دراسات قانونية

مدى مشروعية التنصت الهاتفي وفق قانون الإجراءات الجزائية (بحث قانوني)

التنصت الهاتفي في ظل قانون الإجراءات الجزائية

الأستاذ حافظ بن زلاط

باحث في قسم الدكتوراه

جامعة سيدي بلعباس

الجزائر

مقدمة:

تعتبر المحادثات الخاصة للأفراد مظهر من مظاهر حرمة حياتهم الخاصة التي يتعين حمايتها لما يمكن أن تنطوي عليه من أسرار و خصوصيات(1)،بيد أن التقدم العلمي المذهل في كافة مناحي الحياة،أدى لانتشار الاعتداءات على الحق في الخصوصية للأفراد(2)،وجعل من الممكن اقتحام خلوة الإنسان و تجريده من كل أسراره دون أن يشعر مما يجري حوله و يقع عليه و يمس أخص خصوصياته(3)،فقد حرص المشرع في كل دول العالم إلى تجريم الاعتداء على الحق في الخصوصية للأفراد بمختلف صوره. لدا يعد التنصت على المكالمات الهاتفية كشفا صريحا لستار السرية و حجاب الكتمان و من هنا تبرز المشكلة و تتجلى واضحا إذ تبحث عن إن كان بإمكان المحقق الجنائي أن يتنصت هاتفيا على محادثة أشخاص يظن أنهم لهم ضلعا في جريمة ما؟و في حالة الإيجاب هل يصطدم هذا التصرف بالمواد القانونية الإجرائية أم أنه يتمتع بحصانة اتجاهها فلا تسري عليه بالنظر إلى متطلبات مهمته التحقيقية؟(4).

ولهذا سيتم التطرق إلى الطبيعة الفنية و القانونية لهته المراقبة (المبحث الأول) ومدى مشروعيتها(المبحث الثاني).

المبحث الأول:الجانب الفني للتنصت الهاتفي.

يعد التنصت الهاتفي من ضمن أخطر الوسائل التي تقررت استثناءا حق الشخص في حياته الخاصة كتفتيش المنازل و كذلك ضبط المراسلات و الاطلاع عليها،فبالإضافة إلى أنها تتم دون علم الشخص محل المراقبة،الا أنها كذلك تتيح سماع و تسجيل أدق الأسرار وذلك بشكل منفرد لا يستطيع التفتيش أو الاطلاع على الرسائل أو الوصول إليها فضلا عن إمتدادها إلى أشخاص آخرين أبرياء بمجرد إتصالهم عن طريق الهاتف بالشخص الموضوع تحت المراقبة(5).

المطلب الأول:الطبيعة الفنية لتنصت الهاتفي.

الهجوم على خصوصية الأفراد و التنصت عليهم و مراقبة شؤونهم الخاصة يتزايد و بشكل ملفت للنظر و خاصة بظهور عصر المعلومات و الاتصالات و ازدهاره،حيث تحولت وسائل التجسس و التنصت من الطرق التقليدية إلى الطرق الالكترونية(6)،لهذا سيتم التطرق في هذا المطلب ماهية ضبط المراسلات و المحادثات الهاتفية و مختلف طرق التسمع و أجهزته.

الفرع الأول:تعريف ضبط المراسلات.

يقصد بالمراسلات،جميع أنواع الرسائل المكتوبة و البرقيات أيا كانت الطريقة التي ترسل بها سواء كانت داخل مظروف مغلق أو مفتوح أو ان تكون الرسالة عبارة عن بطاقة مكشوفة،كما اعتبر القانون أن ضبط المراسلات إجراء من إجراءات التحقيق التي تستقل بمباشرتها سلطة التحقيق(7)،ويرى جانب آخر من المختصين،أن المراسلات يقصد بها:”تخابر و الاتصال بين الأفراد فيما بينهم سواء بالكتابة أو غيرها،أي سواء كانت رسائل بريدية أو مكالمات هاتفية”(8).

ويعرفها بعض شرحاء التقنين المدني على أنها:”الورقة المكتوبة التي يبعث بها شخص إلى آخر،ينقل بها فكرا أو ينهي إليه أمرا وتقوم على نقل هذه الرسالة عادة مصلحة البريد كما قد يسلمها شخص مباشرة بطريق رسول تتم بالتفاهم كما لو كان المرسل إليه أصم”(9).

الفرع الثاني: تعريف التنصت الهاتفي.

يجدر بنا الحديث على تعريف التنصت الهاتفي في اللغة و الاصطلاح و لدى شراح القانون.

_ أولا: التنصت في اللغة:

من نصت بمعنى السكوت،وأنصت:استماع الحديث و تنصت تسمع و الإنصات،الاستماع إلى الصوت مع ترك الكلام(10).

_ ثانيا: التنصت في الاصطلاح:

هو الاستماع سرا بوسيلة أي كان نوعها إلى كلام له صفة الخصوصية أو سري صادر من شخص ما أو متبادل بين شخصين أو أكثر دون رضا أي من هؤلاء(11).

