دراسات قانونية

الضوابط القانونية للشركة بصفتها عقداً (بحث قانوني)

الشركة بوجه عام :

كانت المادة (625) من القانون المدني العراقي لسنة 1951 تنص ، في مقدمة احكام الشركة بوجه عام ، على ان (الشركة عقد به يلتزم شخصان او اكثر بأن يساهم كل مهند في مشروع اقتصادي بتقديم حصة من المال أو من عمل لاستثمار ذلك المشروع وتقاسمه ما قد ينشأ عنه من ربح او خسارة ). وهذا التعريف موافق للتعريف الوارد في كل من المادة (505) من القانون المدني المصري لسنة 1949 ، ومثلهما المادة (588) من القانون المدني الأردني لسنة 1976 ، بأستثناء ان المشرع العراقي استعمل عبارة (مشروع اقتصادي) ، وهي ادق ، بدلا من عبارة ( مشروع مالي ) الواردة تلك القوانين ، وان هذا التعريف عند الغاء الفصل الخامس الخاص بالشركة في قانونا المدني بقانون الشركات رقم (36) لسنة 1986 اصبح يحتل الفقرة ( أولا ) من المادة (4) من هذا القانون ومن بعده من قانون الشركات التالي ( الحالي ) لسنة 1997 .

ويتبين من هذا التعريف ان الشركة :

1. عقد .

2. به يلتزم شخصان او اكثر بأن يساهم كل مهنم في مشروع اقتصادي.

3. بتقديم حصة من المال او العمل.

4. لاستثمار ذلك المشروع واقتسام ما قد ينشأ عنه من ربح أو خسارة .

وهذا بالإضافة الى انه يقصد بالشركة أيضا (الشخص القانوني) الذي قد يتمخض عن هذا العقد

الشركة بصفتها عقدا :

