دراسات قانونية
الأحكام المنظمة للصحافة الحزبية في التشريعات المقارنة (بحث قانوني)
الصحافة الحزبية في الدول المقارنة :
سنتولى في هذا الموضع من الدراسة بحث الاحكام القانونية المنظمة للصحافة الحزبية في كل من فرنسا ومصر . ففي فرنسا ، لم يفرد دستور 1958 نصاً خاصاً بحرية الصحافة حيث جاءت الاشارة إليها بوصفها واحدة من الحريات الاساسية للانسان من خلال مقدمة هذا الدستور التي نصت على ان (( يعلن الشعب الفرنسي بصورة علنية تمسكه بحقوق الانسان وبمبادئ السيادة الوطنية كما عرفت باعلان سنة 1789 (1). واكدت واكملت بمقدمة دستور سنة 1946 )) (2).اما على مستوى النصوص القانونية المنظمة للصحافة الحزبية ، فلم نجد في القوانين الخاصة بالجمعيات والاحزاب السياسية ما يشير إلى تنظيمها ، باستثناء ما تضمنته م(7) من قانون 11/3/1988 التي أقرت للأحزاب السياسية بانشاء وادارة الصحف . وهذا يحملنا إلى القول بخضوع الصحافة الحزبية للاحكام الواردة في قانون الصحافة الصادر في 29/7/1881 (3) . وقد تبنى هذا القانون مبادئاً ساهمت في اطلاق حرية الصحافة ، كنظام الاخطار المطلق حيث اشارت اليه م (5) التي نصت على ان (( كل جريدة أو مطبوع دوري من الممكن ان ينشر بدون ترخيص سابق ، وبدون ايداع تامين نقدي بعد الاخطار الذي قضت به م (7) )) . ويشترط في الاخطار ان يكون خطياً وموقعاً عليه من مدير المطبوع ، وان يقدم إلى السلطة القضائية (النيابة العامة) والبيانات التي اشترطت م (7) توافرها في الاخطار هي :
1-عنوان الجريدة أو المطبوع الدوري وطريقة اصداره .
2-اسم مدير المطبوع ومحل اقامته .
3-المطبعة التي ستطبع فيها الجريدة أو المطبوع الدوري (4).
وبعد ان يقدم الاخطار إلى النيابة العامة مستوفياً لكل الشروط والبيانات التي يطلبها القانون فانه يصبح من الممكن المباشرة باصدار المطبوع الدوري . وفيما يتعلق بالاجراءات الادارية الماسة بحرية الصحافة ، فقد حظر قانون 11/5/1868 تعطيل المطبوعات الدورية أو الغاءها بالطريق الاداري ، واصبحت المحاكم العادية هي المختصة بهذا الامر لان التعطيل والالغاء ما هي الا اجراءات تفرض على المطبوعات إذا ما صدر عنها أي نشاط مخالف لاحكام القوانين النافذة (5). ولقد مارس القضاء الاداري في فرنسا دوراً هاماً في ضمان حرية الصحافة تمثل في عدد من الاحكام التي اصدرها في مواجهة الاجراءات والقرارات الادارية المقيدة لهذه الحرية (6). وبالنسبة للاحكام المنظمة للصحافة الحزبية في مصر فقد اشار الدستور المصري الصادر عام 1971 إلى ضمان حرية الصحافة في عدة نصوص (7). وتطرق إلى كفالة هذه الحرية للاحزاب السياسية في م (209) التي نصت على ان (( حرية اصدار الصحف وملكيتها للاشخاص الاعتبارية العامة والخاصة وللاحزاب السياسية مكفولة طبقاً للقانون وتخضع الصحف في ملكيتها وتمويلها والاموال المملوكة لها لرقابة الشعب على الوجه المبين بالدستور والقانون )) . ومن الجدير بالملاحظة ان الدستور المصري قدم لحرية الصحافة حماية في مواجهة الاجراءات الادارية المقيدة لهذه الحرية وهذا ما تمثل في م (208) التي نصت على ان (( حرية الصحافة مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وانذارها أو وقفها أو الغاؤها بالطريق الاداري محظور ، وذلك كله طبقاً للدستور والقانون )) . اما بالنسبة للنصوص القانونية المنظمة للصحافة الحزبية فقد نصت