دراسات قانونية

الخصائص التي تميز الشركة المساهمة عن غيرها من الشركات (بحث قانوني)

كانت المادة (30) من قانون الشركات التجارية لسنة 1957تنص على انه (تتألف شركة المساهمة من عدد من الأشخاص يكتتبون فيها باسهم قابلة للتداول يكونون مسؤولين عم ديون الشركة بمقدار القيمة الاسمية لما اكتتبوا به من أسهمها ). ثم جاءت الفقرة (أولا ) من المادة (6) من قانون الشركات لسنة1983، لتنص على ان (الشركة المساهمة شركة تتألف من عدد من الأشخاص لا يقل عن خمسة ،يكتتب فيها المساهمون باسهم في اكتتاب عام ويكونون مسؤولين عن الديون الشركة بمقدار القيمة الاسمية للاسهم التي اكتتبوا بها). وهذا ما نصت عليه أيضا الفقرة (أولا) من المادة (6) من قانون الشركات الحالي لسنة 1997، مع فارق بسيط ، بإضافتها صفتي المختلطة والخاصة الى اسم الشركة ، بحيث اصبح النص مبتدئا بعبارة (الشركة المساهمة المختلطة والخاصة ، شركة تتألف من …الخ). غير ان جميع هذه النصوص قاصرة عن الإيفاء بالمقصود منها ، أي عن إعطاء صورة حقيقة وكاملة عن الشركة المساهمة ، التي بالرجوع الى الاحكام المنظمة لها يمكننا تعريفها ، بكونها شركة أموال وبالاسهم ومغفلة (عارية من العنوان)، ذات شخصية قانونية وذات راس مال ثابت وتنظيم متكامل يسوده قانون الأكثرية ولا يلزم أعضاؤها الا بمقدار ما ساهموا به من مال فيها ، مما تتضح منه الملامح او الخصائص الرئيسية : –

لهذه الشركة ، باعتبارها :

أولا – شركة أموال .

ثانيا – شركة اسهم .

ثالثا- شركة مغفلة .

رابعا- شركة ذات شخصية معنوية .

خامسا -شركة ذات راس مال ثابت.

سادسا- شركة ذات طابع تنظيمي .

سابعا-شركة ذات طبيعة جماعية .

ثامنا- شركة ذات شركاء محدودي المسؤولية.

المبحث الأول: الشركات المساهمة شركة أموال

أي شركة قائمة على الاعتبار المالي INTIUPECUNIAEاكثرمن قيامها على الاعتبار الشخصي INTUITPERSONAE، بل ان الشركة المساهمة تمثل الشكل الكامل لشركات الأموال التي يتضاءل فيها الاعتبار الشخصي الى اقصى حد .ومع ذلك ، فمن الخطأ الظن بأن هذه الشركة هي شركة أموال صرف ينتفى فيها أي أثر للشخصي وتقوم فقط على الاعتبار المالي ، أي (يعتد بها (فحسب) بما يقدمه كل شريك من مال (دون مراعاة لشخصيته)، كما ذهب الى ذلك البعض (1)، لان الاعتبار الشخصي مهما تضاءلت أهميته في الشركة المساهمة لا يمكن ان يفقد اثره كليا فيها . ومن مظاهر الاعتبار الشخصي في الشركة المساهمة في قانون الشركات العراقي، وجوب تقسيم راس مالها الى اسهم اسمية، كما نصت عليه الفقرة (أولا) من المادة (29) من قانوني الشركات الحالي والسابق. وكذلك استلزام الفقرة (أولا) من المادة (6)منهما خمسة اشخاص في الأقل لتأسيسها ،ومنع المادة (64)منهما مؤسسيها من نقل اسهمهم (لغيرهم)قبل مرور مدة على تاريخ لتأسيسها(2) او توزيع أرباح لا تقل عن (5%)خمسة بالمائة من راس مالها الاسمي (المدفوع)(3). والواقع، ان تصنيف الشركات الى شركاء اشخاص وشركات أموال لا يعني الا غلبة العنصر الشخصي على العنصر المادي ،بنسب متفاوتة ،في شركات الأشخاص، وغلبة العنصر المادي على العنصر الشخصي، بنسب متفاوتة أيضا، لا ان شركات الأشخاص قائمة فقط على الاعتبار الشخصي او ان شركات الأموال لا أهمية فيها لغير المال. ولا ادل على ذلك ، مما تفرضه عقود بعض الشركات المساهمة او قرارات الهيئة العامة فيها ، بقدر ما تجيزه القوانين ، من قيود في تداول أسهمها باشتراط تمتع المتنازل له عنها بجنسية موطن الشركة او مؤهلات فنية او علمية معينة او قيود وشروط في إدارة الشركة .

