دراسات قانونية
الإشكاليات التي تعيق النيابة العامة في تطبيق مدونة السير على الطرق (بحث قانوني)
الصعوبات التي تعترض النيابة العامة في تطبيق مدونة السير على الطرق
هذه المساهمة عبارة عن عرض ألقي بالمائدة المستديرة التي نظمتها محكمة الاستئناف بالحييمة يوم الخميس 21 فبراير 2013
بمناسبة اليوم الوطني للسلامة الطرقية المخلد يوم: 18/02/2013
تحت عنوان: ” مدونة السير على الطرق: الإشكاليات القضائية المطروحة والتعديلات المقترحة “
من إعداد الأستاذ سعيد المفقي
نائب وكيل الملك بالمحكمة الإبتدائية بالحسيمة
تقديـــم:
لقد أضحت معضلة حوادث السير في الظروف الراهنة تشكل موضوعا من المواضيع الاجتماعية التي باتت تأرق راحة كل شرائح المجتمع بسبب ما تحصده من أرواح بريئة وما تخلفه من مآسي اجتماعي ( أيتام، أرامل، معوقين، متشردين… ) وما تكبده من خسائر مهمة تكلف الاقتصاد الوطني.
فاستعمال السيارة والاعتماد عليها أصبح من ضروريات الحياة اليومية للإنسان، لكونها أصبحت الوسيلة الحديثة التي يعتمد عليها في التنقل وقضاء المآرب وتوفير الجهد والوقت، غير أنه ورغم ما تقدمه السيارة من فوائد كثيرة ومهمة لمستعميلها فإن سوء استخدامها من طرف بعض السائقين يجعلها مصدر خطر على حياة الإنسان، ويندرج في هذا الباب قوله تعالى في سورة الحديد الآية 25 ” وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد، ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز”.
ففي الوقت الذي أصبحت فيه الطرقات بالمغرب تشكل مسرحا للعديد من الحوادث المأساوية[[1]]url:#_ftn1 التي تتزايد يوما بعد يوم[[2]]url:#_ftn2 ، كان لابد من بلورة مخطط متكامل للتخفيف من مخاطر حوادث السير ببلادنا، وفي هذه الظروف ظهرت مدونة السير على الطرق، هذه الأخيرة التي جاءت في سياق الإصلاحات التشريعية التي شهدتها بلادنا، كإطار قانوني الهدف منه الوقاية[[3]]url:#_ftn3 من جهة والزجر من جهة ثانية لفرض احترام قانون السير على جميع مستعملي الطرق العمومية وإعادة تأهيل السائقين المخالفين بعد ارتكابهم بعض المخالفات لقانون السير[[4]]url:#_ftn4 ، وذلك من خلال ما يتضمنه من إجراءات مسطرية وموضوعية وأخرى تقنية وعلمية أكثر حداثة وتقدما في مجال إثبات الجرائم.
ولتحقيق الأهداف المذكورة فإن المشرع قد أناط بكل الجهات المعنية بتطبيق أحكام المدونة اختصاصات دقيقة ورصد لها آليات محددة لضبط مخالفات السير، وجعل النيابة العامة كجهاز قضائي من بين هذه الجهات يلعب دورا محوريا في التطبيق المذكور.
ونظرا لما تضطلع به النيابة العامة من أدوار جد مهمة داخل الجهاز القضائي، والتي تستمدها عادة من الصلاحيات الواسعة التي خولها لها المشرع بموجب قانون المسطرة الجنائية، فإن مشرع مدونة السير الجديدة قد خولها صلاحيات ومهام أخرى قد تكون فيها أكثر فاعلية في المساهمة في تحقيق السلامة الطرقية ببلادنا.
