دراسات قانونية
مدى تمتع الشركة بالشخصية القانونية والنتائج المترتبة على ذلك (بحث قانوني)
الشركات بحسب تمتعها بالشخصية القانونية او عدمه :
نصت المادة (22) من قانون الشركات السابق لسنة 1983 وقانون الشركات اللاحق (الحالي)لسنة 1997 على انه (تكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تاسيسها . وتعتبر هذه الشهادة دليلا على ان إجراءات التاسيس قد تمت وفق القانون ). وبالتعديل الذي ادخله عليه امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 2006/64، اصبح الشطر الثاني من هذه المادة (وتعتبر هذه الشهادة (اثباتا على شخصيتها المعنوية )) . والمهم ان هذا الحكم ينطبق على جميع أنواع الشركات الخمسة المنظمة احكامها بهذا القانون الحالي ، وهو ما يتفق مع ما نصت عليه المادة (48) من القانون المدني ، من تمتع الشركات التجارية والمدنية بالشخصية المعنوية (الا ما استثنى منها بنص في قانون )، . والاستثناء كان وارادا في قانون الشركات التجارية لسنة 1957، الذي كان ينص في المادة الرابعة منه ، على غرار جميع القوانين ،على ان (جميع الشركات التجارية بالشخصية المعنوية عدا الشركات المحاصة ) .
الشركة بصفتها شخصا قانونيا :
الفرع الأول : الشركة شخص قانوني
بالإضافة الى كون الشركة عقدا ، وتميزها بذلك عن مجرد الاشتراك في الأموال والشيوع ،فان الشركة تتميز أيضا ، عموما ، بكونها شخصا قانونيا مستقلا عن اشخاص الشركاء المكونين لها . وفي ذلك ، نص المشرع العراقي ، أولا ، في المادة (47) من القانون المدني على ان :
( الأشخاص المعنوية هي : ….و-الشركات التجارية والمدنية الا ما استثني منها بنص في القانون … ). ثم نص في المادة ( 627) ، ضمن احكام الشركة بوجه عام الملغاة ، على ان الشركة تعتبر بمجرد تكوينها شخصا معنويا الا اذا نص القانون على غير ذلك . ونص في المادة الرابعة من قانون الشركات التجارية رقم (31) لسنة 1957، المقتبس حكمها من المادة ( 45) من قانون التجارة اللبناني والمادة ( 58) من قانون التجارة السوري السابق لسنة 1949 ، على ان جميع الشركات التجارية تتمتع بالشخصية المعنوية عدا شركات المحاصة . في حين نص في قانون الشركات لسنة 1983 وخلفه في القانون الحالي لسنة 1997 ، بالمادة (22) منهما ، على انه ( تكتسب الشركة الشخصية المعنوية من تاريخ صدور شهادة تأسيسها . وتعتبر هذه الشهادة دليلا على ان إجراءات تأسيسها قد تمت وفق القانون ) ، وان عدلت سلطة الائتلاف الموقتة ، غير المخولة بذلك ، بأمرها رقم 2004/64 ، العبارة الأخيرة من هذا الحكم ، ضمن جملة احكام أخرى ، الى ( وتعتبر هذه الشهادة اثباتا على شخصيتها المعنوية ) . ولابد من ان نشير هنا ، الى عدم اتفاق المشرعين في الدول العربية على مصطلح واحد في هذا الخصوص أيضا . فبينما استعمل المشرع العراقي وعدد من المشرعين الاخرين مصطلح ( الأشخاص المعنوية ) ، استعمل البعض الاخر مصطلح ( الأشخاص الاعتبارية او الاعتباريون )، واستعمل غيرهم مصطلح ( الأشخاص الحكمية ) . فبلنسبة للمجموعة الأولى ، بالإضافة الى نصوص القوانين العراقية المذكورة انفا المتضمنة مصطلح الأشخاص المعنوية ، جاء نص المادة (45) من قانون التجارة اللبناني بعبارة ( ان جميع الشركات التجارية – ما عدا شركات المحاصة – تتمتع بالشخصية المعنوية ) . وجاء نص المادة (2) من قانون الشركات التجارية الكويتي بعبارة ( فيما عدى شركات المحاصة ، تتمتع جميع الشركات التجارية بالشخصية المعنوية ) . كما نصت المادة ( 549) من القانون التجاري الجزائري على انه (لا تتمتع الشركة بالشخصية المعنوية الا من تاريخ قيدها في السجل التجاري ). ونص الفصل ، أي المادة ( 4) من مجلة الشركات التجارية التونسية على انه ( تنشأ عن كل شركة تجارية شخصية معنوية مستقلة عن شخصية كل شريك فيها وذلك بداية من تاريخ ترسيم الشركة بالسجل التجاري باستثناء شركة المحاصة ). وبالنسبة للمجموعة الثانية من التشريعات ، التي اعتمدت مصطلح الأشخاص الاعتبارية ، نذكر المادة (25) من القانون المدني المصري التي نصت على ان (الأشخاص الاعتبارية هي … 4-الشركات المدنية والتجارية)، والمادة (22) من قانون الشركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذلت المسؤولية المحدودة المصري، التي نصت على انه (لاتثبت الشخصية الاعتبارية للشركة ولا يجوز لها ان تبدأ اعمالها الا من تاريخ الشهر في السجل التجاري ) . كما نذكر كلا من المادة (58) من قانون التجارة السوري السابق لسنة 1949 التي نصت على ان (جميع الشركات التجارية – ماعدا شركات المحاصة – تتمتع بالشخصية الاعتبارية )، التي أصبحت الفقرة(1) من المادة ( 13) من قانون الشركات لسنة 2008، بعبارة (وتتمتع جميع الشركات المنصوص عليها في هذا القانون ، ما عدا شركة المحاصة ، بالشخصية الاعتبارية ) ، والمادة ( 13) من نضام الشركات السعودي التي نصت على انه (فيما عدا شركات المحاصة تعتبر الشركة من وقت تأسيسها شخصا اعتباريا ولكن لا يحتج بهذه الشخصية الا بعد استيفاء إجراءات الاشهار ). وكذلك كلا من المادة (92) من قانون المعاملات المدنية الاتحادي الاماراتي المتضمنة (الأشخاص الاعتباريون هم … هـ الشركات المدنية والتجارية الا ما استثني بنص خاص )، والمادة (655) من نفس القانون القاضية باعتبار الشركة شخصا اعتباريا بمجرد تكوينها ، إضافة الى المادة ( 12) من قانون الشركات التجارية الاتحادي الاماراتي التي نصت على انه ( فيما عدا شركات المحاصة لا يكون للشركة شخصيا اعتباريا ولا يجوز لها ان تبدا اعمالها الا بعد قيدها في السجل التجاري )، وما نصت عليه المادة (8) من قانون الشركات التجارية البحريني لسنة 2001 بنفس العبارة تقريبا(1) . اما المجموعة الثالثة من التشريعات ، فتتمثل بما نصت عليه المادة ( 50) من القانون المدني الأردني من ان ( الأشخاص الحكمية : … 4-الشركات التجارية والمدنية ) ، ثم ما نصت عليه المادة من نفس القانون من انه ( تعتبر الشركة شخصا حكيما بمجرد تكوينها )، وان استدركت بعد ذلك مباشرتا ، في الفقرتين الثانية والثالثة ، بالقول ( ولا يحتج بهذه الشخصية على الغير الا بعد استيفاء إجراءات التسجيل والنشر التي يقررها القانون . ولكن للغير ان يتمسك بهذه الشخصية رغم عدم استيفاء الإجراءات المشار اليها ) ، وكذلك ما نصت عليه ، تفريعا على ذلك ، المادة ( 4) من قانون الشركات الأردني لسنة 1977 ، كالمادة (4) من قانون الشركات المؤقت لسنة 1989، من انه ( يتم تأسيس الشركة في المملكة وتسجيلها فيها بمقتضى هذا القانون وتعتبر كل شركة بعد تاسيسها وتسجيلها على ذلك الوجه شخصا اعتباريا اردني الجنسية ويكون مركزها الرئيسي في المملكة ) ، وان نصت المادة ( 49) من نفس القانون على انه ( لا تتمتع شركة المحاصة الشخصية الاعتبارية ولا تخضع لاحكام وإجراءات التسجيل والترخيص ) .