دراسات قانونيةسلايد 1
جريمة إصدار شيك بدون رصيد في نظام الأوراق التجارية السعودي (بحث قانوني)
يتناول هذا البحث جريمة إصدار شيك بدون رصيد وفقاً لنصوص التجريم الواردة بنظام الأوراق التجارية السعودي، وتهتم هذه الدراسة بتحديد مفهوم الشيك الذي يعنيه النظام بالحماية الجنائية، ولكن تتمثل الحداثة في هذا البحث فيما يتعلق بتحديد وشرح صور الأفعال المادية المحققة لهذه الجريمة، خصوصاً بعد تدخل المنظم السعودي سنة 1409هـ بتعديل نص المادة (118) من نظام الأوراق التجارية، حيث أضاف صوراً جديدة لقيام هذه الجريمة لم تكن معروفة من قبل، وكذلك شدد بشكل ملحوظ في مقدار العقوبات التي كانت توقع فيما مضى على مرتكبي الجريمة، وقد تمت معالجة كافة النقاط التي يثيرها موضوع هذا البحث من خلال المبادئ التي قررها قضاء الأوراق التجارية السعودي، وكذلك من خلال الآراء الفقهية المختلفة حول تلك النقاط، وتهدف هذه الدراسة إلى التعرف على الآثار الإيجابية الناتجة عن التدخل التنظيمي الأخير على نصوص التجريم في نظام الأوراق التجارية السعودي.
المقدمة
يتبوأ موضوع الوفاء بالالتزامات المالية، مكانة بارزة في مختلف التشريعات، فمنذ أقدم العهود وُضعت القواعد التشريعية التي تُعاد بموجبها الحقوق إلى أصحابها فيما لو لم يتمكنوا من الحصول عليها، كما تتشدد تلك القواعد في مواجهة كل من يحاول الاستيلاء على أموال الغير، لكن مع تطور المجتمعات البشرية وما نتج عن ذلك من زيادة في حجم التعاملات المالية، سواء المدنية منها أو التجارية، بدت الحاجة ماسة إلى تنظيمها خصوصا فيما يتعلق بكيفية الوفاء بالالتزامات المالية التي تنتج عادة عند قيام مثل تلك العلاقات التعاملية، فلقد بات من العسير، بعد أن أصبح النقد (أوراق البنكنوت) يمثل الطريقة الوحيدة لسداد ما يشغل ذمة الإنسان من حقوق للغير، أن يستمر الوفاء بالالتزامات المالية في كل الأحوال على شكل تقديم النقد كمقابل للحقوق واجبة الوفاء، ويرجع السبب في ذلك إلى ضخامة حجم المعاملات المالية مما يترتب عليه استخدام كميات كبيرة من أوراق (البنكنوت) التي قد يصعب حملها والتنقل بها والحفاظ عليها في مكان آمن، فيسهل بالتالي تعرضها لخطر السرقة أو الضياع.
لذلك فقد أدى هذا الوضع إلى ظهور وسيلة جديدة تقوم بنفس الدور الذي يقوم به النقد تماماً مع تلافي الأخطار الناتجة عن استعماله، فلقد ظهر الشيك وتطور منذ وقت بعيد، وأصبح يقوم مقام النقود في المعاملات على مختلف أنواعها، فبدلا من الوفاء بالالتزامات المالية عن طريق دفع مبلغ من النقود، يقوم المدين بوفاء المبالغ التي عليه بإعطاء دائنه شيكا يقبض قيمته من أحد البنوك المدينة للمدين.. وهكذا أصبح الشيك بحق أداة وفاء بارزة، ويزداد الإقبال على استعماله يوما بعد يوم في المجتمعات الحديثة نتيجة لما يحققه من فوائد عملية من شأنها التقليل من مخاطر استخدام النقد، إضافة إلى أنه يشجع الأفراد على إيداع أموالهم في مؤسسات الائتمان مما يزيد من فرص استثمارها في مشروعات التنمية وغيرها.
غير أن إعطاء الشيك للمستفيد الذي تسلمه كبديل مؤقت للنقود يعني قبض قيمته بالكامل من الجهة التي سحب عليها الشيك، ومؤدى ذلك أن يكون لمصدر الشيك لدى البنك المسحوب عليه رصيد كاف من النقود يمكنه من سداد قيمته لمن سحب لمصلحته.
إلا أن هذا الأصل الذي قامت عليه فكرة الشيك كأداة وفاء تقوم مقام النقد، من الممكن مخالفته من قبل المتعاملين بالشيكات في سبيل الاستيلاء على أموال الغير عن طريق إصدار الشيكات دون أن يتوافر لها مقابل مالي يفي بقيمتها، ومن ثم يخرج الشيك عن إطار وظيفته التي وجد من أجلها، بل على العكس يتحول مفهوم الشيك في مثل تلك الحالات ليصبح وسيلة من وسائل الخداع والتغرير فيضار به الأفراد الجماعات وتنحدر الثقة فيه مما قد يؤدي إلى إحجام الكثيرين عن قبوله كبديل للنقود، ناهيك عما يسببه هذا الوضع من تراجع في مفهوم الائتمان كأحد الأسس التي تقوم عليها الأعمال التجارية.
من أجل ذلك كان لا بد من حماية الشيك حتى يتمكن من أداء وظائفه الاقتصادية المهمة، وتلك الحماية لا تتصور فعاليتها ومقدرتها إلا من خلال نصوص تجريمية تعاقب كل من يخل بالثقة المفترضة في الشيك إذا تم استخدامه في أغراض غير كونه أداة وفاء تقوم مقام النقود في المعاملات، فلقد ثبت عدم مقدرة الجزاءات المدنية وحدها لمواجهة حالات الاستخدام غير الصحيح للشيك، ذلك أن الالتجاء إلى تلك الجزاءات بالطرق التقليدية قد يطول أمد الحصول على الحق بها، إضافة إلى عجز الحلول المدنية إذا كان ساحب الشيك مُفلسا أو مُعسرا.
وعليه اتجهت مختلف التشريعات الحديثة إلى تقرير العقاب الجنائي للمخالفين لأحكام الشيك، حتى يظل يعمل لتحقيق أغراضه الهامة التي أريد له أن ينجزها، فظهر بالتالي في قوانين العقوبات المقارنة العديد من النصوص الجنائية التي تحدد صور الأفعال المخلة بالثقة في الشيك وكذا العقوبات التي توقع على مرتكبيها.
اتجهت كذلك السلطة التنظيمية في المملكة العربية السعودية، بما تملكه من سلطات واسعة في مجال التجريم والعقاب- عند تقنينها لأحكام الشيك- إلى تحديد الأفعال الضارة التي قد يأتيها مستخدمو الشيك والعقوبات المقررة لها، فمنذ صدور أول نظام للأوراق التجارية في المملكة بموجب المرسوم الملكي رقم (37) وتاريخ 11/10/1383هـ، اشتمل على عدد من النصوص لمواجهة الحالات التي تخل بالثقة الواجب توافرها في الشيك، وقد كانت الأحكام الخاصة بجرائم الشيك بموجب تلك النصوص تتواءم مع شبيهاتها في معظم التشريعات العربية والأجنبية، مما يدل على أن المنظم السعودي انتهج وقتها نفس النهج الذي سارت عليه النظم العقابية المقارنة في هذا الخصوص مع وجود اختلافات بسيطة تبررها خصوصيات الأوضاع التنظيمية القائمة في المملكة، حيث تستمد كافة الأنظمة فيها من روح القواعد الكلية للشريعة الإسلامية السمحة.
