دراسات قانونية

تذييل الأحكام الجنائية الأجنبية وأثارها على منع الاختصاص (بحث قانوني)

تذييل الأحكام الجنائية الأجنبية وأثرها في منع الاختصاص

نوال أفقير
باحثة في سلك الدكتوراه
تخصص : القانون الجنائي و العلوم الجنائية
جامعة محمد الاول
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
وجدة

تقديم

نظرا لتطور الإجرام الدولي، وتكريسا للتعاون القضائي الدولي ،ومن أجل عدم إفلات الجاني من العقاب، أصبح من الممكن التحدث عن قبول الأحكام الجنائية الأجنبية، أمام القضاء الوطني، متجاوزين بذلك القاعدة القائلة بأن “قضاة الدولة لا تطبق إلا قانونها”. اعتبارا لأن الحكم الأجنبي هو كل حكم صدر وفقا لسيادة دولة أخرى.
فما مدى إمكانية تنفيذ الحكم القضائي الأجنبي على مجرم متواجد بدولة أخرى؟ وما مدى تأثير الحكم الجنائي الأجنبي على اختصاص المحاكم الوطنية؟.
من أجل الإجابة عن هذه التساؤلات سنحاول التعرف على القوة الإلزامية الممنوحة للأحكام الجنائية الأجنبية أمام القضاء الوطني (المطلب الأول) ثم سنتعرض لرقابة القضاء الوطني على الحكم الجنائي الأجنبي (المطلب الثاني).

المطلب الأول: حجية الأحكام الجنائية الأجنبية أمام القضاء الوطني

نظرا لما يمكن أن يترتب على إعطاء صفة الحجية للأحكام الجنائية الأجنبية، من إضرار بحقوق المتهم وضماناته القانونية، المتمثلة بالأساس في عدم تمكنه من الدفاع عن نفسه، ذلك أن الأحكام الجنائية المطلوب تنفيذها، غالبا ما تكون غيابية، كما أن الإدلاء بحكم جنائي أجنبي قد يؤدي إلى عدم متابعة الشخص في الدولة التي ينعقد لها الاختصاص.
ومن أجل هذه الإشكالات المطروحة ميز فقهاء القانون الجنائي بين الحجية الإيجابية للأحكام الجنائية الأجنبية وبين حجيتها السلبية.

الفقرة الأولى: الحجية الإيجابية للأحكام الجنائية الأجنبية

تعني الحجية الإيجابية للحكم الجنائي الأجنبي، مراقبة ما قد يلحق الحكم الأجنبي من عيوب ونقائص، وذلك لما يتمتع به هذا الحكم من قوة إثباتية وتنفيذية .
فبعدما كان الأصل، أن لا يكون للأحكام الأجنبية أي قوة تنفيذية في دولة أخرى، لاعتبارات متعلقة بسيادة الدولة، وكذلك لصعوبة تنفيذ الحكم في الدولة أخرى، وبعدما كان الرأي مستقر على أن لا يكون للأحكام الأجنبية أي آثار ثانوية أو تبعية كاعتبار الحكم الأجنبي دليلا على حالة العود ، أصبح ذلك متجاوزا بسبب الامتداد الدولي للجرائم، وسلمت معظم الدول بفكرة الاعتراف بالأحكام الجنائية الأجنبية في جانبها الإيجابي، وذلك تفاديا لبقاء المجرمين دون عقاب، وأملا في تحقيق تعاون قضائي دولي يساهم في الحد من الظواهر الإجرامية الدولية التي استفحلت في العقود الأخيرة، وهذا ما تنم عليه مبادئ وأحكام المواثيق والمعاهدات الدولية، وكذلك ما كرسته النصوص التشريعية الحديثة في العديد من الدول، التي أصبحت تقبل بإعطاء الصيغة التنفيذية للأحكام الجنائية الأجنبية.

