دراسات قانونية

حق الاعتراض في أحكام الدستور (بحث قانوني)

حق الاعتراض في دستور المملكة الأردنية الهاشمية الصادر عام 1952 :

منح دستور المملكة الأردنية الهاشمية النافذ والصادر عام 1952 رئيس الدولة حق الاعتراض النسبي وذلك طبقاً للمادة 93 منه والتي جاء فيها : ((1- كل مشروع قانون اقره مجلساً الاعيان والنواب يرفع إلى الملك للتصديق عليه.

2- يسري مفعول القانون بإصداره من جانب الملك ومرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية الا إذا ورد نص خاص في القانون على ان يسري مفعوله من تاريخ آخر.

3- إذا لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه ان يرده إلى الملك مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق.

4- إذا رد مشروع أي قانون (ماعدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفترة السابقة ، واقره مجلساً الاعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ إصداره ، وفي حالة عدم إعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق ، فإذا لم تحصل أكثرية الثلثين فلا يجوز إعادة النظر فيه خلال تلك الدورة ، على انه لمجلس الأمة ان يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية)).

وهكذا فيجوز للملك ان يعترض على مشروع القانون فيرده إلى البرلمان مشفوعاً ببيان أسباب الاعتراض وفي تقديرنا ان المشرع الدستوري الأردني كان موفقاً في النص على اشتراط التسبيب وذلك لإيضاح المسوغات التي وضعت الرئيس إلى الاعتراض ، ذاك لان الاعتراض يعتبر مظهر من مظاهر تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة التشريعية وبالتالي فان هذا التدخل يجب ان يكون لمسوغات المقصود التعاون بين السلطتين حتى يمكن تحقيق المصلحة العامة للدولة على خير وجه(1). وقد منحت الفقرة الثالثة من المادة 93 سالفة الذكر للملك مهلة ستة أشهر للموافقة على المشروع أو رفضه فإذا مضت هذه المدة وفقاً للفقرة الرابعة من المادة أعلاه ولم يرد الملك مشروع القانون إلى البرلمان كان سكوته بمثابة إقراراً ضمنياً له وتعين إصداره. اما إذا اعترض الملك على مشروع القانون ورده إلى البرلمان في هذه المدة (ستة أشهر) فان البرلمان يستطيع إقرار المشروع بأغلبية ثلثي أعضائه فاذا تم ذلك اعتبر المشروع قانوناً واصدر. لا بل أكثر من ذلك كما يتضح من النص السالف الذكر فاذا لم يحز القانون أغلبية الثلثين فلا يمكن النظر فيه الا في دور انعقاد آخر غير ان دستور المملكة الأردنية الهاشمية قد تساهل في شرط الأغلبية إذا ما أعاد البرلمان الموافقة على المشروع المعترض عليه في دور انعقاد آخر حيث يكفي لنفاذه وإصداره في هذه المرة ان يحوز المشروع الأغلبية العادية في حين كانت الأغلبية اللازمة للتغلب على الاعتراض في دور الانعقاد الأول هي أغلبية الثلثين ، وما يجدر ذكره انه لا يمكن أعمال حكم التساهل هذا الا بنص صريح في الدستور(2). نخلص من كل ما سبق ان دستور المملكة الأردنية الهاشمية اعتبر صلاحية الملك في تصديق القوانين العادية هي صلاحية اعتراض نسبي بصورته الموصوفة ولم يقصد به التصديق بمعناه الفني (اعتراض مطلق) كجزء من العملية التشريعية(3). وحق الاعتراض النسبي هو حق تنفيذي يستخدمه الملك بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية والآثار المترتبة على استخدام هذا الحق تنحصر في تأجيل صدور القانون حتى تهيأ دراسته مرة أخرى في ضوء اعتراضات وملاحظات الملك فإذا أصر البرلمان على رأيه يصدر القانون(4).

__________________________

1- د. محمد كامل ليله ـ النظم السياسية ـ مصدر سابق ـ ص583.

2- ومن الدساتير التي نصت على هذا الحكم دستور الكويت الصادر عام 1962 في المادة 66 منه، إذ اكتفى بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس إذا عاد المجلس إلى إقرار المشروع المعترض عليه في دور انعقاد آخر ، في حين ان الأغلبية المشترطة للتغلب على الاعتراض في دور الانعقاد الأول هي أغلبية الثلثين د. سليمان الطماوي السلطات الثلاث ـ ط5 ص130.

3- ذهب المجلس العالي لتفسير الدستور في الأردن بقراره رقم (1) الصادر في 14/1/1955 ان حق التصديق المخول للملك ، مع انه حق اعتراض نسبي اعتبر من قبيل العملية التشريعية حيث يقول : ((يتضح جلياً ان الدستور جعل القانون في هذه المملكة ثمرة عمليات ثلاث مجتمعة ومتكاملة وهي : تقديم المشروع من رئيس الوزراء إلى مجلس الأمة وموافقة مجلس الأمة على هذا المشروع وتصديق جلالة الملك عليه)). د. عادل الحياري ـ مصدر سابق ـ ص771 .

4- د. سالم الكسواني ـ مباديء القانون الدستوري ، عمان ، 1983 ، ط الأولى ، ص299.

حق الاعتراض في الدستور اليمني الصادر عام 1990والمعدل في عام 1994 :

تبنت أغلب الدساتير حق الاعتراض النسبي لانه يمثل حلاً وسطاً إذ بموجبه يكون لرئيس الدولة حق إيقاف مشروع القانون ، وبالمقابل يعطي للبرلمان فرصة للتغلب عليه وفقاً للشروط التي يشترطها …. ومن الدساتير التي أقرت بهذا الحق لرئيس الدولة الدستور اليمني الصادر عام 1990 والمعدل عام 1994 ، والذي بموجبه أعطى رئيس الدولة حق طلب إعادة النظر في أي مشروع قانون أقره مجلس النواب ، ويجب عليه حينئذ ان يعيده إلى مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ رفعه إليه بقرار مسبب ، فإذا لم يرده إلى المجلس خلال هذه المدة او رده إليه وأقره ثانية بأغلبية مجموعة أعضائه اعتبر قانوناً وعلى رئيس الجمهورية إصداره خلال أسبوعين ، فإذا لم يصدره اعتبر صادراً بقوة الدستور دون حاجة إلى إصداره(1). ويتبين لنا ان رئيس الدولة اليمني عندما يمارس حقه في الاعتراض على مشروعات القوانين الصادرة من مجلس النواب فانه تكون له سلطته التقديرية في استخدام هذا الحق ولذلك فقد لا يستخدمه رئيس الدولة إذا ما وجد ان مشروع القانون المحال إليه من مجلس النواب غير مخالف لاحكام الدستور وملائم سياسياً لظروف الدولة وبالتالي يحقق الصالح العام فلرئيس الدولة في اليمن الموافقة الصريحة على مشروع القانون وتكون في خلال ثلاثين يوماً من تاريخ رفعه إليه وبهذه الموافقة يصبح المشروع قانوناً ويصدره رئيس الجمهورية وينشر في الجريدة الرسمية. وقد يحتفظ رئيس الدولة بمشروع القانون ولا يرده إلى مجلس النواب خلال مدة الثلاثين يوماً المنصوص عليها في الدستور ، وبانتهاء تلك المدة فان مشروع القانون يعد قانوناً وعلى رئيس الدولة ان يصدره خلال أسبوعين وإذا لم يصدره يعد صادراً بقوة الدستور دون حاجة إلى إصداره وهذا ما يمكن تسميته بالموافقة الضمنية. اما إذا استخدم الرئيس حقه في الاعتراض على مشروع القانون فان النص الدستوري قيد هذا الحق بقيدين هما ان يعيد الرئيس المشروع إلى مجلس النواب خلال الفترة الدستورية المقررة وهي الثلاثين يوماً تبدأ من تاريخ رفعه إليه لإصداره . ففوات اليوم الثلاثين كاملاً دون ان يقوم الرئيس بإعادة المشروع إلى مجلس النواب بقرار مسبب يفسر على انه موافقة ضمنية من جانب الرئيس. اما القيد الثاني فهو تسبيب الاعتراض ، إذ استوجب المشرع الدستوري اليمني ان يكون قرار الاعتراض مسبباً ، وهذا الشرط يقتضي وجوب بيان المواد المعترض عليها ، وسبب الاعتراض ، واقتراح الصيغ القانونية المناسبة أو بيان المواد المراد أضافتها ، والمواد المراد حذفها من مشروع القانون الذي اعترض عليه ، وتقرر رده إلى مجلس النواب خلال مدة الثلاثين يوماً من رفعه إلى رئيس الجمهورية لإصداره(2). وعليه إذا رد المشروع القانون المعترض عليه إلى مجلس النواب بقرار مسبب خلال مدة الثلاثين يوماً من تاريخ رفعه إليه ، يخضع قرار الاعتراض هذا للمناقشة من مجلس النواب وله الحق في إقرار مشروع القانون مرة أخرى بأغلبية مجموع أعضائه وهنا يعد قانوناً وعلى رئيس الدولة إصداره خلال أسبوعين وإذا لم يصدره عد صادراً بقوة الدستور. وفي حالة عدم حصول المشروع المعترض عليه على أغلبية مجموع أعضاء مجلس النواب ففي تقديرنا انه يمكن للمجلس ان يعيد النظر في المشروع ذاته وفي دور الانعقاد نفسه إذا شاء . بالرغم من صمت الدستور عن هذا الحكم ، فقواعد التفسير تقضي بانه لا يجوز عدم السماح النظر في المشروع المعترض عليه والذي لم يحصل على الأغلبية المطلوبة دستورياً مدة معينة في الدساتير التي لم تنص عليه صراحة. وحينئذ يكون من حق المجلس إذا شاء ان يعيد الموافقة على مشروع القانون ، ويكون في وسع رئيس الدولة ان يعيد الاعتراض عليه حتى يحصل على الأغلبية المطلوبة(3).

________________________

1- أنظر المادة (101) من دستور الجمهورية اليمنية الصادر عام 1990 والمعدل عام 1994.

2- عبد الحق المغربي ـ مصدر سابق ـ ص1990.

3- سليمان الطماوي ـ السلطات الثلاث ط5 ـ مصدر سابق ـ ص130.

