دراسات قانونية
البصمة الوراثية في إثبات الجريمة (بحث قانوني)
البصمة الوراثية (DNA) في إثبات الجرائم
البصمة الوراثية في إثبات الجرائم
إن إقامة الدليل على ارتكاب شخص معين لجريمة تستوجب القصاص يمثل عبئاً جسيماً على عاتق سلطات التحري والاتهام، ومن ثم يصبح عدم توافر الدليل مبرراً كافياً لصدور الأمر بحفظ الدعوى لعدم توافر الأدلة الكافية، أو قيد الجريمة ضد مجهول، إذ إنه لا دعوى بغير متهم و لا حكم بإدانة دون دليل قاطع وبما أنه لا يطل دم امريء في الإسلام، كان لزاماً الأخذ بالقرائن لإثبات جرائم القصاص حتي يتحقق هذا المبدأ، ومن هذه القرائن البصمة الوراثيةDNA))، وقد كان اعتماد الإثبات الجنائي على تقديم أدلة ارتكاب مجرم ما لجريمة ما يعتمد على الوسائل التقليدية للبحث الجنائي ثم تطورت وسائل الإثبات وتم استخدام البصمات البيومترية كبصمة العين وبصمة الأذن وغيرها.
ولكن مع تقدم البيولوجيا الجزيئية وتكنولوجيا الحامض النووي بدأ العلماء يتعرفون على تتابعات النواة المميزة للفرد وهو ماعرف ببصمة الحامض النووي, وكان ذلك في بداية الثمانينيات عندما استطاع العالم البريطاني (اليك جيفيري) اكتشاف بصمة الحامض النووي ثم تتابعت تقنيات البصمة الوراثية باستخدام تكنيك تفاعل البلمرة المتسلسل, ثم استخدام الدنا الميتوكونديري, ثم استخدام تكنيك قراءة التتابعات
إن عينة دم أو خصلة شعر أو بقعة بول أو قطعة عظم أو كشط جلدي أو عينة مخاط أنفي أو فموي أو سيجار أو حيوانات منوية…الخ تقودك إلى تحديد هوية الجاني من خلال عزل الحامض النووي بتلك العينة ثم يتم تحديد البصمة الوراثية له ويتم عزل الحامض النووي من المتهمين ومقارنة البصمات الوراثية للأحماض النووية المعزولة من المتهمين ليتم تحديد هوية الموجودين في مسرح الجريمة.
وهكذا يصبحمن المحال على الجاني إن يدفن الدليل الذي يؤدي للتعرف عليه لأنه لابد أن تسقط عينةبيولوجية تدل عليه في مكان الجريمة.
تعريف البصمة الوراثية:
المطلب الأول : التعريف العلمي للبصمة الوراثية :
البصمة الوراثية عبارة عن عملية عزل للحامض النووي[DNA] عن مصادره الحيوية بواسطة إنزيمات خاصة تقسم هذا الحامض إلى مواقع قيد حيث يكون له تسلسل معين. ومن ثم يتم تصنيف أجزاء الحامض النووي التي يتم الحصول عليها بهذه الطريقة بواسطة الهجرة الكهربائية التي تتمثل في أن يوضع على أطراف هلامية تحت مجال كهربائي المحلول الذي يحمل أجزاء الحامض النووي، وبطريقه خاصة يتم جعلها مرئية ويتم التمييز بين الأجزاء ووضع علامات على كل منها يمكن أن تظهر منه الركيزة (التصوير الإشعاعي الذاتي) وذلك يترك خطوط واضحة إلى حد ما والمقارنة من حيث العدد والمكان الخاص بصورتين إشعاعيتين يتيح الوصول إلى هوية مصدرها البيولوجي
والحامض النووي عبارة عن مادة كيميائية تتحكم في تطوير شكل الخلايا والأنسجة في جسم الإنسان، فهو بمثابة خريطة خاصة بتطوير الجسم محفوظة في داخل كل خلية من خلاياه
والحامض النووي يُختصر بالأحرف[DNA]هي الحروف الأولى لمصطلحDeory Nevulice Acidاي الحامض النووي وهي أيضا عبارة عن مركب كيميائي معقد ذو وزن جزئي عالٍ لا يمكن للكائن الحي الاستغناء عنه.
يٌعرف بال[DNA] وهي اختصار لكلمة الحامض النووي الديوكسي منزوع الأكسجين والحمض النووي هو الذي يحمل المعلومات الوراثية ويكون من خيطين دائرين النيوكليوثيدات على شكل حلزون ويوجد هذا الحمض في أنوية الخلايا للكائنات الحية لذا يطلق عليه الحمض النووي وترجع أهمية الحمض النووي إلى أن الـDNAفي الخلية يشمل جميع الكروموسات بداخل نواة الخلية وتشكل كروموسات نظاماً، وهذا النظام أو الترتيب هو الذي يحدد خصائص كل فرد باعتبار أنها تختلف من شخص لآخر.
