دراسات قانونية

كيفية تبليغ الشخص الطبيعي وعقباته (بحث قانوني)

تبليغ الشخص الطبيعي وإشكالاته – شكلياته وطرقه – في ضوء المادة المدنية

براهيم زدكاوي طالب باحث بكلية الحقوق مراكش

مقدمة:

يعتبر حق الدفاع حقا مقدسا ، وركيزة أساسية في القانون الإجرائي ، ويحرص العمل القضائي أشد الحرص على احترامه، ويهدف حق الدفاع إلى تحقيق المساواة في المراكز الإجرائية للأطراف أمام المحكمة لذا بات من الضروري والواجب إتاحة الفرصة للخصوم للتعبير عن وجهة نظرهم فيما قدمه كل منهم في مواجهة الآخر، ولن يتأتى له ذلك إلا عن طريق التبليغ إليه، ومعلوم أن المرء لا يأخذ مركز الخصم في الدعوى بمجرد تسجيلها ضده بل لابد من الإنهاء إلى عمله وجودها ويتطلب ذلك تبليغ المقال إليه، ويعد توجيه الاستدعاء وعملية التبليغ شرطا أساسيا لإصدار الحكم على الخصم، ولذلك يتطلب في أهم النزاعات أمام المحكمة مبدأ التوجيهية، وإلا كان الحكم باطلا[1]

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

بل إن الحكم الصادر دون استدعاء الخصم يصبح هو العدم سواء، ومن هنا نستخلص أن عملية التبليغ تعد الركيزة الأساسية لأهم حق من حقوق الدفاع، ونظرا لهذه الأهمية وضعت التشريعات الحديثة لهذه العملية قواعد دقيقة تكفل الدفاع ووصول الأوراق القضائية وغير القضائية إلى أطراف معنية، وذلك إما إنجاز التبليغ إليهم شخصيا حيث يتحقق العلم اليقيني بالإجراء أو إنجازه بواسطة من سمح لهم القانون بواسطة التبليغ نيابي عن المعني به حيث يتحقق العلم الظني، أو إنجازه بواسطة الإدارة كالنيابة العامة أو كتابة الضبط أو القيم المنصب عن مجهول العنوان حيث يتحقق العلم الحكمي،وفي كل هذه الحالات ينتج عن التبليغ أثره القانوني بنفس القوة الثبوتية ولم يصل الإجراء بصفة أكيدة إلى المعني به.
والتبليغ أو الإعلام هو إجراء محله إخبار المعني بالأمر بشيء معين، ويتولى القيام بهذا الإجراء في التشريع المغربي إما موظف تابع لوزارة العدل أو العون القضائي أو كاتبه المحلف أو السلطة الإدارية أو موظف تابع لمصلحة البريد أو الأعوان الدبلوماسيين والفصليون أو غيرهم ممن أسند لهم القانون هذه المهمة، وتهدف عملية التبليغ إلى تمكين المراد إعلانه أو نائبه من العلم بمحتويات مقال الدعوى أو عريضة الطعن أو الورقة القضائية أو غير القضائية بصفة عامة،

ولكن بواسطة الانتقال إلى الموطن الأصلي أو المختار أو القانون أو موطن أعمال وتسليم الإجراء إلى الشخص نفسه أو نائبه أو الأشخاص المؤهلين لاستلام التبليغ، أو الجهات الأخرى التي حددها القانون، وعملية التبليغ لا تكون صحيحة، وقانونية إلا إذا قام بها الأشخاص الذين أسند إليهم القانون تلك المهمة فلو قام بها الخصم نفسه أو محاميه كانت باطلا ذلك أن عملية التبليغ تتسم بالشكلية وبالتالي أن تتم تبعا للوسيلة، والشكل اللذين رسمهما القانون لاتباع الوسيلة التي اختارها الخصم ، ونكتفي في هذا الموضوع بدراسة تبليغ الشخص الطبيعي وإشكالاته .
إذن فما هي شكليات التبليغ وإشكالاته في قانون المسطرة المدنية؟ وما هي الجهات التي خول لها المشرع القيام بهذه المهمة ؟ وما هي الإشكالات التي تواجهها؟
ترتكز خطة البحث بالأساس على دراسة شكليات التبليغ وإشكالاته في قانون المسطرة المدنية (المطلب الأول) ثم طرق التبليغ وإشكالاته (المطلب الثاني؟

وتأسيسا على ما تقدم تكون منهجية البحث وفق مطلبين أساسيين :

المطلب الأول: شكليات التبليغ و إشكالاته
المطلب الثاني: طرق التبليغ و إشكالاته

المطلب الأول: شكليات التبليغ و إشكالاته

تعتبر عملية التبليغ الركيزة الأساسية لأهم حق من حقوق الدفاع ووسيلة قانونية تهدف إلى إشعار الطرفين بموضوع الدعوى حتى لا يتمكن بأي حال من الأحوال احتجاج شخص بقرارها أو بإجراء بعد إشعاره ومنحه الفرصة في إبداء ما لديه من دفع أو دفاع. والنصوص القانونية في جل التشريعات الوضعية ومنها التشريع المغربي تعنى بقواعد التبليغ من خلال طرق مساطره ، حيث وضع المشرع المغربي قواعد دقيقة من خلال الفصل 36-37-38 ق.م.م .
وقبل ذلك فإن مبدأ التوازن الطبيعي يوجب إشعار الفرد بكل أمر يمكن أن يسأل عنه إذ أن القيمة الإنسانية للفرد تقتضي منحه الفرصة في التفكير والاستعداد للرد أو التعقيب[2]. وهي الفرصة التي يتميز الحق في استغلالها مبدأ المواجهة الشرعية بين المدعى والمدعى عليه، وتظهر جليا أهمية التبليغ من الناحية العملية في كونه من صميم القواعد الجوهرية للمرافعات[3]،

نظرا لما فيه من حفظ الحقوق الأطراف في الدفاع ، فالتبليغ عملية قانونية وعملية تستوجب احترام بعض البيانات والشكليات (الفقرة الأولى)، إلا وكانت باطلة فعملية التبليغ هاته هي مبعث السرعة والبطء في إصدار الأحكام، فلا يمكن الفصل في النزاع من غير تبليغ الطرفين، والاستماع إليهما إلا استثناء، إذ هو المرجع الوحيد في تحديد الوصف القانوني للأحكام التي قد توصف حضوري أو غيابي أو بمثابة حضوري على ضوء نتيجة التبليغ ، ولم يغفل المشرع المغربي الأشخاص والمكان التي يصح التبليغ إليها والوجه الغير مباشر لأهمية التبليغ تعكسه كثرة النزاعات حوله، نزاعات تتعلق بإثباته والطعن فيها، وإبطال إجراءاته واستخلاص الحقوق المترتبة عليها. وما هذه النزاعات تطفو على سطح إشكالات وتعقيدات وضعت لحلها نصوص تشريعية صريحة وأخرى باتت بطبيعتها المعقدة في حاجة إلى البحث والاجتهاد.

الفقرة الأولى: بيانات التبليغ وإشكالاته

يقصد بالتبليغ إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى شخص معين،[4]وليكون التبليغ كحجية قوية لا بد أن يستجمع كل البيانات الشكلية المنصوص عليها في الفصل 36 ق.م.م لمعرفة موضوع الاستدعاء والأطراف وكل ما يفيدهم في اطلاعهم بموضوع الدعوى ويمكن التمييز بين البيانات الخاصة بالإطراف (أولا) المستنتجة من فصل 36 ق.م.م ثم بعد ذلك نطرق إلى البيانات الخاصة بالدعوى (ثانيا). كما أثارت هذه البيانات عدة إشكالات من خلال العمل القضائي مما أدى إلى اجتهاد الفقه والقضاء في طبيعتها.

