دراسات قانونية

مقاصد تقييد المدونة للطلاق (بحث قانوني)

مقاصد تقييد المدونة للطلاق

عماد الخرواع

باحث بماستر الاسرة في الفقه والقانون بجامعة القرويين كلية الشريعة اكادير

مقدمة:

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم في نشر الدعوة والعمل بها إلى يوم الدين أما بعد:

إن ابغض الحلال عند الله الطلاق ومع ذلك فقد يكون السبيل الوحيد لإنهاء معانات كل من الرجل والمرأة في حالت وجود معكرات في الحياة الزوجية لكل منهما وتكفل الله عز وجل برسم حدوده ومعالمه لالى يجرئ احد على المساس به أو الاعتداء عليه مصداقا لقوله تعالى في سورة البقرة (تلك حدود الله فلا تعتدوها)

ونجد أن طرق انحلال ميثاق الزوجية في الشريعة الإسلامية تتنوع وتختلف حسب الطرف المبادر، فالطلاق مثلا: هو الذي يوقعه الزوج عندما يريد إنهاء العلاقة الزوجية لسب من الأسباب، ونجد نوعا أخر وهو التطليق الذي يحكم به القاضي بناء على طلب من الزوجة لرفع الضرر الواقع عليها من طرف الزوج (كعدم الإنفاق، الغيبة، الفقد، الهجر….)، ونجد كذلك الخلع وهو الذي تمارسه الزوجة تحت مراقبة القاضي إذا تضررت وبالتالي فالشريعة الإسلامية أعطت الحق لكل من الزوجين أن ينهي العلاقة الزوجية إذا حالت ظروف قاهرة تستحيل معها استمرار العلاقة الزوجية .
ولكن الأصل أن الزوج هو الذي له حق إيقاع الطلاق ولا يحق للزوجة إلا استثناءا ولكن نجد في مدونة الأسرة أنها فتحت هذا المجال أي الطلاق أمام المرأة بدون شرط او قيد وأكثر من هذا يمكن للمرأة أن تطلق من زوجها ولو بدون سبب وبدون رضى الزوج زيادة على ذلك فإنهاء العلاقة الزوجية لابد لإتمامها من المرور على يد القاضي وإلا أصبح الطلاق لغوا لا يعتد به ولو تلفظ الزوج بلفظ الطلاق لأسباب ومقاصد سنراها في معرض بحثنا عن مقاصد تقييد المدونة للطلاق الذي قسمناه وفق التصميم الأتي :

المبحث الأول : الطلاق في مدونة الأسرة
المطلب الأول : أحكام عامة
المطلب الثاني: مفهوم الطلاق
المبحث الثاني :من له الحق في ممارسة الطلاق
المطلب الأول : في الشريعة الإسلامية
المطلب الثاني: في مدونة الأسرة
المبحث الثالث : مقاصد المدونة من تقييدها للطلاق

المبحث الأول : الطلاق في مدونة الأسرة

المطلب الأول : أحكام عامة

جاء في المادة 70 من مدونة الأسرة انه (لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو التطليق إلا استثناءا وفي حدود الأخذ بقاعدة اخف الضررين لما في ذلك من تفكيك الأسرة و الإضرار بالأطفال ) وجاء في الدليل العملي لمدونة الأسرة تعليقا على هذه المادة ما يلي : الأصل أن ميثاق الزوجية وجد ليدوم ويستمر ضمانا لاستقرار الأسرة وحمايتها من التفكك مع توفير أسباب تنشئة الأطفال تنشئة سليمة ومن اجل هذا وجب عدم اللجوء إلى حل هذا الميثاق إلا استثناءا وعند الضرورة القصوى أخدا بالآثار الواردة في الموضوع
فلئن أجاز الشرع الطلاق فقد رغب عنه لما يترتب عنه من أثار سلبية لا تقتصر على الزوجين فقط بل تميد إلى الجماعة في شكل تنامي ظواهر اجتماعية تعيق النمو وتقدم المجتمع ومهما يكن فان حل عقد الزواج الذي يعتبر في حد ذاته ضررا لا يتم اللجوء إليه إلا في حدود دفع ضرر اشد منه
ومن قيوده الشرعية التأكد من سنيته التي منها وجوب كون الزوجة في طهر لم تتم فيه المعاشرة انتهى قول الدليل العملي [1]