الفرع الأول :الشركة عقد

وبهذه الخصيصة تتميز الشركة عن مجرد الاشتراك في الأموال او الشيوع. اذ يقتصر مصطلح الشركة في القانون الوضعي على تعيين عقد الشركة (( شركة العقد )) في مصطلح الفقه الإسلامي ) دون الملكية المشتركة او الملكية الشائعة التي يسميها فقهاء الشريعة الإسلامية ب(شركة الملك )(1). حيث نصت المادة (1329) من مجلة الاحكام العدلية على ان ( شركة العقد هي عقد شركة بين اثنين او اكثر على ان يكون رأس المال والربح مشتركا بينهما او بينهم ). في حين نصت المادة (1060) منها على ان (شركة الملك هي ان يكون شيئ مشتركا بين اثنين فأكثر أي مختصا بهما بسبب من أسباب الملك كالشراء والاتهاب وقبول وصية وتوارث او بخلط أموالهم او اختلاطها في صورة لا تقبل التمييز والتفريق ……..الخ)(2). والشركة عقد مسمى من عقود المعاوضة التبادلية. وهي، باعتبارها عقدا، لابد من ان تستجع الأركان والشروط الموضوعية اللازمة لانعقاد العقد وصحته، من تراضي الطرفين او الأطراف المتعاقدين المتمتعين بالأهلية القانونية، دون عارض من عوارضها (الجنون او العته او الغفلة او السفه ) ،أو بالأهلية القضائية ، بالإذن بالاتجار او الزواج ، الخالي من عيوب الإرادة (الاكراه او الغلط او التغرير مع غبن او استغلال مع غبن فاحش ) ، ومن وجود محل معين مشروع فيه ، وهو الحصص التي يلتزم الشركاء بتقديمها لتكوين رأس المال المشترك ،وسبب مشروع ، وهو موضوع او غرض الشركة التي الذي ينبغي ان لا يكون مخالفا للنظام العام او للآداب العامة او محرما بنص في القانون . إضافة الى ان عقد الشركة ، بوجه عام ، عقد شكلي لا ينعقد الا بالكتابة . وفي ذلك ، كانت الفقرة الأولى من المادة (628)من القانون المدني العراقي لسنة 1951 تنص على انه (يجب ان يكون عقد الشركة مكتوبا والا كان باطلا .وكذلك يكون باطلا كل ما يدخل على العقد من تعديلات دون ان تستوفي الشكل الذي افرغ فيه ذلك العقد ). وان كانت الفقرة الثانية منها بالنص على (ان هذا البطلان لا يجوز ان يحتج به الشركاء انفسهم الا من وقت ان يطلب الشريك الحكم بالبطلان ). وكان هذان الحكمان مقابلين لما نصت عليه كل من المادة (507) من القانون المدني المصري لسنة 1948 والمادة (475) من القانون المدني السوري لسنة 1949، ومثلهما ما نصت عليه بعد ذلك المادة (582) من القانون المدني الأردني لسنة 1976 . ولك المشرع العراقي ، في خطوة من خطواته غير الموفقة، اثر النص في الفقرة (ثانيا) من المادة (215) من قانون الشركات لاقم (36) لسنة 1983، الواردة تحت عنوان احكام ختامية)، على الغاء الفصل الثالث من الباب الأول من الكتاب الثاني المتضمن المواد (626-683)من القانون المدني (في عقد الشركة)، مكتفيا بنقل تعريف الشركة الذي كان واردا في المادة (626) الملغاة الى الفقرة (أولا) من المادة (4)من قانون الشركات هذا، مع نصه، جريا وراء ظاهرة إقرار ما يسمى ، نشازا، بـ(الشركة الفردية )، في الفقرة التالية ( ثانيا) منها، على انه (استثناء من احكام الفقرة (أولا) من هذه المادة، يجوز ان تتكون الشركة من شخص طبيعي واحد وفقا لأحكام هذا القانون وتدعى فيما بعد بـ(المشروع الفردي)). وبغض النظر عن ذلك ، فانه لما كانت المادة (13) من قانون الشركات الحالي لسنة 1997 تنص ، كسلفها المادة (13) من قانون الشركات السابق لسنة 1983 ، على انه ( يعد المؤسسون عقدا للشركة ( موقعا) من قبلهم او من قبل ممثليهم القانونيين ، يحتوي العقد(3)….الخ)، وتنص بعدها المادة (17)، كمثيلتها في القانون السابق أيضا ، على انه ( يقدم طلب التأسيس الى المسجل ويرفق به أولا – عقد الشركة ….الخ)،فانه ما من شك في كون الكتابة شرط انعقاد لا تستوفي الشركة أركانها دونه ، فهي ركن لازم لقيامها لا مجرد وسيلة من وسائل الاثبات الجائزة. وهذا خلاف لما هو بالنسبة للشركة المعروفة عموما باسم المحاصة ، التي كانت المادة (25) من قانون الشركات العراقي الأسبق رقم (31) لسنة 1957، كالقوانين الأخرى المنظمة لهذا النوع من الشركات، تنص على كونها تتميز (عن الشركات الأخرى بأنها تنحصر بين المتعاقدين وانها غير معدة لاطلاع الغير عليها ولا تخضع للمعاملات المفروضة على الشركات التجارية الأخرى )، مع ما كانت تنص عليه الفقرة(أ) من المادة الثالثة منه ، كما في القوانين الأخرى ، في وجوب اثبات جميع الشركات التجارية (بعقد مكتوب ما عدا شركات المحاصة )(4). وان اثر المشرع العراقي ، في خطوة أخرى من خطواته غير الموفقة ، عدم تنظيم احكام هذه الشركة في كل من القانون الشركات اللاحق رقم (36) لسنة 1983 وقانون الشركات الحالي رقم (21) لسنة 1997.

الفرع الثاني : مساهمة الشركاء في مشروع اقتصادي

وهي الخصيصة المعبرة عنها عادة بقصد الاشتراك او نية المشاركة(5)، والمقصود بها إرادة التعاون الافقي الاختياري ( على قدم المساواة )بين الشركاء للوصول الى حقيق الهدف المشترك، وهو عموما اجتناء الربح . وفي تعريف المشرع العراقي والمصري والسوري والأردني للشركة ، بكونها عقدا يلتزم به (او بمقتضاه ) شخصان او اكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع اقتصادي(او مالي ) بتقديم حصة من المال او من عمل لا قتسام ما ينشأ عنه من ربح وخسارة، إشارة الى هذه الخصيصة الملازمة لصفة التعاقدية للشركة والتي تتميز بها عن غيرها من العقود والأوضاع القانونية الشبيهة بها .اذ ان هذا التعامل الإيجابي المقصود ، أي الارادي ، هو الذي يميز الشركة عن ( الشيوع) المتميز بالعكس بكونه حالة سلبية مفروضة غير مقصودة على الاغلب . كما ان هذا التعاون المشترك على قدم المساواة هو الذي يميز الشركة عن عقد القرض وعقد العمل مع الاشتراك في الأرباح اللذين نتنفي فيهما هذه المساواة ، المعتبرة قوام قصد الاشتراك ، لعم تعاون المقرض مع المقترض في تحمل مخاطر المشروع وبتبعية العامل لرب العمل . وهو الذي يميز الشركة أيضا عن الانتفاع على سبيل المهايأة بالمال المشترك لان الشركة تتضمن تعاون الشركاء الجماعي في استغلال رأس المال وليس استئثار كل واحد بالانتفاع به خلال مدة معينة بصورة منفردة

