسط.
غير أنه توجد حالتين يبدأ فيهما سريان التقادم فى وقت غير وقت حدوث الواقعة التى تولدت عنها الدعوى، وهما :
الأولى– وقت علم المؤمن بحقيقة ما أخفاه طالب التأمين من بيانات متعلقة بالخطر المؤمن منه أو ما قدمه من بيانات غير صحيحة أو غير دقيقة عن هذا الخطر. فيبدأ سريان التقادم الثلاثى من هذا الوقت وليس من وقت حدوث الواقعة التى تولدت عنها الدعوى [المادة (752/2{أ}) مدنى ([20])].
الثانية– وقت علم ذوى الشأن بتحقق الخطر المؤمن منه. فالتقادم يبدأ من هذا الوقت وليس من وقت حدوث الواقعة التى تولدت عنها الدعوى [المادة (752/2{ب} مدنى ([21])].

الباب الثالث الأحكام الخاصة ببعض أنواع التأمين

178- لا جرم أن مشرعنا المدنى بعد أن فرغ من وضع الأحكام العامة بعقد التأمين أردف ذلك بأحكام خاصة بنوعين من التأمين هما : التأمين على الحياة. والتأمين ضد الحريق. واتخذ الأول كأنموذج للتأمين على الأشخاص والثانى كأنموذج للتأمين من الأضرار.
ففى ضوء ذلك يتبين أن التأمين ينقسم قسمين رئيسين هما : التأمين على الأشخاص والتأمين من الأضرار. فالأول هو التأمين الذى يكون فيه الخطر المؤمن منه أمراً يتعلق بشخص المؤمن له لا بماله (كالتأمين على الحياة لحال الوفاة أو البقاء والتأمين ضد الإصابات والتأمين ضد المرض … الخ). والثانى هو التأمين الذى يكون فيه الخطر المؤمن منه يتعلق بمال المؤمن له لا بشخصه ( كالتأمين ضد الحريق ومن السرقة ومن المسئولية … الخ ).
غير أن الاختلاف بين التأمين على الأشخاص وبين التأمين من الأضرار لا ينحصر فى محله فقط (الشخص نفسه أو ماله). بل يختلف – أيضاً – من حيث الصفة التعويضية التى يتميز بها التأمين الثانى عن الأول والتى تعنى أن تحقق الخطر المؤمن منه فى التأمين من الأضرار لا يخول المؤمن له أو المستفيد مطالبة المؤمن إلا بتعويض يعادل قدر الضرر دون زيادة أو نقصان، شريطة ألا يتجاوز مبلغ التأمين المحدد فى العقد. أى أن المؤمن له يستحق أقل القيمتين بين قيمة الضرر ومبلغ التأمين المحدد. أما التأمين على الأشخاص فليس ذا صفة تعويضية حيث أن المؤمن له أو من يحل محله يستحق مبلغ التأمين المحدد بغض الطرف عن حدوث ضرر من تحقق الخطر المؤمن منه أو من عدمه.
وفضلاً عن ذلك فإن للمؤمن له تقاضى أكثر من مبلغ تأمين فى حالة تعدد المؤمن، أو الجمع بين مبلغ التامين الذى يحصل عليه من المؤمن وقيمة التعويض الذى يحصل عليه من المسئول عن تحقق الخطر المؤمن منه.
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال الفصليين التاليين :
الفصل الأول – التأمين على الأشخاص.
الفصل الثانى – التأمين من الأضرار.

الفصل الأول التأمين على الأشخاص

179- نعلم أن التأمين يصنف تبعاً للمحل الذى يؤمن عليه من تعرضه للخطر. فإذا كان هذا المحل ذا اتصال وثيق بشخصية الإنسان كان هذا التأمين تأميناً على الأشخاص، سواء أكان متصلاً بالنفس (الموت والحياة) أو ما دونها (الإصابات) أم كان متصلاً بالأحوال الشخصية (الزواج والمهر).
ففى ضوء ذلك يتبين أن لفظة ” الخطر ” بمفهومها العام لا تكون ذات دلالة واضحة بالنسبة لهذا النوع من التأمين. وبناء على يصبح مصطلح ” الخطر المؤمن منه ” غير دقيق. ولذلك من الأفضل استخدام مصطلح ” الواقعة المؤمن منها ” بدلاً عنه لشمول دلالته على الحادثة المؤمن منها سواء أكانت ضراء أم كانت سراء.
ونتناول دراسة هذا الموضوع، من خلال استعراض صور هذا التأمين، فيما هو آتٍ من مباحث.
المبحث الأول – أنواع التأمين على الأشخاص.
المبحث الثانى – أحكام التأمين على الأشخاص.

المبحث الأول : أنواع التأمين على الأشخاص

181- لا غرو أن تتعدد أنواع التأمين على الأشخاص تبعاً لتغاير المحل الذى ترد عليه أو الواقعة المؤمن منها.
ونتناول بيان تقسيمات هذا النوع من التأمين (*)فيما هو آتٍ من مطالب :

المطلب الأول : التأمين على الأحوال الشخصية (الزواج والأولاد)