المطلب الثاني : التعريف الاصطلاحي للبصمة الوراثية :
إجتهد العلماء المعاصرين في وضع تعريف جامع مانع لبيان ماهية البصمة الوراثية إلا أن تعريفاتهم تباينت مبني ومعني وذلك على النحو التالي:
عرفها الدكتورسعد الدين هلالي بأنها: (العلامة أو الأثر الذي ينقل من الآباء إلى الأبناء أو من الأصول إلى الفروع، كما له تعريف أخر يقول فيه: (إنها تعيين هوية الإنسان عن طريق تحليل جزء أو أجزاء من حامضDNAالمتركز في نواة أي خلية من خلايا جسمه)، وعرفها دكتوررمسيس بهنامبأنها: (المادة الحاملة للعوامل الوراثية والجينات في الكائنات الحية) وعرفها دكتور عبد الله غانمبأنها: (صورة لتركيب المادة الحاملة للعوامل الوراثية أي هي صورة الحمض النوويDNA الذي يحتوي على الصفات الوراثية للإنسان أو بمعنى أدق هي صورة تابع النيوكليوثيدات التي تكون جزء الحامض النووي الوراثيDNA، وقيل إنها وسيلة من وسائل التعرف على الشخص عن طريق مقارنة مقاطع الـDNA)وقد قامت ندوةالوراثة والهندسة الوراثية والجينوم البشري للمنظمات الإسلامية للعلوم الطبيةبوضع تعريف للشفرة الوراثية قالت فيها: (هي البنية الجينية نسبة إلى الجينات الموروثات التفصيلية التي تدل على هوية كل فرد بعينه وهي وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية)، وقد أقر المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة التعريف آنف الذكر إلا أنه أضاف إليه: (بأنها تدل على هوية كل إنسان بعينه وأنها وسيلة تمتاز بالدقة)
ونستخلص من التعاريف السابقة للشفرة الوراثية أنها تدور حول معنيين جمعهما تعريف المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في عبارتين دقيقتين هما:التحقق من الوالدية، والتحقق من الشخصية .
المطلب الثالث: خصائص البصمة الوراثية:
يعتبر تحليلالـDNA(البصمة الوراثية)، وسيلة فعالة في مجال البحث عن الحقيقة من حيث إثبات الجريمة أو نفيها بدقة تامة حيث توجد في كل خلية في جسم الإنسان بطاقة لا يمكن تزويرها فيمكن مقارنة منطقة الحامض النووي الذي يعتمد عليه في مكان وقوع الجريمة بمنطقة الحامض النووي للمادة أو الخلية المأخوذة من المتهم، ووجود منطقتين متطابقتين يعتبر دليلا شبه مطلق على أن الخلية هي لنفس الشخص، فيما عدا حالة وجود توأم آحادي البويضة حيث لا يمكن الجزم بذلك.
وتعتبر البصمة الوراثية أدق وسيلة عرفت حتى الآن في تحديد هوية الإنسان، وذلك لأن نتائجها قطعية لا تقبل الشك والظن، وبهذا فإن اختيار الحامض النووي لتحديد الهوية بفضل نتائج الاختبارات التقليدية فيما يتعلق بتحديد هوية الأشخاص عن طريق الطب الشرعي، فإحدى المشاكل التي لم تجد حلا في الطرق التقليدية هي فحص المادة الجسدية المختلطة أما بالنسبة لاختبار الحامض النووي فلا يشكل مثل هذا الاختلاط أية مشكلة في الكشف عن تركيب هذا الحامض، ولذلك أهميته في قضايا القتل الجنسي بصفة خاصة .
يضاف إلى ذلك أن جزئى الحامض النووي شديد المقاومة وثابت في الجو الجاف وأن مادة هذا الحامض لا تتلف ويمكن حفظها واستخدامها لعدة سنوات إذا تم هذا الحفظ بطريقة صحيحة، كما أن تركيب جزئي الحامض النووي لا يختلف من خلية لأخرى، فالحامض النووي في أي خلية دموية يطابق تماما الحامض الموجود في أي مادة حيوية، بمعنى أن الحامض النووي لدى الأفراد متطابق في كل خلايا الجسم ولا يتغير أثناء الحياة
وبذلك يمكن مقارنة المادة الحيوية لإحدى الخلايا مثل الخلية الدموية، بمادة أخرى مثل الغشاء المخاطي لغدة الفم، وقد أثبتت بعد ذلك التجارب والاختبارات إن لكل مخلوقDNA منفرد في الشكل والطول والمميزات ومواقع الترسيب ماعدا التوأم الذي يأتي من بويضة واحدة.
