دراسات قانونية
جريمة تزوير وتزييف العملة في أحكام قانون العقوبات (بحث قانوني)
التزييف :
التزييف لغة هو تبدل الحقيقة أو تغييرها وهو يطلق على أي فعل من شأنه تغيير قيمة العملة الصحيحة سواءً بالزيادة أو بالنقصان(1). وقد عرف المشرع العراقي التزييف في نفس المواد العقابية المتعلقة بالعملة وتزييفها وذلك في المادة (280) من قانون العقوبات المرقم (111) لسنة 1969 حيث عرفه بأنه (يعدّ تزييفاً للعملة المعدنية إنقاص وزنها أو طلاؤها بطلاء يجعلها تشبه مسكوكات أكثر قيمة…) لذلك فإن التزييف يمثل خطورة على سلامة العملة لذلك لم يميز المشرع العراقي بين التزييف وغيره من الصور الأخرى وسوّى بينهم في العقوبة حماية لبعض الأفراد الذين يفوتهم التأمل في العملة وينقصهم التبصر ولذلك يقتضي الأمر تعريف التزييف وتبيين صوره .
تعريف التزييف
يعدّ تزييفاً انتقاص شيء من معدن العملة أو طلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة ، ومن خلال هذا التعريف يتضح لنا أن التزييف صورة قاصرة على العملات النقدية المعدنية دون الورقية(2). أما عن الفقه فيرى أن التزييف هو “إدخال التشويه على عملة معدنية صحيحة في صورة يحصل منها الجاني على فائدة مادية بانتزاع جزء من مادة هذه العملة مع الإبقاء على قيمتها الاسمية ، فيكون كسب الجاني هو هذا الجزء الذي انتزعه أو الإبقاء على مادتها وإعطائها مظهر عملة أكبر قيمة ، فيكون كسب الجاني هو الفرق بين القيمة الاسمية الحقيقية للعملة والقيمة الأسمية التي صار ينبئ عنها مظهرها(3). والفرق بين التقليد والتزييف أن التقليد يُنتج عملة غير صحيحة لم يكن لها من قبل وجود ، في حين يفترض التزييف عملة صحيحة أصلاً أدخل التشويه عليها ، فضلاً عن أن التقليد مقصور إزاء عملة معدنية أو ورقية في حين لا يتصور بالتزييف إلاّ بالنسبة للعملة المعدنية . ولذلك فإن هذا التعريف وإن كان يضم غالبية عناصر التزييف بل كل عناصره في غالبية الأحوال لا يكون القصد من التزييف الكسب المادي دائماً إذ قد يقصد الجاني (وعادة لو كانت دولة معادية) إلى زعزعة الثقة بالعملة المعدنية للدولة الأخرى حتى لو لم يحقق كسباً مادياً من وراء فرق القيمة النقدية الحقيقة، لذا يكون التزييف متحققاً ولو لم يتحقق كسب مادي، ويمكن القول بأن التزييف صورة قاصرة على “عملة معدنية” تفترض وجود عملة صحيحة بين يدي المزيف ومن ثم فالتزييف يحرف الحقيقة في العملة الصحيحة من جهة ، ويهدم الاقتصاد من جهة أخرى(4).
صور التزييف
للتزييف في نظر التشريع والفقه صورتان هما :
1. الانتقاص
يقصد بالانتقاص العملية التي يقوم بها المزيف ، بقطع جزء من المعدن مما يؤدي إلى الانتقاص من القيمة الحقيقية لمعدنها تبعاً لإنقاص وزنه(5). أو بقطع جزء من المعدن الداخل في تركيب العملة المعدنية والاستفادة به مع إحلال معدن أرخص منه في مكونات العملة المعدنية ويستوي أن يكون الجزء المنتزع من باطن العملة أو سطحها ومهما كانت قيمته أو طريقة إجراء القطع(6). ومن وسائل الانتقاص قد يستعمل الجاني مبرداً فيحصل على جزء من مادة العملة في شكل مسحوق أو يضعها في محلول فيذيب جزءاً من مادة العملة ثم يحصل عليه بعد الترسب.