حق الاعتراض في الدستور المصري الصادر عام 1971 :

يعتبر حق الاعتراض من حقوق رئيس الدولة التقليدية التي درجت الدساتير المصرية المتعاقبة على تنظيمه ، فالدساتير المصرية السابقة على دستور 1923 كانـت تقر لرئيس الدولة بحق التصديق على القوانين بمعناه الدقيق ، فيترتب على عدم موافقته على مشروعات القوانين قبرها واندثارها نهائياً ، ومن ثم لا يستطيع المجلس النيابي التغلب على إرادة رئيس الدولة في هذا الشأن ، اما الدساتير الصادرة بعد دستور 1923 وما تلاه فقد أخذت بحق الاعتراض النسبي هذا الحقً يفترض انه إذا لم يوافق رئيس الدولة على مشروع قانوناً ما فان هذا القانون يمكن إصداره رغم هذا الاعتراض إذا اقره البرلمان مرة ثانية وان كان يشترط في هذا الشأن توافر أغلبية خاصة تزيد على الأغلبية العادية(1). وهكذا منح الدستور المصري النافذ الصادر عام 1970 رئيس الدولة حق الاعتراض النسبي صراحة إذ قضت المادة (12) منه على إعطاء رئيس الدولة حق الاعتراض على القوانين(2). اما المادة (13) منه فقد أقرت بانه (إذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون وأقره مجلس الشعب رده إليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغ المجلس اياه، فاذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد أعتبر قانوناً واصدر ، وإذا رد في الميعاد المتقدم إلى المجلس وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه اعتبر قانوناً واصدر). ويتبين لنا من هذا النص ان الدستور المصري قد عد ان سلطة رئيس الدولة هي سلطة نسبية مؤقته غير نهائية ، ورئيس الدولة عندما يمارس سلطته في الاعتراض على مشروعات القوانين فهي لا تخرج عن أحد الاحتمالات الآتية :

1- موافقة الرئيس على مشروع القانون على ماهو عليه خلال 30 يوماً وبذلك يصبح مشروع القانون قانوناً، ويتم ذلك بان يمنح الرئيس توقيعه على القانون وفق للنموذج الذي اعتاده قبل ان ينتهي اليوم الأخير في المدة المقررة ، وتحسب مدة الثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغ المجلس لرئيس الدولة بالمشروع ، ويتضح من هذا رغبة واضعي الدستور في اتاحة الفرصة كاملة أمام الرئيس لدراسة المشروع دراسة وافية ، ولذلك فان سريان المدة يبدأ من تاريخ اليوم الذي يوضع فيه المشروع تحت تصرف الرئيس فعلاً بغض النظر عن تاريخ موافقة المجلس عليه. وما تجدر ملاحظته ان مدة الثلاثين يوماً هي المدة المحددة لرد الرئيس على المجلس فلا يكفي ان يوافق الرئيس على القانون صراحة خلال هذه المدة وانما يشترط ان تصل موافقته إلى المجلس حتى اليوم الأخير فيها(3). وأهمية هذه الملاحظة لا تثور الا بالنسبة لرفض الرئيس ـ لان صمته حتى فوات المدة المقررة قد فسره الدستور على انه موافقة) (4).

2- اما إذا احتفظ الرئيس بمشروع القانون عنده من دون موافقة ولم يعده إلى مجلس الشعب خلال الفترة المحددة دستورياً فان المشروع يصبح قانوناً بدون الموافقة الصريحة أو الاعتراض الصريح للرئيس.

3- واخيراً قد يعترض الرئيس على مشروع القانون ويعيده إلى مجلس الشعب خلال المدة المقررة دستورياً. وهنا على الرغم من صمت النص فان رئيس الجمهورية المصرية يلتزم تسبيب اعتراضه حتى يمكن المجلس من ان يدرس مبررات الرفض ويقرر في ضوئها إعادة الموافقة على القانون من عدمه. وهذا ما يفهم من تقرير اللجنة الخاصة التي شكلت لدراسة اعتراض الرئيس بمناسبة قانون الضرائب والذي رده الرئيس السادات إلى المجلس في خلال المدة المحددة في 31 مايو سنة 1978 ويعتبر هذا أول استخدام لحق الاعتراض في التاريخ الدستوري المصري. فقد ورد في التقرير ((انه في حالة إعادة المشروع فان المجلس يستعيد سلطاته من جديد ، ويمارسها في استقلال ، فله ان يأخذ بما راه رئيس الجمهورية سبباً استوجب اعتراضه وله ان يتمسك بوجهة نظره))(5). بيد ان لرئيس الجمهورية الحرية الكاملة في تقييم مشروع القانون ، وله في هذا الصدد ان يوافق عليه كلياً أو جزئياً ، فعلى الرغم من صمت النص الا انه يفهم من تقرير اللجنة الخاصة ان الرئيس يمكنه الاعتراض الجزئي على القانون ، أي ان يرفض بعض بنوده فقط(6). على خلاف ما جرى عليه العمل في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد ان يصل المشروع المعترض عليه من قبل رئيس الجمهورية إلى المجلس خلال المدة المحددة دستورياً ، يجري التصويت من جديد على القانون ولا يمكن للمجلس ان يتغلب على اعتراض الرئيس الا إذا أعاد الموافقة على المشروع بأغلبية ثلثي أعضائه ، والنص صريح في ذلك فلا يكفي اذن ان يوافق المجلس على المشروع بأغلبية ثلثي الحاضرين ويلحق في هذه الحالة إذا وافق المجلس على اعتراضات الرئيس جزئياً ، أي اقر بعضها ورفض البعض الآخر. اما إذا أقر المجلس اعتراضات الرئيس فيكفي في هذه الحالة الموافقة على القانون بالأغلبية العادية(7). وما يجوز ذكره ان الدستور المصري النافذ لم يأخذ بما أخذ به الدستور المصري الصادر عام 1923 إذ اباح هذا الدستور الأخير للسلطة التشريعية حق إقرار مشروع القانون (الذي امتنع المجلس عن النظر في المشروع في دور الانعقاد السابق لحصوله على أغلبية أقل من الثلثين) في حالة اعتراض رئيس الدولة ان تقره السلطة التشريعية بالأغلبية المطلقة إذا تمت مناقشة المشروع في دور انعقاد آخر اما دستور 1971 فقد اشترط ضرورة موافقة ثلي الأعضاء لإصدار القانون بالرغم من اعتراض رئيس الدولة مهما طال الوقت على الموافقة الأولى أي حتى لو كان ذلك في دور انعقاد آخر(8).

__________________________________

1- عرفت مصر حق الاعتراض لأول مرة في دستورها الصادر عام 1882 ، فقد جاء في المادة (25) منه على ان (لا يكون المشروع قانوناً مالم يتل في مجلس النواب ثم يجري التصديق عليه من طرف الحضرة الخديوية). وقد اعتبر الفقه المصري هذا النص تكريساً للتصديق الملكي الذي يمنح الخديوي حق الاعتراض المطلق فموافقته تعتبر شرط جوهري لوجود القانون، اما اعتراضه فانه يؤدي إلى سقوطه واندثاره.اما الدستور الملكي المصري الصادر عام 1923 فقد كان يأخذ بحق الاعتراض النسبي على مشروعات القوانين التي تقرها الهيئة التشريعية في المواد 25 ، 34 ، 35 ، 36 على الوجه الآتي :مادة (25) : ((لا يصدر قانون الا إذا قرره البرلمان وصدق عليه الملك)) ، مادة 34 : ((الملك يصدق على القوانين ويصدرها)) ، مادة 35 : ((إذا لم ير الملك التصديق على مشروع قانون اقره البرلمان ، رده إليه في مدى شهر لاعادة النظر فيه ، فإذا لم يرد القانون في هذا الميعاد عد تصديقاً من الملك وصدر)) اما المادة 36 فقد نصت (إذا رد مشروع القانون في الميعاد المتقدم واقره البرلمان ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين صار له حكم القانون واصدر ، فإذا كانت الأغلبية أقل من الثلثين أمتنع النظر في القانون في دور الانعقاد نفسه فإذا عاد البرلمان في دور انعقاد آخر إلى إقرار ذلك المشروع بأغلبية الآراء المطلقة صار له حكم القانون وأصدر)، وعليه فللملك حق اعتراض نسبي وله ان يرد المشروع للبرلمان ثانية وذلك في ظرف شهر من تاريخ احالته إليه والا عد ذلك تصديقاً على مشروع القانون. وقد أشار الدستور الملكي المصري الصادر عام 1930 هو الآخر إلى حق الاعتراض النسبي فقد جاء في المادة 35 منه (إذا لم ير الملك التصديق على مشروع قانون ، أقره البرلمان رد إليه في مدى شهرين لاعادة النظر فيه. فاذا لم يرد القانون في هذا الميعاد عد ذلك رفضاً للتصديق ـ ولا يجوز ان يعد البرلمان في دور الانعقاد نفسه النظر في مشروع رفض التصديق عليه). كذلك نصت المادة 36 من الدستور نفسه على انه (إذا اقر البرلمان ذلك المشروع في دور انعقاد آخر من الفصل التشريعي نفسه بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين صار له حكم القانون واصدر). وقد أخذت الدساتير المصرية في العهد الجمهورية بحق الاعتراض النسبي أيضاً حيث تبنت نظاماً موحد على غرار الاعتراض في الدستور الأمريكي وصورته انه إذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون رده إلى مجلس الشعب في مدى ثلاثين يوماً من تاريخ إبلاغ المجلس اياه ، فاذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتبر قانوناً واصدر)).. وإذا رد مشروع القانون في الميعاد المتقدم إلى المجلس وأقره ثانية بموافقته ثلثي أعضائه اعتبر قانوناً واصدر)). فالدستور المصري الصادر عام 1956 نص على هذا الحق في المواد 132 ، 133 ، 134. ودستور الجمهورية العربية المتحدة المؤقت الصادر عام 1958 نص عليه في المواد 116 ، 117 ، 118 والدستور المصري الصادر عام 1964 في المواد 116 ، 117 ، 118. والدستور المصري النافذ الصادر سنة 1971 في المواد 112 ، 113. أنظر د. محمود حلمي ـ مصدر سابق ص237 ، ود. إبراهيم عبد العزيز شيحا ـ القانون الدستوري ـ تحليل النظام الدستوري المصري في ضوء المباديء الدستورية العامة ـ مصدر سابق ـ ص321. لسيد صبري مباديء القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص329ـ330.

2- م/12 من الدستور المصري الصادر عام 1970 : ((لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين ، والاعتراض عليها)).

3- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص102.