أولا: البيانات الخاصة بالأطراف

تنص المادة 36 ق.م.م يستدعي القاضي حالا المدعي عليه كتابة إلى جلسة يعين يومها ويتضمن هذا الاستدعاء:

1-الاسم الشخصي والعائلي للمدعي والمدعى عليه: يعتبر هذا البيان الخاص بالأطراف بالغ الأهمية فالأسماء تفيد معرفة بعضهم البعض خصوصا عند تعددهم فالأسماء العائلية والشخصية للمدعي والمدعى عليه يجب أن تكون واضحة نافية للجهالة، فالمدعي يباشر الدعوى يهدف بها استصدار حكم يحمي حقه أو استيفاءه، كما يؤدي هذا البيان إلى معرفة الخصم ومعرفة النزاع الحاصل بين الطرفين دون لبس او غموض، الأمر الذي يساعد المدعى عليه على تهيئ دفاعه والرد على المدعي إعمالا لمبدأ مواجهة الدعوة. فالاستدعاء الذي لم يتضمن الاسم العائلي والشخصي بشكل واضح لا يرتب أي آثر قانوني لأنه موجه للعدم.

2- مهنة المدعي والمدعى عليه: يعتبر ذكر المهنة في الاستدعاء من البيانات اللازمة المنصوص عليها في الفصل 36 من ق م.م، فهناك من الفقه من اعتبر الاستدعاء الخالي من المهنة باطلا. ففي بعض الأحيان قد نكون أمام أشخاص مدعى أو مدعى عليهم يحملون نفس الاسم العائلي والشخصي مما قد يضر بمصالح الأطراف أو إهدار حقوق المتقاضين، فالمهنة تفيد التحديد الأكيد لهوية الأطراف.

3- موطن المدعي و المدعى عليه :
يقصد بالموطن القانوني للشخص ذلك الموطن الذي يستقر فيه وتربطه به علاقة ومصالح، ويباشر فيه نشاطه القانوني وعلاقاته مع غيره من الأشخاص وتبدو أهمية الموطن في حالات كثيرة فإليه تبلغ الأوراق المطلوبة وإعلانه بها كالاستدعاءات والإنذارات والتبليغات ، وتكمن أهمية الموطن كذلك في تحديد الاختصاص وآجال التبليغ وتختلف الآجال بحسب موطن المبلغ، فإذا كان الموطن في المغرب حسب الفصل 40 من ق.م.م الذي ينص على أنه:” يجب أن ينصرم ما بين تبليغ الاستدعاء واليوم المحدد للحضور آجال خمسة أيام إذا كان لطرف موطن إقامة في مقر المحكمة الابتدائية أو بمركز مجاور لها، ومدة 15 يوما إذا كان موجودا في أي محل آخر من تراب المملكة تحت طائلة بطلان الحكم الذي قد يصدر غيابيا.
أما إذا كان موطن المدعي أو المدعى عليه خارج المملكة حيث ينص الفصل 41 ق.م.م على أن:” إذا لم يكن للطرف الذي وقع استدعاؤه لا موطن ولا محل إقامة في دوائر نفوذ محاكم المملكة فإن أجل الحضور يحدد فيما يلي:
-إذا كان يسكن بالجزائر أو تونس أو إحدى الدول الأوربية شهران.
-إذا كان يسكن بدولة إفريقية أخرى أو آسيا أو أمريكا: ثلاثة أشهر.
-إذا كان يسكن بالأقيانوس أربعة أشهر.
تطبق الآجال العادية عدا إذا مددها القاضي بالنسبة إلى الاستدعاءات التي سلمت إلى الشخص بالمغرب الذي لا يتوفر بعد على موطن أو محل إقامة . من خلال الفصلين 40-41 ق.م.م تبين لنا أنه في حالة عدم احترام الآجال المنصوص عليها يعتبر التبليغ باطلا بقوة القانون.

ثانيا: البيانات الخاصة بالدعوى

تعتبر البيانات الخاصة بالدعوى من أهم بيانات الاستدعاء غير أنها تثير عدة إشكالات من خلال الواقع العملي.

موضوع الطلب:
هذه الشكلية في أهمية لا تقل عن البيانات السابقة إذ من خلالها يتوصل المدعى عليه إلى طبيعة النزاع الذي أصبح طرفا فيه، هل هو مدني أو جنائي، وإذا كان مدنيا هل هو متصل بالعلاقات المالية أو الأسرية إلى غير ذلك.
وكل هذا يساهم في استعداد المدعى عليه لتهيئ دفاعه وحججه لان الطلب منشئ الخصومة وافتتاحها بين المدعي والمدعى عليه، وتظهر كذلك أهميته في كونه بيان موضوع الدعوى ونوعها لمعرفة المحكمة المختصة، وكذلك في تحديد قيمتها لاستيفاء الرسوم القضائية وبالتالي تحدد في ما إذا كان يصح الطعن فيها بالاستئناف من عدمه[5] ، وكذا معرفة طبيعة الحكم هل هو نهائي أو انتهائي.

وعليه يمكن أن نتساءل هل يمكن للأطراف الدفع بعدم الاختصاص ؟ أم أن المحكمة تثيره من تلقاء نفسها؟ وهل يتعلق الدفع بعدم الاختصاص بالنظام العام؟ بخصوص هذا الإشكال اهتم الباحثون في البحث في هاته المسألة. ينص الفصل 16 ق.م.م ” يجب على الأطراف الدفع بعدم الاختصاص النوعي أو المكاني قبل أي دفع أو دفاع.

لا يمكن إثارة هذا الدفع في طور الاستئناف إلا بالنسبة للأحكام الغيابية .
يجب على من يثير الدفع أن يبين المحكمة التي ترفع إليها القضية وإلا كان الطلب غير مقبول.
إذا قبل الدفع يرفع الطلب إلى المحكمة المختصة التي تكون الإحالة عليها بقوة القانون وبدون صائر.
يمكن الحكم بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من لدن قاضي الدرجة الأولى”.
في قراءة متأنية لهذا الفصل يبدو واضحا أن الاختصاص المحلي والاختصاص النوعي لا يتعلقان بالنظام العام [6]

المحكمة التي تبث في الدعوة :
يجب أن يتضمن الاستدعاء الإشارة إلى المحكمة التي تنظر في الدعوى ، حتى يعلم الأطراف المحكمة التي يجب المثول أمامها، وربما قد يستدعي الأمر السفر إلى مدينة معينة ويتعلق بأكثر من محكمة مختصة [7] ، فلا بد من تحديدها دفاعا لأي عناء[8] للمتقاضين، ثم إن تحديد المحكمة قد يؤدي بأحد الأطراف إلى الدفع بعدم الاختصاص ، كأن يتعلق الأمر بدعوى مدنية في حين أن المحكمة المختصة هي المحكمة التجارية أو الإدارية، أو يتعلق الأمر بنزاع قد تم اتفاق الأطراف على تحديد المحكمة المختصة في العقد برضاهم ، خصوصا وأن الدفع كما أشرنا سابقا يجب إثارته قبل كل دفع أو دفاع[9].