2. التمويه (الطلاء)
ويتم بالطلاء أو التمويه و لا يمكن تصورهما إلاّ مع العملة المعدنية ، إذ يتم ذلك بطلي المعدن الذي تتكون منه العملة المعدنية بقطعة رقيقة من معدن أغلى منه قيمة حتى تظهر وكأنها من ذات المعدن الذي طليت به ، لذلك فإن التمويه يمثل خطورة على سلامة العملة ويكون التمويه بطلاء عملة قليلة القيمة ، كالنحاس مثلاً تغطيه بطبقة رقيقة من معدن كبير القيمة كالفضة أو الذهب أو باستعمال مادة تغطيها هذا اللون أو ذاك(7). وعلى أية حال فإنه لا عبرة بالوسيلة التي يعمد إليها الجاني ، ولكن العبرة في النتيجة كذلك نفس الشيء يقال عن طلي قطعة من البرونز بطلاء يجعلها تشبه العملة المصنوعة من الذهب أو الفضة ولو لم يكن الطلاء متقناً(8). والمشابهة المطلوبة هنا هي في اللون فقط لأن الطلاء لا يغير من النقوش أو الرسوم فيجعلها شبيهة بنقوش العملة الأكبر قيمة ، إذ إن الغاية من تجريم هذا الفعل هو منع الغش ولا سيما بالنسبة إلى شخص قليل الانتباه أو الملاحظة أو من لا يدقق النظر في العملة عند التعامل مع الأجانب الذين ليس لديهم إطلاع كافٍ بعملة الدولة التي يمرون بها أو لم تمض عليهم فترة كافية لتمييز عملات الدولة التي يقيمون فيها(9). وهناك من التشريعات التي لا تنص على تجريم هذا الفعل بنص خاص أو تدرجه تحت مواد التزييف فتعتبره نصباً ، وليس تقليداً أو تزييفاً ، أما التشريعات الأخرى فتفادياً لاحتمالات عدم العقاب في حالة عدم توافر أركان جريمة النصب فتقضي باعتبار هذا الفعل جريمة متميزة وتضع له عقوبة أقل شدة من عقوبة التقليد(10). وقد أصدر المشرع الفرنسي قانوناً بتاريخ 13 مايو 1863م اعتبر فيه تمويه المسكوكات جنحة عقوبتها الحبس ، حيث نصّ عليها في مادة مستقلة وهي المادة (134) عقوبات فرنسي(11). ونعتقد بأن موقف القانون الفرنسي هذا راجع إلى كون طريقة التمويه عادة ما تستخدم بالنسبة إلى العملات المتقاربة الحجم ، كما أنها لا تشكل خطورة نظراً إلى قلة إنتاجها وإن لونها يزول على مر الوقت . إلاّ أننا نرى العكس لأن هناك كثيراً من الأشخاص يعتمدون أساساً في التمييز بين أنوع المسكوكات على لونها . وهذا ما يبرر اعتبار التمويه من ضمن بقية صور تزييف العملة بغض النظر عن ظروف الارتكاب أو المستوى التعليمي للأفراد والمجتمع ، طالما يؤدي الفعل إلى رفع القيمة الظاهرية للعملة . أما في قانون العقوبات البلجيكي فإن فعل التمويه لا يعدّ من أفعال التزييف وإنما يعدّ من أعمال النصب. وشملته بالمادة (497) التي تعاقب كل من جعل عملة ذات تداول قانوني بمظهر عملة أعلى قيمة ، وكذلك يعاقب كل من روّجها أو وضعها في التداول ، أو من روج قطعاً من المعدن لا تحمل أية علامات نقدية باعتبار أنها عملة قانونية(12). وقد نصّ قانون العقوبات السويسري في المادة (241) على عقاب كل من زيف عملة معدنية أو ورقية بقصد وضعها في التداول بقيمة أعلى ويشمل ذلك فعل تمويه العملة وفعل تعديل القيمة المكتوبة عليها. كذلك نص المشرع المغربي في الفصل (337) عقوبات مغربي على هذا النوع