181- لا غرو أن تكون الغاية من التأمين هى توفير المال للمؤمن له – أو من يقوم مقامه – عند حدوث واقعة مؤمن من تحققها. ومن هذا المنطلق فإن الشخص يلجأ إلى التأمين، فى مجال الأحوال الشخصية، لتغطية نفقاته الطارئة بسبب إقدامه عند بلوغه سناً معينةً على الزواج أو لتوفير المال الذى ينفق منه فى تربية وتعليم أولاده.
فتأمين الزواج عقد بموجبه يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له متى تزوج قبل بلوغه سناً معينةً فى مقابل التزام الأخير بدفع أقساط دورية للأول.
وبديهياً أنه يقصد من إبرام مثل هذا التامين هو تمكين المؤمن له من تدبير ما يلزمه من نفقات الزواج قبل بلوغه العمر المحدد فى العقد.
والظاهر يشير إلى أن تحقق الواقعة المؤمن منها (الزواج) متوقفة على محض إرادة أحد طرفى العقد، ولقد سبق القول أن مثل ذلك يبطل عقد التأمين ([1]). غير أن النظرة الفاحصة تسجل أن هذه الواقعة لا تتوقف على محض إرادة المؤمن له، بل توجد عوامل أخرى من الأهمية بمكان فى تحقق الواقعة المؤمن منها ولا سيما أن الزواج يتم بالاقتران بشـخص أخر لإرادته دور هام فى إتمامـه ([2]).
أما تأمين الأولاد فهوعقد بموجبه يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له عند إنجابه أطفالاً فى مقابل التزام الأخير بدفع أقساط دورية للأول. والغاية من مثل هذا التأمين واضحة وهى تدبير المال اللازم لنفقات إنجاب الأطفال وتربيتهم وتعليمهم.

المطلب الثانى : التأمين على ما دون النفس (المرض والإصابة)

182- لا جرم أنه إذا كان من حق الشخص أن يؤمن نفسه من مستلزمات الأمور السارة كالزواج والإنجاب، فإن التأمين من الحوادث الضارة يكون من باب أولى، كالمرض والإصابة.
ونعرض لتأمين المرض والإصابة من خلال النقاط التالية :

أولاً – التأمين من المرض
183 – نعلم أن المرض هى الآفة التى يتعرض لها كل الكائنات الحية بما فيها الإنسان. وأن المرض من الحوادث غير المرغوب فيها لما يترتب عليها من اعتلال البنية الجسدية وضعفها وما يتكبده المريض من نفقات العلاج.
والتأمين من المرض هو عقد يلتزم المؤمن بموجبه بأن يدفع للمؤمن له – عند مرضه خلال مدة التأمين – مبلغاً محدداً دفعة واحدة أو على دفعات أو بأن يرد إليه نفقات العلاج كلها أو نسبة منها فى مقابل التزام الثانى بدفع أقساط التأمين ([3]).
ونطاق التزام المؤمن بتحمل تبعة تحقق الخطر المؤمن منه قد ينبسط ليشمل كافة الأمراض، وقد ينصب على البعض دون البعض الآخر. وتحديد نطاق هذا الالتزام يخضع إلى الإرادة المشتركة للأطراف. فإذا ما أصيب المؤمن له بمرض يشمله التأمين التزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين بالكيفية المتفق عليها.

ثانياًً – التأمين من الإصابة
184- لا جرم أن الحركة الحياتية للإنسان والطبيعة المحيطة واستخدامه للأشياء الحية وغير الحية تجعله عرضة للإصابة. ولذلك يلجأ الشخص للتأمين من الإصابات الجسدية التى من المحتمل التعرض لها خلال مباشرته لأنشطته المختلفة. وبديهياً أن هذا التأمين لا يدرأ عن المؤمن له تعرضه لمثل هذه الإصابات، بل يخفف من آثارها المالية على ذمته المالية، أى أن التزام المؤمن فى هذا النوع من التأمين ليس هو الحيلولة دون تعرض المؤمن له للإصابة بل هو الوفاء بمبلغ التأمين فى حالة تعرضه لمثل ذلك.
ففى ضوء ذلك يتبين أن التأمين من الإصابة هو عقد يلتزم المؤمن بموجبه بأن يدفع للمؤمن له – عند تعرضه لإصابة جسدية خلال مدة التأمين مبلغ التأمين وبأن يرد إليه نفقات العلاج كلها أو نسبة منها فى مقابل التزام الثانى بدفع أقساط التأمين ([4]).
والخطر المؤمن منه فى هذا النوع من التأمين هو الإصابة وهى كل أذى غير متعمد يلحق جسم المؤمن له بتأثير خارجى مفاجئ.
ويشترط فى الإصابة الشروط الآتية :

الشرط الأول –أن تكون الإصابة بدنية :
يلزم، لكى تكون الإصابة خطراً مؤمناً منه فى هذا النوع من التأمين، أن يكون الأذى لحق جسم المؤمن له بطريق مادى مباشر كالجروح أو والكسور أو بتر العضو أو صعق كهربائى أو الاختناق بالغرق أو غيره.

الشرط الثانى–ألا يكون للمؤمن له أو المستفيد قد تعمد حدوث الإصابة :
يجب، فوق كون الإصابة بدنية، ألا يكون حدوث الإصابة ناجم عن فعل عمدى من المؤمن له أو المستفيد من التأمين. لأن تعمد أى منهما فى حدوثها يعفى المؤمن من تحمل تبعة تحقق هذا الخطر الذى كان تحققه بتعمد أيهما. ومن ثم لا يلتزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين ولا برد نفقات العلاج للمؤمن له. أما الإصابة الناشئة عن تعمد الغير فإن المؤمن يلتزم بالوفاء بكافة التزاماته المترتبة على تحقق الخطر المؤمن منه.

الشرط الثالث–أن تنشا الإصابة بتأثير سبب خارجى :
يجب، فوق كون الإصابة بدنية وعدم تعمد المؤمن أو المستفيد فى حدوثها، أن يكون حدوث الإصابة بسبب خارجى، أى لا يرجع تحققها إلى اعتلال فى جسد المؤمن له. وهذا الذى يميز بين الإصابة عن المرض، فالأولى تحدث عن تأثير خارجى أم الثانى فهو ينشأ عن اعتلال الجسد الآدمى.