هذه القواعد، هي نفس القواعد التي تحكم الشركات في فرنسا . فقد استقر القضاء الفرنسي ، منذ وقت طويل ، بالرغم من عدم وجود نص صريح بذلك في حينه، على اعتبار الشركات التجارية أولا ومن ثم شركات المدنية أيضا منذ سنة 1891 ، متمتعة بالشخصية المعنوية ، باستثناء شركات المحاصة ، الى ان جاء قانون الشركات التجارية الصادر في 24/تموز/ 1966 ، ليكرس هذا الحكم في الفقرة الأولى من المادة الخامسة بنصها على ان ( الشركات التجارية تتمتع بالشخصية اعتبارا من تاريخ تسجيلها في السجل التجاري ) . والامر كذلك في عدد من قوانين الدول الاوربية الأخرى ، ومنها مجموعة قونين الشركات البلجيكية المعدلة التي نصت المادة الثانية منها صراحة على تمتع كل شركة من الشركات التجارية ،( المسمات )(2) بشخصية قانونية مستقلة عن شخصية الشركاء . في حين ان الامر مختلف عن ذلك في بعض الدول الأخرى . حيث لا يعترف تقنين الالتزامات السويسري صراحة بالشخصية المعنوية الا للشركة المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشكات التوصية بالاسم والشركات التعاونية . وبالرغم من هذا الصمت فيما يتعلق بالشركات التضامنية وشركات التوصية البسيطة ، لم يتردد الفقه والقضاء في الاعتراف لهذين النوعين الاخرين من الشركات بذمة مالية مستقلة، مخيرين بذلك دائني الشركة بين الرجوع على الشركاء انفسهم او على الشركة نفسها. ولكن ، بالنسبة لنوع اخر من الشركات يعرفه القانون السويسري وهو الشركة البسيطة Societe Simple ، المقابلة الى حد ما لشركة المحاصة المعروفة في معظم القوانين الأخرى لم يعترف لها حتى بذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء المكونين لها ، بحيث لا يكون للدائنين الا الرجوع على الشركاء انفسهم . كذلك الحال في المانيا ، حيث لا تتمتع فيها الشركات التضامنية وشركات التوصية البسيطة أيضا بالشخصية المعنوية ، ويتصل فيها مبدأ انفصال الذمة المالية للشركة بفكرة رأس المال ( المخصص ) اكثر من اتصاله بفكرة الشخصية المعنوية ). كما ان القوانين الانكو- سكسونية لا يعترف بدورها بالشخصية المعنوية- الا لشركات الأموال ، أي الشركة المحدودة بالاسهم المسماة في إنكلترا ب Companias Limitwd by Shares ، وفي الولايات المتحدة الامريكية stock Corporations دون شركات الأشخاص او بالحصص Parnerships التي يقتصر القضاء على السماح من قبل مديريها وبفصل ذمتها المالية تجاه دائنيها .
الفرع الثاني : النتائج المترتبة على تمتع الشركة بالشخصية القانونية
يترتب على تمتع الشركة بالشخصية القانونية ، أي اعتبارها شخصا قانونية مستقلا ومتميزا عن اشخاص الشركاء الكونين لها ، عدة نتائج مهمة ، تتلخص في اكتسابها :
1-اسما خاصا.
2- موطنا معينا.
3- جنسية معينة.
4- ذمة مالية مستقلة.
5-أهلية قانونية لتحقيق اغراضها.