من التزييف بمادة مستقلة من خلال تجريم أي سلوك من شأنه تلوين نقود متداولة في المغرب أو الخارج ، وذلك بقصد تضليل الناس في طبيعة المعدن . أما المشرع المصري فلم يفرق بين هذه الجريمة وغيرها من جرائم التزييف ونظمها جميعا في مادة واحدة نتيجة لما لاحظه المشرع من كثرة وقوع جرائم التزييف بهذه الصورة في مصر(13). وكذلك المشرع العراقي فهو الآخر قد ساوى بين هذه الصورة وغيرها في صور جرائم تزييف العملة ، حيث نصّ في المادة (280) عقوبات عراقي في الشق الثاني : ويعتبر تزييفاً للعملة المعدنية ….. أو طلائها بطلاء يجعلها تشبه مسكوكات أكثر منها قيمة . والتمويه أحد طرق تزييف العملة ، كما أن هناك طرقاً أخرى من طرق التزييف وخاصة أن العملة المعدنية تصنع عادة من معدن ثمين ، فقد لجأ بعض المزيفين إلى إنقاص وزن المعدن الثمين من العملة قبل سكها ، وإن أول ما لجأ إلى ذلك هم الحكام في العهد الروماني والعهد اليوناني وإن أول عملة زيفت هي العملة اليونانية (الفضة) وذلك عام 450 ق.م وكان اسم العملة التي طرأ عليها التزييف (تيترا دراخم) أربعة دراخمات وبعد فحص هذه القطعة النقدية تبين أنها مصنوعة من النحاس ومغطاة بطبقة رقيقة من الفضة ، وهذه القطعة ما زالت محفوظة في المتحف الفرعوني في القاهرة(14). ولذلك فإن من الآثار المترتبة على فعل التمويه هو زيادة الظاهرية لقيمة العملة عن قيمتها الحقيقية لذلك فإن لحظة تمام الجريمة تتحقق حالما ينشأ خطر خداع عامة الناس في التغيير ولم تطرح العملة فعلاً في التداول ، كذلك لا يشترط أن يكون التمويه متقناً ومن هنا فإن عدم بلوغ المتهمين غايتهم من إتقان التزييف لا يجعل هذه الجريمة مستحيلة ولا يهدر ما قام عليه الاتهام من اتحاد إرادتهم على ارتكابها(15). ومن ثم تتوافر بين الجناة جريمة الاتفاق الجنائي على ارتكابها سواء أكانت الجريمة المقصودة من الاتفاق معينة أم غير معينه أم على الأعمال المجهزة أو المسهلة لها سواء أوقعت الجريمة المقصودة أم لم تقع(16).
__________________________
[1]- لم يعرف الكثير من الشراح التزييف كصورة من صور السلوك الإجرامي المكون لجريمة تزييف العملة مكتفية بذلك بالرجوع إلى نصوص القانون الجنائي ، د. عبدالمهيمن بكر ، القسم الخاص من قانون العقوبات، دار النهضة العربية ، 1977 ، ص 428. أما الدكتور رؤوف عبيد فقد دمج التزييف مع التقليد تحت عنوان (التقليد والتزييف) كأسلوب خاص في تناول الموضوع ، المصدر السابق ، ص 10 .
2- د. محمود محمود مصطفى ، المصدر السابق ، ص 111 ، رقم البند (80) .
3- د. محمود نجيب الحسني ، المصدر السابق ، بند (250) ، ص 164 .
4- د. عبدالرحيم صدقي ، المصدر السابق ، ص 43 .
5- د. محمود نجيب حسني ، المصدر السابق ، ص 166 ، بند (251) .
6- د. رؤوف عبيد ، المصدر السابق ، ص 11 . د. عبدالرحيم صدقي ، المصدر السابق ، ص 43.
7- د. عبدالمهيمن بكر ، المصدر السابق ، ص 428 .
8- أنظر : الأستاذ أحمد أمين ، المصدر السابق ، ص 151. و د. محمود محمود مصطفى ، المصدر السابق ، ص 111 .