وأهمية تنفيذ الأحكام الجنائية الأجنبية تتجلى بالأساس في المساهمة التبعية للجريمة ، كما لو ارتكب شخص جريمة غسل الأموال في المغرب، وساهم فرنسي في ذلك عن طريق تحصيل العائدات من هذه الجريمة، فيتوجب على القضاء الفرنسي أن يؤجل الحكم على المساهم إلى أن يصدر الحكم على الفاعل الأصلي من طرف القضاء المغربي.
ونظرا لما قد يكون لتنفيذ الحكم الجنائي الأجنبي من مساس بالسيادة، فإن أغلب الدول، لا تعترف بذلك إلا بناءا على اتفاقيات دولية.

ويرى فقهاء القانون الجنائي الدولي، أن تنفيذ الحكم الجنائي الأجنبي لا يمس بمبدأ السيادة، بل يكمله باعتبار أن الدولة هي التي تقوم بالتنصيص على شروط قبول أو رفض تنفيذ الحكم الجنائي الأجنبي، فالجريمة ذات الامتداد الدولي تشكل اعتداءا على مصالح المجتمع الدولي كله، وبالتالي فإنه من واجب هذا الأخير أن يسهر على تنفيذ الأحكام الجنائية الأجنبية.
فالقاعدة أن القاضي الوطني لا يطبق نظاما أجنبيا حتى لو تعلق الأمر بجريمة تتوفر على عنصر أجنبي، أو ممتدة دوليا، باستثناء إذا تعلق الأمر بأحكام غير جنائية، ذلك أن القاضي الوطني ممنوع من تطبيق النظام الجنائي الأجنبي حيث يمس تطبيقه بالنظام العام.

إلا أن هناك من الفقه من عارض هذه القاعدة، ودعا لتطبيق النظام الجنائي الأجنبي في الجرائم المرتكبة في الخارج وذلك لأن تطبيق القانون الجنائي الأجنبي، سيتيح للقاضي تطبيق المقتضيات القانونية الخاصة بطبيعة الجريمة، وبالتالي تحقيق مستلزمات العدالة والقانون .
فتطبيق القانون الجنائي الأجنبي، أمام المحاكم الوطنية، سينتج عنه “عالمية الأحكام الجنائية “وبالتالي قد تتحول المحاكم الوطنية إلى محاكم جنائية دولية، وتصبح هذه القاعدة حلا ناجعا لإشكالية تنازع الاختصاص.

وغالبا ما تحمل الدول شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية، على أساس مبدأ المعاملة بالمثل على المستوى الواقعي، بمعنى عدم قبول تنفيذ الأحكام الأجنبية في دولة ما إلا إذا كانت تلك الدول الأجنبية المراد تنفيذ حكمها، تسمح بتنفيذ الحكم الصادر عن محاكم الدولة الأولى المطلوب إليها إصدار الأمر بالتنفيذ، حيث ينظر إلى ما يجري به العمل في الواقع، دون الالتفات إلى وجود اتفاقية أو نص تشريعي لإثبات المعاملة بالمثل .
كما قد تأخذ بهذا المبدأ على أساس تشريعي، حيث تعمل الدول على التنصيص بسماح تنفيذ الأحكام الأجنبية، حتى تتمكن من طلب استصدار أمر بذلك من دولة أخرى، ينص تشريعها على نفس الشيء.
ونعتقد أن التنصيص التشريعي على تنفيذ الأحكام الأجنبية أكثر ضمانا، نظرا للوضوح الذي تتسم به جل النصوص التشريعية وإلزامية تطبيق القوانين الوطنية.
وهناك من الفقه من يرى بالأخذ بآلية تسليم المجرمين، كبديل عن الأخذ بالحكم الجنائي الأجنبي في شقه الإيجابي، وذلك نظرا لما قد يحققه هذا التسليم من فوائد ، رغم أن هذا الرأي أغفل أن التسليم يتعلق بمبادئ دولية تتصادم بمبادئ وقواعد وطنية، قد تؤدي إلى رفض التسليم حيث يظل الحل في حالة هذا الرفض هو العمل على تنفيذ الحكم الأجنبي، وهذا ما نصت عليه المادة 6/10 من اتفاقية فيينا لسنة 1988 .
ويمكن القول أن تنفيذ الأحكام الجنائية الأجنبية الإيجابية هو مبادرة في طريق منح التشريع الوطني صبغة العالمية، مما سيؤدي إلى تفعيل أكثر للعدالة الجنائية، طبعا في إطار التزام كل الدول باحترام القواعد القانونية، بغض النظر عن قوتها العسكرية والاقتصادية.

