دراسات قانونية
الشفعة (بحث قانوني)
بحث في الشفعة
استئثار المشتري الشفيع بالصفقة دون الشفعاء، الشركاء معه في الشيوع (من مذكرة لصاحب الدولة الأستاذ مصطفى باشا النحاس المحامي)
أصل التشريع المدني في مصر فيما يختص بالشفعة
( أ ) القانون المختلط:
ابتدأ التشريع المدني في مصر بالقانون المدني المختلط الذي صدر في سنة 1876 وتضمن هذا القانون نصوصًا خاصة بالشفعة في المواد من (94) إلى (101) فتقرر فيه حق الشفعة.
أولاً: لمالك الأرض الذي أعارها لإنسان وأذن له بالبناء أو الغرس فيها (مادة (93)).
ثانيًا: للشريك في عقار غير مقسوم (مادة (94)) ونص في هذه المادة على أن مالك الأرض المبين في المادة السابقة مفضل على الشريك وأن الشريك مفضل على غيره عدا مالك الأرض.
ثالثًا: لجار بعد الشفيعين السابقين (مادة (99)).
ونص في المادة (95) على أن الشريك في عقار غير مقسوم له أن يستعمل حقه في طلب الشفعة ممن اشترى وكان شريكًا من قبل، وعليه أن يشرك فيه جميع شركائه في العين إذا طلبوا ذلك.
هذا النص صريح في أن الشريك في عقار غير مقسوم له الحق في أن يأخذ بالشفعة من المشتري على المشاع إذا كان هذا المشتري شريكًا من قبل في هذا العقار، وفي هذه الحالة يشترك في الشفعة كل الشركاء على المشاع بما فيهم المشتري إذا طلبوا ذلك.
ومعنى هذا أن القانون المختلط قرر حق الأخذ بالشفعة من شفيع في حالة الشركة في عقار غير مقسوم متأثرًا في ذلك بالأحكام الفقهية في هذا الخصوص لأنه أول تشريع مدني في البلاد جاء على أثرها ونقل حق الشفعة عنها.
ومع ذلك فإنه لم يقرر حق الأخذ بالشفعة من شفيع على إطلاقه بل قصره على حالة الشركة في عقار غير مقسوم، فأخرج بذلك حالة الجوار من هذا الحكم، وكأنه راعى في هذا الشأن سهولة التنفيذ في حالة الشركة فأقر حق الأخذ بالشفعة من شفيع فيها وصعوبة التنفيذ في حالة الجوار فلم يقر هذا الحق فيها.
أما سهولة التنفيذ في حالة الشركة فلأن العقار لم يقسم بعد وحصة كل شريك فيه لا تزال على المشاع، فلا صعوبة في زيادة كل حصة منهم بمقدار ما، وأما صعوبة التنفيذ في حالة الجوار فلجواز أن يكون العقار المبيع المطلوب أخذه بالشفعة غير قابل للقسمة عينًا من غير ضرر كأن يكون منزلاً مبنيًا مثلاً فيصعب توزيعه على الجيران المتعددين من غير ضرر.
(ب) القانون الأهلي:
جاء بعد ذلك القانون المدني الأهلي الذي صدر في سنة 1883، وقد نقل عن القانون المختلط أحكام الشفعة عدا حكم المادة (95) سالفة الذكر، فدون هذه الأحكام في المواد من (68) إلى (75) فنقل المادة (93) مختلط إلى المادة (68) أهلي ونقل المادة (94) إلى المادة (69) أهلي ونقل المادة (99) مختلط إلى المادة (73) أهلي وبناءً عليه قرر القانون الأهلي في المواد المذكورة حق الشفعة لمالك الأرض أولاً، فللشريك في عقار غير مقسوم ثانيًا، فللجار ثالثًا وحذف حكم المادة (95) مختلط من أحكامه، أي أنه لم يرد أن يقرر حق الشريك في عقار غير مقسوم لأن يأخذ بالشفعة من مشترٍ على المشاع إذا كان هذا المشتري شريكًا من قبل في هذا العقار.
تعمد القانون الأهلي هذا الحذف لحكمة هي أن هذا الحق لا يتفق مع حكمة تقرير حق الشفعة وهي اتقاء الأذى المحتمل من وجود شريك جديد في العقار غير المقسوم ومن وجود جارٍ جديد وهي ضرورة سوغت المساس بحرية التعاقد وسلب مالك ملكه رغمًا منه والضرورة تقدر بقدرها ولا يصح تجاوزها، فهي علة تدور مع المعلوم وجودًا وعدمًا، فإذا ما وجد شريك جديد على المشاع كان احتمال للأذى فضرورة لاتقاء هذا الأذى المحتمل فتسويغ لحق الشفعة، أما إذا كان المشتري للحصة المشاعة في العقار غير المقسوم شريكًا فيها من قبل فلا تغيير في الحالة التي كانت موجودة من قبل لسبق وجود هذا المشتري نفسه بين الشركاء، وإذن لا ضرورة ولا شفعة، وكذلك الحال بخصوص الجوار.
وبناءً عليه فقد قرر القانون المدني الأهلي بهذا الحذف مبدأ أن لا شفعة من شفيع بالمعنى المقصود هنا على إطلاقه، وخالف بذلك القانون المدني المختلط لأنه لم يكن مثله متأثرًا بالأحكام الفقهية لمضي ثماني سنوات على إدخال الشفعة في القانون المدني من عهد صدور القانون المختلط والعمل به، فكان له مندوحة لقصر هذا الحق الثقيل على قدر الضرورة التي أوجبته.
هذا أصل مبدأ أن لا شفعة من شفيع قرره نفس القانون المدني القديم.
(جـ) تطبيق القضاء المختلط والقضاء الأهلي لأحكام هذين القانونين:
أصدرت محكمة الاستئناف المختلط بتاريخ 14 يناير سنة 1892 حكمًا قضى بما يأتي:
(إن حق الشفعة هو تفضيل منحه القانون للجار على كل شخص آخر أجنبي اشترى عقارًا ملاصقًا، وبناءً عليه لا يوجد حق الشفعة للجار ضد جارٍ آخر اشترى العقار المطلوب أخذه بالشفعة) (المجموعة السنة الرابعة ص (133)).
وهذا تطبيق لحكم القانون المدني المختلط الذي لم يقرر حق الأخذ بالشفعة من شفيع في حالة الجوار، كما قرره في حالة الشركة.
كانت محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية قد أصدرت بتاريخ 29 إبريل سنة 1897 حكمًا استئنافيًا قررت فيه أنه في حالة تعدد الشفعاء إذا سبق أحدهم وطلب أخذ العقار لا يسقط بذلك حق غيره الذي اكتسبه بمجرد حصول البيع ولا يزول إلا بتنازله عنه صراحة أو ضمنًا للمتأخر أن يقاسم السابق في أخذ العقار بالشفعة ما دام أن المتأخر لم يتنازل عن حقه صراحة أو ضمنًا كما تقدم).
وهذا لا غبار عليه، ولكنها قالت بعد ذلك: (وحيث ينتج من ذلك أنه إذا كان المشتري أحد هؤلاء الشفعاء فلباقيهم أن يشاركوه في المشفوع فيه ولا أصل للقول بأن الشفيع لا يأخذ من شفيع مثله).
وهو استنتاج غير صحيح لأن المقدمة التي وضعتها في وادٍ والنتيجة التي استنتجتها منها في وادٍ آخر، فالمقدمة تنص على حالة جملة شفعاء أحدهم سبق الآخرين في طلب الأخذ بالشفعة، فأسبقيته لا يترتب عليها إسقاط حق الشفعاء الآخرين الذين تأخروا عنه في الطلب ما دام أنهم طلبوا ذلك ولم يحصل منهم تنازل عن حقهم لا صراحة ولا ضمنًا، أما النتيجة فعن حالة أخرى وهي حالة المشتري إذا كان هو نفسه قد توافرت فيه شروط الشفعة ويوجد شفعاء آخرون، يقول الحكم المذكور في نتيجته أن أسبقية المشتري بالشراء لا تسقط حق الشفعاء الآخرين في الشفعة إذا لم يتنازلوا عنه صراحة وضمنًا، وواضح أن هذه لم تكن نتيجة للمقدمة سالفة الذكر، بل هي حكم آخر وضعته المحكمة من بادئ رأيها وأردفته بالعلة الآتية وهي: (ولا أصل للقول بأن الشفيع لا يأخذ من شفيع مثله).
(القضاء سنة 4 ص (357)).