4- التساؤل عن إمكانية تطبيق فرض ((اعتراض الجيب)) في مصر إذا فضت الدورة البرلمانية قبل انتهاء المدة المحددة لدراسة المشروع ؟ ويرى بغير تردد إلى عدم الأخذ به في مصر ، فاعتراض الجيب The Pocket Veto الموجود في النظام الأمريكي قائم على صريح نص الدستور نفسه (المادة الأولى ـ الفقرة السابعة) ولا يوجد في مصر نص مقابل ، فعدم الاعتراض في مدى ثلاثين يوماً يعد تنازلاً عن الاعتراض سواء كان المجلس منعقداً ام غير منعقد ، وفي الحالة الأخيرة فليس ثمة ما يمنع من إعادة القانون إليه لان مكتب المجلس ـ أو حتى هيئة الإدارية مازالت قائمة تستطيع ان تتلقى مثل هذا الرد. ينظر د. مصطفى أبو زيد فهمي ، النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية المتحدة ـ مصدر سابق ـ ص482.

5- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص204ـ207.

6- فقد ورد في تقرير اللجنة الخاصة أعلاه في ص5 عمود 1 ((ان الاعتراض لا يعيد طرح المشروع برمته من جديد لمناقشة كل مادة من مواده ، واعادة إقرارها مالم يكن منصبا على المشروع بأكمله ، بل انه يعيده لاعادة النظر في الأحكام التي جرى الاعتراض عليها ، أو للنظر في اقامة ماقد يرى رئيس الدولة انه ضروري ليحقق القانون أهدافه)). عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص204ـ205.

7- مصطفى أبو زيد فهمي ـ مصدر سابق ـ ص482.

8- د. إبراهيم عبد العزيز شيحا ـ النظام الدستوري المصري ـ مصدر سابق ـ ص321.

حق الاعتراض في الدستور اللبناني الصادر عام 1927 والمعدل عام 1947 :

خول المشرع الدستوري اللبناني رئيس الدولة حق اقتراح مشاريع القوانين كما مكنه من حق الاعتراض على ” نص تشريعي ” تمت الموافقة عليه من قبل مجلس النواب ومن ثم يستوجب ان يكون الاعتراض خلال المدة الزمنية المحددة دستورياً للنشر(1). ومن خلال قراءتنا المتأنية لاحكام المادة (57) من الدستور يظهر جلياً حق اعتراض الرئيس على مشروع القانون ليس بالاعتراض المطلق ومن ثم فهو اعتراض نسبي. وبالتالي فان طلب ” إعادة النظر ” ماهو الا جراء توقيفي يهدف إلى تعليق القانون إلى حين ومرد ذلك ، ان الذي يمنح الصفة القانونية للنص التشريعي ، موافقة البرلمان عليه، حيث جاء في المادة المذكورة ((لرئيس الجمهورية الحق في ان يطلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة في خلال المهلة المعينة لنشره ولا يجوز ان يرفض طلبه ، وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حل من نشر القانون إلى ان يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه وإقراره بالأغلبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً)). وعليه فعندما يرسل مشروع القانون الموافق عليه من قبل مجلس النواب إلى رئيس الدولة فله ان يوقع المشروع خلال المدة المحددة لنشر القانون وهي مدة شهر من تاريخ إحالة المشروع إلى الحكومة وبذلك يصبح المشروع قانوناً ، اما إذا مضت هذه المدة ولم يرد الرئيس مشروع القانون إلى المجلس كان سكوته بمثابة إقراراً ضمنياً للقانون وتعين إصداره. وكذلك بالنسبة للقوانين التي قرر المجلس استعجال نشرها قيتم الاعتراض عليها خلال خمسة ايام وهي المدة التي حددتها الفقرة الأخيرة من الدستور لنشر مثل هذه القوانين(2). ولكن إذا استخدم الرئيس حقه في الاعتراض فان النص الدستوري قيد هذا الحق بقيد واحد هو ان يلتزم رئيس الدولة بتسليم اعتراضه إلى مجلس النواب خلال المدة المحددة لنشر القانون وهي مدة شهر من تاريخ إحالة المشروع إلى الحكومة ويكون ذلك بمرسوم موقع منه ومن رئيس مجلس الوزراء والوزراء المختصين عملاً بقاعدة التوقيع الوزاري الإضافي المنصوص عليها في المادة 54 من الدستور(3). والملاحظ ان النص الدستوري لا يلمح إلى اشتراط تسبيب مرسوم الاعتراض . خلافاً لما ألفت عليه سائر الدساتير بهذا الخصوص . على انه بإمكان الرئيس ان يعرض هذه الأسباب في حيثيات المرسوم الذي يتخذه لهذه الغاية، أو حتى في رسالة تفسيرية يوجهها إلى المجلس ، مع المرسوم باعادة المشروع إليه. ومسوغ هذا الوضع هو ان الرئيس سيجد نفسه مضطراً إلى بيان أسباب اعتراضه حتى لو لم يتطلب الدستور ذلك حتى يحيط المجلس بالدوافع التي دفعت برئيس الدولة إلى الاعتراض وان يحدد موقفه في ضوئها(4). وعليه فاذا اعترض رئيس الدولة على مشروع القانون ورده إلى المجلس خلال مدة الشهر بعد إحالة المشروع الحكومة فان المجلس يستطيع إقرار المشروع ثانية بالأغلبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً أي بأغلبية خمسين صوتاً(5). ولقد نص الدستور صراحة على انه لا يجوز لرئيس الدولة ان يمارس حقه في الاعتراض بالنسبة إلى مشروع قانون معين الا مرة واحدة ، ولكن هذا الحكم مفهوم ضمناً حتى لو لم ينص عليه الدستور صراحة ، لانه متى ما اعترض رئيس الدولة على مشروع قانون فان الأمر لا يخرج عن أحد الاحتمالين : فاما ان يعيد المجلس الموافقة على المشروع المعترض عليه بالأغلبية التي يتطلبها الدستور ، وهنا تفرض الدساتير على رئيس الدولة ان يصدر القانون ، فلا يتصور ان يعيد الاعتراض عليه مرة ثانية لعدم جدوى ذلك ، ولان هذا يعتبر خروجاً على حكم الدستور الذي يلزم رئيس الدولة بإصدار القانون والاحتمال الآخر الا تتم الموافقة على المشروع المعترض عليه بالأغلبية المطلوبة ، وحينئذ يكون الاعتراض قد انتج أثره ، فلا محل لتجديده(6). ومع التسليم بفائدة منح رئيس الدولة حق الاعتراض على مشروع القانون وطلب إعادة النظر فيه مرة أخرى لاسباب يراها على ان تكون الكلمة النهائية في يد الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب الا ان الدستور اللبناني قد وقع مع ذلك في خطأ فني ذلك لان المادة 57 منه قررت لنفاذ القانون ان تقره عند إعادة النظر فيه الأغلبية المطلقة لمجموع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ، بينما الوزارة تتخلى عن مركزها إذا فقدت الأغلبية العادية التي قد لا تتجاوز ربع عدد أعضاء المجلس زائد واحد. وعلى ذلك يجوز لهذه الأغلبية إذا لم تتوافر عند إعادة النظر في القانون الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ان تعمد ، إذا رأت أهمية القانون المعترض عليه ، إلى حقها في إسقاط الوزارة ، بل وكل وزارة تأتي بعد ذلك وتقبل استخدام حق الاعتراض ، وهكذا اما ان يقبل رئيس الجمهورية إصدار القانون رغم عدم توفر الأغلبية المطلوبة واما ان يعمد إلى حل المجلس حلاً رئاسياً إذا توافرت شروطه ، وإذا جاءت الانتخابات الجديدة بأغلبية مماثلة للمجلس القديم فيبدو من المتعذر على رئيس الجمهورية التمسك بحق الاعتراض وهذا الوضع شاذ انما نتج ـ كما سبق وذكرنا ـ عن اشتراط أغلبية خاصة عند إعادة النظر في القانون تزيد عن الأغلبية التي تملك الاقتراح بعدم الثقة بالوزارة(7). ولهذا فان حق الاعتراض الذي منحه الدستور اللبناني لرئيس الجمهورية ولد ميتاً ، ونعتقد ان حق الاعتراض كان يمكن ان يكون مقبولاً وفعالاً لو اشترط الدستور الأغلبية العادية الكافية لإسقاط الوزارة، لان حق الاعتراض كما جاء من شأنه ان يخلق أزمات دستورية تعوق سير النظام البرلماني في لبنان. اما القول بان حق الاعتراض هو من الحقوق المعترف بها في أكثر بلاد العالم ، وان الدستور الأمريكي وغيره من الدساتير الحديثة قد أخذت به ، فيمكن الرد على هذا القول بان الدستور الأمريكي قام على مبدأ الفصل التام بين السلطات وان السلطة التنفيذية في هذا النظام مستقلة ولا يوجد مبدأ المسؤولية الوزارية كما سبق وذكرنا والسلطة التشريعية مستقلة بدورها ولايجد الرئيس التنفيذي هناك أية وسيلة لحماية نفسه من اندفاع السلطة التشريعية وبما انه ليس له حق تأجيل المجلس أو حله لذلك كان من المنطق منحه حق الاعتراض ، اما في لبنان فالسلطة التنفيذية مسلحة بحقوق كثيرة ، وان إعطاءها حقاً يسمح لها بعمل واسع السلطان ، وضد مبدأ حق الأغلبية العادية في عمل التشريع انما يكون إعطاء مبالغٍ ولا يبرر التوازن الواجب بين السلطات ، والدليل على صحة هذا الرأي ما يجري عملياً في لبنان ، فعندما ما يحال إلى المجلس مجدداً لخوفه من عدم توفر الأغلبية المطلقة وتفادياً من حصول أزمات دستورية يرى المجلس أكثر الأحيان انه بالغنى عنها(8).

________________________________

1- نصت المادة 56 من الدستور اللبناني النافذ على ان : ((رئيس الجمهورية ينشر القوانين التي تمت عليها الموافقة النهائية في خلال شهر بعد إحالتها إلى الحكومة . اما القوانين التي يتخذ المجلس قراراً خاصاً بوجوب استعجال نشرها فيجب ان ينشرها في خلال خمسة ايام)).

2- د. محسن خليل ـ النظم السياسية والدستور اللبناني ـ مصدر سابق ص821.

3- د. امون رباط ـ مصدر سابق ـ ص706.

4- د. سليمان الطماوي ـ سلطات الثلاث ط5 ـ مصدر سابق ـ ص128.