غير أن مدونة السير ورغم ما تتضمنه من إجراءات ومساطر مفصلة، ورغم وجود مجموعة من النصوص التنظيمية التي تروم تطبيق السليم للأحكام الموضوعية التي جاءت بها، فإن النيابات العامة و مع قد واجهت صعوبات في تطبيقها. فأين تتجسد هذه الصعوبات؟ وما هي طبيعتها؟ وما هي الحلول الكفيلة بتجاوزها؟
أسئلة سوف نحاول الإجابة عليها من خلال دراستنا للموضوع وفق التقسيم التالي:
أولا: الإشكاليات القانونية التي تعترض النيابة العامة في تطبيق أحكام المدونة
ثانيا: الإشكاليات الواقعية التي تعترض النيابة العامة في تطبيق أحكام المدونة
أولا: الإشكاليات القانونية التي تعترض النيابة العامة في تطبيق مدونة السير
إذا كان المقرر قانونا بمقتضى قانون المسطرة الجنائية، أن النيابة العامة هي من تتولى إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها(المادة 36 من ق م ج)، فإنه في قضايا السير لا يخرج اختصاصها عن هذا الإطار، مع وجود بعض الخصوصيات المسطرية التي جاء بها مشرع مدونة السير الجديدة، غير أن تطبيق أحكام هذه الأخيرة من قبل النيابة العامة تعترضه مجموعة من الصعوبات القانونية. فأين تتجسد هذه الصعوبات؟
أ)إشكاليات المادة 316 من مدونة السير
من الصعوبات التي واجهت النيابة العامة بصدد تطبيقها لأحكام المدونة، الصياغة الغير واضحة للمادة 316 التي دفعت ببعض النيابات العامة إلى القول بأن مقتضيات ظهير 19 يناير 1953 لازالت سارية فيما لا يتعارض ولا يعد تكرارا لأحكام المدونة، فيما البعض الآخر اعتبر بأن المادة 316 من المدونة قد ألغت الظهير المذكور بشكل كلي ولم يعد هناك مجال لتطبيقه. غير أن الجدل لم يدم طويلا بعد أن أتيحت الفرصة للمجلس الأعلى الذي حسم الأمر، بموجب قرار[[5]]url:#_ftn5 له بتاريخ 17 غشت 2011 تحت عدد 573/2 في الملف الجنحي رقم 6965/11 حينما بت في طعن بالنقض تقدمت به النيابة العامة بمسور، و الذي جاء فيه ” لئن كانت المادة 14 من مدونة السير لم ترتب أي جزاء على مخالفة أحكامها، فإن المادة 316 من نفس المدونة لما نسخت أحكام ظهير 19 يناير 1953 إنما خصت بذلك النسخ، الأحكام المخالفة من ذلك الظهير لمقتضيات تلك المدونة أو التي قد تكون تكرارا لهذه الأخيرة، وعليه لما كانت مقتضيات الفصل 16 من الظهير الآنف الذكر هي الواجبة التطبيق كلما تعلق الأمر بمخالفات لأحكام ذلك الظهير أو النصوص المتخذة لتطبيقه وغير المعاقب عليها بمقتضى الظهير المذكور وكانت مقتضيات الفصل 16 أعلاه لا تعد مخالفة لما نصت عليه مدونة السير ولا تكرارا لما ورد فيها – ولما كان الأمر كذلك- فإن مخالفة انعدام الفحص الطبي تقع تحت طائلة الفصل 16 من الظهير المشار إليه أعلاه…”
فقد كان على مشرع مدونة السير، أن ينص صراحة على إلغاء جميع النصوص القانونية التي كانت مطبقة قضايا السير على الطرق، لا سيما وأنه أطلق على هذا القانون الجديد إسم “مدونة السير على الطرق” وهي كلمة (أي المدونة) تعني ذلك القانون الجامع الشامل لجميع الأحكام المتعلقة بالسير على الطرق العمومية.
