دراسات قانونية
الوضع المهني للمحامي المتمرن
بقلم ذ عبد الله شهير الجرموني
طالب باحث في القانون الخاص مؤسس مجلة الدراسات القانونية
لعبت المحاماة عبر مختلف الأزمنة والعصور دورا كبيرا وطلائعيا في العمل على تكريس المحاكمة العادلة، حيث كانت ولا تزال وستبقى رسالة إنسانية و اجتماعية خالدة أكثر من كونها مهنة كباقي المهن.
إن وجود المحاماة في المغرب وكغيره من الدول يعتبر من الضمانات الأساسية للدفاع عن الحقوق والحريات الإنسانية ،وكذا العمل على إحقاق العدالة وتمكين ذوي الحقوق من حقوقهم ؛ وذلك عبر مساعدة القضاء على تحقيق هذا المبتغى النبيل ومن تم العمل جنبا إلى جنب على تكريس دولة الحق بالقانون .
ومعلوم أن هذه الأخيرة مقترنة إلى حد كبير بوجود النزاعات والخلافات والخصومات بين الناس، وبالتالي فظهورها يرجع أساسا لظهور هذه الأخيرة على وجه البسيطة؛وبالتالي فقد شهدت المحاماة مراحل تطورية جعلتها شيئا فشيئا تحظى بمكانة اجتماعية سامية ومرموقة.
وإلى جانب المحامي الممارس يوجد -السائرعلى دربه-المحامي المتمرن،وهو الذي تم قبوله للولوج إلى مهنة المحاماة بعد اجتيازه لمباراة الأهلية لمزاولتها ،و المحاماة مؤطرة في المغرب بموجب القانون رقم 28/08 المؤرخ في 20 أكتوبر 2008.هذا الأخير الذي منذ أن أصبح نافذا وهو يطرح أكثر من سؤال بخصوص قصور مقتضياته اتجاه المحامي المتمرن وكذا التراجعات الخطيرة التي لوحظت في العديد من مقتضياته وبنوده مما جعله يمس بالضمانات والمكتسبات والحقوق الكافية والكفيلة لمزاولة المحامي المتمرن لمهامه بشكل جيد وفي ظروف ملائمة إلى أن يتم تسجيله رسميا؛هذا إضافة إلى مجموعة من العراقيل التي تجابهه في مزاولة مهامه، بل ومن أول خطوة يخطوها نحو باب البدلة السوداء .
فيا ترى ماهي الإكراهات والعراقيل التي تواجه المحامي المتمرن عند الولوج إلى مهنة المحاماة بالمغرب ؟
وماهي البدائل والحلول الكفيلة بالرقي بهذا القطاع الحيوي؟
وللإجابة عن هذين السؤالين نقترح التصميم أدناه :
المطلب الأول :الإكراهات والعراقيل التي تواجه المحامي المتمرن
الفقرة الأولى:الإكراهات المادية
الفقرة الثانية: الإكراهات العملية
المطلب الثاني :البدائل والحلول الكفيلة بالرقي بمهنة المحاماة بالمغرب
الفقرة الأولى:الحاجة الملحة لإصلاح قانون المهنة رقم 28/08
الفقرة الثانية: بعض التوصيات والحلول المقترحة
المطلب الأول:الإكراهات والعراقيل التي تواجه المحامي المتمرن
إن أي إصلاح يرمي إلى تطوير منظومة العدالة بالمغرب لا يأخذ بعين الاعتبار وضعية المحامي المتمرن يبقى إصلاحا ترقيعيا لايرقى إلى المستوى المطلوب ؛ذلك أن هذه الفئة تشكل لبنة جوهرية في صرح المنظومة القضائية كونها جزء لا يتجزأ من أسرة العدالة .
