دراسات قانونية

إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية حسب القانون الإماراتي (بحث قانوني)

إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية
الباحث / المحامي
ليث الصباغ / ماجستير في القانون التجاري
أهمّية الموضوع :
تُعدُّ مسألة إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية من المسائل التي أثارت وما تزال تثير الكثير من الجدل بين الشّراح وفي الواقع العملي كثيرًا ما تتكرر هذه المشكلة حيث تواجه شركات التأمين هذه الحالات بشكل مستمر خصوصاً في مجال تأمين المسؤولية المدنية الناشئة عن حوادث المركبات .
تأمينات

ومن هنا فأنَّ لهذا الموضوع أهمية كبيرة وما كان لنا أن نلاحظ مدى أهميته وقيمته لولا أنَّ الصدفة قد وضعت في متناول يدنا في دولة الإمارات العربية قضية تباينت فيها توجهات القضاء، فاستثار ذلك فضولنا العلمي وحملنا على الإهتمام بهذا الموضوع وتقصي ما يتصل بمضمونه وفحواه والتنظيم القانوني الخاص به.
منهجية البحث وخطته :
إنَّ البحث في موضوع إقرار المؤمَّن له يتطلب منّا بدايةًً أن نُسلِّط الضوء على المفاهيم المرتبطة به، فإذا انتهينا من ذلك كلِّه ناقشنا التوجه القضائي في إحدى القضايا التي عرضت على القضاء في دولة الإمارات العربية المتحدة ، ولذا سنعالج هذا الموضوع في مبحثين نكرِّس أولاها للمفاهيم القانونية المرتبطة بإقرار المؤمَّن له مثل الأساس القانوني للشرط الخاص بعدم الإقرار بالمسؤولية وحكم إقرار المؤمَّن له في الأحوال التي لا تتضمن وثيقة التأمين مثل هذا الشرط، وعلاقة هذا الشرط بشروط أخرى توردها شركات التأمين في وثائقها، والأسباب التي تدفع المؤمَّن له إلى الإقرار بالمسؤولية، ومن خلال ذلك سوف يتبيَّن لنا أنَّ هناك حالات بارزة يعترف المؤمَّن له بالمسؤولية لمجرد شعوره بأنَّ وجود شركة التأمين يمثل تكئة له تتحمل النتائج المترتبة كافة على ثبوت المسؤولية في مواجهته.

واستكمالا لما يستلزمه البحث العلمي من ترابط موضوعي، فإنَّ المبحث الأول سوف يتضمّن مناقشة ضرورة وجود شرط حظر إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية من عدمه.

أما المبحث الثاني سوف يخصص لدراسة التوجه القضائي في خصوص قضية عرضت على المحاكم في دولة الامارات العربية المتحدة واختلفت فيها المحاكم بدرجاتها الثلاث، مما حفَّزنا لمناقشتها وتسجيل وقائعها ووضعها في ضوء نظرية بحثنا.

وفي نهاية دراستنا وصلنا بحثنا بخاتمة سجلنا فيها أهم، ما تحصَّل لدينا من نتائج أو مقترحات.
والله ولي التوفيق
المبحث الأول
المفاهيم القانونية المرتبطة بإقرار المؤمَّن له
الفقرة (1) الأساس القانوني لحظر إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية وتنظيمه في دولة الإمارات العربية المتحدة :
في البداية، ينبغي الإشارة إلى أنَّ قانون المعاملات المدنية لدولة الامارات العربية المتحدة رقم 5 لسنة 1985 نص في المادة 1029 على الآتي :
” 1- يجوز الاتفاق على إعفاء المؤمن من الضمان إذا دفع المستفيد ضماناً للمتضرر دون رضاء المؤمن.
2- ولا يجوز التمسك بهذا الاتفاق إذا ثبت أن دفع الضمان كان في صالح المؤمن.”
يظهر من هذه المادة الإشارة إلى مشروعية حظر إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية ومنها إنبثق الشرط الذي جاءت به الوثيقة الموحدّة لتأمين المركبات والصادرة طبقا للقرار الوزاري رقم 54 لسنة 1987 م في دولة الامارات العربية المتحدة ، إذ نص البند 6 من الشروط العامة على الآتي : ” لا يجوز للمؤمَّن له ولا لمن ينوب عنه تقديم أي إقرار بالمسؤولية([1]) أو عرضٍ أو وعدٍ أو دفع أي مبلغ ٍ بدون موافقةِ الشركة كتابةًً . ويحقُ للشركة في أي وقتٍ إذا رأت ذلك أن تتولى الدفاع، وأن تباشرَ الدعوى باسم المؤمَّن له بخصوص أيةِ مطالبةٍ قد تسأل عنها الشركة بموجب هذه الوثيقة ، وأن تقومَ بتسوية تلك المطالبةَ، ولها أن تطالب باسم المؤمَّن له ولمصلحتها، بجميع التعويضات والتضمينات، وللشركة في هذا الشأن كامل السلطةَ في مباشرة أية إجراءات، وفي التصالح في أية مطالبة، وعلى المؤمَّن له أن يقدمَ إلى الشركة جميع المعلومات والبيانات والمعاونة اللازمة “

[1] نرى ضرورة التنويه إلى أنَّ نص الوثيقة الموحّدة يحظر على المؤمَّن له تقديم أي إقرار بالمسؤولية ولا توجد أي إشارةٍ في وثيقة تأمين المركبات لحظر اعتراف المؤمن له بالمسؤولية، ونحن نقترح تعديل هذا البند ليقرأ كما يلي : ” لا يجوز للمؤمَّن له ولا لمن ينوب عنه تقديم أي إقرار أو اعتراف بالمسؤولية …. ” وعلة ذلك : هي أنَّ مصطلح الإقرار في لغة القانون ينصبُّ على المسائل المدنية دون الجزائية وإنَّ الإعتراف ينصبُّ على المسائل الجزائية دون المدنية، وحظر الإقرار لا يعني حظر الإعتراف ولا يمكن ـ في رأينا ـ الاحتجاج في مواجهة المؤمَّن له إذا ما اعترف بالتهم المنسوبةِ إليه لأنَّ النصَّ الحاليَّ يقيِّده في مسألة الإقرار بالمسائل المدنية دون وجود أي إشارة للمسائل الجزائية . ومن هنا نرى اهميَّة معالجةِ نص الوثيقة .