الفرع الثالث : التزام كل شريك بتقديم حصة من مال او من عمل

لما كانت الشركة عقدا من عقود المعاوضة الملزمة للجانبين، هدفه التعاون الفعلي في استثمار المشروع الاقتصادي موضوع العقد ، فان من اهم خصائصها المميزة لها مساهمة كل شريك فيها بنصيب من مال او من عمل يسمى (الحصة ) . وان كان لا يشترط في ذلك ان تكون حصص الشركاء متماثلة نوعا او متساوية كما(6). وهو ما كان بتبين بوضوح من الاحكام التي قد أوردها المشرع العراقي في المادة (629) من القانون المدني ، بنصه في الفقرة الأولى منها صراحة على انه (يجوزان تكون الحصص التي يقدمها الشركاء متفاوتة القيمة ، او مختلفة في طبيعتها ، وان تكون ملكية أموال او مجرد انتفاع بهذه الأموال )، وان كان قد استدرك بعد ذلك مباشرة بالنص في الفقرة الثانية من نفس المادة على اعتبار ( الحصص عند الشك متساوية القيمة وانها واردة على ملكية المال لا على مجرد الانتفاع به )(7)، مقيما بذلك قرينة بسيطة ، قابلة لاثبات العكس على تساوي الحصص وورودها على الملكية . فالحصة ، مثلما يمكن ان تكون مبلغ من النقود ، يمكن ان تكون أي مال اخر من الأموال القابلة للتقدير بالنقود ولورود الالتزام عليها ، أموالا مادية كانت ، من منقولات او عقارات ، او أموال معنوية ، كحق اختراع او حق تأليف ، او عمل يقوم به الشريك ، وحتى ، بأسثتناء القانون الأردني ، دينا في ذمة الغير . كما لا يشترط ان ترد الحصة بالضرورة على مالكية المال الذي يقدمه الشريك، بل يجوز ان ترد أيضا على أي حق عيني خر غير الملكية، كحق المنفعة او حتى مجرد الانتفاع بالمال . ولكن لما نصت عليه المادة (850) من قانون الموجبات والعقود اللبناني ، من انه يجوز لاحد الشركاء ان يقدم للشركة الثقة التجارية التي يتمتع بها (8)، نصت كل من المادة ( 509) من القانون المدني المصري والمادة (477) من القانون المدني السوري والمادة (500) من القانون المدني الليبي على انه ( لا يجوز ان تقتصر حصة الشريك على ما يكون له من نفوذ او على ما يتمتع به من ثقة مالية). ومع انه لا مقابل لهذا النص في القانونين العراقي والأردني ، فأن الحكم فيهما لا يمكن ان يختلف عن ذلك ، لاتفاقه مع القواعد العالمة (9).

المبحث الأول: الحصة النقدية

تتكون الحصة النقدية من مبلغ معين من النقود ، أيا كان هذا المبلغ وايا كانت العملة المحتسب بها. والشريك الذي يتعهد بتقديم هذه الحصة يعتبر مدينا شخصيا بها، فلا تبرأ ذمته منها الا بالوفاء بالتزامه بأدائها . وقد نصت كل من المادة (510) من القانون المدني المصري والمادة (478) من القانون المدني السوري والمادة (510) من القانون المدني الليبي ومثلها المادة (630) الملغات من القانون المدني العراقي ، التي لامقابل لها في القانون المدني الأردني ، على انه (اذا تعهد الشريك بان يقدم حصته في الشركة مبلغا من النقود، ولم يقدم هذا المبلغ ، لزمته فوائده من وقت استحقاقه من غير حاجة الى مطالبة قضائية او اعذار ، وذلك دون اخلال بما قد يستحق من تعويض تكميلي عند الاقتضاء ).وفي ذلك خروج على القواعد العامة من ناحيتين :

الأولى: من حيث سريان الفوائد القانونية ، حيث ان النصوص المذكورة تقضي بسريانها على حصة الشريك من اليوم الذي يتعيين عليه فيه أداؤها ، في حين ان الأصل في الفائدة انها تسري ( من تأريخ المطالبة القضائية بها ان لم يحدد الاتفاق او العرف التجاري تاريخا اخر لسريانها ) (10).