م(15) من القانون رقم (40) لسنة 1977 على انه (( لكل حزب حق اصدار صحيفة أو اكثر للتعبير عن لآرائه وذلك دون التقيد بالحصول على الترخيص المشار اليه في المادتين (1) و(2) من القانون رقم (156) لسنة 1960 بشأن تنظيم الصحافة )) (8). واذا كان هذا النص قد أطلق الصحافة الحزبية الا ان م(18) من قانون الأحزاب السياسية اشارت إلى تقييد حق الحزب السياسي في اصدار الصحف حيث نصت على ان (( يشترط لتمتع الحزب واستمرار انتفاعه بالمزايا المنصوص عليها في المادتين (13) ، (15) من هذا القانون ان تكون له عشرة مقاعد على الاقل في مجلس الشعب)). وبتاريخ 14/7/1980 صدر القانون رقم (148) بشأن سلطة الصحافة وأشار في م (13) إلى ان (( حرية اصدار الصحف للاحزاب السياسية والاشخاص الاعتبارية العامة مكفولة طبقاً للقانون )) ، في حين نصت م (14) على ان (( يجب على كل من يريد اصدار صحيفة جديدة ان يقدم اخطاراً كتابياً إلى المجلس الاعلى للصحافة موقعاً عليه من الممثل القانوني للصحيفة . . . .)) اما م (15) فقد نصت على ان (( يصدر المجلس الاعلى للصحافة قراره في شأن الاخطار المقدم اليه لاصدار الصحيفة خلال مدة لا تتجاوز (40) يوماً من تاريخ تقديمه اليه . . . . )) . ومن خلال النصوص المتقدمة يمكننا ان نطرح التساؤل الآتي : هل يمكن اعفاء صحف الاحزاب من شرط الاخطار المنصوص عليه في م (14) ؟ يذهب جانب من الفقه في مصر إلى ان ارادة المشرع انصرفت إلى هذا الاعفاء الا ان العمل جرى على خلاف ذلك ، فقد حصلت جريدة (( اللواء الاسلامي )) الصادرة عن الحزب الوطني الديمقراطي على موافقة المجلس الاعلى للصحافة قبل صدورها ، لذلك يطالب انصار هذا الرأي بتعديل قانون سلطة الصحافة رقم (148) لسنة 1980 وذلك بالنص صراحةً على استثناء صحف الاحزاب من شرط الاخطار(9). ومن الجدير بالذكر ان القانون رقم (148) لسنة 1980 كرس معظم احكامه لتنظيم الصحف القومية (10). وهي الصحف التي تصدر حالياً أو مستقبلاً عن المؤسسات الصحفية التي كان يملكها الاتحاد الاشتراكي العربي أو يسهم فيها وكذلك الصحف التي تصدرها المؤسسات الصحفية التي ينشئها مجلس الشورى (11). وبسبب ملكية الدولة للصحف القومية فقد اصبحت خاضعة لسيطرة الحزب الحاكم (الحزب الوطني الديمقراطي) مما جعل منها اجهزة دعاية له وأخل في ذات الوقت بالاعتبارات الديمقراطية التي تستند اليها فكرة التعددية الحزبية ، فالحزب الذي يصل إلى السلطة ويؤلف الحكومة لا يملك الاموال العامة في الدولة وانما له الحق في ادارتها خدمة للصالح العام ، ولما كانت الصحف القومية مملوكة للدولة فهذا يعني فسح المجال امام جميع الاحزاب السياسية في الدولة ، ومن بينها الحزب الحاكم ، للإفادة منها كقنوات للتعبير عن آرائها وافكارها واهدافها (12) . اما عن دور القضاء المصري في ضمان حرية الصحافة فقد مارس مجلس الدولة رقابته على قرارات الادارة المتعلقة بهذه الحرية ، حيث اكد المجلس وجوب احترام حرية الصحافة وحظر تقييدها الا عن طريق القانون ، وذلك بموجب حكم محكمة القضاء الاداري الصادر بتاريخ 12/6/1958 الذي جاء في حيثياته (( ان حرية الصحافة هي احدى الحريات العامة التي كفلها الدستور ، ولما كانت هذه الحرية لا يقتصر اثرها على الفرد الذي يتمتع بها ، بل يرتد إلى غيره من الافراد والى المجتمع ذاته ، لذلك لم يطلق الدستور هذه الحرية بل جعل التنظيم امراً