يلاحظ أن الحظر الوارد في نص الوثيقة الموحدّة لتأمين المركبات اشمل مما تشير إليه المادة 1029 من قانون المعاملات المدنية، لكن جميع الأحوال الواردة في البند 6 ، آنف الذكر تنتهي الى ذات النتيجة التي قصدتها المادة 1029، ومن هنا جاز لشركة التأمين أن تورد شرطاً يعفيها من الضمان إذا ما دفع المؤمَّن له التعويضَ أو وعدَ بذلك أو اقرَّ بالمسؤولية، باعتبار أنَّ ذلك الإقرار سينتهي، حتماً إلى إلزام الشركة بأداء الضمان للمضرور .

الفقرة (2) حكم إقرار المؤمَّن له في الأحوال التي لا تتضمن وثيقة التأمين مثل هذا الشرط :
يلاحظ على نص المادة 1029 إشارتها إلى جواز الإتفاق على مثل هذا الشرط ومن هنا يثور التساؤل عن الأحوال التي لا يوجد فيها مثل هذا الشرط كما هو الحال بالنسبة لأغلب وثائق تأمين العمال و مسؤولية رب العمل([2])
” Workmen’s Compensation Policy & Employer’s Liability Policy “
[1] أغلب هذه الوثائق لا تتضمن شرط حظر إقرار المتسبب أو ربّ العمل بالمسؤولية ، رغم اننا نرى ضرورة إيراد هذا الشرط في تلك الوثائق، أسوة بالوثائق التي تغطّي المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات.

إذا نظرنا إلى الإقرار وجدناه حجةً قاصرةً لا يتعدى أثرها غير المُقِّر ، بمعنى أنَّ إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية قاصر عليه وحدهُ، وبالتالي فلا يحتجّ على شركة التأمين بهذا الإقرار. ورغم هذا التأصيل إلا أنَّ وجود الشرط الخاص بعدم الإقرار بالمسؤولية يعدُّ من المسائل المهمّة، وذلك لان المؤمِّن يتأثر بإقرار المؤمَّن له، ليس بسبب إنسحاب أثر الإقرار عليه، إنما يتأثر باعتبار أنَّ مسؤوليته مرآة لمسؤولية المؤمَّن لهُ وأنَّ الأخير إنَّما يقر على نفسه ، لكنَّ شركةَ التأمين تلتزم بتغطية مسؤوليته، وبالتالي ينبغي عليها ، أن ُتنبَِّه المؤمَّن له بعدم تقديم أي إقرارٍ أو اعترافٍ بالمسؤولية أو بعدم الوعدِ بالتعويض، وذلك بأن تورد شرطاً واضحاً وصريحاً يحظر على المؤمَّن له ذلك. ولعل من يتأمل نص المادة 1029 من قانون المعاملات الإماراتي، يجدها تجوِّز الإتفاق على مثل هذا الشرط من دون أن تفترض وجوده في جميع الأحوال.

الا ان هذه المادة تشير في فقرتها الثانية الى عدم جواز الاتفاق على اعفاء المؤمن له من الضمان اذا ثبت ان دفع الضمان كان في صالح المؤمن ومن هنا يمكن ان نلاحظ ان المشرع سمح بالاتفاق على حظر الاعتراف او الصلح الا ان هذا الجواز اقترن بعدم التعسف فان ثبت ان تصرف المؤمن له هو في مصلحة المؤمن امتنع على الاخير الاحتجاج بالشرط الذي يحظر التصالح.

بمعنى اننا امام حالة من حالات عدم الاحتجاج من قبل شركة التأمين في مواجهة المؤمن لديها ان ثبت تعارض الصلح الذي ابرمه مع المضرور مع مصلحة شركة التأمين او كان اقراره بالمسئولية هو الدليل الوحيد الذي لولا وجوده لما التزم المؤمن.

وهنا ينبغي التنويه الى ان عدم الاحتجاج الذي اشرنا اليه كجزاء لاقرار المؤمن له بالمسئولية او لتصالحه مع المضرور هو اخف بكثير من شرط السقوط رغم ان عدم الاحتجاج يقترب في نتيجته من السقوط باعتبار انه سيترتب على الامرين فقد المؤمن له حقوقه في التعويض بيد ان هنالك فرق واضح بين الجزاءين وهذا الفرق يتمثل في ان السقوط هو جزاء نهائي يطبق دون ما تدرج وهو يلحق المؤمن له بصرف النظر عن الضرر الذي اصاب شركة التأمين جراء المخالفة التي ارتكبها ليحرمه من الحق في العوض بشكل نهائي. فلو قلنا مثلا ان جزاء اقرار المؤمن له او اعترافه بالمسئولية هو سقوط حقه في التعويض لترتب على ذلك نتائج قاسية تنتهي الى فقد المؤمن له لحقه في الرجوع على شركة التأمين حتى اذا ما ثبت بان هنالك ادلة اخرى تكفي لاثبات مسئوليته وان وجود الاقرار من عدمه لن يؤثر على تلك المسئولية.

وبطبيعة الحال فان هذا الجزاء الشديد هو اكثر قسوة من جزاء عدم الاحتجاج لان الجزاء الاخير يفسح المجال للمؤمن له في اثبات ان الصلح الذي ابرمه مع المضرور هو في مصلحة شركة التأمين وهو يستطيع ان يفعل ذلك اذا ما اثبت توافر المسئولية في جانبه فضلا عن تخلف اضرار لدى المضرور تفوق ما تصالح عليه ” اعمالا لنص المادة 1029 فقرة 2 من قانون المعاملات المدنية “

او انه يستطيع ان يثبت ان المسئولية ثابتة في جانبه بادلة اخرى حتى لو انه لم يقر او يعترف بالمسئولية.
ويلاحظ ان عب الاثبات في هذه الاحوال ينتقل على عاتق المؤمن له بسبب مخالفته للاتفاق الخاص بحظر الاعتراف او التصالح ومع ذلك فان هذا الاثر اخف من سقوط حقه في التعويض.

