دراسات قانونية
الشروع في الجريمة (بحث قانوني)
الشــــــروع في الجريمة ( دراسة تحليلية مقارنة )
اعداد الأستاذ : ياسر المدهون
بسم الله الرحمن الرحيم
“إن المجرمين في ضلال وسعر، يوم يسحبون في النار علي وجوههم، ذوقوا مس سقر، إنا كل شئ خلقناه بقدر، وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر ” صدق الله العظيم
* (سورة القمر:آية 48-50)
مقدمة:
إن التشريعات الجنائية المعاصرة تحتفظ أساسا بفكرة الواقعة الإجرامية و تقيم فلسفة قانون العقوبات عليها دون أن تهمل قيمة العوامل الشخصية في تحديد النموذج التشريعي للجريمة في تقدير العقوبة.
لذلك يعاقب القانون على الأفعال المادية التي تتطابق مع نص التجريم و التي تكون ماديات الجريمة فالقانون لا يعاقب على النوايا مهما كانت إجرامية دون أن يعبر عنها بفعل مادي ملموس ينتج أثره في العالم الخارجي فالجريمة هي الاعتداء الذي يصدر من الجاني ضد المجني عليه مخلفا له نتيجة ضارة و على ذلك نلاحظ أن عناصر الركن المادي للجريمة المادية هي السلوك أو الفعل الإجرامي و النتيجة الإجرامية المتحققة و أخيرا العلاقة التي تربط بين الفعل و النتيجة و تدعى العلاقة السببية و إذا تم و استنفذ الجاني كل نشاطه و أفعاله فإنه يرجو و ينتظر تحقق النتيجة فإذا تحققت تمت الجريمة و إذا لم تتحقق تبقى الجريمة ناقصة و بذلك فالنتيجة هي الأثر المادي الذي يتحقق.
فالجرائم المادية هي التي تتحقق فيها النتيجة الإجرامية و يتحقق الضرر للمجني عليه لكن في بعض الأحيان ينفذ الجاني كل نشاطه الإجرامي لكن يتعذر عليه تحقيق النتيجة الإجرامية هنا تكون النتيجة القانونية أي الضرر لم يلحق بالمجني عليه و إنما اعتدى عليه و على مصالحه التي يحميها القانون و هذا ما يطلق بالشروع، و خذا الأخير يعتبر ركن مادي من أركان الجريمة و بما أن القانون يحمي المصالح و يعاقب على الجرائم التي تلحق أضرار بالمصالح فكذلك يعاقب على محاولات الاعتداء عليها لأنه من المحتمل أن تصير هذه المحاولات حقيقية.
وعليه فإن الشروع هو مجرد مرحلة يبدأ فيها الجاني في تنفيذ نشاطه الإجرامي ولكنه لا يحقق النتيجة والقانون يعاقب على النتيجة التي تتحقق وتسبب الضرر للمجني عليه، فما حكم الشروع ؟ هل يعاقب عليه ؟ وإن كان خناك عقـــاب فهل هو بنـفس عقـــــوبات الجريمة التامة ؟
موضوع البحث:
تهدف هذه الدراسة للحديث عن الشروع في الجريمة وأحكام الشروع، ونطاق تطبيقه وأركانه، وعقوبته وبيان موقف التشريعات من الشروع وأحكام القضاء منه.
منهجية البحث:
اتبعنا في بحثنا هذا منهجية البحث التحليلي المقارن وذلك من خلال مقارنة القوانين العربية مع القانون الفلسطيني المطبق في الضفة الغربية والقانون الفلسطيني المطبق في قطاع غزة، وما قررته أحكام المحاكم والسوابق القضائية.
أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في بيان الجزاء الذي يقرره قانون العقوبات الفلسطيني بشكل خاص والتشريعات الجزائية العربية بشكل عام، علي كل من يرتكب السلوك الإجرامي سواء تحققت النتيجة الإجرامية أم لم تتحقق، لأن في كلتا الحالتين هناك اعتداء وسلوك إجرامي حدث فعلاً.
ويعتبر الشروع في الجريمة من القواعد الموضوعية التي نظمها قانون العقوبات الفلسطيني ونص بشكل صريح علي الجزاء، والهدف من تطبيق هذا الجزاء علي المخالفين وهو تحقيق الردع الخاص والعام.