غير أن تطبيق نصوص الحماية الجنائية للشيك في المملكة لمدة طويلة- طبقا لما جاء به نظام الأوراق التجارية- أظهر حاجة ماسة إلى إعادة النظر فيها كي تتلاءم مع المستجدات على أرض الواقع، فلقد أثبت التطبيق العملي لتلك النصوص أنها لم تعد قادرة على سد كل الثغرات التي يمكن من خلالها لمستخدمي الشيك ارتكاب بعض الأفعال المخلة بالثقة فيه دون أن تشملهم نصوص العقاب، لأن أفعالهم تلك لا تندرج تحت أية صورة من صور التجريم حسب ما كان يقضي به النظام، فالقاعدة أن لا جريمة ولا عقوبة من غير نص.
مبحث تمهيدي : الشيك محل الحماية الجنائية
يدخل الشيك من ضمن الأوراق التجارية الثلاث المعروفة وهي الكمبيالة والسند لأمر، إضافة إلى الشيك، والحقيقة أنه لم يرد تعريف محدد للأوراق التجارية في النظام السعودي وذلك على غرار النهج الذي سارت عليه معظم التشريعات التجارية المقارنة الذي تركت مسألة التعريف هذه لاجتهاد الفقه والقضاء حتى يتسنى اختيار التعريف الأكثر ملاءمة حسب الأعراف والعادات التجارية المعمول بها.
لذلك اختلفت اتجاهات الفقهاء في تعريف الأوراق التجارية نتيجة لاختلاف اجتهاداتهم،و لكن على ما يبدو، فإن أكثر التعريفات قربا من الصواب، هي التي تدور حول الوظيفة الأساسية التي تؤديها الأوراق التجارية عموما، وعليه فقد أمكن تعريفها على هذا الأساس بأنها: “ صكوك تقوم مقام النقود في المعاملات وتغني عن استعمالها، فهي والنقود سواء كل منها أداة عادية للوفاء” أو كما يراها البعض من الفقهاء بأنها: ” محررات مكتوبة وفقا لأوضاع قانونية محددة، وتتضمن التزاماً بدفع مبلغ معين من النقود في تاريخ معين أو قابل للتعيين، وتنتقل الحقوق الثابتة فيها بالتظهير ويقبلها العرف التجاري كأداة لتسوية الديون بسبب تحويلها إلى نقود”.
من هذه التعاريف يتضح أن الأوراق التجارية تعتبر أداة رئيسية في المعاملات التجارية وتستخدم في هذا المجال عوضا عن النقد، بيد أنه إذا كان الشيك يتفق مع الكمبيالة والسند لأمر في العديد من الخصائص المشتركة وفقا للتعاريف السابقة، إلا أنه يختلف عنهما في أنه لا يؤدي إلا وظيفة الوفاء، فهو أداة وفاء فورية تقوم مقام النقود في المعاملات على عكس الكمبيالة أو السند لأمر الذي يؤدي كل منهما دورا مختلفا عن الشيك باعتبار أنهما أداتا ائتمان بدلاً من الوفاء الفوري، لأنهما يتضمنان في العادة أجلاً للوفاء، فهما لا يستحقان غالبا إلا بعد فترة من الزمن قد تطول وقد تقصر.
لذلك فإنه من البديهي أن يكون للشيك تعريف خاص به يتفق مع طبيعته، باعتباره أداة وفاء فوري، ويميزه بالتالي عن باقي الأوراق التجارية، غير أن تعريف الشيك وحده لا يكفي لتحديد مدلوله القانوني الذي تتطلبه نصوص الحماية الجنائية، فنظام الأوراق التجارية السعودي، كغيره من الأنظمة المقارنة في مجال جرائم الشيك، يشترط صراحة لقيام كافة جرائم الشيك الواردة به أن ينشأ هذا الأخير طبقا لنموذج شكلي معين وأن يكون قد تم إصداره بالفعل.
المطلب الأول: مفهوم الشيك
يتطلب تحديد مفهوم الشيك في تقديرنا أن نستعرض أولا التعريفات المختلفة التي يشرح الفقهاء بها المعنى القانوني للشيك حتى يتسنى لنا بعد ذلك التعرف على الأنواع المختلفة له وأشخاص العلاقة به، كما يستحسن أيضا التمييز بين الشيك والكمبيالة نظرا لوجود أوجه الشبه بينهما.
أولا- التعريفات الفقهية للشيك
خصص المنظم السعودي الباب الثالث من نظام الأوراق التجارية لتناول كافة الأحكام الخاصة بالشيك في المواد من (91) إلى (121) وإذا ما استعرضنا كل تلك المواد لا نجد فيها أية إشارة إلى تعريف الشيك، وعلى هذا النحو يكون النظام في المملكة قد سلك مسلك معظم التشريعات المقارنة في هذا الشأن، حيث تركت مهمة تعريف الشيك للفقه والقضاء مثلما سبق لها أن فعلت الشيء نفسه بالنسبة لتعريف الأوراق التجارية بوجه عام.
لذلك اجتهد الفقه في إعطاء الشيك التعريف الذي يتناسب مع طبيعته، أي بالتركيز في الدرجة الأولى على وظيفته التقليدية المتمثلة في كونه أداة وفاء تقوم مقام النقود في المعاملات. ويترتب على ذلك، بطبيعة الحال، أن التعريفات الفقهية المختلفة للشيك تتفق جميعا في مضمونها حيث إنها تبين خاصيته الرئيسية وإن اختلفت في صياغاتها.
فالشيك وفقا للفقه السائد هو: “ أمر مكتوب طبقا لأوضاع معينة يطلب به الساحب إلى المسحوب عليه بأن يدفع بمقتضاه وبمجرد الاطلاع عليه، لشخص معين أو لأمر شخص معين أو لحامله مبلغا معينا من النقود أودعه الساحب لديه”. أو هو” ورقة تتضمن أمرا من شخص يسمى الساحب إلى شخص آخر هو المسحوب عليه مصرفا أو صيرفيا بأن يدفع بمجرد الإطلاع عليها مبلغا من النقود لشخص هو المستفيد أو لأمره أو للحامل”.
أو كذلك هو عبارة عن: “ أمر مكتوب وفقا لأوضاع حددها العرف، يأمر به الساحب المسحوب عليه أن يدفع بمجرد الاطلاع عليه مبلغا من النقود لشخص معين أو لإذن شخص معين أو لحامله”.
ولما كان نظام الأوراق التجارية السعودية قد حدد في مادته (91) جميع البيانات التي ينبغي وضعها في الشيك، كما حظرت المادة (93) إصدار الشيكات على غير بنك معتبرة أن وصف الشيك لا يسري عليها في هذه الحالة، فإنه ينبغي تبعا لذلك أن يتم تعريف الشيك في المملكة على ضوء تلك البيانات والحظر الذي أورده النظام.