وعلى اساس ما تقدم نرى ضرورة الاشارة الى بعض الاحوال العملية التي يقر او يعترف المؤمن له بالمسئولية بشكل كامل بينما يوجد خطأ للمضرور او خطأ مشترك ادى الى تحقق الخطر التأميني ، وكثيرا ما تواجه شركات التأمين مثل هذه الفرضيات فنجد ان المؤمن له يعترف بكامل المسئولية رغم مساهمة المضرور بشق كبير منها.

وبتطبيق فكرة عدم الاحتجاج يمكن ان نقول ان لشركة التأمين الحق في انقاص المبلغ المدفوع منها للمؤمن له بقدر اثر اقراره او اعترافه في زيادة المسئولية. وبهذا فان المؤمن له لن يفقد حقه كاملا بسبب اقراره او اعترافه لان مسئوليته ـ في شق منها ـ ثابته بادلة اخرى ولاننا لسنا امام سقوط لحق المؤمن له.

وان شركة التأمين لن تتحمل المسئولية كاملة لان شرط حظر الاقرار او التصالح هو شرط صحيح وينبغي اعماله ومن اثاره انقاص التعويض عند رجوع المؤمن له على شركة تأمينه.
الفقرة (3 ) علاقة الشرط بشروط أخرى :
إنَّ شرطَ حظرَ الإقرار يرتبط ُ بجملةٍ من الشروطِ المهمةِ : منها شرط ُ التبليغ ِ بالحادث، فمثلاً نصَّ البند رقم 2 من الشروط العامة من وثيقة تأمين المركبات المعمول بها في دولة الإمارات العربية، على ضرورة إخطار شركة التأمين كتابةً بكلِّ حادثٍ، وهنالك أيضاً شرطُ إدارةِ الدَّعوى، ومن خلاله يحقُ لشركة التأمين، أن تتولى الدفاعَ عن المؤمن لديها، وهذا الشرط في حقيقته تأكيد لشرط عدم الإقرار بالمسؤولية بل هو أعَمٌّ منه من حيث الأثر والنتيجة، إذ من خلال هذا الشرط تذود شركة التأمين عن المؤمن لديها، وتحافظ على مصالحها في الوقت ذاته … ومن هنا فإنَّ شرطَ عدم الإقرار بالمسؤولية وشرط الإخطار بالحادث، وشرط إدارة الدعوى، تمثل سلسلةً من الضمانات لصالح المؤمن، وإنَّ هذه الشروط تكمِّل بعضها بعضاً، فمثلاً إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية يفرغ شرطَ إدارة الدعوى من محتواه، بحيث يصبح الشرط الأخير عديم الفائدة لأنَّ المؤمَّن له إذا ما اقرَّ بالمسؤولية بات من العسير نفي المسؤولية حتى وإن تولت شركةَ التأمين إدارة الدعوى فيما بعد ، ومن الشروط الاخرى التي يمكن ان تشترطها شركات التأمين هي عدم التصريح او الاعلان بوجود وثيقة التأمين المسئولية او عدم اختصام شركة التأمين من قبل المؤمن لديها في الدعوى المرفوعة ضده من قبل المضرور وفي هذا الفرض فان شركة التأمين تؤكد على تحملها الكامل لنتيجة الحكم الصادر ضد المؤمن لديها بيد انها ترغب في عدم اعلام المحكمة بوجود تأمين على مسئولية المدعى عليه تجاه المضرور حتى لاتغالي المحكمة في تقدير التعويض او حتى لاتميل لمصلحة المضرور.
الفقرة (4) الأسباب التي تدفع المؤمَّن له إلى الإقرار بالمسئولية :
يصدر الاقرار بالمسئولية من جانب المؤمَّن له، لأسباب نوجزها بالاتي :
عدم الوعي بخطورة هذا الإقرار في ترتيب المسؤولية حيث إنَّ المؤمَّن له ليست لديه الدراية بالنتائج التي تترتب على إقراره. ومن هنا وجب التأكيد على ضرورة نشرِ الثقافةِ، والوعي التأمينيِّ في صفوف أبناء المجتمع كافة.

من الحالات التي يصدر الإقرار بسببها: هي التَّسرعُ والرغبةُ في حسم الدعوى، فلو اعترف المؤمَّن له بالمسؤولية فإنَّ القضيةَ الجزائيةَ سوف تُحسم، بينما لو صمّمَّ على الإنكار أو الدفاع بالمسؤولية فإنَّ المسألة َ تطولُ، و يطولُ الفصلُ فيها. ومن هنا يسارع المؤمَّن له بالاعترافُ من دون أن يكترثَ لما يترتبُ على ثبوت المسؤولية طالما أنَّ شركةَ التأمين سوف تتحمُّل أداءَ التعويضِ للمضرور .

وكذلك يصدرُ الإقرارُ أو الإعترافُ بسبب جهل المؤمَّن له بالمفاهيم القانونيةِ وعدم درايتهِ بقواعد السير والمرورِ، فيعترفُ بمسؤوليته، رغم أنَّ الطرف الآخر هو المتسببُ، أو رغمَ استغراقَ خطأ الغير لخطئه.

وفي بعض الأحوال، يعترف أو يقر المؤمَّن له بدافع الشفقة على المصاب حتى مع تيقنه من عدم مسؤوليته ومعرفته أنَّ الخطأَ في جانب المضرور والمشكلة في مثل هذه الأحوال أنَّ المؤمَّن له يرجِّح مصلحةَ المضرور أو المصاب على مصلحة شركةِ التأمين فتدفعهُ الشفقةُ إلى ترجيح ِ مصلحةِ المصابِ على حساب مصلحةِ مؤمِّنهِ.