ب)الإشكالية المرتبطة بتطبيق أحكام المادة 174 من مدونة السير
تنص المادة 174 المذكورة أنه ” يجب على الإدارة، في حالة عدم توصلها بنسخة من الحكم بتوقيف رخصة السياقة، أن ترجع رخصة السياقة إلى صاحبها، عند انصرام المدة القصوى المنصوص عليها في المواد 168 و 170 و 173 أعلاه ”
فالقراءة السطحية والمجردة للمادة 174 المذكورة في معزل عن باقي المواد ذات الصلة يجعلنا نستشف ضمنيا بأن رخص السياقة التي يتم الاحتفاظ بها في الحالات الثلاث المشار إليهم في المادة نفسها تتم إحالتها على الإدارة(المصلحة الحكومية المكلفة بالنقل)
فالتساؤل المطروح، هو ما هي الجهة التي خولها المشرع الصلاحية في إحالة رخص السياقة على الإدارة (المصلحة الحكومية المكلفة بالنقل)، هل هي النيابة العامة وحدها أم حتى قاضي التحقيق عندما يتعلق الأمر بحادثة مميتة حيث التحقيق فيها إلزاميا تطبيقا للمادة 137 من مدونة السير؟ وهل الإحالة المذكورة يجب أن تتم كلما تعلق الأمر بحالة من الحالات الثلاث المشار إليها في المادة 174 المذكورة؟
فالملاحظ أنه لا يوجد أي نص يلزم النيابة العامة أو قاضي التحقيق بإحالة رخص السياقة على الإدارة، باستثناء المادة 217 من المدونة و التي ألزمت النيابة العامة فقط بتبليغ الإدارة كل المعلومات المتعلقة بكل احتفاظ برخصة السياقة.
ولتجاوز هذا الإشكال يتعين التنصيص صراحة على الحالات التي يتوجب فيها على النيابة العامة إحالة رخصة السياقة على الإدارة المكلفة بالنقل، مع التنصيص على الحالات التي يمكن للنيابة العامة أن تعمل فيها سلطتها في الملاءمة بشأن الاحتفاظ برخصة السياقة من عدمه، كأن تقرر مثلا الاحتفاظ بها متى كانت المخالفة للأحكام المدونة خطيرة كمحاولة التملص من المسؤولية الجنائية بالفرار أو تغيير حالة مكان الحادثة، و السياقة تحت تأثير الكحول أو مواد مخدرة، و كذا في الحالات الثلاث المشار إليها في المادة 174 المذكورة، والمتمثلة في الجرح غير العمدي والعاهة المستديمة والقتل غير العمدي متى كان ذلك بسبب التهور و عد احترام ضوابط السير، وترجعها إلى صاحبها في باقي الحالات التي تكون فيها المخالفة المرتكبة غير خطيرة، وترى فيها بأن الاحتفاظ برخصة السياقة لا يتلاءم وظروف النازلة أو أن الاحتفاظ بها سيؤدي إلى خلق مأساة اجتماعية كحالة السائقين المهنيين الذين يتوقف دخلهم المعيشي على رخص سياقتهم.
ويجد هذا الإقتراح أرضية له في بعض بنود مدونة السير، ذلك أن قراءة المادة 174 في سياق المادة 152 و229 من نفس المدونة، يستشف منها بأن النيابة العامة لا تحتفظ برخصة السياقة في جميع الحالات التي تنص فيها المدونة على سحب أو توقيف أو إلغاء رخصة السياقة، بحيث جاء في المادة 152 المذكورة ما يلي: ” يعاقب بغرامة من ألفي(2000) درهم إلى ثمانية آلاف(8000) درهم، كل شخص صدر في حقه مقرر قضائي حائز لقوة الشئ المقضي به أو قرار إداري بتوقيف رخصة السياقة أو بسحبها أو بإلغائها:
لم يودع رخصة السياقة الخاصة به لدى الإدارة، داخل الآجال المحددة له…”
ثم جاء في المادة 229 من نفس المدونة ما يلي: “استثناءا من أحكام المادة 228 أعلاه، إذا كان حامل رخصة السياقة يمكن من تسجيل المعلومات في شكل الكتروني، فإن المعلومات المتعلقة بالاحتفاظ برخصة السياقة والإذن بالسياقة وتوقيف رخصة السياقة المشار إليها فـــــي المادة المذكورة، يتم تسجيلها على هذا الحامل، ويصبح الاحتفاظ برخصة السياقة عندئذ غير ذي موضوع”.
ج) الإشكالية المرتبطة بتطبيق أحكام المادة 207 من المدونة المتعلقة باستعمال الرائز
تتوقف معاينة وضبط بعض المخالفات لأحكام هدا القانون على استعمال أحد أجهزة القياس التي تحددها الإدارة، كجنحة السياقة في حالة سكر أو تحت تأثير الكحول (المادة 183 من مدونة السير)، التي ينص القانون على استعمال أداة القياس (الرائز) في إثباتها كما هو منصوص عليه في المواد 207 من مدونة السير.