المطلب الثاني: مفهوم الطلاق

وهو كما جاء في المادة 78 ( الطلاق حل ميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لإحكام هذه المدونة )
ونلاحظ في هذا التعريف انه جاء بالجديد في مسالة الطلاق كما انه فضفاض عمليا أما كونه جديد فمن الناحية الشرعية فانه لا يوجد له أصل في الفقه المالكي بل ولا حتى في فقه المذاهب الأربعة ولا يوجد فقيه واحد عرف الطلاق بأنه تمارسه الزوجة هكذا دون شرط أو قيد ولعل هذا التعريف جاءت به المدونة من التعريف الذي وضعه الإستاد الخمليشي احد أعضاء واضعي المدونة بقوله ( الطلاق هو فصم رابطة الزوجية وإنهائها بحكم القاضي أو بتوقيع الزوج والزوجة )
أما كونه فضفاضا فذلك يبدو من عبارة “يمارسه الزوج والزوجة” أما ممارسة الزوج له فواضح شرعا أما ممارسة الزوجة للطلاق فإذا كان المقصود أن تمارسه في إطار التمليك أو الخلع فمقبول شرعا إما إذا كان المقصود أن الزوجة تمارسه مثل الرجل سواء بسواء فهو مخالف لمقتضيات الشريعة .[2]

المبحث الثاني :من له الحق في ممارسة الطلاق

المطلب الاول : في الشريعة الإسلامية

الأصل في الطلاق انه يقع بعبارة الرجل بإجماع الفقهاء والنصوص من القران والسنة صريحة في الموضوع ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في سورة البقرة (وإذا طلقتم النساء) وكذلك ( وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) وقوله تعالى في نفس السورة (إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)

ومقاصد الشارع من جعل الطلاق في يد الرجل يعود إلى أمرين أساسيين وهما كالتالي:
انه مبني على أساس من العدل وتكافئ الحقوق والواجبات ، وداخل في حق القوامة الثابتة للرجل بنص القران التي يجب أن يدفع مقابلها كل تبعات الزواج والطلاق من نفقة الزوجة و الأولاد والصداق والمتعة وهذه التكاليف من شانها أن تحمل الرجل على التروي في إيقاع الطلاق وفي هذا التكافى يقول الله تعالى في سورة البقرة ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)
مبني على أساس أن الرجل بطبيعته اضبط لمشاعره من المرأة وان المرأة بطبيعتها تنساق وراء مشاعرها و إن ترتب عن ذلك نتائج وخيمة فهي متسرعة تنفعل لأدنى سبب ولهذا فان المرأة العاقلة لا تطيق أن يكون الطلاق بيدها . في قصة للحسن بن الحسين بن علي ضجرت عليه زوجته يوما فقال لها أمرك في يدك فقالت لا والله لقد كان في يدك عشرين سنة فحفظته و ما ضيعته فأضيعه في ساعة واحدة صار في يدي قد رددت عليك حقك.[3]