المبحث الأول : اسم الشركة
مثلما يجب ان يكون لكل فرد ، أي شخص طبيعي ، اسم يطلق عليه لتمييزه عن بقية الناس في المجتمع، يتألف عادة من اسمه الشخصي ولقب اسرته ، كما نصت على ذلك المادة (40) من القانون المدني بقولها انه (1-يكون لكل شخص اسم ولقب الشخص يلحق بحكم القانون أولاده. 2- وينظم تشريع خاص كيفية اكتساب الألقاب وتغييرهاى)، فان لابد من ان يكون لكل شخص معنوي أيضا اسم خاص يميزه عن بقية الأشخاص. ومثلما اوجبت المادة (9) من القانون التجاري على التاجر ( ان يتخذ له اسما تجاريا)، فقد الزمت المادة (13) من قانون الشركات مؤسسي الشركة بتضمين عقدها اسمها. مع ملاحظة اختلاف العناصر التي يتكون منها الأسهم ، ليس فقط بحسب ما اذا كان التاجر شخصا طبيعيا او شخصا معنويا ، وانما كذلك بحسب نوع الشخص المعنوي، وبالنسبة للشركات حسب نوع الشركة ، استنادا الى أهمية الاعتبار الشخصي او الاعتبار فيها والى مدى مسؤولية الشركاء عن ديونها، كما سنأتي على تفصيله عند البحث في كل نوع من أنواع الشركات.
المبحث الثاني : موطن الشركة
الموطن(3) بالنسبة للشخص الطبيعي هو ( المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة بصفة دائمة او مؤقتة ) ، وان كان من الجائز ( ان يكون للشخص اكثر من موطن واحد)(4) ، وهذا بالإضافة الى انه ( يعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة او حرفة موطنا بالنسبة الى إدارة الاعمال المتعلقة بهذه التجارة او الحرفة ) ، كما نصت على ذلك المادتان (42) و(44) من القانون المدني. اما بالنسبة للشخص المعنوي ، فقد نصت المادة (48) على انه ( يعتبر موطنه المكان الذي يوجد فيه مركز ادارته والشركات التي يكون مركزها الرئيسي في الخارج ولها اعمالها في العراق يعتبر مركز ادارتها بالنسبة للقانون الداخلي المكان الذي فيه إدارة اعمالها في العراق ) . وبهذا النص قطع المشرع العراقي كل شك في المعيار المعول عليه لتحديد موطن الشخص المعنوي وبالتالي الشركة . فالعبرة في تشريعنا ، بمركز الشركة الإداري ، أي المكان الذي تجتمع فيه الهيئات القائمة بإدارتها وتصدر فيه الأوامر الخاصة بأعمالها لا بمركز استغلالها الفعلي ، والامر كذلك في التشريعين المصري والأردني . ولتحديد الموطن أهمية قانونية وعلمية وبالغة، بالأخص من حيث الاختصاصات والمرافعات ، إضافة الى أهميته في تحديد جنسية الشركة كما سنفصله فيما بعد . اذ به تتحدد المحكمة المختصة بالنظر في الدعاوى المقامة على الشركة والناشئة بين الشركاء بشأنها ، وكذلك دعوى اشهار افلاسها او تصفيتها ، وان كانت معظم التشريعات ، اخذ بنظرية المحطات الرئيسية Theorie des gares principals التي ابتدعها القضاء الفرنسي ، تجيز للأشخاص المتقاعدين مع احد فروع الشركة رفع الدعوى عليها في مركز الفرع . وهذا ما عبرت عنه المادة ( 38) من قانون المرافعات المدني رقم (38) لسنة 1969 بقولها (1-تقام الدعوى في المسائل المتعلقة بالاشخاص المعنوية القائمة او التي في دور التصفية بالمحكمة التي يقع في دائرتها مركز ادارتها الرئيسي . 2- اذا كانت الدعوى ناشئة عن معاملة فرع الشخص المعنوي جاز اقامتها بمحكمة مركز الإدارة او المحكمة التي يقع بدائرتها ذلك الفرع). ونصوص قانون المرافعات هذه جاءت تفريعا على القاعدة الأساسية المنصوص عليها في المادة ( 48) من القانون المدني التي اعتبرت موطن الشخص المعنوي ( المكان الذي يوجد فيه مركز ادارته ) . وصراحة هذا النص تغني عن بحث مقياس موطن الشركة كما فعل استاذنا الناهي(5) . في ثنايا الاحكام التي نص عليها قانون المرافعات، تفريعا على احكام المادة (48) من القانون المدني ، كما بينا ، ومناقشتها، لمعرفة المقصود من مركز الشركة فيها . ولهذا الزمت المادة (13) من قانون الشركات مؤسسي الشركة بتضمين عقدها مركزها الرئيسي ( على ان تكون في العراق ) .