ومن المعروف أن الـDNA يوجد في أنويه جميع الخلايا باستثناء كريات الدم الحمراء حيث لا يوجد فيها نواة، ولذلك يمكن استخراج سائل النواة الـDNA بسهولة من جذور الشعر وكرات الدم البيضاء والعظام وإفرازات الإنسان كالمني واللعاب والفضلات.
وعلى أثر نجاح البصمة الوراثية في تحديد هوية الأشخاص فقد اعتمد مكتب التحقيقات الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية طريقة اختبار سائل نواة الخليةDNAكأحد الوسائل المعتمدة في إجراءات البحث الجنائي.
المطلب الرابع : استخدام الشفرة الوراثية في اكتشاف جريمة القتل:
يمكن بفحص الشيفرة الوراثية واستخلاصها في تحديد جنس صاحب هذه البصمة وهل ذكر أم أنثى وتحديد هل زنجي أو أصفر أو أبيض أم هندي، فقد أصبح تمييز ملامح الحامض النووي في الخلايا البيولوجية للإنسان حقيقة علمية وواقعا ملموسا شأنها في ذلك شأن بصمات الأصابع ويمكن بواسطة التقنية الحديثة الكشف عن الجاني في جميع الجرائم المسرحية؛ ونقصد بذلك أنه إذا كان لكل جريمة مكان فليس من اللازم أن يكون لكل مسرح، فجريمة السلوك المجرد إيجابيا كان أم سلبيا لها مكان ولكن ليس لها مسرح بالمعني الفني الدقيق يجري عليه السلوك والحدث الضار أو الخطر الناشئ منه .
ونخلص مما تقدم إلى أن الجريمة ذات المسرح ركنها المادي حسب نموذجه المرسوم في نص التجريم يتمثل في عملية إجرامية ذات جزئيات وحركات عضلية مختلفة ويخلف تنفيذ جزئياتها وحركاتها آثارا مادية أما في المكان أو في الأشخاص ويمكن استخدام اختبار الحامض النووي في الكشف عن جميع أنواع هذه الجرائم الأخيرة وفي حوادث القتل يمكن بتحليل عينة الدم الملتقطة من مسرح الجريمة وعينة دم المشتبه فيه معرفة أنهما لشخص واحد، لوحدة الشيفرة الوراثية، وكذلك قد يوجد الشعر نتيجة تشابك بين الجاني والمجني عليه في حوادث القتل فيمكن إجراء اختبار الشفرة الوراثية والتوصل إلى الجاني، وقد يلتصق جزء ولو بسيط من أنسجة الجاني في أظافر المجني عليه الذي انبشها فيه.
وبالتالي يمكن من خلال تحليل هذه الأنسجة واستخلاص الشيفرة الوراثية منها إثبات الجريمة في حق المشتبه فيه الذي تؤخذ منه ذات الشيفرة.
شروط قبول البصمة الوراثية في إثبات الجرائم .
إن الاعتماد على الدليل العلمي المستمد من تحليل الحمض النووي يتوقف على مراعاة الشروط التقنية لاستخدام البصمة الوراثية بمعني الاعتماد على الدليل العلمي في الإثبات الجنائي يقتضي توافر شرطيين: التأكد من مصداقية نتيجة التحليل، وأن يتم الحصول على العينة من المتهم بطريق مشروع.
الشرط الأول : التأكد من مصداقية نتيجة تحليل الحامض النووي:
- يجب التأكد على إن قيمة اختبار الحامض النووي تعتمد كلياُ على جودة طريقة البحث والدقة في تفسير النتائج التي أسفر عنها، وهذا التحليل يحتاج إلى خبرة واسعة وتخصص رفيع ومعمل ذى كفاءة عالية، ولذلك فإنه من الضروري مراقبة الطريقة الفنية في المعمل الذي يقوم بالفحوص الجينية
- ويجب أن يتم أخذ العينة في حضور الأطراف حتى يتأكدوا من مصدر العينات وإلا فإن عمل الخبير يكون باطلا لمخالفته لمبدأ المواجهة.
ولأن تحليل الحامض النووي هو طريقة فنية جديدة فإنه يجب وضع قواعد لحفظ العينات والمعلومات التي تنتج عن هذا التحليل، فقوة البصمة الوراثية في الإثبات تعتمد على طريقة جمع العينات وحالتها وكميتها وكفاءة المعامل وجودة الفحوص.
الشرط الثاني: ضرورة الحصول على العينة من المتهم بطريق مشروع .