من أجل ذلك فقد عرف جانب من الفقه الشيك بأنه:” محرر مكتوب وفقاً لأوضاع حددها النظام يصدر بواسطته الساحب أمرا إلى المسحوب عليه لا يمكن أن يكون إلا بنكا، بأن يدفع بمجرد الاطلاع مبلغا من النقود للمستفيد أو لأمره”.
ثانياً: أشخاص الشيك
يتضح من مختلف التعريفات المتقدمة للشيك أنه يفترض وجود ثلاثة أشخاص تقوم بينهم علاقة قانونية من جراء إنشاء الشيك وإصداره.
1 – الساحب
وهو من يقوم بإصدار الشيك والتوقيع عليه، ويعتبر المدين الأصلي في العلاقة التي نشأت من بعد سحبه للشيك على الوجه الذي يتطلبه القانون، ولا يعد حسب الأصل، ساحب الشيك ملتزماً بقيمة الشيك إلا إذا سحبه-أي سلّمه للمستفيد أو من ينوب عنه- بعد أن وضع توقيعه عليه، فتوقيع الساحب هو الذي ينشئ الالتزام الصرفي، وبدونه لا تكون للشيك أية قيمة قانونية، غير أنه يمكن أن يستعاض عن توقيع الساحب، في بعض الأحيان، بختمه أو ببصمة أصبعه لتحل محل التوقيع الذي يحتفظ المسحوب عليه بصورة منه لمضاهاته بالتوقيعات على الشيكات التي ترد إليه موقعة من الساحب.
ولم يشترط النظام صراحة لإصدار الشيك أن يستعمل الساحب نماذج الشيكات(دفاتر الشيكات) المعدة سلفا من قبل البنوك التي تقوم بإعطائها لعملائها مجانا للقيام بتعبئتها والتوقيع عليها عندما يرغبون في سحب الشيكات، فهي ليست إلزامية بالنسبة للعميل إذ يحق له ألا يستعملها سواء قام بطبع نماذج خاصة به أو قام بكتابة الشيك على ورق عادي، وفي هذه الحالة سيعتبر الشيك صحيحا طالما استوفى كافة بياناته التي يتطلبها النظام لإصدار الشيك، ولا يحق للبنك أن يمتنع عن وفاء مثل تلك الصكوك.
2 – المسحوب عليه
وهو الجهة التي تلتزم بالوفاء بقيمة المبلغ المدون بالشيك، وحسب نص المادة (93) من نظام الأوراق التجارية، فإنه ينبغي، كما سبق وأن أشرنا، أن يكون المسحوب عليه بنكا في جميع الأحوال، فإذا لم تتوافر في المسحوب عليه صفة البنك، فإن الورقة لا تعتبر شيكا صحيحا ويعاقب مصدرها على إتيانه لهذا الفعل، لذلك يجب على الساحب أن يحدد في الشيك اسم المسحوب عليه تحديدا نافيا للجهالة كي يتمكن المستفيد من معرفته واستيفاء قيمة الشيك منه، لكن يجوز للساحب أن يحدد للمستفيد اسم المسحوب عليه شفهيا ليقوم المستفيد بعد ذلك بكتابته على الشيك، وفي هذا الفرض يعتبر الساحب قد فوّض المستفيد من الشيك في كتابة هذا البيان، فلو تبين عدم وجود رصيد أو عدم كفايته، فإن مسؤولية الساحب الجنائية تقوم، أما لو قام المستفيد بكتابة اسم مسحوب عليه آخر غير الذي حدده له الساحب، فإن المسؤولية الجنائية لهذا الأخير تنتفي لانعدام القصد الجنائي لديه متى وجد له رصيد قائم وقابل للسحب لدى المسحوب عليه الذي اتفق عليه مع المستفيد وقت الإصدار، أما إذا لم يحدد الساحب اسم المسحوب عليه في الشيك ولم يتفق مع المستفيد عليه، فإن الورقة تفقد صفتها كشيك وتصلح في هذه الحالة فقط في تحديد علاقة المديونية بين الساحب والمستفيد، فخلو الشيك من اسم المسحوب عليه يحول دون التحقق من عدم وجود الرصيد أو عدم كفايته مما يعيق عملية التأكد من توافر أحد عناصر جريمة إصدار شيك بدون رصيد، ويرى من جهة أخرى جانب من الفقه أنه يجوز من الناحية القانونية تحديد أكثر من مسحوب عليه يختار المستفيد من يشاء منهم ما دام للساحب مقابل وفاء لدى كل واحد منهم.
والأصل في مفهوم الشيك أن يكون الساحب شخصا آخر غير المسحوب عليه باعتبار أن الشيك يتضمن أمرا بالدفع مما يقتضي اختلاف شخص الساحب عن شخص المسحوب عليه، غير أن نظام الأوراق التجارية خالف هذا الأصل في حالة كون الشيك مسحوبا من بنك على أحد فروعه فقط وعدم جواز ذلك في الحالات الأخرى، يستفاد ذلك بوضوح من نص المادة (96) منه والتي تقضي بأنه: “ يجوز سحب الشيك لأمر الساحب نفسه ويجوز سحبه لحساب شخص آخر، ولا يجوز سحبه على الساحب نفسه ما لم يكن مسحوبا بين فروع بنك يسيطر عليه مركز رئيسي واحد، ويشترط أن لا يكون الشيك مستحق الوفاء لحامله”.
3- المستفيد
وهو الشخص الذي صدر الشيك لمصلحته ويعتبر أول دائن بقيمته، فهو الذي يفترض أنه سيقبض ابتداء من المسحوب عليه، وإذا كان الغالب في العمل هو تعيين اسم المستفيد في الشيك تعيينا نافيا للجهالة، إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من عدم ذكر اسم المستفيد، فيعتبر الشيك في هذه الحالة لأمر حامله باعتبار أن وجوده في حيازة الغير- بعد إصداره من قبل ساحبه- يؤكد اتجاه قصد من أصدره إلى إنشائه لصالح كل من يحمله، كذلك ليس هناك ما يمنع- خلافا لما يجري عليه العمل من تحديد اسم مستفيد واحد للشيك- أن يتعدد المستفيدون من الشيك، فيكتب مثلاً ادفعوا لأمر محمد وصالح وحسن وهكذا.
وفي هذه الحالة يقع على عاتق البنك أن يوفي بقيمة الشيك لهم مجتمعين، حيث لا تبرأ ذمة البنك لو أنه وفى بتلك القيمة لأحدهم أو لبعضهم.
ويجوز كذلك، من جهة أخرى، أن يكون المسحوب عليه هو المستفيد من الشيك، كما لو في حالة كون المسحوب عليه دائنا للساحب الذي يدون على الشيك عبارة ادفعوا لأمركم، وإذا كان الأمر كذلك جائزا بالنسبة لاجتماع صفتي المستفيد والمسحوب عليه في الشيك، فإنه يكون من باب أولى بالنسبة للساحب الذي قد يضطر إلى سحب الشيك لأمره كي يستوفي بعض النقود من حسابه الدائن لدى المسحوب عليه خصوصاً وأن المادة (96) من النظام تجيز ذلك صراحة كما رأينا، لكن الصعوبة تثور في هذه الحالة حول مدى مسؤولية الساحب الجنائية فيما إذا تبين عدم وجود مقابل الوفاء أو عدم كفايته لدى المسحوب عليه، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن هذا النوع من الأوراق لا يعد من قبيل الشيكات، بل هو طلب عادي لاستيفاء الأموال من البنك طالما أنها لم تطرح للتداول وظلت في حوزة من سحبها، فجريمة إصدار شيك بدون رصيد لا تتحقق إلا بسحب الشيك الذي يفيد طرحه للتداول مما يفقد معه ساحبه السيطرة عليه من الناحية المادية، بينما يرى جانب آخر من الفقه أنه لا يوجد ما يمنع قانونا من إقامة الدعوى العمومية على الساحب في هذه الحالة نتيجة إصداره شيكا ليس له مقابل وفاء طالما أنه يعلم بعدم وجود الرصيد لدى المسحوب عليه.