يوم و ساعة الحضور
يقصد بتاريخ الجلسة السنة والشهر ويوم و ساعة الجلسة ، هذا إضافة إلى قاعة الجلسات ولو أن الفصل 36 ق.م.م لم يشر إليها إلا أن المطبوع الذي هيئته الوزارة يشير إلى ذلك، وهذا يساعد الأطراف في التوجه مباشرة إلى القاعة المحددة في الاستدعاء خصوصا في المدن الكبرى التي تتعدد فيها قاعة الجلسات وإن ذكرها ليس من قبيل البيانات الفائضة بل هو إجراء يسهل الأمر على المتقاضين، وفي حالة عدم ذكر يوم وساعة الحضور يعتبر التبليغ باطلا بطلانا مطلقا وعديم الأثر، و حسب الفصل 40 من” ق م م ” يجب أن ينصرم ما بين تبليغ الاستدعاء واليوم المحدد للحضور اجل خمسة أيام إذا كان للطرف موطن أو محل إقامة في مكان مقر المحكمة الابتدائية أو بمركز مجاور لها ومدة خمسة عشر يوما إذا كان موجودا في أي محل آخر من تراب المملكة تحت طائلة بطلان الحكم الذي قد يصدر غيابيا.

تنبيه الاطراف إلى وجوب اختيار موطن في مقر المحكمة عند الاقتضاء
من بين البيانات الأساسية التي يشير إليها الاستدعاء التنبيه إلى ضرورة اختيار موطن في المحكمة التي تنظر في الدعوى، إذا لم يكن للمدعي أو ممثله القانوني موطن أو كان نفوذه خارج البلدة التي بها مقر المحكمة التي تنظر في الدعوى، وتهدف هذه الشكلية إلى الحد من مزاعم بعض الأفراد وادعاءهم بعدم توصلهم بالتبليغ لعدم توفرهم على موطن أو محل إقامة يراسلون ويبلغون فيه، فمتى تم تنبيه المبلغ باختيار موطن وغالبا ما يكون لدى محام بهيئة المدينة التي توجد بها مقر المحكمة. ويقصد بالموطن المختار المكان الذي يختاره الشخص بغية مباشرة عمل قانوني معين وهو يرتبط في القانون بمكان معين بالذات، كما لا يتحدد بحكم القانون، وإنما يترك لمحض إرادة صاحبه[10]، كاختيار الشخص مكتب المحامي موطنا مختارا بالنسبة لإجراءات الدعوى الموكل عنه فيها، وفي هذا الشأن ينص الفصل 524 ق.م.م: ” يرجع الموطن المختار الخاص بتنفيذ بعض الإجراءات وإنجاز أعمال والتزامات ناشئة عنها على الموطن الحقيقي و الموطن القانوني”.
عرفت الساحة الفقهية والقضائية جدلا شديدا وواسعا بخصوص هذه المادة وسنعود بخصوص هذا الإشكال فيما قد يأتي.

ولا تكفي البيانات السابق ذكرها لاعتبار تبليغ الاستدعاء صحيحا ، وإنما لابد من الأخذ بمقتضيات الفصل 39 من قانون المسطرة المدنية بعين الاعتبار، إذ ينص هذا الفصل على أنه:
“ترفق بالاستدعاء شهادة يبين فيها من سلم له الاستدعاء وفي أي تاريخ ويجب أن توقع هذه الشهادة من الطرف أو من الشخص الذي تسلمها في موطنه. وإذا عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه أشار إلى ذلك العون أو السلطة المكلفة بالتبليغ ويوقع العون أو السلطة على هذه الشهادة في جميع الأحوال ويرسلها إلى كتابة ضبط المحكمة.
إذا تعذر على المكلف بالتبليغ أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرف أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته ألصق في الحين إشعارا بذلك في موضع ظاهر بمكان التبليغ أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعنية بالأمر…”

وفي حقيقة الأمر تعد هذه البيانات مكملة للبيانات التي سبق ذكرها، لكن مع ذلك فإنها تثير بعض الإشكالات:
حيث أن بعض الفقه أوجب على العون المكلف بالتبليغ الإشارة إلى عجز من تسلم الاستدعاء عن التوقيع أو رفضه، فيه نوع من القصور، فإذا كانت الإشارة إلى رفض المتسلم للاستدعاء بالشهادة المرفقة بالاستدعاء أمرا مقبولا لأن ذلك يعكس موقف الرفض لمن تسلمه، فإنه كان على المشرع أن يسمح في حالة العجز عن التوقيع، بالتوقيع بالبصمة و ألا تعاد الشهادة إلى كتابة الضبط، والسند في ذلك هو التخفيف من حدة طول الإجراءات التي عادة ما تعتري تطبيق قواعد المسطرة.[11]
ويبقى أن نتساءل عن طبيعة مصير التبليغ الذي لم يحترم البيانات الشكلية التي ينص عليها القانون، وأمام سكوت المشرع المغربي عن المسألة ، اضطلع القضاء في أعلى مستواه بمهمة سد النقص التشريعي، وقرر بطلان كل تبليغ لم يتضمن الشكليات المنصوص عليها.[12] ونخلص إلى أن التبليغ الذي لم يشار فيه إلى تاريخ الجلسة أو الذي لم يذكر فيه الاسم الشخصي والعائلي للأطراف يعد باطلا وعديم الأثر[13].

الفقرة الثانية: جهة ومكان تسلم الاستدعاء و إشكالاته:

جاء المشرع المغربي بالصياغة الجديدة[14] للفصل 38 ق.م.م ” يسلم الاستدعاء والوثائق إلى الشخص نفسه أو في موطنه أو في محل عمله أو في أي مكان آخر يوجد فيه، ويجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار.
يعتبر محل الإقامة موطنا بالنسبة لمن لا موطن له بالمغرب…”
يثير هذا الفصل عددا غير يسير من الإشكالات دون أن يتجاوز المشاكل التي تخلفها الفقرة المذكورة في السابق، حيث استعمل المشرع مصطلحات غير دقيقة كما هو الحال بالنسبة للجهة التي لها الصفة في التسليم.(أولا) ونصت كذلك المادة أعلاه على المكان الذي يجوز التبليغ فيه (ثانيا).

أولا: من لهم الصفة في تسلم الاستدعاء.

حدد الفصل أعلاه الأشخاص الذين يصح التبليغ لهم .

1-الشخص نفسه:

الأصل أن الشخص يستدعى في محل سكناه العادي كما نصت الفقرة الأولى من الفصل 38 ق.م.م، ومتى تم التبليغ إلى الشخص نفسه وفي موطنه فلا يجوز له التمسك بعدم التبليغ، لأن عون التبليغ غير مطالب بالتدقيق في من تسلم الاستدعاء ، ما دام أن الشخص قد خطب في موطنه وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض إذ ورد في أحد قراراتها أن:” الطاعن إذا بلغ بالحكم الابتدائي شخصيا ورفض التوقيع على الشهادة كما هو ثابت من ملاحظة عون التبليغ ، وأضاف بأن شهادة التسليم تشير أيضا إلى أن التبليغ تم للطاعن بنفس الموطن في عارضة النقض التي تقدم بها، وهذه الإضافة لا داعي لذكرها، إلا إذا كان هناك نزاع حول هوية المراد إعلانه…”[15]
ففي حالة توصل الشخص نفسه فإن الحكم الصادر سيكون بمثابة حضور.
لكن إذا بلغ الشخص في الجلسة، فهل يعتبر هذا التبليغ تبليغا صحيحا ؟
بخصوص هذا الإشكال ذهبت محكمة الاستئناف إلى أن التبليغ في الجلسة لا يكون صحيحا إلا إذا تسلم منطوق الحكم للشخص نفسه، إذ ورد في قرارها “لا يعتد بالتبليغ بالجلسة ولا يسري أجل الاستئناف إلا إذا تضمن الحكم الابتدائي الإشارة إلى وقوع التبليغ ،وعلى أن كاتب الضبط قد سلم منطوق الحكم للمعني به”.[16]

