دراسات قانونيةسلايد 1
دراسة حول طرق إثبات جريمتي الفساد والخيانة الزوجية في القانون الجنائي المغربي
الإشكالية
القاعدة العامة في الإثبات الجنائي هي حرية القاضي في اختيار الدليل الذي يراه مناسبا، فلم يفرض عليه المشرع دليلا محددا ولم يمنعه من الأخذ بدليل معين، فله أن يثبت الجريمة بـأي وسيلة من الوسائل الإثبات طبقا للمـادة 286من قـانون المسطرة الجنائية.
إلا أن المشرع الجنائي خرج عن هذه القاعدة ونص في الفصل 493 من المجموعة الجنائية على أن جريمتي الفساد والخيانة الزوجية ” لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة تلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي”.
وبذلك يكون المشرع المغربي قد قيد حرية القاضي في إثبات الجريمتين المذكورتين، بحيث لا يمكن أن يبني حكمه بالإدانة إلا على إحدى الوسائل الثلاثة التالية :
1 – حالة التلبس: أي مشاهدة وقائع الجريمة من طرف أحد ضباط الشرطة القضائية، عمليـا يصعب ضبط هذا النوع من الجرائم في حالة التلبس فغالبا ما تقترف داخل المحلات المغلقة.
2– اعتراف كتابي : ويقصد به المكاتب التي تصدر عن المتهم في شكل كتابات أو رسائل يقر فيها بـأنه ارتكب إحدى الجريمتين ، ومن النادر جدا أن تصدر مثل هذه المكاتب عن الجناة.
3ا_ الاعتراف القضائي: ويقصد به الاعتراف الـذي يصدر أمام هيئة الحكم أوأمام قاضي التحقيق أوأمام النيابة العامة ،أما الاعتراف أمام الشرطة ا لقضائية فهو اعتراف غير قضائي.
عمليا قلما يعترف المتهم أمام المحكمة ، بل إن الكثير من المتهمين يتراجعون أمام المحكمة عن الاعترافات التي صدرت عنهم خلال مرحلة البحث التمهيدي بدعوى أن ماصدر عنهم كان نتيجة إكراه أوتعذيب مورس عليهم خلال تلك المرحلة
وهكذا يظهر أنه يصعب عمليا إثبات جريمتي الفساد والخيانة الزوجية بالوسائل المحددة تشريعيا، فكيف تعامل القضاء المغربي مع الوضع التشريعي المذكور؟
أ) موقف القضاء :
تعرض المشرع المغربي لجرائم العرض في الفصول 483 إلى 496 من المجموعة الجنائية تحت عنوان “في انتهاك الأدب” وفي المواد 497 إلى 504 م ق ج تحت عنوان ” إفساد الشباب وفي البغاء”، هـذه النصوص حددت أركان جرائم الفساد والخيانة الزوجية والاغتصاب والشذوذ الجنسي، كما عاقبت على التحريض على العلاقة الجنسية غير المشروعة وأعمال الوساطة والإتجار والمساعدة على ارتكابها والإخلال العلني بالحياء.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يعتبر البغاء أ والدعارة جريمة مستقلة ، وإنما تناولها في إطارتجريم التحريض أو الوساطة أو استغلال الأشخاص الذين يتعاطونها، لذلك يمكن القول بـأن مشرعنا اعتبر البغاء في حد ذاته مجرد فساد يخضع لمقتضيات الفصل 490 م ق ج ، على خلا ف المشرع المصري الذي اعتبر البغاء جريمة مستقلة ولا يعاقب عليها إلا إذا تم الاتصال الجنسي نظير مقابل تحصل عليه المرأة الجانية.
وبخصوص جريمتي الفساد والخيانة الزوجية فقد ورد النص عليهما في الفصلين 490 و 491 من المجموعة الجنائي فالفصل 490 ينص على أن ” كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنـة”.
أما الفصل 491 فينص على أنه ” يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليـه “.