9- حدث في مصر في عامي 1962 و 1963 أن زيف بعض الأشخاص القطع المعدنية الخمسة ، مما جعلها تأخذ شكل القطعة ذات خمسة قروش بمسحها بمحلول بأحد أملاح القصدير . أنظر د. أحمد السيد الشريف ، المصدر السابق ، ص 252.
0[1]- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص 288.
1[1]- د. رؤوف عبيد ، المصدر السابق ، ص 252.
2[1]- د. أدوارد غالي الدهبي ، المصدر السابق ، ص 26 .
3[1]- الأستاذ أحمد أمين ، المصدر السابق ، ص 260 . د. فوزية عبدالستار ، المصدر السابق ،
ص 197.
4[1]- د. محمد وليد الحكيم ، المصدر السابق ، ص 32 .
5[1]- نقض مصري 28/6/1965 ، أحكام النقض ، س16 رقم 123 ، ص 632.
6[1]- نقض مصري 10/5/1965 ، أحكام النقض ، س16 ، رقم 88 ، ص 441.
التزويــر :
يعني التزوير لغة الكذب ويعني التزوير اصطلاحاً تغير الحقيقة وبالنسبة إلى التزوير في جرائم العملة فهو “إدخال التغيير على البيانات التي تحملها” بما يكون من شأنه الإخلال بالثقة العامة فيها التي تتخذ صورة الثقة في أنها تحمل بيانات معينة يرتبط بها قبول في التعامل على أنها ذات قيمة محددة(1). ولهذا فقد أورد الفقهاء عدة تعاريف حاولوا فيها تحديد معنى التزوير المعاقب علية وبيان ماهيته والإحاطة بحدوده إحاطة تمنع دخول ما ليس منه أو خروج ما هو منه ، وأشهر هذه التعاريف هو ذلك التعريف الذي وضعة الأستاذ (جارسون) إذ عرّف “التزوير في المحررات ، هو تغيير الحقيقة في مُحرر ، بقصد الغش وبإحدى الطرق التي عينها القانون ، تغييراً من شأنه أن يسبب ضررا”(2). ولهذا فإن التزوير بمعناه الخاص ينصرف إلى تغيير الحقيقة في المحررات دون أن يرد على تزييف العملة ، وحتى في حالة إحداث تغيير أو تعديل على العملة ، فإن هذا الفعل يعدّ صورة من صور تزييف العملة ، ذلك أن التزوير في المحررات يستقل في فكرته القانونية بنظرية عامة لا شأن لها بجرائم تزييف العملة أو تقليد الأختام حيث تستقل كلا منهما بنظرية خاصة على الرغم من أن تقليد الأختام أو الشارات أو علامات أخرى ، جهات إصدار العملة ، أو توقيع أحد موظفيها ، والتي يستلزم تقليدها ووضعها على العملة المزيفة كي تبدو مشابهة للعملة الصحيحة ، فإن هذا التقليد يعدّ جزءاً من عملية التزييف ، دون أن يشكل جريمة مستقلة لتقليد الأختام والعلامات الرسمية ، ويرد التزوير أو تعديل علامات العملة على العملة المعدنية والورقية على حدٍ سواء ويتحقق ذلك بإحداث تغيير في عملة صحيحة كأن يغير الفاعل في الرسوم أو العلامات أو الأرقام المبينة في العملة ، وغالباً ما يحدث ذلك في الحروف أو الكلمات الدالة على القيمة الحقيقية للعملة كتغيير لفظ (واحد) إلى (خمسة)(3). حتى تبدو وكأنها أكثر قيمة ولا سيما في العملات التي تتشابه كل فئاتها في المظهر العام والأبعاد كالدولار الأمريكي ، أو عن طريق الحصول بوسيلة غير مشروعة كالسرقة مثلاًَ على عملات صحيحة لم تستكمل بعد جميع مراحل طباعتها أو ترقيمها أو التوقيع عليها ، ثم يقوم المزيف باستكمال البيانات التي تنقصها بأدوات تزييف مصطنعة لهذا الغرض(4). ويمكن أن يتحقق فعل التزوير على العملة المعدنية وذلك عن طريق برد حواف العملة، ثم تعديلها بشكل يضاهي عملة أكبر قيمة منها ، فضلاً عن تحريف رقم الفئة كتزوير عملة من فئة المائة فلس، مثلاً إلى عملة معدنية أكبر من فئات الدينار أو نصف الدينار أو ربع الدينار أو عن طريق قطع عبارة (دولار واحد) مثلاً من عملة ورقية أمريكية وقطع عبارة من فئة أخرى ذات (المائة دولار) مثلاً