1-أ – في حالة غياب المدعي

نص المشرع على هذه الحالة في الفقرة الأولى من الفصل 47 ق.م.م التي جاء فيها : ” إذا استدعى المدعي أو نائبه بصفة قانونية ولم يحضر في الوقت المحدد أمكن للمحكمة إذا لم تتوفر على أي عنصر يسمح لها بالبت في الطلب أن تقرر التشطيب على القضية من جدول الجلسة .”
وفي هذه الحالة يسوغ للمحكمة أن تشطب على الدعوى التي تقدم بها المدعي لكن بشرط ألا تتوفر على أي عنصر يسمح لها بالبث في الطلب، ولا يعني التشطيب إلغاء الدعوى ورفع كل آثارها القانونية، وإنما يقصد به استبعاد الدعوى من جدول الجلسات وإيقاف البث فيها مع احتفاظها بكافة آثارها.

و الحقيقة أن التشطيب مرحلة تمهيدية لإلغاء الدعوى، إذ تحكم المحكمة بالإلغاء إذا لم يطالب المدعي الفصل في دعواه داخل أجل شهرين من قرار التشطيب على القضية من جدول الجلسة.[17]
وإذا كان تخلف المدعي يرتب الآثار السابق بيانها، فإن غياب الخصمين – المدعي والمدعى عليه- يؤدي بالأمر إلى نفس النتائج إذ لا يمكن الفصل في نزاع أهمله أطرافه ولم يعيروه أي اهتمام.
ومع ذلك ، فبإمكان المحكمة أن تبث في مطالب المدعي ولو تغيب متى كانت متوفرة على العناصر التي تراها كافية للفصل فيها، ويكون الحكم الصادر في هذه الحالة بمثابة حضوري، أي كما لو صدر بحضور المدعي أو نائبه”[18].

بخصوص التشطيب الذي تقوم به المحكمة إذا تخلف المدعي رغم استدعاؤه بصفة قانونية ، أثار عدة نقاشات خاصة فيما يتعلق بطبيعته. هل يتخذ التشطيب بحكم قضائي؟
أو بقرار إداري ؟ أو بقرار ذو طبيعة ولائية؟
هناك من الفقه [19] من اعتبر أن هذا التشطيب ما هو إلا قرار إداري يدخل في تسيير وتنظيم الجلسات داخل المحكمة.

1-ب- حالة غياب المدعى عليه

تنص الفقرة الرابعة من الفصل 47 ق.م.م، على أنه:” يحكم غيابيا إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله رغم استدعاؤه طبقا للقانون ما لم يكن قد توصل بالاستدعاء بنفسه وكان الحكم قابلا للاستئناف، ففي هذه الحالة يعتبر الحكم بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة.”

يتبين إذن ، أن الحكم على المدعى عليه غيابيا مشروط باستدعائه هو أو وكيله بصورة قانونية، فالاستدعاء القانوني هو الذي يتم وفقا للفصول 37و 38و 39 من ق.م.م، إذ لابد من توجيهه إما بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، أو بواسطة أحد المفوضين القضائيين، [20] أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، أو بالطريقة الإدارية [21] ، ويلزم إلى جانب ذلك أن يتسلم في موطنه أو إليه شخصيا[22]، ولكي يكون الاستدعاء صحيحا يتعين إرفاقه بشهادة يبن فيها من تسلم الاستدعاء و تاريخ التسلم ، وتوقيع من سلم له من الأشخاص الآخرين في موطن المعني بالأمر، وفي حالة عجز أو رفض من سلم له الاستدعاء عن التوقيع يشير العون إلى ذلك.
وتكمن أهميته وفائدة الحكم الغيابي في أنه يفتح باب التعرض أمام المحكوم عليه، أمام نفس المحكمة المصدرة للحكم داخل أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ.
غير أن المشرع أوقف ممارسة الطعن بالتعرض على شرطين أساسيين أولهما يكمن في عدم توصل المدعي بالأمر بنفسه الاستدعاء، والثاني ألا يكون الحكم قابلا للاستئناف.

فمتى انعدم الشرطان المذكوران كما لو توصل المحكوم عليه شخصيا بالاستدعاء و كان الحكم ابتدائيا، فإن الحكم لا يكون غيابيا وإنما بمثابة حضوري.
وبديهي أن الحكم الحضوري لا يمنح لصاحبه، الطعن بالتعرض ، وإنما له أن يطعن فيه بالاستئناف كطريق عادي من طرف الطعن.
على أن المشرع أعطى للمحكمة أن تؤجل القضية إلى جلسة أخرى- مقبلة بتعبير المشرع- إذا أشعرت ” برسالة من الأطراف أو في الجلسة من أحد أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه بأن الاستدعاء الموجه إلى موطنه لم يصله أو أنه تعذر عليه الحضور لغيبته أو بسبب مرض خطير أو لقيامه بخدمة عمومية.[23]

وإذا كان الفصل 47 يتناول حالة انفراد المدعى عليه ، فإن الفصل 48 ق م م نظم الحالة التي يتعدد فيها المدعى عليهم إذ جاء فيها أنه: ” إذا تعدد المدعى عليهم ولم يحضر أحدهم بنفسه أو بواسطة وكيله أخرت المحكمة القضية إلى جلسة مقبلة وأمرت من جديد باستدعاء الأطراف طبقا للقواعد المقررة في الفصول 37و38و39 ق م م للحضور في اليوم المحدد مع تنبيههم في نفس الوقت إلى أنه ستبت حينئذ في القضية بحكم واحد يعتبر بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة…”.
وكما هو جلي فإن المشرع لم يرتب على تخلف أحد المدعى عليهم إصدار حكم غيابي في مواجهته، بل منح الفرصة للمتخلفين للحضور تحت طائلة صدور حكم بمثابة حضوري في حقهم.

يضاف إلى ذلك أن المشرع كما سيظهر من خلال صياغة الفصل 48 ق م م أن الأمر يتعلق بالمسطرة الشفوية لا بالمسطرة الكتابية، إذ تطرق الفصل لعدم حضور أحد المدعى عليهم بنفسه، ولو كان الأمر يتعلق بالمسطرة الكتابية لتحدث النص على عدم تقديم المذكرات أو المستنتجات كما فعل بالنسبة للفصل 329 من قانون المسطرة المدنية الذي نص في فقرته الرابعة والخامسة على أنه: ” إذا تعدد المستأنف عليهم ولم يقدم بعضهم مستنتجاته في الآجال المحددة، نبهه المستشار المقر عند حلوله إلا انه لم يقم بتقديمها داخل اجل جديد، اعتبرت المسطرة حضورية بالنسبة لجميع الأطراف ويبلغ هذا التنبيه إلى الأطراف غير المختلفة.
يبث في القضية بعد انتهاء هذه الآجال بقرار بمثابة حضوري بالنسبة لجميع الأطراف “، فالفصل 48 إذن يتعلق بالمسطرة الشفوية فالفصل 329ق م م يتعلق بالمسطرة الكتابية.
لكن أليس من الواجب على المشرع أن يعيد النظر في الفصل 48 ق م م وذلك بإضافة فقرة أو عبارة على الأقل تشير إلى عدم تقديم المدعى عليه لمذكراته ومستنتجاته، لأن الفصل على حاله الآن لا يستجيب للمبدأ الجديد الذي تبناه المشرع منذ سنة 1993 غذ أصبحت القاعدة أن تطبق المسطرة الكتابية أمام المحاكم الابتدائية وفقا لمقتضيات الفصل 329ق م م المطبق أمام محاكم الاستئناف.