مباحاً على ان يكون هذا التنظيم بقانون لان الحريات العامة لا يجوز تقييدها أو تنظيمها الا عن طريق القانون)) (13). وينتقل القضاء الاداري في احكامه من تحديد الاطار العام لحرية الصحافة إلى الجوانب التفصيلية لهذه الحرية ، ليقرر خضوع اعمال الادارة الماسة بها إلى رقابته ، ويتضح ذلك من حكم محكمة القضاء الاداري الصادر بتاريخ 26/6/1951 الذي نص على ان (( تصرفات الادارة في تعطيل الصحف أو في الغائها أو في المعارضة في صدورها انما هي اعمال ادارية يجب ان تجري على مقتضى احكام الدستور والقوانين واللوائح ، فكل قرار تتخذه الادارة في هذا الشان يعتبر قراراً ادارياً يدخل في اختصاص هذه المحكمة النظر في امر صحته أو بطلانه وللمحكمة حق الرقابة على الادارة فيه ، لترى ان صدوره هل كان متفقاً مع احكام الدستور والقوانين واللوائح خالياً من التعسف ، لتحكم بصحته ، أو قد صدر متعارضاً مع هذه الاحكام أو انطوى على تعسف استعمال السلطة فتقضي ببطلانه )) (14) . يتبين لنا من الاحكام المنظمة للصحافة الحزبية في كل من العراق وفرنسا ومصر ما يأتي:-
1.لاحظنا تميز الدستور المصري عن غيره في ضمان الصحافة الحزبية على مستوى النص الدستوري في حين اكتفى الدستور العراقي 1970 والدستور الفرنسي 1958 بضمان حرية الصحافة بشكل عام .
2. لاحظنا اعفاء المشرع العراقي للصحافة الحزبية من شرط الترخيص السابق والاجراءات المتعلقة به ، وهذا بلا شك سيساهم في دعمها والتخفيف من وطاة نظام الترخيص على الاحزاب السياسية ، وقد سبقه في ذلك كل من المشرع الفرنسي والمصري .
3. ندعو المشرع العراقي إلى اناطة الاختصاص بتعطيل المطبوعات الدورية الحزبية وإلغائها إلى السلطة القضائية لانها صاحبة الاختصاص الاصيل في ذلك .
4. لاحظنا منح القضاء الاداري ولاية عامة على كل القرارات والاجراءات الادارية الماسة بحرية الصحافة في كل من فرنسا ومصر ، في حين يبقى نص ف(ب) من م(30) من قانون المطبوعات رقم (206) لسنة 1968 حائلاً دون ذلك .
لذا ندعو المشرع العراقي إلى الغاء هذا النص ، ومنح محكمة القضاء الاداري الولاية العامة على كل ما يتعلق بحرية الصحافة ، بشكل عام وبالصحافة الحزبية بشكل خاص ، من اجراءات وقرارات ادارية لان في هذا الامر ضمانات اكيدة لهذه الحرية وما يتصل بها .
______________________________________________
1- نصت م(11) من اعلان حقوق الانسان والمواطن الصادر في 26/8/1789 على ان (( التداول الحر للافكار والآراء هو حق من اثمن حقوق الانسان فكل مواطن يستطيع ان يتكلم ويكتب ويطبع بحرية ولا يكون مسؤولاً الا إذا اساء استعمال هذه الحرية في الحالات التي يحددها القانون ))
2-لمزيد من التفصيل حول موقف الدستور الفرنسي 1958 من الحريات العامة ينظر : اندريه هوريو ، المصدر السابق ص182-184 .
3- لا يزال القانون نافذاً إلى الوقت الحاضر برغم التعديلات الكثيرة التي ادخلت عليه ، ويشمل قانون 1881 على خمسة فصول يتعلق الفصل الاول بالاحكام الخاصة بالمطابع والمكتبات والفصل الثاني بالاحكام الخاصة بالصحافة الدورية ، والفصل الثالث بالاحكام الخاصة بلصق الاعلانات والتوزيع والبيع في الطريق العام ، والفصل الرابع بجنايات وجنح الصحافة ، والفصل الخامس بالمحاكمات والعقوبات .
4- Andre Toulemon et M. Grelard . Code de la presse ، 2 edition ، paris librarie sirey ، 1964، P. 60 .