المبحث الثاني: الشركة المساهمة شركة اسهم

أي شركة ينقسم راس مالها الى أجزاء متساوية ممثلة بوثائق ذات قيمة اسمية وقابلة للانتقال الى الغير . ولا تنحصر قابلية تداول الأسهم في نوع او أنواع معينة منها ، نظرا الى ان الأسهم هي من الأوراق المالية المعدة بطبيعتها لتسهيل عمليات توظيف رؤوس الأموال ونقلها دونما حاجة لاتباع إجراءات معينة. ومع ذلك ، فان قابلية التداول هذه لا تظهر في أي نوع من أنواع الأسهم مثلنا تظهر بوضوح وجلاء في الأسهم لحاملها التي تنقل وينقل معها كل ما تتضمنه من حقوق والتزامات بمجرد مناولتها يدويا ، شانها في ذلك شان الأوراق التجارية لحاملها والأوراق النقدية ، الامر الذي يجعل من هذه الأسهم أداة فعالة يمكن تجميع اضخم رؤوس الأموال بفضلها ، والتي تعتبر ، بالتالي ، العماد الذي تستند عليه عملية تمويل المشاريع في البلدان ذات الأنظمة الاقتصادية الحرة ، خصوصا تلك التي تقوم فيها صناعة ناشئة او تكون مقبلة على تدوير منشات ووسائل الإنتاج او التوزيع فيها .

المبحث الثالث: الشركة المساهمة شركة مغفلة

وهذا ما تدل عليه تسميتها بالفرنسية societe anonyme ، المنقولة ، كما هو ، الى القانون التجاري العثماني (شركة انونيم)، ومن بعده قانون التجارة التركي anonym Sirket،والمترجمة في قانون التجارة اللبناني ، وكذلك قانون التجارة السوري السابق لسنة1949 وحتى صدور قانون الشركات لسنة2008 ،ب(شركة مغفلة)، والتي تعني في الحقيقة شركة (مجهولة الهوية)، أي لا يعرف أصحابها . وهو ما حدا بالمشروعين التونسي والموريتاني الى تسميتها ب(الشركة خفية الاسم) ولعل هذه الخصيصة تعتبر من اهم الخصائص المميزة للشركة المساهمة ، بجانب تحديد مسؤولية الشركاء فيها ، ولذلك عني المشروعون عموما بالنص عليها صراحة. وظاهر ان عدم جواز تكوين اسم الشركة المساهمة من اسم أي شريك فيها، كقاعدة عامة، متأت من مبدأ تحديد مسؤولية جميع الشركاء فيها . وهذا ما نلاحظه في شركة التوصية التي كانت احكامها في قانوننا الأسبق لسنة1957 ، وكما هو بالنسبة لجميع قوانين الدول الأخرى ، لا تجيز تضمين عنوانها اسم أي من الشركاء الموصين، المحددة مسؤوليتهم والممنوعين من التدخل في الإدارة . وهذا ما عني المشرع المصري بالنص عليه في المادتين (22)و(23) من القانون التجاري لسنة1883، المنقولتين عن المادتين(29)و(30) من التقنين التجاري الفرنسي لسنة1807، بقوله فيهما ان (شركة المساهمة لا تعنون باسم الشركاء ولاباسم احدهم)،(وانما يطلق عليها الغرض المقصود منها كعنوان لها)، قبل ان ينص في المادة(2) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسؤولية المحدودة لسنة1981على انه(يكون للشركة اسم تجاري يشتق من الغرض من انشائها ، ولا يجوز للشركة ان تتخذ من أسماء الشركاء او اسم احدهم عنوانا لها). وكان مضمون المادتين(29)و(30) من الظهير(القانون)التجاري المغربي لسنة 1913 منقولا أيضا عن المادتين (29) و(30) من التقنين التجاري الفرنسي ،في حين قتصرت المادة(4) من ظهير (قانون)1996 المتعلق بالشركات المساهمة على استلزم كون (تسمية الشركة مسبوقة او متبوعة مباشرة وبشكل مقروء عبارة(شركة مساهمة) او الاحرف الأولى (ش.م)…الخ). كما نص الفصل ، أي المادة (160)من مجلة الشركات التونسية لسنة2000 على ان الشركة خفية الاسم تعرف(بتسمية اجتماعية(4) مسبوقة او ملحقة بشكل الشركة ومبلغ راس مالها). وكل ذلك اقل دلالة مما سبقته اليه المادة(77) من القانون التجاري اللبناني لسنة 1942 المتضمنة ان (الشركة هي شركة (عارية من العنوان))(5). في حين لم يكتف قانون التجارة السوري لسنة1949 (الملغي) بهذه العبارة العامة التي كانت واردة في المادة (88) منه أيضا في تعريف الشركة المغفلة ،وانما أوضح بعد ذلك في الفقرة(1) في المادة (90) منه انه يجب ان يطلق عليها (اسم معين يشير الى غايتها ، ثم أضاف اليها في الفقرتين (2)و(3) من نفس المادة (90)، على التوالي، انه (لا يجوز ان يكون هذا الاسم مستمدا من اسم شخص طبيعي الا انه يجوز لوزارة الاقتصاد الوطني ان تقبل ان يدخل في اسم الشركة اسم شخص طبيعي اذا كانت له شهرة تجارية واسعة او كانت غاية الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة قانونا باسم هذا الشخص)و(انه يجب ان يتبع هذا الاسم عبارة (مساهمة مغفلة) وبيان مقدار راس المال المكتتب به وراس المال المدفوع، مع التعديلات التي تطرا عليه زيادة ونقصانا). وسار المشرع السوري على نفس المنوال في قانون الشركات لسنة 2008، الذي بعد ان نص في المادة(88) منه، تحت عنوان (اسم الشركة)، في الفقرة(1)منها ، على عدم جواز كون اسم الشركة اسما لشخص طبيعي الا اذا كان غرضها استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص ، نص في الفقرتين(2)و(3) منها ، على التوالي ، على انه (يجب ان يتبع اسم الشركة عبارة (شركة مساهمة)، وانه (إضافة الى البيانات التي يجب على الشركات ادراجها في مطبوعاتها واعلاناتها وعقودها، يجب على الشركة المساهمة ادراج راس مالها في هذه الأوراق )، واختتم احكامها بالنص في الفقرة(4)منها على ان (للمحكمة اعتبار أعضاء مجلس الإدارة او الأشخاص المكلفين بتمثيلها مسؤولين في أموالهم الخاصة وبالتضامن عن التزامات وديون الشركة تجاه الغير الذي ابرم عقد مع الشركة دون ان تتبين له الشكل القانوني للشركة او راس مالها (بسبب مخالفة الشركة لأحكام الفقرتين السابقتين )). وذهبت المادة (63) من قانون الشركات التجارية الكويتي لسنة 1960، المعدلة بالمرسوم بالقانون رقم (16) لسنة 1992، الى أبعد من ذلك بنصها على أن (شركة المساهمة شركة (عارية عن العنوان) ويجب أن يطلق عليها اسم تجاري معين يشير الى غايتها ويخصصها ولا يجوز أن يكون هذا الاسم مستمدا من اسم شخص طبيعي الا في الحالات التالية:

• اذا كان غرضها استثمار براءة اختراع مسجلة قانونا باسم هذا الشخص.

• اذا تملكت الشركة مؤسسة تجارية تحمل اسم شخص طبيعي.

• اذا تم التحويل الى شركة مساهمة من شركة يشتمل عنوانها على اسم شخص طبيعي. (ويجب أن يتبع اسم الشركة أينما ورد عبارة شركة مساهمة)).

وجاء نص المادة (60) من قانون الشركات التجارية اليمني لسنة 1997 مشابها لذلك، منتهيا بعبارة (وفي جميع الأحوال يجب أن يضاف الى اسم الشركة عبارة (شركة مساهمة) مكتوبة بالحروف الكاملة). وهو نفس ما نصت عليه المادة (66) من قانون الشركات التجارية البحريني لسنة 2001، مع ملاحظة استلزامها كون اسم الشركة متبوعا، أينما ورد، بعبارة (شركة مساهمة (بحرينية)). كما أن المادة (50) من نظام الشركات السعودي لسنة 1965 قد نصت على عدم جواز اشتمال اسم الشركة المساهمة على اسم شخص طبيعي الا اذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة باسم هذا الشخص او الا اذا تملكت الشركة مؤسسة تجارية واتخذت اسمها اسما لها. وهو نفس ما نصت عليه المادة (65) من قانون الشركات التجارية الاتحادي الاماراتي لسنة 1984، على ان يضاف في جميع الأحوال الى اسم الشركة عبارة (شركة مساهمة عامة). وكذلك الامر بالنسبة للمادة(62) من قانون الشركات التجارية القطري لسنة 2002، مع استلزامها، على نمط قانون الشركات التجارية البحريني المذكور أعلاه، ان يضاف في جميع الأحوال الى اسم الشركة عبارة (شركة مساهمة قطرية). في حين ذهب المشرع العماني الى أبعد من ذلك بكثير ،بنصه في المادة (57)من قانون الشركات التجارية لسنة 1974على انه يجوز ان يتألف اسم الشركة المساهمة (من أي كلمة ) ويمكن ان يشمل (على اسم واحد او اكثر من مؤسسي او مساهمي الشركة)بشرط ان لا يكون مضللا لغاياتها او هويتها او هوية أعضائها . أما فيما يتعلق بموقف المشرع العراقي ، فانه مر بمرحلتين :