وسنعالج في هذا المطلب أهم العوائق والإكراهات التي تعيق المحامى المتمرن عبر فقرتين نخصص (الأولى)للحديث عن الإكراهات المادية ،على أن نرجئ الحديث في الفقرة (الثانية) على الإكراهات على المستوى العملي
إن أول هاجس يجابه به طالب الحقوق بالمغرب -أو غيره ممن لهم الصفة كطلاب الشريعة مثلا -عند العزم على الولوج إلى هذه المهنة التاريخية بعد أن اجتاز المباراة بنجاح ،هو رسوم التسجيل الكبيرة والمرهقة أحايين كثيرة ،و التي تختلف أرقامها صعودا وهبوطا من هيئة لأخرى.فمثلا تشترط هيئة المحامين بطنجة كمصاريف للتسجيل لديها ماقدره (151.000درهم). في حين تشترط هيئة المحامين بتطوان كرسوم مايعادل (100.000درهم ) ،أما كل من أكادير ومراكش فيتطلب التسجيل مايقدر ب (51.000درهم فأكثر).وبخصوص هيئة سطات تشترط هي الأخرى ما يناهز (55.000درهم)…
وبتحليل هذه الأرقام الصاروخية يتضح أن مهنة المحاماة أضحت تشكل عبئا ماليا ثقيلا وثقيلا جدا على من يرغب ويفكر في قرع بابها وإن كان متمكنا من فنون القانون وضروبه حاملا لحقيبة قانونية لابأس بها ؛ إذ كيف يمكن الحديث عن مبدأ تكافؤ الفرص كمبدأ دستوري ونحن أمام هذه الأرقام الخيالية ،وما موقع الأسر الضعيفة والكادحة التي بدلت الغالي والرخيص من أجل تمدرس أبنائها وبناتها حتى إن قدر لهم القبول في الإمتحان النهائي وبعد سنوات عديدة من المعاناة والكفاح ،و طرق ذلك المحامي المتمرن أو تلك المحامية المتمرنة باب المحاماة وكلهم حب ورغبة لفن المرافعة وضروبها يجابهون بمثل الأرقام المرهقة المرصوصة أعلاه !!
الفقرة الثانية:الإكراهات العملية
لا شك أن تكوين المحامي المتمرن يلعب دورا أساسيا في تطوير مهنة البدلة السوداء بالمغرب.فتأطيره التأطير اللازم والأخذ بيده خطوة خطوة كلها أمور كفيلة بفتح الأفق أمامه عبر الاحتكاك بالواقع العملي ,وإعطائه الفرصة لبداية الترافع نسبيا أمام محاكم البداية .
: وباستقراء الفصل السادس من قانون مهنة المحاماة نجده ينص أنه
“تمنح شهادة لمزاولة مهنة المحاماة من طرف مؤسسة للتكوين تحدث وتسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي .
تستمر وزارة العدل في تنظيم امتحان خاص بمنح شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة إلى حين دخول النص التنظيمي حيز التنفيذ ” .
وبتحليلنا لهذا الفصل نجد أن المشرع المغربي نص صراحة على ضرورة إحداث مؤسسة هامة جدا كفيلة بتأطير المحامي المتمرن وتكوينه وهي ”’مؤسسات التكوين”’ ; وقرنها بضرورة صدور نص تنظيمي من شأنه تفصيل جزئيات هذه المؤسسة التكوينية الهامة .لكن مايسجل بهذا الخصوص هو عدم تفعيل هذه المؤسسة بالرغم من التعديلات المدخلة على هذا القانون والتي كان آخرها ظهير 20 أكتوبر 2008
إضافة إلى ذلك وبتصفح الكتب والمقالات العلمية-القيمة- للسادة النقباء والمحامون يتضح بجلاء فشل تجربة ندوات التمرين ,وكذا طريقة انعقادها وتسييرها مما يفرغها من محتواها الأساسي ألا وهو التأطير والتكوين وتقديم القدوات الملهمة في المجال ليكونوا النبراس الذي يحتدى به .