الفقرة الثانية: الحجية السلبية للأحكام الجنائية الأجنبية

يقصد بالحجية السلبية للحكم الجنائي الأجنبي “قيمة الحكم في الحيلولة دون إعادة محاكمة الجاني من جديد، أو التأثير على مقدار الجزاء الذي يحكم به على الجاني عند إعادة محاكمته في دولته، وتترتب عنه أثار لمصلحة المتهم” .

وتجد الحجية السلبية للحكم الجنائي الأجنبي قوتها في قاعدة عدم المعاقبة على نفس الفعل مرتين “non bi ibidem” ، وهذه القاعدة تقوم على فكرة العدالة، التي تستوجب ممارسة العقاب باعتدال، فلا يمكن متابعة شخص برأ من طرف محاكم دولة ما أو قضى عقوبته بها، وإعادة محاكمته على الفعل الجرمي نفسه .

ومن أجل تفعيل الحجية المذكورة للحكم الجنائي الأجنبي، يجب أن يكون هذا الأخير باتا، بمعنى مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، وبالتالي يتحقق منع إعادة محاكمة نفس الشخص عن الفعل ذاته مرتين.
والدول تختلف من حيث الاعتراف بالحجية السلبية للحكم الجنائي الأجنبي، ذلك أنه رغم كون بعض الدول لا تعترف بأي أثر سلبي للأحكام الجنائية الأجنبية ، إلا أن جل التشريعات الحديثة تذهب إلى الأخذ بهذه الحجية، وذلك رغم تقييده بشروط كما أن هناك العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية تنص على الأثر السلبي للحكم الجنائي الأجنبي، كالميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي نص في مادته 14 على أنه “لا يجوز محاكمة الشخص عن جريمة حكمت المحكمة فيها ببراءته أو إدانته بموجب حكم نهائي طبقا لقانون وإجراءات كل دولة” وما يلاحظ على هذه المادة أنها لم تشترط قضاء المجرم لمدة عقوبته في حالة الإدانة، عكس ما تشترطه معظم التشريعات من أجل الاعتراف بالأثر السلبي للحكم الجنائي الأجنبي.

ورغم الاختلافات الموجودة على مستوى التشريعات الوطنية إلا أن الفقه الجنائي الدولي أجمع على منح الحجية السلبية للأحكام الجنائية الأجنبية وفقا لشروط تمثلت في:
-أن يكون الحكم نهائيا وباتا
-أن تكون المحكمة مصدرة الحكم مختصة بالنظر في الدعوى الجنائية.
-تنفيذ الحكم الجنائي الأجنبي في حالة صدوره بالإدانة، أو أن يكون، قد صدر عفو في شأن الحكم، أو سقطت العقوبة بالتقادم.
≈كما أن قرارات الحفظ لأي سبب كان، ليس لها حجية سلبية تمنع من محاكمة الشخص ، بل على العكس من ذلك حيث تعتبر قرارات الحفظ الأجنبية أساسا للمتابعة في الدولة صاحبة الاختصاص.

إذا فطبيعة الجريمة الدولية تقتضي إعطاء الحكم الجنائي الأجنبي حجية أمام القضاء الوطني، نظرا للأثر الذي يتركه على المجتمع الدولي حيث لا تعاد محاكمة المجرم على الجريمة مرتين، ذلك أن الجريمة الدولية تمثل خرقا للقوانين الداخلية للدول، وليس لدولة واحدة فقط وبذلك تكون الأحكام التي تصدر في الجريمة الدولية، تمثل حماية للمجتمع الدولي، فالحكم الجنائي الأجنبي لا يقتصر على الدولة التي أصدرته وحده، بل تنوب عن المجتمع الدولي في معاقبة المجرم الذي يرتكب جريمة تمتد دوليا، وهذا ما يجعل الأحكام الجنائية الأجنبية تكتسب حجية أمام المحاكم الوطنية لدول أخرى.

