دراسات قانونية
مقال قانوني بعنوان دور التدقيق في تجويد الأداء الإداري بالقطاع العام
دور التدقـيق في تجويد الأداء الإداري بالقطاع العام؟
يعد إنتشار الفضائح المالية و إشكالية الحفاض على المال العام الدي يعتبر بمثابة الوعاء الذي تذوب في قعره جل المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية لأي بلد، من الأسباب التي دعمت تبنيتقنيات جديدة للإدارة العمومية كانت في البداية حكرا على القطاع الخاص من أهمها آليات نظام الرقابة الحديثة و المتمثلة في التدقيق بمختلف فروعه و أنواعه، على إعتبار أنه أداة تسعى إلى تكريس فعالية الرقابة، كما أن وظيفته تعد من الوظائف الآنية و الملحة في الإدارات بالقطاع العام نظرا لتوسعها الكبير و المستمر وأيضا للتطورات الكثيرة التي تحدث إرتباطا بالجوانب المالية والإدارية بها، مما يزكيالحد منالكثير من الأخطاء والإنحرافات والإختلاسات التي تعرقل تحقيق مصالح المرتفقين، و بالتالي الحرص على تقديم أفضل للخدمات العمومية
فما المقصود بالتدقيق ؟ وما دور ه بالقطاع العام ؟ وكيف يساهم في تجويد الأداء الإداري ؟
مفهــــوم التـــدقيـــق و دوره بالـقطــــــــاع العــــــــام -I
1-1المقصـــود بالتـــدقيــــق(audit) :
تتعد التعاريف حول مفهوم التدقيق، يمكن تلخيصها في إعتباره علم يبنى على مجموعة من المبادئ الإدارية والمعايير التقنية والقواعد المالية فهو عملية فحص للأنظمة الرقابية والبيانات والحسابات المتعلقة بالمشروع و يكون بشكل إنتقادي و منظم من أجل التوصل برأي محايد عن مدى صحة وقانونية القوائم المتعلقة بالجانب المالي بالإدارة و يكون ذلك في فترة زمنية معلومة ([1] )، وتشمل عملية التدقيقثلاثة مراحل مترابطةوهـــي:
الفحـص :و هو عملية تقوم على مبدأ قياس مدى صحة العمليات التي تمت و تشمل هذه العملية تحليل دقيق للمعطيات ( [2] )
التحـقيق :يعد الوسيلة التي من خلالها يمكن التأكد من صحة القوائم المالية و ذلك خلال فترة زمنية محددة .
التقرير : يعمل المدقق على تجميع المعطيات و الملاحظات التي خلص إليها في العمليات السابقة في تقرير يكون مكتوبا يقدم للجهات المسؤولة عن الجانب المالي و الإداري.
ينقسم التدقيق إلى عدة أنواع تختلف بإختلاف الزاوية التي تنظر إلى عملية التدقيق من خلالها، من حيث نطاق عملية التدقيق ينقسم إلى تدقيق كامل يعمل من خلاله المدقق بفحص السجلات من أجل أن يصل إلى رأي فني محايد حول صحتهاسواء تعلقت بالجانب المالي أو الإداري، وتدقيق جزئي يعمل من خلاله المدقق بإختيار بعض العمليات دون غيرها أو أن يتكلف بتدقيق مصلحة معينة دون تدقيق جميع المصالحو بالتالي يعد تقريره بناءا على ما كلف به( [3] )
أما من حيث وقت التدقيق، ينقسم إلى تدقيق نهائي يكون فيه التدقيق مباشرة بعد إنتهاء الفترة المالية المراد تدقيقها، ويتم مباشرة بعد ختم الحسابات الختامية من أجل عدم تعديلها و لضمان إقفالها، ثم تدقيق مستمر يعمل فيه المدقق بزيارات متتالية و مستمرة للإدارة بحيث يلازمها بصفة مستمرة( [4] )
ومن حيث الهيئة القائمة عليه ينقسم إلى تدقيق داخلي و خارجي بحيث يكون الفصل بينهما من حيث الإنتماء إلىالإدارةوهو ما يسمى بالتدقيق داخلي، وأما في حالة عدم الإنتماء لها يكون تدقيق خارجي، لكن هناك حالات تلزم الإدارة على تعاقد خارجي مع مكاتب للتدقيق قصد برمجة تدقيـــق داخلي بها .