تساؤلات البحث:
يثير بحثنا هذا ويجب علي العديد من التساؤلات منها: –
1- ماهية الشروع وأنواعه ؟
2- ماهية أركان الشروع ؟
3- هل العقاب علي الشروع مثل العقاب علي الجريمة الكاملة ؟
4- ما هو نطاق الشروع ؟
5- هل يتوافر شروع في جميع أنواع الجرائم ؟
6- ما هو العقاب علي الشروع أو المحاولة الإجرامية ؟
خطة البحث:
فصل تمهيدي: السلوك الإجرامي في الشروع
المبحث الأول:مفهوم الشروع
المطلب الأول:مراحل ارتكاب الجريمة
الفرع الأول:مرحلة التفكير
الفرع الثاني:مرحلة التحضير
الفرع الثالث:مرحلة الشروع
المطلب الثاني: أنواع الشروع
الفرع الأول:الجريمة الموقوفة
الفرع الثاني:الجريمة الخائبة
المبحث الثاني: أركان الشروع
المطلب الأول: الركن المادي للشروع
الفرع الأول: البدء في التنفيذ
الفرع الثاني:عدم إتمام الجريمة لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه
المطلب الثاني: الركن المعنوي للشروع
المبحث الثالث: نطاق الشروع
المبحث الرابع: عقاب الشروع
فصل تمهيدي: السلوك الإجرامي في الشروع
تمهيد:
الإنسان كائن مزدوج في طبيعته خلق من مادة وروح. وأودع فيه نوعان من القوى، نوع تأخذ بيده إلى الخير وأخرى تدفعه إلى الشر وهذه الحقيقة ذكرها القرآن الكريم { ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها }. نتج عن ذلك أن كان للإنسان نوعان من السلوك، ما يتفق مع الأخلاق والقانون والنظام وما يختلف عنها. وغالبا ما يمر كلا النوعين بمرحلتين: مرحلة داخلية نفسية لا علاقة لها بالمادة وأخرى خارجية وذات طبيعة مادية تتحسسها الحواس. وكثيرا ما تسبق المرحلة النفسية المرحلة المادية فلا يقوم الإنسان بتنفيذ عمل إلا بعد التصميم على القيام به. وتسبق كلا المرحلتين مرحلة تمهيدية فلا يصمم الإنسان على عمل شيء إلا بعد التفكير به مليا، ولا يقوم بتنفيذه إلا بعد التمهيد لهذا التنفيذ والوصول إلى مبتغاه.
فالسلوك بشكل عام هو مجموعة الأفعال الداخلية ( الذهنية ) والخارجية ( المادية ) والتي بواسطتها يحقق الإنسان ما يريد خيرا ً فخير وإن شراً فشر. فمن يريد إقامة ملجئ للأيتام، لابد أن يفكر في الموضوع مليا، موازنا بين حسناته وسيئاته فإذا ما رجحت الحسنات ينتقل إلى مرحلة أخرى أكثر أهمية ألا وهي مرحلة التصميم والعزم على تنفيذ العمل. ومتى بدأ بالتهيئة للتنفيذ فيكون قد انتقل من المرحلة النفسية إلى المرحلة التمهيدية لمرحلة التنفيذ، وهي إعداد وتحضير الوسائل الضرورية. وما أن يفرغ من التمهيد للمرحلة المادية حتى ينتقل الى تنفيذ العمل والوصول إلى النتيجة التي أرادها الفاعل. (**)
ما قيل بالنسبة للسلوك النافع يقال أيضا في السلوك الضار وما يهدف إليه من نتيجة ضارة أو جرمية حيث يمر الفاعل بنفس المراحل السابقة. فلو أراد شخص قتل آخر يتعين عليه أن يفكر في الأمر، ويوازن بين ما يحقق رغباته ونزواته وبين ما يلحق به من إضرار. فإذا ما أوصله تفكيره إلى الإتيان بفعل القتل فانه ينتقل إلى مرحلة التصميم ليبدأ بعدها بتهيئة وتحضير الوسائل اللازمة للقيام بجريمة القتل مثل شراء سلاح والتدريب عليه، وما أن يفرغ من المرحلة الأخيرة حتى يبدأ التنفيذ وقد يصل إلى النتيجة أو لا يصل.
المبحث الأول: مفهوم الشروع
بعد التفكير في الجريمة و التحضير لها قد يتجه الجاني نحو تنفيذها بالفعل و يقال عندئذ بأنه شرع فيها و لكن فعله لا يصل إلى مرحلة التنفيذ الكامل للجريمة، و في هذه الحالة يعتد المشرع بفعل الجاني و يجرمه في الجنايات و بعض الجنح و عليه فإن تعريف الشروع بوجه عام هو من جرائم الخطر و ليس من جرائم الضرر لأن النتيجة لم تتحقق بمفهومها المادي بل المدلول القانوني أو بمعنى آخر هو ارتكاب سلوك محظور كله أو بعضه دون اكتمال الركن المادي للجريمة.