الأولى- في ظل قانون الشركات التجارية لسنة 1957، الذي نص المادة (33) منه على انه (يطلق على شركة المساهمة اسم مستمد من اغراضها او تسمية خاصة مقبولة تطلق عليها ،(وتكون عارية من العنوان)، وأوضح في المادة التالية (34)انه:

(1-لا يجوز ان تكون هذا الاسم مستمدا من اسم شخص طبيعي الا اذا كان غرض الشركة استثمار براءة اختراع مسجلة قانونا باسم ذلك الشخص .2-لا يجوز ان يتضمن الاسم ما يشير صراحة او دلالة على رعاية الملك اوترخصيه او موافقته بدون اذن خاص .3-ولا يكون فيه ما يؤدي الى استغلال الجمهور على نحو غير مشروع . 4- أينما ورد اسم الشركة يجب ان يتبعه عبارة (شركة مساهمة )مع بيان رأس مالها. 5- …الخ ).

الثانية- في ظل قانون الشركات اللاحقين لسنتي 1983،1997، الذي نص في الفقرة (أولا)من المادة (13) منهما على حكم عام ، ضمن مستلزمات الشركة (اية شركة )،يستلزم كون اسمها مستمدا من نشاطها يذكر فيه نوعها ، واستدرك ،بعد ذلك ، ليجيز (إضافة اية تسمية مقبولة(ان كانت مساهمة او محدودة)). كما أكد في المادة (23)من قانون التجارة لسنة 1984 على انه يجب ان يدل الاسم التجاري للشركة على نوعها. ولعل البيان المذكور، هو الوحيد الذي استأثر باهتمام المشرع الليبي، الذي اقتصر على النص في المادة (480)من القانون التجاري لسنة 1954، تحت عنوان (تسمية الشركة)، على انه (يجب ان يرافق اسم الشركة التجاري (كيفما تم اختياره) بيان صفتها بأنها شركة مساهمة). كما أن هذا البيان، مع بيان رأس مال الشركة ، هما الأساس في موقف المشرع الجزائري، الذي نص في المادة (593) من القانون التجاري لسنة 1975، المعدلة بمرسوم 1993/4/25، على غرار المادة (70) من قانون الشركات التجارية الفرنسي لسنة (6)1966، على انه (يطلق على شركة مساهمة تسمية الشركة، ويجب أن تكون مسبوقة او متبوعة بذكر شكل الشركة ومبلغ راس مالها)، بدليل انه فيما عدا ذلك، أجاز حتى (ادراج اسم شريك واحد او اكثر في تسمية الشركة).وهذا ما نصت عليه أيضا المادة (393) من مدونة التجارة الموريتانية لسنة 2000، بقولها (تحدد لشركة الأسهم تسمية شركة ويجب أن يكون مسبوقا او متبوعا بذكر شكل الشركة ومبلغ رأس مالها. يجوز ادراج اسم شريك واحد أو أكثر من الشركات في تسمية الشركة…الخ).

المبحث الرابع: الشركة المساهمة ذات شخصية معنوية

ومع ان هذه الخصيصة لا تنفرد بها الشركة المساهمة وحدها، وانما تتميزبها جميع أنواع الشركات المنظمة أحكامها في القانون العراقي، وكذلك في جميع القوانين الأخرى باستثناء شركة المحاصة، لما نصت عليه المادة (47) من قانوننا المدني من أن (الأشخاص المعنوية هي:… و- الشركات التجارية والمدنية الا ما استثني منها بنص في القانون…)، وما كانت قد نصت عليه المادة الرابعة من قانون الشركات التجارية لسنة 1957 من تمتع جميع الشركات التجارية بالشخصية المعنوية عدا الشركات المحاصة)، وما نصت عليه بعد ذلك المادة (5) من قانوني الشركات السابق لسنة 1983 والحالي لسنة 1997، تحت عنوان (الباب الأول /أحكام رئيسة، الفصل الأول/الشركة بوجه عام، الفرع الأول/ عقد الشركة)، من اكتساب الشركة الشخصية المعنوية وفقا لأحكام هذا القانون ، فان استقلال الشركة بشخصها عن اشخاص الشركات المكونين لها لا يبرز في بقية الشركات كما يبرز للعيان في الشركة المساهمة، نظرا لتضاؤل الاعتبار الشخصي وغلبة الاعتبار المالي فيها الى اقصى حد، وكونها ذات طابع تنظيمي ، وطبيعة جماعية الى درجة ذهب معها بعض الباحثين الى اعتبارها مجرد (منظمة)أو(مؤسسة)institution تحكمها القواعد القانونية ، لا يكاد أن يكون للروابط العقدية أو لإدارة الشركاء دور فيها(7). ومع ذلك، فان هذا الطابع التنظيمي المتقدم لا يعني، في رأينا، انقطاع الصلة بين الشخص المعنوي والعقد المولد له(8).