ويستفاد من النصين السابقين، أن المشرع المغربي اعتمد الصفة الزوجية معيارا للتمييز بين جريمة الفساد وجريمة الخيانة الزوجية، كما علق متابعة الزوج الخائن على تقديم شكاية من الزوج المجني عليه، وإذا كانت الشكاية شرطا لمتابعة الزوج بالخيانة الزوجية، فان المجلس الاعلى استقر على أن متابعة المشارك فى الخيانة الزوجية لا يشترط فيها تقديم الشكاية سواء أكان المتهم متزوجا أو غير متزوج وهكذا يكـون المجلس الأعلى، حرصا منه على الشرعية الجنائية يؤكد في كثير من قراراته على أن الخيانة الزوجية والفساد لا يمكن إثباتهما إلا بإحدى الوسائل التي افـرد لها المشرع فصلا خاصا وهو الفصل 493 م ق ج الذي حصر تلك الوسائل فيما يلــي :
1) حالـة التلبــس
حدد المجلس الأعلى المقصود بالتلبس بالخيانة الزوجية أو الفساد فصرح بـأن محضر الشرطـة الذي يستخلص منه أن المتهمين كانا في خلـوة تامـة ولم يشر بتاتا إلى معاينـة المتهميـن وهما في حالة تلبس بالجريمة بمفهوم الفصل 58 من قانون المسطرة الجنائية لا يجوز الاعتماد عليه بالحكم بالإدانة ، كما أكد في قرار ثان ” بان المحضر الذي يعتد به لإثبات الجريمة هو المحضر الذي يحرره أحد ضباط الشرطـة القضائية في حالة التلبس لا المحضر المرتكز على شهادة الشهود الذين صرحوا بـأن المتهمين وجـدا مختلين في الـداليـة .
وفي قـرار آخر ذهب المجلس الأعلى إلى أن حكـم محكمة الموضوع القاضي بالإدانة مبني على أساس قانوني، حينما اعتمد على محضر رجال الدرك الذي يفيد بـأنهم وجدوا الزوجة والطاعن مجردين من ثيابهما في غرفة النوم ، الأمر الذي يفيد أن المتهم الذي ضبط بمنزل الغير، توجد عليه آثار تثبت مشاركته في جنحة الخيانة الزوجية3
محكمة الاستئناف بمراكش بدورها تقيدت بالمفهوم السليم لحالة التلبس المنصوص عليها في الفصل 58 من قانون المسطرة الجنائية حينما قضت ” بان دخول الغريب إلى بيت الزوجية والإغلاق الباب عليه من طرف الزوج إلى حين حضور ضابط الشرطة القضائية ، وضبطه مختفيا في إحدى الغرف لا يعد تلبسا ولا يفيد بـأن الجريمة قد تحققت”.
أما المحكمة الابتدائية بالصويرة فإنها توسعت شيئا مافي تفسير حالة التلبس حينما قضت بإدانة المتهمة بالمشاركة في الخيانة الزوجية حيث استندت في ذلك على محضر الشرطة القضائية الذي يفيد بـأنها ضبطت المتهم والمتهمة، بمنزل الغير، وهما في لباسهما الداخلية، وكانت هذه خير مستعملة لوسائل التجميل والزينة، الأمر الذي يدل على وجود آثار أو إمارات المشاركة في جنحة الخيانة الزوجية
يستفاد مما سبق أن العمل القضائي يعتمد على المحضر المحرر من طرف ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس لإثبات الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 ق ج دون باقي الحالات الواردة على سبيل الحصر في الفصل 58 ق م ج وذلك نظرا لطبيعة الجريمة، حيث لا يمكن مشاهدة الجاني وهو يمارس العلاقة الجنسية مع آخر، كما لا يمكن الاستناد إلى صياح الجمهور للقول بـأن الجريمة قد ارتكبت، وعليه فان الصورة الوحيدة لحالة التلبس الممكنة هي مشاهدة ضابط الشرطة القضائية الجاني وهو في ظروف لا تدع مجالا للشك في أنه ارتكب فعلا علاقة جنسية غير مشروعة، وحتى في هذه الحالة فان المشاهدة تنصب على الآثار والإمارات وهي عالقة بالمتهم لا مشاهدة الأفعال المكونة للجريمة، وأن الآثار والإمارات المذكورة حسب الأحكام السابقة، كالخلوة ووجود المتهمين مجردين من لباسهما أو في لباس النوم أو استعمال المتهمة لوسائل الزينة والتجميل، هي مجرد قرائن على أن الجريمة قد وقعت ، وليست دليلا قاطعا على وقوعها، والأحكام الجنائية الصادرة بالإدانة تبني على الجرم واليقين لا على الشك والتخمين.