المطلب الثاني: في مدونة الأسرة

أما في مدونة الأسرة فالأمر يختلف كثيرا عما هم مقرر في الشرع الإسلامي فمن التعريف الوارد في المادة 78 بشان الطلاق نستنتج أن الذي له حق الطلاق هو الزوج والزوجة على التساوي كل بحسب شروطه تحت مراقبة الطلاق ولكن عند استقراء مواد المدونة يفهم أن الزوجة لها حق ممارسة حقها في الطلاق أكثر من الرجل ويتجلى ذلك في كون القضاء يأخذ بقول الزوجة في الطلاق أكثر من اخده بقول الرجل فالمرأة أقوى أمام القضاء من الرجل بحجة أنها الجانب الأضعف . فالمرأة في الإسلام كان لها الحق رفع الأمر إلى القاضي في أمور محددة كالغيبة والتمليك والخلع أما في المدونة فقد فتحت الباب للزوجة في طلب الطلاق ويظهر ذلك في المواد من 94 إلى 112 .
واخطر منافذ الطلاق في المدونة هو ما يسمى بالتطليق للشقاق الوارد في المواد من 94 إلى 97 حيث أن المشرع لم يحدد طبيعة الشقاق المبرر للتطليق وخصائصه الآمر الذي لا يسهل على المحكمة معرفة حدود صلاحيتها في قبول أو رفض التطليق بسبب الشقاق فالمشرع لم يحدد حالات معينة لنطاق الشقاق الذي أصبح مفهوما واسعا لا يشمل حالة معينة وهذا ما دفع العديد من الزوجات إلى سلوك مسطرة الشقاق لإنهاء الرابطة الزوجية حيث أصبح يحتل المرتبة الأولى في قائمة الطلاق والتطليق فمسطرة التطليق للشقاق أصبحت متبعة من طرف النساء اللاتي عجزن عن إثبات الضرر بل الأكثر من ذلك ذهبت بعض المحاكم إلى أن هدف المشرع هو السماح للزوجات اللاتي لم يستطعن إثبات الضرر اللجوء إلى مسطرة الشقاق مما يؤكد على عدم وجوب إثبات أسباب الشقاق ،

ونلاحظ من هذا أن مدونة الأسرة ترمي إلى التيسير على الزوجات في طلب التطليق حتى ولو عجزن عن إثبات الضرر ويؤكد هذا احد الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية بمراكش قسم قضاء الأسرة بتاريخ 25 نونبر 2004 ( حيث أن ما تمسك به المدعي عليه من أن الضرر المزعوم من طرف الزوجة غير ثابت وبالتالي فطلب التطليق غير مبني على أساس .ذلك أن فلسفة مشروع مدونة الأسرة الذي احدث مؤسسة التطليق للشقاق أراد أن يخرج من النظرية التقليدية للتطليق الواجب تأسيسه على عنصر الضرر ولذلك سمح للطرفين في كل حالة يتعذر فيها على الزوجة إثبات الضرر اللجوء لطلب الشقاق لأن الأمر الجوهري في نظر المشرع هو النظر إلى مؤسسة الزواج باعتبارها كيانا ينبغي الحفاظ عليه ورأب كل خلل يعتريه من خلال الاعتراف للزوجة بحقها المماثل للرجل في إنهاء العلاقة الزوجية في كل مرة يتعذر فيها استمرار العلاقة الزوجية وبناء عليه فانه أمام تصريح الزوجة برغبتها في إنهاء رابطة الزواج تكون حالة الشقاق متوفرة ويتعين الاستجابة لطلب الزوجة والحكم بتطليقها من عصمة زوجها طلقة بائنة للشقاق .[4]

المبحث الثالث : مقاصد المدونة من تقييدها للطلاق

المدونة لم تتكلم صراحة عن هذه المقاصد إلا ما نص عليه في المادة 70 بقولها (لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو التطليق إلا استثناءا وفي حدود الأخذ بقاعدة اخف الضررين لما في ذلك من تفكيك الأسرة والإضرار بالأطفال ) وبالتالي فيمكن حصر مقاصد الشرع المغربي في جعله الطلاق بيد القضاء فيما يلي :

أولا : الحفاظ على استقرار الأسرة التي هي أساس المجتمع وركيزته وغالبا ما تخلف أطفالا للضياع وهم أي الأطفال رجال المستقبل وهم الذين يتحملون القسط الأكبر من أثار تدمير الأسرة ووضع الطلاق بيد القضاء يحول دون ذلك كله ويضمن استقرار الأسرة واستقرار المجتمع ككل .