وهذا مخالف للقانون المدني الأهلي الذي بينا فيما سبق أنه قرر مبدأ أن لا شفعة من شفيع على إطلاقه.
لذلك لم يجار القضاء الأهلي محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية فيما قررته بحكمها المذكور وجرى القضاء إجماعًا على تطبيق مبدأ (أن لا شفعة من شفيع) الذي قرره القانون المدني الأهلي فأصدرت محكمة الاستئناف الأهلية بتاريخ 17 نوفمبر سنة 19898 حكمًا استئنافيًا من حضرات (سعد زغلول بك ومسيو دوهلس ومستر كوغلن) جاء في أسبابه ما يأتي:
(وحيث إن الغرض من الشفعة هو دفع الشركة أو الجوار الذي يحدث بعد بيع العقار المشترك أو المجاور لكونها مظنة الأذى وحيث إنه إذا كان مشتري العقار شريكًا أو جارًا من قبل فلا محل حينئذ للشفعة لأنه لم يحدث في هذه الحالة شيء يغير النسبة بين الشفيع والمشفوع منه حتى تستعمل الشفعة لمنعة فهما متجاوران أو شريكان بعد الشفعة كما كانا قبلها واستعمالها لا يغير من هذه الحالة شيئًا.
(وحيث إنه لا يجوز في هذه الحالة قسمة العقار بين طالب بالشفعة والمشتري لأن هذه القسمة لا تدفع جوارًا أو شركة وتجويزها يحول غرض الشفعة من كونه لدفع جوار أو شركة طارئة إلى كونه لجلب منفعة للشفيع إضرارًا بالمشتري وهو مخالف للعدالة ومناقض لمبادئ القانون).
(القضاء سنة 6 ص (169)).
وهذا الحكم الجليل الشأن إنما طبق المبدأ الذي قرره القانون بأن لا شفعة من شفيع سواء في حالة الشركة أو في حالة الجوار وبين بوضوحٍ وجلاء الحكمة التي بنى عليها هذا المبدأ.
وأصدرت محكمة مصر الابتدائية الأهلية بتاريخ 26 نوفمبر سنة 1898 حكمًا استئنافيًا (من حضرات أحمد فتحي بك زغلول وأحمد بك عزى ومحمد بك صالح) طبقت فيه هذا المبدأ وأوردت في أسبابها ما يأتي:
(شرعت الشفعة لمنع الضرر بمنع الجوار فإذا لم يحدث ضرر جديد للشفيع بالبيع كما لو كان بين أفراد عائلة واحدة والمشتري مجاور لكل منهم من قبل فلا شفعة) (الحقوق س 14 ص (66)).
وأصدرت محكمة الاستئناف بتاريخ 15 يونيه سنة 1898 حكمًا استئنافيًا (من نفس الدائرة التي أصدرت الحكم الأسبق) بالمبدأ ذاته.
(القضاء س 6 ص (171)).
وأصدرت كذلك حكمًا آخر بتاريخ 15 يونيه سنة 1899 من نفس الدائرة بتطبيق هذا المبدأ وقررت فيه ما يأتي:
(لا شفعة بجوار إذا كان المشتري للعقار جارًا لقيام الشفعة به أيضًا ولعدم ما يرجح الشفيع عليه ولبقاء الجوار المقصود بالشفعة بعد ثبوتها كما كان قبلها، أما جعل العقار المشفوع فيه مشتركًا بين الشفيع والجار فغير جائز لأن فيه دفعًا لضرر بأشد منه وتحويلاً لغرض الشفعة من كونه دفع ضرر إلى كونه جلب نفع ولا يجوز أن يسلب مالك ملكه لمجرد نفع غيره).
(الحقوق س 14 ص (190)).
وفي هذا كفاية لبيان ثبات القضاء على تطبيق هذا المبدأ وهو أن لا شفعة من شفيع كما قرره القانون المختلط فيما يتعلق بالجوار، وكما قرره القانون الأهلي على إطلاقه سواء فيما يتعلق بالشركة أو فيما يتعلق بالجوار.
(ء) أحكام قانون الشفعة:
صدر بعد ذلك قانون الشفعة الجديد في 26 مارس سنة 1900 فيما يختص بالمختلط وفي 23 مارس سنة 1901 فيما يختص بالأهلي، والنصوص واحدة في القانون، وقد نص في الأمر العالي الصادر بتاريخ 26 مارس سنة 1900 بإلغاء المواد من (93) إلى (101) من القانون المدني المختلط ونص في الأمر العالي الصادر بتاريخ 23 مارس سنة 1901 بإلغاء المواد من 68 إلى 75 من القانون المدني الأهلي.
أثبت قانون الشفعة الجديد في المادة الأولى من حق الشفعة للشريك الذي له حصة شائعة في العقار المبيع وللجار المالك، والحق في المادة الثانية منه صاحب حق الانتفاع بالشريك وأثبت له حق الشفعة إذا لم يطلبها مالك الرقبة نفسه.
وأورد في المادة السابعة الأحكام الخاصة بأحوال تعدد الشفعاء فقسم هذه الأحكام إلى قسمين: قسم خاص بالأولوية وقسم خاص بالمساواة، أما القسم الخاص بالأولوية فجعله في حالتين:
الحالة الأولى: عند الاختلاف في الدرجة، وجعل الدرجات كما يأتي:
- الدرجة الأولى: مالك الرقبة.
- والدرجة الثانية: الشريك الذي له حصة مشاعة.
- والدرجة الثالثة: صاحب حق الانتفاع.
- والدرجة الرابعة: الجار المالك ففي هذه الحالة تكون الأولوية للأسبق فالأسبق في الدرجة.
الحالة الثانية: عند تعدد الجيران، وفي هذه الحالة تكون الأولوية لمن تعود على ملكه منفعة من الشفعة أكثر من غيره وأما القسم الخاص بالمساواة فجعله في حالة تعدد أصحاب الدرجة الواحدة من الدرجات الثلاث الأولى فقط، ففي هذه الحالة يكون استحقاق كل منهم للشفعة على قدر نصيبه ووارد في المادة الثامنة حكمًا خاصًا بالحالة التي يكون فيها المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا باعتبار ما ذكر في المادة الأولى أي حالة ما يكون المشتري شريكًا على المشاع في العقار الذي اشترى حصة شائعة أو يكون جارًا للعقار الذي اشتراه ففي هذه الحالة أثبت القانون حق الشفعة لمن يستحقها طبقًا لأحكام الأولوية المقررة في المادة (7) وهذا هو نص المادة الثامنة: (يثبت حق الشفعة وتراعي الأحكام المقررة في المادة السابقة فيما يتعلق بالأولوية ولو كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا باعتبار ما ذكر في المادة الأولى) معنى هذا النص أنه إذا كان الشفيع أسبق في الدرجة من المشتري الحائز لما يجعله شفيعًا يثبت حق الشفعة له ويقدم على المشتري وإذا كان الشفيع جارًا للمبيع الذي يجاوره المشتري أيضًا ولكن تعود على ملك الشفيع منفعة من الشفعة أكثر من المشتري يثبت حق الشفعة للجار ويقدم على المشتري.
وألغى قانون الشفعة الجديد مواد القانون المدني الخاصة بالشفعة بما في ذلك المادة (95) من القانون المدني المختلط التي نصت (على حق الشريك في الأخذ بالشفعة من المشتري الشريك من قبل وعلى أن يشترك في الشفعة كل الشركاء على المشاع بما فيهم المشتري إذا طلبوا ذلك) واستعاض عنها بحالة جديدة هي الحالة المنصوص عنها في المادة الثامنة وهي أن تكون الشفعة من المشتري الحائز لما يجعله شفيعًا قاصرة على حالة الأولوية المنصوص عنها في المادة (7) وبذلك أبقى مبدأ جواز الشفعة من شفيع، ولكنه قصره على الأحوال التي تتفق مع حكمة الشفعة بحسب نظام الأولوية الذي قرره في المادة (7) لأن نظام الأولوية هذا هو الذي يتحقق معه دفع مظنة الأذى من البيع، فالأعلى درجة في هذا النظام يعتبر قانونًا أنه قد يلحقه أذى إذا اشترى الأدنى منه في الدرجة العقار فمنحه القانون الجديد حق الأخذ بالشفعة لدفع هذا الأذى المحتمل.
وكذلك الحال بالنسبة للجار الذي تعود على ملكه من الشفعة منفعة أكثر من المشتري.
