دراسات قانونية

التشريع المغربي و تقليص التفاوت الاجتماعي في مقتضيات صندوق التكافل العائلي (بحث قانوني)

مظاهر تقليص التفاوت الاجتماعي في مقتضيات صندوق التكافل العائلي

بوبكر امزياني
باحث في العلوم القانونية

مقدمة

تفاوت الشيء مع الشيء بمعنى تباينا وتباعدا، إما التباين في الخدمات والفرص التي تقدم لهم أو التباين في سبل المعيشة أو في الضروريات التي بدونها لا تستقيم حياة الانسان داخل المجتمع، والتكافل يعني التضامن والتعايش بين الافراد وتقديم المساعدة فيما بينهم لتقليص وكسر التفاوت الجاري بينهم، فالتكافل دائما يحاول ردم الهوة الموجودة بين هذا وذاك.

وصندوق التكافل العائلي الذي احدثه المشرع المغربي مطلع سنة 2010 يحمل هذا الاسم، لأن الأسماء بالمسميات كما يقال، ويراد به تحقيق التضامن مع افراد العائلة، وتحقيق لهم نوع من الاستقرار الاجتماعي في ظل قساوة الحياة المعيشية، والقطع مع العراقيل المادية والاجتماعية التي قد تؤدي بالعائلة الى الزوال، وردم الهوة والفوارق التي قد يحدثها أبغض الحلال الذي هو الطلاق، أو الغيبة الطويلة لرب الأسرة، أو مصيبة الموت التي تصيب أحد الزوجين، كل هذه الأمور جعلت المشرع إحداث صندوق التكافل العائلي، والتنصيص على موارده في قانون المالية لسنة 2010، حيث نصت المادة 16 من هذا القانون على أنه “: يحدث ابتداء من فاتح يناير 2011 حساب خصوصي للخزينة يسمى “صندوق التكافل العائلي“. [1]

وللحديث اكثر عن المقتضيات التي جاء بها القانون رقم 41.10 المعدل بالقانون رقم 83.10 الذي من خلالها اراد المشرع التقليص من التفاوتات الاجتماعية التي قد تصيب الاسرة والعائلة جراء آفاتي الطلاق أو الترمل، أو الغيبة، ارتأينا تقسيم الموضوع الى محورين وفق الشكل التالي:

أولا: الفئات المستفيدة من الصندوق

ثانيا: شروط واجراءات الاستفادة من الصندوق

أولا: الفئات المستفيدة من الصندوق

من خلال اطلاعنا على مواد القانون رقم 41.10 المعدل بالقانون83.17 اتضح لنا أن المشرع المغربي حصر الفئات التي يمكنها الاستفادة من التسبيقات المالية للصندوق على الشكل الآتي:

مستحقو النفقة من الأولاد بعد انحلال ميثاق الزوجية وثبوت عوز الأم
مستحقو النفقة من الاولاد خلال قيام العلاقة الزوجية بعد ثبوت عوز الام
مستحقو النفقة من الاولاد بعد وفاة الأم
مستحقو النفقة من الأطفال المكفولين
الزوجة المعوزة المستحقة للنفقة

المشرع حصر نطاق الاستفادة في هذه المادة على خمس فئات بعد أن كان حصرها قبل التعديل على فئتين فقط وهما: الأم المعوزة المطلقة، ومستحقو النفقة من الأطفال بعد انحلال ميثاق الزوجية، وبهذا يكون المشرع قد اضاف مستحقو النفقة خلال قيام العلاقة الزوجية، ومستحقو النفقة بعد وفاة الأم، ومستحقو النفقة من الأطفال المكفولين، لكن ربط ذلك بثبوت عوز الأم إلا في حالة واحدة فقط وهي حالة وجود مستحقو النفقة من الأطفال المكفولين.