5- نص الدستور على ان قرار المجلس للتشريع العادي عليه يكون ((بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً)) هذا مع عدم اشتراط نسبة خاصة لامكان انعقاد المجلس الأمر الذي يؤدي إلى تطبيق القاعدة العامة في هذا الخصوص المنصوص عليها في المادة 50 من النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني وهي انه ((لا تفتح جلسة المجلس الا بحضور أكثر من نصف أعضائه ولا يجوز التصويت الا بحضور هذا النصاب في قاعة المجلس)) د. محسن خليل ـ النظم السياسية والدستور اللبناني ـ مصدر سابق ـ ص820.

6- د. سليمان الطماوي ـ السلطات الثلاث ط5 ـ مصدر سابق ـ ص129.

7- د. السيد صبري ـ النظم الدستورية في البلاد العربية ـ مصدر سابق ـ ص320.

8- د. حسن الحسن ـ مصدر سابق ـ ص318 و 319.

حق الاعتراض في الدستور العراقي الصادر عام 1970 :

باستقراء نصوص الدستور العراقي النافذ والصادر عام 1970 يتضح لنا انه لابد من التمييز بين مشروعات القوانين التي ينفرد مجلس قيادة الثورة بإقرارها بموجب صلاحيته الممنوحة له بموجب الفقرة (أ) من المادة (42) من الدستور ، وحالة مشروعات القوانين المقرة من قبل المجلس الوطني بالاشتراك مع مجلس قيادة الثورة بموجب الاحكام التي قررتها المواد (52) ، (53) ، (54) من الدستور(1). وسنتناول كلاً من هاتين الحالتين على الوجه الآتي :

أولاً ـ بالنسبة لمشروعات القوانين المقرة من قبل مجلس قيادة الثورة منفرداً ، فقد جاء في نص المادة (42) من الدستور ((يمارس مجلس قيادة الثورة الصلاحيات التالية : أ- إصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون ..)). يتبين من هذا النص انه يقرر لمجلس قيادة الثورة صلاحية تشريع كاملة ، فله ان يتقدم بمشروعات القوانين التي يراها ثم يقوم بالتصويت عليها وإقرارها ثم تصدر منه مباشرة لتدخل حين التنفيذ. اما ما ورد في الفقرة (ب) من المادة (44) من الدستور كإحدى الصلاحيات التي يمارسها رئيس مجلس قيادة الثورة ما نصه ((توقيع القوانين الصادرة عن المجلس)) ـ أي مجلس قيادة الثورة ، فلا يعدو كونه عملاً إدارياً ان اجاز التعبير وليس عملاً تشريعياً يصل إلى معنى التصديق ، ثم ان رئيس مجلس قيادة الثورة هو أحد أعضاء هذا المجلس في ذات الوقت (المادة 38/ ف أ) وهو بهذه الصفة يساهم في التصويت على مشروع القانون سواءً كان بالموافقة ام الرفض ، فلا معنى بعد ذلك من تكرار منحه حق التصديق أو الرفض بعد ان سبق وأعطى رأيه بهذا الخصوص (2). وعليه تبين لنا من ذلك إلى عدم وجود حق الاعتراض (سواء المطلق أو النسبي) على القوانين التي يصدرها مجلس قيادة الثورة بمقتضى الصلاحية الممنوحة له بموجب الفقرة (أ) من المادة (42) من الدستور.

ثانياً – اما بالنسبة لمشروعات القوانين المقرة من قبل المجلس الوطني بالاشتراك مع مجلس قيادة الثورة فلم يمنح الدستور رئيس الدولة حق الاعتراض على مشروعات القوانين حيث لا يوجد بين نصوص الدستور ما يشير بوضوح إلى منح الرئيس هذا الحق(3). بيد ان الدستور في المادة الثانية والخمسين والثالثة والخمسين والرابعة والخمسين قد خص مجلس قيادة الثورة بحق الموافقة على جميع مشاريع القوانين مهما يكن مصدرها. وفي حالة حصول خلاف بين المجلسين فان حسم هذا الخلاف قرره الدستور للمجلسين مجتمعين وبأغلبيته الثلثين وعندها سيكون الدور الحاسم في الأمر للمجلس الوطني وذلك لان مجموع أعضائه (250) عضو ويشكل عددهم (12) ضعفاً لعدد أعضاء مجلس قيادة الثورة. ومع هذا فقد يتمكن أعضاء مجلس قيادة الثورة من إقناع أعضاء المجلس الوطني بوجهة نظرهم بالنظر لاطلاعهم المباشر والتفصيلي على مجريات الأحداث ، ذلك لان الحكمة من نص الدستور على الدعوة إلى اجتماع مشترك هي لاطلاع أعضاء المجلس على وجهات النظر المتباينة لهم مما قد يؤدي إلى الخروج بقناعة مشتركة تقرب وجهات النظر(4). كما ان رئيس مجلس قيادة الثورة هو حكما رئيس الجمهورية (م/38 فق أ) فان اجتماع هاتين الصفتين معاً لم يعد هناك ضرورة تستوجب تقرير حق الاعتراض لرئيس الدولة في العراق ، ومع هذا فان الواقع السياسي كان مختلف تماماً عن الواقع الدستوري فالرئيس زوال حق الاعتراض أمام المجلس الوطني على الرغم من عدم وجود أي نص دستوري يسمح له بممارسة هذا الحق. فمن خلال مراجعة المراسلات الخاصة بمشروعات القوانين المحاله إلى المجلس الوطني وجود سابقتين رد فيها. رئيس الجمهورية مشروع القانون إلى المجلس الوطني بعد إقرار الأخير له ومن ثم رفعه إلى رئيس الجمهورية لإصداره . السابقة الأولى هي مشروع قانون نقل الركاب بسيارات الأجرة الذي كان المجلس الوطني قد اقره في جلسته المنعقدة بتاريخ 13/4/1983 من دورته الأولى لعام 1983 ، حيث بعث رئيس الجمهورية رسالة مسببة بتاريخ 4/5/1983 إلى المجلس الوطني طالباً فيها إعادة النظر في المشروع في ضوء المقترحات التي تضمنتها الرسالة، وقد أعاد المجلس الوطني النظر في مشروع القانون المذكور في ضوء رسالة الرئيس ، إذ أرسل كتاباً إلى مجلس قيادة الثورة / مكتب أمانة السر بتاريخ 16/5/1983 يتضمن إعادة النظر في مشروع القانون المشار إليه وأخذ بالمقترحات الواردة في الرسالة(5). اما السابقة الثانية فهي مشروع قانون الاحزاب السياسية(6). فعندما رفع هذا المشروع إلى رئيس الجمهورية لإصداره أعاده بموجب كتاب الاعتراض بتاريخ 19/8/1991 إلى المجلس الوطني طالباً أعادة النظر فيه في ضوء التعديلات التي اقترحها الرئيس ، أحيل الموضوع على اللجان الأربع المختصة في المجلس الوطني ، وهي لجنة الشؤون القانونية والإدارية ، ولجنة الخدمات العامة وشؤون المواطنين ، ولجنة العلاقات العربية والدولية ، ولجنة الثقافة والشباب ، حيث قامت كل منها بدراسة الموضوع وقدمت رأيها ومطالعتها بشأنه وفقاً للمقترحات الواردة في كتاب الاعتراض. وقد أقر المجلس الوطني المشروع بتعديلاته كافة في ضوء تلك المقترحات(7). والحقيقة ان رد رئيس الجمهورية مشروع القانون إلى المجلس الوطني بعد اقرار الأخير له انما كان يعد في تقديرنا بداية لنشوء قاعدة عرفية تسمح لرئيس الدولة في العراق بموجب دستور 1970 بممارسة حق الاعتراض. وعليه نأمل من مشرعنا الدستوري ان يتلافى هذا النقص الدستوري في الدستور العراقي الجديد ويمنح رئيس الدولة حق الاعتراض التوقيفي على مشروعات القوانين مجاراة للواقع الدستوري في معظم الدول الديمقراطية.

___________________________

1-أنظر نصوص هذه المواد في دستور 19 تموز لعام 1970.

2- عبدالله رحمة الله ـ المصدر السابق ـ ص221.

3- د. عبد الباقي البكري ـ المدخل لدراسة القانون والشريعة الإسلامية ـ مطبعة الآداب ـ النجف، 1972 الجزء الأول ، ص317.

4- ينظر د. حميد الساعدي ـ مصدر سابق ـ ص214.

5- وثائق جلسات المجلس الوطني ، المراسلات الخاصة بجلسات المجلس الوطني لعام 1983 ، قسم السكرتارية والضبط ، المجلس الوطني.

6- نشر هذا القانون في الوقائع العراقية ، العدد 3371 بتاريخ 16/9/1991.

7- اعيد مشروع القانون المذكور إلى المجلس الوطني بواسطة كتاب الاعتراض الذي يتضمن مقترحات بتعديل المواد 3 ، 5، 15 ، 17 ، 18 ، 24 ، إذ ارفق مع هذا الكتاب جدول يوضح المقارنة بين المواد المذكورة والتي اقرها المجلس الوطني والنص الجديد لهذه المواد المقترحة من قبل رئيس الجمهورية ، راجع : وثائق جلسات المجلس الوطني ، المراسلات الخاصة بجلسات المجلس الوطني لعام 1991 ، قسم السكرتارية والضبط ، المجلس الوطني.

حق الاعتراض الموصوف في دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر :

عندما تناقش واضعو الدستور في مؤتمر فيلادلفيا في تخويل الرئيس حق الاعتراض كان يسيطر على تفكيرهم اعتباران :

أولهما ان سلطة الاعتراض هي السبيل الوحيد الذي يمكن بمقتضاه للرئيس ان يحافظ على اختصاصاته الممنوحة له بمقتضى الدستور من اعتداء الكونجرس عليها أو العبث بها. وثانيهما ان هذه السلطة يجب ان تحدد بقيود معقولة.

اما الاعتبار الأول فكان مرده تأثيرهم بنصائح مونتسكيو من انه ((إذا لم يكن للسلطة التنفيذية الحق في إيقاف مشروعات الهيئة التشريعية فان هذه الأخيرة تستبد بها … فالسلطة التنفيذية .. يجب ان تساهم بنصيب في التشريع عن طريق مكنتها المانعة ، وبغير هذه المكنة لا تلبث ان تسلب منها امتيازاتها)).

واما الاعتبار الثاني فمرده ان سلطة الاعتراض لم تكن غريبة على واضعي الدستور إذ كان يتمتع بها حكام الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الاستعمار تحت اسم Power of Disallowance وعانوا من سعة تلك السلطة وإساءة استعمالها الشيء الكثير(1).