أما في أحوال عدم الأولوية وهي أحوال المساواة في درجة من الثلاث درجات الأولى وحالة المساواة في الدرجة الأخيرة وهي درجة الإيجار مع عدم المرجح فلا شفعة من المشتري الحائز لإحدى هذه الدرجات التي يتساوى فيها مع الشفيع بما أن النسبة بين الشفيع والمشتري لا تتغير بهذا الشراء فلا مظنة مشروعة للأذى ومن ثم فلا حكمة للشفعة، ولذلك لم يقررها القانون.
وقد سار قانون الشفعة الأهلي الجديد على هذا النظام الجديد أيضًا لأن المقنن رأي توحيد التشريع بين الأهلي والمختلط في هذا الخصوص، وبذلك أدخل في التشريع الأهلي بنص المادة (8) حقًا جديدًا لم يكن موجودًا في القانون المدني القديم وهو حق الأخذ بالشفعة من شفيع ولكن في الأحوال المنصوص عليها في المادة فقط، وهي أحوال الأولوية الموضحة آنفًا.
هذه هي حقيقة التشريع الجديد في الشفعة لا يمكن الخروج عنها، وهي تتلخص في أنه متى كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا فلا يشفع منه إلا من توافرت له الأولوية عليه، أما من يتساوى معه في درجة من الدرجات الثلاث الأولى ومن يتساوى معه في الدرجة الأخيرة مع عدم المرجح (والمرجح هو أن تعود على ملكه منفعة من الشفعة أكثر من المشتري) فلا يشفع منه ولا يقاسمه في المبيع.
(هـ) رد اعتراضات:
أولاً: قد يقال أن نص قانون الشفعة في المادة الأولى وفي المادة السابعة مطلق وهو بهذا الإطلاق يشمل حق الشفيع بالأخذ بالشفعة بمجرد حصول البيع أيًا كان المشتري سواء كان حائزًا لما يجعله شفيعًا أم لا، ولم يرد نص في القانون على استثناء حيلة المشتري الحائز لما يجعله شفيعًا من هذا الإطلاق.
ونرد على ذلك بأن حق الشفعة حق استثنائي كما أسلفنا لأنه ماس بحرية التعاقد وبحرية الملكية وقد شرع للضرورة وهي دفع الأذى المحتمل من المشتري الجديد والضرورة تقدر بقدرها فلا يتوسع في تأويل النصوص الخاصة بها، وقد بينا فيما سبق أن القانون المدني القديم مع إطلاقه النص في المواد (93) و (94) و (99) مختلط و (68) و (69) و (73) أهلي كإطلاق النص في المادتين (1) و (7) من قانون الشفعة الجديد – نص نصًا خاصًا في المادة (95) مختلط على حالة ما يكون المشتري شريكًا من قبل في العقار غير المقسوم الذي اشترى حصة شائعة فيه، فأباح للشريك الأخذ بالشفعة منه وأشرك فيه جميع الشركاء بما فيهم المشتري إذا طلبوا ذلك، وهذا تحديد لمعنى النص في المادة (94) بأن إطلاقه لا ينصرف إلا إلى الشفيع ولكنه لا ينصرف إلى المشفوع منه، فكل شريك له الحق في الأخذ بالشفعة (وهذا هو مرمى الإطلاق) ولكن ليس له هذا الحق ضد كل مشترٍ، فإن المشفوع منه لم يكن داخلاً في مرمى الإطلاق، وقد ظهر من المادة (95) أن المادة السابقة وهي المادة (94) إنما كان الغرض منها المشفوع منه إن لم يكن شريكًا من قبل فقد احتاج القانون للنص على حق الأخذ بالشفعة منه بنص آخر خاص غير النص المطلق، وهو المادة (95).
وقد حذف القانون المدني الأهلي القديم نص المادة (95) من يبن أحكامه فلم يشأ أن يدخل في القانون الأهلي حق الشفيع في الأخذ بالشفعة من شفيع.
ثم جاء قانون الشفعة الجديد في المختلط أولاً وفي الأهلي ثانيًا وأوجد نصًا خاصًا بالشفعة من شفيع في أحوال معينة، وهو المادة (8)، فهذا النص الخاص هو الذي ينظر إليه في هذا الشأن لأن النص المطلق في المادة (1) وفي المادة (7) ولا يصح التوسع فيه كما ذكر لأنه استثناءً، وخلاصة ذلك أن مرمى النص المطلق منصرف إلى الشفيع ولا يشمل المشفوع منه كأنه قال: (كل شريك له حق الأخذ بالشفعة وكل جار له حق الأخذ بالشفعة) ولكنه لم يتعرض للأحوال الخاصة بالمشتري وهو المشفوع منه فلم يطلق النص بخصوصه، ولم يقل (من كل مشترٍ) ثم وضع نصًا خاصًا بحالة المشتري عندما يكون حائزًا لما يجعله شفيعًا، فتكون النصوص الأخرى منصرفة إلى حالة المشتري الذي لا يكون حائزًا لم يجعله شفيعًا، ولا تسري على حالة هذا الأخير إلا بقدر ما يحال عليها في النص الخاص به.
فظاهر من هذا أن نص المادة (1) ونص المادة (7) لا يتناول حالة المشتري عندما يكون حائزًا لما يجعله شفيعًا وإلا لما احتاج القانون لوضع نص خاص بهذه الحالة في المادة (8).
ثانيًا: قد يقال أيضًا أن نص المادة (7) عام يشمل حق الشفعة من المشتري عندما يكون حائزًا لما يجعله شفيعًا وتناول فوق ذلك وجوب مراعاة حالة الأولوية عند اختلاف الدرجة، وأن نص المادة وضع خصيصًا للحالة التي قد تحتمل الشك وهي حالة التساوي والاتحاد في درجة الشفعة فوضع القانون لها النص العام في صدر المادة ليشمله وهو قوله:
(يثبت حق الشفعة) ثم أضاف إليها عبارة: (وتراعي الأحكام المقررة في المادة السابقة فيما يتعلق بالأولوية( استيفاءً للنص ليكون متفقًا مع نص المادة (7) وإذا قيل أن نص المادة (8) خاص بحالة الأولوية وهي التي كانت محتاجة إلى النص، أما حالة المساواة فلم تنص المادة عليها لأنه لم يكن هناك حاجة للنص عليها، إذ أن نص الفقرة الثانية من المادة (7) يغني عنه.
فالرد على ذلك:
أن النص للمادة (8) لم يكن عامًا لإثبات حق الشفعة من المشتري عندما يكون حائزًا لما يجعله شفيعًا على إطلاقه وإنما هو خاص بحالة واحدة وهي حالة ما يكون الشفيع له الأولوية على المشتري بحسب ما هو مقرر في المادة (7)، ففي هذه الحالة دون سواها يثبت حق الشفعة للشفيع ويقدم على المشتري، والنص صريح في هذا حيث قال (يثبت حق الشفعة وتراعي الأحكام المقررة في المادة السابقة فيما يتعلق بالأولوية ولو كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا الخ) فقيد مراعاة المادة السابقة وهي المادة (7) بقوله (فيما يتعلق بالأولوية) ومفهوم هذا النص أنه فيما يتعلق بالأولوية فلا تراعي أحكام المادة (7) ولا شفعة، وبينا فيما سبق أن المادة (7) تتناول حالتين هما حالة الأولوية وحالة المساواة فلا تراعي الأحكام المقررة في المادة المذكورة إلا فيما يتعلق بالأولوية إذا كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا، أما حالة المساواة فلا.
لم يوضع النص لحالة المساواة أصلاً وإلا لما كان قيد ثبوت حق الشفعة بمراعاة الأحكام المقررة في المادة (7) فيما يتعلق بالأولوية ولو كان ثبوت حق الشفعة عامًا من غير تقييده بالقيد السابق لكان تناول جميع أحكام الشفعة بما فيها المادة (7) برمتها، ولو كان تناول ذلك أحوال المساواة وأحوال الأولوية، ولما كان هناك حاجة للنص على حالة الأولوية بالذات بعد هذا العموم، وإذن تكون المادة (8) قد وضعت للحالة التي نص عليها فيها وهي حالة الأولوية دون سواها كما قال حضرتا وكيلي المستأنفين عن الست أسمًا.