وعرف المشرع الفلسطيني الشروع أو المحاولة الإجرامية بقوله ” يعتبر الشخص بأنه حاول ارتكاب الجرم إذا ما شرع في تنفيذ نيته علي ارتكاب ذلك الجرم باستعمال وسائل تؤدي إلي وقوعه، وأظهر نيته هذه بفعل من الأفعال الظاهرة ولكنه لم بتمكن من تنفيذ نيته إلى حد إيقاع الجرم.(1)
وعرف مشروع القانون الجنائي العربي الموحد الشروع بقوله ” كل محاولة ارتكاب جناية ظهرت بالبدء في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها، ولم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخي منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها تعاقب بعقوبة تتراوح بين نصف الحدين الأدنى والأعلى للعقوبة المقررة قانوناً للجريمة. (2)
وعرف المشرع الكويتي الشروع بقوله ” هو ارتكاب فعل بقصد تنفيذها إذا لم يستطع الفاعل، لأسباب لا دخل لإرادته فيها، إتمام الجريمة ولا يعد شروعاً في الجريمة مجرد التفكير فيها، أو التصميم علي ارتكابها، ويعد المتهم شارعا سواء استنفذ نشاطه ولم يستطع رغم ذلك إتمام الجريمة.”(3)
ومما سبق بيانه يتضح أن الشروع يمثل مرحلة من مراحل ارتكاب الجريمة، وإذا لم تتحقق النتيجة التي أرادها الجاني بفعله يقوم الشروع، شريطة توافر جميع عناصر الجريمة التامة باستثناء النتيجة(4)
والفقه الإسلامي لم يهتم بوضع نظرية خاصة للشروع أو المحاولة الإجرامية ولكنه فرق بين الجريمة التامة وغير التامة وذلك لأن الشروع أو المحاولة الإجرامية لا يعاقب عليها بقصاص أو حد وإنما يعاقب عليها بالتعزير، فمثلاً الشخص الذي ينقب المسكن ثم يضبط قبل أن يتمكن من الدخول يكون مرتكباً لمعصية تستوجب العقاب. (5)
المطلب الأول: مراحل ارتكاب الجريمة
يعاقب القانون على الأفعال المادية التي تتطابق مع نص التجريم و التي تكون ماديات الجريمة فالقانون لا يعاقب على النوايا مهما كانت إجرامية دون أن يعبر عنها بفعل مادي ملموس ينتج أثره في العالم الخارجي فالجريمة هي الاعتداء الذي يصدر من الجاني ضد المجني عليه مخلفا له نتيجة ضارة و على ذلك نلاحظ أن عناصر الركن المادي للجريمة المادية هي السلوك أو الفعل الإجرامي و النتيجة الإجرامية المتحققة و أخيرا العلاقة التي تربط بين الفعل و النتيجة و تدعى العلاقة السببية ويسبق السلوك الإجرامي مراحل تتولد لدي الجاني تنقسم إلي نفسية مثل مرحلة التفكير وأخري مادية تتمثل في مرحلة الإعداد والتحضير والشروع في السلوك الإجرامي.
الفرع الأول: مرحلة التفكير
و يراد بها مرحلة النشاط الذهني و النفسي الذي يدور داخل شخصية الجاني فتطرأ فكرة ارتكاب الجريمة على ذهنه و يراود نفسه بين دوافع الإقدام على الجريمة و دوافع الإحجام عن اقترافها و بعدها يعقد الجاني العزم على ارتكاب الجريمة.(6)
و المشرع الفلسطيني والأردني والبحريني والليبي والقطري لا يهتم بما يدور في ذهن الشخص و لا يعاقب عليه، إلا إذا ظهر في صورة نشاط خارجي كالاتفاق مع الغير لارتكاب الجرائم ففي هذه الحالة يرى المشرع أنه يعد فعلا خطيرا يهدد المصالح التي يحميها المشرع فيجرمها.