الشرط الرابع –أن تقوم علاقة سببية بين السبب الخارجى والإصابة :
وأخيراً يلزم أن تقوم علاقة سببية بين حدوث الإصابة والسبب الخارجى. أما إذا كانت الإصابة منبتة الصلة بهذا السبب لم يتحقق الخطر المؤمن منه فى هذا النوع من التأمين. فمثلاً لو انزلقت قدم شخص فحدثت له رضوض فى الساق وأصيب بنزيف فى المخ، بالرغم أن نصف الجسد العلوى لم يصطدم بشىء، فالرضوض هى الإصابة أما النزيف فهو مرض لانقطاع رابطة السببية بينه وبين السبب الخارجى (الانزلاق).

المطلب الثالث : التأمين على النفس (الوفاة ـ البقاء ـ المختلط)

185- نعلم أن الغاية المبتغاة من التأمين هى بث الطمأنينة فى نفس المؤمن له تدفعه إلى مباشرة كافة أنشطته دون خشية من احتمالات تعرضه للمخاطر المؤمن منها. فالتأمين يوفر للمؤمن له – قبل تحقق الخطر – الطمأنينة. ويعمل – بعد تحققه – على رأب الصدع الذى أحدثه ذلك من الناحية الآثار المالية.
ولما كان الإنسـان – خلال حياته – يتعرض لضعفين بينهما قـوة ([5])، وكان الشخص فى الضعفين يحتاج لما يخفف عنه وطأتهما، كانت الحاجة للتأمين على الحياة بصوره المختلفة.
فالتأمين على النفس (فى عمومه) هو عقد يلتزم المؤمن بموجبه بأن يدفع للمستفيد أو المؤمن له – عند تحقق الواقعة المؤمن منها (الموت أو البقاء أو أيهما) – مبلغ التأمين (دفعة واحدة أو إيراداً مرتباً) ([6]) فى مقابل التزام المؤمن له بدفع أقساط التأمين.
ونستعرض – فى صورة موجزة – للصور المختلفة لهذا النوع من التأمين، وذلك فيما هو آتٍ من نقاط :

أولاًً – التأمين لحال الوفاة
186- لا جرم أن هذا النوع من التامين هو عقد يلتزم المؤمن بموجبه بأن يدفع مبلغ التأمين للمستفيد عند وفاة المؤمن على حياته فى مقابل أقساط يدفعها المؤمن له.
وتتعد صور هذا التأمين إلى :

الصورة الأولى – التأمين العمرى : وهذه الصورة للتأمين لا ترتبط بزمن معين بل ترتبط بأجل المؤمن على حياته وانقضاء عمره، فإذا توفى المؤمن على حياه – باعتباره خطراً مؤمناً منه – التزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمستفيد دفعة واحدة أو إيراداً مرتباً مدى حياته.

الصورة الثانية – التأمين المؤقت : هذه الصورة ترتبطبزمن معين يتحقق خلاله الخطر المؤمن منه، فإذا تحقق هذا الخطر وتوفى المؤمن على حياته خلال الفترة الزمنية المحددة فإن المؤمن يلتزم بالوفاء بمبلغ التأمين للمستفيد بالكيفية المتفق عليها. أما إذا لم يتوف خلال هذه الفترة برئت ذمة المؤمن من هذا الوفاء واحتفظ بالأقساط التى قبضها من المؤمن له. كأن يؤمن شخص على حياته فى الأول من شهر يناير 1985 وأشترط فيه أن يستحق المستفيد مبلغ التأمين إذا توفى قبل حلول الأول من يناير 1995. فإذا توفى خلال هذا الأجل استحق المستفيد مبلغ التأمين، وإذا لم يتوف برئت ذمة المؤمن من الوفاء بهذا المبلغ.

الصورة الثالثة – تأمين البقيا: هذه الصورة لا ترتبط بالزمن بل تربط بين حياتين : حياة المؤمن على حياته. وحياة المستفيد. بمعنى أن المؤمن له يشترط فى وثيقة التأمين أن المستفيد يستحق مبلغ إذا تحققت حياته فى وقت وفاة المؤمن على حياته. فإذا توفى الأخير فى حال حياة الأول التزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمستفيد بالكيفية المتفق عليها. أما إذا توفى المستفيد قبل وفاة المؤمن على حياته برئت ذمة المؤمن من الوفاء بمبلغ التأمين.كأن يؤمن الأب على حياته مع تعيين ابنه المعاق مستفيداً متى تحققت حياته بعد ممات الأب، مثلاً. فإذا تحققت حياة هذا الابن فى حالة وفاة أبيه التزم المؤمن بالوفاء له بمبلغ التأمين، وإذا توفى الابن قبل وفاة الأب برئت ذمة المؤمن من هذا الوفاء.

ثانياًً – التأمين لحال البقاء
187- هذا النوع من التامين هو بمثابة عقد يلتزم المؤمن بموجبه بأن يدفع مبلغ التأمين للمؤمن له أو المستفيد فى حالة تحقق حياة المؤمن على حياته بعد سـنناً معيناً فى مقابل أقساط يدفعها المؤمن له.
وفى هذه الصورة يكون – فى الغالب – المؤمن على حياته هو نفسه المستفيد من التأمين، كأن يؤمن شخص على حياته على أن يشترط أن يستحق مبلغ التأمين عند بلوغه سن الستين من عمره، مثلاً. فإذا تحققت حياته بعد بلوغه هذا السن التزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين للمستفيد، أما إذا توفى المؤمن على حياته قبل بلوغه هذا العمر تبرأ ذمة المؤمن من الوفاء بهذا المبلغ.