المبحث الخامس: الشركة المساهمة ذات رأس مال ثابت

أي شركة يحدد رأس مالها ابتداء بمبلغ معين من النقود، لا يمكن بعد ذلك تغييره، نقصانا او زيادة الا باتباع إجراءات معينة ينص عليها القانون حماية لحقوق الأغيار المتعاملين معها والمساهمين. وشركة المساهمة تتفق في ذلك، مع بقية الشركات المنظمة أحكامها في قانوننا، على العكس من الشركات ذات رأس المال المتغير(9)، كالشركات التعاونية(10)، الواسعة الانتشار في عدد من البلدان الأخرى وغير المعروفة في بلدانا، التي يتعذر، أو لايجوز، تحديد رأس مالها ابتداء، بل يظل راي مالها متقليا طيلة حياتها بسبب امكان خروج الأعضاء او انضمام اخرين اليها فب كل وقت . ومن ذلك ،ما نص عله المشرع اللبناني في المواد التسع(246 238-)من قانون التجارة لسنة 1942،تحت عنوان (الباب الخامس/في الشركات التي لها رؤوس أموال قابلة للتغير (شركات التعاون )). فقد نصت المادتين (238) و(239)،على التوالي ، على انه (يجوز لكل شركة ان تضع في نظامها نصا يفيد ان راس مالها قابل للتغير فتكون عندئذ خاضعة لأحكام المواد الاتية علاوة على القواعد العامة المختصة بها حسب شكلها الخاص . ويجب نشر ذلك النص )و(عندما تكون الشركة ذات راس مال قابل للتغير يجوز ان يزاد راس مالها اما بقبول شركاء جدد فيها واما بمبالغ جديدة يدفعها الشركاء كما يجوز ان ينقص باسترداد الشركاء كل ما وضعوه فيها أو جزء منه. ان زيادة راس المال وتنقيصه يجريا ن بحرية تامة ويعفيان من معاملة النشر ما لم يكن نظام الشركة ينص على العكس ). وهو نفس ما نص عليه المشرع السوري في المادتين (322)و(323)في قانون التجارة لسنة 1949،ولكنه لم يعد النص عليه في قانون الشركات لسنة 2008. كما اخذ المشروع الليبي، من جانبه، بما سماه الشركات التعاونية (المواد 649-680) من القانون التجاري . واستحدث المشروع التونسي، من جانبه، بالقانون عدد33 لسنة1962 الشركات ذات راس المال القابل للتغيير والشركة التعاونية ، كنوعين مستقلين من أنواع الشركات، وان كانت ذات راس المال المتغير يمكن ان تكون من أي نوع من الأنواع الخمسة(التضامن، التوصية بنوعيها بالحصص وبالأسهم، المحاصة ، المساهمة، ذات المسؤولية المحدودة)، اذا نص في عقدها او نظامها على ان راس مالها قابل للزيادة بمدفوعات جديدة من الشركاء او بانضمام شركاء جدد ، او قابل للتخفيض باسترداد الشركاء حصصهم في راس المال. كما ان الشركة المعروفة في نظام الشركات السعودي لسنة1965 ب(الشركة التعاونية)،لا تعدو عن كونها نوعا من الشركة المساهمة او الشركة ذات المسؤولية المحددة ، اذا تأسست وفقا للمبادئ التعاونية وكانت تهدف لصالح جميع الشركاء وبجهودهم المشتركة الى الأغراض المنصوص عليها في المادة(189)منه. وكانت المادة(238)من قانون الشركات الأردني المؤقت لسنة1989 تنص، من جانبها بالنسبة لشركة الاستثمار المشترك، انها تتخذ احد الشكلين: شركة ذات راس مال متغير، او شركة ذات راس مال ثابت ، في حين تنص المادة(209)من قانون الشركات الحالي لسنة1997 ، بدلا من ذلك، على انه(اذا كانت شركة الاستثمار المشترك (ذات راس مال متغير)، فلا تطبق عليها احكام الفقرتين(أ)و(ب) من المادة (95)من هذا القانون من حيث ضرورة كون الحد الأدنى لراس مال الشركة المصرح به خمسمائة الف دينار ، ومن حيث ضرورة تسديده خلال ثلاث سنوات). وكل ذلك، خلافا لمبدا(ثبات راس المال) في الشركة المساهمة وجميع الشركات الأخرى، التي لا يمكن زيادة راس مالها او تخفيضه الا بموجب قرار من الهيئة العامة للشركة بتعديل عقد الشركة وفقا لإجراءات معينة نص عليها المشروع حماية للأغيارالمتعاملين معها وللمساهمين انفسهم، كما سنأتي على تفصيله فيما بعد.