5- د. عبدالله اسماعيل البستاني ، المصدر السابق ، ص130-131 .
6- ينظر : القرارات التي اصدرها مجلس الدولة الفرنسي في قضية
(( Framper Societe et France Editions et publications ))
بتاريخ 24/6/1960 ،
وقضية (( Societe union africaine de presse ))بتاريخ 22/4/1966 ،
وقضية (( Association Enbata )) بتاريخ 10/12/1968 .
Long . M.، Weil. P ، Braibant . G. Les grands arrets de la jurisprudence administrative ، 7 edition ، paris : sirey، 1993 ، p.p288-293 ، 576-582 .
7- تنظر المواد (47، 48 ، 206 – 211 ) من الدستور المصري 1971 .
8- عندما صدر القانون رقم (40) لسنة 1977 كان الاتحاد الاشتراكي العربي ما يزال قائماً ن وكانت الصحافة المصرية المؤممة – التي سميت فيما بعد بالصحف القومية – مملوكة له طبقاً للقانون رقم (156) لسنة 1960 ، وكانت احكام المادتين (1) و (2) من هذا القانون تشترط لاصدار الصحف الحصول على ترخيص من الاتحاد القومي الذي حل محله الاتحاد الاشتراكي اعتباراً من عام 1960 . ينظر : د. عماد عبد الحميد النجار ، الوسيط في تشريعات الصحافة ، القاهرة : دار النهضة العربية ، 1985 ، 125 وما بعدها .
9- د. حسن البدراوي ، المصدر السابق ، ص522-523 .
10- تنظر : المواد (22-34) من القانون .
11- م (22) من القانون .
12-د. حسن البدراوي ، المصدر السابق ، ص514-516 . كذلك : د. جمال الدين العطيفي ، المصدر السابق ، ص90-95.
13- ذكره : د. أبو اليزيد علي المتيت ، المصدر السابق ، ص196.
14- ذكره : د. حمدي ياسين عكاشة ، القرار الاداري في قضاء مجلس الدولة ، الاسكندرية ، منشأة المعارف ، 1987 ، ص212-213 .
الصحافة الحزبية في العراق :
اشار الدستور العراقي الصادر عام 1970 إلى حرية الصحافة بموجب م(26) التي كفلت حرية الرأي على اختلاف صورها (1). والملاحظ ان نصوص الدساتير العراقية قد اشارت إلى ضمان حرية الصحافة دون ان تميز في ذلك بين الافراد والاحزاب السياسية . اما على مستوى الاحكام القانونية المنظمة للصحافة الحزبية ، فهناك احكام وردت في قوانين الجمعيات والاحزاب السياسية ، واخرى ذات صلة بالصحافة الحزبية تضمنتها قوانين الصحافة والمطبوعات . ويعد قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 (2). اول قانون يقر بحق الحزب السياسي في اصدار صحيفة للتعبير عن آرائه وأفكاره حيث اشارت إلى ذلك م (36) حينما نصت على ان (( 1. للحزب بمجرد انشائه ان يصدر صحيفة سياسية تعبر عن آرائه ويخضع الحزب في ممارسته لهذا الحق إلى احكام القانون )) . وعلى هذا الاساس يتعين على الحزب السياسي إذا ما اراد اصدار صحيفة ان يتبع الاجراءات الواردة في قانون المطبوعات فضلاً عن وجوب توافر الشروط التي يتطلبها هذا القانون فيه . اما قانون الاحزاب السياسية رقم (30) لسنة 1991 فقد نصت م(15) منه على ان (( للحزب السياسي بعد تأسيسه وفق احكام هذا القانون ، ان يصدر صحيفة سياسية أو مجلة سياسية أو كلتيهما على ان يعلم وزير الثقافة والاعلام (3). بذلك )) . وهكذا يتضح لنا الفارق بين كل من احكام م(36) من قانون الجمعيات رقم (1) لسنة 1960 وبين ما تضمنته م (15) فعبارة (( على أن يعلم وزير الثقافة والإعلام بذلك )) تدل على استثناء المطبوعات التي يصدرها الحزب السياسي من احكام قانون المطبوعات النافذ رقم (206) لسنة 1968 (4) . وهذا يعني اتاحة الفرصة امام الاحزاب