ووضعها مكان الأولى استغلالاً للتماثل الموجود بين مختلف الفئات من حيث المظهر الخارجي ، ولأنها الوسيلة المستعملة لتحقيق الغرض . إذاً المهم أن تؤدي إلى تحقيق النتيجة الإجرامية وهي الزيادة الظاهرية في قيمة العملة من جراء التعديل في الحروف أو الكلمات الدالة على قيمة العملة الحقيقية بجعلها تحمل فئة أعلى ودون المساس ببقية المعدن في حالة تزوير العملة المعدنية(5). ولذلك ذهب بعض الشراح(6). إلى أنه ينبغي التفرقة بين نوعين من التزوير ، فهناك نوع يرد على بيانات جوهرية كفئة العملة وألوانها وحجمها ، وهي التي تؤدي إلى حدوث الغش في قيمتها عند تغييرها ، ونوع آخر يرد على بيانات ثانوية كرقم التسلسل أو رقم المجموعة أو توقيع الموظف المسؤول عن إصدار العملة كونها لا تمس القيمة الاسمية عند تغييرها ، ويعتبرون النوع الأول هو الهدف من التجريم في تزييف العملة ، ومن ثمّ يكون مشمولاً بنصوص تزييف العملة دون النوع الثاني ، إذ يعدّ نوعاً من العبث بالعملة ، ويمكن تجريمه بنصوص خاصة ، كجريمة التزوير في المحررات أو جريمة الاحتيال ، أو جريمة ماسة بالاقتصاد والثقة المالية ، ويستندون في ذلك إلى أن النوع الأول يحدث تأثيراً على دفعها في التعامل نتيجة الغش الواقع في قيمتها ، في حين لا يؤدي النوع الثاني إلى وقوع ضرر ما سواءً على المتعاملين بها أم في قيمتها الاسمية وعلى الرغم من وجاهة هذا الرأي إلاّ أننا لا نستطيع التسليم به لأن العبث بالعملة يؤدي إلى الإخلال بالثقة العامة وهي إحدى المصالح الجديرة بالحماية دون النظر إلى الضرر المترتب ، إذ إن الضرر لا يعدّ ركناً من جرائم تزييف العملة كما سبق أن نوهنا ، وإن البيانات التي تعدّ من وجهة نظر البعض ثانوية فإن أي تغيير في حقيقتها قد يؤدي إلى زيادة في قيمة العملة ، كما هو الشأن بالنسبة لهواة جمع العملات التذكارية أو من أجل إخفاء جريمة كما لو وقع تغيير في أرقام مسلسلة معروفة لمنع اكتشاف جريمة سرقة الأوراق المالية التي تحمل هذه الأرقام . وفي هذا الصدد يرى (جارو)(7). أن فعل تعديل العملات يختلف تماماً عن فعل الإنقاص ، ومن ثمّ فإن هذه الجريمة لا تعدّ من وجهة نظره صورة من صور تزييف العملة وإنما يمكن اعتبارها من الأساليب الإحتيالية التي ترتكب بها جريمة النصب . ولذلك فإن هذا الرأي تأثرت به بعض التشريعات كالقانون الهنكاري ، حيث عدّ تعديل علامات العملة إحدى جرائم النصب ، إلاّ أن الغالبية من القوانين عدّته صورة من صور تزييف العملة كالقانون السويسري ، إذ يساوي في التجريم والعقوبة بين فعلي تمويه العملة وتعديل القيمة المكتوبة على العملة في نص المادة (241) عقوبات سويسري(8) . أما القانون المصري ، فقد وضع فعل تزوير العملة في مادة واحدة وهي المادة (202) عقوبات مصري أما قانون العقوبات البغدادي الملغي فقد نص على تزوير العملة الورقية ويعاقب عليها وفقا للمادة (165) منه والخاصة بتزوير الأوراق الرسمية، في حين أن قانون العقوبات الحالي عَدل عن هذه التفرقة بين تزوير العملة المعدنية أو الورقية وسواءً وقعت على عملة وطنية أم على عملة أجنبية تأثراً بموقف القانون المقارن وقواعد الاتفاقية الدولية ، ونصّ على أفعال تزييفها سواءً بالتقليد أو التزوير ضمن نصوص تزييف العملة ولذلك فإن المشرع العراقي قد عرّف التزوير في المادة (286) عقوبات عراقي حيث نصّ فيها على أن التزوير هو تغيير الحقيقة بقصد الغش، وأيضاً عرف المحرر الرسمي وفي المادة 288 وبين صور التزوير في المادة 287 .