الثانية : من حيث جواز الحكم على الشريك ، الى جانب سريان الفوائد القانونية ، بما قد يستحق للشركة من تعويض بسبب تأخره في تقديم حصة النقدية اليها ،في الوقت الذي لا تسمح القواعد العامة للدائن بالحصول على تعوض تكميلي الا اذا (ثبت ان الضرر يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بغش منه او بخطأ جسيم ) حسب تعبير المشرع العراقي (11)، او ( بسوء نية ) حسب تعبير المشرع المصري(12). ويبرر هذا الخروج على القواعد العامة حاجة الشركة ، تجارية كانت ام مدنية ، الى رأس مالها للنهوض بالمشروع الذي تأسست من اجله وما قد يسببه تأخر الشريك عن تقديم حصته من عرقلة لاعمالها ، كما اوضحته الايضاحية المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري بـ(ان مجرد الإهمال من جانب الشريك قد يضر بحسن سير الشركة التي يجب ان تتوافر لها من وقت قيامها كل الأموال اللزمة ) (13). ولذلك ، بعد ان احجم المشرع الأردني عن ايراد حكم مماثل في القانون المدني لسنة 1976، عدل عن موفقه السلبي هذا بالنص في الفقرة (1) من المادة (167) من قانون الأصول المحاكمات المدنية رقم (24) لسنة 1981 عند تعديله بالقانون رقم (14) لسنة 2001 على انه ( اذا كان المدين قد تعهد بتأدية مبلغ من النقود في وقت معين وامتنع عن أدائها عند حلول الاجل يحكم عليه بالفائدة دون ان يكلف الدائن اثبات تضرره من عدم الدفع ) ، وان عاد فنص في الفقرة (2) منها على انه ( اذا كان في العقد شرط بشأن الفائدة يحكم بما قضى به الشرط . وان لم يكن هناك شرط بشأنها فتحسب من تاريخ الاخطار العدلي . والا فمن تاريخ المطالبة بها في لائحة الدعوى او بالادعاء الحادث بعد تقديم اللائحة المذكورة ). ويذهب بعض الفقهاء الى انه ( لا يوجد ما يمنع من ان تكون حصة الشريك ليست هي ملكية المبلغ من النقود ، بل حق الانتفاع بهذا المبلغ ، فأذا خسرت الشركة ساهم الشريك في خسائرها في حدود حق الانتفاع بالمبلغ ، ولكنه يسترد المبلغ كاملا لان ملكيته لم تنتقل الى الشركة ، بل يبقى الشريك دائنا للشركة (14) .

المبحث الثاني : الحصة العينية

كانت الفقرتان (1) و (2) من المادة (631) الملغاة مع بقية المواد المنظمة لعقد الشركة من القانون المدني العراقي ، ومثلهما الفقرتان (1) و(2) من المادة (586) من القانون المدني الأردني ، تنصان ، على غرار الفقرتين (1) و (2) من كل المادة (511) من القانون المدني المصري والمادة (479) من القانون المدني السوري والمادة (502) من القانون المدني الليبي ، المقابلتين للفقرة الثالثة من المادة (531) من تقنين الالتزامات السويسري ،على انه :

1). اذا كانت حصة الشريك حق ملكية ، او حق منفعة ، او أي حق عيني اخر ، فان احكام البيع هي التي تسري في ضمان الحصة اذا هلكت او استحقت او ظهر فيها عيب او نقص . 2. اما اذا كانت الحصة مجرد الانتفاع بالمال فان احكام الايجار هي التي تسري في ذلك ) (15) .

ويؤخذ على صياغة النصين العراقي والأردني استعمال المشرع في الفقرة الأولى منه عبارة ( حق ملكية او حق منفعة او أي حق عيني اخر ) ،وتخصيصهما بعد ذلك ، الفقرة الثانية منه لما سمياه ( مجرد الانتفاع بالمال )، في الوقت الذي استعملا مصطلحي حق المنفعة وحق الانتفاع بنفس المعنى عند الكلام على الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية (16) . في حين لم يستعمل المشرع المصري في المواد ( 985) وما بعدها من القانون المدني غير مصطلح حق الانتفاع (17) بمعنى حق من الحقوق العينية الاصلية ، شأنه في ذلك شأن حق الملكية وحق التصرف وحق الاستعمال وحق السكن وحق المساطحة او حق القرار والوقف وحقوق الارتفاع او الحقوق المجردة التي تندرج جميعها تحت حكم الفقرة الأولى من المادة ( 631) من القانون المدني العراقي والمادة (586) منم القانون المدني الأردني ، المتضمنة عبارة ( حق ملكية … او أي حق عيني اخر ).ولكن الظاهر ، ان الخطأ غير متأت من صياغة المادة ( 631) عراقي والمادة (586) اردني ، بقدر ما هو ناشئ من استعمال المشرع مصطلحي حق المنفعة وحق الانتفاع ، في غير هذا الموضع ، بنفس المعنى ، وبالتالي تفريقه بينهما بالرغم من اختلاف مدلوليهما . مع انه ، وان ناهض بعض الفقهاء تقسيم الحق الى حق عيني وحق شخصي وحاولوا التقريب بينهما ، فأن التمييز بين الحقين ما زال قائما ومحتفظا بكل أهميته (18) .وتفريعا على ذلك ، يعتبر حق المنفعة حقا عينيا يمتلك بموجبه صاحبه منافع العين، عقارا كان او منقولا ، دون رقبتها(19) . اما حق الانتفاع la jouissnce ، فلا يعدو عن كونه حقا شخصيا ، كحق المستأجر في الانتفاع بالمأجور(20) . وهذا ما يفسر اخضاع المشرع حصة الشريك ، اذا كانت حق الملكية او حق منفعة او أي حق عيني اخر ، الى احكام البيع (21) ، واخضاعها ، اذا كانت مجرد الانتفاع بالمال ، الى احكام الايجار (22) .