المبحث السادس: شركة المساهمة ذات طابع تنظيمي

للشركة المساهمة تنظيم متكامل يتألف من هيئات ذات اختصاصات محددة تكفل إدارة امورها وتسيير اعمالها وفقا للشروط المتفق عليها في عقدها التأسيسي و/او نظامها الأساسي والقواعد المنصوص عليها في القانون ، بحيث انها تبدو وكأنها (منظمة)او(مؤسسة) مستقلة كل الاستقلال عن الأشخاص الشركاء او الأعضاء المكونين لها، ومحكومة بنواميس خاصة تنبثق عن طابعها كنموذج امثل لشركات الأموال التي يتضاءل فيها الاعتبار الشخصي الى اقصى حد امام الاعتبار المالي الذي تقوم عليه هذه الشركة بالدرجة الأولى ، وهذه الهيئات هي:

• الهيئة العامة للشركة.

• مجلس إدارة الشركة.

• (هيئة)مراقبة الشركة.

ولو اردنا ان نمثل هذه الهيئات تمثيلا يقرب صورتها الحقيقية الى الذهن، لكان بإمكاننا اعتبار الشركة المساهمة بمثابة دولة ، حيث تلعب فيها الهيئة العامة للشركة دور السلطة التشريعية، ومجلس ادارتها دور السلطة التنفيذية ،و(هيئة) مراقبتها، الى حد ما دور السلطة القضائية.

المبحث السابع: شركة المساهمة ذات طبيعة جماعية

تكمن الطبيعة الجماعية للشركة المساهمة في كون المساهمين فيها لا يملكون بصفتهم هذه، أي لمجرد كونهم أعضاء فيها، الحق في ادارتها او تمثيلها امام الغير(11)، لان لهذه الشركة ، كما بينا، تنظيما متكاملا ،مؤلفا من أجهزة قرار وإدارة ورقابة، تمارس اختصاصاتها وسلطاتها ، بموجب وكالة ممنوحة لها من قبل الشركة وفقا لعقدها و/او نظامها والقواعد العامة ، والشركة المساهمة ، من بعد، يسودها(قانون الأكثرية)، اذ ان ما يقرره اغلبية المساهمين ،او بالأحرى ما يقرره المساهمون الذين يملكون أكثرية الأسهم الممثلة في اجتماعات الهيئة العامة وما يقرره اغلبية الحاضرين من أعضاء مجلس الإدارة، تخضع لها الشركة بمجموعها ،أي بكافة المساهمين فيها ، لا فرق في ذلك بين المؤيدين منهم للقرارات المتخذة او المعارض لها . وحتى في الحالات الاستثنائية او المهمة التي تستلزم انعقاد اجتماع غير عادي للهيئة العامة، كتعديل عقد الشركة او زيادة او تخفيض راس مالها او دمج الشركة اوتحويلها او تصفيتها ،والتي لا يمكن ان يعتبر فيها الاجتماع منعقدا الا بتوافر نصاب حضور قانوني يمثل نسبة معينة من اسهم الشركة، فانه يكفي لاتخاذ القرارات فيها بنصاب تصويت معين ،وهو حسب الفقرة(ثانيا) من المادة (98) من قانون الشركات الحالي ، المعدلة بأمر سلطة الائتلاف المؤقتة(المنحلة)64/2004 ،(الأغلبية من مالكي الأسهم المكتتب بها والتي تم تسديد اقساطها المستحقة، ما لم يتطلب عقد الشركة نسبة اعلى من ذلك)، أي ليس بالإجماع كما في الشركة التضامنية.