ولذلك نصت المادة الأولى (الفقرة السابعة) من الدستور على ان ((كل مشروع وافق عليه مجلسا النواب والشيوخ يجب ان يقدم قبل ان يصير قانوناً لرئيس الولايات المتحدة ، فان وافق عليه وقعه والا اعاده مصحوباً بأوجه اعتراضه عليه إلى المجلس الذي قدم إليه ، ويدرج المجلس هذه الأوجه بتوسع في مضبطته ثم يشرع في اعادة النظر فيها. فان وافقت أغلبية ثلثي المجلس على المشروع أرسل مصحوباً بأوجه الاعتراض إلى المجلس الآخر حيث يعاد النظر فيه بنفس الكيفية فإن نال موافقة أغلبية ثلثي المجلس صار قانوناً)). فسلطة الاعتراض المخولة للرئيس ليست مطلقة من غير قيد بل تحمل معنى التقييد الذي صدر عنه واضعو الدستور ، على ان النص لا يبين الأوجه التي يسوغ للرئيس ان يعترض بها على مشروعات الكونجرس ولا يفهم منه ان نية المؤتمرين انصرفت إلى قصر هذه الأوجه على الأحوال التي تسعى فيها السلطة التشريعية إلى سلب اختصاصات السلطة التنفيذية(2). وإذا ما تتبعنا التطورات التي مرت بها سلطة الاعتراض نجد ان الرؤساء حتى سنة 1865 كانوا يتقيدون في مباشرتها إلى حد كبير بمقاصد واضعي الدستور فلم يلجؤوا إليها إلا نادراً ، فبينما لم يعترض ادمز ولا جفرسون ولا فيلمور على أي مشروع كان عدد المرات التي اعترض فيها واشنطن وماديسون 9 ، ومونرو مرة واحدة ، وجاكسون ، وفان بورين مرة واحدة ، وتيلر وبولك وبيرس 10 وبوكانان 7 ولنكوين 2. وبعد عام 1865 عام التحول في تاريخ سلطة الاعتراض إذا تولى جونسون الرياسة فكان يعترض على اتفه الأسباب حتى بلغ ما اعترض عليه في ثلاث سنوات 22 مشروعاً ومنذ ذلك التاريخ تعددت حالات الالتجاء إلى حق الاعتراض ، وقد بلغ حده الأقصى مع ثلاثة رؤساء بالذات ، الرئيس كليفلاند (1893ـ1897) الذي كان يسمونه بالرئيس المعترض (President veto) ، والرئيس فرانكلين روزفلت (1933ـ1945) والرئيس هاري ترومان (1945ـ1953) وفي عهد هؤلاء الثلاثة استعمل الفيتو بما يعادل ثلاثة أرباع المرات التي استعمل فيها في تاريخ الولايات المتحدة كلها. وعلى الرغم من كثرة استعماله فان الحوادث أثبتت انهم كانوا على حق، فالرئيس روزفلت استعمله 635 مرة فرفض البرلمان اعتراضه في تسع مرات فقط ، والرئيس كليفلاند في 414 مرة رفض البرلمان رأيه في سبع مرات فقط(3). والتطور الذي مرت به سلطة الاعتراض لم يقف عند تزايد عدد مرات مباشرتها وان شمل توسعاً في مسوغات الالتجاء إليه ، فبعد ان كان الرؤساء لا يعترضون على المشروعات الا إذا تضمنت اعتداء على اختصاصاتهم أو بدت منافية لاحكام الدستور صاروا يعترضون على المشروعات التي يرونها ضاره في مضمونها أو أهدافها ولو لم تكن مخالفة للدستور في شيء))(4). ويلاحظ ان النظام الرئاسي الأمريكي لا يقرر للرئيس حق التصديق ، ولكن يقرر له حق الاعتراض النسبي ، فكل مشروع قانون يقره المجلسان لا يصبح قانوناً الا إذا وقع عليه الرئيس، ولذلك فان الدستور يحتم إرسال سائر مشروعات القوانين إلى الرئيس للتوقيع عليها وهنا سيكون مصير مشروع القانون متوقف على أحد فروض أربعة نظمتها جميعاً المادة الأولى سالفة الذكر : ـ فقد يوقعه الرئيس فيصير قانوناً حيث يوقع الرئيس على القانون بذكر اسمه ولقبه بحروف واضحة إلى جانب نموذج التوقيع الذي اعتاده الرئيس ، ولا يعتد بموافقة الرئيس مالم تتم خلال الأيام العشرة التي تلي تسليم القانون إلى البيت الأبيض ، ويتضح هنا رغبة واضعي الدستور في كفالة هذه المدة كاملة ، فيستثنى من بينها أيام الآحاد كما جرى العمل على عدم إرسال القانون إلى البيت الأبيض إذا ترتب على ذلك أحداث بعض الاضطراب في حساب المدة ، كما لو كان الرئيس على أهبة السفر ، حتى لا تبدأ المدة وهو خارج البلاد ويرى الفقه ان المدة تنتهي بفوات اليوم العاشر كاملاً ويطلق على هذه الموافقة بالموافقة الصريحة. ـوقد يحتفظ الرئيس بمشروع القانون دون ان يوقعه أو يعيده إلى الكونجرس فيصير قانوناً إذا انقضت عشرة أيام من تاريخ عرضه عليه (ولا تحسب من بينها ايام الاحاد) ، اذ تعد موافقة ضمنية طالما كان الكونجرس في دورة الانعقاد(5). وقد يحتفظ الرئيس دون توقيع أو إعادة كالفرض السابق ولكن ينفض الكونجرس قبل انقضاء الأيام العشرة المحددة فينتهي المشروع ولا تكون له قيمة قانونية ، ويعرف هذا النوع من الاعتراض باسم ((الاعتراض المستتر أو اعتراض الجيب Pocket veto)) باعتبار ان الرئيس يلقي بالمشروع في جيبه ليلقي حتفه فيه، فكأن رفض التوقيع على المشروع لن يؤدي إلى أعادته إلى المجلس الذي ناقشه لان البرلمان غير منعقد ، وسوف يصبح حق الاعتراض ـ عملاً ـ وكأنه حق تصديق ، ولذلك يجمع الفقه على ان اعتراض الجيب له خصائص النهائية والإطلاق ، فيكفي ان يلتزم الرئيس الصمت دون إبداء أية أسباب حتى يعتبر القانون كأن لم يكن ، وان كان يمكن للكونجرس ان يعيد الموافقة على القانون في دورته الجديدة(6). والاعتراض في هذه الصورة ليس نادر الاستعمال في الولايات المتحدة ، بل على العكس ، فالكونجرس قد جرى على إصدار عدد كبير من مشروعات القوانين قبيل قيامه بالعطلة البرلمانية ، وهذا الوضع يجعل للرئيس فرصة واسعة في استعمال ((اعتراض الجيب)) الذي لا يقتضي التسبيب ، الذي يوضعه في الحرج أمام الكونجرس أو الأمة(7). اما الفرض الرابع والأخير فهو ان يعترض الرئيس على المشروع وهنا يكون الاعتراض صريحاً بان يتم التأشير على المشروع بما يفيد الرفض ولا يلتزم الرئيس بعبارات معينة من ذلك ما ورد في خطاب الرئيس ويلسون سنة 1920 ((أعيد إليكم قانون الميزانية دون توقيعي)) وخطاب الرئيس فرانكلين روزفلت ((أنني أعيد إليكم القانون دون موافقتي)) (8). بيد ان الدستور قيد الاعتراض الصريح بقيدين :

الأول : ان يلتزم الرئيس بتسليم اعتراضه إلى الكونجرس خلال عشرة ايام وهي المدة المحددة دستورياً.

والثاني : تسبيب الاعتراض فالرئيس ملزم بنص المادة الأولى ـ الفقرة السابعة بان ((يعيد القانون إلى المجلس الذي صدر عنه مصحوباً باعتراضاته)).

وتسبيب الاعتراض ليس مجرد التزام دستوري ، وانما هو وسيلة الرئيس لاقناع الكونجرس بتعديل مشروع القانون في المعنى الذي يريده ، ولذلك يبذل الرؤساء جهوداً ضخمة في شرح أسباب الاعتراض وتدعيمها بالحجج والاستعانة في ذلك بالمختصين في مختلف المجالات لان نجاح الاعتراض من المسائل التي تهم الرئيس وتؤثر في شعبيته ، وعادة ما يقوم الرئيس بادراج اعتراضاته في رسالة تسمى ((رسالة الاعتراض)) يشرح فيها أسباب رفضه. الا ان الرئيس روزفلت قد ابتدع أسلوب لم يجاريه فيه أحد ، فقد ذهب إلى الكونجرس بنفسه واخطره بأسباب اعتراضه على القانون(9). وعليه إذا اعترض الرئيس على المشروع خلال عشرة أيام من تاريخ وصوله إليه ورده مع اوجه اعتراضه إلى المجلس الذي قدمه إليه حيث يعاد النظر فيه من جديد. فان وافق عليه المجلس بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين أرسل إلى المجلس الآخر ليناقشه بدوره ، فان اقره كذلك بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين صار المشروع قانوناً وسقط اعتراض الرئيس وبمعنى ادق انه يمتنع على الرئيس ان يعترض ثانية ويتحتم عليه التوقيع على القانون. اما إذا لم يحظ المشروع بموافقة الأغلبية المذكورة فان المشروع يكون حبراً على ورق(10). ويلاحظ انه لا يتمتع الرؤساء بسلطة الاعتراض على أحد البنود ، بل عليهم ان يقبلوا المشروع بأكمله أو يرفضونه بأكمله ، فليس من حقهم ان يعترضوا فقط على بعض الأجزاء أو الفقرات ، وعلى الرغم من ان الرؤساء قد طلبوا من الكونجرس ان يمنحهم هذه الميزة الا انه من غير المحتمل ان يوافق الكونجرس على ذلك ، إذ ان من شأن ذلك تقوية السلطة الرئاسية على نحو واضح(11). ولقد استخدم الرئيس الأمريكي حقه في الاعتراض بفاعلية ملحوظة وساعده في ذلك طبيعة النظام الرئاسي والتي تعتبر من أهم المسوغات التي تؤدي إلى سهولة وكثرة استخدام هذا الحق ، فالرئيس الأمريكي يباشر سلطاته الدستورية بنفسه ويسأل مباشرة أمام شعبه ، ولذلك فهو يستخدم حقه في الاعتراض باستقلال تام ، وان كان يستعين في تكوين رأيه النهائي بتقارير الوزراء أو النائب العام الا ان الرأي النهائي يستند إلى مشيئته فتحرير إرادة الرئيس من قاعدة التوقيع المجاور ومسؤولية وزرائه أمامه مباشرة من أهم الأسباب التي تساعد على حرية الرئيس في استخدام هذا الحق وتحريره من القيود التي تكبله في النظام البرلماني. ويزيد من فاعلية هذا الحق الأغلبية المشددة التي استلزمها الدستور للتغلب على إرادة الرئيس(12). فهي أغلبية ليس من السهل جمعها في نظام حزبي يقوم على وجود حزبيين كبيرين ومتقاربين ، هذه الصعوبة دفعت بعض النواب إلى المطالبة بإلغاء حق الاعتراض بحجة انه يمنح الرئيس سلطات مطلقة لم ينص عليها الدستور كما طالب البعض بأضعاف أثر حق الاعتراض بتمكين الكونجرس من إسقاطه بأغلبية العادية أسوة بما هو متبع في بعض الولايات(13). فضلاً عن ان الظروف الاستثنائية التي مرت بها الولايات المتحدة منذ حرب الانفصال ، قد زادت من التفاف الأمة حول الرئيس وقلبت موازين الأمور لصالحه بوصفه رجلها المختار، وقد أصبح الرئيس بعد ذلك الملاذ الشعبي ، وصار أسمه عنواناً لعهده ، هذه المسؤولية التي ألقاها الشعب على الرئيس دفعته إلى استخدام حقه في كل الحالات التي لا يتفق فيها مع الكونجرس ، فالأمة تطلب الرئيس بان يقود الكونجرس لا ان ينقاد إليه، وتصف تعسف الرئيس في استخدام حق الاعتراض بانه شجاعة وصلابة، فشعبية الرئيس هي سنده الأول في الضغط على الكونجرس وانجاح اعتراضه كذلك يعمد الرؤساء إلى الاتصال المباشر بقادة الكونجرس ، وزعماء الأحزاب فيه ، ورؤساء اللجان لاقناعهم بوجهة نظرهم(14). وهكذا فالرئيس الأمريكي قد استخدم حقه في الاعتراض بفاعلية ملحوظة وساعده على ذلك طبيعة النظام الرئاسي ، وشعبية الرئيس وقدرته على التأثير في شعبه، وفي الكونجرس.