فالإشكال يطرح حينما يكون السائق في حالة سكر ولا تظهر عليه أية علامة للسكر البين، ولا يشار في المحضر إلى إخضاع السائق لرائز للنفس للكشف عن مستوى تشبع الهواء المنبعث من فمه بالكحول، حيث لا يمكن للنيابة العامة في هذه الحالة متابعة الشخص بالسياقة تحت تأثير الكحول ولا حتى بالسياقة في حالة سكر.
هذا، في الوقت الذي أسفرت فيه الممارسة العملية عن قلة الحالات التي يتم فيها اللجوء إلى استعمال الرائز في معاينة حالة السكر من قبل ضباط الشرطة القضائية و الأعوان محرري المحاضر في مخالفات السير[[6]]url:#_ftn6 .
كما أن تساؤلا يطرح أيضا في هدا الباب، ويتمحور حول الضحية التي يجب إخضاعها لرائز للنفس والتي تقصدها المادة 207 من المدونة، فهل هي الضحية السائق أم الضحية الراجل؟
فتحديد أي من الضحيتين التي يتعين إخضاعها لرائز للنفس، له أهميته من الناحية العملية في توزيع المسؤولية في ارتكاب الحادثة بين كل من السائق والضحية. فالضحية السائق الذي يتولى قيادة السيارة في حالة سكر ليس كالضحية الراجل الذي يعبر الطريق مشيا على الأقدام وهو في حالة سكر من حيث قسط المسؤولية التي يمكن أن يتحملها أي منهما في ارتكاب حاثة سير، فالسائق الذي يقود سيارته في حالة ثمالة يكون فاقدا التحكم في تصرفاته وبذلك لا يستطيع التحكم في السيارة التي يقودها، لذلك قد تكون مسؤوليته مسؤولية كاملة في ارتكاب الحادثة تجاه الضحية الراجل والراكب، حتى ولو قبل هذا الأخير الركوب معه على مثن سيارته وهو يعلم بأنه في حالة سكر[[7]]url:#_ftn7 . أما بالنسبة للراجل الذي يعبر الطريق وهو في حالة ثمالة فالحكم يختلف، حيث أن تواجده في حالة سكر لا يعفي السائق الذي صدمه بسيارته من المسؤولية مادام أن بإمكانه تفادي الاصطدام به بقيامه بالمناورات اللازمة لتفادي الاصطدام به.
وارتباطا بالمادة 207 المذكورة، فإن التطبيق العملي للمادة 213 من نفس المدونة التي تحيل على هذه الأخيرة – بخصوص الأشخاص التي يأمر ضباط أو أعوان الشرطة القضائية بإخضاعهم لاختبارات الكشف لاثبات ما إذا كانوا قد استعملوا مواد مخدرة أو استعملوا أدوية تحظر السياقة بعد تناولها- يطرح هو الآخر التساؤل حول مدى ترتيب الجزاء من عدمه في الحالة التي يكون فيها السائق قد تناول أدوية تحظر السياقة بعد تناولها، وقاد سيارته دون علمه بدلك؟
ولتجاوز هذه الصعوبات، يتعين تعديل المادة 207 من مدونة السير بجعلها كالآتي: ” على ضباط الشرطة القضائية إما بتعليمات من وكيل الملك وإما بمبادرة منهم، وعلى الأعوان محرري المحاضر بأمر من ضباط الشرطة القضائية التابعين لهم و تحت مسؤوليتهم، أن يفرضوا رائزا للنفس بواسطة النفخ في جهاز للكشف عن مستوى تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول:
على كل من يفترض أنه ارتكب حادثة سير أو اشترك في حدوثها، حتى و لو كان هو الضحية السائق؛
على كل من يسوق مركبة أو مطية على الطريق العمومية و يظهر من خلال ملابسات الحادثة على أنه يتولى القيادة تحت تأثير الكحول”.