ثم من حيث درجة الإلزام الى نوعين تدقيق إختيارييقوم دون شرط يفرضه قانونمحدد للقيام به فيكون إختياري، وتدقيق إلزامييفرض القانون القيام به وبالتالي يوقع المخالف تحت طائلة العقاب إن لم يقم به.
أما من حيث الغاية من عملية التدقيق ينقسم إلى التدقيق المالي و يعتبر تدقيقا منظما بشكل إنتقادي من أجل الوصول إلى رأي محايد حولصحة و قانونية القوائم المالية للإدارة ،ذلك خلال فترة زمنية محددة، أما التدقيق الإداريأو العملياتيفيطلق عليه أيضا “الكفاءة الإدارية”، وهو تدقيق جميع النواحي الإدارية للتأكد من السير الجيد و السليم للإدارة وتحقيق أقصى منفعة لها( [5] )
2-1دور التـــدقيـــق بالقطـــــــاع العــــــــام
يعتبر التدقيق نشاطا تأمينيا وإستشارياغايته الأساسيةإضافة جودة للعمليات التي تعرفها الإدارة بالقطاع العام من خلال تحقيق سليم للخطط و الأهداف( [6] )، مما يتيح لها فرصة إكتساب نظام يعمل على تقييم جودة و فعالية الخدمات من خلال :
تحديد مدى فائدة وفعالية نظام الرقابة في الإدارة لضمان تدبير عقلانيللأهداف
صحة المعلومات وقابلية الإعتماد عليهافي الوقت المناسب ليتسنى الإعتماد عليهما في إتخاذ القرارات و التخطيط لها مستقبليا ؛
الالتزام بسياسات الإدارة العامة و الخاصة وإمكانية طلب التفسير في حالة عدم تنفيدها؛
إكتشاف الإحتيال و الغش و منعهما من خلال تقييم لجودة الإجراءات ومدى فعاليتها من قبل الإدارة ([7] )
من أجل ذلك فالتدقيق يبدو من المواضيع الهامة والحاسمة في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي لاسيما على التعديلات الدستورية الأخيرة، حيث أصبحت إشكالية الإفتحاص على إختلاف مستوياتها الإشكالية المحورية الأكثر تداولا في مختلف النقاشات والخطابات السياسية والاجتماعية والاقتصاديةمما جعل المغرب كباقي الدول المتقدمة يتبنىإرساء المجلس الأعلى للحسابات ضمن المؤسسات الدستورية التي تساهم في عقلنة تدبير المال العام ،
مســاهمـــة التدقيــق في تجـــويد الأداء الإداري بالقـــطاع العــــام II
تظهر أهمية التدقيق في تجويد الأداء الإداري من خلال تحقيق الفعالية والرقابة عن الأعمال وذلك على إعتبار ـن نطاق عمل المدقق الداخلي يشمل ما يلي :
فحص وتقييم نظام رقابة المحاسبة للإدارة.
فحص المعلومات التي تقدمها الرقابة ومدى مصحتها.
فحص الجوانب الغير المالية(التدقيق العملياتي).
فحص وتقييم نظم الإدارة والرقابة سواء كان ذلك يشمل جوانب مالية أو غير مالية ( [8] )
وبالتالي يساعد التدقيق في التحقيق من مدى فعالية نظام المتبع بالإدارة متوافق مع ما خطط له، وأيضا التمكن من قياس مدى فعاليته وملائمته مع الأهداف .
إن الأهمية التي ينفرد بها نظام التدقيق تتمثل في كونه آليةتعمل على خدمة الإدارة بمختلف جهاتها الداخلية آو الخارجية، الامر الدي يجعلها تعتمد عليهبكثرةخصوصا إرتباطابالتدقيق المستقبلي المتعلق بالأهذاف المستقبلية و التكهن بمدى فعاليتها، مما يجعل من مصداقية توقيع المدققين على صحة الإجراءات له قيمة كبيرة في تحديد الخطوات المستقبلية للإدارة
2-1 نضــام يعــمل على ضـبط رقابــة الأداء الإداري و المــالي
تتمثل الرقابة على الأداء في العمليات والإجراءات الضرورية للتأكد من أن التنفيذ سواء تعلق “بالأداء الفردي أو الجماعي “يتم مطابقاللخطط الموضوعة مسبقا، بمعنى آخر التأكد من أنه ثم إستخدام الموارد (المالية والبشرية والتقنية)المخصصة في ميزانياتها بدقة تامة و فعالية ليضمن ثلاثة عناصر وهي :
الفعالية :بحيث يتمقياس النتائج والأهداف من كل خطة عمل، من خلال تقييم النتائج الحالية بالنتائج المستقبلية.