___________________________
[1]- محمود نجيب حسني ، المصدر السابق ، ص 167.
2- أنظر : عبدالحميد الشواربي ، التزوير والتزييف مدنياً وجنائياً ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، بدون سنة نشر ، ص 12.
3- د. أدوارد غالي الدهبي ، المصدر السابق ، ص 27 .
4- أنظر : د. محمد النفي ، تزييف العملة الورقية وطرق حمايتها ، من بحوث الندوة العلمية التي عقدها المكتب العربي للشروط الجنائية ، ، منشورة في سلسلة الدفاع الاجتماعي ، العدد (8/1948) ، ص 286.
5- د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص 297 .
6- د. أدوارد غالي الدهبي ، المصدر السابق ، ص 27-28. وكذلك أنظر : الأستاذ حسن سعيد عداي ، المصدر السابق ، ص 74 .
7- د. أحمد فتحي سرور ، المصدر السابق ، ص 258 ، هامش رقم (2) و د. أدوارد غالي الدهبي، المصدر السابق ، ص 27 ، هامش رقم (2) .
8- الأستاذ حسن سعيد عداي- المرجع السابق، ص75
التدابير الاحترازية لمرتكب جريمة تزوير العملة او تزيفها او تقليدها :
المبدأ العام هو عدم جواز توقيع تدبير من التدابير الاحترازية التي نص عليها القانون في حق شخص ، إذا لم يثبت ارتكابه فعلاً يعده القانون جريمة وان حالته تعتبر خطرة على سلامة المجتمع أي عن حالة نفسية يحتمل من جانب صاحبها ان يكون مصدراً لجريمة مستقبلية ، أو هي الحالة التي عبرت عنها المادة (133) عقوبات إيطالي بأنها تمثل الاستعداد للإجرام(1). وفي مصر نصت المواد (5،6،7) من المرسوم بقانون رقمه (98) لسنة 1945، على أن الحكم الذي يصدر اكثر من مرة على شخص بسبب جرائم تزييف العملة وهي حالة من حالات الاشتباه تستوجب إنذار المحكوم عليه أو مراقبته وكذلك بالنسبة لمن عرف عنه لأسباب معقولة انه اعتاد ارتكاب هذه الجريمة(2). وفي العراق نصت المادة (321/2) من أصول المحاكمات الجزائية بان للادعاء العام أو قاضي التحقيق أن يبلغ قاضي الجنح عن الأشخاص الذين يحكم عليهم مرتين أو أكثر في جريمة من جرائم تزييف العملة الورقية والمعدنية المتداولة قانوناً (أو عرفاً) إذا كان يخشى من ارتكابهم فعلاً (مخلاً بالأمن) ، ويرفق ببلاغه التحريات أو الدلائل التي تعززه. ويمكن أيضاً إيقاع عقوبة مراقبة الشرطة كتدبير احترازي مقيد ، فضلاً عن كونها عقوبة تبعية. وكتدبير احترازي يجب الحكم بمصادرة الالات والأدوات التي استخدمت في عملية التزييف. وفي حالة عدم ضبطها فعلاً وقت المحاكمة وكانت معينة (تعيناً كافياً) تحكم المحكمة بمصادرتها عند ضبطها(3).أما بالنسبة إلى التشريعات التي لا تنص على ذلك في نصوص التزييف ، فتحيل للقاضي إلى تطبيق القواعد العامة للتدابير الاحترازية ، وتتخذ التدابير في هذا الصدد من باب الوقاية كما هو الأمر في القانون العراقي ، حيث تنص المادة (109 ع) ، يجوز للمحكمة أن تأمر بوضع المحكوم عليه بعقوبة الحبس لمدة سنة فاكثر تحت مراقبة الشرطة بعد انقضاء عقوبته على ان لا تزيد بأية حال عن خمس سنوات ، لهذا يمكن تطبيقها في الحالات الآتية :
1.إذا كان الحكم صادراً في جنايات تزييف العملة أو استعمالها .