والتشريع لا يعاقب علي أفعال التهديد أو التحريض أو الاتفاق، لكنه يعاقب علي تلك السلوكيات باعتبارها جرائم مستقلة وقائمة بذاتها بصرف النظر عما يحدث بعد ذلك، فهي جرائم خطر لا يعد العقاب عليها عقابا علي مجرد التفكير في الجريمة، بل الجزاء يكون عن جريمة نفذت فعلا ً، أي جريمة تامة وليس محاولة لارتكاب جريمة لم تتم. (7)
الفرع الثاني: مرحلة التحضير
بعد العزم على الجريمة يبدأ الاستعداد لها بأعمال تحضيرية لتنفيذ الجريمة كأن يشتري سلاحا و يتدرب على استعماله ثم يراقب المجني عليه في مواعيد هو يدرس الأمكنة التي يرتادها، فهذه كلها أفعال تحضيرية لا تعد بدورها شروعا، و تفلت من العقاب بوصفها مرحلة في الجريمة غير أن الشارع قد يرى بعض تلك الأعمال التي تعتبر تحضيرية لارتكاب جريمة معينة ما يمكن أن يكون فعلا خطرا فيجرمه بصفة جريمة مستقلة كمجرد تقليد المفاتيح، فهو وإن كان عملا تحضيريا بالنسبة لجريمة السرقة إلا أن المشرع رأى بأن هذا الفعل يهدد المصالح التي يحميها القانون فجرمه بصفة مستقلة.
الفرع الثالث: مرحلة الشروع
إذا تجاوز الجاني مرحلة التحضير للجريمة بدأ في تنفيذها، و بذلك يدخل في مرحلة جديدة تسمى الشروع، و هذا العمل الذي يقترفه الجاني ينطوي على تهديد للمجتمع بخطر معين مما دفع المشرع إلى تجريمه إذا ما وقفت الجريمة عند هذه المرحلة و يتم هذا الوقف إما بسبب تدخل عامل خارجي منع الجاني من الوصول إلى غايته، أو بسبب فشل الجاني في تنفيذ الجريمة رغم قيامه بنشاطه كاملا، و عندئذ يكون بصدد الشروع في الجريمة الذي يعاقب عليه المشرع، و يطلق على الحالة الأولى بالجريمة الموقوفة والثانية بالجريمة الخائبة.(8)
كما اعتبر المشرع الجزائري مرحلة الشروع هي المرحلة التي يتجاوز فيها الجاني مرحلتي التفكير والتحضير ليسلك الجريمة، و لكن لا يصل إلى التنفيذ الكامل للجريمة.
و في هذه الحالة يعتد المشرع بفعل الجاني و الجريمة في الجنايات و بعض الجنح.
فمثلاً الشخص الذي لم يتمكن من إتلاف حواسيب المجني عيه بواسطة نشر فيروسات مدمرة بسبب تمكن المبرمج من وضع برنامج حماية من الفيروسات لتلك الحواسيب يعتبر أنه حاول ارتكاب الجريمة، والشخص الذي لم يتوصل بسلوكه من تدمير منزل غريمه بسبب لا دخل لإرادته فيه وهو عدم انفجار المفرقعات يعتبر مرتكبا لجريمة محاولة إتلاف مال الغير. (9)
وقد استقر القضاء الجزائري علي أنه لثبوت المحاولة يجب توافر الشروط التالية ( 1- البدء في التنفيذ 2- أن يوقف التنفيذ أو يخيب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها 3- أن يقصد به ارتكاب جناية أو جنحة. (10)
المطلب الثاني: أنواع الشروع
الفرع الأول: الجريمة الموقوفة
هو أن يباشر الجاني أعمال بدء التنفيذ و لكن لحيلولة أسباب لم يكن فيها مختارا لم يستطع إتمام الجريمة و وقف على عتبتها، بمعنى آخر يكون الجاني قد بدأ في تنفيذ الجريمة ولم يزل بعد مستغرقا في تنفيذها حيث أنه لو يستنفذ نشاطه الإجرامي، و لكن النتيجة لم تتحقق بسبب ظروف خارجية عن إرادته.(11)
ومثال ذلك أن يدخل لص أحد المتاجر يريد السرقة فيلفى القبض عليه قبل وصوله إلى المال الذي كان يرغب في سرقته فالجاني في هذه الحالة قد بدأ نشاطه و لكن لم يستطع إكماله، أي نشاطه أوقف.
الفرع الثاني: الجريمة الخائبة
وهو أن يستنفذ الجاني كل نشاطه المادي لارتكاب الجريمة ولكن النتيجة التي يسعى إليها لا تتحقق لعوامل خارجية لا دخل لإرادته فيها كمن يطلق الرصاص فيخطأ الهدف أو يصيبه في غير مقتل وينجوا المجني عليه من الموت، أم المجرم الذي يطعن شخصا بسكين عدة طعنات، نرى أن الجاني هنا قد استنفذ كل نشاطه الإجرامي لكن النتيجة لم تتحقق وهي الموت وذلك لأن المجني عليه أنقذ و أسعف بالعلاج، و في هذا النوع من الشروع في بعض الأحيان يقترن الروع الخائب بالموقوف.