المبحث الثامن: شركة المساهمة ذات شركاء محدودي المسؤولية

وهذا ما نصت عليه صراحة التشريعات المنظمة لأحكام الشركة المساهمة عموما، ومنها قانون الشركات العراقي ، الذي نص في الفقرة(أولا) من المادة(6) منه، كما سبق لنا بيانه ، على ان المساهمين فيها (يكونون مسؤولين عن ديون الشركة (بمقدار القيمة الاسمية للاسهم التي اكتتبوا بها). ولذلك ، فان المساهم او الشريك في الشركة المساهمة لا يلتزم الا بدفع القيمة الاسمية التي اكتتب بها ولا يمكن الزامه باي مبلغ اخر، مهما بلغت خسارة الشركة. وان كان يشترك في ذلك مع كل من الشريك في الشركة المحدودة، والشريك الموصي في شركة التوصية بنوعيها البسيطة(بالحصص) وبالأسهم في ظل قانون الشركات التجارية لسنة1957 والقوانين المحتفظة بها . على عكس الشريك المتضامن في الشركة التضامنية، والشريك الموصى اليه (المتضامن) في شركة التوصية الذي يعتبر مسؤولا او الموصى اليهم عن جميع ديون والتزامات الشركة. فاذا سدد المساهم في الشركة المساهمة جميع المبالغ المستحقة عليه بسبب اكتتابه في أسهمها او شرائها، فانه يكون قد اوفى بالتزاماته المالية قبلها وابرا ذمته تجاهها ولا يحق بعد ذلك ،لكائن من كان، الرجوع عليه باي مبلغ إضافي او بالمساهمة في الخسارة التي تكون قد احاقت بالشركة، مهما كان عدد الأسهم التي يملكها فيها وما تمثله قيمة هذه الأسهم بالنسبة الى راس مال الشركة. بيد انه ينبغي ملاحظة ان المسؤولية لا تعتبر محدودة في الشركة المساهمة الا بالنسبة للمساهمين فيها بصفتهم هذه بالذات ، أي بالنسبة للشركاء بصفتهم أعضاء في الشركة، لا بالنسبة لغيرهم من الأشخاص ، ومنهم او في مقدمتهم الشركة نفسها ، ولا بالنسبة للمساهمين فيها بغير هذه الصفة. ويترتب على ذلك :

أولا- ان مسؤولية الشركة المساهمة نفسها ، باعتبارها شخصا قانونيا مستقلا عن الأشخاص المكونين له، مسؤولية مطلقة لا تقف عند حد ، ولا يمكن قصرها على مبلغ معين، شأنها في ذلك شأن الشخص الطبيعي الذي يتميز بوحدة ذمته المالية وعدم جواز تحديد مسؤوليه عموما .

ثانيا- ان مسؤولية المساهمين بغير صفتهم هذه، أي بغير صفتهم شركاء، وعلى سبيل المثال بصفتهم أعضاء مجلس إدارة الشركة او مديرين فيها، لا تتحدد بما اكتتبوا به من اسهم ولا باي مبلغ معين من المال . فلو تسبب شريك عضو مجلس الإدارة الشركة في خسارتها بخطأه ، فانه يمكن الرجوع عليه بكل مبلغ الخسارة التي تسبب فيها ، مهما كانت مساهمته ضئيلة في راس مال الشركة ، لان هذه المسؤولية لا تنبع من صفته شريكا مساهما في الشركة، وانما من كونه عضوا في مجلس ادارتها او مديرا فيها يرتبط بها بعقد وكالة او عقد عمل ويخضع في ذلك لمسؤولية الوكيل او العامل الاجير طبقا للقواعد العامة في المسؤولية العقدية .