ونحن نميل بدورنا مع ما يذهب إليه الرأي الأول، لأن الضرر الذي ينتج عن سحب شيك بدون مقابل لا يمكن تصوره في العادة إلا مع تداول الشيك، فكيف يسأل الساحب عن جريمة سحب شيك بدون رصيد وهو لم يخرج الشيك من حوزته عن طريق تسليمه للغير بالتظهير.
ثالثاً: أنواع الشيك
رأينا أن الشيك وفقا للتعريفات المتقدمة في صورته العادية يخضع لنصوص جنائية تعاقب على حالات سحبه إذا لم يتوافر لدى المسحوب عليه مقابل للوفاء به، فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للشيك التقليدي، فإن الخلاف لا يزال قائما بالنسبة لأنواع أخرى من الشيكات التي ابتدعها العمل، خصوصا ما يعرف منها باسم الشيكات السياحية أو شيكات المسافرين، وذلك من حيث خضوعها لنصوص الحماية الجنائية المقررة للشيك، غير أن نظام الأوراق التجارية لم يتطرق إلى مثل هذا النوع من الشيكات مكتفيا بمعالجة ما يعرف بالشيك المسطر والشيك المقيد في الحساب وهما يخضعان لنفس نصوص التجريم الواردة به.
1 – الشيك المسطر
وهو شيك عادي، إلا أنه يتميز بوجود خطين متوازيين على صدره، وهذا ما يستفاد بوضوح من نص المادة (11) من النظام حيث أجازت هذه المادة لساحب الشيك أو حامله أن يسطره فيترتب على ذلك أن يصبح صرف الشيك غير ممكن إلا لأحد البنوك، أي لا يتم قبض قيمته إلا من قبل بنك، والتسطير قد يكون عاما وذلك في حالة خلو ما بين الخطين المتوازيين أو ذكر لفظ مصرف (بنك) بينهما دون تحديد اسم ذلك المصرف، وفي هذه الحالة لا يجوز للبنك المسحوب عليه الشيك المسطر تسطيرا عاما، أن يوفي قيمته إلا إلى أحد عملائه أو إلى بنك، وقد يكون التسطير كذلك خاصا بوضع اسم بنك معين وسط الخطين المتوازيين، ويعني التسطير الخاص بتلك الطريقة أنه لا يجوز للبنك المسحوب عليه صرف الشيك إلا إلى البنك الذي وضع اسمه وسط التسطير وإلى عميل هذا البنك إذا كان هذا الأخير هو المسحوب عليه، كما يجوز للبنك المكتوب اسمه بين الخطين أن يعهد إلى بنك آخر يقبض قيمة الشيك.
2 – الشيك المقيد في الحساب
هو الذي عالجتها المادتان (113 و114) من النظام وقد أطلق عليه هذا الاسم لأنه توضع عليه عادة “لقيده في ا لحساب” وعندئذ لا يجوز للبنك المسحوب عليه أن يوفي بقيمته للحامل إلا عن طريق وضعه في حسابه في البنك نفسه أو مقاصة في المصرف الذي فيه حسابه ويقيد في سجلات البنك، فلا يجوز صرفه نقدا بأي حال من الأحوال وذلك على عكس الشيك المسطر الذي يمكنه الوفاء به نقداً، فلو قام البنك بوفاء الشيك المقيد في الحساب نقدا فإنه سيكون عرضة للمسؤولية عن طريق تعويض الضرر الذي قد يترتب على ذلك بشرط ألا تتجاوز قيمة التعويض مبلغ الشيك الذي تم قبض قيمته نقدا.
3 – الشيك السياحي
لم يتناول نظام الأوراق التجارية السعودي في أي من نصوصه هذا النوع من الشيكات التي يستخدمها المسافرون كأداة للوفاء أو كوسيلة تمكنهم من الحصول على النقود التي تلزمهم لتجنب حملها خشية السرقة أو الضياع، والشيكات السياحية عبارة عن أوامر تصدرها مؤسسة مصرفية إلى فروعها في بلاد مختلفة من العالم تمكن المستفيد منها من قبض قيمتها في البلد الذي يوجد فيه بعد التوقيع عليها لدى البنك في الخارج.
وعلى الرغم من إطلاق عبارة شيك على مثل هذا النوع من الأوراق، إلا أن هناك خلافا فقهيا قائما حول طبيعتها القانونية ومدى إمكان إخضاعها لنصوص التجريم المقررة للشيك فيما لو توافرت لها إحدى صور الأفعال المادية المحققة لجريمة إصدار شيك بدون رصيد، فلقد ذهب البعض من الفقهاء إلى عدم اعتبار الشيكات السياحية شيكات بالمعنى الصحيح، بل هي سندات إذنية أو خطابات اعتماد نظرا لعدم اختلاف الساحب عن المسحوب عليه فيها، فالأمر بالدفع بالنسبة للشيك السياحي يصدر من إحدى المؤسسات لفروعها التي ليست لها ذاتية مستقلة عنها، لكن الرأي الغالب للفقهاء يذهب إلى اعتبار هذا النوع من الأوراق شيكات صحيحة وذلك بالنظر إلى الفوائد العملية التي تتحقق من استعمالها، ويكمن تبرير هذا الاتجاه نظريا في القول بأنه من الواجب الاعتراف لكل المؤسسات المملوكة لنفس الشخص بنوع من الذاتية والاستقلالية بحيث إذا سحبت إحداهما شيكات على الأخرى وجب اعتبار الشيك كما لو كان مسحوبا بين شخصين منفصلين.
غير أن ذلك الاتجاه الغالب للفقه نحو اعتبار الشيكات السياحية من قبيل الشيكات العادية لم يحسم خلافا آخر فيما يتعلق بتطبيق النصوص الجنائية المقررة للشيك عليها، حيث يميل بعض الفقهاء إلى عدم إسباغ الحماية الجنائية على الشيكات السياحية باعتبار أنها لا تقبل التداول من شخص لآخر مما يفقدها إحدى الصفات الرئيسية للشيك، فهي حسب طبيعتها غير جائزة الصرف إلا لحاملها.
إلا أننا نميل بدورنا مع آخرين إلى عكس ما ذهب إليه ذلك الرأي، فقابلية الشيك للتداول ليست هي السبب الوحيد في تجريم فعل إصدار الشيك الذي لا يقابله رصيد، لأنه من المتعين حماية المستفيد الذي صدر الشيك لمصلحته أولاً، ومن جهة ثانية، فإن نصوص الحماية الجنائية للشيك جاءت مطلقة التعبير عندما استخدمت كلمة (شيك) بحيث لم تفرق بين أنواع مختلفة له، ناهيك عن أن نظام الأوراق التجارية أجاز للساحب بموجب المادة (96) منه أن يسحب الشيك لأمره مما يؤكد أن هذا النوع من الصكوك هو من قبيل الشيكات الصحيحة التي يمكن إخضاعها لنصوص التجريم.