ثالثاًً – التأمين المختلط
188- لا جرم أن التأمين المختلط – كما هو واضح من مسماه – يجمع بين نوعى التأمين – آنفا البيان – فهو تأمين لحال البقاء يكون – فى الغالب – المؤمن على حياته مستفيداً. وهو– فى نفس الوقت- تأمين لحال الوفاة يعين الغير فيه مستفيداً.
وهذا النوع من التامين هو بمثابة عقد يلتزم المؤمن بموجبه بأن يدفع مبلغ التأمين للمؤمن على حياته فى حالة تحقق حياته بعد انقضاء فترة زمنية محددة أو للمستفيد فى حالة وفاة المؤمن على حياته خلال هذا الفترة فى مقابل أقساط يدفعها المؤمن له. كأن يؤمن شخص على حياته مع تعيين نفسه مستفيداً إذا تحققت حياته بعد بلوغه سن الستين، مثلاً، وتعيين غيره مستفيداً فى حالة وفاته قبل بلوغه هذا السن.

المبحث الثانى : أحكام التأمين على الأشخاص

189 – لا جرم أن هذا النوع من التأمين تحكمه مبادئ عامة وتخضع بعض تقسيماته لأحكامٍ خاصة.
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال المطالب الآتية :
المطلب الأول – المبادئ العامة للتأمين على الأشخاص.
المطلب الثانى – الأحكام الخاصة بالتأمين على الحياة.

المطلب الأول : المبادئ العامة للتأمين على الأشخاص

190- أسلفنا أنه يوجد فارق بين النوعين الرئيسين للتأمين (الأشخاص والأضرار) ولعل المبدأ الرئيس الذى يفرق بينهما هو الصفة التعويضية اللصيقة بالتأمين من الأضرار وانعدامها فى مجال التأمين على الأشخاص. وهذا المبدأ يتفرع عنه عدة مبادئ فرعية.
ونعرض لهذا المبدأ وما يتفرع عنه من مبادئ فيما هو آتٍ من نقاط :

أولاً – مبدأ انعدام الصفة التعويضية
191- لا غرو أن يفترق التأمين على الأشخاص عن التأمين من الأضرار بمبدأ انعدام الصفة التعويضية التى تلتصق بالأول وتنفك عن الثانى الذى لا يعد وفاء المؤمن بمبلغ التأمين، عند تحقق الواقعة المؤمن منها، تعويضاً عن ضرر لحق بالمؤمن له. بل يعد من قبيل المال المدخر لمواجهة أمراً مستقبلى معين يضعه المؤمن له فى الحسبان. غير أن استرداد هذا المال معلق على شرط واقف هو تحقق الواقعة المؤمن منها.
وبناء على ذلك يلتزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين للمؤمن له أو المستفيد، عند تحقق الواقعة المؤمن منها، ويستوى أن يكون قد لحق المؤمن عليه ضرراً أم لم يلحقه. وبالتالى فلا علاقة بين هذا المبلغ وبين الضرر الناشئ عن تحقق هذه الواقعة، على فرض وجوده، فلا يقاس أيهما على الآخر ولا عبرة للزيادة والنقصان.
وفى ضوء ذلك يتبين أن الشخص يتحسب لوقوع أمراً معيناً يحتاج فيه لأموال مواجهة الآثار المترتبة فيلجأ لهذا النوع من التأمين فى أى صورة من صوره المختلفة (زواج – أولاد – مرض – إصابة – عجز – وفاة – بقاء …الخ)، فإذا ما حدثت الواقعة المؤمن منها تحقق الشرط الواقف والتزم المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين الذى يمكن المؤمن له أو المستفيد من مواجهة الآثار المترتبة عليه ([7]).

ثانياًً – المبادئ المتفرعة عن انعدام الصفة التعويضية
192- لا جرم أن مبدأ انعدام الصفة التعويضية فى التأمين على الأشخاص يتفرع عنه المبادئ التالية :

1-التزام المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين المذكور فى وثيقة التأمين: ويترتب على ذلك أنه ليس للمؤمن الامتناع عن هذا الوفاء كلياً أو جزئياً بحجة أن المؤمن عليه لم يصبه ضرراً أو أن الضرر الذى لحق به ضرراً جزئياً يقل عن مبلغ التأمين. لأن هذا المبلغ ليس تعويضاً عن ضرر، بل الوفاء به التزام على المؤمن يجب عليه الوفاء به سواء أكان لحق المؤمن عليه ضرراً أم كان لم يلحقه مثل ذلك.

2-جواز تعدد وثائق التأمين عن واقعة مؤمن منها واحدة والجمع بين مبالغ التأمين المذكور فى كل وثيقة : ومؤدى هذا أنه يلتزم كل مؤمن، فى حالة تعددهم، الوفاء بكل مبلغ التأمين المدون فى وثيقة التأمين. وليس لأيهم دفع مطالبة المؤمن له أو المستفيد بأنه ملتزماً بحصة فى المبلغ الذى تقاضاه من المؤمن الآخر. لأن التزام كل منهم مستقل عن التزام الآخر ويجوز للمؤمن له أو المستفيد الجمع بين مبالغ التأمين. فمثلاً لو أمن شخص على حياته لصالح أبناءه لدى أربع شركات للتأمين، بأن أمن لدى كل منها بمبلغ (10000 جنيه)، ففى هذه الحالة يجوز للمستفيدين من التأمين أن يحصلوا على (40000جنيه).

3-جواز الجمع بين مبلغ التأمين والتعويض عن الضرر الناجم عن تحقق الواقعة المؤمن منها : انعدام صفة التعويضية فى التامين على الأشخاص تعطى للمؤمن له أو المستفيد إمكانية الحصول على مبلغ التأمين –عند تحقق الواقعة المؤمن منها- من المؤمن ومطالبة الغير المسئول عن الضرر الناجم عن تحقق هذه الواقعة بالتعويض. فمثلاً لو أن شخصاً مؤمناً ضد الإصابة، وتسبب آخر بفعله الضار فى حدوث هذه الإصابة وتحقق الواقعة المؤمن منها، فيصبح للمؤمن له أو المستفيد مطالبة المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين المدون فى وثيقة التأمين ومطالبة المسئول عن الفعل الضار بالتعويض عن الضرر الذى لحق به.