ويقترح الفقيه عبد الكريم الطالب صياغة جديدة للفصل 48 ق م م: إذا تعدد المدعى عليهم ولم يقدم أحدهم مذكرته للأحكام أو مستنتجاته أو لم يحضر بنفسه …(الباقي لا تغيير فيه).
ونخلص إلى أن الحكم الحضوري هو الذي تكون فيه المسطرة حضورية إذا حضر الأطراف إما شخصيا أو بواسطة وكلائهم أو بتقديم مذكراتهم، أما الحكم الغيابي فهو الذي يتخلف فيه المدعى عليه رغم استدعاه طبقا للقانون، في حين أن الحكم بمثابة حضوري هو الذي يصدر عن المحكمة عند تخلف المدعى رغم في النزاع والبث فيه. ويكون الحكم بمثابة حضوري إذا توصل المدعى عليه بالاستدعاء بنفسه وكان الحكم قابلا للاستئناف.

2- موطنه :

يقصد بالموطن كما سبقت الإشارة إليه ذلك الموطن الذي يستقر فيه الشخص وتربطه به علاقة ومصالح، من خلال الصيغة الجديدة التي أتى بها المشرع في الفصل 38 من ق.م.م تثير عدة إشكالات ولم تتجاوز الإشكالات التي كانت المطروحة قبل تعديل الفصل 38، فمصطلح الموطن غير دقيق يمكن تفسيره إلى عدة تفسيرات لأن الموطن قد يكون فيه الشخص نفسه أو أقاربه أو الخادم…
فبالنسبة لخدم لا يعتبر التبليغ إليه صحيحا إلا إذا تم بالموطن المبلغ إليه ويشترط في هذا التبليغ أن يتم بمناسبة ممارسته لنشاطه عند المبلغ إليه أما إذا فصل من العمل ولم تعد تربطه أية علاقة تبعية فإن التبليغ لا يعتد به ، وعلى عون التبليغ أن يشير إلى صفة الخادم في ورقة التبليغ[24]، كما أن وجود الخادم وبموطن المبلغ إليه لا يعني إلزامية عنصر المساكنة بل هنا نعتد بعلاقة التبعية.
أما بالنسبة للتبليغ الجاري للقاصر وأمام غياب اشتراط الأهلية الكاملة في المتسلم لتبليغ، فإن المجلس الأعلى اعتبر تسلم بنت الطاعن للتبليغ رغم قصورها تسلما صحيحا وبالتالي يعد التبليغ قانونيا ومنتجا لكافة آثاره.
ونعتقد انه إذا كان تسليم القاصر المميز صحيحا فإن العقل والمنطق يفرضان اعتبار التسليم الذي يتم للقاصر غير المميز غير صحيح ومجردا من كل آثاره القانونية.

ثانيا: مكان التبليغ

من خلال الفصل 38 يتبين لنا أن المشرع قد حدد مكان التبليغ وهو كالتالي:

محل عمله أو أي مكان يوجد فيه :
من خلال تعديل قانون المسطرة المدنية 2011 أضاف المشرع محل العمل كمكان للتبليغ إلى جانب أي مكان آخر يوجد فيه المعني بالأمر، والواقع أن الإضافة المذكورة فيها ضمانة لإيصال التبليغ ما دام أن الشخص يكون ملزما بالحضور إلى محل عمله، ومع ذلك فالأمر لا يخلو من بعض السلبيات فكما نعلم غالبا ما يتحاشى الأشخاص أن يكون زملاؤهم في العمل على علم بخصوصياتهم سيما الجانبين الأسري والزجري.

الموطن المختار:
يقصد بالموطن المختار أي التبليغ إلى مكتب المحامي وقد عرف تضاربا، على مستوى المجلس الأعلى إذ في قرار صادر عنه بتاريخ 25/ ماي/ 1983″ اعتبر تبليغ المحامي إلى مكتبه صحيحا لأنه الموطن المختار للموكل[25]. وفي قرار ثاني ذهب على ترجيح الموطن المختار الخاص بتنفيذ بعض الإجراءات كما هو الشأن بالنسبة لتبليغ الحكم التمهيدي حسب ما جاء في الفصل 524 ق.م.م ” يرجع الموطن المختار الخاص بتنفيذ بعض الإجراءات وإنجاز أعمال والتزامات ناشئة عنها على الموطن الحقيقي والوطن المختار” وفي قرار ثالث لم يرتب أي أثر على التبليغ الواقع للمحامي ، حيث عد التبليغ المذكور غير صحيح.[26]
و الحقيقة أن الموقف الأخير للمجلس هو الذي يبدو صائبا إذا ما رجعنا إلى مقتضيات الفصل 38 من ق.م.م غير أن هذا الصواب سرعان ما يصبح محل نظر سيما إذا اطلعنا على مقتضيات الفصل 134 من نفس القانون الذي يؤكد على أن اجل الاستئناف يبتدئ من تاريخ التبليغ إلى الشخص نفسه أو في موطنه الحقيقي أو المختار.

وأيا كان الأمر فينبغي أن نعتبر التبليغ إلى المحامي صحيحا وفقا للمادة 38 من ق.م.م الذي يقضي بأن التبليغ يتم إلى الشخص نفسه أو في موطنه و إن لم يحدد المشرع طبيعة الموطن الوارد في النص المذكور، وما يؤكد وجهة نظر الأستاذ عبد الكريم الطالب، أن المشرع فتح المجال أمام كل شخص يسكن مع المراد تبليغه ليسلم التبليغ بالأحرى أن يبلغ المحامي وهو الوكيل وممثل المعني بالأمر للدفاع عن مصالحه أمام القضاء.[27]

المطلب الثاني: طرق التبليغ و إشكالاته

فإذا كان المشرع المغربي قد اختار التبليغ بوسائل متنوعة فإن ذلك راجع على شاسعة أطراف البادية مما يتعذر معه إنجاز التبليغ بواسطة أعوان كتابة الضبط وقد يبين من التطبيق العملي للتبليغ أن هذه المهمة تستند عادة لعون كتابة الضبط الأدنى درجة في السلم الإداري وأغلبهم أميون ، كما تستند غالبا لأعوان السلطة المركزية الإدارية، غالبا ما يكون بمنأى عن أية مراقبة أو مسألة الشيء الذي انعكس أثره السلبي على سير المحاكم وكان ذلك من أهم الأسباب التي تطيل عمر القضايا بالمحاكم الأمر الذي ترتب عنه في كثير من الأحيان ضياع حقوق المتقاضي، وساهم بالتالي بشكل بارز في الانتقادات الموجهة إلى الجهاز القضائي لأجل ذلك اتجه تفكير المشرع المغربي إلى البحث عن وسائل جديدة وفعالة تنعدم فيها جل سلبيات طرق التبليغ التقليدية فاهتدى إلى إحداث مؤسسة حرة أسند إليها التبليغ بالإضافة إلى مهام أخرى وهي هيئة الأعوان القضائيين التي أنشئت القانون رقم 41/80 لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل هناك طرق أخرى[28] للتبليغ أم أنها محصورة في الطرق التقليدية؟ وما هي الإشكالات المترتبة عن التبليغ؟ وسنقتصر في دارسة هذا المطلب على التطرق إلى الطريقة القضائية وإشكالاتها (الفقرة الأولى) ثم الطريقة الإدارية و إشكالاتها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الطرق القضائية و إشكالاتها