ومن الإكراهات العملية التي تجابه بعض الأساتذة المتمرنين أثناء قضاء فترة التمرين هناك الظروف غير اللائقة بمكاتب بعض السادة المحامين ,إما من حيث ضيقها أو كثرة عدد المتمرنين والتي لا تمكنهم من أخذ أعراف المهنة وتقاليدها كما يجب ,هذا إلى جانب مجموعة من المصاريف والتي قد تقع سدا منيعا في الحضور للندوات والمؤتمرات التي تنظمها هيئات المحامين الأخرى بالمغرب ; والتي لا ينكر إلا جاحد أهميتها مما ينعكس سلبا على المهنة ككل ويؤدي بالتالي إلى عدم تلاقح أفكار الأساتذة المتمرنين واهتماماتهم مع باقي الزملاء …
المطلب الثاني:البدائل والحلول الكفيلة بالرقي بمهنة المحاماة بالمغرب
إن المرامي والأهداف السامية التي تسعى المحاماة كرسالة تحقيقها لابد لها من قانون متطور و منفتح على تطلعات المحامين وكافة المهتمين ,وخاصة منهم الشباب ,وكذا على ممارسة تتطلب جعل المحاماة عمليا ذات دور كبير في النماء والتنمية .
هذا بالإضافة إلى ان هناك مجموعة من الحلول والتوصيات الكفيلة بإصلاح قانون المهنة عموما والوضع المهني للمحامي المتمرن على وجه التحديد
وهكذا سنعالج ماسلف في فقرتين اثنتين ; نتناول في الفقرة (الأولى) الحاجة الملحة لإصلاح قانون المهنة ,ثم نختم بحثنا بأهم التوصيات والحلول (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى:الحاجة الملحة لإصلاح قانون المهنة
لا جدال أن أي عمل إنساني مهما بلغ من الدقة والشمول فإنه لن يبلغ الكمال -كحتمية مسلم بها- ولا بدأن يشوبه القصور والزلل , وهكذا الأمر بالنسبة للمشرع المغربي إذ مهما بلغ من الحنكة والدقة في صياغة النصوص فلا بد وأن تشوبها بعض العوار والنواقص
إن القانون المؤطر لمهنة المحاماة بالمغرب لم يعد يساير الظرفية الحالية كونه أصبح عاجزا عن تحقيق أهدافه المادية والمعنوية هذا موازاة مع قصوره في مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية التي أصبحت عليها هذه المهنة الجليلة على المستوى الكوني.
هكذا فقانون المهنة يتطلب وبإلحاح ضرورة إصلاحه جذريا وإعادة صياغة العديد من مقتضياته وبنوده وخاصة تلك المتعلقة بالوضع المهني للمحامي المتمرن .فقد أصبح متجاوزا في العديد من مقتضياته مهددا بذلك أمن هذه المهنة وكذا أمن محاميها الممارسين والمتمرنين على حد سواء , بل ومتقاضيها وباقي أطراف النسق القضائي مما يرتب نوع من المس باستقلالية مهنة البدلة السوداء ويجعل المحامي غير مطمئن لما يقدمه من خدمات جليلة .
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن جمعية هيئات المحامين بالمغرب قد تقدمت بمسودة تتعلق بإصلاح وتطوير قانون المهنة , هذه الأخيرة-المسودة- التي سعت من خلالها الجمعية تقديم تصورها حول أي إصلاح مرتقب قد تزمع الوزارة الوصية على القيام به أن تأخذ بما جاء فيه بعين الاعتبار , وإن كنا لانتفق مع جل ماجاء في هذه المسودة خاصة ما أدرجته من مقترحات بخصوص الرفع من المستوى العلمي ‘الماستر’ كشرط للقبول في اجتياز المباراة ; ووجه المؤاخذة على هذه المسألة أنه نعم إن سلمنا أن الخلفية التي اعتمدتها جمعية هيئات المحامين من كون الإجازة بنظامها الحالي المتمثل في ثلاث سنوات لم يعد قادرا على تكوين الطالب التكوين اللازم ,وأنه فقط يتلقى بعض المفاهيم العامة وذلك على عكس النظام الجامعي القديم للإجازة والذي كان أربع سنوات. فإن الأمر ليس بالهين إما من حيث الخصاص المهول في هذه المهنة وثانيا أن وزارة العدل هي من ستحسم مراعية بذلك كل الملاحظات … ونظن أن الأسلم بخصوص هذه النقطة الأخذ بعين الاعتبار التفوق الجامعي بدرجة أولى وأن يتم التركيز على تطوير نجاعة فترة التدريب كمدخل أساسي لأي إصلاح حقيقي مع تفعيل المعاهد المنصوص عليها في قانون المهنة عبر إخراج النصوص التنظيمية المفصلة لها .كما يجب تكوين المحامي المتمرن على غرار قرينه القاضي من حيث القيام بزيارات مع السادة النقباء رؤساء الهيئات للمؤسسات الهامة في الدولة بهدف الاستئناس بها سواء منها العمومية أو شبه العمومية وهكذا يتم التركيز ولفت النظر إلى مرحلة التدريب أكثر من مرحلة الشروط القبلية القاسية والتي تكون تارات كثيرة معول هدم لمسار ثلة من خير طلبة الحقوق والشريعة بالمغرب !