4-عدم جواز حلول المؤمن محل المؤمن له فى الرجوع على الغير المسئول عن تحقق الواقعة المؤمن منه [المادة (765) مدنى ([8])]: يترتب على قيام التأمين على الأشخاص على مبدأ انعدام الصفة التعويضية أنه لا يجوز للمؤمن الحلول محل المؤمن له فى مطالبة الغير المسئول عن تحقق الواقعة المؤمن منها بالتعويض عن الضرر الذى لحق المؤمن له، لأن ذلك حقاً خالصاً للأخير ولا حق للأول فيه.

المطلب الثانى : الأحكام الخاصة بالتأمين على الحياة

193- لا جرم أن التأمين على الحياة أضحى من الأهمية بمكان بين أنواع التأمين الأخرى. على الرغم من الانتقاد الذى وجهه إليه معارضيه.
وإمعاناً فى ترسيخ قدم هذا النوع من التامين فى مجال التامين انفردت وثيقته ببعض البيانات التى يجب أن تشتمل عليها كالبينات التى تتعلق بالمؤمن على حياته والتى تتعلق بالمستفيد والخاصة بالمؤمن له وكذلك البيانات الخاصة بالمؤمن. وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يحدد نوع التأمين تحديداً نافياً للجهالة، إذا كان تأميناً لحال الوفاة أو الحال البقاء أو تأميناً مختلطاً.
ووثيقة التأمين على الحياة، وإن كان يجب أن يعين فيه المستفيد، إلا أن ذلك لا يحول أن تكون إذنية تتداول بين الأشخاص عن طريق التظهير، فيظهرها المستفيد إلى مستفيد آخر يوافق عليه المؤمن على حياته ([9]).
ونتناول دراسة هذا الموضوع من خلال النقاط التالية :

أولاً – أركان عقد التأمين على الحياة

194- لا جناح أن هذا العقد يخضع شأنه شأن سائر العقود للقواعد العامة فى نظرية العقد والأحكام الخاصة بعقد التأمين بوجه عام. ومع ذلك فإن هذا العقد يختص ببعض الخصائص نستعرضها من خلال الحديث عن ركنى التراضى والمحل :

1- الرضاء فى عقد التأمين من الحياة
195- لا غرو أن يثير ركن التراضى فى هذا العقد مسألة تراضى أطرافه. لأن فى هذا النوع من التأمين قد تجتمع فى الطرف الذى يتعاقد مع المؤمن الصفات الثلاث (طالب التأمين والمؤمن له والمستفيد) وقد تتفرق هذه الصفات على أكثر من شخص.
ولبيان هذا الأمر ومدى تأثيره على الرضاء والعقد فيما هو آتٍ من نقاط :

أ- التأمين على حياة الغير
لا جرم أنه يقصد بهذه الصورة من التأمين على الحياة أن طالب التأمين لا يؤمن على حياته إنما يؤمن على حياة شخص آخر. فعقد التامين – هنا – يبرم بين طالب التأمين والمؤمن ولا وجود للمؤمن على حياته فى هذا العقد. فمثلاً يؤمن زوج على حياة زوجته لدى شركة تأمين لمصلحة نفسه أو لصالح أولاده. ففى ضوء هذا المثال يتبين أن عقد التأمين يتم بين الزوج طالب للتأمين والشركة مؤمن وليست الزوجة المؤمن على حياتها أى دور فى هذا العقد.

– بطلان التأمين الذى يخلو من الموافقة المكتوبة من الغير :
وعلى الرغم من أن الغير المؤمن على حياته ليس طرفاً فى مثل هذا العقد. إلا أن المشرع، رغبة منه فى توفير الحماية لهذا الغير وعدم المضاربة على حياته، استلزم موافقته كتابة على التأمين على حياته ورتب على ذلك بطلان عقد التأمين إذا خلا من هذه الموافقة [المادة (755) مدنى ([10])].
والموافقة، سواء أكانت صادرت عن المؤمن على حياته أم كانت صادرت عن من يمثله قانوناً، يجب أن تكون مكتوبة. والكتابة – هنا – ركن انعقاد وليست شرط إثبات.

– سقوط الحق فى مبلغ التأمين فى حالة الاعتداء على حياة المؤمن حياته :
رغبة من المشرع فى عدم المضاربة على حياة المؤمن على حياته قرر سقوط حق المعتدى عمداً على حياته سواء أكان المعتدى هو المؤمن له أم كان هو المستفيد [المادة (757) مدنى ([11])]. وتبرأ ذمة المؤمن من الوفاء بمبلغ التأمين لأيهما.
بيد أن المشرع خول المؤمن له الحق فى استبدال المستفيد بمستفيد آخر حتى لو كان الأول قبل ما اشترط لصالحه وذلك إذا كان العمل الإجرامى من المستفيد قد وقف عند مرحلة الشروع فى إحداث الوفاة [المادة (757/2) مدنى].
غير أنه يجب ملاحظة أن المشرع استلزم لسقوط الحق فى التأمين الآتى :
-القصد الجنائى لدى المعتدى على المؤمن على حياته.
-وفاة المؤمن على حياته بسبب هذا الاعتداء.
فإذا لم يتوافر أى من ذلك فلا يؤدى إلى سقوط الحق. كأن تكون الوفاة ناجمة عن خطأ من المؤمن له أو المستفيد، أو تكون عمداً لكنها لم يترتب عليها تحقق الواقعة المؤمن منها (الوفاة).