المبحث الثالث : جنسية الشركة
ان لتحديد الموطن أهمية أيضا في تحديد جنسية الشركة . اذ ان من المتفق عليه والمقرر ان لكل شخص معنوي ، وبالتالي كل شركة عموما ، جنسية معينة(6) ، وان كانت هذه الجنسية لا تمنحها ولا يترتب عليها كل الحقوق والالتزامات المتصلة بجنسية الأشخاص عادة . وفي ذلك ، نصت المادة ( 49) من القانون المدني العراقي ، المقابلة لكل من المادة (11) من القانون المدني المصري والمادة (12) من القانون المدني الأردني على انه : (1 – يسري على النظام القانوني للأشخاص المعنوية الأجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها قنون الدولة التي يوجد فيها مركز ادارتها الرئيسي الفعلي . 2-ومع ذلك فان باشر الشخص المعنوي الأجنبي نشاطه الرئيسي في العراق فان القانون العراقي هو الذي يسري ) . وبذلك يكون المشرع قد اعتمد في تحديد جنسية الشخص المعنوي على مركز ادارتها الرئيسي الفعلي ، أي الحقيقي ، باستثناء ما اذا كان الشخص المعنوي قد اتخذ من العراق مركزا لنشاطه الرئيسي فالعبرة عندئذ بهذا الأخير ، أي بمركز استغلاله الرئيسي المتخذ في العراق . وللربط المحكم بين المواطنين والجنسية ، الزمت المادة (13) من قانون الشركات ، كما بينا ، مؤسسي الشركة بتضمين عقدها مركزها الرئيسي ( على ان يكون في العراق ) وضفت المادة (23) منه على الشركة المؤسس في العراق الجنسية العراقية . والخلاصة ، ان العبرة ، كقاعدة عامة ، في تحديد جنسية الشركة ، بمركز ادارتها الرئيسي الفعلي ، ولا يمكن للشركة المؤسسة في العراق الا ان يكون مركزها الرئيسي فيه ، ولكن دون اخلال بمبدا سريان القانون العراقي ، استثناء ، على الشركة التي تباشر نشاطها الرئيسي في العراق ، نظرا للصلة الوثيقة التي تقوم بالضرورة بين مثل هذه الشركة والعراق . وهذا ما نصت عليه ، أصلا ، المادة (197) من مجموعة قوانين الشركات التجارية البلجيكية ، في اخضاع كل شركة يكون مركز استغلالها الرئيسي في بلجيكا للقانون البلجيكي ولو كان تأسيسها قد تم في بلد اجنبي . وكذلك ، ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون الشركات التجارية الفرنسي، من جواز تمسك الغير بالمركز (النظامي) للشركة ولكن اذا كان مركزها الفعلي في مكان اخر فانه لا يمكن الاحتجاج عليه بالمركز النظامي(7) . ومع ذلك، فلا بد من الإشارة الى نبذ كل من فرنسا وبلجيكا معيار المركز الإداري في تحديد جنسية الشركة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، واعتدادهما بسببها بمعيار السيطرة او الهيمنة التي تخضع لها الشركة فعلا ،سواء بعائدية معظم راس مالها الى شركاء يحملون جنسية معينة او باناطة ادارتها بمديرين أجانب(8) . باعتبار هذه السيطرة او الهيمنة تتضمن تعبيرا ادق او اصدق عن (تبعية) الشركة من ملامح( الجنسية الظاهرية) التي تكتسبها بمجرد اختيار مركز ادارتها الرئيسي في بلد معين . وهذا بعكس الدول الانكو-سكسونية التي تكون العبرة فيها في تحديد جنسية الشركة بالقانون الذي تتم بموجبه إجراءات تأسيسها بغض النظر عن المكان الذي تختاره مركزا لادارتها او تزاول فيه نشاطها الرئيسي (9) .