متى تقرر أن المادة (8) لم توضع إلا لحالة الأولوية ولم تكن متناولة لحالة المساواة كما قاله حضرتا الوكيلين المذكورين فبناءً عليه لا تكون الشفعة مباحة في حالة المساواة عندما يكون المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا لعدم النص عليها، وليس صحيحًا ما ذهب إليه حضرتاهما من أن نص الفقرة الثانية من المادة (7) يغني عنه فقد بينا فيما سبق أن نصوص الشفعة لا تشمل حالة المشتري عندما يكون حائزًا لما يجعله شفيعًا إلا إذا وجد نص خاص به ولم يوجد في هذا الشأن إلا نص المادة (8) وهي خاصة بحالة الأولوية وبناءً عليه فلا يكون نص الفقرة الثانية من المادة (7) – ونصها:
(فإذا تعدد مالكو الرقبة أو الشركاء أو أصحاب حق الانتفاع فاستحقاق كل منهم للشفعة يكون على قدر نصيبه (مثبتًا لحق الشفعة من شفيع في حالة التساوي، وارتكان حضرتي الوكيلين على ما جاء في هذه الفقرة من التعبير عن المتزاحمين بمالكي الرقبة أو الشركاء أو أصحاب حق الانتفاع لا يجدي نفعًا لأنه لا فرق بين التعبير بهذا اللفظ وبين التعبير في الفقرة الأولى بقوله: (إذا تعدد الشفعاء) لأن الفقرة الأولى تقتضي تعدد الشفعاء من درجات مختلفة ولذا جمعهم في عبارة (إذا تعدد الشفعاء) أما الفقرة الثانية فتقتضي تعدد الشفعاء في درجة واحدة من كل من الدرجات الثلاث الأولى فأسهل لفظ للتعبير عن ذلك هو اللفظ المستعمل في المادة وهو ذكر أصحاب كل درجة بأوصافهم فيها وهو قوله: (فإذا تعدد مالكو الرقبة أو الشركاء أو أصحاب حق الانتفاع) بدون أن يكون في ذلك أي فرق في المعنى بين هذا التعبير والتعبير في الفقرة الأولى وهو (تعدد الشفعاء) سواء في الدرجات المختلفة كما هو الحال في الفقرة الأولى أو في كل درجة على حدتها كما هو الحال في الفقرة الثانية.
ثالثًا: وإذا قيل ما معناه أن تفضيل المشتري الشفيع على باقي الشفعاء في حالة المساواة تمييز بلا مميز حيث لم ينص عليه القانون ولم يدرجه ضمن أوجه الأولوية الواردة في المادة (7).
فالرد على ذلك أن الأصل أن يبقى المشتري مالكًا لما اشتراه عملاً بحرية التعاقد ولا يسلب مالك ملكه إلا بنص، وقد بينا أن النص في الشفعة لا يشمل حق الأخذ بالشفعة من شفيع إلا في الأحوال التي نص القانون عليها وهي أحوال الأولوية، فإن لم توجد أولوية فيبقى المالك مالكًا لما اشتراه لعدم النص على حق المساوي له في سلب ملكه منه بطريق الشفعة أو في مقاسمته له فيه فليست المسألة إذن مسألة تزاحم بين الشفعاء لأنه لا شفعة من شفيع في حالة المساواة، فلا يوجد حق للشفيع قانونًا ولا مفاضلة بين الاثنين حتى يصح القول بأن هناك تمييزًا بلا مميز أو تفضيلاً بلا وجه للتفضيل.
رابعًا: وإذا قيل أن العلة في الشفعة لا تزال قائمة في حالة المساواة بين الشفيع والمشتري الحائز لما يجعله شفيعًا كما هي في حالة الأولوية وهي على قولهم اختلال التوازن بين أنصبة الشركاء ولا يعقل أن يقضي الشارع بحكمين مختلفين عند اتحاد العلة.
فالرد هو أن علة الشفعة لم تكن دفع اختلال التوازن بين أنصبة الشركاء بل هي دفع الإذن الذي قد ينشأ من وجود شريك جديد في حالة الشركة كما هي اتقاء مظنة أذى الجار الجديد في حالة الجوار والحكمة في أخذ المادة (7) بالتقسيم على الشفعاء بقدر نصيب كل منهم في حالة تعدد مالكي الرقبة أو الشركاء أو أصحاب حق الانتفاع إنما هي راجعة إلى منع التحكم الاستبدادي فيهم إذا ما ميز أحدهم على الآخرين بعد أن تتحقق حكمة الشفعة من أبعاد الشريك الأجنبي عنهم جميعًا فإن حكمة الشفعة تتحقق بإبعاد الشريك الأجنبي عنهم سواء حل محله أحدهم أو كلهم، ولكن لمن يعطي هذا الحق؟ ألا حدهم ولا مميز له على من سواه منهم؟ أم لهم جميعًا؟ ويقدر أنصبتهم كما قال بعض الشرعيين؟ أم على عدد رؤوسهم كما قال البعض الآخر منهم؟ فمنعًا للتحكم في اختيار أحدهم لإحلاله محل الشريك الأجنبي رأى المقنن أن يشركهم جميعًا في الصفقة كلُ بقدر نصيبه، هذه هي حكمة التوزيع عليهم بهذه الطريقة لا أكثر ولا أقل، ولا دخل ذلك للحكمة الأصلية التي شرعت الشفعة من أجلها وهي منع الأذى المحتمل حدوثه البيع من الشريك الجديد أو الجار الجديد.
وقد بينا أن حكم المساواة في المادة (7) خاص بحالة تعدد الشفعاء الآخذين بالشفعة من غير شفيع، ولا نتناول حالة المشتري لما يجعله شفيعًا، ولم تكن إحالة نص المادة (8) على المادة (7) إلا فيما يتعلق بالأولوية هذا وقد جرى القضاء المختلط في الشفعة على تقديم الجار صاحب العقار الأصغر على الجار صاحب العقار الأكبر ليقترب الطرفان بقدر الإمكان من مستوى التعادل حتى يكون انتفاع الصغير بمأمن من بطش الكبير، فلم يحافظ على التوازن الذي كان بينهما من قبل، وعلى ذلك يكون القول بمنع اختلال التوازن حتى يبقى الصغير صغيرًا والكبير كبيرًا قولاً لا أصل له ولا تمليه إلا نزعة البقاء على حكم الأثرة والاستبداد.
(حكم محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 16 يونيه سنة 1904 المجموعة سن 16 صحيفة (330) فهرست العشر سنوات الثانية ص (276) نمرة (2915).
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 7 مارس سنة 1907 المجموعة س 19 ص (169) الفهرست ص (277) نمرة (2920).
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 16 مايو سنة 1907 المجموعة س 19 ص (263) الفهرست (2921)).
وبناءً عليه فلا محل لهذا الاعتراض
خامسًا: وإذا قيل أن أحكام الشرع أباحت الشفعة من شفيع في حالة المساواة ولم تختلف فيما بينهما إلا فيما يختص بطريقة التوزيع فبعضهم يرى أن يكون التوزيع بنسبة الأنصبة وبعضهم يرى أن يكون على عدد الرؤوس فلا معنى لأن يخرج القانون عن ذلك.
فالرد على هذا الاعتراض هو القانون لم يأخذ بجميع أحكام الشرع في مادة الشفعة بل أخذ البعض منها دون البعض وتدرج في التضييق في هذه الأحكام على ما بيناه في أصل التشريع فلا محل للرجوع لأحكام الشريعة في هذا الخصوص.
وقد جاء في حكم أصدرته محكمة مصر بتاريخ 9 إبريل سنة 1920 (المحاكم نمرة (13) ص (2864)) ما يأتي:
(إنه وإن يكن أصل حق الشفعة موجودًا في الشريعة الغراء إلا أن القانون الأهلي لم يأخذها بكامل أحكامها الشرعية بل خالف تلك الأحكام في أكثر المسائل، وبما أن القانون لم يذكر أي عبارة تجيز الرجوع إلى أحكام الشريعة فيما سكت عنه من مسائل الشفعة فلا بد من الرجوع إليه عند عدم وجود نص فيه وهو المبادئ العمومية المقررة في القانون أو مبادئ العدل).
على أن مسألتنا قد ورد نص خاص بها في القانون الوضعي فلا محلي للخروج عن أحكام هذا النص.
(و) أحكام المحاكم:
أولاً: القضاء المختلط:
جرى القضاء المختلط إجماعًا على أنه في حالة الجوار إذا تساوت مصلحة الشفيع والمشتري الجار فلا شفعة، وكذلك في حالة الشك، وهذا تطبيق سليم للفقرة الأخيرة من المادة (7) من قانون الشفعة، التي أحالت إليها المادة (8) فيما يتعلق بالأولوية لا غير، والأولوية في حالة الجوار تكون بتقديم من تعود على ملكه منفعة من الشفعة أكثر من غيره، فإذا لم تعد على الشفيع منفعة من الشفعة أكثر من المشتري فلا شفعة، ويجب أن تتحقق الأولوية فعلاً، أما في حالة المساواة أو في حالة الشد فلا شفعة.