قد يتساءل البعض كيف ؟ نقول: إن صوب الجاني مسدسه نحو المجني عليه و أطلق عدة رصاصات أصابته ولكن دون مقتل وهو كذلك انتزع منه شخصا آخر المسدس، إذا خاب أمل الجاني في قتل المجني عليه وأوقف عمله بسبب انتزاع الشخص المسدس من يد الجاني.(12)
المبحث الثاني: أركان الشروع
يشترط في الشروع شأنه شأن كل سلوك إجرامي يخضع للعقاب توافر ركنين:
الأول: الركن المادي: و هو النشاط الخارجي أو السلوك الإجرامي الذي يختلف من جريمة إلى أخرى بحسب نوعها الذي يكشف عن إرادة الجاني في تنفيذ الجريمة.
الثاني: الركن المعنوي ” قصد ارتكاب جريمة عمدية ” و يعني اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بعناصرها القانونية أي القصد الجنائي و هذا يعني أن الشروع يفترض أن الجريمة عمدية فلا شروع في الجرائم غير العمدية.
المطلب الأول: الركن المادي للشروع
يتكون الركن المادي للشروع من عنصرين هما البدء في التنفيذ والوقف اللاإرادي للتنفيذ، وفيما نفصل كل عنصر وفق ما يلي
الفرع الأول: البدء في التنفيذ
حيث أن وضع حد بين الأعمال التحضيرية التي لا يعاقب عليها القانون يقتضي وضع معيار ثابت يفصل بين المرحلتين، و لتحديد معيار فاصل في هذا الشأن لا مفر من الرجوع إلى المعايير الفقهية السائدة في شأنها و قد جرى الفقه على تصنيف الآراء المختلفة التي قيلت في هذه المعايير إلى مذهبين:
المذهب الموضوعي ( المادي ) الذي يهتم بالفعل المادي الذي أرتكب فعلا و بخطواته الإجرامية.
ويذهب أنصار هذا المذهب إلى القول أن البدء في التنفيذ هو السلوك الذي يبدأ به الجاني تحقيق الركن المادي للجريمة، فالركن المادي في جريمة القتل يتمثل في سلوك يؤدي إلى إزهاق روح المجني عليه. (13)
وتجدر الإشارة أن هذا الاتجاه يمتاز بدقته وسهولة تطبيقه ولكنه انتقد علي أساس انه يضيق من نطاق الشروع، ويعرض المصالح والحقوق للخطر.(14)
والمذهب الشخصي الذي يهتم بإرادة الجاني واتجاه إرادته إلى السلوك الإجرامي وهو المذهب الذي استقر عليه العمل في القضاء الفرنسي و الذي أخذ منه المشرع الفرنسي، ويهتم هذا المذهب بخطورة الشخصية الإجرامية للجاني أكثر من الاهتمام بالفعل نفسه.
ويأخذ الفقه في فرنسا وبريطانيا وألمانيا بهذا المذهب، حيث يهدف إلى التوسيع من نطاق الشروع في الجريمة فلا يعول علي شكل السلوك الصادر عن الجاني، بل عما ينم عته هذا السلوك من خطورة إجرامية لديه، علي عكس المذهب المادي الذي يركز علي السلوك الإجرامي.(15)
موقف المشرع والقضاء الفلسطيني من المذهبين / اخذ المشرع الفلسطيني بالمذهب الشخصي كمعيار للفعل الذي يعد بدءاً في التنفيذ أم لا، كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه لا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتبار لته شرع في ارتكاب جريمة أن يبدأ في تنفيذ فعل سابق مباشرة علي تنفيذ الركن المادي لها ومؤد له حتما. (16)
ونحن نري انه لا يشترط أن يؤدي السلوك حالاً إلي ارتكاب الجريمة بل يكتفي أن يؤدي مباشرة إلي ارتكابها ومثال ذلك كمن يرغب في التسبب عمداً إلي إفساد نظام تشغيل الكتروني، فهذا الفعل وان كان لا يؤدي حالاً إلي ارتكاب الجريمة إلا انه قاطع الدلالة علي انعقاد النية علي تنفيذها. (17)
الفرع الثاني: عدم إتمام الجريمة لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه
من شروط الركن المادي للشروع هو وقف التنفيذ أو خيبة أثره و هو أن يقف هذا التنفيذ أو يخب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها، و هذا يعني أنه يجب ألا يعدل الجاني باختياره عن تحقيق الجريمة، و وجوب التوقف أو الخيبة لكي لا تصبح جريمة تامة.