وبهذا النهج، يكون المشرع المغربي قد سلك مسلك المشرع التونسي عندما أقر من خلال الفصل الثاني من قانون 5 يوليوز 1993، المتعلق بصندوق النفقة وجراية الطلاق، أن الاستفادة من خدمات الصندوق تكون فقط للمطلقات وأولادهن الصادرة لفائدتهم أحكام باتة تتعلق بالنفقة أو بجراية الطلاق، وتعذر تنفيذها لتلدد المدين.

غير أن ما يعاب عليه هذا النص هو استثناؤه للمطلقة المعوزة خلال فترة العدة والتي لا أبناء لها، كما أن هذا النص احل فيها المشرع بموجب التعديل الذي طاله عبارة التسبيقات المالية محل المخصصات المالية، وهي عبارة تتوافق مع استعجالية النفقة وطابعها المعيشي بالنسبة للمطلقة وأولادها.

ثانيا: شروط واجراءات الاستفادة من الصندوق

اشار المشرع المغربي لشروط الاستفادة من مخصصات صندوق التكافل العائلي بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 41.10 التي جاء في نصها “يستفيد من التسبيقات المالية للصندوق إذا تأخر تنفيذ المقرر القضائي المحدد للنفقة أو تعذر لعسر المحكوم عليه أو غيابه أو عدم العثور عليه وبعد ثبوت حالة عوز الأم “

من خلال المادة اعلاه فان شروط الاستفادة من التسبيقات المالية هي على الشكل التالي:

وجود تأخر في تنفيذ المقرر القضائي المحدد للنفقة
وبالرجوع إلى المادة الثالثة ايضا فإنه يتوجب على المقدم للاستفادة من هذه التسبيقات ان يثبت تأخر او تعذر التنفيذ بواسطة محضر يحرره المكلف بالتنفيذ.

ثبوت حالة عوز الأم
المشرع المغربي لم يعطي تعريفا للعوز وانما ترك ذلك مفتوحا للتأويلات، مما أمكن معه تعريف العوز في نظرنا بأن لا تجد الأم المطلقة أو التي ما تزال في عصمة الزوجية ما تنفقه بعينه على نفسها أو أبنائها، وليس لها ما تبيعه، سواء كان منقولا أو عقارا لتستخلص منه نفقتها على نفسها وعلى أبنائها.

ويعتبر العوز شرطا جوهريا للاستفادة من الصندوق، إلا أن هذا الشرط يثير الكثير من التساؤلات حول كيفية اثبات؟.

حسب المادة الثانية من المرسوم رقم 2.11.195 فإن إثبات حالة العوز يكون بالإدلاء ببطاقة المساعدة الطبية المنصوص عليها في المرسوم رقم 2.08.177 الصادر في 28 رمضان 1429 الموافق 29 شتنبر 2008 بتطبيق الكتاب الثالث من القانون 65.00 المتعلق بنظام المساعدة الطبية، وبصفة استثنائية وإلى حدود تعميم نظام المساعدة الطبية على كل جهات المملكة، بشهادة عوز مسلمة من طرف الوالي أو العامل أو من ينوب عنه وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن طالب هذه الشهادة.

وعليه والحالة هذه فإن حالة العوز لا يمكن إثباتها إلا ببطاقة المساعد الطبية في الأصل، واستثناء وإلى غاية تعميم نظام المساعدة الطبية على جميع جهات المملكة، لا يتم إثبات حالة العوز إلا بالإدلاء بشهادتين هما: شهادة العوز يسلمها الوالي أو العامل أو من ينوب عنهم للمعني بالأمر، وشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن طالب الشهادة.

عذر لعسر المحكوم عليه أو غيابه أو عدم العثور عليه
تعذر تنفيذ المقرر القضائي لغياب أو عدم العثور على المحكوم عليه.

وتجدر الإشارة إلى أن الأطفال الذين تم تعداد حالاتهم سابقا، لا تشملهم الاستفادة من المخصصات المالية لصندوق التكافل العائلي، إلا إذا توافرت فيهم مجموعة من الشروط الخاصة المنصوص عليها في المادة 198 من مدونة الأسرة،[2] كأن يكون الذكور من الأطفال دون سن الرشد، أو بعده إلى نهاية التعليم على ألا يتجاوز سنهم الخامسة والعشرين سنة.