المبحث الثالث : الحصة الصناعية

المقصود بالحصة الصناعية ، الحصة المتكونة من عمل. وباستثناء ما جاء في المادة (181) من القانون الشركات الحالي لسنة 1997 ، كما في سلفها المادة (174) من قانون الشركات السابق لسنة 1983 ، من انه ( تتكون الشركة البسيطة من عدد من الشركاء لا يقل عن اثنين ولا يزيد على خمسة يقدمون حصصا في رأس المال او يقدم واحدا منهم او اكثر (عملا) والاخرون مالا)، كما سنأتي فيما بعد على تفصيله ، فأن كل ما ورد في هذين القانونين ما نصت عليه الفقرة ( أولا) من المادة (4) منهما ، في كون الشركة عقدا ( يلتزم به شخصان او اكثر بان يساهم كل منهم في مشروع اقتصادي بتقديم حصة من مال او من (عمل) ……الخ) . وهو نفس ما كانت تنص عليه المادة (626) من القانون المدني في مقدمة احكام عقد الشركة ، التي الغاها المشرع جميعها ، باستثناء التعريف المذكور ، بقانون الشركات لسنة 1983 ، دون مبرر . بينما كان من ضمن الاحكام الملغات ، حكم المادة(632) ، التي كانت تنص على انه (1)- اذا تعهد احد الشركاء بان يقم حصته بالشركة عملا ، وجب عليه ان يقوم بما تعهد به وان يحاسب الشركة على ما يكون قد كسبه ، من وقت انعقادها بمزاولته نوع العمل الداخل في غرضها .2 – على انه ليس ملزما بان يقدم للشركة ، ما يكون قد حصل علية من حق اختراع الا اذا وجد اتفاق يقضي بغير ذلك ).وكان الملاحظ على هذه المادة(23 ) ، أولا ، ان المشرع كان قد خانه التوفيق في صياغتها . لانه اذا كان ينص فيها على وجوب قيام الشريك بما تعهد به يجوز له ،بل يوجب عليه ، بالإضافة الى ذلك (ان يحاسب الشركة على ما يكون قد كسبة ، من وقت انعقادها بمزاولته نوع العمل الداخل في غرضها ) . والحال انه كان قد نقل هذه المادة عن المادة (512) من القانون المدني المصري (24) ، المستمد حكمها بدورها من المادة (1847) من التقنين المدني الفرنسي (25) ، التي تنص ، هيه ، على واجب الشريك في ان يقوم بالخدمات التي تعهد بها وان يقدم حسابا عما يكون قد كسبه من وقت قيام الشركة بمزاولة العمل الذي قدمه حصته فيه . بمعنى ان الشريك الذي يتعهد بتقديم حصته في الشركة عملا يمتنع عليه القيام بهذا العمل لحسابه الشخصي خشية ،ان يؤدي ذلك الى منافسة الشركة والاضرار بها (26) . وهذا ما كان قد حدى بأستاذنا الدكتور حسن على الذنون الى القول بوجوب تفسير النص العراقي المذكور بما يتلاءم مع تفسير النص المصري المقابل ، باعتبار ان في الأول خطا مادينا وقع فيه المشرع لا يستقيم معه معنا (27) . بقي ان نذكر ، انه بعد الغاء الاحكام المنظمة لعقد الشركة بوجه عام ، بما في ذلك الاحكام الخاصة بالشركات المدنية ومنها شركات الاعمال ، التي كانت واردة في القانون المدني ، بقانون الشركات السابق لسنة 1983، وخصوصا لما نصت عليه المادة (174) من هذا الأخير وخلفها المادة (181) من قانون المدني الاحق ( الحالي) لسنة 1997 من تكون الشركة البسيطة من عدد من الشركاء يقدمون حصصا في راس المال او يقدم واحد منهم او اكثر عملا (والاخرون مالا) ، ، فأنه لن يعد بالإمكان تكوين شركة فقط بحصص صناعية ، وانما لابد من ان يكون بجانبها حصة او حصص نقدية او عينية أيضا .