ب- التأمين على الحياة لمصلحة الغير
هذه الصورة على عكس سابقتها وهى أكثر أنواع التأمين على الحياة انتشاراً. حيث يقوم الشخص بالتأمين على حياته لمصلحة شخص آخر (الغير) يعينه مستفيداً من هذا التامين. فمثلاً قيام الأب بالتأمين على حياته لمصلحة زوجته أو أولاده.
ولا جرم أن التأمين على الحياة لمصلحة الغير تخضع لأحكام الاشتراط لمصلحة الغير من حيث قبول المستفيد له وحق المشترط (المؤمن له) فى نقض المشارطة والحق المباشر الذى ينشأ للمستفيد فى مواجهة المتعهد (المؤمن).

2- المحل فى عقد التأمين من الحياة
196- لا غرو أن يكون محل هذا النوع من التأمين هو الواقعة المؤمن منها وهى تتعلق بحياة إنسان. فالتامين على الحياة لحال الوفاة محله موت المؤمن على حياته، والتأمين لحال البقاء الواقعة المؤمن منها هى عدم موت المؤمن على حياته حتى انقضاء الأجل المحدد، والتأمين المختلط محله موت المؤمن على حياته أو بقاؤه بعد انقضاء الأجل المحدد.
ويشترط فى هذا النوع من التأمين كسائر الأنواع الأخرى ألا يتعلق تحقق الواقعة المؤمن منها بمحض إرادة أحد الطرفين.
انتحار المؤمن على حياته
قرر المشرع – كقاعدة عامة – سقوط الحق فى التأمين متى كان تحقق الواقعة المؤمن منها (الموت) انتحار المؤمن على حياته. وبناء على ذلك تبرأ ذمة المؤمن من الالتزام بالوفاء بمبلغ التأمين فى هذه الحالة، عدا ما استثنى من هذه القاعدة [المادة (756) مدنى ([12])].
بيد أنه يشترط لسقوط الحق فى مبلغ التامين وبرأت ذمة المؤمن منه الشروط الآتية :
-أن يكون تحقق الواقعة المؤمن منها بسبب انتحار المؤمن على حياته.
-أن يكون انتحار المؤمن على حياته عن إرادة وإدراك.
-عدم توافر إحدى الحالات المستثناة من قاعد السقوط.
غير أن المشرع بعد أن أورد على هذه القاعدة بعض الإستثناءات التى يلتزم فيها المؤمن بدفع مبلغ التأمين أو مبلغ يساوى قيمة احتياطى التأمين، النحو التالى :
-يلتزم المؤمن بدفع مبلغ يساوى قيمة احتياطى التأمين (*) لمن آل إليه الحق.
-لا يسقط الحق فى التأمين إذا كان سبب الانتحار مرضاً أفقد المريض إرادته. شريطة أن يثبت المستفيد أن المؤمن على حياته كان وقت الانتحار فاقد الإرادة.
-مرور عامان على وثيقة التأمين التى اشتراط فيها التزام المؤمن بالوفاء بمبلغ التأمين حتى فى حالة انتحار المؤمن على حياته عن اختيار وإدراك.

ثانياً – أثار عقد التأمين على الحياة
197- لا جرم أنه يترتب على التامين على الحياة ذات الآثار المترتبة على عقد التامين بصفة عامة. حيث أنه يلقى بعدة التزامات على عاتق أطرافه (المؤمن والمؤمن له).
ونحيل فى هذه المسألة لما سبق ذكره عند الحديث عن آثار عقد التأمين بصفة عامة ([13]).

الفصل الثانى التأمين من الأضرار

198- لا جرم أنه إذا كان التأمين على الأشخاص يتعلق بشخص المؤمن عليه؛ فإن التأمين من الأضرار يتعلق بالذمة المالية للمؤمن له وليس بشخصه.
فالتأمين من الأضرار يعمل على رتق الخرق الذى يحدثه تحقق الخطر المؤمن منه فى الجانب الإيجابى للذمة المالية كما فى التامين على الأشياء ضد السرقة أو الحريق أو التلف ……الخ. كما يعمل على إزاحة شبح زيادة الجانب السلبى لهذه الذمة بسبب تحقق هذا الخطر كما فى التأمين من المسئولية.
ويتميز التأمين من الأضرار على التأمين على الأشخاص بعدة خصائص من أهما : الصفة التعويضية والمصلحة فى التامين. فهذه الصفة تعد المبدأ الرئيس فى التأمين الأول كما أن انعدامها يعد كذلك بالنسبة للتأمين الأخير.
فمبلغ التأمين فى التأمين من الأضرار ذا صفة تعويضية ويقدر بقدر الضرر الذى لحق المؤمن له من جراء تحقق الخطر المؤمن منه. بمعنى أن المؤمن يلتزم بالوفاء بهذا المبلغ عند حدوث ضرر وتبرأ ذمته من هذا الوفاء عند انعدامه [المادة (751) مدنى ([14])].
ولا جناح أنه يترتب على التصاق الصفة التعويضية بالتأمين من الأضرار بعض النتائج منها :
-عدم جواز الجمع بين أكثر من مبلغ تأمين أو الجمع بين مبلغ التامين والتعويض متى كان الأول كافٍ لجبر ضرر المؤمن له الذى لحقه بسبب تحقق الخطر المؤمن منه.
-حلول المؤمن محل المؤمن له فى مطالبة الغير، المسئول عن تحقق الخطر المؤمن منه، بالتعويض.
-عدم التزام المؤمن – فى حالة تعدد المؤمنين – إلا بحصة فى مبلغ التامين الذى يتقاضاه المؤمن له بسبب تحقق الخطر المؤمن منه.
أما المصلحة فى التأمين يقصد بها المصلحة الاقتصادية المشروعة فى عدم تحقق الخطر المؤمن منه، أى أن تكون لكل طرف من أطراف التأمين مثل هذه المصلحة فى عدم تحقق هذا الخطر [المادة (749) مدنى ([15])].
ونتناول دراسة هذا النوع من التامين من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول – التامين على الأشياء.
المبحث الثانى – التأمين من المسئولية.