أما بالنسبة لاستفادة البنت التي لا مكاسب لها، فإن استفادتها من الصندوق تتواصل إلى أن تجب على زوجها بالدخول، أما الأبناء المعاقين العاجزين عن الكسب، فإنه يتواصل صرف مستحقاتهم من الصندوق بغض النظر عن سنهم.

اما بالنسبة لإجراءات الاستفادة من صندوق التكافل اشار اليها المشرع في المواد من 3 إلى 13 من القانون رقم 41.10، فضلا عن مقتضيات المرسوم التطبيقي رقم 195.11.2 المتعلق بتطبيق أحكام القانون السالف الذكر.

ومن خلال قراءتنا للمادة الرابعة على وجه الخصوص نجد أن المشرع المغربي قد خص رئيس المحكمة الابتدائية المصدرة للمقرر المحدد للنفقة أو المحكمة المكلفة بالتنفيذ أو من ينوب عنه بالبت في الطلب المقدم من طرف هؤلاء الاشخاص :

الأم المعوزة المطلقة نيابة عن اولادها القاصرين مستحقو النفقة.
الزوجة المعوزة مستحقة النفقة اصالة عن نفسها ونيابة عن اولادها القاصرين
الحاضن عن الأب نيابة عن المحضون مستحقو النفقة
المرأة الكافلة نيابة عن المكفول القاصر
مستحقو النفقة من الأولاد اذا كان راشدا

كل هذه الفئات لهم الحق في تقديم طلب الاستفادة من تسبيقات الصندوق إلى رئيس المحكمة الابتدائية المصدرة للمقرر القضائي أو المكلفة بالتنفيذ أو من ينوب عنه في حال تأخر تنفيذ المقرر القضائي المحدد للنفقة أو تعذره، وذلك بعد شهرين من تقديم طلب تنفيذ المقرر القضائي في مواجهة المحكوم عليه حسب المادة الخامسة من القانون المذكور.

غير أنه لابد من ارفاق هذا الطلب المشرع بمجموعة من الوثائق التي حددها المشرع ف المادة الثانية من المرسوم رقم 2.11.195.

فالنسبة للأم المعوزة لابد لها من ارفاق طلبها بما يلي:

نسخة من المقرر القضائي المحدد للنفقة
المحضر المحرر من طرف المكلف بالتنفيذ الذي يثبت تعذر أو تأخر التنفيذ كليا أو جزئي
شهادة إثبات العوز.
تصريح بالشرف مصحح الامضاء بكون العلاقة الزوجية مع الملزم بالنفقة ما تزال قائمة عند تاريخ تقديم الطلب.

بالنسبة لمستحقي النفقة من الاولاد حُددت الوثائق الواجب إرفاقها مع الطلب بنفس المادة السالفة في:

نسخة من المقرر القضائي المحدد للنفقة.
المحضر المحرر من طرف المكلف بالتنفيذ الذي يثبت تعذر أو تأخر التنفيذ كليا أو جزئيا.
عقود ازدياد الأطفال المحكوم لهم بالنفقة
شهادة وفاة الأم أو ما يفيد عوزها كالإدلاء ببطاقة المساعدة الطبية.

بالنسبة لمستحقي النفقة من الاطفال المكفولين حُددت الوثائق الواجب إرفاقها مع الطلب بنفس المادة السالفة فيما يلي:

نسخة من المقرر القضائي المحدد للنفقة.
المحضر المحرر من طرف المكلف بالتنفيذ الذي يثبت تعذر أو تأخر التنفيذ كليا أو جزئيا.
عقود ازدياد الأطفال المحكوم لهم بالنفقة