المبحث الرابع : الحصة المتكونة من دين في ذمة الغير

باستثناء القانون المدني الأردني ، الذي نص ، في الشطر الثاني من الفقرة (2)من المادة (585) منه ، ومثله بعد ذلك قانون المعاملات المدنية الاماراتي في الشطر الثاني من المادة (657) منه على عدم جواز كون حصة الشريك دينا في ذمة الغير ، اجازت القوانين المدنية الأخرى عموما كون الحصة التي يقدمها الشريك في الشركة دينا في ذمة الغير .وفي ذلك نصت كل من المادة (513) من القانون المدني المصري والمادة (481) من القانون المدني السوري والمادة (504) من القانون المدني الليبي ، وثلها المادة (633) الملغات من القانون المدني العراقي ، على انه ( اذا كانت الحصة التي يقدمها الشريك هي ديون في ذمت الغير فلا ينقضي التزامه للشركة الا اذا استوفيت هذه الديون ، ويكون الشريك فوق ذلك مسؤولا عن تعويض الضرر اذا لم يوف الديون عند حلول اجلها ) . بما يعني انه وان كان تقديم هذه الحصة خاضا لأحكام حوالات الحق الا ان التزام الشريك لا ينقضي الا اذا استوفت الشركة المبلغ الذي قدم عنه هذا الدين، أضاف الى مسؤوليته عن الضرر الذي يسببه التأخر عن الوفاء به عند حلول اجله . ويعد هذا الحكم خروج على القواعد العامة في حوالة الحق ، نظرا لعد ضمان المحيل ، اذا كانت الحوالة بعوض ( الا وجود الحق المحال به وقت الحوالة ما لم يوجد اتفاق يقضي بغير ذلك ) (28) ، واذا ضمن المحيل يسار المحيل المحل عليه ( فلا ينصرف هذا الضمان الا الى يسار وقت الحوالة ما لم يتفق على غير ذلك ) (29) . في حين ان الشريك الذي تكون حصته في الشركة دينا في ذمة الغير يلتزم ليس فقط لضمان وجود الحق المحال به وقت الحوالة وانما كذلك بضمان يسار المحال عليه في الحال وفي الاستقبال ، أي وقت حوالة الحق ووقت استحقاقه . ويبرر هذا التشدد حاجة الشركة الى تكوين راس مالها حال تأسيسا وعدم تعرضها لاي نقص فيه لما قد يسببه لها ذلك من تعطيل اعمالها وربما تكبيدها الخسائر . ويعتبر هذا الحكم ، في راينا من القواعد الامرة التي لا يجوز الافاق على خلافها (30) . وهذا لا يمكننا مجاراة القائلين باعتبار الحصة المتكونة من دين في ذمة الغير حصة عينية (31) . لان الدين في الذمة يعتبر نقدا ، والحصة المتكونة منه ، لذلك ، حصة نقدية . ولا ادل على ذلك من تماثل احكامها ومن اختلاف هذه الاحكام عن احكام الحصة العينية .