1 – حكم محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 5 نوفمبر سنة 1903 المجموعة س 16 ص (3) فهرست العشرة السنوات الثانية ص (276) نمرة (2910) وقد تقرر فيه ما يأتي:
(إذا تساوت كل الأمور من جهة مواقع العقارات بالنسبة لبعضها يقدم المشتري على الشفيع الذي أهمل أن يشتري صفقة نافعة على زعمه وفي حالة الشك يجب احترام حرية التعاقد ورفض دعوى الشفيع).
ويلاحظ أن تقديم المشتري على الشفيع في هذه الحالة لم يكن تقديمًا قضائيًا بل هو تقديم قانوني كما سبق بيانه وإنما بينت المحكمة في حكمها المذكور الحكمة التي توخاها القانون في هذا الشأن، وعلى ذلك كل الأحكام في هذا الخصوص.
2 – وبهذا المعنى حكم محكمة الاستئناف المختلطة بتاريخ 21 إبريل سنة 1904 س 16 ص (204) الفهرست المذكورة نمرة (2912).
3 – وكذلك حكم 16 يونيه سنة 1904 س 16 ص (330) الفهرست نمرة (2915).
4 – وكذلك حكم 16 يونيه سنة 1904 المجموعة س 16 ص (331) الفهرست نمرة (2916).
5 – وكذلك حكم 31 مايو سنة 1906 المجموعة س 16 ص (316) الفهرست نمرة (2917).
6 – وكذلك حكم 7 مارس سنة 1907 المجموعة س 19 ص (169) الفهرست ص (277) نمرة (2919).
7 – وكذلك حكم 20 إبريل سنة 1913 المجموعة س 25 ص (279) دائرة الرئيس جيشر فهرست العشرة السنوات الثالثة ص (403) نمرة (4203) وقد جاء فيه ما يأتي:
بما أن الشفعة من الحقوق الضيقة فيجب للتمسك بها تقديم الدليل الكامل والقاطع على حق من يستعملها، ويجب استبعادها في حالة الشك، خصوصًا إذا كان المشتري جارًا مثل الشفيع وإذا كان المقصود بالشفعة زيادة أو نقصًا في الرفاهية..)
وذلك صريح في ضرورة توافر المرجح لدى الشفيع الجار لكي يستعمل حقه في الشفعة ضد المشتري الجار، وهذا هو حكم المادة التي نحن بصددها.
وليس صحيحًا أن القضاء المختلط أصدر حكمًا بتاريخ 21 إبريل سنة 1904 يقضي بأنه إذا تساوت مصلحة الجار المشتري ومصلحة الشفيع وجب قسمة العين بينهما طبقًا لأحكام الشريعة الغراء التي لا تتناقض مع نص المادة (7) فقرة (2) فإن الحكم المذكور – وهو الذي قال حضراتاهما أنه مندرج بالمجموعة س 16 ص(205) فهرست العشرة السنوات الثانية نمرة (2913) – لم يتعرض لحالة المشتري الجار وإنما نص على حالة تعدد الشفعاء الجيران (ولم يدخل حالة المشتري)، أما حالة المشتري الجار فقد نص الحكم نفسه عنها بما هو وارد في النبذة السابقة وهي نَبذة (2912) وهو ما ذكرناه من قبل ويقضي بأنه في حالة الشك يقدم المشتري الجار حتى لا يحصل المساس بحرية التعاقد.
8 – وحكم 10 مارس سنة 1925 المجموعة س 37 ص (270) وقد جاء فيه ما يأتي:
(وحيث إنه بالنسبة لحصة سميكة يجب تطبيق المادة (8) من قانون الشفعة، وهذه المادة لا يمكن أن تفسر بغير ما يأتي وهو ( أنه في حالة ما إذا كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا) يجوز للشفيع أن يستعمل ضده حقه في الشفعة ولكن بشرط أن يكون له عليه حق من حقوق الولاية المقررة في المادة (7)).
هذا صريح في أن الشفيع لا يمكنه أن يستعمل حقه بالشفعة إلا إذا كان له عليه الأولوية بمقتضى الأحكام المقررة في المادة (7) وهذا هو نص المادة (8) ومفهوم ذلك أنه إذا لم تكن له الأولوية عليه فلا يمكنه أن يستعمل حق الشفعة ضده.
جاء الحكم بعد ذلك (بالدليل العكسي)، وهو خلاف (المفهوم) الذي أشرنا إليه من قبل ولا يتعارض معه فقال.
وهذا يؤدي بطريق الدليل العكسي إن القول إنه يجوز للمشتري هو أيضًا بدوره أن يدفع دعوى الشفيع بما له من الحق في الشفعة ويتغلب عليه إذا كانت حقوقه في الأولوية مقدمة عليه، وعلى ذلك لا نزاع في أنه يحق لسميكة فيما يختص بالحصة التي اشترها أن يدفع دعوى باخوم ضده بما له من حق الشفعة المقترن بأثره الفعال الخاص به).
جاء الحكم بهذا الدليل العكسي بقدر الحالة التي كانت مطروحة أمام المحكمة وهي حالة سميكة المشتري وهو مجاور من جهتين وله حق ارتفاق بينما باخوم مجاور من ناحية واحدة وله حق ارتفاق، فلم يكن باخوم في حالة أولوية على سميكة بل أن سميكة هو إذا كانت له الأولوية عليه لأن ملكه تعود عليه من الصفقة منفعة أكثر من باخوم، فقال الحكم ليس لباخوم أن يطلب الشفعة من سميكة لأنه لم تكن الأولوية عليه، ولسميكة أن يدفع دعواه بما له من الحق الخاص المستجد من أولوية هو عليه، ورد على باخوم في دعواه أن سميكة لم يطلب الشفعة في الميعاد بأنه سميكة لم يكن في حاجة إلى طلب الشفعة لأنه مشترٍ مالك فهو في حالة دفاع لكيلا يسلب ملكه منه ويصح له أن يدفع الدعوى بأولويته على باخوم، هذا هو الدليل العكسي الذي رأت المحكمة أن ترد به على باخوم، ولكن ذلك لم يمنعها من أن تقرر المبدأ في ذاته وهو أنه ليس للشفيع أن يطلب الشفعة من مشترٍ حائز لما يجعله شفيعًا إلا إذا كانت له الأولوية عليه طبقًا لنص المادة (7) التي أحالت عليها في هذا الشأن المادة (8).
والمفهوم صريح وهو أنه لم يتوافر للشفيع حق الأولوية على المشتري الشفيع فليس له أن يشفع منه، ولكن المحكمة لم تتعرض لهذا المفهوم لعدم حاجة الدعوى إليه، والمفهوم ملازم للمنطوق بطبيعته وليس لمنطقي أن يخرج عنه.
ونورد هنا النص الفرنسي للحيثية المشار إليها حتى لا يكون هناك مجال للخلاف على المعنى المقصود
(Attendu – pour la quote. Part de semeika – quel l’Application de l’art, 8 ep la loi s’impose. Cet article ne peut avoir d’autre signification que celle – ci: A savoir, qu’ (Au cas àn l’acheteur se trouve dans les Conditions prevues pour se rendre lui – méme preèmpteur.)
Le tiers peut bien exercer a son encontre son droit de preémption, mais a la condition d’avoir sur lui un des litre de préiérence don’t a 1 art. 7 , Cela revient â dire, par argument â Contrario pue I acheteur peut, a ‘ son taur, opposer, a la pretention dutiers preérmpteur son propre droit de preémption et y faire échec, si ses titres de prèference sont prévalents. Partant, le droit de semeika de frire valoir a l’egard de I a quote – part par lui acheteé, et a’ l’encontre de bakhoum son propre droit de preémption, avec l’efficacité, qui lui est propre, est incontestable)
وبناءً على ما تقدم فالقضاء المختلط مجمع على أنه لا شفعة من شفيع إلا إذا كانت هناك أولوية للشفيع على المشتري تطبيقًا لنص المادة (8) من قانون الشفعة.