نظم المشرع مقتضيات تبليغ الاستدعاء في الفصول 38.37 39 من ق.م.م كقواعد عامة للتبليغ حيث يحيل على هذه الفصول كلما تعلق الأمر بالتبليغ عامة، وعلى اعتبار أن التبليغ يتعلق بإيصال واقعة معينة إلى علم المرسل إليه، فإنه يخضع لإجراءات خاصة حتى لا يتدرع الأطراف بعدم العلم، أو نفي التوصل بالاستدعاء بل إن المشرع لا يأخذ بالعلم الفعلي للواقعة إذا انتفى العلم القانوني[29]، والذي حدد المشرع طرق مختلفة رغبة في إيجاد قنوات كثرة للتبليغ وسد الأبواب على الإدعاء بعدم العلم، إلا أن وجود هذه السبل لا يكفي، بل لا بد من العمل على دفع بالعاملين على بذل جهد أكثر وإعطاء أهمية بالغة لمهمة التبليغ، وإلا بقيت القضايا متراكمة وأثقل كاهل المحاكم بالأحكام الغيابية. من خلال هذه المتطلبات يمكن استخراج الطرق التي يم بها التبليغ وهذا ما سنعرض له على التوالي، التبليغ عن طريق أعوان كتابة الضبط (أولا)، ثم التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين (ثانيا) و أخيرا بواسطة القيم (ثالثا).

أولا – التبليغ عن طريق كتابة الضبط

يعتبر التبليغ بواسطة أعوان كتابة الضبط الوسيلة الأولى التي ركز عليها الفصل 37 المذكور، ويعد ذلك بديهيا إذا علمنا أن هؤلاء الأعوان تابعون لكتابة الضبط بالمحكمة المعروضة عليها القضية في الغالب فضلا عن أنهم ينتمون إلى قسم التبليغات وهذا ما يؤهلهم أكثر لمباشرة المهمة المحفوظة بالمشاكل والصعوبات ،وعون التبليغ يتحمل مسؤولية قانونية خطيرة حيث يقوم بإجراءات التبليغ وفق ما نصت عليه المسطرة المدنية خصوصا الفصل 39 المتعلق بإثبات تسليم التبليغ، لكن الملاحظة أن جل التبليغات أصبحت تتم عن طريق المفوضين القضائيين، نظرا للسرعة المطلوبة وكذا لقلة الموارد البشرية بالمحاكم ، إضافة إلى روتين الإدارة الذي يحول دون التعجيل التبليغات، إلا أنه لابد من الإشارة إلى أن كتابة الضبط لازالت هي مركز التبليغات في حالة ما إذا لم يحدد أحد الأطراف موطنه المختار، إدا كان يقيم خارج دائرة محكمة الاستئناف التي تنظر في القضية (ف.330 ق.م..م). والملاحظة أن هذه الطريقة تثير كثيرا من المشاكل أهمها البطء وعدم كفاءة الأعوان المكلفين بالتبليغ إذ لا يقومون في الغالب الأعم بملء شواهد التسليم بالطريقة القانونية اللازمة، الأمر الذي يجعل كثيرا من التبليغات تتعرض للبطلان كعدم الإشارة إلى تاريخ التبليغ وتوقيع العون على طي التبليغ قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الغرفة المدنية الثانية رقم 683/3 بتاريخ 10-9-1985 ملف مدني عدد 412/85 مجلة المحاكم المغربية عدد 46 نونبر ودجنبر 1986.
أضف إلى ذلك إشكال الرفض الذي يتم في كثر من الحالات، أي رفض التسليم وهذا سيخلق تعارضا بينا بين نصوص المسطرة وخاصة الفصلين 38و39 من م.م.

جاء في قرار الاستئنافية الرباط بتاريخ 8/2/93:” حيث أنه بالرجوع إلى صورة شهادة التسليم المتعلقة بتبليغ الحكم المستأنف للكاتبة و يتبين أن التبليغ تم للكاتبة التي رفضت التسليم والتوقيع كما رفضت الإدلاء باسمها، وبطاقتها الوطنية….”[30]
و بالرجوع إلى شهادة التسليم يتضح منها أن عون التبليغ أشار فيها إلى أن أخت المعني بالأمر رفضت التسليم والتوقيع كما رفضت الإدلاء باسمها وأن القرار المطعون فيه اعتبر هذا الرفض بمثابة تبليغ الصحيح طبقا مقتضيات الفصل 39 من ق.م.م طبق تطبيقا سليما ولم يخرق أي مقتضى.

لذلك يجب ترك كل قضية لتقدير القضاء حسب ملابسات كل قضية، وأن المشرع المغربي قد أحسن صنعا بجعل التبليغ للطرف المعني شخصيا فقط دون غيره، وذلك من تجاوز بعض الإشكالات المنبثقة وراء ذلك، دون أن ننسى توجيه بعض المحاكم التي تلزم المكلف بالتبليغ تدوين رقم البطاقة الوطنية، وذلك من أجل تعزيز ضمانات التبليغ والتعليل من الطعون فيه.

ثانيا – التبليغ عن طريق المفوضين القضائيين.

حل المفوضون القضائيون محل الأعوان القضائيون في القيام بمهمة التبليغ. وينظم مهنة المفوضين القضائيين القانون[31] رقم 81.03، ويحدد الفصل 15 من هذا القانون اختصاصاته من بينها عمليات التبليغ وتسليم استدعاءات التقاضي ضمن الشروط المقررة في ق.م.م كما يمكن لهم أن يلحقوا بمكاتبهم واحد أو أكثر من الكتاب المحلفين[32]. وتكون لهم نفس الصلاحيات لنيابة عنهم في الإجراءات المتعلق بالتبليغ بعد استيفاء الشروط وإجراءات الإلحاق بالمهنة طبقا للمادة 41 من القانون المشار إليه أعلاه [33] وبعد أن يكون المشرع قد وسع دائرة طرق التبليغ، هذا إضافة إلى المهام الأخرى المنوطة بالمفوض القضائي والتي لا تخلو من تبليغات عند تنفيذ الأحكام مثلا.
والواقع أنه منذ صدور القانون رقم 81.03 المنظم للمفوضين القضائيين فإن هذه المؤسسة خلقت دينامية جديدة في نجاعة التبليغات.