ويحدث الإعتراف أو الإقرار لأسباب نفسية بسبب اضطراب المؤمَّن له نتيجة َ الحادثَ الفجائِّي والظروفَ الصعبةِ التي تحيطُ به من جرّاء مجابهة مثل هذا الموقف.

ويصدر الإقرار بالمسؤولية أيضاً بدافع التواطؤ بين المؤمَّن له والمضرور وهذه الحالةُ كثيرةُ الوقوعِ والتكرار إذ يعترفُ المؤمَّن له بالمسؤولية خلافاً لحقيقةِ الحالِ ومن الأمثلة العملية لمثل حالات الإقرار هذه، هي إقرار المؤمَّن له بأنَّ الحادثَ وقع بسببه رغم عدم وجود تلامسٍ([3]) بين مركبته مع المركبة المتضررة. ومن القرائن والدلائل التي يمكن من خلالها تأكيد مسألة الإقرار بدافع التواطؤ في مثل هذه الأحوال كون اعمار المتسِّبب والمتضرِّر متقاربة أو أنَّ هنالك صلةَ قرابةٍ أو معرفةٍ بينهم. كما ويلاحظ في مثل هذه الأحوال أنَّ المركبةَ المضرورة مؤمَّن عليها ضد المسؤولية المدنية فقط. ولعل هذا النّمط من الإقرار أو الاعتراف هو من أشدَّ الأنواع خطورةً على مصالح شركات التأمين، وذلك لصعوبة إثبات التواطؤ في أغلب الأحوال… ومع

[1] ينبغي التنويه إلى إنَّ ظرف عدم تلامس مركبة المتسبب بمركبة المضرور لا يعني ـ في جميع الأحوال ـ عدم نشوء المسؤولية وهو لا يعني ـ دائماً ـ بأنَّ هنالك تواطؤٌ بين المضرور والمؤمَّن له ، إلاّ أننا نقول أنَّ عدم التلامس هو أحدُ القرائن التي يستدل بها على هذا الشيء سيَّما إذا تساندت هذه القرينةُ مع قرائن ودلائلَ أخرى.
ذلك فإنَّ من أهم الوسائل التي ينصح باتخاذها هي:
الكشف على المركبات ومعاينتها .
الطلب من المتسبَّب والمتضرِّر، وصف الحادث وظروفه وملابساتهِ كتابةً وإجراء مقارنةً بين الوصفين.
تدخل شركة التأمين في الدعوى الجزائية باعتبارها مسؤولة عن فعل المتسِّبب.
الركون إلى ذمّة المتسبِّب والمضرور، وتوجيه اليمين لهما، وهذا هو آخر الحلول، فعند تعذر إثبات التواطؤ، يتم اللجوء إلى ذمّة المتسبَّب والمضرور، وتحليفهم سواءً أمامَ القضاء أو حتى قبلَ طرحِ النزاع أمامَ المحاكم، ونؤكِّد على أهمية هذا الإجراء سيَّما في مجتمعاتِنا العربيةَ التي ما تزال تتحصَّن بعقائدَ تكفُل جدِّية ونجاح هذا الإجراء.
الفقرة (5) شرط حظر إقرار المؤمَّن له و الدور الحيادي للقاضي:
إنَّ السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أنَّ شركات التأمين بحاجة إلى حماية نفسها من إقرار المؤمَّن له ، أم أنَّ هذه المسألة قليلة الأهمية، بالنظر إلى الدور الحيادي للقاضي الذي يمحِّص الأدلة ويقارنها ويطرح الإقرار جانبا متى وجده بعيداً عن حقيقة الحال، أو متى تبيَّن له تعارضه مع ظروف الدعوى ؟

في الحقيقة نحن نرى ضرورةَ وجود شرط عدم الاقرار بالمسؤولية، وضرورة إعماله إذ ليس من المؤكد أن يطرحَ القاضي هذا الإقرار، بل وإنَّ الأحوالَ العمليةَ وبخاصة في حوادثِ السير، والأحكام التي تصدر فيها، في دولة الامارات العربية المتحدة، فإننا نرى إنَّ الأحكام تركِّز كثيراً على إقرار المؤمَّن له، وقلمَّا تجد أحكاماً قضائية تطرح الإقرار، بل وفي بعض الحالات نلاحظ أنَّ بعض الأحكام يتم إستئنافها إستناداً إلى أنَّ المؤمَّن له لم يعترف بما نسبه إليه الحكم، فمثلا يردُّ المؤمَّن له على سؤال المحكمة عن تسبِّبه بالحادث بالإيجاب، وهو على جهل تام بقواعد المسؤولية أو بقواعد السير والمرور وكل الذي يقصده من وراء هذا الرد إنَّه هو الذي صدم المضرور بمركبته ومن هنا فنحن نؤكد على ضرورة وجود الشرط الخاص بعدم الاقرار بالمسئولية.
تأمين
المبحث الثاني
احكام القضاء بخصوص إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية
وددتُ تسليط الضوء في هذا المبحث على قضية عرضَتْ على القضاء واختلفت وجهات نظر المحاكم فيها . وتتلخص وقائع هذه القضية : في أن المدعي مؤمِّن على مركبته ضد المسؤولية المدنية لدى المدعى عليها ـ شركة التأمين ـ وقد صادفه حادث سير نتج عنه اضرار بممتلكات البلدية ، وقد قدِّرت هذه الأضرار بمبلغ 24000 درهم.

وقدم المدعي سنداً لدعواه، مستندات من أهمها : صورة لكتاب مؤرخ في 2/11/1999 صادر عن البلدية ويتضمن الإشارة لمعاينة الأضرار الناجمة عن الحادث، وتقديرها بمبلغ 24000 درهم، إضافةً إلى صورة من الحكم الإبتدائي الصادر بتاريخ 13/11/1999 في الجنحة المرورية الخاصة بحادث السير والذي انتهى إلى معاقبة المدعي حضورياً لتسببه بالإضرار بممتلكات الغير، كما وقدم المدعي صورة لتقرير الشرطة، ووثيقة التأمين على مركبته التي تسببت بالحادث والمؤمَّنة لدى المدعى عليها عن المدة11/10/1999 حتى10/11/2000 وهو في ذلك يطالب شركة التأمين بدفع قيمة التعويض عن الحادث الذي تسبب فيه باعتبار أنَّ مركبته مؤمَّنة لدى شركة التأمين وفي أثناء سريان الوثيقة، صادفه حادث نتج عنه إضرار بممتلكات الغير قدَّرتها البلدية بمبلغ 24.000 درهم.