كما يعرف التنصت بأنه تلك العملية التي تتم باستخدام وسائل تقنية لها صلة مباشرة بنوعيها السلكية و اللاسلكية،والتي من خلالها يتم بث الكلام المتفوه به و تثبيته و استغلال المفيد منه في التحري و التحقيق،ويقصد به الكلام المتداول بين الأشخاص المستهدفين أو الوسط المتوغل فيه،ويقصد به أيضا الكلام الواضح و المشفر و الذي عادة ما يتبناه المجرمون باستعمال رموز أحيانا تكون سهلة الفهم و أحيانا تحتاج إلى تحليل(12).

استخدمت الإرادة التشريعية الجزائية مصطلح إعتراض المراسلات و التي تحمل نفس معنى التنصت أو التسمع،حيث يثري الأستاذ ياسر الأمير تعريفه بقوله أن الأخير:”إجراء تحقيقي يباشر خلسة و ينتهك سرية الأحاديث الخاصة،تأمر به السلطة القضائية بهدف الحصول على دليل غير مادي للجريمة،ويتضمن من ناحية أخرى استراق السمع إلى الأحاديث،وهي تعتبر أيضا وسيلة هامة من الوسائل الحديثة للبحث و التحري تستخدمها الضبطية القضائية واجهة الإجرام الخطير و تتم عبر وسائل الإتصال السلكية و اللاسلكية”(13).

المطلب الثاني:أساليب التنصت الهاتفي.

تنفذ عملية التسمع على المحادثات الهاتفية الخاصة و التي يجريها الشخص بإحدى الأسلوبين الآتيين:

الفرع الأول:التنصت المباشر.

تستعمل هته الصورة عن طريق ربط سلكي مباشر بالخط الهاتفي المتجه نحو المركز أين توجد شبكة الإتصال إلى منزل المشتبه فيه أي الشخص المراقب،إذ يتم توصيل السلك بسماعة الهاتف و جهاز تسجيل يتم من خلالها التنصت و التسجيل فهذه الطريقة تعد قديمة و لها عيوب حيث يمكن للشخص المراقب اكتشافها نظرا لما يطرأ على الاتصال من تشويش بسبب تدخل المتصنت(14).

الفرع الثاني:التنصت غير المباشر.

يكون هذا النوع من التنصت لاسلكيا إد انه يتم دون أن يكون هناك إتصال سلكي بالخط الهاتفي الموضوع تحت المراقبة(15).

المبحث الثاني:التكييف القانوني لتنصت الهاتفي.

قد أثارت مراقبة المكالمات الهاتفية(16)جدلا واسعا حول الطبيعة القانونية لها،فمحور الخلاف يدور حول إعتبار الدليل المستمد من هذا النوع من المراقبة،دليلا مستقلا بذاته أم يندرج تحت نوع من أنواع الإجراءات المعروفة في القانون،فانقسم الفقه إلى: طائفة اعتبرت هذا الإجراء نوع من ضبط الرسائل،في حين اعتبره جانب آخر من الفقه اجراء من نوع خاص.

المطلب الأول:التنصت الهاتفي نوع من التفتيش.

يكيف أصحاب هذا الاتجاه مراقبة المكالمات الهاتفية على أنها نوع من انواع التفتيش(17)والذي يشكل قيدا خطيرا على الحرية الشخصية _كما هو الحال في التفتيش_ الأمر الذي يستوجب إخضاعه لضمانات و قيود التفتيش.

وفي هذا السياق يقول الأستاذ سليم علي عبده:”يعتبر الإطلاع على المكالمات الهاتفية نوع من التفتيش،لأنه يهدف إلى التنقيب في وعاء السر لضبط ما يفيد في كشف الحقيقة،ويتمثل وعاء السر في هذه الحالة في الأسلاك التليفونية و يستوي أن يكون هذا السر الذي يتم الاطلاع عليه عبر المراقبة_التنصت_ شيئا ماديا يمكن ضبطه استقلالا كالمواد المخدرة او الأسلحة أو أن يكون شيئا معنويا يتعذر ضبطه إلا إذا اندمج في كيان مادي كما هو الحال في المكالمات التليفونية التي يحملها كيان مادي هو أسلاك الهاتف”(18).

يؤيد الدكتور حفيظ نقادي هذا الاتجاه الذي يعتبر الإجراء محل النقاش تفتيشا مستندا على حجج يراها من وجهة نظره تكمل في أمرين: أولهما ان الهدف من التفتيش هو البحث و التنقيب في وعاء السر ذاته،فالعبرة حسبه،هو الوقوف على السر الذي يبدي الحقيقة أو يفيد في كشفها،وليس طبيعة السر ذاته،فيستوي ان يكون شيئا ماديا يمكن ضبطه أو شيئا معنويا يتعذر فيه ذلك إلا إذا إندمج في كيان مادي عبر الأسلاك الهاتفية،أما الأمر الثاني يقول الدكتور حفيظ نقادي:” أنه في حالة خلو قانون الإجراءات الجنائية من تحديد شرط هذه المراقبة الهاتفية،وجب اللجوء إلى أحكام التفتيش لسد هذا النقص،كما ان الوسائل غير منصوص عليها قانونا تعد غير مباشرة إذا إنطوت على مساس بحقوق المتهم،إلا إذا أمكن إدخالها في إطار إجراء معين،فبالتالي يشترط لصحته ما يشترط في صحة هذا الإجراء”(19).