ثانيا : الحفاظ على حقوق المرأة من تعسف الرجل وهذا ما أكده الواقع حيث أن هناك تلاعبات بالعلاقات الزوجية كالحلف بالطلاق والطلاق الغيابي إلى غيرها من الأمور التي تضيع حقوق المرأة في الغالب وبالتالي وضع الطلاق بيد القضاء للقضاء على مثل هذه الأمور.

ثالثا : قلت الوازع الديني مما جعل الأزواج يقدمون على الطلاق بمجرد الشهوة والهوى دون مبرر واضح لذلك . ومما يؤكد على ذلك أن اغلب حالات الطلاق كانت نزوات طائشة وعصبية عابرة دون تفكير في عواقب الأمور ونتائجها الخطيرة على كيان الأسرة.

رابعا : إن الزواج عقد يتم إبرامه من الطرفين معا :الزوج وولي الزوجة عند الجمهور أو الزوج والزوجة عند الحنفية والقواعد السليمة تقتضي أن العقد الذي تبرمه إرادتين لا تبطله إرادة واحدة وبالتالي فالحل هو وضع الطلاق بيد القضاء.

خامسا : تحقيق العدل الاجتماعي بين الرجل والمرأة والمساواة بينهما وهو مطلب شرعي .[5]

خاتمة:

وفي الأخير نخلص إلى أن المشرع وضع المدونة للحفاظ على الأسرة المغربية إلا انه وقع في هفوات وأخطاء عكست أهدافه الأصلية وفتح باب الطلاق على مصراعيه على كل من هب ودب ومما يؤكد ذلك الإحصائيات التي قامت بها وزارة العدل في هذا الشأن، فقد كشفت إحصائيات مصالح قضاء الأسرة التابعة لوزارة العدل والحريات بالمغرب عن أن حالات الطلاق خلال سنة سنة 2010 : 56 ألفاً و16 حالة في حين بلغت سنة 2011 : 56 ألفا و198 حالة. وتسجل كل ساعة 6 حالات طلاق بالمغرب، وهو ما يعادل 138 حالة طلاق يوميا أي بمعدل 4166حالة طلاق شهريا..
كما أفادت الإحصائيات بأن 56 ألفاً و198 حالة طلاق التي سجلت في 2011 توزعت بين الطلاق بسبب الخلاف، أو بسبب الإخلال بشرط في عقد الزواج أو الضرر٬ أو لعدم الإنفاق٬ والغيبة٬ أو للعيب٬ أو بسبب الهجر.
وكانت وزارة العدل والحريات قد نشرت أرقام حديثة تؤكد على ارتفاع الطلاق بالمغرب، معظمها نجم عن الخلافات بين الزوجين، مبرزة أن النساء تفوقن على الرجال في طلب الطلاق، حيث إن الزوجات رفعن 40 ألفاً و728 قضية طلاق، مقابل 26 ألف حالة و547 حالة من طرف الرجال، وذلك لأن الرجل يدرك أن التحملات المادية للطلاق (المتعة والنفقة والحضانة) ستقع على عاتقه لوحده، في حين لا تتحمل النساء أي مسؤولية مادية حتى ولو طلبن التطليق.. ولهذا الاعتبار يتضح سبب ارتفاع نسبة طلب التطليق في صفوف النساء.[6]
هذه الأرقام والإحصائيات تدق ناقوس الخطر، وتدل على أن الطلاق أصبح يهدد التماسك الأسري والاجتماعي، الأمر الذي يفرض على الدولة إعادة النظر في الثغرات والنواقص التي تشوب مدونة الأسرة، و إجراء التعديلات اللازمة لتدارك جوانب الخلل، وعلى رأسها إعادة النظر في مسطرة التطليق للشقاق، حماية للأسرة المغربية من التفكك.

 

(محاماه نت)

إغلاق