وعليه يجب أن يكون العدول عن الجريمة غير إرادي ومثال ذلك، إذا قاوم المجني عليه الجاني ومنعه من تنفيذ الجريمة أو تدخل شخص ثالث لهذا الغرض. (18)
وتجدر الإشارة إلي أن السياسة الجنائية الحديثة تتجه إلي عدم قيام الشروع إذا تحقق العدول الاختياري لان في ذلك تشجيعا علي عدم ارتكاب الجريمة وتدعيم العوامل المانعة من الإجرام في مواجهة العوامل الدافع إليه.(19)
وننوه إلي أن هناك فرضية تقرر أن يكون عدول الجاني مختلطا أي اضطرارياً من جهة وإراديا من جهة أخري ومثال ذلك كمن يرغب في تصوير فتاة خلسة، ويري شخص مقبلاً نحوه فيعتقد أنه قادماً للقبض عليه فيتوقف عن تنفيذ جريمته، واختلف الفقهاء في هذه المسألة، فذهب رأي إلي اعتبار العدول إرادي علي أساس أن البدء في التنفيذ لم يتوقف لأسباب خارجة عن إرادة الجاني بل كان يستطيع الجاني الاسترسال في التنفيذ ولكنه عدل إراديا عن التنفيذ.
ولكن هذا الرأي لا يمكن التسليم به لأن عدول الجاني لم يكن تلقائياً خالصا بل كان سببه وقائع خارجية. (20)
وذهب رأي للقول بفكرة العدول الغالب فإن كان العدول الإرادي هو الغالب يتوافر الشروع في الواقعة، أما أن كان العدول الاضطراري هو الغالب فيتوافر فيها.(21)
ولكن هذا الرأي يعيبه صعوبة تطبيقه لعدم دفته حيث أن المنطق يقتضي اعتبار العدول في هذه الحالة اضطرارياً ومثال ذلك من يدخل بطاقة صراف إلي بقصد سلب مال صاحب البطاقة ولكنه لم يعثر علي مال يكون عدوله غير إرادياً ويتوافر الشروع في حقه، بينما يكون العدول اختيارياً إذا وجد المال ولم يسرقه. (22)
المطلب الثاني: الركن المعنوي للشروع
يشترط في كل جريمة توافر الركن المعنوي و هو ركن القصد الجنائي بمعنى انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة مع العلم بعناصرها القانونية، لذلك يشترط أيضا لقيام الشروع توافر هذا الركن، و القصد الجنائي اللازم توافره في الشروع هو نقس القصد الجنائي الواجب توافره في الجريمة التامة، فالجاني لا يمكن اعتباره شارعا في جريمة إلا إذا انصرفت نيته إلى ارتكابها تامة، فمثلا إذا كان القصد الجنائي يتطلب في جريمة القتل نية إزهاق الروح و في اختلاس مال مملوك للغير فهو يتطلب نفس النية بالنسبة للشروع في كل من الجريمتين، فإذا نجح الجاني فالجريمة تامة و إذا فشل فالجريمة شروع.
وبالتالي فإن صفة الشروع في الجريمة تلحق بالركن المادي من حيث تحقق أو عدم تحققه ولا تلحقه هذه الصفة بالركن المعنوي أي القصد الجنائي.
وتجدر الإشارة أنه إذا لم تتجه إرادة الجاني إلي ارتكاب جريمة تامة، فلا يسأل عن محاولة اقترفها، بل يسأل عن الجريمة التي تتكون من السلوكيات التي ارتكبها ومثال ذلك إذا أصاب شخص شخصاً آخر بأذى بليغ وثبت أنه لم تتوافر لديه نية إزهاق روحه فإنه لا يسأل عن محاولة قتل ولكن يسال عن أذي بليغ فقط. (23)
المبحث الثالث: نطاق الشروع
هناك بعض الجرائم لا تخضع لفكرة الشروع، قد يكون ذلك بسبب طبيعة هذه الجرائم أو بحكم ضآلة المصلحة المحمية أو المراد حمايتها من وراء تأثيمها، وفيـما يلـي نـــــــــــوضح ذلـــــك: -(24)
أولاً / المخالفات:
حيث لا شروع في المخالفات وأكد المشرع الفلسطيني علي عدم خضوع المخالفات لفكرة الشروع ونصت علي ذلك المادة 28 من قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936، والحكمة من استبعاد المخالفات من تطبيق فكرة الشروع هو ضلة المصلحة المحمية من هذا النوع من الجرائم.