إصدار الشيك
لا يكفي لتحقيق جريمة إصدار شيك بدون رصيد أن يقوم ساحب الشيك بإعداده، بتدوين البيانات التي يتطلبها إصدار الشيك أي طرحه للتداول، ذلك أن طرح الشيك في التداول هو الذي يحقق الضرر الذي تسعى نصوص الحماية الجنائية للشيك إلى تفاديه عندما يتمنع الوفاء بالشيك فيتحول إلى وسيلة للنصب والغش، ويؤدي هذا الوضع، بطبيعة الحال، إلى فقدان الثقة المفترضة فيه باعتباره أداة وفاء تقوم مقام النقود في المعاملات، فالسلوك الإجرامي إذا الذي تتحقق به هذه الجريمة يتمثل في سحب شيك لا يمكن للمستفيد منه تحصيل قيمته لسبب يرجع إلى الساحب.
ومفاد ذلك أن السلوك الإجرامي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد يتكون من عنصرين: الأول هو سحب الشيك والثاني استحالة استيفاء قيمته لسبب يرجع إلى الساحب، وقد عبرت عن هذا المعنى بوضوح المادة (118) من نظام الأوراق التجارية بقولها: ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد………. كل من أقدم بسوء نية على ارتكاب أحد الأفعال الآتية:
(أ) ” إذا سحب شيكا لا يكون له مقابل وفاء…….”.
(ب) ” إذا استرد بعد إعطاء الشيك مقابل الوفاء…..”.
وسحب الشيك أو إصداره يعني تسليمه للغير بما يفيد طرحه للتداول، أو بمعنى آخر، تمكين الغير (المستفيد في العادة) من حيازة الشيك و التصرف به كورقة تداول، إما بتظهيره إلى آخره أو التقدم به إلى المسحوب عليه لاستيفاء قيمته أو تسليمه للغير إذا كان الشيك قد صدر لحامله، لكن ينبغي بطبيعة الحال حتى يصبح سحب الشيك صحيحا أن يكون خروجه من حيازة الساحب قد تم بفعل إرادي منه، حيث لا يمكن تصور تحقق السحب على الوجه المتقدم لو أن الشيك خرج من يد الساحب رغما عنه كنتيجة مثلاً لإكراه أو غش أو سرقة أو ضياع، ففي مثل هذه الحالات ينهار عنصر هام في الركن المادي للجريمة وهو عنصر السحب الذي لا يتصور قيام الجريمة مع تخلفه باعتباره أصبح مشوبا بعيب من عيوب الإرادة فلا يعتد به.
وفعل السحب هذا أو التخلي الإرادي عن الشيك للغير بصفته عنصرا جوهريا في الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون مقابل وفاء لا يتحقق فقط بموجب صورته الأصلية عن طريق قيام الساحب بنفسه بمناولة الشيك للغير، إذ من الممكن أن يتحقق إصدار الشيك إذا قام به وكيل الساحب أو من يفوضه بذلك، المهم أن يأتي الساحب من التصرفات ما يدل على توجه إرادته نحو التخلي النهائي عن الشيك سواء تم ذلك بطريقة فعلية أو حكمية.
فمن الأفعال التي تحقق هذا المعنى- أي توجه إرادة الساحب إلى التخلي عن الشيك بفعل إرادي منه- إذا سلم الساحب الشيك إلى وكيله طالبا منه تسليمه إلى المستفيد باعتبار أن سيطرة الساحب على الشيك تنتهي بهذا التسليم النهائي والإرادي من جانبه، كذلك يعتبر من قبيل إصدار الشيك تسليمه إلى المستفيد من قبل ممثل الشخص المعنوي أو من قبل أحد الأشخاص المخولين بالتوقيع عليه مجتمعين أو منفردين. ويتحقق معنى السحب أيضا إذا سلم الساحب الشيك أو وكيله إلى المستفيد أو وكيله، حيث يستوي أن يكون التسليم قد تم للمستفيد أو لوكيله طالما أن تسليمه لهذا الأخير يظهر إرادة الساحب التخلي النهائي عن الشيك. ويعتبر تخليا عن الشيك أيضا قيام الساحب بتحريره وتوقيعه، ثم إرساله عن طريق البريد، فبمجرد هذا الإرسال يتوافر عنصر السحب حتى ولو لم يكن المستفيد قد تسلم بعد الشيك المرسل لأن النظام يكتفي لتحقق معنى السحب بالخروج المادي للشيك من حيازة الساحب وليس بالخروج القانوني.
غير أنه إذا كان فعل السحب والتخلي الإرادي عن الشيك يتحقق بمثل تلك الأفعال، فإنه لا يكون كذلك إذا لم يمكن الاستدلال بوضوح على توافر نية الساحب في التخلي النهائي والإرادي عن الشيك حتى ولو فقد السيطرة المادية عليه. فلا يعد سحبا للشيك مثلا الاتفاق بين الساحب والمستفيد على تحريره فعلاً إذا لم يكن قد تم تسليمه بالفعل للمستفيد، فالشيك في مثل هذه الحالة يكون في حيازة الساحب الذي يستطيع إلغاءه أو إتلافه ولو كان قد قام بعد كتابته والتوقيع عليه بعرضه على المستفيد. فكافة الأفعال السابقة على التخلي الفعلي عن الشيك تعد من قبيل الأعمال التحضيرية التي لا يعاقب عليها القانون. ومن ناحية أخرى، لا يعتبر من قبيل إصدار الشيك تظهيره بمعرفة المستفيد أو أي موقع لاحق عليه، لأن التظهير لا يعطي معنى السحب الذي كانت تقصده المادة (118) من النظام قبل تعديلها، حيث لم تكن تعاقب إلا على فعل إصدار شيك بدون رصيد دون تظهيره وذلك لعدم جواز قياس فعل التظهير على السحب تطبيقا لقاعدة عدم جواز القياس على النصوص الجنائية أو التوسع في تفسيرها.
وعلي أية حال، فإن واقعة سحب الشيك بخروجه إراديا من حوزة الساحب يجب إثباتها في كل الأحوال- من قبل سلطة الادعاء التي يقع عليها ذلك- باعتبارها عنصرا من عناصر جريمة إصدار شيك بدون رصيد، ويتم ذلك بكافة طرق الإثبات المعروفة في المسائل الجنائية، لكن يبدو أن إثبات واقعة خروج الشيك من حيازة الساحب لا تثير صعوبات جمة في التطبيق، حيث جرى العمل قضاءً على أن وجود الشيك في حوزة المستفيد يعد قرينة على أن حيازته له قد تمت بناءً على إصدار صحيح وإرادي من قبل الساحب وغير مشوب بعيب من عيوب الإرادة، غير أن هذا القرينة قابلة لإثبات العكس حيث يمكن للساحب أن يثبت مثلا بأن فعلاً غير إرادي أدى إلى انتقال حيازة الشيك إلى المستفيد كالسرقة أو الضياع، أو كان سلمه لآخر على سبيل الوديعة أو الأمانة أو أنه أعطاه لوكيله طالبا منه عدم التصرف فيه فسلّمه للغير أو المستفيد دون إذن منه.