ثانيا: الإشكاليات الواقعية التي تعترض النيابة العامة في تطبيق أحكام المدونة
لقد كشفت الممارسة العملية عن وجود مجموعة من الصعوبات الواقعية التي تعرض النيابة العامة في تطبيق مقتضيات مدونة السير. فأين تتجسد هده الصعوبات أو الإشكاليات؟
أ)الإشكالية المرتبطة بالمعاينة الآلية لمخالفات تجاوز السرعة
أمام وجود وسائل تقنية يتعين على الضباط والأعوان استعمالها لضبط مخالفات تجاوز السرعة القانونية، كما هو منصوص عليه في المواد 191 و 194 و 197 من المدونة والمادة 12 من المرسوم رقم 2/10/419 الصادر بتاريخ 29/09/2010 المتعلق بتطبيق مدونة السير، فإن النيابة العامة لا يمكنها أن تتابع من أجل مخالفات تجاوز السرعة القانونية طبقا للمادتين 184 و 185 من مدونة السير، ولا من أجل جنحة تجاوز السرعة بأكثر من 50 كلم/ساعة طبقا للمادة 175 من المدونة، إلا إذا تمت الإشارة في المحضر على أن المخالفة قد تم ضبطها باستعمال أجهزة تقنية تعمل بطريقة آلية.
كما لا يمكن للنيابة العامة أن تتابع من أجل مخالفة عدم احترام السرعة المفروضة طبقا للمادة 186 و 87 من مدونة السير، ولو كانت الظروف والملابسات يستفاد منها أن السائق كان يسير بسرعة تتجاوز السرعة المفروضة، إلا إذا تمت الإشارة في المحضر إلى السرعة المفروضة بالمكان الذي ضبطت به المخالفة.
ولتجاوز هذا الإشكال يتعين تخويل النيابة العامة السلطة التقديرية في المتابعة بتجاوز السرعة أو عدم احترام السرعة المفروضة، في الأحوال التي لا تكون فيها أجهزة المراقبة الالكترونية (الرادارات) أو علامات تحديد السرعة موجودة بمكان وقوع الحادثة – خصوصا و أن أجهزة المراقبة الالكترونية ” الرادارات الثابتة و المتحركة ” غير معممة على جميع الطرقات العمومية- وتظهر من خلال ظروف وملابسات الحادثة ( المحددة بمحضر الضابطة القضائية ) أن السائق المخالف كان يسير بسرعة غير ملائمة ومكان الحادثة، أو أنه تجاوز السرعة القصوى المسموح بها بمكان الحادثة.
ب) الإشكالية المرتبطة بإزاحة المركبات المودعة في المحجز بسبب انعدام الفحص التقني
تنص المادة 116 المذكورة على أنه: “يجب إزاحة المركبة المودعة في المحجز، لعدم توفرها على وثيقة المراقبة التقنية أو لعدم صلاحية هذه الأخيرة، و نقلها إلى أقرب مركز للمراقبة التقنية، بواسطة مركبة مرخص لها، لإخضاعها إلى المراقبة التقنية ”
فالإشكال العملي والواقعي الذي يواجه النيابة العامة في تطبيقها للمادة المذكورة، هو عندما تكون المركبة موضع الإيداع في المحجز مركبة يتجاوز وزنها 3500 كلغ كالشاحنات مثلا والتي يقتضي إخضاعها للمراقبة التقنية نقلها إلى المركز المختص للمراقبة التقنية الذي يتواجد بالدار البيضاء، و خاصة عندما يتعلق الأمر بمركبة لا تتوفر على شهادة التسجيل، حيث تتوقف مطابقتها لأحكام مدونة السير على إخضاعها للمراقبة التقنية[[8]]url:#_ftn8 .
فلحل هذا الإشكال، يتعين التنصيص صراحة على وجوب التزام سائق المركبة أو مالكها أو المسؤول المدني عنها، لدى الضابطة القضائية – قبل نقلها بواسطة مركبة مرخص لها- بإخضاعها إلى المراقبة التقنية داخل أجل معقول، و إدلاءه بما يفيد تنفيذ التزامه المذكور خلال هذا الأجل، وذلك تحت طائلة الجزاء[[9]]url:#_ftn9 ، مع التنصيص صراحة على ضرورة احتفاظ الضابط المختص أو العون محرر المحضر برخصة سياقة المعني بالأمر مقابل إذن بقيادة المركبة المعنية إلى حين تسوية وضعيتها و جعلها مطابقة لأحكام هذا القانون.