ثانياً / الجرائم غير العمدية:
وهي الجرائم التي يعاقب عليها القانون دون الحاجة إلى توافر القصد لدي فاعلها ويتميز هذا النوع من الجرائم في أن النتيجة التي تتحقق لا تكون نية الفاعل قد اتجهت إلى تحقيقها. (25)
المبحث الرابع
يقتضي بيان العقاب علي الشروع توضيح الجرائم التي يعاقب القانون علي الشروع فيها، ومن ثم مقدار العقاب علي الشروع وذلك علي النحو التالي: –
أولاً / الجرائم التي يعاقب القانون على الشروع فيها:
تنقسم الجرائم إلى جنايات و جنح و مخالفات و يختلف قانون العقوبات الفلسطيني المطبق في قطاع غزة عن قانون العقوبات المطبق في الضفة الغربية ، ففي قانون العقوبات المطبق في قطاع غزة نص المشرع صراحة في المادة 28 من القانون رقم 74 لسنة 1936 علي أن الشروع لا ينطبق علي المخالفات مما يعني أن مجال الشروع هو الجنايات والجنح، أما قانون العقوبات المطبق في الضفة الغربية فقد أقر مبدأ عدم العقاب علي الشروع في الجنح إلا إذا ورد نص خاص بذلك وكذلك فعل المشرع الجزائري حيث نصت المادة 30 من القانون الجزائري علي”المحاولة في الجنح لا يعاقب عليها إلا بنص صريح في القانون”، أما المخالفات فلا عقاب على الشروع فيها طبقا لنص الفقرة الثانية من المادة 31: “المحاولة في المخالفة لا يعاقب عليها إطلاقا”.
وتفسير هذه القاعدة أنه إذا كانت الجريمة جسيمة فالشروع فيها جسيم بدوره و يستحق العقاب، فإن قلت جسامة الجريمة قلت خطورة الشروع، و تطبيقا لذلك فالجنايات جرائم جسيمة لدلك يعاقب على الشروع فيها أما الجنح فهي أقل درجة لذلك لا يعاقب على الشروع فيها إلا بناءا على نص خاص.
ثانياً: مقدار العقاب على الشروع:
تختلف التشريعات الجنائية في عقاب الشروع فتذهب الغالبية العظمى من التشريعات الجنائية إلى تقدير عقوبة للشروع أخف من عقوبة الفعل التام ومنها القانون البلجيكي والمجري والدنمركي وغيرها وبعض هذه التشريعات لا يميز في عقابه للشروع بين الجريمة الموقوفة والخائبة.
و البعض الآخر يميز بين هذين النوعين من الجرائم كما يميز في العقاب أيضا بين الشروع و بين الجريمة التامة، فيخفف من عقاب الجريمة الموقفة و يفرض أشد العقاب على الجريمة الخائبة، أما الجريمة التامة فتلقى أشد من الجريمة الخائبة و تفسير هذا التمييز في عقوبة الشروع و الجريمة التامة يمكن في أن الشروع لا ينال بالاعتداء على الحق الذي يحميه القانون و إنما يقتصر على مجرد تهديده بالخطر و الخطر أقل إضرارا بالمجتمع من الاعتداء أي أن الشروع أقل إضرارا من الجريمة التامة، غير أن هناك بعض التشريعات القليلة تسوي بين عقاب الجريمة التامة و الشروع فيها منها القانون الفرنسي و الروسي و البولوني و الجزائري، و يمكن أن نفسر هذا الموقف أنه اعتداد بالجانب الشخصي للجريمة في تحديد عقابها و القول بأن الإرادة الإجرامية تتوافر في الجريمة التامة، فإن كانت هذه الإرادة أساس العقاب و علته فلا مقر من القول بإيجاد هذا الأساس في الحالتين و من ثم يجب التوحيد لبن عقاب الجريمة التامة و الشروع فيه.
عقوبة الشروع في القانون الفلسطيني:
لقد أخذ المشرع الفلسطيني بسياسة العقاب علي الشروع، وعقوبة الشروع أقل من العقوبة المقررة للجريمة التامة ولقد حددت المادة 29 من القانون رقم 74 لسنة 1936 مقدار العقوبة علي النحو التالي: –
1- الحبس المؤبد في حالة الشروع في جريمة تستوجب عقوبة الإعدام.
2- الحبس مدة لا تزيد عن أربع عشرة سنة في حالة الشروع في جريمة القتل عن غير قصد.
3- الحبس مدة لا تتجاوز عشر سنوات في جريمة تستوجب عقوبة الحبس المؤبد غير جريمة القتل التي وردت في الفقرة السابقة.
4- الحبس مدة لا تزيد عن نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة التامة في الحالات الأخرى.
أما قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 فرق في مقدار العقوبة بين الشروع الناقص والشروع التام وذلك علي النحو التالي: –
مقدار العقوبة في الشروع الناقص: –
نصت المادة 68 من القانون رقم 16 لسنة 1960 علي: –
1- الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من سبع سنوات إلي عشرين سنة إذا كانت عقوبة الجناية التي شرع فيها تستلزم الإعدام.