أمر المسحوب عليه بعدم صرف قيمة الشيك
نصت على هذه الصورة كذلك المادة (118) في فقرتها (ج) بالقول: ” إذا أمر المسحوب عليه بعدم دفع قيمة الشيك” وتفترض هذا الصورة أن يقوم الساحب بإصدار الشيك بشكل سليم ويكون مقابل الوفاء في هذا الوقت كافيا لتغطية قيمة الشيك وقابلاً للسحب، ثم قبل تقدم المستفيد للبنك لتحصيل قيمته يصدر الساحب أمره إلى المسحوب عليه بعدم الوفاء بقيمته. لكن هذه الصورة تمتد لتشمل كذلك حتى الفرض الذي يصدر فيه الأمر من الساحب إلى البنك بعدم الوفاء بقيمة الشيك قبل سحب هذا الأخير وتسليمه للمستفيد، يترتب على ذلك، أن البنك سيتمنع في كلا في الفرضين عن الوفاء بقيمة الشيك على الرغم من وجود الرصيد وكفايته استنادا إلى الأمر الذي وجهه إليه الساحب بعدم صرف قيمة الشيك بوصفه الدائن في العلاقة القائمة بينهما، لذلك فإنه ينبغي لقيام جريمة إصدار شيك دون رصيد بموجب هذه الصورة أن يكون الأمر بعدم الدفع قد صدر بفعل إيجابي من الساحب نفسه صاحب مقابل الوفاء أو من وكيله الذي أعطاه التعليمات بإصدار مثل ذلك الأمر. وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن صدور الأمر بعدم الوفاء بقيمة الشيك من أحد المظهرين مثلاً أو امتنع البنك من تلقاء نفسه عن الدفع لسبب أو لآخر كالشك في صحة التوقيع فإنه لا مسؤولية على الساحب.
لكن لا يؤثر على قيام الجريمة بموجب هذه الصورة احتجاج الساحب بأي سبب من الأسباب عند إصداره الأمر بعدم الدفع إلى البنك. فالقاعدة حسب ما استقر عليه قضاء محكمة النقض المصرية منذ زمن هي أن الجريمة تتحقق بصرف النظر عن الأسباب الدافعة للساحب لفعل ذلك، لأنها من قبيل البواعث التي لا تأثير لها على قيام المسؤولية الجنائية، وتقوم الجريمة أيضا- حسب نفس القضاء- بمجرد صدور الأمر من الساحب إلى المسحوب عليه بعدم الوفاء ولو كان هناك سبب مشروع. وفي الحقيقة هذا الاتجاه المتشدد له ما يبرره لأنه يتفق مع الحكمة من تجريم الأفعال المخلة بالثقة بالشيك. فالمنظم أراد حماية الشيك بوصفه أداة وفاء تقوم مقام النقود في المعاملات، بحيث يجب أن يحمل الشيك وحده وبذاته عنوان قابليته للوفاء وقبوله في المعاملات شأنه شأن النقود. ويترتب على ذلك، أن قبول البواعث التي يستند إليها الساحب في إصداره الأمر إلى البنك بعدم الوفاء سيخل بوظيفة الشيك تلك ويلحق أضرارا جسيمة بالمتعاملين به، لأن عيب العلاقة التي نشأت بين الساحب والمستفيد كبطلانها أو عدم مشروعيتها لا يظهر على الشيك إضافة إلى أن البحث في موضوع تلك العلاقة سيجر حتما إلى البحث في أسباب سحب الشيك لتحديد مدى مشروعيتها، مما سيؤدي إلى إضعاف الثقة في الشيك وربما يصرف ذلك الناس عن استعماله كأداة وفاء.
ورغما عن قناعة بعض الشراح بوجاهة المبررات المتقدمة، إلا أنهم ذهبوا إلى أن نظام الأوراق التجارية السعودي قد خرج على تلك القاعدة مستندين إلى ما جاء في مذكرته التفسيرية القديمة التي يفهم منها أنه يجوز للساحب أن يدرأ المسؤولية الجنائية عن نفسه إذا أثبت أنه أضطر إلى إصدار شيك ليس له مقابل وفاء، أو أمر المسحوب عليه بعدم دفع قيمة الشيك للمستفيد لسبب مشروع يدعوه إلى إصدار هذا الأمر. غير أنه بالرجوع إلى ما استقر عليه قضاء الأوراق التجارية في المملكة يتضح أن ما جاء بهذا الشأن في المذكرة التفسيرية لنظام الأوراق التجارية وقت صدوره، لم تتقيد به اللجنة القانونية للأوراق التجارية معتبرة إياه غير ملزم لها، فهو لا يرقى إلى مستوى النص، وإنما هو على سبيل الاستئناس، فلقد سبق لتلك اللجنة أن قضت بأن: ” تخلف سبب الشيك لا أثر له على مسؤولية الساحب الجنائية- يتحقق القصد الجنائي لدى الساحب بمجرد علمه بعدم وجود مقابل وفاء للشيك موضوع الدعوى” فإذا كان تخلف سبب الشيك لا ينفي مسؤولية الساحب الجنائية عن جريمة إصدار شيك بدون رصيد، فإنه من باب أولى لا ينفي تلك المسؤولية في حالة وجود السبب ومشروعيته، لكن استند الساحب في أمره البنك بعدم الصرف إلى باعث أيا كان.
إلا أنه رغم استقرار العمًل وفقا لما سبق فقد دأبت التشريعات التجارية على إعطاء الساحب الحق في المعارضة بالوفاء في حالات محدودة. أو بمعنى آخر إباحة فعله المتضمن أمر المسحوب عليه بعدم الوفاء بقيمة الشيك متى توافرت إحدى تلك الحالات.
المادة (105) من نظام الأوراق التجارية تشير إلى ذلك صراحة عندما قررت عدم قبول المعارضة من الساحب في وفاء الشيك قبل انقضاء ميعاد تقديمه إلا في حالة ضياعه أو إفلاس حامله أو طرأ ما يخل بأهليته. وتفترض هذه الحالات أن الساحب كان قد أصدر الشيك أي سلّمه للحامل وإلا ما كان هناك داع للنص عليها لو كان المقصود بوقت تحققها هو قبل إعطاء الشيك إذ في هذه الحالة لا محل للمعارضة بالوفاء طالما لم يخرج الشيك أصلاً من حوزة ساحبه. وهذا ما يبرر إعطاء المنظم للساحب حق المعارضة في حالة ضياع الشيك بعد إعطائه للحامل للحيلولة دون تسديد قيمته إلى حامل آخر ليس له الحق في استيفاء قيمته. وكذلك في حالة إفلاس حامل الشيك أو المستفيد منه الذي كان قد تسلمه إذ راعى المنظم في هذه الحالة المحافظة على حقوق الدائنين خشية أن يتصرف المستفيد المفلس في قيمة الشيك مما يؤدي إلى الإضرار بهم. والشي نفسه ينطبق كذلك على الحالة التي يسلم الساحب الشيك للمستفيد أو الحامل فيطرأ عليه ما يخل بأهليته.