عند تقديم هذا الطلب أمام المحكمة يفتح له ملف خاص ويقيد في سجل معد لهذا الغرض بكتابة ضبط المحكمة بقسم قضاء الأسرة، ويمنح له رقم تسلسلي مستقل ومميز عن باقي الملفات التي يتولى رئيس المحكمة البت فيها، ويحتفظ بهذا الملف لدى كتابة الضبط المذكورة بنفس الرقم الذي سيصبح المرجع الموحد بين المحكمة وصندوق الإيداع والتدبير في جميع الإجراءات سواء تلك التي تسبق صدور المقرر أو التي تليه.[18]

وبعد توصل المحكمة بطلب الاستفادة من المخصصات المالية للصندوق وفقا للإجراءات المشار إليها أعلاه، يبت رئيس المحكمة الابتدائية المختصة في طلب الاستفادة من الصندوق داخل أجل أقصاه ثمانية أيام من تاريخ تقديم الطلب بمقتضى مقرر نهائي لا يقبل أي طعن وينفذ على الأصل ولا يحتاج إلى تبليغ، وذلك حسب أحكام المادة السابعة من القانون رقم 41.10.

وقد لفت وزير العدل من خلال منشور انتباه رؤساء المحاكم أو من ينوب عنهم إلى ضرورة تضمين المقرر القضائي المحدد للنفقة مجموعة من البيانات الضرورية هي: رقم الملف، اسم رئيس المحكمة أو القاضي الذي ينوب عنه في إصدار مقرر الاستفادة، هوية مقدم الطلب وصفته وعنوانه ورقم بطاقته الوطنية للتعريف، اسم الملزم بالنفقة وعنوانه وآخر عنوان معروف له ورقم بطاقته الوطنية في حال توفره، أسماء الأطفال المستحقين للنفقة وتواريخ ميلادهم، مراجع الحكم القاضي بالنفقة، مراجع المحضر المنجز من طرف المكلف بالتنفيذ المثبت لتعذر أو تأخر التنفيذ، مبلغ المخصص المالي لكل مستفيد وكذا المبلغ الإجمالي الواجب أداؤه من قبل الصندوق في حال تعدد المستفيدين في الأسرة الواحدة بالأرقام والحروف، تاريخ بداية صرف المخصص المالي، توقيع رئيس المحكمة أو القاضي الذي ينوب عنه في إصدار المقرر مشفوعا بطابع المحكمة.

وتبلغ قيمة التسبيقات التي يمنحها الصندوق لذوي الصفة الذي اشرنا اليهم اعلاه حسب المرسوم رقم 2.11.195 تبلغ 350 درهم لكل مستفيد عن كل شهر على ألا يتعدى مجموع المخصصات المالية لأفراد الأسرة الواحدة 1050 درهما.

وهذا المبلغ في نظرنا لا يمكن أن يقلص الفوارق ويهدم التفاوتات الاجتماعية التي تطال العائلة المغربية اذا نظرنا إلى غلاء المعيشة، وحاجيات الاولاد للتطبيب والتدريس والمأكل والملبس، علاوة على غلاء الأكرية وكل الضروريات التي بدونها لا تستقيم حياة الانسان.

لهذا ولابد من إعادة النظر في هذه المبالغ الزهيدة التي تمنح لهذه الشريحة الضعيفة في المجتمع ولما لا تخصيص بهم مبلغ مالي شهري قار يتوافق مع الحد الأدنى للأجور المعمول به في المغرب حفظا على كرامة المطلقة وأطفالها ويضمن لهم حياة معيشية مستقرة لاسيما وأن المغرب صادق على كل الاتفاقيات الدولية التي تنادي برف الحيف على المرأة والطفل على السواء.

خاتمة
التكافل والتضامن هم إحدى القيم المحمودة التي تميز الحياة الانسانية عن غيرها لهذا حاول المشرع المغربي تجسيدها من خلال مقتضيات صندوق التكافل العائلي كمحاولة لكسر جملة من التفاوتات التي تطال المرأة المغربية المطلقة واطفالها داخل المجتمع، لكن هذه الخطوة وإن كانت محمودة فإنها تبقى خطوة محتشمة تحتاج لجرأة وجرأة في سبيل النهوض بحقوق بهذا النوع من العوائل المغربية.

 

(محاماة نت)

إغلاق