______________________________

1- لم تبدأ تجربة الفيتو في الولايات المتحدة بصدور الدستور الاتحادي سنة 1787 فقد مارس ملك إنجلترا حق الاعتراض المطلق على القوانين التي تصدرها الولايات الأمريكية في الفترة التي سبقت عام 1776 وشاركه في ذلك حكام الولايات ، الا ان تجربة الاعتراض كان لها أسوأ الأثر في الولايات المتحدة ، فقد استخدم الحكام الفيتو لحماية مصلحة التاج وتحقيق مصالح الحكام والإثراء السريع على حساب المستعمرة ، فحق الاعتراض كان وسيلة الحاكم في تهديد البرلمان الذي يملك حق تحديد مرتبة وزيادته وإنقاصه ، لذلك فقد ساد تقليد مفاده ان موافقة الحاكم على القانون كانت تتطلب تحديد مقابل نقدي يتفق وأهميته ، اما حق الملك في الاعتراض على القوانين ، فقد كان إساءة استخدامه هو أحد الأسباب التي اعتبرها أعلان الثورة الأمريكية دافعاً للثورة ، ولذلك فقد واجه اقتراح منح رئيس الدولة حق الاعتراض معارضه شديدة في مؤتمر فيلادلفيا ، لاسيما في الولايات التي عانت من حق الاعتراض المطلق الممنوح لحكامها في الفترة التي سبقت الاستقلال ، كولاية نيوجرسي. ود. محمد فتح الله الخطيب ـ مصدر سابق ـ ص287. وماكس فراند ـ قصة دستور الولايات المتحدة ـ ترجمة د. وايت إبراهيم ـ القاهرة ـ مكتبة وهبه ـ بدون سنة طبع ـ ص115.

2- د. سعد عصفور ـ رئيس الجمهورية الأمريكية ـ مصدر سابق ـ ص287.

3- Ogg and Ray p.o- American Government –9th edition ص238 – 1962-p.238

4- د. سعد عصفور ـ رئيس الجمهورية الأمريكية مصدر سابق ـ ص288.

5- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص175 ود. محمود حلمي ـ مصدر سابق ـ ص282.

6- Edward S.Corwin، The president office and powers، Newyork university press، 1957 ، p، 279 .

ود. سعد عصفور ـ المادة الأساسية في القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص242.

7- يحتل الاعتراض الضمني (اعتراض الجيب) في الولايات المتحدة الأمريكية حيزاً كبيراً في التطبيق العملي ، فقد استخدمه الرئيس جاكسون (7) مرات ، والرئيس تايلر (4) مرات ، والرئيس جونسون (14) مرة ، الرئيس كرانت (48) مرة ، والرئيس آرثر (8) مرات ، والرئيس كليفلاند في دورة رئاسته الأولى (10) مرات وفي دورة رئاسته الثانية (128) مرة ، الرئيس ماكنلي (36) مرة . والرئيس ستيورد روزفلت (40) مرة والرئيس فرانكلين روزفلت (260) مرة . الرئيس ترومان (70) مرة ، الرئيس ايزنهاور (118) مرة والرئيس جون كندي (11) مرة ، الرئيس نيكسون (3) مرات.

J- Cadart ، Institutions politiques et droit constitutionnel ، paris ، T-11، 1975، p،520.

ود. مصطفى أبو زيد فهمي ـ مصدر سابق ـ ص48.

8- Edwards S.Corwin، op،cit.،p.279.

9- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص176.

10- د. عادل ثابت ـ النظم السياسية ـ دار الجامعة الجديدة للنشر ـ الاسكندرية ـ 1999 ـ ص67.

11- ذهب جانب من الفقه الدستوري وهو يعيب على حق الاعتراض في الولايات المتحدة الأمريكية ، انه لا يمكن الرئيس من الاعتراض الجزئي على ما يقدم له من مشروعات ، ويشير أصحاب هذا الرأي إلى الحرج الذي يستشعره الرئيس كلما أحس بان اعتراضه يرد على بعض أجزاء المشروع فحسب ورغم ذلك لا يملك الا ان يوافق على المشروع بأسره أو يعترض عليه في جملته. وقد لقى هذا الانتقاد تأييداً في الأوساط السياسية ولاسيما في سنة 1938 حيث طلب الرئيس روزفلت من الكونجرس ان يخوله سلطة الاعتراض الجزئي بالنسبة إلى التشريعات المالية ، ووافق مجلس النواب بالفعل على هذا الطلب ولكن مجلس الشيوخ رفضه باعتبار ان فيه من المساس باختصاص الكونجرس ما يستوجب ان تتخذ بشأنه الإجراءات الخاصة بتعديل الدستور.

Frant Abbott Magruder _ American Government- Ally and Baconin Boston –1963-p.201.

ولاري الوتيز ـ مصدر سابق ، ص181.

12- أثبتت التجارب الدستورية ان سلاح الاعتراض في الولايات المتحدة الأمريكية ماض حاد ، إذ يتوقف حياة المشروع على أغلبية عالية قل ان يتمكن الكونجرس من تحصيلها ، والذي يستفاد من تاريخ الاعتراض ان يمثل مرحلة ييأس فيها الرئيس أحياناً من التفاهم مع الكونجرس فلا يجد من وسيلة فيحتكم إلى الرأي العام ، ولهذا يحرص الرؤساء على ان يكون موقفهم قوياً حتى لا تخذلهم الأمة فيتأثر مركزهم ويتضاءل اعتبارهم والشعب يتوقع من الرئيس ان يصمد أمام نشاط الكونجرس التشريعي ، إذا كان صادراً تحت تأثير قوة طبقة من الطبقات أو طائفة من الطوائف، وعند اعادة النظر في المشروع المعترض عليه يصير من العسير اجتماع كلمة الثلثين في الكونجرس على غير تنتهي إليه ارادة الأمة. والتهديد باستعمال حق الاعتراض يفلح في كثير من الأحوال التي لا يكون للمشروع فيها سوى أنصار قلائل داخل الكونجرس اما إذا كانت تؤيده اغلبية متكاتفة فلا يجدي التهديد باستخدام هذا الحق ولا استعمال الحق نفسه.

د. سعد عصفور ـ رئيس الجمهورية الأمريكية ـ مصدر سابق ـ ص291.

13- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص184.

14- المصدر ذاته ـ ص188.

حق الاعتراض المطلق في الدستور الانجليزي :