صورة تحرير الشيك أو التوقيع عليه بشكل يمنع صرفه
لقد أمكن للبعض من مستخدمي الشيكات القيام بإعداد الشيك بتدوين كافة بياناته التي حددها النظام، ثم التوقيع عليه بشكل يختلف عن التوقيع المعتمد لدى المسحوب عليه مما يجعل هذا الأخير يمتنع عن الوفاء بقيمته- على الرغم من وجود مقابل الوفاء الكافي القابل للتصرف فيه- مستندا في ذلك وبكل قوة على عدم مطابقة التوقيع الموجود في الشيك مع توقيع الساحب المعتمد لديه. فالبنك يعد مدينا للساحب ومن واجبه الحفاظ على أموال هذا الأخير، وإذا ما خشي انعدام إرادته في تحصيل بعض المبالغ من الرصيد الذي يملكه فإن من حقه الامتناع عن صرف تلك المبالغ للتثبت على الأقل من صحة توقيع عميله. وهكذا يستطيع الساحب- في ظل غياب النص- أن يعرقل الوفاء بقيمة الشيك دون أن يخضع فعله لصور التجريم التي كانت تنص عليها المادة (118) القديمة. لذلك أيقن المنظم خطورة هذا الوضع مما دفعه إلى التدخل لمعالجته عن طريق النص صراحة، على أن فعل الساحب كما سبق أن أشير إليه، يأخذ إحدى صور جريمة إصدار شيك بدون مقابل. تعديل المنظم السعودي للمادة (118) جاء بصدور المرسوم الملكي رقم (م/45) بتاريخ 12/9/1409هـ الذي أضاف الفقرة (د) الجديدة إلى تلك المادة، وقد صيغت كالتالي: ” إذا تعمد تحرير الشيك أو التوقيع عليه بصورة تمنع صرفه”.
غير أن مفاد هذا النص، كما يتضح من قراءته، لا يقتصر فقط على حالة تعمد الساحب التوقيع على الشيك بشكل لا يطابق توقيعه المتعمد لدى البنك، بل إنه يتجاوز هذه الفرضية ليشمل كل الحالات التي يعبث فيها الساحب بالشيك عند إعداده وقبل تسليمه للمستفيد، ويؤدي عبثه هذا إلى امتناع المسحوب عليه عن الوفاء بقيمته. فتعمد الساحب مثلاً عدم كتابة مبلغ الشيك بالحروف سيعرضه للمسائلة وفقا لنص المادة (118)، لأن البنوك في المملكة – كما يجري العمل لديها- لا توفي بقيمة الشيكات الخالية من هذا البيان، أو قيام الساحب أيضا بوضع عبارات أو علامات أو خطوط على الشيك تؤدي إلى اشتباه بأمره مما يجعله يمتنع عن صرفه.
وعلى أية حال، يمكن القول بأن نص الفقرة (د) رحب للغاية من حيث معناه ونطاقه، فهو ينطبق على كل حالة يثبت فيها إتيان الساحب فعلاً ماديا يقصد من ورائه إعاقة صرف الشيك الذي قام بإصداره لصالح المستفيد أو الحامل. فكل نشاط متعمد يصدر من الساحب بقصد منع صرف قيمة الشيك ولا يندرج تحت أية صورة من صور الأفعال الثلاث التقليدية سيخضع لحكم الفقرة (د) بحيث يكون الفاعل مرتكبا لجريمة إصدار شيك بدون رصيد. غير أن ما يلاحظ بخصوص هذا النص أن من العسير تحديد كافة الأفعال التي قد يأتيها الساحب وتدخل تحت معناه الواسع. فكما أن التطبيق العملي لنصوص التجريم التقليدية كان قد كشف عن صور لأفعال مخلة بالثقة في الشيك لم ينتبه إليها المنظم آنذاك، فإن المستقبل أيضا سيكشف ربما عن صور أخرى تمنع الوفاء بقيمة الشيك. لكن المنظم هذه المرة أحسن صنعا إذا جعل نص الفقرة الجديدة مطلقا وفيه من السعة ما يكفي للإحاطة بكل صور العبث بالشيك. لذلك فإنه من الممكن أن يعاب على الفقرة (د) بأنها تتعارض مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، لأنها لم تحدد بشكل دقيق صورة الأفعال التي ينهى عن إتيانها المنظم والتي تمنع صرف الشيك. لكن الإمكان الرد على هذا النقد بأن المنظم وإن لم يحصر كافة تلك الأفعال. إلا أنه قد وجه التحذير الواضح لمستعملي الشيكات بعدم التصرف بنحو متعمد عند تحريرها من أجل منع المستفيد من تحصيل قيمتها. وهذا التحذير الذي يفهم منه الأمر بالمنع من إتيان سلوك يحقق نتيجة مادية ضمنها النص فيه (وهي امتناع البنك عن صرف الشيك) لا تخرج في تقديرنا عن نطاق مفهوم مبدأ الشرعية، طالما باستطاعة المكلف أن يدرك نتيجة الفعل الذي سيرتكبه.
ومع ذلك فإن نص الفقرة الجديدة أضاف عبئا ثقيلا على عاتق الجهة القضائية المختصة التي سيتعين عليها التثبت في كل مرة من أن فعل الساحب المتعمد هو الذي أدى بالفعل إلى عدم الوفاء بالشيك. غير أن قضاء الأوراق التجارية في المملكة يميل على ما يبدو، كما هو الحال بالنسبة لصور الأفعال التقليدية، إلى افتراض أن عدم صرف قيمة الشيك يرجع إلى فعل متعمد أتاه الساحب الذي يقع عليه إثبات العكس حسب ما ورد بالمذكرة التفسيرية لنظام الأوراق التجارية.
صورة تظهير الشيك أو تسليمه مع أنه لا يقبل الصرف
سبق أن أشرنا إلى أنه لا يعتبر من قبيل سحب الشيك تظهيره بمعرفة المستفيد أو أي موقع لاحق عليه، لأن التظهير لا يعطي معنى السحب الذي كانت تقصده المادة (118) قبل تعديلها والتي لم تكن تعاقب إلا عليه إذا لم يكن للشيك مقابل وفاء. فالفرق كبير بين سحب الشيك وتظهيره، لأن فعل السحب يصدر أصلاً من الساحب وبه يتم طرح الشيك في التداول وهو فعل لا يصدر إلا من ساحب الشيك، وبالتالي فكل تصرف لاحق في الشيك لا يعد من قبيل السحب الذي تم وانتهى حتى ولو كان المظهر الذي وقعّ الشيك سيئ النية بعلمه بعدم وجود مقابل الوفاء أو عدم كفايته.
لذلك لم يكن بمقدور القضاء في المملكة عقاب المظهر الذي تلقى الشيك وأدرك حقيقة عدم وجود مقابل له، ثم قام على إثر ذلك بتظهير للغير حسن النية للتخلص منه ومن الضرر الذي قد يلحقه بسببه.