المطلب الثاني: رقابة القضاء الوطني على الحكم الجنائي الأجنبي وموقف المشرع المغربي

رغم اعتراف جل التشريعات بالأحكام الجنائية الأجنبية سواء الإيجابية أو السلبية، إلا أن ذلك يخضع لشروط وإجراءات ومقتضيات تستوجب رقابة القضاء الوطني على ذلك في إطار رقابة صحة اختصاص المحكمة الأجنبية، فكيف يقوم القضاء الوطني بذلك وما موقف المشرع والقضاء المغربي من الاعتراف بحجية الأحكام الجنائية الأجنبية، مقارنة بالتشريعات المقارنة؟

الفقرة الأولى: رقابة صحة اختصاص المحكمة الأجنبية

من أجل تقرير الاعتراف بحجية الحكم الأجنبي أمام القضاء الوطني يقوم القاضي الوطني، بالتأكد من توفر الشروط الواجبة لصحة الحكم الأجنبي وذلك على المستوى الدولي والمستوى الداخلي أو الوطني.

أولا: رقابة الاختصاص الدولي

من المعلوم أن كل دولة تنفرد بتحديد اختصاص محاكمها، ولا يمكن لأي دولة أن تفرض القواعد المتعلقة بالاختصاص القضائي على دول أخرى، فيطرح الإشكال حول الأساس الذي يراقب بموجبه القاضي المطلوب منه الأخذ بحجية الحكم الأجنبي، فهل تكون هذه المراقبة طبقا لقانونه الوطني، أم لقانون البلد الذي أصدر الحكم؟
هناك من يرى بوجوب تطبيق قواعد تنازع الاختصاص في قانون القاضي المطلوب منه الأخذ بحجية الحكم الأجنبي، باعتبار أن هذه القواعد تكون مزدوجة الجانب حيث تحدد حالات تطبيق القانون الوطني وحالات تطبيق القانون الأجنبي، مما يمكن من التقريب بين قواعد الاختصاص القضائي الدولي وقواعد تنازع القوانين، وبذلك يتم تحديد اختصاص كل من المحاكم الأجنبية والمحاكم الوطنية وذلك بطريقة مزدوجة.

كما أن هناك من يرى بتطبيق قاعدة تنازع الاختصاص وفقا لقانون المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم، وذلك أنه ليس من المنطق الاعتماد على قواعد الاختصاص الجنائي في الدولة المطلوب منها تنفيذ الحكم أو الأخذ به كحجية، وذلك لصعوبة رقابة شرعية الاختصاص الدولي للمحكمة الأجنبية مصدرة الحكم ، كما أن هذه الرقابة، بمثابة رقابة لاحقة للفصل في النزاع، فتحدد بالرجوع للقواعد المقررة في قانون المحكمة الأجنبية، دون قواعد قانون القاضي في دولة التنفيذ، التي تستخدم للتحقق من شرعية الاختصاص الوطني لمحاكم دولته.
وحالات الاختصاص العام لمحكمة الدولة المطلوب منها الأخذ بحجية الحكم الأجنبي يصعب تحديدها حيث تنقسم إلى اختصاص جوازي واختصاص أصلي وتتمثل حالات الاختصاص الأخير في العقوبات الأصلية، ذلك أن القاعدة العامة، أنه لا حجية لما تتضمنه الأحكام الأجنبية من عقوبات أصلية داخل إقليم الدولة وبالتالي لا يجوز تنفيذ هذه العقوبات كالإعدام مثلا، إلا أنه يجوز تنفيذ هذه العقوبات الأصلية بموجب معاهدات دولية تقرر ذلك بشروط وحدود معينة .
أما حالات الاختصاص الجوازي فتتمثل في العقوبات الفرعية والاتفاقية والتي يجوز الخروج عليها باتفاق الدول لتنفيذ الحكم الأجنبي داخل إقليم دولة أخرى.