الفرع الرابع : اقتسام الأرباح والخسائر

ان الشركة تمتاز بالقصد الى الاشتراك والقصد الى الربح ، أي بتعاون الشركاء الإيجابي المقصود على قدم المساوات في سبيل الربح واقتسامه .وهذا هو الجانب الأول من غرض الشركة الذي تتميز به عموما عن الجمعيات غير الهادفة الى تحقيق الربح . ولكن للغرض من الشركة جانبا اخر لا يقل أهمية عن قصد الربح ،وهو توزيع مخاطر المشروع ، أي تحمل الشركاء جميعا خسارته (32) . والاصل ، ان الشركاء احرار في تحديد انصبتهم من الأرباح والخسائر ، اذ العبرة بما اتفقوا عليه في عقد الشركة . وكما لا يشترط حصص الشركاء متساوية ، فانه لا يشترط ان توزع الأرباح والخسائر عليهم بالتساوي ، بل وحتى لا يشترط ان يكون نصيب كل منهم في الأرباح والخسائر بنسبة حصته في الشركة ولا ان تكون نسبة اشتراكه في الرباح مساوية لنسبة اشتراكه في الخسائر ، بشرط الا يتضمن ذلك ما يسمى شرطا من شرط الأسد Clauses Leonines ، بمعنى ان لا يؤدي هذا الاتفاق الى استئثار احد الشركاء او بعضهم بكل أرباح الشركة او عدم تحملهم اية خسارة فيها او حرمانهم من الأرباح او تحملهم كل الخسارة . لان مثل هذا الاتفاق يتنافى وطبيعة عقد الشركة ومساهمة جميع الشركاء في الأرباح والخسارة ، وهو اتفاق باطل في التشريعين الفرنسي والبلجيكي ، يبطل معه عقد الشركة براي الغالبية العظمى في الفقه والقضاء(33) . والى هذا الرأي ذهب المشرع المصري ، خلافا لما ورد في شرح القانون المدني العراقي لاستاذنا حسن على ذنون (34) . اذ نصت الفقرة (1) من المادة (515) من القانون المدني المصري ، ومثلها الفقرة (1) من كل من المادة (482) من القانون المدني السوري والمادة ( 506) من القانون المدني الليبي على انه ( اذا اتفق على ان احد الشركاء لا يساهم في أرباح الشركة او خسائرها ، كان عقد الشركة باطلا ). وهوما نصت عليه أيضا الفقرة (1) من المادة (590) من القانون المدني الأردني ، ولكن بعبارة ( اذا اتفق في العقد على ان احد الشركاء لا يفيد من أرباح الشركة ولا يساهم في خسائرها كان عقد الشركة باطلا ) ، التي يعاب عليها استعمال المشرع فيها حرف العطف ، أي أداة الجمع ( و) في جملة ( ولا يساهم في خسائرها ) ، في الوقت الذي كان ينبغي ايراد حرف او أداة التخيير (او) فيها ، لانه ليس من الضروري لقيام شرط الأسد الاتفاق على حرمان احد الشركاء من الأرباح (و) واعفائه من الخسائر معا . بل يكفي لقيام هذا الشرط غير العادل والمنافي لنية المشاركة ولمبدأ المساواة ، ولو النسبية ، بين الشركاء، الاتفاق فقط على حرمان شريك من الأرباح (او) اعفائه من الخسائر . وهذا ما نتبه اليه المشرع الاتحادي الاماراتي ، فنص من المادة (662) من قانون المعاملات المدني على انه (اذا اتفق في العقد على ان احد الشركاء لا يفيد من أرباح الشركة (او) لا يساهم في خسائرهم كان عقد الشركة باطلا ) ، مثلما انتبه أيضا الى احتمال ايراد شرط اسد خفي في عقد الشركة ، بمظهر تحديد حصة الشريك من أرباحها بمبلغ مين ، فنص في المادة (660) من نفس القانون على انه (اذا اتفق على ان تكون حصة أي منهم في الربح مبلغا محددا من المال بطل الشرط ويتم توزيع الربح طبقا لحصة كل منهم في راس المال ) .وهذا الحكم الأخير مستمد من حكم المادة (588) من القانون المدني الأردني . في حين كانت الفقرة (1) من المادة (625) الملغاة من القانون المدني العراقي تنص على جواز (فسخ عقد الشركة بناء على طلب الشريك الذي حرم من المساهمة في الأرباح او بناء على طلب أي من الشركاء الذين يقع عليهم وحدهم عبء الخسائر ). وهو نفس الحكم الذي كان ينص عليه المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري الذي كان يقضي بان الشركة تكون قابلة للأبطال لمصلحة من يضار من الشركاء بشرط عدم المساهمة في الخسارة ، او لمصلة الشريك الذي اشترط علية عدم المساهمة في الربح . ولكن لجنة مجلس الشيوخ عدلة الحكم ، فجعلت البطلان بطلانا مطلقا بدلا من البطلان النسبي ، باعتبار الشرط القاضي بعدم المساهمة في الأرباح او في الخسارة مخالفا للنظام العام ، و منافيا لنية المشاركة