2.إذا كان الحكم صادراً في أية جنحة تزييف كتلك الأفعال الواردة في المواد (283، 284، 285 ع) وكان المحكوم عليه عائداً أو اعتقدت المحكمة لأسباب معقولة بأنه سيعود إلى ارتكاب جناية أو جنحة فضلاً عن انه يجوز للمحكمة عند إصدارها حكماً (على شخص في جناية أو جنحة عن أفعال تزييف العملة أن تلزم المحكوم عليه ، وقت إصدار الحكم بالإدانة ، أن يحرر تعهداً بحسن السلوك(4).
ويجوز للمحكمة عند الحكم على شخص في الجرائم المذكورة ، ان تأمر بغلق المحل الذي استخدم في ارتكاب الجريمة ويتبع الغلق ، الحرمان من ممارسة المهنة ، أو أية حرف تتوافق مباشرتها على إجازة سلطة مختصة بسبب إساءة ممارسة المهنة أو الحرفة أو الواجبات المتعلقة بها وتطبيقاً لذلك يمكن حرمان صاحب المصنع الذي يقوم بصنع أو خراطة القطع المعدنية المستخدمة في تزييف العملة المعدنية أو صاحب المطبعة الذي يقوم بطبع العملة الورقية حق ممارسة المهنة مدة لا تزيد على سنة(5).
____________________
[1]- انظر د. رؤوف عبيد ، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي ، طبعة ثالثة ، 1966 ، دار الفكر العربي ، ص645.
2- انظر الأستاذ محمود ابراهيم إسماعيل ، المصدر السابق ، ص536.
3- انظر د. عباس الحسني ، المصدر السابق ، ص299.
4- انظر المادتين 119 ، 120 عقوبات عراقي.
5- انظر المادتين 113و 121 قانون العقوبات العراقي.
الأعذار القانونية المخففة لعقوبة ترويج العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة :
نص القانون على عذر مخفف لعقوبة ترويج العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة فقد نصت المادة (284) (يعاقب بالحبس كل من قبض بحسن نية عملة معدنية أو ورقية نقدية مقلدة أو مزيفة أو مزورة ثم التعامل بها بعد ان تبينت له حقيقتها) ، والفرض أن الجاني قد ارتكب جريمة ترويج كاملة الأركان لعملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة ، ويتمثل العذر المنصوص عليه في هذه المادة في كون من ارتكب جريمة ترويج العملة المزيفة كان قد (قبلها بحسن نية) . فالتخفيف يتحقق إذا كان الجاني وقت اكتساب حيازة هذه العملة غير عالم بتقليدها ثم تبين له بعد ذلك أنها مزيفة فتعامل بها ، ويترتب على ذلك ان جريمة الترويج في صورتها العادية التي تعتبر وفقاً لها جناية ، يشترط لتحقيقها ان يكون الجاني عالماً بالتزييف للعملة وقت قبولها ووقت التعامل بها ، فالفيصل في اعتبار الترويج جناية أو جنحة هو في توافر أو عدم توافر العلم بتقليد(1). و في هذه الحالة يهدف المشرع إلى تخفيف العقوبة بدرجة كبيرة وانه يهدف إلى تحويل الجناية إلى جنحة وفقاً (لمقدار العقوبة المفروضة) لان الجاني في هذه الحالة أقل خطورة من مرتكب فعل الترويج الأصلي ، وإذا كان المشرع قد خص بالتخفيف ، جريمة ترويج العملة فان العذر المخفف يجب أن يمتد عن طريق