السياسية لا صدار المطبوعات الدورية دون التقيد بالاحكام الواردة في قانون المطبوعات النافذ ، وخاصةً الاحكام المتعلقة بطلب الاجازة كالشروط والبيانات اللازمة لاصدارها فضلاً عن التحرر من الخضوع لهيمنة الجهات الادارية المختصة بالبت في طلب الاجازة (5) . وبعبارة اخرى فان م (15) اشارت إلى هجر نظام الاجازة (الترخيص) وتبني نظام الاخطار المطلق بالنسبة للمطبوعات الدورية الحزبية ، واذا كان المشرع العراقي قد أعفى المطبوعات الدورية التي تصدرها الاحزاب السياسية من اجراءات الاصدار فما هو موقفه من تداول هذه المطبوعات ؟ وهل هناك قيود مفروضة على النشاط الصحفي الحزبي ؟ في الواقع لم نجد اية اشارة صريحة إلى تنظيم النشاط الصحفي الحزبي في قانون المطبوعات رقم (206) لسنة 1968 ، أو في قانون الاحزاب السياسية النافذ ، غير ان هذا لا يعني اطلاق الصحافة الحزبية دونما معقب أو رقيب ، فوزارة الاعلام بما لها من اختصاص في مجال الاشراف على مجمل النشاط الصحفي تملك صلاحية الرقابة والاشراف على كل ما يتصل بنشاط المطبوعات الدورية التي تصدرها الاحزاب السياسية . واذا ما اطلعنا على نصوص قانون المطبوعات رقم (206) لسنة 1968 لوجدنا انه قد منح وزير الاعلام صلاحيات واسعة لتقييد النشاط الصحفي من خلال تبنيه لنظام التعطيل والالغاء الاداري للمطبوعات (6). فقد منح هذا القانون لوزير الاعلام صلاحية تعطيل المطبوع الدوري وهذا ما اشارت اليه م (23) حيث نصت على انه (( للوزير تعطيل المطبوع الدوري مدة لا تتجاوز (30) يوماً إذا نشر فيه ما يخالف احكام المادتين (16) و (17) من هذا القانون )) (7) .
وبالرجوع إلى نص م (16) نجد انها تمنع المطبوع الدوري من ان ينشر فيه ما ياتي :
1. ما يعتبر مساً برئيس الجمهورية أو اعضاء مجلس قيادة الثورة أو رئيس الوزراء أو من يقدم مقامهم .
2. ما يسيء إلى علاقة العراق بالدول العربية والصديقة .
3. ما يسيء إلى الثورة ومفاهيمها الجمهورية ومؤسساتها وما يروج للافكار الاستعمارية أو الانفصالية أو الرجعية والاقليمية والصهيونية وما يحرض على الاخلال بامن الدولة الداخلي والخارجي .
4. ما يحرض على ارتكاب الجرائم أو عدم اطاعة القوانين أو الاستهانة بهيبة الدولة في المجال الداخلي والخارجي .
5. ما يثير البغضاء أو الحزازات أو بث التفرقة بين افراد الشعب أو قومياته أو طوائفه الدينية المختلفة أو يصدع وحدته الداخلية .
6. ما يشكل طعناً بالأديان المعترف بها في جمهورية العراق .
7. ما يعتبر انتهاكاً لحرمة الآداب والقيم الخلقية العامة .
8. ما من شأنه التأثير على الحكام بصدد الدعاوى التي ينظرون فيها .
9. رأي العضو المخالف في محكمة مؤلفة من هيئة .
10. ما من شأنه التأثير على الادعاء العام أو المحامين أو المحققين أو الشهود أو الرأي العام في قضية معروضة على القضاء .
11. التعرض للغير بما يعتبر تشهيراً أو قذفاً في اشخاصهم لذاتها .
12. الاخبار التي من شأنها اسقاط العملة الوطنية أو سندات القرض الحكومي أو اضعاف الثقة بها في الداخل والخارج .
في حين نصت م (17) على انه (( لا يجوز ان ينشر في المطبوع الا باذن من الجهة الرسمية المختصة :
1. أي بيان أو قول منسوب إلى رئيس واعضاء مجلس قيادة الثورة أو رئيس الوزراء أو من يقوم مقامهم .
2. محاضر الجلسات السرية للمحاكم أو لمجلس قيادة الثورة أو مجلس الوزراء أو المراسلات السرية الرسمية .