المبحث الأول : التامين على الأشياء (التأمين من الحريق)

199- لا جرم أن التأمين على الأشياء يتعدد تبعاً لنوع الخطر المؤمن منه، فقد يكون تأميناً من تلف المزروعات أو نفوق الماشية وقد يكون ضد السرقة أو التبديد ……الخ وأهم هذه الأنواع وأكثرها هو التأمين من الحريق.
وخطر الحريق من الأخطار الأكثر انتشاراً ويتعرض إليه كل الكائنات الحية وغير الحية (الأشياء)، فإذا تعرض له المؤمن عليه فى شخصه دخل فى نطاق التامين على الأشخاص (الإصابة أو الوفاة) وإذا تعرض له مال المؤمن له دخل فى مجال التأمين على الأشياء.
والتامين من الحريق، باعتباره عقداً، يتطلب أن تتوافر له كافة مقومات قيام العقود، من أركان وشروط ولا سيما ما سبق تناوله بالبيان فى شأن عقد التأمين بصفة عامة.
ويضمن المؤمن كافة الأضرار الناجمة عن الحريق والتى لحقت بالشىء المؤمن عليه من خطر الحريق [المادة (766) مدنى ([16])] ويدخل فى نطاق هذا الضمان الحريق الناجم عن خطأ المؤمن له أو الحادث الفجائى أو القوة القاهرة. ويدخل – كذلك – فى هذا النطاق الأضرار التى تنشأ عن أخطاء الأشخاص الذين يسأل عنهم المؤمن له أيا كانت درجة هذه الأخطاء ومداها [المادة (769) مدنى ([17])] ويضمن – أيضاً – المؤمن الأضرار الناجمة عن الحريق ولو نشأ عن عيب فى الشىء المؤمن عليه ذاته [المادة (767) مدنى ([18])].
ويشمل ضمان المؤمن الأضرار التى تكون نتيجة حتمية لتحقق خطر الحريق ولو لم يكن الحريق قد امتد إليها ولكنها نشأت عن الأعمال اللازمة لإخماده [المادة (766) مدنى ([19])]
ويخرج من نطاق ضمان المؤمن الخسائر والأضرار التى يحدثها المؤمن له عمداً أو غشاً، حتى لو كان قد اتفق على ذلك [ المادة (768) مدنى ([20])].

المبحث الثانى : التامين من المسئولية

200- بادئ ذى بدء نشير إلى أن مصطلح ” التامين من المسئولية” جاء على سبيل المجاز لا الحقيقة. لأن المؤمن لا يؤمن المؤمن له من خطر قيام مسئولية عن الأضرار التى تلحق الغير بفعله أو بفعل من يسأل عنهم أو بفعل الأشياء التى تحت سيطرته، إنما يؤمن فقط من خطر مطالبته بالتعويض عن هذه الأضرار.
فالتأمين من المسئولية هو عقد بموجبه يلتزم المؤمن بالوفاء بقيمة التعويض الذى يطالب به الغير (المضرور) المؤمن له (المسئول) فى مقابل التزام الأخير بدفع أقساط دورية للأول.
فالمؤمن، فى هذا النوع من التامين، يلتزم بالوفاء بقيمة التعويض – عند تحقق الخطر المؤمن منه (المطالبة بالتعويض) – للمؤمن له أو للمستفيد (المضرور) فى حالة الاشتراط لمصلحة الغير فى عقد التأمين أو إذا كان القانون يقضى بمثل ذلك كالتأمين الإجبارى من حوادث السيارات؛ وفى هذه الحالة الأخيرة يصبح للمستفيد من التأمين من المسئولية دعوى مباشرة فى مواجهة المؤمن.
ويتحمل المؤمن بالإضافة إلى قيمة التعويض ما يعد من مستلزماته من نفقات دعوى المسئولية والمصروفات القضائية الأخرى والفوائد التأخيرية التى يحكم بها على المؤمن له (المسئول) بسبب تأخر المؤمن فى الوفاء بقيمة التعويض ([21]).

آثار التأمين من المسئولية
201- حقيق أنه ينشأ عن التأمين من المسئولية علاقتين :
– فالأولى : فيما بين المؤمن والمؤمن له.
– والثانية : فيما بين المؤمن والمضرور.

علاقة المؤمن بالمؤمن له
202- هذه العلاقة يحكمها عقد التأمين المبرم بين المؤمن (شركة التأمين) والمؤمن له (الشخص الذى يخشى مطالبته بالتعويض) والذى يرتب التزامات فى ذمة كل منهما :
فالأول يلتزم بالوفاء بمبلغ التأمين للمؤمن له أو بالتعويض إلى المضرور فى حالة تحقق الخطر المؤمن منه وهو مطالبة المضرور للمسئول (المؤمن له) بقيمة التعويض.
والثانى يلتزم بالوفاء بالقسط التأمينى للمؤمن وإخطاره عن أى أسباب من شأنها أن تؤدى إلى تفاقم الخطر المؤمن منه.
علاقة المؤمن بالمضرور
203- عرفنا أن حق المضرور فى التعويض ينشأ من وقت تحقق الضرر، فإذا ما طالب به ثبت حق المؤمن له فى مبلغ التأمين قبل المؤمن لتحقق الخطر المؤمن منه.
بيد أن للمضرور الحق فى مطالبة المؤمن بمبلغ التأمين عن طريق الدعوى غير المباشر باعتباره دائناً للمؤمن له الذى أضحى دائناً للمؤمن بتحقق الخطر المؤمن منه، وهذه الدعوى تعد من وسائل المحافظة على الضمان العام للمدين ([22])، حيث أن القانون خول الدائن (المضرور) القيام نيابة عن مدينه (المسئول) بإجراءات المطالبة بحقوقه لدى الغير (شركة التأمين) ([23]).