ثانيا: رقابة الاختصاص الداخلي

إن اختصاص المحكمة الداخلي، لا يوجب رقابة شرعية بالرجوع إلى قواعد الاختصاص الأجنبي، لأنها مسألة تخص القانون الأجنبي، وبالتالي تتعلق بسيادة المحكمة الأجنبية، ومن ثم، لا يكون القاضي الوطني ملزما بالتأكد من الاختصاص الداخلي للمحكمة مصدرة الحكم الأجنبي.
وتجدر الإشارة إلى أن تطبيق الأحكام الجنائية الأجنبية لا يعرقل تطبيق القانون الوطني، بل يعتبر ضرورة لتطبيقه أي لمساعدة القانون الجنائي الوطني.

الفقرة الثانية: موقف المشرع المغربي من الأخذ بالأحكام الجنائية الأجنبية

نص المشرع المغربي من خلال قانون المسطرة الجنائية على مجموعة من المقتضيات الخاصة بموقف المغرب من الأخذ بالأحكام الجنائية الأجنبية في شقيه الإيجابي

أولا: الحجية السلبية للأحكام الجنائية الأجنبية بالمغرب

بالرجوع إلى المادتان 707 و708 من ق م ج التي تعالجان الاختصاص المتعلق ببعض الجرائم المرتكبة خارج المملكة، نجد أنهما منحتا للأحكام الجنائية الصادرة في الخارج حجية تمنع من محاكمة الشخص على نفس الفعل مرتين، لكنها أقرنت ذلك بشروط؛ منها أن يثبت المتهم أنه صدر في حقه في الخارج حكما اكتسب قوة الشيء المقضي به، ونفس الشيء كرسه القضاء حيث ذهب في أحد قراراته إلى أنه “طبقا للفصل 752 (تقابله المادة 708 في ق م ج الحالي) من قانون المسطرة الجنائية فإن كل مغربي ارتكب فعلا خارج المملكة له صفة جنحة سواء في نظر القانون المغربي أو قانون القطر الذي ارتكب فيه، يمكن متابعته بالمغرب والحكم عليه ولو كان متابعا عن نفس الفعل أمام القضاء الأجنبي، لا يعفى من هذه المتابعة إلا إذا أدلى بحكم يكون قد بت في موضوع الفعل الجرمي ولم يعد خاضعا لأي طعن، وأنه قضى مدة العقوبة المحكوم بها عليه أو تقادمت، أو صدر في حقه عفو”.
لكن رغم هذه الشروط إلا أن التشريع المغربي يخلو من نص يجيب عن بعض الإشكالات التي قد تثار في حالة المطالبة بالأخذ بحجية الأحكام الأجنبية منها أن المشرع اشترط أن تكون العقوبة التي حوكم بها الشخص في الخارج قد طبقت بالكامل، لكن في حالة تنفيذ جزء منها فهل يمكن للقضاء المغربي إعادة محاكمة المتهم من جديد؟
رغم خلو التشريع المغربي من إجابة على هذا التساؤل إلا أن الأرجح هو إعادة محاكمة المتهم مرة أحرى، مع إنقاص الجزء الذي قضاه من العقوبة في الخارج، وذلك على غرار بعض التشريعات المقارنة كالمشرع اللبناني الذي نص في المادة 28 من قانون العقوبات على أن “العقوبة والتوقيف الاحتياطي الذين نفذا في الخارج يحسمان بالمقدار الذي يحدده القاضي من أصل العقوبة التي يقضي بها” .

كما أن المشرع المغربي من خلال المواد السابق ذكرها لم يحدد ما إذا كان العفو المقصود، يجب أن يكون وفقا لأحكام القانون المغربي، أم لا يعتد به ولو حصل وفقا لأحكام القانون الأجنبي؟
هناك من يرى أنه رغم سكوت المشرع، فإنه لا يمكن الاعتداد بالعفو الحاصل وفقا للقانون الأجنبي أيا كان نوع الجريمة، ذلك أن العفو يتضمن بعدا سياسيا وينطوي على مظهر من مظاهر السيادة، وبالتالي يجب أن يكون صادر في المغرب.