خصوصا وأنها مهنة حرة، رغم أن التجربة قد أفرزت بعض الانفلاتات[34]. مما جعل وزارة العدل تتحكم في وصايتها على هذه المرافق[35] ، هذا علما أن المرشحين لمهنة المفوض القضائي بعد أن تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون 81.30 وبعد النجاح في الامتحان يرخص لهم بقرار من وزير العدل.[36]
والمفوض القضائي يعمل تحت مراقبة رئيس المحكمة [37] ولابد من الإشارة إلى أن المفوضين القضائيين يقومون بمهامهم شخصيا، حيث لا يمكنهم أن يوكلوها لغيرهم باستثناء ما نص عليه الفصل 41 من القانون رقم 81.03 الذي يجيز لهم في حدود معينة إنابة الكتاب المحلفين كما سبق أن شرحنا ، كما لا يمكنهم القيام بالتبليغات إذا كانت محددة قانونا بطرق أخرى كالتبليغ بواسطة البريد مضمون مع الإشعار بالتوصل مثلا.
فالضبط مآل التبليغات فإن المفوض القضائي ملزم بإنجاز التبليغات والمحاضر في ثلاثة أصول تسلم الأولى للمعني بالأمر، وتودع الثانية بلمف المحكمة ويحتفظ بالأخيرة[38] كحجة إثباتية تفيد القيام بمهمته. حيث تضاف إلى الوثائق التي يحتفظ بها ليودعها بعد ذلك بكتابة الضبط بعد مرور خمس سنوات من انتهاء الإجراءات مقابل إيصال من يسلم من رئيس كتابة الضبط إلى إثبات التسليم[39]

ثالثا – التبليغ بواسطة القيم

التبليغ للقيم استثناء من القاعدة الأصل أن يكون التبليغ للمعنى بالأمر فالأساس هو العلم القانوني في هذه الحالة يعتبر مبلغا بغض النظر عن إرادته سواء رضي بذلك أم لا، وسواء اتجهت إرادته نحو الآثار الشرعية عن ذلك أم لا[40] فالقانون يعتبر ذلك التبليغ صحيحا، لأنه لا يمكن الاحتفاظ بالقضية ولا بردها إلى المحاكم دون وضع حد لها وإنهائها، ولا يمكننا الاستمرار في القضية إلا بعد استفاد كل طرق التبليغ لكون موطن ومحل إقامة المبلغ غير معروف[41]، او انتقل إلى مكان مجهول، وهذا لا يعني تعيين قيم بمجرد فشل التبليغ بل لا بد من القيام بجميع المساعي الرامية إلى الوصول إليه بأي عنوان يحتمل أن يوجد به [42] .

ولا يمكن الالتجاء لمسطرة القيم الا بعد استنفاد الإجراءات التي نص عليها الفصل 39 من ق.م.م أي سلوكها تدريجيا صيانة لحقوق الأطراف[43] وقد أكد المجلس الأعلى هذا الأمر في في احد قرارته حيث جاء فيه” إن مسطرة التبليغ مرتبطة ببعضها البعض لا تسلم ….وهو ما
يحتم على قضاة الموضوع التثبت والتأكد مما إذا كانت مسطرة القيم موضوع الفصل 39 من ق.م.م احترمت حتى إذا تأكدت من ذلك انتقلت لمناقشة الفصل 441 من نفس القانون[44].
وفي حالة ما إذا عرف موطن أو محل إقامة الطرف الذي لم يكون موطنه معروفا، يخبر القيم القاضي بذلك، ويخطر إضافة على ذلك المعني بحالة المسطرة والمراحل التي بلغتها، ذلك في سبيل رفع النيابة التي كان يقوم بها القيم لفائدة ذي الموطن المجهول ولتعيين القيم وقيامه بالتبليغ أهمية قصوى بالنسبة لسريان آجال الاستئناف أو النقض بالنسبة للأحكام والقرارات المبلغة إلى هذا الأخير، إذ لا تسري إلا بعد تعليقها في لوحة معدة لهذا الغرض بالمحكمة.

الفقرة الثانية: الطرق الادارية و إشكالاتها

تهدف الطرق الادارية كذلك إلى إخبار المعني بالأمر بشيء معين ،ويتولى القيام بهذا الإجراء في التشريع المغربي إما موظف تابع للسلطة الإدارية (أولا) أو موظف تابع لمصلحة البريد (ثانيا) أو لأعوان الدبلوماسيون والقنصليون (ثالثا) .

أولا- التبليغ عن طريق أعوان السلطة الإدارية:

لا شك ان للسلطات الإدارية دورا مهما في القيام بالتبليغ، ذلك أن التبليغ في القرى والبوادي والمناطق النائية يرتكز بالأساس على أعوان السلطة(المقدم، الشيخ)، بل إن لهؤلاء أهمية كبرى حتى في التبليغ في المجال الحضري ، كما تلعب دورا هاما في مساعدة القيم في حالة عدم معرفة الطرف المبلغ إليه، ومده بالمعلومات الضرورية.
رغم أن الدور الفعال الذي تلعبه هذه الفئة في التبليغ، فإن هذا الدور سرعان ما يترتب عنه العديد من الإشكالات ، خاصة شهادات التسليم التي لا تملأ بالطريقة والدقة اللتين يتطلبها القانون، إذ غالبا ما تكون التبليغات التي يقوم بها أعوان السلطة محل طعون وشكوك. وترجع هذه الإشكالات إلى عدة أسباب منها غلبة الأمية وعدم الإلمام بالقواعد القانونية المنظمة للتبليغات وعدم الإحاطة والتنبؤ بالنتائج السلبية التي تترتب على التبليغ الذي لم تحترم فيه الشكليات القانونية المطلوبة ومن هذه الأسباب كذلك عدم التنسيق بين السلطات القضائية والسلطات الإدارية فضلا عن اختلاف التقطيع القضائي حيث تكون بعد المناطق تابعة إداريا لمقاطعة أو قيادة معينة في الوقت الذي تكون فيه تابعة قضائيا لمحكمة لا تدخل في دائرتها ، فتبعت التبليغات في غالب الأحيان إلى مقاطعات أو قيادات لا يوجد فيها موطن أو محل إقامة المبلغ إليه.[45]

ثانيا- التبليغ عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل

يعد التبليغ عن طريق البريد المضمون الطريقة والوسيلة الثانية التي نص عليها المشرع على سلوكها في حالة عدم الاستدعاء بواسطة الأعوان المكلفين بالتبليغ، بل إنها تعد الوسيلة الأنجع في التبليغ إذا ما رجعنا إلى الفقرتين الثانية و الثالثة من الفصل 39 فقد جاء فيهما ما يلي:” إذا تعذر على عون كتابة الضبط أو السلطة الإدارية تسليم الاستدعاء لعدم العثور على الطرق أو على أي شخص في موطنه أو محل إقامته ألصق في الحين إشعارا بدلك في موضع ظاهر بمكان التبليغ أشار إلى ذلك في الشهادة التي ترجع إلى كتابة ضبط المحكمة المعينة بالأمر
توجه حينئذ كتابة الضبط الاستدعاء بالبريد المضمون مع الإشعار التوصل…”.
والدليل على نجاعة هذا النوع من التبليغ بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل أن المشرع اعتبر الاستدعاء الذي رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلمه، مسلما تسليما صحيحا ابتداء من اليوم العاشر الموالي للرفض، في حين ان الفصل 38 من ق.م.م يعتبر تسليم الاستدعاء صحيحا إذا تسلمه الشخص نفسه أوفي موطنه أوفي محل عمله أو إلى أي مكان احر يوجد فيه ، ويجوز أن يتم التسليم في الموطن المختار ، لكن الملاحظات أن الإجراءات القضائية التي تبلغ بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل، يكون تبليغها صحيحا إذا وقع التسليم بنفس الموطن إلى أقاربه أو أصدقائه أو خدمه أو البوابين أو حارس العمارة.[46]