وقد دفعت الشركة المدعى عليها بخلو الدعوى من المستندات الكافية فضلاً عن أنَّها سابقةً لأوانها، لكون المدعي لم يثبت أنَّه قام بدفع التعويض للبلدية عن الأضرار التي نجمت عن الحادث الذي ارتكبه بالمركبة المؤمَّن عليها لدى المدعى عليها، وهو الشرط الأساسي لكي ينشأ للمدعي الحق في الرجوع على شركة التأمين، وبما انه لم يسدّد أي تعويض فإنَّ موجبات دعواه تكون غير متحققة، ولذا فإنَّ الدعوى مرفوعة قبل الأوان، وقد كررت المدعى عليها هذا الدفع أمام محكمة أول درجة.

وازاء ذلك، بادر المدعي الى تقديم إيصال تسديد مبلغ 24000 درهم، قام بتسديده للجهة المتضررة بتاريخ1/6/ 2003، وذلك لتلافي دفاع شركة التأمين الخاص برفع الدعوى قبل الأوان، بعدها طلبت الأخيرة رفض الدعوى، تأسيساً على مخالفة شروط الوثيقة، وبالأخص البند رقم 6 من الشروط العامة[4]، للوثيقة الموحدة لتأمين المركبات ، والذي ينص: على أنَّه لا يجوز للمؤمَّن له، ولا من ينوب عنه، تقديم أي إقرار بالمسؤولية أو عرضٍ أو وعدٍ أو دفعِ مبلغٍ بدون موافقة الشركة الكتابية، ويحقُّ للشركة في أي وقتٍ، إذا رأت ذلك أن تتولى الدفاع، وأن تباشر الدعوى باسم المؤمَّن له بخصوص أي مطالبة قد تسأل عنها الشركة بموجب هذه الوثيقة([5]).

وهذا البند الوارد في وثيقة التأمين يجد صداه في قانون المعاملات المدنية لدولة الامارات العربية المتحدة، إذ تنص المادة 1029 على الآتي :
” 1- يجوز الاتفاق على إعفاء المؤمن من الضمان إذا دفع المستفيد ضمانا ً للمتضرر دون رضاء المؤمن .
2- ولا يجوز التمسك بهذا الإتفاق إذا ثبت أن دفع الضمان كان في صالح المؤمن “

[1] من هنا ترتبط هذه القضية بموضوع بحثنا الخاص باقرار المؤمن له بالمسئولية حيث ان المؤمن له في هذه القضية بادر الى الصلح مع المضرور دون اخطار شركة التأمين.
[1] أنَّ من شأن إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية الإضرار بمصالحة شركة التأمين باعتبارها هي التي ستتحمل في النهاية ما يقتضى به من تعويض. ومن هنا جاءت مواجهة شركات التأمين لمثل هذه الأحوال بشرط واضح وصريح تمنع من خلاله المؤمَّن له من الإقرار أو التصالح دون موافقتها الكتابية.

ليس ذلك فحسب بل إنَّ المدعي لم يبادر بالسداد إلاَّ بعد مُضي أكثر من ( 3 ) سنوات على وقوع الحادث، وعلم المتضرر به، بل وإنَّه لم يقمْ بالسداد إلاَّ بعد أن كررت المدعى عليها دفعها بالجهالة الفاحشة التي تشوب الدعوى ورفعها قبل الأوان، لعدم السداد من جهة المدعي للمضرور، بمعنى أنَّ المدعي سدد المبلغ بعد مضي مدة التقادم التي قررها القانون وأنَّ دعواه في بدايتها كانت مرفوعة قبل الأوان. وبهذا فإنَّ المدعى عليها تمسكت بالتقادم اضافة الى أنَّ تسديد المدعي للبلدية جاء مخالفاً لشروط وثيقة التأمين الموحدة للمركبات، والمتضمنة منع المؤمَّن له من التصرف بدفع قيمة الاضرار قبل الرجوع لشركة التأمين. وبخلافه يكون المدعي قد فوّت فرصة الدفاع على المدعى عليها عما هي ملتزمة به قبل الغير، وحرمها من الذود عن تلك المطالبة بالطرق المقررة شرعاً وقانوناً، سيَّما وإنَّ المادة رقم 1036 من قانون المعاملات المدنية الاماراتي تنص صراحةً على أنَّه :
” لا تسمع الدعوى الناشئة عن عقد التأمين بعد انقضاء ( 3 ) سنوات على وقوع الواقعة التي تولدت عنها او على علم ذي المصلحة بوقوعها “

وحيث إنَّ المدعي لم يقم بالسداد إلاّ في1/6/2003 أي بعد مرور أكثر من (3) سنوات على الواقعة وإنَّه سارع بسداد المبلغ للبلدية أثناء نظر الدعوى في بادرة منه للرد على دفاع المدعى عليها بطلب رفض الدعوى لخلوِّها مما يفيد سداده لمبلغ المطالبة حتى يكون له الحق من بعد ذلك في الرجوع على المدعى عليها وهو ما يؤكد قصد المدعي في التصرف منفرداً، خلافاً لأحكام وثيقة التأمين، وبقصد حرمان شركة التأمين من حقها في الرد على أية مطالبة توجه لها من المضرور.

وبالنظر إلى جميع هذه الموجبات انتهت محكمة أول درجة، إلى رفض الدعوى أخذاً بدفاع المدعى عليها ” شركة التأمين ” آنف البيان.