3. مداولات مجلس الوزراء أو قراراته أو القرارات الرسمية الاخرى .
4. الاتفاقيات والمعاهدات التي تعقدها الحكومة العراقية وكذلك القوانين والانظمة والتعليمات قبل نشرها في الجريدة الرسمية .
5. سير التحقيق في الجرائم .
6. اوامر حركات القوات المسلحة والشرطة أو اية قوة وطنية اخرى أو ما يتعلق بتشكيلاتها أو تنظيماتها أو اسلحتها أو تعبئتها .
7. القرارات المتعلقة بالتسعيرة أو الاستيراد أو التعريفة الكمركية أو تبادل العملات ))
يتيبن لنا من نص المادتين (16) و (17) مدى الصلاحيات الواسعة التي منحها قانون المطبوعات للسلطة الادارية في فرض نظام التعطيل التي تتضح من خلال مرونة الالفاظ وسعتها في هاتين المادتين فضلاً عن شمولها لموضوعات متعددة ومتنوعة . اما نظام الالغاء الاداري فقد تناوله المشرع العراقي في م (27) حيث نصت على (( أ . تلغى اجازة المطبوع الدوري في الحالات الآتية : . . . . 4. إذا نشر في المطبوع الدوري ما يشكل خطراً على الثورة أو امن الدولة الداخلي أو الخارجي . . . . . 6. إذا اتخذ المطبوع الدوري وسيلة للابتزاز أو الاستغلال غير المشروع . . .)) واشارت م (27) إلى ان الغاء اجازة المطبوع الدوري السياسي اليومي أو الذي يصدر اكثر من مرة في الاسبوع يتم باقتراح من وزير الاعلام وقرار من مجلس الوزراء يصادق عليه مجلس قيادة الثورة ، اما الغاء المطبوعات الدورية الاخرى فيكون قرار من الوزير (8) . وقد نصت ف(ب) من م (27) على ان (( لصاحب المطبوع الدوري حق الاعتراض على قرار الوزير لدى مجلس الوزراء خلال (15) يوماً من تاريخ تبليغه به ويكون قرار المجلس نهائياً)). ولا نرى ان نص ف(ب) يشمل المطبوعات الدورية السياسية اليومية أو التي تصدر اكثر مرة في الاسبوع لان دور الوزير في الغائها يتحدد بتقديم اقتراح إلى مجلس الوزراء ، ولا نعتقد ان الاقتراح يمكن ان يكون محلاً للاعتراض حيث لا يعدو عن كونه مجرد اجراء يمهد لالغاء اجازة المطبوع . وازاء هذه السلطات الواسعة لوزارة الاعلام منع المشرع العراقي المحاكم من سماع الدعاوى المتعلقة بالاجراءات والعقوبات الادارية المتخذة وفقاً لاحكام قانون المطبوعات (9). مانحاً اياها امتيازاً خطيراً تمثل في تحصين اجراءاتها وعقوباتها التي تفرضها من الخضوع لرقابة القضاء ، وبالتالي لا يبقى امام الافراد أو الاحزاب السياسية سوى اللجوء إلى التظلمات الولائية أو الرئاسية (10) . ولا نرى ان اجراء التظلم يمكن ان يقدم حماية فاعلة لحرية الصحافة في مواجهة السلطة الادارية لانه يجعل من الادارة الخصم والقاضي في وقت واحد . ويضاف إلى ما تقدم ان نص ف(ب) من م(30) يشكل مخالفة صريحة للمادة (63) ف(ب) من الدستور التي تنص على ان (( حق التقاضي مكفول لجميع المواطنين)) ، وهذا يحملنا إلى وصفه نصاً غير دستوري شأنه في ذلك شأن كل النصوص التي تعد من الاستثناءات الواردة على الولاية العامة للقضاء في العراق (11) . لذا ندعو المشرع العراقي إلى الغاء نص ف(ب) من م(30) ليتسنى للقضاء ممارسة دوره في ضمان حرية الصحافة في مواجهة الاجراءات والعقوبات التي تفرضها الادارة . ولا شك ان ذلك يفضي إلى توفير ضمانات اكيدة للصحافة الحزبية .