ثانيًا: القضاء الأهلي:
1 – أصدرت محكمة الاستئناف الأهلية حكمًا بتاريخ 10 يونيه سنة 1902 (من حضرات قاسم أمين بك – ومسيودى هلس – ومسيو ساتر) مندرجًا بمجلة الحقوق س 17 ص (242) قضت فيه بأن لا شفعة من شفيع وجاء فيه ما يأتي:
(وحيث إنه ثابت من عقد الرهن المستندة عليه الشفيعة أن المشتري هو جار للأطيان التي اشتراها وله حق الشفعة مثل الجار الآخر الذي يطلب الشفعة الآن فلا شفعة ضده لأن المقصود من الشفعة هو منع ضرر الجوار ولو سمح المستأنفة أن تستعمل حقها في الشفعة فهي تصير جارة للمشتري بالضرورة وحينئذ فسبب الشفعة غير متوفر).
وليس أصرح من ذلك في أن الجار ليس له أن يشفع من المشتري الجار مع عدم وجود المرجح وهذا تطبيق للمادة (8) وقصرها على ما أحالت به على المادة نمرة (7) وهو قولها (فيما يتعلق بالأولوية) فإن لم تكن أولوية فلا شفعة من شفيع، والأولوية في الجوار هي أن تعود على ملك الشفيع منفعة من الشفعة أكثر من المشتري، وقد بين الحكم في أسبابه حكمة تمشي القانون مع قاعدة أن لا شفعة مع شفيع، وكان أول مطبق في القضاء الأهلي لقانون الشفعة الجديد.
أصدرت محكمة طنطا الابتدائية الأهلية بتاريخ 17 مايو سنة 1920 حكمًا ابتدائيًا أصبح انتهائيًا لعدم استئنافه مندرجًا بمجلة المحاماة س 1 نمرة (62) ص (340) قرر أن لا شفعة من شفيع في حالة المساواة وتعرض بالذات لمناقشة المادتين (8) و (7) من قانون الشفعة مناقشة مستفيضة وجاء فيه ما يأتي:
(وحيث إن المادة (7) من قانون الشفعة وضعت قاعدتي الأولوية والتقسيم عند تعدد الشفعاء، وظاهر منها أنها لا تنطبق إلا بين الشفعاء أي الذين استوفوا إجراءات الشفعة طلبًا وعرضًا ودعوى في المواعيد ويخرج على تناولها الكلام في المفاضلة أو المشاركة عندما يتنازع الشفيع والمشتري الحائز لوجه من وجوه الشفعة المبينة في المادة الأولى من القانون).
(وحيث إن المادة الثامنة وضعت لبيان الحكم في إحدى صورتي النزاع المشار إليه من الشفيع والمشتري وهي التي يكونان فيها من درجتين مختلفتين، والمادة ترمي إلى تطبيق قاعدة الأولوية بين الشفيع والمشتري الحائز لوجه من وجوه الشفعة قياسًا على المادة (7) بين الشفعاء ويبقى معرفة ما إذا كان الشارع قد أراد أيضًا تطبيق حكم المادة (7) في صورة النزاع الأخرى، وهي الحالة التي يكون فيها الشفيع والمشتري من درجة واحدة كما إذا كانا شريكين مثلاً).
(وحيث إن قصر النص في المادة الثامنة على أحكام الأولوية بنفس جواز القياس وذلك بمفهوم المخالفة، خصوصًا وأن العلة التي بقيت عليها قاعدة التقسيم في المادة السابقة منتفية في هذه الحالة.
إذ أنه إذا جاز التقسيم بين الشفعاء لعدم وجود وجه لتفضيل أحدهم على الباقين ولأن الأذى بالشريك الجديد يدركهم جميعًا، فلا وجه للتقسيم بين الشفيع بالشركة والمشتري الشريك لأن الأذى منتفٍ ولأنه لم يجد بالشراء إلا أن المشتري زادت حصته باعتباره شريكًا ونقص عدد الشركاء واحدًا، ولأن التقسيم إذا جاز كان معناه يجب ألا يستأثر أحد الشركاء بنصيب غيره من الشركاء ويجب أن ينتفع الشركاء جميعًا به إذا طلبوا ذلك، وليس ذلك عرض الشفعة، ويجب إذن كلما كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا أن يختص وحده بما اشتراه إذا لم يشفع في العين المبيعة من كان أقوى منه سببًا، ويكون تعامله بالشراء مع المالك وجه تفضيل على غيره ممن هم في درجته.
ولهذا الحكم فضله لإلمامه بالموضوع إلمامًا مشبعًا ولكونه أول حكم تعرض للموضوع بهذا التفصيل الوافي.
ويحسن أن نلاحظ أولاً – أن عبارة (ويكون تعامله بالشراء مع المالك وجه تفضيل له على غيره ممن هم في درجته) الواردة في نهاية الأسباب لم يكن القصد منها إيجاد وجه تفضيل يستنبطه القاضي ولكن القصد منها بيان الحكمة التي من أجلها فضله القانون على غيره فهو تفضيل قانوني لا تفضيل قضائي، وكذلك الحال في باقي ما جاء بالأسباب من التعليل فإنه بيان للحكمة التي حدت بالمفتن إلى تقرير القواعد التي ضمنها نص المادتين المذكورتين.
ثانيًا: أن عبارة (يجب إذن كلما كان المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا أن يختص وحده بما اشتراه إذا لم يشفع في العين المبيعة من كان أقوى منه سببًا) عبارة موفقة التوفيق كله فهي تتناول حالة الأولوية باختلاف الدرجة كما في حالة الفقرة الأولى من المادة (7)، وحالة الأولوية بوجود المرجع مع اتحاد الدرجة كما في حالة الجوار الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة (7).
وهذا يتفق تمام الاتفاق مع ما أوضحناه من قبل.
2 – وأصدرت محكمة الإسكندرية الابتدائية الأهلية بتاريخ 12 إبريل سنة 1923 حكمًا أصبح انتهائيًا أيضًا لصدور الحكم من محكمة الاستئناف بعدم قبول الاستئناف عنه (المحاماة س 4 عدد (91) ص (140)) قررت فيه المبدأ ذاته وجاء في أسباب الحكم ما يأتي:
(وحيث إن الغرض من الشفعة هو دفع الأذى من دخول أجنبي بين الشركاء الأصليين فزيادة حصة المدعي ليس من شأنها أن تحدث ذلك، ولا محل للتمسك بالمادة الثامنة من قانون الشفعة لأنها لم تتنازل كل هذه الحالة بل جاء حكمها خاصًا بحالة تزاحم الشفعاء مع المشتري عند ما يكونون من درجات مختلفة، ولذلك جاء في نص المادة الثامنة المذكورة على سبيل القيد في الحكم إنها خاصة فيما يتعلق بالأولوية وعلى ذلك فإذا كان طالب الشفعة والمشتري من درجة واحدة فلا يسري عليها حكم هذه المادة ويفضل المشتري لحقه الذي اكتسبه بطريق الشراء، (ونلاحظ هنا أيضًا
أولاً: أن الأولوية عند اختلاف الدرجة في حالة الفقرة الأولى من المادة وعند تساوي الدرجة مع وجود المرجح في حالة الفقرة الأخيرة من المادة (7) وهي المتعلقة بالجوار.
وثانيًا: أن المساواة المانعة من الشفعة عندما يكون المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا هي المساواة في الدرجة في حالة إحدى الدرجات الثلاث الأولى من المادة (7) مطلقًا والمساواة في الدرجة مع عدم وجود المرجح في حالة درجة الجوار.
وثالثًا: أن تفضيل المشتري في حالتي المساواة المذكورتين آنفًا لم يكن تفضيلاً قضائيًا بل تفضيلاً قرره القانون.
3 – حكم صادر من محكمة أسيوط الابتدائية الأهلية في القضية نمرة (127) سنة 1920 قضى بقسمة المبيع بين الشفيع والمشتري الشريك وهذا الحكم لم يُنشر ويتضح من أسبابه أن المشتري لم يدفع دعوى الشفيع بعدم أحقيته في الشفعة بل طلب أن يقاسمه فيها حيث كان الشفيع يطلب الكل، فلم تثر أمام المحكمة نقطة النزاع التي نحن بصددها ولم يتنبه أحد إليها، ويظهر أن حكم محكمة طنطا سالف الذكر الرقم (17) مايو سنة 1920 لم يكن قد صدر بعد أو لم يكن قد ظهر بعد، وما كان للمحكمة أن تكون ملوكية أكثر من الملك، فقضت بالتقسيم بينهما ولذلك لا يفيد هذا الحكم أية فائدة في موضوعنا.
4 – وصدر حكم من محكمة منفلوط الجزئية بتاريخ 11 ديسمبر سنة 1924 مندرج بالمحاماة س 5 ص (459).