ولم يرتض المدعي قضاء محكمة أول درجة، فطعن عليه استئنافاً، وطلب إلغاء الحكم المستأنف والقضاء له بطلباته أمام محكمة أول درجة، وقد كررت شركة التأمين دفاعها نفسه أمام محكمة الاستئناف، بعد ذلك قررت المحكمة حجز الاستئناف للحكم، لتصدر حكمها بإلزام شركة التأمين بأداء المبلغ المطالب به، تأسيساً على أنَّ الثابت بأوراق الدعوى، إنَّ المستأنف ضدها مؤمنة على المركبة مرتكبة الحادث وهي تسأل قانوناً عن تعويض المضرور عن الأضرار المادية كافة من جرّاء الحادث. وحيث إنَّ المستأنف ضدها، لم تناقش قيمة إصلاح المركبة المطالب بها من المستأنف والتي قام بسدادها للمضرورة (البلدية) وهذا المبلغ ثابت بكتاب البلدية لإدارة الترخيص والمرور، وبالتالي فإنَّ شركة التأمين ملزمة بتحمله.

أما عن دفع شركة التأمين بأنَّ وثيقة التأمين تحظر على المؤمَّن له دفع أي مبلغ للغير دون موافقة الشركة المؤمنة، فإنَّ هذا الدفع مردود لأنَّ التعويض الذي قام المستأنف بسداده للبلدية مؤيد بإيصال رسمي، فضلاً عن إنَّ شرطة المرور أجبرت المستأنف على سداد التعويض الذي قدرته الجهة المضرورة، ولم يكن أمامه من سبيل للمنازعة أو التقدير عند سداده لهذا المبلغ، ومن هنا فلا موجب لتمسك المستأنف ضدها (شركة التأمين) بالشرط الوارد بوثيقة التأمين والذي منع المؤمَّن لهم من الدفع للغير، وكذلك الحال بالنسبة لدفع شركة التأمين بعدم سماع الدعوى لانقضاء ( 3 ) سنوات على حدوث الواقعة طبقاً للمادة 1036 من قانون المعاملات المدنية فإنَّ هذا الدفع مردود لأن المستأنف أقام دعواه قبل انقضاء السنوات الثلاث على وقوع الحادث وبالتالي فلا مجال للدفع بالتقادم، ومن هنا انتهت محكمة الاستئناف الى إلزام المستأنف ضدها شركة التأمين بالمبلغ المطالب به.

إزاء ذلك طعنت شركة التأمين على هذا الحكم تأسيساً على إنَّه لا يجوز للمؤمَّن له دفع التعويض للمتضرر من تلقاء نفسه، كما ويشترط في المطالبة، أن تتم قبل إكتمال مدة التقادم المانع من سماع الدعوى لأن للمؤمن الحق في استعمال الدفوع المتاحة كافة للمؤمَّن له ومنها الدفع بالتقادم، وفي هذه القضية لم تتحقق المطالبة من الجهة المتضررة ( البلدية ) للمؤمَّن له، ولم يحصل المطعون ضده ( المدعي ) على موافقة شركة التأمين، ولم يتم تفويضه في الإقرار بالمسؤولية أو بمقدار التعويض، وفوق ذلك كله قام المطعون ضده بسداد المبلغ لجهة البلدية بعد انقضاء مدة التقادم، الأمر الذي تكون معه المطالبة بهذا التعويض أمام القضاء مردودة، لتقادمها وفق حكم المادة 1036 من قانون المعاملات المدنية النافذ في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد سبق وأن طبق حكم محكمة أول درجة هذا التوجه إلاّ إنَّ محكمة الاستئناف انتهت في رأيها وتحليلها القانوني إلى أنَّ إلزام الطاعنة ( شركة التأمين ) رغم إنَّ المؤمَّن له دفع التعويض من تلقاء نفسه، وبعد مرور مدة التقادم، مضافاً إلى لذلك كله فإنَّ الحكم الاستئنافي لم يطبق شرط عقد التأمين الذي يحظر دفع اي مبلغ للغير دون موافقة الشركة المؤمنة، ذاهبا إلى أن شرطة المرور أجبرت المطعون ضده (المؤمَّن له) لسداد المبلغ للجهة المتضررة ( البلدية ) ، رغم اننا نرى ان ذمّة المؤمَّن له مشغولة مدنياً، وإذا نازع المدَّعي في سداد ما في ذمته، لا يمكن إجباره إلاَّ من خلال القضاء المدني، وله أن يقدم دفوعه أمام ذلك القضاء، وفي قضيتنا هذه فإنَّ هنالك دفع جوهري يرتبط بالتقادم المانع من سماع الدعوى لمضي المدة، كما وإنَّه لا يجوز تعاقدياً ” طبقاً لشروط وثيقة التأمين ” أن يتم تعويض الجهة المتضررة دون علم وإذن الجهة المؤمَّن لديها، لأنَّ الغرض من علمها وإذنها: هو ممارسة حقها القانوني في اثارة الدفوع كافة التي كانت متاحة للمؤمَّن له قبل الغير، وذلك في سبيل منحها الفرصة الكافية لدرء مسؤوليتها ـ كلياً أو جزئياً ـ أو لمنحها الحق في مناقشة تكاليف الإصلاح ومقداره.

أمَّا بشأن التقادم وقول محكمة الاستئناف بأنَّه دفعٌ مردودٌ، لأنَّ المؤمَّن له أقام دعواه قبل انقضاء السنوات الثلاث على وقوع الحادث، ولا مجال للدفع بالتقادم، فإن هذا الجانب يمكن مناقشته من الناحية الفقهية باعتبار أنَّ المؤمَّن له أقام دعوى الرجوع على المؤمن قبل انقضاء مدة التقادم، بينما دفاع شركة التأمين ينصُّب على تقادم دعوى المضرور ( دعوى المسؤولية التقصيرية ) تجاه شركة التأمين وتجاه المتسبب، وهذا التقادم لا ينقطع بدعوى الرجوع التي يقيمها المتسبب تجاه مؤمنه. وإنَّ القرار الوزاري رقم 54 لسنة 87 بشأن وثائق تأمين السيارات أقرَّ فكرة مبدأ التقادم وأكَّده ، إذ جاء في البند (13) من وثيقة تأمين سيارة ضد المسؤولية المدنية ما يلي :
( لا تسمع الدعاوى الناشئة عن هذه الوثيقة بعد انقضاء ثلاث سنوات على حدوث الواقعة التي تولدت عنها أو على علم ذوي المصلحة بوقوعها ) ما يدل على أنَّ دعوى المدعي متقادمة سنداً لذلك أيضاً.
وبهذا الشأن يقول العلامة السنهوري([6]) ما نصه :
[1] الوسيط في شرح القانون المدني / الجزء السابع ص 1688 .