2- خمس سنوات علي الأقل إذا كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة.
3- أن يحط من أي عقوبة أخري مؤقتة من النصف إلي الثلثين.
مقدار العقوبة في الشروع التام: –
نصت المادة 70 من القانون رقم 16 لسنة 1960 علي النحو التالي: –
1- الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من عشر سنوات إلي عشرين سنة إذا كانت عقوبة الجناية التي شرع فيها تستلزم الإعدام.
2- سبع سنوات إلي عشرين سنة إذا كانت العقوبة للجريمة التي شرع فيها الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤبد.
3- أن ينزل أي عقوبة أخري من الثلث إلي النصف.
الخاتمة:
إن الجدل الفقهي الذي ثار حول هذا الموضوع إن دل على شيء إنما يدل على خطورة هذا الفعل و أهميته العملية التي نجد تطبيقات كثيرة في العمل القضائي فيما بعد بدءا في التنفيذ يعاقب عليه، و بين ما هو عمل تحضيري لا عقاب عليه.
اهتمام الفقهاء بالتفرقة بين الجرائم التامة والجرائم غير التامة والعمل التحضيري والبدء في التنفيذ، والعدول الاختياري والجريمة المستحيلة هذه كلها أمور ساهمت في تحديد الأعمال التي يعد من قبيل الشروع وحددت أي شروع يمكن العقاب عليه، والمشرع الجزائري كغيره من المشرعين نص على الشروع وعاقب عليه هذا لأن الشروع يهدد مصلحة المجتمع لأن عمله إذا لم يوقف لسبب يجهله فإن النتيجة ستتحقق وبالتالي يكون أستهدف المجتمع.
التوصيات:
1- العمل علي تطبيق مبدأ سيادة القانون
2- توحيد قانون العقوبات الفلسطيني المطبق في قطاع غزة والضفة الغربية
3- محاربة الجريمة وتحقيق الردع العام والخاص للمجرمين والعابثين باستقرار المجتمع
4- كفالة المحاكمة العادلة والعلنية للمتهمين بما يضمن سلامة الأحكام القضائية
5- تطوير نصوص قانون العقوبات الفلسطيني بما يضمن تأثيم الجرائم الالكترونية والحديثة بما يواكب تطور المجتمع.
المراجع
* القرآن الكريم
** د أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، ص 85 دار النهضة العربية القاهرة
1- المادة 30/1 قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936
2- المادة 96 من مشروع القانون الجنائي العربي الموحد
3- المادة 45 من القانون الكويتي
4- الدكتور ساهر الوليد، الأحكام العامة في قانون العقوبات الفلسطيني الجزء الأول ص 263
5- الدكتور عبد القادر جرادة مبادئ قانون العقوبات الفلسطيني المجلد الأول ص164
6- الدكتور أحمد عوض بلال، مبادئ قانون العقوبات المصري ص 312، دار النهضة العربية القاهرة
7- الدكتور أحمد فتحي سرور، مرجع سابق ص 439
8- الدكتور محمود نجيب حسني، علم العقاب ص 96، دار النهضة العربية الطبعة الثالثة
9- الدكتور عبد القادر جرادة، مرجع سابق ص167
10- حكم المحكمة العليا الجزائرية في القضية رقم 82315 جلسة 5/12/1991
11- الدكتورة أمال عبد الرحيم عثمان، شرح قانون العقوبات ص 206، دار النهضة العربية
12- الدكتور ساهر الوليد، مرجع سابق ص262
13- الدكتور عبد القادر جرادة، مرجع سابق ص170
14- الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات ص 4439
15- الدكتور محمود نجيب حسني، مرجع سابق ص 812
16- نص جنائي مصري رقم 2185 لسنة 1963 جلسة 18/1/1995
17- الدكتور عبد القادر جرادة، مرجع سابق ص 176
18- الدكتور محمود نجيب حسني شرح قانون العقوبات ص 3879
19- الدكتور أحمد عوض بلال، مرجع سابق ص 346
20- الدكتور محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات ص 387
21-الدكتور أحمد فتحي سرور، الوسيط في شرح قانون العقوبات ص 461
22- الدكتور عبد القادر جرادة، مرجع سابق ص 176
23- الدكتور عبد القادر جرادة، مرجع سابق ص 181
24- الدكتور ساهر الوليد، مرجع سابق ص278
25- الدكتور علي بدوي، الأحكام العامة في القانون الجنائي، الجزء الأول ص 481