المبحث الرابع : الذمة المالية للشركة
للشركة، بصفتها شخصا قانونيا، ذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء المكونين لها(10) . ويعتبر استقلال الشركة بذمتها اهم نتيجة مرتبة على تمتعها بالشخصية المعنوية، بل لا يمكن لهذه الشخصية قائمة او معنى دون الفصل بين ذمة الشركة وذمم أعضائها .
وتبرز أهمية استقلال الشركة بذمتها المالية من حيث :
• ان أموال الشركة تعتبر ملكا خالصا لها وحدها ، لا ملكا شائعا بين الشركاء المكونين لها .
• ان أموال الشركة تعتبر ضمانا عاما لدائنيها هي دون دائني الشركاء الشخصيين .
• كما ان أموال كل شريك ضمانة قاصرة على دائنيه هو دون دائني الشركة،
باستثناء ما اذا كان شريك ، مسؤولا مسؤولية شخصية غير محددة او تضامنية فيسأل عندئذ مسؤولية ثانوية او احتياطية عن ديون الشركة أيضا . ففي الشركة غير المتمتعة بالشخصية القانونية او غير المعترف لها في الأقل بذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء فيها ، كشركة المحاصة عموما والشركة البسيطة في سويسرة، لا يظهر دائنو الشركة الا كدائنين شخصين للشريك او الشركاء الذين تعاملوا معهم ، فلا يكون بإمكانهم، بالتالي ، الرجوع على الشركة التي ليس لها كيان او وجود قانوني مستقل عن الشركاء ، بل يقتصر رجوع كل منهم على الشريك الذي تعاقدوا معه، شأنه في ذلك شأن أي دائن شخصي لهذا الشريك . في حين، في الشركة المعتمدة بالشخصية القانونية والتي لا يوجد فيها شريك مسؤول شخصيا او تضامنية عن الشركة ، كالشركة المساهمة والشركة المحدودة فانه يتمتع على دائني الشركة الرجوع على أي من الشركاء ولا يكون امامهم غير الشركة نفسها باستيفاء ديونهم منها . اما اذا كانت الشركة تتمتع بالشخصة المعنوية، او يعترف لها في الأقل بذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء ، وفيها شريك وشركاء مسؤولون شخصيا او بالتضامن عن ديون الشركة، كالشركة التضامنية وشركة التوصية البسيطة ( بالحصص) او بالاسهم ، فان ضمانة دائني الشركة تكون مضاعفة، حيث ان اعتبار أموال الشركة ضمانا قاصرا عليهم يقويه ضمان كل شريك متضامن لديون الشركة ، فيكون لدائني الشركة دون الدائنين الشخصيين للشركاء حق الرجوع على الشركة ، ويكون لهم ، بالإضافة الى ذلك ، عند عدم تمكنهم من استيفاء حقوقهم من الشركة نفسها ، حق الرجوع على الشركاء المتضامنين ، منفردين او مجتمعين، وبالتالي مزاحمة دائنيهم الشخصيين ، وهو امر غير متصور في الشركة المساهمة او الشركة المحدودة .
• ان القاصة مستحيلة بين ديون الشركة وديون الشركاء ، فاذا كان شخص ما مدنيا للشركة وادئنا في الوقت ذاته لاحد الشركاء ، او كان بالعكس دائنا للشركة ومدينا لشريك ، فلا تقع المقاصة بين الدينين ، لان المقاصة ( اسقاط دين مطلوب لشخص من غريمه ، في مقابلة دين مطلوب من ذلك الشخص لغريمه)، كما نصت على ذلك المادة (408) من القانون المدني العراقي ،او (ايفاء دين مطلوب لدائن بدين مطلوب منه لمدينه)، كما نصت على ذلك المادة (343) من القانون المدني الأردني .