( إنَّ الدعوى المباشرة التي يرفعها المضرور في حادث من حوادث السيارات على المؤمن تتقادم بثلاث سنوات، وهي مدة التقادم الخاصة بدعاوى المادة تحت التأمين المنصوص لها في المادة 752 من القانون المدني، وتسري هذه المادة من وقت وقوع الحادث، أي أنَّ سريانها يبدأ قبل بدء سريان دعوى المؤمَّن له قبل المؤمن بموجب عقد التأمين، لأنَّ هذه الدعوى الأخيرة لا تبدأ سريان التقادم فيها إلاّ في وقت مطالبة المضرور للمؤمَّن له بالتعويض، أي في وقت لاحق لوقوع الحادث، ويترتب على ذلك أنَّ الدعوى المباشرة تتقادم قبل أن تتقادم دعوى المؤمَّن له قبل المؤمِّن ).

ومسؤولية شركة التأمين تنتظمها المادتان 1034 و1036 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي، اما مسؤولية مسبب الحادث، فتنظمها المادة ( 298 ) من قانون المعاملات المدنية التي نصت: على ” 1- لا تسمع دعوى الضمان الناشئة عن الفعل الضار بعد انقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالمسؤول عنه “.

بمعنى إنَّ دعوى المضرور تجاه شركة التأمين أو تجاه المتسبب هي المتقادمة، وإنَّ هذا التقادم لا ينقطع بالدعوى التي يرفعها المؤمَّن له ” المتسبب ” ضد شركة التأمين المسؤولة عن فعله.
ولدى نظر الموضوع من قبل المحكمة الاتحادية العليا ، في موضوعه فإنَّها قررت الآتي :
” حيث إنَّ من المقرر أنَّ الطعن حق شخصي للمحكوم وحده، يستعمله أو يدعه بحسب ما يتراءى له من المصلحة، وليس لأحدٍ أن ينوبَ عنه في هذا الحق إلاّ بإذنه بموجب توكيل خاص أو عام، يجيز الطعن بهذا الطريق، لذا يجب على المحامي رافع الطعن أن يودع مع صحيفته علاوة على سند وكالته عن موكله، سند وكالة هذا الأخير عن الطاعن للوقوف على نطاقها، وما إذا كانت تخوِّله حق توكيل محام نيابة عنه في رفع الطعن من عدمه ، وإلاّ كان الطعن غير مقبول…”.

وعلى أساس ذلك قضت المحكمة العليا: بعدم قبول الطعن وألزمت الطاعنة الرسوم والمصاريف.
وكان بودِّنا أن نرى توجه المحكمة العليا في موضوع النزاع ورأيها في ترجيح أي من الوجهتين الفقهيتين… لكن المحكمة العليا إنتهت إلى عدم قبول الطعن تأسيساً على أنَّ المحامي قدم وكالته عن الموكل ” مدير عام الطاعنة ” ولم يقدم الوكالة الممنوحة للموكل من قبل الشركة الطاعنة.

ووفقاً لتوجه المحكمة العليا فان ينبغي التنويه الى ضرورة تقديم السلسلة الكاملة التي خولت المحامي صلاحيات الطعن. فمثلاً بالنسبة للشركات المساهمة فإنَّ المحامي يلتزم بتقديم الوكالة الممنوحة له من قبل المدير العام وهو ملزم بتقديم الوكالة التي منحت للمدير العام، من قبل رئيس مجلس الإدارة فضلاً عن تقديمه للوكالة الخاصة بتفويض رئيس مجلس الادارة والممنوحة له من قبل الجمعية العمومية وبكلمة موجزة فان الامر يستلزم تقديم السلسلة الكاملة للتوكيلات .

صفوة القول :
يتضح من خلال البحث جملة من الامور نوجزها في هذه الخاتمة بالاتي :
اولا : ان شرط عدم الاعتراف او الاقرار بالمسئولية هو شرط يقصد منه حماية مصلحة مشروعة وقد اجازه القانون في دولة الامارات العربية المتحدة .

ثانيا : ان جزاء مخالفة المؤمن له لهذا الشرط تتمثل بفقده لحقه في التعويض في مواجهة شركة التأمين وقد نبهنا الى ان فقد الحق لايمثل سقوط له انما هو نوع من انواع عدم الاحتجاج بالاقرار الصادر من المؤمن له في مواجهة شركة التأمين وقد اوضحنا الفرق بين سقوط الحق وبين عدم الاحتجاج في ثنايا هذا البحث.

ثالثا : لاهمية شرط عدم الاعتراف بالمسئولية واثره على تنفيذ شركةَ التأمين لالتزاماتها فاننا نشدد على ضرورة تنبيه المؤمن له الى هذا الشرط حتى بعد حصول الحادث ويفضل ان يتم التنويه والتنبيه كتابة حيث يتعهد المؤمن له بعدم تقديم أي اقرار وان يلتزم بشروط الوثيقة وعلى الاخص الشرط الخاص بحظر الاعتراف.

رابعا : سردنا اثناء بحثنا الحالات التي تدفع المؤمن له الى الاعتراف او الاقرار بالمسئولية ومنها عدم الوعي بخطورة هذا الاقرار او الجهل بالمفاهيم القانونية وهذه الامور ينبغي معالجتها بنشر الوعي التأميني والثقافة القانونية لجمهور المؤمن لهم.