كان الملك في إنجلترا يتمتع بحق الاعتراض المطلق حيث يعتبر الملك عضواً من أعضاء البرلمان فالقانون يصدر نتيجة اتحاد إرادة الملك والبرلمان فاذا رأى الملك ان مشروع القانون مناسب ومفيد صدق عليه وان وجده غير صالح فانه يرفض الموافقة عليه وذلك بان يكتب على المشروع ((الملك سينظر في الأمر))(1). وتعود نشأة التصديق الملكي في إنجلترا نتيجة مباشرة لظهور الإجراءات التشريعية الحديثة هناك التي بدأت في عهد هنري السادس (1422ـ1471) . منذ ان أصبحت السلطة التشريعية مقسمة بين المجلسين والملك وذلك يتلخص في ان يقوم مجلس العموم أو مجلس اللوردات بوضع مشروع القانون المطلوب في صيغة قانون بدلاً من تقديم مقترحات في شكل عريضة أو التماس للملك فإذا أقر المجلس الآخر مشروع القانون المقدم بهذه الصيغة يرفع إلى الملك. وللملك الحق في رفضه أو تحويله إلى قانون بالتصديق عليه ، ويعد مشروع القانون بعد إقراره من المجلسين قانوناً تاماً ولا ينقصه الا تصديق الملك عليه ليصبح نافذاً(2). وهكذا فقد تحول حق البرلمان في تقديم عرائض إلى حق اقتراح حقيقي يناقش ويصوت عليه في البرلمان ، وانحصرت سلطة الملك التشريعية اما في حق اقتراح القوانين متى صدرت منه ، واما في حالة التصديق عليها إذا صدر الاقتراح من البرلمان ، ولم يقف الصراع بين الملوك والبرلمان عند هذا الحد فقد تميزت الفترة (1603ـ1688) بالصراع الشديد بين الملك والبرلمان في كافة الميادين وتركز الأمر بصورة خاصة حول حق التاج في التصديق على القوانين وجوهر الخلاف كان حول اللحظة التي يتدخل فيها العمل السيادي الذي يقرر مصير القانون ، فالبرلمان يرى ان موافقته هي التي تخلق القانون اما الملك فيقرر انه لا وجود للقانون قبل تصديقه وفي النهاية حسم هذا الخلاف لمصلحة البرلمان فلم يعترض الملك شارل الأول مرة واحدة على إرادة البرلمان(3). وقد استمر هذا الوضع حتى عام 1689 ، إذ سرعان ما عاد صراع الملك مع البرلمان حول حقه في التصديق لاسيما بعد صدور قانون الحقوق عام 1688. إذ فقد الملك بموجبه هذا القانون امتيازاته التشريعية الواحدة تلو الأخرى حيث تنازل الملك بصفة نهائية عن سلطة التشريع وأصبحت هذه السلطة بيد البرلمان مع تحفظ واحد هو ضرورة موافقة الملك على كل قانون يصدر ، وفي هذا الوضع المشحون استخدم الملك حق الاعتراض على مشروعات القوانين مرات عديدة منها اعتراضه على قانون القضاء ، فقد أصر الملك على رفضه اياه عندما قدم إليه في عام 1693 وفي عام 1699 أعلن النواب انهم سيعيدون عهد كرومويل إذا اعترض التاج على تشريع يتعلق بايرلندا الحرة واضطر الملك آنذاك على الموافقة عليه بعد تردد(4). ولكن هذا الحق الملكي الذي كان من أهم الحقوق الملكية اختفى وقضى عليه من عدم الاستعمال فمنذ سنة 1707 أيام ان رفضت الملكة أن التصديق على قانون التجنيد الاسكتلندي ، لم يرفض أي ملك من ملوك إنجلترا التصديق على أي قانون قرره البرلمان(5). وهكذا فقد أصبح حق الملك في التصديق على مشروعات القوانين مجرد قاعدة نظرية لا وجود لها من الناحية العملية . والواقع ان هذا التطور الدستوري ميسور الفهم لان هذا الامتياز كسائر الحقوق الملكية لا يمكن ممارسته في حكومة برلمانية الا بواسطة الوزارة المسؤولة أمام البرلمان ، وعلى ذلك فقد أصبح كغيره حقاً وزارياً ، ويرى فقهاء الدستور البريطاني انه لم يعد هناك من سلطة الملك في إنجلترا من الاعتراض على القوانين(6).

________________________

[1]- د. سيد صبري ـ مباديء القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص311.

2- د. السيد صبري ـ حكومة الوزارة ـ مصدر سابق ص115 ود. وايت إبراهيم ود. وحيد رأفت ـ مصدر سابق ـ ص136.

3-السيد صبري ـ حكومة الوزارة ـ مصدر سابق ـ ص116 وعمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص121.

4- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص130ـ131.

5- د. السيد صبري ـ مباديء القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص311 . ود. عثمان خليل عثمان وسليمان الطماوي ، مصدر سابق ، 431.

6- د. محمد فتح الله الخطيب ـ مصدر سابق ـ ص36 وعمر حلمي ـ ص121.

حق الاعتراض البسيط والناقل في الدستور الفرنسي الصادر عام 1958م :

منح الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 رئيس الدولة حق الاعتراض النسبي بصورتيه حق الاعتراض البسيط وحق الاعتراض الناقل. فحق الاعتراض البسيط ليس بجديد على الدساتير الفرنسية حيث تقرر العمل بهذا الحق لأول مرة في دستور سنة 1848(1). فقد أقر حق رئيس الدولة في طلب المداولة الثانية بوصفه الحد الأدنى لحقوق الاعتراض الذي يعطي للرئيس كوسيلة تمكنه من منع القوانين المعيبة ، واحترام مبدأ الفصل بين السلطات ودعم التوازن بينها ، كما انه يتفادى من ناحية أخرى ان يكون للرئيس اليد الطولى في التشريع(2). مثلما هو الحال في الاعتراض الأمريكي. وعليه فقد نصت المادة العاشرة من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 على ان : ((يصدر رئيس الجمهورية القوانين خلال الخمسة عشر يوماً التالية لإرسال القانون إلى الحكومة بعد إقراره نهائياً ، وله قبل هذه المدة ان يطلب إلى البرلمان مداولة جديدة ، في القانون أو في بعض مواده ، ولا يجوز رفض هذه المداولة الجدية). يفهم من النص المذكور ان رئيس الدولة عندما يطلب من البرلمان إجراء مداولة جديدة ، فان البرلمان لا يستطيع رفض مثل هذه المداولة ، فإذا أعاد البرلمان دراسة القانون وبحثه واقره مرة ثانية فلا يستطيع رئيس الدولة ان يمنع فاعليته ، خصوصاً إذا عرفنا ان البرلمان عند مناقشته للقانون في هذه المرة لا يحتاج إلى أغلبية خاصة ، بل تكفي لإقراره الأغلبية العادية في كل من المجلسين ليصبح نهائياً ويجري إصداره(3). بيد ان التجديد الذي اتى به الدستور في شأن اعتراض رئيس الدولة على القوانين إذ يجوز ان يرد الاعتراض على القانون بكامله وهو الاعتراض التقليدي الذي تقضي به الدساتير عادة ، كما يجوز ان يرد على بعض مواد القانون دون البعض الآخر وهو التجديد الذي أتى به الدستور إذ لا تنص الدساتير على ذلك في ميدان الاعتراض وهو ما يمكن تسميته بحق الاعتراض الجزئي(4). وما تجدر الإشارة إليه ان رئيس الدولة في فرنسا لم يستخدم حق الاعتراض هذا منذ صدوره في 4 تشرين الأول عام 1958 حتى عام 1982 مرة واحدة ، ولكن بعد عام 1982 فقد استخدم على نطاق ضيق جداً ، منها على سبيل المثال اعتراض رئيس الجمهورية في الخامس من تموز عام 1983 بمناسبة قانون حول المعرض العالمي لعام 1989 يستهدف سحب ترشيح فرنسا من تنظيم هذه التظاهرة ، كما استخدم حق الاعتراض من قبل الرئيس ميتران عام 1985 والذي آثار جدلاً شديداً دفع المجلس الدستوري إلى تقديم توضيحات مفيدة حول مدى وحجم السلطات الرئاسية في هذا المجال(5). ويفسر الفقه الفرنسي قله استخدام رئيس الدولة لحق اعتراض البسيط المنصوص عليه في المادة العاشرة السالفة الذكر من دستور 1958 إلى الأسباب الآتية:

أولاً ـ ضعف أثر حق الاعتراض البسيط :

ان سهولة تجاوز اعتراض الرئيس تشكل عقبة حقيقية تؤثر على استخدام هذا الحق ، ذلك ان رئيس الجمهورية سوف يجد في سهولة إقرار القانون من جديد عن طريق الأغلبية العادية التي وافقت عليه أول مرة عاملاً مثبطاً لهمته في الاعتراض وخاصة إذا رفع البرلمان شعار ((مواجهة الالزيه)) فليس هناك ما يحول دون ان يعيد البرلمان إقرار القانون من جديد في اليوم نفسه الذي يصل فيه من رئاسة الجمهورية(6).

ثانياً / تدخل الحكومة المستمر في العمل التشريعي :

ويتضح ذلك ـ إلى جانب حقها في اقتراح القوانين ـ في النصوص المتعددة التي تمنحها سلطات واسعة في مناقشة القوانين فالمادة 40 تقصر تعديل المسائل المالية على الحكومة وحدها . والمادة 44 تعطي الحكومة حق الاعتراض على كل تعديل يطرأ على مشروعات القوانين ولم يعرض على اللجان المتخصصة من قبل ، وكذلك المادة 49 تعطي للحكومة حق فرض قانون من اقتراحها دون عرضه للمناقشة وذلك إذا علقت الحكومة مسألة الثقة بمناسبة نص ما ، فيعتبر هذا النص قانوناً وافق عليه البرلمان إذا لم يودع اقتراح بلوم الحكومة في خلال أربع وعشرين ساعة. اما المادة 47 فتجيز للحكومة الحق في تنفيذ مشروع الميزانية بأمر في حالات معينة، وكذلك سلطات الحكومة في تحديد مشروع الميزانية بأمر في حالات معينة ، وأضيف إلى ذلك سلطات الحكومة في تحديد جدول أعمال الجمعية الوطنية واعطائه أولوية المناقشة م/48 . ولاشك ان تدخل الحكومة في العمل التشريعي يؤدي إلى تفادي الخلافات الجوهرية التي تدفع الحكومة إلى استخدام حق الاعتراض ، ولعل هذا ما دفع الأستاذ هوريو إلى القول بان (حق الاعتراض قد لا يستخدم في النظام الفرنسي مالم يتعلق الأمر بالرغبة في إصلاح عيوب الصياغة)(7 ).

ثالثاً ـ اتجه دستور 1958 إلى الإقلال من ظاهرة التشريع البرلماني والتضييق من نطاقه وذلك بوسيلتين :

الأولى : هو ما جاء في المادة 34 من الدستور الفرنسي محدداً على سبيل الحصر الاختصاصات التشريعية للبرلمان وهذا ما أكدته المادة 37 بقولها ان ما يخرج من نطاق المادة 34(8). يدخل في مجال التنظيم الذي يمارسه رئيس الجمهورية أو الوزير الأول وقد ترتب على ذلك حصر سلطان القانون في مجالات معينة ، ولعل ما يتميز به دستور 1958 من غيره هو هذا التحديد الذي عد اعتداء على سيادة البرلمان في القيام بأي تصرف آخر وبالتالي إضفاء الصفة التشريعية عليه .

اما الوسيلة الثانية فهي / تقنين ظاهرة التشريع الحكومي : فقد تبنى دستور سنة دستور سنة 1958 هذه الظاهرة وأورد في تنظيمها أكثر من نص.