الدعوى المباشرة
204- ولا جرم أن للمضرور مطالبة المؤمن بقيمة التعويض مباشرة فى حالتين :
أولاً – الاشتراط العقدى : إذا كان هناك شرط فى عقد التأمين يعين المضرور مستفيداً وفقاً لأحكام الاشتراط لمصلحة الغير ([24])
ثانياً – النص القانونى : إذا كان هناك نص فى القانون يخول المضرور حقاً مباشراً قبل المؤمن كما فى القانون رقم 79 لسنة 1975 الخاص بالتأمين الاجتماعى وتعديلاته [المادة (66) و(150) تأمين اجتماعى ([25])].
وكذلك الأمر فى ظل القانون رقم 652 لسنة 1955 الذى ينظم المسائل المتعلقة بالتأمين الإجبارى من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات حيث أن هذا القانون يخول المصاب من المركبة الآلية -عدا قطارات السكة الحديد – الحق فى مطالبة شركة التأمين بالتعويض مباشـرة دون المرور بالذمـة المالية للمسـئول (المؤمن له) ([26]).
فالعامل المصاب من حوادث العمل، والشخص المضرور من حادث سيارة له الحق فى ممارسة الدعوى المباشرة مستعملاً لحقه قبل المؤمن، وليس استخداماً لحقوق المؤمن له، كما فى الدعوى غير المباشرة التى تقررها القواعد العامة.
تقادم دعوى المضرور المباشرة فى مواجهة المؤمن
205- لا جرم أن تقادم هذه الدعوى يثير العجب حيث أن الرأى قد يصل إلى درجة الإجماع فى الفكر القانونى على أن الدعوى المباشرة للمضرور من حوادث السيارات فى مواجهة المؤمن (شركة التأمين) تتقادم بمضى ثلاث سنوات من تاريخ وقوع الفعل الضار. وإن كانت محكمة النقض ترى، وفقاً لحكم [المادة (752/ب) مدنى]، أنه يجب أن يبدأ سريان التقادم من تاريخ توافر العلم الحقيقى لدى المضرور بوقوع الحادث ([27]). فى الوقت الذى تتقادم فيه دعوى المضرور فى مواجهة المدعى عليه (المسئول) بمضى ثلاث سنوات من تاريخ العلم بالضرر والمسئول عنه.
وفى تقديرنا أن هذا الرأى محل نظر للآتى :

أولاً – أن الأخذ به يجعل أن الدعوى المباشرة للمضرور فى مواجهة المؤمن (شركة التأمين) تسقط فى الوقت الذى تظل فيه دعوى التعويض فى مواجهة المسئول (المؤمن له) قائمة. فكيف يكون ذلك ؟ فالمؤمن له لم يقم بإبرام عقد التأمين مع المؤمن والوفاء له بالأقساط التأمينية إلا من أجل تفادى الخطر المؤمن منه وهو مطالبته بالتعويض. وفى منطق هذا الرأى قد يتحقق هذا الخطر ولا يستطيع المضرور أو المسئول مطالبة المؤمن بمبلغ التعويض، متى انقضت مدة الثلاث سنوات من تاريخ العلم بوقوع الفعل الضار. لأن الثانى لا يستطيع المطالبة بمبلغ التأمين إلا إذا قام بالوفاء به للمضرور أو طالبه به -وفى هذه الحالة – يتحقق الخطر المؤمن منه. والأول لا يستطيع مطالبة المؤمن بالتعويض إلا إذا توافر لديه العلم الحقيقى بالضرر والمسئول عنه، وقد يعلم بالضرر ولا يعلم بهذا المسئول خلال هذا الأجل وقد يعلم به بعد ذلك.

ثانياً – المادة (752) مدنى بعد أن وضعت، بفقرتها الأولى، القاعدة العامة لتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بانقضاء ثلاث سنوات من وقت وقوع الفعل الضار. قررت فى فقرتها الثانية عدم سريان هذه المدة فى حالتين ما يخصنا منها ما ورد بالبند (ب) الذى ينص على أنه ” فى حالة وقوع الحادث المؤمن منه إلا من اليوم الذى علم فيه ذو الشأن بوقوعه “.
والسؤال الذى يطرح نفسـه، فى هذا الصدد، هو ما هو الحادث المؤمن منه (الخطر المؤمن منه) فى نطاق التأمين الإجبارى من المسئولية عن حوادث السيارات ؟ هل هو وقوع الحادث ؟ أم المطالبة بالتعويض ؟. المنطق القانونى يقتضى عند الإجابة القول بأن هذا الخطر لا يتحقق بوقوع الحادث، إنما يتحقق بالمطالبة بالتعويض. لأن تحقق الأول بدون تحقق الثانى لا يحقق الخطر المؤمن منه، والقول بعكس ذلك يؤدى إلى القول بأن المؤمن يضمن للمؤمن له عدم وقوع الفعل الضار وهذا الأمر ليس فى مقدور البشر. ومن ثم فإن المؤمن يؤمن المؤمن له من تعرضه للمطالبة بالتعويض وبناء ذلك يكون الخطر المؤمن منه هو المطالبة بالتعويض لا وقوع الفعل الضار.
وفى ضوء هذه النتيجة وحكم البند (ب) آنف الذكر يمكن القول بأن تقادم الدعوى المباشرة التى للمضرور فى مواجهة المؤمن (شركة التأمين) تسقط بأقصر الأجلين :
– أجل تقادم دعوى التعويض التى للأول فى مواجهة المسئول (المؤمن له).
– أو بمضى ثلاث سنوات من تاريخ تحقق الخطر المؤمن منه.
والقول بغير ذلك يؤدى إلى أن يثرى المؤمن على حساب المؤمن له بلا سبب.

إغلاق