نعتقد أن هذا الموقف القضائي الذي يعوزه السند القانوني مرجعه إلى صعوبة إثبات هذا النوع من الجرائم عن طريق التلبس نظرا لطبيعتها ولظروف ارتكابها، هذه الصعوبة هي التي دفعت المشرع المصري إلى النص صراحة في قانون العقوبات على ان وجود شخص غريب في محل مخصص للحريم يعتبر تلبسا بارتكـاب جريمـة الـزنـا.
2 ) الاعتراف الكتابي: أي المكاتب أو الأوراق المتضمنة لاعتراف المتهم ، والاعتراف هو إقرار المتهم بالفعل الإجرامي المنسوب إليه والاعتراف الكتابي هو اعتراف غير مباشر، لان المتهم لا يدلي بتصريحاته مباشرة أمام المحقق، وإنما يتم بالكتابة في مجلة أو رسالة أو مؤ لف أو جـريـدة.
وقد خص المشرع المغربي هذا النوع من الاعتراف قيمة خاصة بالنسبة لجرائم الجنس حيث اعتبر في ا لفصل493 م ق ج المكاتب والأوراق الصادرة عن المتهم والمتضمنة لاعترافه أدلـة لإثباتها.
فمن خلال استقراء الاجتهادات القضائية الصادرة في هذا السياق ’ سواء عن محاكم الموضوع أو عن المجلس الأعلى ’ فإننا لم نعثر على حكم قضى بإدانة المتهم على أساس الاعتراف المدون فى كتابات صادرة عنه …..,وبما أن صدور الاعتراف بهذا الشكل مستبعد نسبيا ’ فان القضاء المغربي استقر على اعتبار محضر الشرطة القضائية المتضمن للاعتراف والموقع من طرف المتهم بمثابة مكاتب أو أوراق صادرة عنه ، ففي قرار للمجلس الأعلى أكد فيه إلى أن “الاعتراف المحرر من لدن الضابطة القضائية والموقع عليه من طرف صاحبه ينزل منزلة اعتراف تضمنته مكاتب
وأورا ق صادرة عن المتهم فى ميدان اثباث الخيانة الزوجية أو المشاركة فيها ” و يستفاد من هذا القرار آن الاعتراف الصادر أمام الشرطة القضائية المد يل بتوقيع المتهم يكفي للحكم بالإدانة إذ اعتبره المجلس الأعلى بمثابة الاعتراف الذي تتضمنه المكاتب آو الأوراق الصادرة عن المتهم.
ومن جانبنا نرى أن هذا الموقف لا يتماشى والمبادئ والأسس الراسخة في الفكر الجنائي، فهـذا الاجتهاد هو توسع في تفسير قصد المشرع من “الاعتراف الذي تتضمنه مكاتب أو أوراق صـادرة عن المتهم” الأمر الذي لاتجيزه السياسة الجنائية الحديثة التي تقتضي بان يكون تفسير النصوص لمصلحة المتهم لاضده، فالمشرع في هذه الحالة يقصد الاعتراف المكتوب الصادر عن المتهم نفسه بعيدا عن مراكز الشرطة القضائية حيث يحتمل أن يتعرض المتهم للإكراه المادي أو المعنوي، وقد يكون هو السبب في صدور الاعتراف أ والتوقيع على المحضر.