د) إشكالية المادة 137 من المدونة المتعلقة بالبحث التقني و الإداري في الحوادث المميتة
تنص المادة 137 من مدونة السير على أنه ” يجب أن تكون حوادث السير المميتة تلقائيا موضوع بحث تقني و إداري.
……………………….
يوجه تقرير البحث التقني والإداري الذي تعده اللجان المذكورة، داخل أجل عشرة أيام من تاريخ وقوع الحادثة إلى السلطات الإدارية المعنية و إلى النيابة العامة و إلى المحكمة المختصة لأخذه بعين الاعتبار في تحديد مسؤولية الأطراف؛
…………………….. “
فالإشكال الذي يطرح من الناحية القانونية، هو عندما يكون هناك تناقض بين محضر الضابطة القضائية وبين التقرير المذكور فهل يمكن الاستئناس بهذا الأخير في تحديد المسؤول عن الحادثة المميتة[[10]]url:#_ftn10 ، أم استبعاده والاعتداد فقط بما تضمنه المحضر من ظروف وملابسات في تحديد المسؤول عن الحادثة المذكورة؟
أما الإشكال الواقعي فيتمثل في عدم إنجاز البحث التقني والإداري من قبل اللجان التقنية والإدارية في جميع الحوادث المميتة، بسبب غياب آليات للتواصل بين هذه الأخيرة وبين الضابطة القضائية و التي تحول دون علم اللجان المذكورة بوقوع الحادثة في إبانها وبالتالي عدم القيام بالبحث التقني والإداري المنصوص عليه في المادة 137 المذكورة.
ولتجاوز هذه الإشكاليات، يتعين التنصيص صراحة عل حجية هذه التقارير، وإصدار نصوص تنظيمية من شأنها أن تنظم طريقة التعاون والتواصل بين الضابطة القضائية وبين اللجان المكلفة بالبحث التقني و الإداري في الحوادث المميتة حتى تتمكن اللجان المذكورة من الحضور إلى مكان وقوع الحادثة المميتة في الوقت المناسب، وتتمكن بالتالي من إجراء البحث التقني والإداري على الوجه الأكمل.
خاتمــــــة:
إنه بالرغم من كل الصعوبات التي تعترض القضاء بوجه عام والنيابة العامة بوجه خاص في تطبيق أحكام المدونة، فإن هذه الأخيرة تبقى مع ذلك إنجازا تشريعيا مهما، وأرضية خصبة للاجتهاد القضائي و الفقهي.
فمن حسنات المدونة الجديدة للسير على الطرق أنها اهتمت بالجانب التربوي على السلامة الطرقية، وإعادة تأهيل السائقين المخالفين لأحكامها (المواد 168 و 170 و 173)، وذلك حينما نصت على إلزامية خضوع مرتكبي حوادث السير الناتج عنها جروح أو عاهات مستديمة أو قتل غير عمدي لتكوين في التربية على السلامة الطرقية، كما اهتمت بالجانب البيئي للطرقات العمومية حينما نصت على ضرورة مراعاة البيئة ( المواد 45 و 67 و 86 ….)
هذا، فضلا عن بعدها الوقائي الذي يستشف من بعض المقتضيات وخاصة منها المادة 14 التي تتعلق بإلزامية الخضوع للفحص الطبي، والمادة 49 المتعلقة بمصادقة الإدارة على المركبات …إلخ.
لكن، وحتى يكتب لهذا المولود التشريعي الجديد النجاح وحتى يتحقق به السلم والآمان على الطرقات العمومية ببلادنا، لابد من التفكير في إيجاد حلول لجميع الصعوبات التي تعترض القضاء بوجه عام (والنيابة العامة بوجه خاص) في تطبيق أحكامه، وجعل منه مدونة جامعة شاملة لجميع الأحكام المطبقة في قضيا السير على الطرق.
(محاماه نت)