غير أن بقاء الشيك منعدم الرصيد في التداول وانتقاله من شخص إلى آخر عن طريق التظهير سيزيد من حجم الضرر المترتب على انتقاء مقابل الوفاء نتيجة لاحتمال تكراره تظهيره مرات عديدة، ناهيك عن أن المظهر العالم بحقيقته ليس بمنأى عن المسؤولية، لأن فعله هذا يقترب من جريمة النصب، خصوصا إذا ارتكب مع ذلك إحدى وسائل الاحتيال. والمظهر الذي يعلم بظروف الشيك المعيب ويقوم بتظهيره ليس بأقل خطورة من الساحب الذي يصدره بدون رصيد. كما أنه ليس من العدالة معاقبة الساحب عن تحقيقه لنتائج مخلة بالثقة في الشيك وخادعة للمتعاملين به، وعدم معاقبة المظهر الذي يؤدي بفعل تظهيره للشيك المعيب لنفس النتائج.
لهذه الأسباب كان تدخل المنظم السعودي أيضا بمرسوم سنة 1409هـ لسد هذه الثغرات التنظيمية المهمة. حيث أضاف التعديل الجديد إلى المادة (118) الفقرة (هـ) التي تعاقب، بنفس العقوبات المقررة لساحب الشيك بدون رصيد، كل شخص : “ إذا ظهر أو سلم شيكا وهو يعلم أنه ليس له مقابل يفي بقيمته أو أنه غير قابل للصرف”. ويعني ذلك أنه متى علم حامل الشيك أو المستفيد منه بعدم وجود المقابل له فإنه يحظر عليه تظهيره وتسليمه للغير، وإذا ما فعل ذلك فإنه سيعاقب بوصفه مرتكبا لجريمة إصدار شيك بدونرصيد. فالنص، كما يتضح من قراءاته، لا يقتصر فقط على حالة التظهير مع العلم بعدم وجود المقابل، وإنما أيضا حتى على حالة التسليم إذا كان الشيك قد صدر أصلاً لمصلحة حامله الذي علم بعدم وجود المقابل ثم بتسليمه إلى آخر. كذلك لا يقتصر تطبيق نص الفقرة (هـ) على حالات التظهير والتسليم للشيك منعدم الرصيد فقط، بل يمتد تطبيقه حتى لو كان للشيك مقابل وفاء، وإنما قام المستفيد أو الحامل بالتظهير أو التسليم مع علمه بأنه غير قابل للصرف. وهنا نحيل إلى ما سبق ذكره بخصوص الفقرة (د) لتحديد مفهوم قابلية الشيك للصرف.
عقوبات الجريمة
لم يقتصر مرسوم سنة 1409هـ في تعديله لنص المادة (118) من نظام الأوراق التجارية، على مجرد إضافة صور جديدة إلى صور الأفعال التقليدية المعروفة لجريمة إصدار شيك بدون رصيد. بل اشتمل ذلك المرسوم أيضا على تعديل آخر جوهري يتمثل في تشديد عقوبات الجريمة التي كان منصوصا عليها في المادة (118)، كما أضاف عقوبات جديدة لم تكون معروفة من قبل.
المطلب الأول: قبل مرسوم سنة 1409هـ
كانت المادة (118) تقضي قبل تعديلها بموجب المرسوم رقم (م/45) وتاريخ 12/9/1409هـ، بعقاب كل من أتى بسوء نية فعلاً من الأفعال الثلاثة التي ينص عليها، بغرامة مالية من مائة ريال إلى ألف ريال وبالسجن مدة لا تقل عن خمسة عشر يوما ولا تزيد عن ستة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين. وقد راعى منظم سنة 1383هـ آنذاك، أن تكون هذه العقوبات هينة ومرنة آخذا بسنة التدرج حسب ما ورد بالمذكرة التفسيرية للنظام وقت صدوره، وأحسب أن المنظم وقتها كان محقا في تخفيف مقدار عقوبة إصدار شيك بدون رصيد بسبب عدم انتشار الشيك وندرة المتعاملين به لقلة البنوك في المملكة ولتدني قيم المدخرات النقدية في أيدي الناس التي تدفعهم في العادة إلى إيداعها في حسابات خاصة بالمصارف. فكان هذا الوضع يقتضي تشجيع الناس على التعامل بالشيكات مع عدم تعريضهم لعقوبات قاسية لم يألفوها وربما يفاجؤون إذا ما علموا أن إصدار شيك بدون رصيد يشكل فعلاً يعاقب عليه. لذلك كان لا بد من انتشار فكرة الشيك كورقة تقوم مقام النقود في المعاملات ويقبل الناس على التعامل بها ثم ينظر بعد ذلك في أمر مقدار العقاب الذي يتناسب بالفعل مع حجم الضرر الذي ينتج في العادة من إتيان صور الأفعال المتعددة التي تخل بالثقة المفترضة بالشيك.
المطلب الثاني: بعد مرسوم سنة 1409هـ
ظلت تلك العقوبات المخففة مطبقة في المملكة في مواجهة جريمة إصدار شيك بدون رصيد لمدة تربو على ستة وعشرين عاما. غير أنه بتغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المملكة وبسبب تطبيق خطط التنمية الشاملة التي شهدتها البلاد، زاد حجم الإقبال على التعامل بالشيكات، ولعل ما شجع على ذلك أيضا افتتاح مصارف جديدة انتشرت فروعها في كل مدن المملكة، إضافة إلى ارتفاع حجم المبالغ التي يتم تداولها في المعاملات التجارية والمدنية المختلفة والتي يخشى عليها من مخاطر السرقة والضياع لو أنها بقيت في أيدي الناس. وقد أدى هذا الوضع إلى ظهور الكثير من الحالات – وبشكل ملفت للنظر- التي يساء فيها استخدام الشيك خصوصا إصداره بدون مقابل وفاء مما زعزع الثقة فيه بين الناس وجعلهم يحجمون عن قبوله في كثير من الأحيان، ولم يكن هناك سبب يفسر انتشار هذه الظاهرة سوى عدم ملاءمة العقاب الذي كان يقرره النظام، وذلك من حيث عدم قدرته على تحقيق معنى الردع الخاص والعام على السواء. لذلك جاء منظم عام 1409هـ مشددا بشكل ملحوظ في مقدار عقوبتي السجن والغرامة مضيفا إليها عقوبة تكميلية جديدة.
أولا: العقوبة الأصلية
أصبحت تنص المادة (118) بعد تعديلها على العقاب بالسجن مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من أقدم بسوء نية على ارتكاب الأفعال المتضمنة فيها. وعقوبة السجن أو الغرامة هذه تكون واجبة من حيث الحكم بها في كل مرة يثبت فيها لعضو مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية أن المتهم قد أتى فعلاً من الأفعال التي نصت عليها المادة (118) لكن- كما يظهر من قراءة النص- ليس الجمع بين عقوبتي السجن والغرامة وجوبيا، إذ يجوز الحكم بإحداهما فقط،وذلك يخضع لتقدير الجهة القضائية المختصة التي يتعين عليها عند اختيار العقاب الملائم أن تنظر كل حالة على حدة من حيث ظروف الواقعة وملابساتها المختلفة، وكذلك ظروف المتهم ووضعه الاجتماعي. هذا وتمتاز عقوبتا السجن والغرامة بموجب نص المادة (118) الأخيرة، بأن المنظم الجديد لم يضع لها حد أدنى مكتفيا بتحديد