أما عن القضاء،فإن محكمة النقض المصرية لها من التطبيقات في بعض أحكامها و التي قضت فيها بأن مراقبة التنصت الهاتفي هو إجراء من إجراءات التفتيش الذي كفله الدستور بضمانات خاصة وذلك في المادة 45 منه.

المطلب الثاني:التنصت الهاتفي نوع من الرسائل.

على أساس التشابه الكبير بين الرسائل المكتوبة و المحادثات الهاتفية،اعتبر جانب من الفقه هذا الأخير نوع من ضبط الرسائل و حججهم في ذلك هو ان تنظيم المسألة محل الجدل ضمن نفس النصوص القانونية المتعلقة بالرسائل(20).

المطلب الثالث: التنصت الهاتفي إجراء من نوع خاص.

يرى أصحاب هذا القول،بأن إجراء التنصت الهاتفي إجراء من نوع خاص،فهو إجراء يشبه التفتيش ولا يرقى إلى مرتبته و فقط(21)،ومن حيث أن أقرب الإجراءات بشأن مراقبة المحادثات الهاتفية هو إجراء تفتيش،وذلك أن الغاية منه هي البحث عن دليل يفيد الحقيقة وهي نفس غاية التفتيش(22).

ومن جهتنا نؤيد هذا الرأي وحجتنا في ذلك وجود فوارق شتى لعلى أهمها،أنه إن كان التفتيش لا يتخذ إلا بعد وقوع الجريمة،فإن مراقبة المكالمات الهاتفية_التنصت_ إجراء يساير جميع مراحلها_الجريمة_،حيث انه يلجأ إليها في مراحل التخطيط و التدبير أو بعد وقوع الجريمة و التي تتسم بالخطورة هذا من جهة،ومن ناحية أخرى فإن هته العملية تخضع إلى أحكام خاصة تختلف عن أحكام التفتيش و التي تتضمن ضمانات من شأنها حماية الحياة الخاصة(23).ويظهر هذا الإختلاف من الزوايا التالية:

لا يلجأ إلى إجراء التنصت الهاتفي،باعتباره إجراء مستحدث إلا في الجرائم الخطيرة،على خلاف التفتيش فهو إجراء يمس كل الجرائم الواقعة أيا كان نوعها.

التفتيش يحصل بحضور المشتبه فيه و في حالة غيابه بحضور ممثله و في حالة تعذر ذلك يتم بحضور شاهدين من غير الموظفين الخاضعين لسلطته(24).أما إجراء التنصت فيتم خفية و بدون رضا المشتبه فيه،خاصة و أن المتهم لو كان يعلم بهذا التسمع ما صدر منه ذلك الحديث.

أما من الناحية الزمنية،فالتفتيش كقاعدة عامة مقيد بحدود زمنية و التي تكون بعد الخامسة صباحا و قبل الساعة الثامنة مساء،إلا في حالة ما إذا طلب صاحب المنزل ذلك أو وجهت نداءات من الداخل أو في الأحوال الاستثنائية المقررة قانونا(25)،أما إجراء التنصت فيكون بموجب الفترة المحددة في الإذن التي تختلف من تشريع إلى لآخر،هذا فضلا على أنه عند وضع الترتيبات التقنية قد أجاز القانون الدخول إلى المحلات السكنية في أي ساعة من اليوم وذلك كاستثناء على القاعدة العامة في التفتيش.
يترتب على عملية التفتيش ضبط أشياء مادية،في حين ما يتحصل عليه من إجراء التسمع فهي دلائل معنوية لا تكتسب الطبيعة المادية إلا إذا سجلت و نسخت في أجهزة معدة لهذا الغرض (26).
الخاتمة:

أثبت إجراء التنصت في الآونة الأخيرة نجاعته في إجهاض المخططات الإجرامية تخريبية للأموال و الأرواح،وهكذا تبرهن اكتشافات العلم مرة أخرى خدمتها للبشرية لأنها أصلا ما وجدت إلا لذلك،فكيف ينادى بعدم استخدامها بحجة صيانة حرمة الحياة الحميمة لأشخاص ما توانوا في استخدامها لتدمير حياة الأبرياء.

إن الغرض من مشروعية إجراء التنصت هو تحقيق نوع من التوازن بين حق الأفراد في حياتهم الخاصة سريتها،وحق المجتمع في مكافحة الجريمة و الفساد فيه بوسائل فعالة ليعيشو مطمئنا،ويهم التذكير بأن التنصت هو إجراء من إجراءات التحقيق لا الاستدلال(27).

 

(محاماه نت)

إغلاق