وتجدر الإشارة أن الاعتداد بالأحكام الجنائية الأجنبية لا تقتصر على المغاربة فقط، بل حتى على الأجانب الذين يرتكبون جنحا أو جنايات في حق مغربي بالخارج ، أو قد يرتكبون أفعالا خطيرة تمس المغرب كالجرائم المرتكبة على متن الطائرات الأجنبية إذا نزلت بالمغرب وجرائم أمن الدولة الخارجية، وجرائم تزييف النقود، وذلك شرط أن يصدر هذا الحكم عن محكمة مختصة طبقا لقواعد الاختصاص الجنائي الدولي، وأن يكون هذا الحكم لا تعقيب فيه.
وقد جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى :”… لكن حيث إن متابعة المطلوب ضده للنقص من طرف القضاء الإيطالي من أجل جنحة الاتجار في الكوكايين لا تحول دون تجديد متابعة من أجل نفس الأفعال بالمغرب طالما أنه لم يثبت أنه صدر في حقه حكم لا تعقيب عليه”.

ثانيا: الحجية الايجابية للأحكام الجناية الأجنبية بالمغرب

منح المشرع المغربي من خلال المواد 716 و717 ق م ج، للحكم الجنائي الأجنبي حجية أمام القضاء الوطني.

حيث يمكن لأي محكمة زجرية من محاكم المملكة المغربية أن تأخذ بالحكم الجنائي الأجنبي كعنصر من عناصر العود إلى الجريمة وذلك إذا تبين لنا بعد الإطلاع على السجل العدلي لمرتكب الجريمة أنه حكم على جناية أو جنحة من طرف دولة أجنبية يعاقب عليها القانون الأجنبي كذلك (المادة 716).
ومن أجل الإطلاع على السجل العدلي الخاص بمرتكب الجريمة في الخارج، عمل المغرب على إبرام مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الثنائية، حيث نصت من خلالها على الآليات التي تتيح تبادل المعلومات بين الدول في هذا الشأن، كاتفاقية التعاون القضائي المغربي الاسباني الموقعة بمدريد في 30/05/1997.
كما نصت المادة 717 من ق م ج على كيفية تنفيذ المقتضيات المدنية الواردة في مقرر صادر عن محكمة زجرية أجنبية.

فقد جعل المشرع هذا التنفيذ رهينا بمنحه الصيغة التنفيذية بمقتضى مقرر صادر عن المحاكم المدنية في المغرب وتطبيقا لمقتضيات قانون المسطرة المدنية، حيث نصت المادة 430 منه على أنه “لا تنفذ بالمغرب الأحكام الصادرة من المحاكم الأجنبية إلا بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف المحكمة الابتدائية لموطن أو محل إقامة المدعى عليه أو لمكان التنفيذ عند عدم وجودها…” .
وتجدر الإشارة إلى أن جل الدول تضع تنفيذ الأحكام الجنائية الأجنبية من أولوياتها وتنص عليها بشكل صريح وواضح ومن بين هذه التشريعات نذكر المشرع الفرنسي من خلال المادة 9-113 من المسطرة الجنائية الفرنسية ، وكذلك التشريع المصري من خلال المادة 4 من قانون العقوبات المصري.
وأخيرا يمكن القول أن الاعتراف بالأحكام الجنائية الأجنبية يعتبر من أهم تكريسات التعاون القضائي الدولي، في إطار محاربة الجريمة ذات الامتداد الدولي، والاهتمام بالتعاون الدولي في مجال القانون الجنائي، وذلك عن طريق النظر إلى القوانين الجنائية الأجنبية بثقة واحترام وإعطاء القوة التنفيذية للأحكام الجنائية الأجنبية، سواء من خلال التشريعات الداخلية لكل دولة أو من خلال المواثيق الدولية.

 

(محاماة نت)

إغلاق