واشرنا كذلك الى ان الاعتراف او الاقرار قد ينبثق بسبب التسرع او الرغبة في حسم الدعوى او انه يصدر بدافع الشفقة على المصاب او لاسباب نفسية وكذلك اشرنا الى ان الاقرار يصدر بدافع التواطؤ بين المؤمن له والمضرور وفي هذا الخصوص اكدنا على جملة من الحلول لمجابهة مثل هذه الحالات منها الكشف على المركبات وطلب وصف الحادث وتدخل شركة التأمين باعتبارها المسئولة عن فعل المتسبب في الدعوى الجزائية فاذا لم تنفع جميع هذه الحلول قلنا بضرورة توجيه اليمين الى المؤمن له والمضرور وتحليفهم سواء امام القضاء او حتى قبل طرح النزاع امام المحكمة.

خامسا : اشرنا في هذا البحث الى ان نص الوثيقة الموحّدة يحظر على المؤمَّن له تقديم أي إقرار بالمسؤولية ولا توجد أي إشارةٍ في وثيقة تأمين المركبات لحظر اعتراف المؤمن له بالمسؤولية، واقترحنا تعديل هذا البند ليقرأ كما يلي : ” لا يجوز للمؤمَّن له ولا لمن ينوب عنه تقديم أي إقرار أو اعتراف بالمسؤولية …. ” وعلة ذلك : هي أنَّ مصطلح الإقرار في لغة القانون ينصبُّ على المسائل المدنية دون الجزائية وإنَّ الإعتراف ينصبُّ على المسائل الجزائية دون المدنية، وحظر الإقرار لا يعني حظر الإعتراف ولا يغني عنه ، بل ولا يمكن ـ في رأينا ـ الاحتجاج في مواجهة المؤمَّن له إذا ما اعترف بالتهم المنسوبةِ إليه لأنَّ النصَّ الحاليَّ يقيِّده في مسألة الإقرار بالمسائل المدنية دون وجود أي إشارة للمسائل الجزائية . ومن هنا اكدنا على اهميَّة معالجةِ نص الوثيقة الحالي.
سادسا : وفي اثناء مناقشتنا لشرط عدم اعتراف المؤمن له بالمسئولية اشرنا الى ضرورة ادراج هذا الشرط في جميع وثائق تأمين المسئولية من مثل :
” Workmen’s Compensation Policy & Employer’s Liability Policy” وذلك كله أسوة بالوثائق التي تغطّي المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات.
سابعا : في الختام ينبغي التنويه الى اهمية استيفاء الاجراءات الاصولية الخاصة بالتوكيلات خصوصا امام المحاكم العليا ، فكما راينا في القضية التي تعرضنا لها ، فان توجه المحكمة العليا انتهت الى عدم قبول الطعن تأسيسا على ان المحامي المترافع قدم وكالته من المدير العام ولم يقدم وكالة المدير العام من الجهة التي خولته مما يستتبع عدم قبول الطعن ، ومن هنا نشدد على اهمية الانتباه لهذه المسألة سعيا لتلافي صدور احكام برفض الطعن في اقضية متشابهة.
أسأل الله عزّ وجلّ أن ينفع بهذا الجهد القليل ، وأن يكون إسهاماً يسيراً في المجال الذي تصدى له والله ولي التوفيق.

الباحث /المستشار القانوني
ليث الصباغ / ماجستير في القانون التجاري

[1] نرى ضرورة التنويه إلى أنَّ نص الوثيقة الموحّدة يحظر على المؤمَّن له تقديم أي إقرار بالمسؤولية ولا توجد أي إشارةٍ في وثيقة تأمين المركبات لحظر اعتراف المؤمن له بالمسؤولية، ونحن نقترح تعديل هذا البند ليقرأ كما يلي : ” لا يجوز للمؤمَّن له ولا لمن ينوب عنه تقديم أي إقرار أو اعتراف بالمسؤولية …. ” وعلة ذلك : هي أنَّ مصطلح الإقرار في لغة القانون ينصبُّ على المسائل المدنية دون الجزائية وإنَّ الإعتراف ينصبُّ على المسائل الجزائية دون المدنية، وحظر الإقرار لا يعني حظر الإعتراف ولا يمكن ـ في رأينا ـ الاحتجاج في مواجهة المؤمَّن له إذا ما اعترف بالتهم المنسوبةِ إليه لأنَّ النصَّ الحاليَّ يقيِّده في مسألة الإقرار بالمسائل المدنية دون وجود أي إشارة للمسائل الجزائية . ومن هنا نرى اهميَّة معالجةِ نص الوثيقة .
[2] أغلب هذه الوثائق لا تتضمن شرط حظر إقرار المتسبب أو ربّ العمل بالمسؤولية ، رغم اننا نرى ضرورة إيراد هذا الشرط في تلك الوثائق، أسوة بالوثائق التي تغطّي المسؤولية المدنية الناجمة عن حوادث المركبات.
[3] ينبغي التنويه إلى إنَّ ظرف عدم تلامس مركبة المتسبب بمركبة المضرور لا يعني ـ في جميع الأحوال ـ عدم نشوء المسؤولية وهو لا يعني ـ دائماً ـ بأنَّ هنالك تواطؤٌ بين المضرور والمؤمَّن له ، إلاّ أننا نقول أنَّ عدم التلامس هو أحدُ القرائن التي يستدل بها على هذا الشيء سيَّما إذا تساندت هذه القرينةُ مع قرائن ودلائلَ أخرى.
[4] من هنا ترتبط هذه القضية بموضوع بحثنا الخاص باقرار المؤمن له بالمسئولية حيث ان المؤمن له في هذه القضية بادر الى الصلح مع المضرور دون اخطار شركة التأمين.
[5] أنَّ من شأن إقرار المؤمَّن له بالمسؤولية الإضرار بمصالحة شركة التأمين باعتبارها هي التي ستتحمل في النهاية ما يقتضى به من تعويض. ومن هنا جاءت مواجهة شركات التأمين لمثل هذه الأحوال بشرط واضح وصريح تمنع من خلاله المؤمَّن له من الإقرار أو التصالح دون موافقتها الكتابية.
[6] الوسيط في شرح القانون المدني / الجزء السابع ص 1688 .

إغلاق