وكل ما جاء في هذا الحكم قوله، (وحيث إن هذه المادة (أي المادة (8)) صريحة في أن حق المشتري لا يسقط حق الشفيع وأن أحكام الأولوية تراعي بين المشتري والشفيع كما لو كانت بين شفيعين تمامًا بحيث إذا كان حق أحدهما مفضلاً حسب المادة (7) يسقط حق الآخر وإذا تساوت حقوقهما اقتسما العقار المشفوع كل بحسب نصيبه).
وهذا القول لا يخرج عن كونه مجرد تأكيد بأن المادة (8) تحيل على المادة (7) في حالة التساوي كما في حالة الأولوية.
ويكفي للرد عليه أن نشير إلى أن هذا التأكيد فضلاً عن كونه عاريًا عن الدليل فإن صراحة للنص تنافيه، وقد أوضحنا ذلك فيما سبق بما فيه الكفاية.
(ز) آراء المؤلفين:
آراء الفقهاء في الشريعة الغراء:
بينا فيما سبق أنه لا يصح الرجوع لآراء الفقهاء في مادة أصبحت من وضع القانون المدني وإن كان أصلها شرعيًا، وقد نظمها القانون الوضعي أولاً وآخرًا بما يتفق مع الغرض الذي شرعت من أجله والضرورة التي حصرت فيها، فلا يصح الخروج عن أحكام النصوص التي وضعها القانون لها وعن النصوص القانونية الحاضرة والرجوع إلى آراء قديمة ابتعد القانون عنها ولذلك نضرب صفحًا عن هذه الآراء.
أما ما جاء في مؤلفات دي هلتس والمرحوم أحمد فتحي زغلول باشا وعلي زكي العرابي بك ومحمد كامل مرسي بك وعبد السلام زهني بك بما يتفق ورأيهم في هذا الخصوص.
فردنا عليه:
- أولاً: أن الثلاثة الأولين منهم لم يناقشوا الموضوع في مؤلفاتهم أية مناقشة مع أن الأحكام التي اشترك الاثنان الأولان منهم في إصدارها قبل قانون الشفعة الجديد على خلاف ما ورد في مؤلفيهما.
ومع أن الأول منهم قد أخذ في مسألة الجوار بما سار عليه القضاء المختلط من جهة تقديم المشتري الجار على الشفيع الجار في حالة المساواة حيث قال في نهاية نَبذة 91 ص (253) جزء ثالث طبعة سنة 1911 ما يأتي:
(وإذا كان هناك مساواة بين الشفيع والمشتري من حيث المنفعة التي تعود عليهما من الصفقة فاللازم تقديم المشتري (محكمة الاستئناف المختلط 16 يونيه سنة 1904 المجموعة س 16 ص (331)) والواجب أن يقدم المشتري أيضًا إذا كان تفوقه في المنفعة مشكوكًا فيه (محكمة الاستئناف المختلط 31 مايو سنة 1906 المجموعة س 18 ص (316)).
وقال في نَبذة 92 ما يأتي:
(وفي هذه الأحوال المتنوعة يجب احترام مبدأ حرية التعاقد بحيث لا يصح المساس به إلا متى تعود على الجار الشفيع منفعة معينة من الشفعة بشرط أن لا تكون بالضبط نفس المنفعة التي سعى إليها المشتري أو حصل عليها بشرائه، فإنه يكون من أظلم الظلم أن يوضع من جدَّ في المرتبة الثانية وأن يقدم عليه من كانت له أيضًا مصلحة في الشراء ولكنه لم يوجه عزمه إليه إلا بعد أن سبقه جاره مدفوعًا بنفس هذه المصلحة).
وهذا – لو فطن المؤلف إليه – هو تطبيق لمبدأ لا شفعة من شفيع في حالة المساواة المقرر بمقتضى المادة (8) من الشفعة حيث إنها لم تقرر حق الشفعة من شفيع إلا في أحوال الأولوية المقررة في المادة (7).
والظاهر أن هؤلاء المؤلفين لم يوجهوا نظرهم إلى حقيقة مرمى نص المادة (8) بل قالوا بما قالوا عنه قضية مسلمة وإلا لما جروا على خلاف ما بيناه من قبل في هذا الشأن ولا غرابة في ذلك فالحقائق القانونية قد تظل خافية حينًا من الدهر على أكبر العلماء إلى أن يفطن لها بعض المشتغلين بالبحث فيها فيكشف عن حقيقتها ويخرجها للناس من مكمنها فإذا هي من البساطة بمكان، وقد ظهرت هذه المؤلفات الثلاثة قبل ظهور حكم محكمة طنطا في 17 مايو سنة 1920 الذي أبرز حقيقة مرمى نص المادة (8) في أجلي صورة وأظهر بيان.
- ثانيًا: وأما المؤلف الرابع فلم يكن إلا ناقلاً للآراء المتعددة من غير أن يقف عند أحدها فهذا شأنه في صحيفتي (28) و (29) نَبذتي (28) و (29) إذ أنه نقل في موضوعنا عن دي هلتس وفي ص (44) و (49) فإنه نقل حكمًا قديمًا سابقًا على قانون الشفعة الجديد، ثم أورد عقبة حكم محكمة طنطا الرقيم 17 مايو سنة 1920 بأسبابه وهو الذي فسر المادتين (7) و (8) بالإسهاب السابق وقد يمكن القول بأنه وقف عند هذا الحكم حيث لم يعقب عليه بما يخالفه.
ملحوظة: ونلاحظ هنا أنه وقع خطأ مطبعي في إحدى حيثيات الحكم (ص (245)) المنقولة إلى كتابه قد يترتب عليه شيء من اللبس فيحسن الإشارة إلى تصحيحه، وهو في الحيثية الآتية:
(وحيث إن قصر النص في المادة الثامنة على أحكام الأولوية ينفي جواز القياس، وذلك بمفهوم المخالفة فجاءت في الطبع كلمة (يقتضي) بدل كلمة (ينفي) والصحيح (ينفي).
ثالثًا: وأما المؤلف الخامس فهو الذي تصدى لنقد حكم محكمة طنطا الابتدائية الأهلية الصادر في 17 سنة 1920:
1 – وقد بنى النقد على أساس فاسد وهو القول بأن الحكم المذكور قضى بالأولوية للمشتري إذا زاحمه مزاحمون من طبقة واحدة معه أخذًا بالمادة (8) (من طريق القياس) أي (قياسًا على الأولوية المقضي بها فيما إذا كان المتزاحمون من مراتب مختلفة وكان المشتري بالمرتبة الأولى، لأن علة التقسيم انتفاء مبرر الأولوية، لأن المشتري أجنبي، وأما إذا كان غير أجنبي وكان منهم فلا مبرر للتقسيم بل يقضي للمشتري بالأولوية لأن في تعامله مع البائع بالشراء دون الآخرين معنى تفضيله عليهم) (كتاب الأموال جزء (2) ص (694) و (695) ضمن نَبذة (506)).
هذا ما نسبه المؤلف للحكم المشار إليه وبنى عليه نقده، والواقع أن الحكم المذكور لم يقضِ بالأولوية ما للمشتري حالة التساوي من طريق القياس، والظاهر أن الأمر التبس على حضرة المؤلف بسبب خطأ مطبعي ورد في مجلة المحاماة عند نقلها أسباب الحكم المذكور في إحدى حيثياته، وهي الحيثية الآتية التي أخطأ في نقلها أيضًا حضرة محمد كامل مرسي بك على ما ذكرناه آنفًا وهي:
(وحيث إن قصر النص في المادة الثامنة على أحكام الأولوية ينفي جواز القياس، وذلك بمفهوم المخالفة).
فكلمة (ينفي) وردت في المجلة (ينبغي) بطريق الخطأ المطبعي، ولكن سياق النص يحتم أنها (ينفي) بدليل قوله بعد ذلك (خصوصًا وأن العلة التي بنيت عليها قاعدة التقسيم المقررة في المادة السابقة منتفية في هذه الحالة، إذ أنه جاز التقسيم بين الشفعاء لعدم وجود وجه لتفضيل أحدهم على الباقين ولأن الأذى بالشريك الجديد يدركهم جميعا،ًفلا وجه للتقسيم بين الشفيع بالشركة والمشتري الشريك لأن الإذن منتفٍ إلخ).
وذلك صريح فيما يأتي:
- أولاً: أن قصر النص في المادة (8) على أحكام الأولوية بمنع جواز القياس.