عند الشريك الذي يقبل شرط الأسد(35) . وفي ماعدا ذلك ، فان الفقرة الثانية من المادة (635) الملغاة من القانون المدني العراقي كانت تتفق مع ما نصت علية الفقرة الثانية من نفس المواد ( 515) مصري (483) سوري و(506) ليبي و (590) اردني في جواز ( الاتفاق على اعفاء الشريك الذي لم يقدم غير عملة من المساهمة في الخسائر بشرط ان لا يكون قد تقدر له اجر من عمله ) ، وان ، كما قيل بحق ،ان هذا ( الاستثناء ) ( ظاهر اكثر منه حقيقي لان الشريك بالعمل الذي لا يتقاضى اجرا عنه يكون قد تحمل في الخسارة ضياع وقته وجهده بلا مقابل . واذا دخل الشريك في الشركة بحصة مالية وعمل فلا يجوز الاتفاق على اعفاء حصته المالية من أية خسارة . واذا قدم الشريك عمله فحسب فلا يجوز الاتفاق على اعفائه من الخسارة اذا تقرر له اجر على عمله )(36) . ومن الجدير بالذكر ، ان شرط الأسد لا يتحقق فقط في حالة النص على عدم مساهمة الشريك في الربح او الخسارة ، وانما يتحقق أيضا في حالة النص على مساهمته في أي منهما بنصيب تافه الى يعتبر معه هذا النصيب غير جدي(37) . والمسالة ، من بعد ، في رأينا ، نسبية . لان اعتبار نصيب الشريك في الربح والخسارة تافها يعتمد على نصيبه في رأس مال الشركة . وقد تدق التفرقة ويصعب الجزم بكون الشرط شرط اسد او مجرد تطبيق لمبدأ سلطان الإرادة وحرية الشركاء في تحديد انصبهم في الأرباح والخسائر الذي لا يشترط فيه ان يكون نصيب كل منهم بنسبة حصته في الشركة ، ولا ان تكون نسبة اشتراكه في الأرباح مساوية لنسبة اشتراكه في الخسائر ، بشرط ان لا يتضمن ذلك شرطا من شروط الأسد ، ومع مراعاة ما سبق بيانه ، وما قد ينص عليه القانون من قواعد امره ، فان توزيع الأرباح والخسائر يجب ان يتم وفقا لشروط عقد الشركة . وكانت المادة (634) الملغاة من القانون المدني العراقي تنص على غرار المادة (415) من القانون المدني المصري والمادة (482) من القانون المدني السوري والمادة (505) من القانون المدني الليبي والمادة (425) من القانون المدني الجزائري والمادة (894) من قانون الموجبات والعقود اللبناني ، على انه ( اذا لم يحدد العقد نصيب الشركاء الا في الربح ، وجب اعتبارا هذا النصيب في الخسارة أيضا . وكذلك الحال اذا لم يجدد العقد النصيب الا في الخسارة ، فيعتبر هذا النصيب في الربح . واما اذا لم يحدد النصيب لا في الربح ولا في الخسارة كان نصيب كل من الشركاء في ذلك بقدر حصته في رأس مال الشركة).وهو نفس ما نصت علية المادة (1844) من التقنين المدني الفرنسي والمادة (1853) من التقنين المدني البلجيكي ، خلافا لما قضيت به المادة (533) من التقنين الالتزامات السويسري ، المستديم حكمها من قاعدة رومانية قديمة ، من عدم اخذ حصص الشركة بنظر الاعتبار وتوزيع الأرباح والخسائر عليهم في هذه الحالة بالتساوي. اما فيما بنصيب الشريك مقدم الحصة الصناعية من الأرباح والخسائر ، فكانت نفس المادة (634) عراقي والمواد المقابلة لها في القوانين الأخرى، تنص على انه ( اذا كان احد الشركاء لم يقدم حصته غير عمله وجب ان يقدر في الربح والخسارة تبعا لما ربحته الشركة من هذا العمل. فاذا قدم فوق العمل نقودا او أي شيىء اخر ، كان له نصيب من العمل ونصيب اخر مما قدم فوق العمل ). وبالرغم من الغاء المادة ( 634) من القانون المدني العراقي ، فان احكامها لمن تختف كليا ، اذ استعارها قانون الشركات لسنة 1983 في المادة ( 178) منه ، ومن بعده القانون اللاحق ( الحالي ) لسنة 1997 في المادة (185) منه بالنسبة للشركة البسيطة. مع ملاحظة كون الاحكام الواردة في القوانين العربية عموما ، اكثر عدالة فيما يتعلق بالشريك مقدم الحصة الصناعية ، من الاحكام التي أوردتها كل من المادة ( 1844) من التقنين المدني الفرنسي والمادة ( 1853) من التقنين المدني البلجيكي والمادة ( 1670) من التقنين المدني الهولندي ، القاضية باعتبار نصيب الشريك بالعمل مساويا لنصيب الشريك صاحب اصغر حصة في راس مال الشركة ، لما يتضمنه هذا التقدير من مجافاة لمبادئ العدالة وبخس قدر الحصة الصناعية دون مبرر .

 

(محاماه نت)

إغلاق