الفقرة الثانية:بعض التوصيات والحلول المقترحة
لئن كانت المحاماة مهنة التعب فلأنها رسالة أخلاقية ومجتمعية أكثر من كونها مهنة فهي حقيقة رمز كل كرامة و حرية وكفاح من أجل الحقوق والحريات-دون الإلتفات لبعض الإنزلاقات التي يقوم بها بعض ممن يحسبون أنفسهم ينتمون إليها كإستثناء والإستثناء لا يقاس عليه-
إن الحفاظ على هذا الموروث التاريخي من أعراف وتقاليد أصيلة لمهنة المحاماة ومعانيها النبيلة والسامية لن يتأتى إلا بإصلاح ما فسد منها وذلك عبر الحلول والمقترحات المبسوطة أذناه :
إعادة النظر في الوضع المهني للمحامي المتمرن بالمغرب
الضرورة الملحة لإصلاح قانون المهنة وجعله أكثر ملائمة مع الظروف الحالية للألفية الثالثة وكذا محاولة التقليل من الأرقام الصاروخية التي تفرضها الهيئات كرسوم للتسجيل
وضح تحفيزات مالية للمحامي المتمرن ولو عبر منحة بسيطة تحفظ ماء الوجه
تشجيع البحث العلمي والسماح للمحامي المتمرن بالولوج لجميع مرافق الدولة العامة وشبع العامة وكذا المؤسسات الدستورية وغيرها بغية توسيع المدارك والحصول على المعلومة )محكمة النقض_ البرلمان _مؤسسة الوسيط_المجلس الدستوري …)
إ دخال الرقمنة لعمل المحامي الرسمي والمحامي المتمرن والإستفادة من خيرات التكنولوجيا عبر إلزامية حضور المحامي الرسمي فقط للجلسات المهمة جدا وإتاحة الفرصة للمحامي المتمرن للترافع أمام المحاكم
تخويل المحامي المتمرن إمكانية الترافع في القضايا الجنائية
إدراج وحدات بسلك الإجازة تعرف بالمهن القضائية وغيرها كالمحاماة على وجه الخصوص
الرقي بمكانة المرأة المحامية أيضا فيما يعرف بمقاربة النوع وإعطائها جميع الحقوق والضمانات الكفيلة بممارستها للمهنة على أكمل وجه فلطالما كانت المرأة قاضية ومحامية وشاعرة وراوية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
العمل على تخصص المحامي في مجالات معينة من القضايا
خاتمة
إن من نافلة القول في ختام هذا المقال التنويه ; أن تناولنا لموضوع الوضع المهني للمحامي المتمرن بالمغرب -الإكراهات ورهان الإصلاح- ليس من باب الترف الفكري أو أنه إعادة التطرق لمواضيع سبق الغوص في مضامينها, وإنما الذي أثار حفيظتنا خصوصا هو قلة إن لم نقل نذرة المقالات العلمية والبحوث بهذا الخصوص مما جعلنا نحاول من خلال هذه المساهمة المتواضعة محاولة ملامسة بعض جوانب هذا الموضوع .