لكي يكون الدليل المستمد من تحليل الحامض النووي مقبولاً يجب أن تكون وسيلة الحصول عليه مشروعة، بمعني أنه يجب أن تكون الإجراءات التي اتبعت للحصول على الدليل مطابقة للإجراءات المنصوص عليها قانونا فإذا كان الدليل قد وصل إليه القضاء بوسيلة غير مشروعة انهار وأصبح لا قيمة له.
واستخدام الحامض النووي كدليل علمي في الإثبات الجنائي يثير بعض المشاكل فيما يتعلق بالمبادئ العامة للإجراءات الجنائية وحقوق المتهمين والضمانات المقررة لهم، حيث إن اختبار الحامض النووي يقتضي الحصول على خلية من جسم الإنسان، لأنه في ظل الوضع العلمي الحالي لا يمكن إجراء هذا البحث إلا على الدم والحيوانات المنوية والشعر أو أي نسيج خلوي. فاللعاب لا يحتوي على كمية كافية من الحامض النووي إلا أن مسحة من الغشاء المخاطي للفم، والذي يتكون من خلايا مدارية يحتوي على كمية كافية من هذا الحامض أما عن إمكانية استخدام مخلفات الجسم مثل البول فهي لا تزال تحت البحث العلمي ولم يتم التوصل إلى نتيجة فيها بعد.
وعلى ذلك فلابد من اقتطاع جزء من الجسم حتى يمكن إجراء اختبار الحامض النووي، مما يعتبر مساسا بالسلامة الجسدية للمتهم والتي يحميها القانون ومع ذلك فإن الحق في سلامة الجسد ليس حقا مطلقا؛ فكثيرا ما تقيد القوانين هذا الحق.
وتطورت التجاربواستخدمت المجسمات المشعة وغير المشعة لمضاعفة كمية حمض النواة المستخلص من أي نسيجأو إفراز آدمي مهما صغرت كميته وتسمي هذه الطريقةPCRوهي المستعملة في العينات صغيرة الحجم(.
وهناك نوعان متميزان من الحمض النووي هما: الحمض النووي الوظيفي، والحمض النووي غير الوظيفي، والنوع الأول يقوم بدور في انتقال الصفات الوراثية، فالذي يهمنا في مجال هذا البحث هو الحمض النووي غير الوظيفي كدليل علمي في إثبات الجرائم
ولا بد أن نشير في هذا الصدد إلى أن الدول الأوربية أكثر استخداما للحامض النووي في الإثبات الجنائي وبالذات جرائم القتل ونظرا لاحتمال تعارض التشريعات الأوربية فيما يتعلق بإمكانية استخدام الحامض النووي في مجال الإثبات الجنائي فقد أصدر المجلس الأوروبي شروطا لاستخدام الحمض النووي و هي:
- 1.عدم استخدام تقنية تحليل الحامض النووي إلا في أغراض البحث الجنائي، أي لإثبات أو نفي الاتهام، وفي حدود الأشخاص المطلعين بأمر التحقيق فحسب، وبناء على ترخيص من المشرع الوطني ولا تستعمل العينات التي تؤخذ من جسد شخص المتهم في أي غرض آخر (علمي أو تجريبي) إلا بعد طمس كل المعلومات التي من شانها الكشف عن هوية صاحب العينة (المتهم).
- 2.ألا يسمح بإجراء هذا التحليل إلا بإذن من السلطة المختصة بالتحقيق، وذلك في حالة رفض المتهم استقطاع هذه الأنسجة من جسمه أو الحصول على العينة.
- 3.ألا يسمح بإجراء هذا التحليل إلا في نطاق الجرائم التي على درجة معينة من الخطورة الإجرامية، وأن ينص القانون على هذه الجرائم.
- 4.يجب إجراء هذه التحاليل في معامل طبية لوزارة العدل أو حاصلة على ترخيص بذلك.
- 5.فيما يتعلق بحفظ العينات والأنسجة المستقطعة والمعلومات المتحصلة منها فإنه يجب محوها والتخلص منها إذا لم تعد لها أهمية في الدعوى، ويمكن الاستمرار في حفظها إذا أظهرت النتائج إدانة المتهم صاحبها في جريمة خطيرة من جرائم الاعتداء على الأشخاص، ولكن يجب على المشرع الوطني – في جميع الأحوال – أن يحدد المدة القصوى لهذا الحفظ.
- 6.على الدول الأعضاء ضمان استعمال نتائج هذه التحاليل كوسائل إثبات مقبولة، أمام القضاء سواء للادعاء أو للدفاع عن المتهم، وأن تمكن الدفاع بنفس الوسيلة من استعمال هذه النتائج سواء كان ذلك بإذن قضائي أو عن طريق وسيط (خبير مستقل)، مع التأكيد دائما على السهر على عدم الإخلال بحقوق الدفاع، حتى ولو كانت النتائج المهيأة محدودة ومقيدة .