ثانيًا: أن القياس الممنوع هو قياس الحالة التي يكون فيها المشتري شريكًا والشفيع من طبقته – وهي التي لم يرد عنها نص في المادة (8) – على الحالة التي يكون فيها الشفعاء من طبقة واحدة ولم يكن المشتري حائزًا لم يجعله شفيعًا مثلهم – وهي التي ورد حكمها في المادة (7) بأن يحصل التقسيم بينهم بنسبة أنصبتهم، فالقياس هنا ممنوع (منتفٍ) للأسباب الواردة في الحكم.
فأخطأ حضرة المؤلف فيما ادعاه من أن الحكم قضى بالقياس وأن القياس الذي أجراه الحكم هو قياس حالة المشتري الشريك بإزاء الشفيع المساوي له في المرتبة وهي الحالة التي لم يرد عنها نص في المادة (8) – على حالة المشتري الشريك بإزاء الشفيع الأدنى منه مرتبة – وهي الحالة التي ورد عنها نص في المادة (8) وقرر فيها اتباع حكم الأولوية.
ليس هذا هو ما أجراه الحكم ولذلك قلنا أن نقد حضرة المؤلف بنى على أساس فاسد.
2 – قال حضرة المؤلف في نقده للحكم (وأما القول بأن في شراء المشتري وحده دون الآخرين معنى لوجه أفضليته على زملائه فهو تسويغ لم يقل به القانون فلا يجوز أن يقال به.).
وردنا على ذلك أن الحكم لم يرتب هذه الأفضلية من عنده وإنما قال ما معناه أن هذه هي الحكمة التي من أجلها لم يقرر القانون حقًا للشفيع ليأخذ من شفيع مثله مساوٍ له في المرتبة وفي السبب، وتلك الحكمة التي توخاها المقنن هي أنه فضل المشتري الحائز لما يجعله شفيعًا على الشفيع المساوي له في المرتبة ولم يكن له وجه أولوية عليه، وكأنه قال لاستقرار المعاملات وعدم المساس بها إلا لضرورة والضرورة لم يأخذ بها القانون إلا إذا كان للشفيع وجه من وجوه الأولوية على المشتري، وكما قلنا في تعليقنا على الحكم المذكور لم يكن هذا تفضيلاً قضائيًا بل هو تفضيل قانوني قرره القانون وتلك حكمته.
3 – قال حضرته بعد ذلك (وإلا لو صح الأخذ به في مجموعة وتقرر بأن يكفي لحصول الشراء من أحد الشفعاء حتى يفضل المشتري بقية الآخرين لترتب على ذلك هدم حكم لأولوية المقرر بالمادتين (7) و (8)، بل وهدم التقسيم التناسبي المقرر بالمادة (7)).
ولا ندري من أين تأتي نتيجة الهدم المذكورة إذا قرر القانون بأن ليس لشفيع أن يشفع من شفيع مساوٍ له في المرتبة والسبب؟ أي مساس في هذا بحكم الأولوية المقرر بالمادتين (7) و (8) وبحكم التقسيم التناسبي المقرر في المادة (7) فهما قائمان في الأحوال الخاصة بهما المبينة في المادتين المذكورتين لم يمسسها ماس وقد سبق أن بيّنا هذه الأحوال فلا يفيد بيانهما هنا منعًا للتكرار.
4 – ثم قال ما خلاصته (أن التقسيم التناسبي حق مستفاد من قانون الشفعة بالذات ومستفاد من القواعد العامة وأن حق الشفعة ضد المشتري الحائز لما يجعله شفيعًا لا يزول عن صاحبه إلا بأحد الأسباب القانونية المقررة إما بقانون الشفعة أو إما بالقواعد العامة.
وردنا على ذلك أننا بينا فيما سبق أن القانون نفسه هو الذي قرر عدم الأخذ بالشفعة من شفيع عندما يكون المشتري حائزًا لما يجعله شفيعًا ولم يكن الشفيع في حالة أولوية عليه من أحوال الأولوية المقررة في المادة نمرة (7).
5 – وقال أيضًا ما خلاصته أنه لا محل للنظر لتوفر الضرر في الشفعة لأن الشفعة مقررة للشريك بوجه عام طبقًا للمادة الأولى وبأن الضرر قرينة قانونية قاطعة لا تقبل دليلاً عكسيًا، وهذا لا جدال فيه وليس هذا هو الفارق بين الحكم وبينه، إذ الحكم لم يقل أنه في الأحوال التي يجوز فيها الشفعة قانونًا يجب توافر الضرر فعلاً فإن الشفعة شرعت لدفع مظنة الأذى لا الأذى المحقق فقط.
وهنا القرينة القانونية التي قال عنها حضرة المؤلف ولم يخالفه فيها أحد، وإنما الذي قاله الحكم هو أنه بين الحكمة التي من أجلها لم يقرر الشارع الأخذ بالشفعة من شفيع مساوٍ في المرتبة وفي السبب وأن تلك الحكمة هي عدم توافر الغرض الذي من أجله شرعت الشفعة وهي اتقاء مظنة الأذى التي قد يحدث بالبيع من شريك جديد أو جارٍ جديد.
أما إذا كان القانون قد قرر الشفعة حتى من المشتري الشريك أو الجار من قبل فلا ينظر للضرر تبعًا للقرينة القانونية المشار إليها آنفًا، ولكن المسألة أن القانون لم يقرر الأخذ بالشفعة في الحالة التي نحن بصددها ولذلك يكون نقد حضرة المؤلف في غير موضعه.
6 – قال حضرته أيضًا بأن حق الشفيع الشريك صريح لا غموض فيه ولذلك فلا محل للتفسير، والفرق بين الحكم وبينه أن الحكم يقول أيضًا بأن القانون صريح لا غموض فيه ولكن في جانب النظرية التي نحن بصددها، والواقع يؤيد نظرية الحكم كما بيناه من قبل.
7 – وقد وقع حضرة المؤلف في التناقض الذي وقع فيه المؤلف الأول حيث إنه أخذ في مسألة الجوار بتقديم المشتري الجار على الشفيع الجار وهذا ما ورد في كتابه في هذا الشأن ص (692) نَبذة (503).
(وإذا كان أحد الجيران هو المشتري نفسه وجب من باب أولى بتفضيله على بقية الجيران لأنه في حالة الشك يجب تفسير القانون لمصلحة واضع اليد وهو المشتري أخذًا بالقاعدة الرومانية القائلة بأنه إذا تساوى الخصمان فضل واضع اليد، وهذا ما نقره لأنه يتمشى مع روح المادة (7) ولأنه بهذا الرأي يوجز الإشكال ويقضي بالعقار المشفوع لجار واحد دون تقسيمه.
فما باله يقول بغير ذلك في حالة الشريك وحكم القانون في المادة (8) واحد في الحالين هو أنه لم يقرر الأخذ بالشفعة من مشترٍ حائز لما يجعله شفيعًا إلا إذا كان للشفيع أولوية عليه بإحدى أوجه الأولوية المقررة في المادة (7).
وبناءً عليه يكون نقده للحكم المذكور في غير محله.
وجاء في محاضرة ألقاها البارون فورجير القاضي بمحكمة المنصورة الابتدائية الأهلية سابقًا بجمعية الاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع في سنة 1920 قبل صدور حكم محكمة طنطا سالف الذكر في موضوع الشفعة (مجلة مصر الحاضرة للجمعية المذكورة عدد (51) ص (317)) ما يأتي:
(وكذلك يظهر لي أنه إذا تساوت المنفعة (في الجوار) يجب تقديم المشتري إذا كان جارًا كما قد يحصل وكما توقعته المادة (8)
ومع ذلك فهذا هو حكم القضاء الذي يرتكن على القاعدة القديمة:
(إذا تساوى الخصمان فضل واضع اليد) وكذلك الحالة في حالة الشك)
ولكن هذا المحاضر كغيره لم يناقش الموضوع مناقشة تفصيلية ولذلك لم يتنبه إلى ما أوجبه القانون في المادة (8) من حيث قصر حق الشفعة من شفيع على أحوال الأولوية المبينة بالمادة (7) وهو ما تنبه إليه حكم محكمة طنطا المشار إليه آنفًا.
(المحاماة: قدمت هذه المذكرة لمحكمة استئناف أسيوط الأهلية في شهر فبراير سنة 1927 وقد أخذت المحكمة بالنظرية الواردة بها وقضت بذلك بحكم سبق أن نشرته المحاماة في السنة السابعة رقم (474) والمجموعة الرسمية سنة 1927 رقم (15)).