القياس ، وهو جائز في مجال الإباحة والتخفيف إلى كل من جريمتي العملة المزيفة أو الإدخال إلى البلاد والإخراج منها(2). وكذلك نجد أن معظم التشريعات ، كانت تنص على عذر مخفف خاص بهذه الجرائم ، وهو حالة ما إذا كانت العملة المزيفة رديئة التقليد فكانت التشريعات الإيطالية والفنزويلية والأرجنتينية تخفض العقوبة إذا كان التزييف رديئاً بدرجة يكون من السهل على الناس التعرف على العملة المزيفة ، وكذلك عدم استكمال التقليد ليس إلا عذراً مخففاً للعقوبة ، فتنص المادة (119) نمساوي على انه يعاقب على تزييف العملة بالسجن من 5-10 سنوات فإذا كان التزييف سهل الإستعراف عليه من أي شخص خففت العقوبة فتصبح من 1-5 سنوات(3). كذلك فان اغلب التشريعات تتبنى مبدأ تخفيف العقوبة للأفعال الخاصة بإعادة ترويج عمله بفعل التعامل بها ، وأفعال صنع أو بيع أو ترويج عملة لأغراض أخرى ، غير تلك المعهودة فيها ، أو لغير غرض التعامل بها كالأمور الثقافية أو الدعائية أو العلمية ، باعتبار أن مرتكبيها اقل خطورة من مرتكبيها في الحالات الاعتيادية وفي هذا الصدد نجد ان العقوبة المقررة لهذه الأفعال تتراوح بين الحبس لمدد مختلفة أو الغرامة، كالقانون الليبي والمصري ، أو الغرامة فقط كالقانون التونسي والكويتي والفرنسي(4). أما بالنسبة إلى قانون العقوبات العراقي فقد عاقب بعقوبة الحبس على الأفعال الخاصة ومنها بإعادة ترويج عملة بطل التعامل بها وفقاً للمادة (283) . وكذلك في حالات صنع العملة واستعمالها لأغراض تجارية أو علمية دون ترخيص فقد حدد العقوبة بان لا تزيد على ستة أشهر أو الغرامة على مائة دينار . وكذلك نصت المادة (164) من قانون العقوبات البغدادي الملغي المعدلة في القانون المرقم 98 لسنة 1963 على عقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث اشهر وبالغرامة أو بإحداهما كل من قبل بحسن نية عملة مزيفة ثم تعامل بها وهو المعنى نفسه الذي كانت عليه المادة (163) من القانون نفسه قبل التعديل سوى أن الغرامة كانت محددة بأن لا تزيد على ستة أمثال العملة المزيفة التي تعامل بها فضلاً عن أنها كانت عقوبة تخييرية وبذلك تكون في عداد المخالفات . لذا ندعو المشرع العراقي إلى تخفيف العقوبة الواردة في المادة (284) عقوبات بأن تكون أما الحبس الذي لا يزيد على ستة اشهر أو الغرامة التي توازي العملة ستة أضعاف قيمة العملة المزيفة المدفوعة في التداول أو إذا حجب حائزها تسليمها إلى السلطات المختصة.
_______________________
([1]) المستشار معوض عبد التواب ، الوسيط في شرح جرائم التزوير والتزييف ، تقليد الأختام منشاة المعارف الإسكندرية ، 1988 ، ص326-337.
(2) د. فوزية عبد الستار ، المصدر السابق ، ص211.
(3) د. عادل حافظ غانم ، المصدر السابق ، ص35.
(4) الأستاذ حسن سعيد عدي ، المصدر السابق ، ص184.
(د. نجيب محمد سعيد الصلوي)