• ان حصص الشركاء في الشركة تعتبر دائما من المنقولات ولو كانت الشركة
• تملك عقارات ، بل ولو كانت الحصص التي قدمها الشركاء من العقارات . لان هذه الأموال تخرج عن ملكهم وتصبح مملوكة للشركة نفسها، ولا يكون لهم ازائها الا حقا احتماليا في الأرباح وفي اقتسام ما قد يبقى من أموال الشركة بعد انحلالها وتصفيتها، وهولا يعدو عن كونه حق دائنيهDroit Creance أي حقا شخصيا ، بمثابة (منقول). الامر الذي يترتب عليه امكان تداول هذه الحصص دون اتباع الإجراءات المقتضية لانتقال الملكية- العقارية، بينما لو كانت تعتبر حقا عينيا عقاريا لما امكن التصرف فيها الا بعد استيفاء تلك الإجراءات .
• ان افلاس الشركة لا يستتبع في الأصل افلاس الشركاء المكونين لها، واذا كان القانون ينص استثناء على ان افلاس الشركة التضامنية يؤدي الى افلاس الشركاء، كما نصت على المادة (720) من القانون التجاري السابق رقم (149) لسنة1970 النافذة احكامها مع بقية احكام الإفلاس حسب نص المادة (331) من القانون التجاري الحالي رقم (30) لسنة1984 ، بعبارة ( اذا اشهر افلاس الشركة وجب اشهار افلاس جميع الشركاء المتضامنين فيها ….الخ )، فما ذلك الا بسبب مسؤوليتهم الشخصية غير المحدودة عن جميع التزامات الشركة ، كما نصت عليه الفقرة (ثالثا) من المادة(6 ) من قانون الشركات. كما ان ذلك لا يعني ضم أموالهم الى أموالهم لتصفيتها في تفليسة واحدة ، بل تتعدد وتستقل التفليسات الواحدة عن الأخرى (11) ، فتكون هناك تفليسة للشركة تضم دائنيها دون الدائنين الشخصيين للشركاء ، وتفليسة لكل واحد من الشركاء المتضامنين يتزاحم فيها دائنو الشركة مع الدائنيين الشخصيين للشريك .
المبحث الخامس : أهلية الشركة
تتمتع الشركة ذات الشخصية القانونية ،كأي شخص قانوني، بأهلية الوجوب والأداء اللازمتين لحقيق الأغراض التي أنشئت من اجالها. وهذا ما عبرت عنه المادة (84) من القانون المدني العراقي ، المقابلة لكل من المادة (53) من القانون المدني المصري والمادة (51) من القانون المدني الأردني والمادة (50) من القانون المدني الجزائري ، بقولها ان لكل شخص معنوي ( أهلية الأداء وذلك في الحدود التي بينها عقد انشائه والتي يفرضها القانون)، وان كان المفروض ان يتضمن النص أهلية ( الوجوب والأداء ) وليس فقط أهلية الأداء . وفي ذك نصت المادة (19) من القانون المدني الكويتي على انه ( تتحدد أهلية الشخص الاعتباري ، فيما يثبت له من حقوق وما يتحمل به من التزامات ، بما يقضي به سند انشائه ، كما تتحدد بالعرض الذي نشأ من اجله ، وذلك كله فضلا قرره القانون ) . فللشركة حق التملك وحق التعاقد وحق التقاضي ، ولكنها بأاعتبارها شخصا معنويا ، لا يكون لها من هذه الحقوق الا بالقدر اللازم لتحقيق اغراضها المبينه في عقد تأسيسها ولا تستطيع ، ماديا ، مباشرة هذه الحقوق بنفسها، وهذا ما يفسر عدم امكان وجودها دون ان يكون لها ممثل يعبر عن ارادتها . والشركة ، بما تجريه من عقود وما تزاوله من نشاطات ، تصبح دائنه ومدينه ،وتسأل مسؤولية مدنية ، تعاقدية وتقصيرية ، بل ، في حدود ضيقة نسبيا ، ومسؤولية جزائية أيضا ، بالإضافة الى ما قد يتعرض اليه ممثلوها ،من مديرين وغيرهم ، وبخاصة في شركات الأموال ، وفي مقدمتها الشركات المساهمة ، من مسؤولية شخصية ، تعاقدية إزاء الشركة ، وتقصيرية إزاء الغير ، ومسؤولية جزائية اذا توافرت أركانها (12) .
(محاماه نت)