المبحث التاسع: الخصائص الأخرى للشركات المساهمة

ذكر استاذنا الدكتور صلاح الدين الناهي ، في شرحه قانون الشركات العراقي الأسبق لسنة1957، على غرار الفقيه اندره مورو بالنسبة للقانون الفرنسي ، ان الشركة المساهمة تتميز أيضا بكون عدد المساهمين من مؤسسيها لا يقل عن سبعة ويكون ادارتها يعهد بها الى مجلس لا يقل عدد أعضائه الأصليين عن ثلاثة ولا يزيد عن اثني عشر وبوجود احتياطي راس مال لضمان حقوق ضامني الشركة…الخ(12). والحال ، ان هذه الأمور لا تعدو عن كونها مجرد قواعد تفصيلية خاصة لا تعتبر من جوهر هذه الشركة في شيء ولا يكاد ان يتفق عليها المشرعون . فبينما حدد عدد المؤسسين، او(المساهمين) بتعبير بعض المشرعين ، بما لا يقل عن عشرة في القانونين البرتغالي والاتحادي الاماراتي ، وبما لا يقل عن سبعة في كل من القانون الإنكليزي السابق والفرنسي السابق والبلجيكي السابق والتونسي والبحريني واليمني وكذلك العراقي والأردني والمصري والمغربي والجزائري في السابق، لم يستلزم القانون الألماني السابق وكذلك القانون النمساوي والتركي والسوري والكويتي والسعودي والقطري والصيني وأخيرا العراقي والجزائري والمغربي والموريتاني غير خمسة، واكتفى القانون السويسري وكذلك البلجيكي واللبناني والعماني والمصري وأخيرا السوري بثلاثة(13)، بل اكتفى القانون الإنكليزي لسنة1985 باثنين، ومثله اليوناني والأردني لسنة1997 ، وهذا الأخير حتى ، استثناء ، بواحد، كما هو في كل من القانون الألماني الحالي والهولندي والسويسري والدنماركي والفنلندي و اليوناني(14)، وكذلك الفرنسي الحالي والجزائري المعدل سنة 1993. وبينما حدد عدد أعضاء مجلس إدارة الشركة بثلاثة في الأقل وخمسة عشر على الأكثر في القانون الاتحادي الاماراتي ، وبثلاثة في الأقل وثلاثة عشر على الأكثر في القانون الأردني والسوري ، وبثلاثة على الأقل واثني عشر على الأكثر كقاعدة عامة في كل من القانون الفرنسي واللبناني والتونسي والجزائري والمغربي(15) والعماني وكذلك العراقي في السابق ، وحدد بثلاثة في الأقل وسبعة على الأكثر في القانون اليمني(16)، وحدد في القانون الشركات العراقي لسنتي 1983 و1997 بخمسة في الأقل وتسعة على الأكثر بالنسبة للشركات المساهمة الخاصة وبتسعة دائما بالنسبة للشركات المساهمة المختلطة، وان اصبح في هذه الأخيرة، بالتعديل الذي جرى بموجب امر سلطة الائتلاف المؤقتة(المنحلة) رقم64/2004 (سبعة)، واذا تجاوزت حصة قطاع الدولة في الشركة وقت التعيين 50% (خمسين بالمائة) من راس مالها فيكون (تسعة)، اقتصر كل من القانون البحريني والقطري على تحديد الأدنى فقط بخمسة واقتصر كل من القانون البلجيكي والكويتي والسعودي والمصري الحالي على تحديد الحد الأدنى فقط بثلاثة، مع اشتراط القانون المصري كون عدد الاعضاء دائما فرديا، واكتفى القانون الإنكليزي الحالي باثنين، وأجاز القانون السويسري إدارة الشركة من قبل مدير واحد فقط. واضافة الى هذا الاختلاف والتفاوت في تحديد عدد مؤسي الشركة المساهمة وعدد أعضاء مجلس ادارتها، هناك ظاهرة التعديلات التي جرت وتجري على العددين المذكورين في مختلف القوانين وفي كل وقت . ومن ذلك ، انه بينما كان قانون الشركات التجارية العراقي لسنة 1957يحدد عدد مؤسسي الشركة المساهمة بما لا يقل عن سبعة ، لم يعد يستلزم قانون الشركات الحالي لسنة 1997غير خمسة ،وبينما كان يحدد عدد أعضاء مجلس ادارتها بما لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد على اثني عشر، حدده بعد ذلك بتسعة في الشراكة الخاصة وبسبعة أو تسعة في الشركة المختلطة بحسب نسبة مساهمة الدولة في رأس مالها. كذلك الامر في القانون الأردني ، الذي بعد أن كان يستلزم في قانون الشركات لسنة 1964اجتماع سبعة أشخاص في الأقل لتأسيس هذه الشركة، اكتفى بعد ذلك باثنين وحتى استثناء بواحد ، وبينما كان يحدد عدد أعضاء مجلس الإدارة بما لا يقل عن خمسة ولا يزيد على أحد عشر ، عدل هذا العدد الى من ثلاثة الى ثلاثة عشر. ونذكر مثالا اخر على هذه التعديلات ، وهو ما كان ينص عليه قانون التجارة السوري لسنة 1949في ان لا يقل عدد مؤسسي الشركة المغفلة ، كما كان يسميها ، عن الخمسة وان لا يقل أعضاء مجلس ادارتها عن ثلاثة ولا يزيد على سبعة ، قبل ان يأتي قانون الشركات لسنة 2008ليحدد عدد مؤسسي الشركة المساهمة ، كما سماها فيه، بثلاثة في الأقل ، ويحدد عدد أعضاء مجلس ادارتها بثلاثة في الأقل وثلاثة عشر على الأكثر .

 

(محاماه نت)

إغلاق