3)الاعتراف القضائي:
درج الفقه الجنائي على أن الاعتراف القضائي هو الذي يصدر عن المتهم أمام قضاء الحكم خلال سير إجراءات المحاكمة . أما الاعتراف غير القضائي فهو الذي يصدر خارج المحكمة، كأن يتم أمام ضابط الشرطة القضائية أو أمام جمع من الناس أو المدون في ورقة. لكن هل يعتبر الاعتراف الصادرعن المتهم أمام قاضي التحقيق اعترافا قضائيا؟ يرى الاستاذ أحمد الخمليشي أن الاعتراف الصادرعن المتهم أمام قاضي التحقيق اعتراف غير قضائي.
نرى، خلافا لأستاذنـا الخمليشي، ضرورة اعتباره قضائيـا، فقاضي التحقيق يختار من بين قضاة الحكم فهو قـاض مستقل لايخضع للتسلسل الرئاسي الذي تخضع له النيابة العامـة ، والتحقيق يتم بحضور محامي المتهم وبحضور كاتب الضبط ، فهذه الضمانات تحفظ للمتهم حقوقه.الإجرائية، و من المستبعد أن يمارس عليه الإكراه خلال مرحلة التحقق الإعدادي
وما يدعم رأينا هذا أن المجلس الأعلى اعتبر في قرار حديث الاعتراف الصادر أمام ممثل النيابة العامة اعترافا قضائيا على الرغم من قلة الضمانات المخولة للمتهم أثناء استنطاقه من طرف النيابة العامة، ونعتقد أن صعوبة إثبات جريمة الفساد والخيانة الزوجية هي التي دفعت المجلس إلى تبني هذا التوجه الجديد
ويذهب اغلب الشراح إلى أن الاعتراف القضائي يتمتع بقوة ثبوتية حاسمة ذلك أنه يصدر أمام قضـاة الحكم، فالمتهم يعترف بالمنسوب إليه خلال مرحلة الضمانات حيث علنية الجلسات واستفادة المتهم من مؤازرة محام . ..الخ، فهذا الاعتراف لا يمكن أن يكون إلا طوعيـا وإراديا،نفس التوجه أكدته محكمـة الاستئناف بالرباط بقولها ” وحيث أن الاعتراف تـأكد قضائيا عند مثـولـه أمـام الهيئـة الحاكمـة وحيث أن هـذا الاعتراف يعتد به لوقوعه طواعية من المتهم خلال المرحلة القضائية المفعمة بالضمانات منها حضور الدفاع لمؤازرة موكلـه…”.
ويتبن من خلال الواقع العملي أن أغلب المتهمين يتراجعون عن الاعترافات الصادرة عنهم أمام الشرطة القضائية، ويتمسكون بالإنكار أمام المحكمة، ومن النادر جـدا أن يعترف المتهم حين استنطاقه من طرف المحكمة، أمـام هذا الوضع المعقد لايكون أمام القضاء من سبيل سوى الاعتماد على اعترافه المضمن في تلـك المحاضر؟.
من خلال استقراء الاجتهادات القضائية الصادرة في هذا السياق يظهر أن القضاء يعتمد على الاعترافات الصادر عن المتهم خلال مرحلة البحث التمهدي بغض النظر عن أنكاره و عدم توقيعه للمحضر ويصرح في الكثير من الأحكام أن إنكار المتهم ما هو إلا وسيلة لتضليل العدالة والتملص من العقوبة وان الإنكار يكذبه اعترافه المفصل أمام الشرطة القضائية.
وهكذا يتضح أن القضاء في بلادنا، مازال يضفي قدسية خاصة على محاضر الشرطة القضائية والاعترافات التي يتضمنها ، ونادرا ما يتم إبطال المحضر واستبعاد الاعتراف المدون فيها على الرغم من أن الكثير من المتهمين يصرحون ، خلال مرحلة المحاكمة ، أن تلك الاعترافات قد سلبت منهم بالضغط و الإكراه أو أنهم أرغموا على التوقيع على المحاضر أو أنهم لم يدلوا مطلقا بتلك التصريحات.