_______________________________
1- نصت م (12) من القانون الاساسي العراقي 1925 على ان (( للعراقيين حرية ابداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام اليها ضمن حدود القانون )) في حين نصت م(10) من دستور 1958 على ان (( حرية الاعتقاد والتعبير مضمونة وتنظم بقانون )) ، اما دستور 29/4/1964 فقد نص في م (30) على ان (( حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة في حدود القانون )) ليكون بذلك اول دستور عراقي يكفل حرية الصحافة بصورة مستقلة ومتميزة عن باقي صور حرية الرأي ، اما دستور 1968 فقد نص في م (32) منه على ان (( حرية الصحافة والطباعة والنشر مصونة وفق مصلحة الشعب وعلى اسس وطنية مكفولة في حدود القانون )) ، ونص مشروع الدستور الدائم 1990 في م (54) على ان (( حرية الصحافة والطباعة والنشر مضمونة وينظم القانون ممارسة هذه الحرية ، ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات الا بموجب احكام القانون )) .
2- جاء في الاسباب الموجبة لهذا القانون (( . . . . وقد ابتنى هذا التشريع الجديد على الاسس التالية . . . . هذا اضافة إلى احكام عديدة اخرى تساعد الاحزاب على القيام بفعالياتها كمنحها الحق في اصدار صحيفة تنطق باسمها بمجرد نشؤها . . . . )) .
3- تعد وزارة الاعلام الجهة المعنية بشؤون الصحافة والمطبوعات بعد فصلها عن وزارة الثقافة .
4- والملاحظ على هذا القانون عدم تضمنه لاحكام خاصة بالصحافة الحزبية .
5- تنظر : المواد (2-7) من قانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968 .
6- يقصد بالتعطيل والالغاء الاداري منع المطبوع من الصدور لفترة مؤقتة أو دائمة من قبل الادارة لنشرة مواداً مخالفة لاحكام قانون المطبوعات أو غيره من القوانين .
7- نصت م (10) من قانون المطبوعات رقم (33) لسنة 1934 على انه (( ليس للحكومة ان تعطل صحيفة سياسية حزبية معلناً فيها انها لسان حال حزب سياسي مجاز قانوناً الا بحكم من المحكمة )) ، وبهذا فقد قدم القانون ضمانة هامة للصحافة الحزبية من خلال منح الادارة من الاخذ بنظام التعطيل واناطة ذلك بالسلطة القضائية ، غير ان هذا النص لم يطبق على صعيد الممارسة الفعلية حيث عطلت في عام 1946 صحف جميع الاحزاب ومنعت من الصدور لمجرد ان تقيم الحكومة الدعوى على صحيفة حزب من الاحزاب بحجة ان صحيفة الحزب عدت اداة جرمية ارتكبت بواسطتها الجريمة ، لذلك يجب ان يحجز العدد موضوع الشكوى والاعداد القادمة التي لم تصدر بعد .
حسين جميل ، الحريات العامة والحركة الوطنية ، مقال منشور في جريدة صدى الاهالي في 6-7-8 آذار 1952.
8- وقد اتسعت صلاحيات وزير الاعلام في ظل الظروف الاستثنائية حيث تم تخويله الصلاحيات الواردة في م(4) ف(ي) من قانون السلامة الوطنية رقم (4) لسنة 1965 بتاريخ 7/2/1965 ، والتي نصت على ان (( . . . . ويجوز كذلك تعطيل الصحف والمجلات لمدة معينة أو الغاء امتيازها )) لمزيد من التفصيل ينظر : د. ابراهيم الداقوقي ، قانون الاعلام، بغداد : وزارة الاوقاف والشؤون الدينية ، 1986 ، ص350-353.
9- م(30) ف(ب) من قانون المطبوعات رقم (206) لسنة 1968 .
10- د. عصام عبد الوهاب البرزنجي ، مجلس شورى الدولة وميلاد القضاء الاداري العراقي ، مجلة العلوم القانونية ، المجلد التاسع ع1-2 ، بغداد ، 1990 ص150-151 .
11- للاطلاع على امثلة لـ هذه النصوص ينظر : د. عصام عبد الوهاب البرزنجي ، الرقابة القضائية على اعمال الادارة في العراق وآفاق تطورها ، مجلة العلوم القانونية ، المجلد الرابع ، ع1-2 ، بغداد ، 1985 ، ص173 وما بعدها .
(محاماة نت)