فهناك المادة 16 التي تعطي رئيس الدولة حق التشريع بمفردة في ظل الظروف الاستثنائية لمدة يتوقف تحديدها على تقديره(9). وكذلك المادة 11 من الدستور نفسه التي تمنح رئيس الجمهورية حق طرح مشروع قانون على الشعب مباشرة وبطريقة الاستفتاء دون المرور بالبرلمان والحكومة. إلى جانب المادة 38 التي تبنت أسلوب المرسوم بالقانون الذي شاع استخدامه في الجمهورية الثالثة ، وهي تعطي الحكومة الحق في طلب سلطات خاصة لتنفيذ برامجها ، فهي تقنين لأسلوب التفويض التشريعي(10). فضلاً عن هذه الأسباب يمكن لنا ان نضيف طبيعة العلاقة القائمة بين رئيس الدولة في فرنسا وبين الجمعية الوطنية نتيجة حق رئيس الدولة في حل الجمعية الوطنية(11). حيث تحول هذه العلاقة دون تحدي الجمعية للرئيس وذلك بالاصرار في موقفها اتجاه القانون المعترض عليه من قبل الرئيس ، فقد يستخدم الرئيس حق الحل فيلوح به حتى تتخذ الجمعية الوطنية من الإجراءات ما يتلاءم مع اتجاهاته ورغباته(12). وقد يكون عدم استخدام الرئيس الفرنسي في دستور 1958 حق الاعتراض البسيط لوجود حق اعتراض بديل عنه وهو الاعتراض الناقل والذي يمكن ان يحقق الأثر ذاته الذي يحققه الاعتراض البسط ولقد نظمه الدستور في المادة 61 فق (2) فرئيس الدولة متى اعترض على القانون قبل إصداره فله حق إحالته إلى المجلس الدستوري فإذا قام المجلس الدستوري بنظر دستوريه قانون ، فانه يوقف إصدار هذا القانون ويقطع عرض القانون على المجلس مدة الإصدار المنصوص عليها في الدستور، ويتعين ان يبدي المجلس رأيه في القانون المعروض عليه في مدى شهر ، وللحكومة ان تطلب في حالة الاستعجال قصر هذه المدة إلى ثمانية أيام. فإذا أعلن المجلس الدستوري عدم دستورية القانون. استحال إصداره ووضعه بالتالي موضع التنفيذ ذلك ان قرارات المجلس نهائية وملزمة للجميع بحيث لا يمكن الطعن فيها بأي وجه من أوجه الطعن(13). والملاحظ ان حق الإحالة إلى المجلس الدستوري مقصور على حالات عدم الدستورية إذ لا يجوز اللجوء إليه لبحث أسباب عدم الملاءمة ، فهو وسيلة من وسائل الرقابة الدستورية ومن ثم فان اعتراض الرئيس على القانون بمقتضى المادة العاشرة إذا بدا ان هناك أسباباً تتعلق بملاءمة القانون وبمعنى أدق فانه لا يجوز لرئيس الجمهورية في تقديرنا ان يعترض على القانون الذي سبق أحالته إلى المجلس الدستوري لسبب يتعلق بدستوريته والقول بغير هذا يجرد المادة 62 من الدستور معناها ، لانه يجيز للرئيس الطعن في قرارات المجلس الدستوري خلافاً لما نصت عليه المادة السابقة(14). ونرى ان لجوء الرئيس الفرنسي إلى استخدام الاعتراض الناقل هو اضمن له في الحصول على تأييد لرأيه من استخدام حق الاعتراض البسيط فنظر لكون الرئيـس يملك حق تعيين ثلاث أعضاء من بين التسعة أعضاء(15). واختيار رئيس المجلس فانه يتمتع بنفوذ كبير داخل المجلس وبالتجائه إلى المجلس الدستوري فانه سوف يتجنب الدخول في صراع مع مؤسسات الدولة من جهة ، ويسمح له بالحفاظ على مكانته كرئيس حكم من جهة أخرى. وقد استخدم الرئيس حقه في الاعتراض الناقل إلى المجلس الدستوري لأول مرة في 29 يوليو سنة 1961 بمناسبة المادتين 16 ، 17 من قانون 27 ديسمبر سنة 1960 ، والمرة الثانية كانت بعد ذلك بقليل ضد مشروع التأمينات المتعلقة بالاستغلال الزراعي(16).

___________________________

1- تضمن دستور 1848 في المواد 56 ، 57 ، 58 ، 59 حق الاعتراض البسيط. فنصت المادة 56 على حق الرئيس في إصدار القوانين باسم رئيس الجمهورية الفرنسية ، اما المادة 57 فقد بينت مدد الإصدار فيستلزم الرئيس بإصدار القوانين المستعملة في خلال ثلاثة أيام، اما القوانين العادية فتصدر في خلال شهر وتحسب المدة ابتداء من تاريخ موافقة الوطنية على القانون. وتضمنت المادة 58 حق الرئيس في إعادة القانون إلى الجمعية الوطنية في خلال مدد الإصدار مصحوباً بأسباب اعتراضه ، فاذا قررت الجمعية الوطنية إقرار القانون من جديد التزم الرئيس بإصداره في خلال ثلاثة أيام والا قام رئيس الجمعية الوطنية بإصداره (م/59). عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص154 ، محمد كامل ليلة ـ القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص356.

2- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص155.

3- د. سيد صبري ـ مباديء القانون الدستوري ـ مصدر سابق ـ ص321 ، ود. محمد فتح الله الخطيب ـ مصدر سابق ـ ص212.

4- د. محسن خليل ـ النظم السياسية والدستور اللبناني ـ مصدر سابق ـ ص367.

5- ساجد محمد كاظم ـ مصدر سابق ـ ص130.

6- عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص160.

7- د. محسن خليل ـ النظم السياسية والدستور اللبناني ـ مصدر سابق ـ ص379 وعمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص161 .

8- أنظر المادة 34 ، 37 من الدستور الفرنسي الصادر عام 1958.

9- تنص المادة 16 من دستور 1958 الفرنسي على ان ((إذا أصبحت أنظمة الجمهورية أو استقلال الوطن أو سلامة أراضيه أو تنفيذ تعهدات دولية مهددة بخطر جسيم حال ، ونشأ عن انقطاع سير السلطات العامة الدستورية المنظم يتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات التي تقتضيها هذه الظروف بعد التشاور مع الوزير الأول ورئيسي المجلسين النيابي والمجلس الدستوري بصفة رسمية ، ويحيط الأمة علماً بذلك برسالة ، ويجب ان يكون الغرض من هذه الإجراءات هو تمكين السلطات العامة الدستورية من القيام بمهمتها في أقرب وقت ممكن . ويستشار المجلس الدستوري بشأن هذه الإجراءات وينعقد البرلمان بحكم القانون ولا يجوز حل الجمعية الوطنية أثناء ممارسة هذه السلطات الاستثنائية)).

10- د. محسن خليل ـ نظم سياسية ودستور اللبناني ـ مصدر سابق ص372 وعمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص161 ود. سالم جواد الكاظم ود. علي غالب العاني ـ مصدر سابق ـ ص87.

11- تعتبر سلطة الرئيس في حل الجمعية الوطنية من أهم السلطات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في ظل الجمهورية الخامسة فهو حق مطلق لا يخضع لموافقة أو اعتراض هيئة أخرى أو جهاز آخر في الدولة ، وسلطة الرئيس هذه سلطة شخصية وهي ابتكار جديد في النظام الفرنسي وذلك تمكيناً لرئيس الجمهورية من الأحتكام للناخبين إذا أساءت الجمعية الوطنية التصرف ، والإساءة هي الشرط الوحيد لحل الجمعية الوطنية ، ولكن على رئيس الجمهورية ان يقوم بالمشاورة في هذا الشأن مع رئيسي مجلسي البرلمان، ولا يشكل هذا الشرط الرسمي أي عائق أمام رئيس الجمهورية وسلطته . إذ ان الرأي الذي يبديه رئيسي مجلسي البرلمان رأي استشاري غير ملزم وقد نصت على ذلك المادة 12 من الدستور على ان ((لرئيس الجمهورية بعد التشاور مع الوزير الأول ورؤساء المجالس النيابية ان يعلن حل الجمعية الوطنية ، وتجري الانتخابات بعد مدة لا تقل عن عشرين يوماً ولا تزيد على أربعين يوماً من تاريخ الحل وتجتمع الجمعية الوطنية بحكم القانون في يوم الخميس الثاني التالي لانتخابها ، فاذا ما وقع هذا الاجتماع في غير المواعيد المحددة للدورات العادية تفتح دورة بحكم القانون لمدة خمسة عشر يوماً ، ولا يجوز حل الجمعية الوطنية مرة أخرى خلال السنة التي تلي انتخابها)).

د. محسن خليل ـ النظم السياسية والدستور اللبناني ـ مصدر سابق ـ ص368.

12- د. محمد فتح الله الخطيب ـ مصدر سابق ـ ص36.

3[1]- د. محسن خليل ـ النظم السياسية والدستور اللبناني ـ مصدر سابق ـ ص400.

4[1]-عمر حلمي ـ مصدر سابق ـ ص162.

5[1]- يشكل المجلس الدستوري بموجب المادة 56 من الدستور من نوعين من الأعضاء :أعضاء معينون مدى الحياة ، وهم رؤساء الجمهورية السابقون للاستفادة من خبراتهم السابقة والنوع الثاني أعضاء معينون عددهم 9 أعضاء لمدة تسع سنوات قابلة للتجديد حيث يقوم رئيس الجمهورية بتعيين ثلاثة منهم ، ويقوم رئيس الجمعية الوطنية بتعيين ثلاثة ، ويختص مجلس الشيوخ بتعيين الثلاثة الآخرين أما رئيس المجلس الدستوري فيتولى رئيس الجمهورية تعينه.ومن الناحية العملية في تطبيق الدستور الفرنسي لم يشترك في المجلس الدستوري أحد من الأعضاء الدائمين حتى الان ، فقد توفي الرئيس السابق كوتي سنة 1962 ، كما رفض الرئيس السابق اوريول الاشتراك في المجلس الدستوري لمعارضته للدستور الجديد ولم يشترك ديغول بعد استقالته ، وتوفي بومبيد أثناء فترة رئاسته ..الخ ولما كان تكوين المجلس يتم على نحو سياسي ، كما وانه يختص بالنظر في مسائل البعض منها يتسم بطبيعته القضائية كالنظر في دستورية القوانين ولذلك اطلق عليه البعض (القضاء السياسي). د. محفوظ لعشب ـ التجربة الدستورية في الجزائر ـ المطبعة الحديثة للفنون المطبعية (1MAG) الجزائر ـ 2000 ـ ص164.

6[1]- د. سعيد بو الشعير ـ القانون الدستوري ـ ج2 ـ مصدر سابق ـ ص267 . وعمر حلمي ـ مصدر سابق ص162.

 

(محاماة نت)

إغلاق