إن التبليغ عن طريق البريد يتم برسالة مضمون مع الإشعار بالتوصل كما نص على ذلك الفصل 37 من ق.م.م واعتبر المشرع الاستدعاء الذي رفض الطرف أو الشخص الذي له الصفة في تسلمه مسلما تسليما صحيحا ابتداء من اليوم العاشر الموالي للرفض ومع ذلك لا مناص من تسجيل ملاحظة مفادها أن إشكالات هذا النوع من التبليغ لا تقل عما سبق ذكره في كثير من الأحيان يتم إرجاع الطي بملاحظة “غير مطلوب” أو بملاحظة تعني الرفض ،هذا إلى جانب أنه يمكن العديد من الأشخاص المعنيين بالتبليغ من التملص والتحلل من آثاره بدعوى أن الظرف الذي تم التوصل به كان فارغا.
وترجع الصعوبة في عبارة أو ملاحظة غير مطلوب ، فهل يقصد بها رفض التسلم ؟ أم مجرد ملاحظة لا تفيد الرفض المذكور؟ وغني عن البيان أن اعتبارها رفضا للتسلم سيؤدي إلى نتائج قد تضر بمصالح المبلغ إليه إذ سيكون التبليغ صحيحا في حقه بعد مرور عشرة أيام من رفض التسلم وقد سارت محكمة النقض ممثلة في الغرفة المدنية إلى اعتبار عبارة غير مطلوب بمثابة رفض حيث جاء في أحد قرارات بتاريخ 7/12/ 1965:” عندما يستخلص من تصرفات المرسل إليه عدم رغبته في قبول أو سحب الرسالة المضمونة المودعة لفائدته بمصلحة البريد…….. ، ويمنع بالتالي سريان لآجال قانوني ضده…”[47]
وفي نظر الأستاذ عبد الكريم الطالب في محاضرة ألقاها على طلبة الفصل السادس 2013-2014 أنه لا يمكن تكييف العبارات المذكورة بمثابة رفض بالنظر إلى خطورة نتائج ذلك على حقوق المتقاضين.[48]
وفي اعتقادي المتواضع إذا كنت أتفق مع قاله الأستاذ الدكتور عبد الكريم الطالب فإنما ذلك من أجل الخوف على المساس بحقوق الأفراد اعتمادا على الافتراض، لذلك إذا تم تبني هذا الاتجاه فإنه يشجع سيئي النية على اتخاذ موقف سلبي اتجاه كل إجراء وهذا ما دفع الأستاذ عبد الكريم الطالب إلى طرح هذه الإشكالية ولتجنب هذا الإشكال فإن يرجع لسلطة لتقديرية لقضاء الموضوع دون رقابة محكمة النقض إلا في ما يخص التعليل.

ثالثا- الطريقة الدبلوماسية :

يعد التبليغ بالطريقة الدبلوماسية من الطرق العامة التي تساعد على إيصال الاستدعاءات إلى المعنيين بالأمر المقيمين خارج تراب المملكة، ويساهم هذا النوع من التبليغ في تمكين المغاربة المقيمين بالخارج بوجه خاص من الإحاطة بالإجراءات والدعاوى والأحكام التي تهمهم والتي تباشر داخل وطنهم.
وتعد السلطات الدبلوماسية (وزارة الخارجية والسفارات والقنصليات ) الجهات الرئيسية في القيام بهذا النوع من التبليغات، والملاحظ أن المغرب وافق على اتفاقية لاهاي، والتي وافقت عليها جل الدول الغربية التي توجد فيها الجالية المغربية بكثرة وذلك من أجل تبليغ المغاربة المقيمين بالخارج بسهولة وأسرع وقت ممكن. وحسب الفصل السادس من هذه المعاهدة المذكورة التي تتم في شكل تنسيق بين وزارة العدل و الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية ليتم على إثرها تبليغ المغاربة القاطنين بالخراج بواسطة الأعوان الدبلوماسيين أو القنصليين متى رضي المراد إعلانه بإنجاز التبليغ إليه بهذه الكيفية، مع توقيع المبلغ إليه على شهادة التسليم ، وبذلك يتم القضاء على أهم المشاكل التي يعرفها استدعاء الأطراف بالخارج[49].

الأمر في هذه الطريقة يتعلق بضرورة احترام التراتبية الإدارية في توجيه التبليغات، لأن الإجراءات تزداد تعقيدا كلما اتجهنا نحو المحاكم الأدنى درجة كمركز القاضي المقيم الذي سيضطر لبعث التبليغ للمحكمة الابتدائية، ومن هاته الأخيرة لمحكمة الاستئناف ثم وزارة العدل، ثم الوزارة الخارجية.
لهذه الاعتبارات عندما قامت بعض المحاكم بخرق الفصل 37 المذكور والعمل على توجيه الاستدعاء أو تبليغ المذكرات وغيرها مباشرة إلى السفارات والبعثات الدبلوماسية المعتمدة بالمغرب أصدرت وزارة العدل منشور جاء فيه… واعتبارا للحصانة التي يتمتع بها هؤلاء الدبلوماسيين، وتلافيا لما قد ينجم عن هذا الاستدعاء أو التبليغ المباشر من مشاكل وصعوبات ، نطلب منكم عدم توجيه أي استدعاء سواء استقبالا أو تبليغ أية وثيقة قضائية أو غيرها سواء كانت تتعلق بقضايا مدنية أو جنائية إلا لأعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدة ببلادنا أو بواسطة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون التي تتولى وحدها الاتصال بهؤلاء الأشخاص في هذا الشأن بالطرق الدبلوماسية ،وفقا للإجراءات المسطرية العامة المنظمة للتبليغ للخارج .
تمتاز هذه الطريقة بعدم الدقة في حماية حقوق الأفراد بالإضافة إلى ما تعرفه من بيروقراطية وطول مدة تعصف بالآجال المحددة ،وقد تشكل مراعاتها سببا لطول المنازعات والزيادة في العدد وفقدان كل مصداقية في القضاء[50].

خاتمة:

اهتمت جل التشريعات إن لم نقل كلها بتنظيم التبليغ من أجل الحق في الدفاع وبذلك حددت إجراءاته وطرقه والجهات المؤهلة للقيام به، إلا أن التبليغ تواجهه عدة مشاكل من بينها البطء في تصفية القضايا أمام المحاكم ، وتعتبر هذه الظاهرة، سلبية تؤدي بالفرد إلى عدم ثقته بالقضاء.
من كل ما تقدم يتضح أن المشرع المغربي اعتمد في التبليغ على العلم الظني والعلم الحكمي أكثر مما اعتمد العلم اليقيني، مع ملاحظة أن العلم الظني والحكمي لا يتحقق بهما إيصال الإجراء للمعني بالأمر . أو قد يصله بعد فوات الأوان، لذا حبذا لو حدا المشرع المغربي حذو التشريعات الحديثة ويأخذ في مجال التبليغ بمبدأ العلم اليقيني الذي يحقق العدالة ولا يأخذ في مجال التبليغ بمبدأ العلم اليقيني والعلم الحكمي إلا عند الضرورة وعلى سبيل الاستثناء.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الأفيد لأخذ كذلك بمبدأ التبليغ بمكاتب المحامين لاسيما وأن جل الأنظمة الداخلية لهيئات المحامين بالمغرب تنص عليه ، ومن شأن الأخذ بهده الطريقة في تبليغ المذكرات والوثائق أثناء سير الدعوى يعد تبليغا يوفر الوقت والجهد يحقق العلم اليقيني، وأصل هذا النوع من التبليغ مبني على الثقة بين الزملاء في المهنة وفي حالة التبليغ عن طريق المفوض القضائي.
إذن إلى أي حد استطاع المشرع المغربي أن يطور مؤسسة التبليغ لتقوم بمهامها على أحسن وجه ويكون حق الدفاع من أولويات سياسة الدولة ؟ و نطمح إعادة النظر في مؤسسة التبليغ من خلال إصلاح منظومة العادلة؟.

 

(محاماه نت)

إغلاق