الكفاءة :يتمحور معناها العامحول نهج أفضل الطرق للأداء الخطط،مع مراعاة الجودة في تفعيلها
التوفير:بمعنى القيام بالإجراءاتعن طريق أصغر التكاليف بجودة عالية التي لا تكلف تبذير للموارد المالية و التقنية بالإدارة
2-2 التدقيــق و محــاربة الفســاد المــالي بالقـــطاع العــــام
في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي أضحت إشكالية الرقابة على إختلاف مستوياتها، الإشكالية المحورية الأكثر تداولا في مختلف النقاشات والخطابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية و الثقافية ،بحيث لا يستقيم تدبير الأموال العامة في أي مجتمع دون وجود نظام رقابة فعال يعمل علىتدبيرإنفاق هذه الأموال.
فمنذبداية الألفية التالية تزايدالإهتمامبالشأن المالي و بنظام الرقابة عليه، ولا غرابة في ذلك ما دام المال العام هو الرحى التي تدور حولها عجلة التنميةبالدولة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أيضا التطور الذي حصلفي السياسة المالية بالمغرب بحيث أصبحت تحتاج إلى نظام يفرض الشفافية على جميع النشاطات الإدارية بهدف :
التحقق من أن الموارد المالية العمومية قد تم تحصيلها وفق القواعد والقوانين واللوائح المعمول بها؛
الكشف عن أي مخالفة أو تقصير بهذا المجال. ([9] )
تستند ممارسة الرقابة على المال العام في المغرب إلى العديد من النصوص القانونية يمكن بيانها من خلال العديد من الظهائر والمراسيم؛
وجدير بالذكر أن النظام الرقابي الخاص بالمالية بالمغرب يستند على العديد من الأجهزة المختلفة من حيث الدور و الطبيعة وأسلوب عملها، ولكنها تتقاطع في هدف واحد يتجلى في الحرص على تأمين الإستعمال السليم للمال العام والتصدي للإنحرافات ، والتجاوزات التي يمكن أن تمس العمليات الإدارية كذلك والسعي إلى تصحيحها و المساهمة في تقييم وتطوير التدبير العمومي، وتتم الرقابة المالية بتقنيات متعددة وأساليب مختلفة يمكن التمييز بينها بإعتماد عدة معايير، يبقى أهمها المعيار العضوي الذي تأسس على طبيعة الجهة المكلفة بالرقابة، وبناء عليه يمكن تصنيف الرقابة المالية إلــى :
رقابــــة بواســـطة الأجهــزة الإداريــة
رقابــــة بواســـطة المؤسسة البرلمانية
رقابــــة بواســـطة المحــاكم المـــــالية
تضمن الرقابة المالية في جوهرها :
التحقق من حسن إستخدام الأموال العمومية في الأغراض المخصصة لها.
التأكد من مدى ملائمة القوانين والأنظمة واللوائح المالية، بالإضافة إلى إجراء التعديلات من شأنها أن تحقيق أهداف الرقابة المالية .
الكشف عن أية أخطاء وإنحرافات أو مخالفات تحدث من الأجهزة الحكومية وتحليلها ودراسة أسبابها، و توفير الحلول المناسبة لعلاجها وتصحيحها. وتجنب تكرارها.( [10] )
العمل على ترشيد الإنفاق العام وتوجيه الأجهزة الحكومية إلى أفضل السبل ، لتحسين وتطوير إجراءات الأعمال المالية، وإقتراح الإجراءات والوسائل الكفيلة برفع كفاءة أداء الأجهزة التنفيذية وتحسين مستوى تقديم الخدمات العمومية على الأموال العمومية من خلال مراقبة التصرفات المالية.
ضمان عدم مخالفتها للقوانين وكذلك ضمان تحقيق الأهداف المحددة لكل إدارة، فتحقق أفضل النتائج بكل كفاءة وفعالية واقتصادية.
ومما لا شك فيه أن الفساد المالي له تكلفة إجتماعية وإقتصادية باهظة بحيث يعمل على تأخير عملية التنمية وتحقيقها بشتى أنواعها، ويعيق بناء الديمقراطية ويقلص مجال دولة القانون والمؤسسات ،وهذا ما يتيح للرقابة الحديثة مراقبة سلامة الأداء الإداري ومكافحة الفساد بأجهزة الدولة والحفاظ على المال العام من خلال :
حماية المال العام من الإختلاسات وسوء التدبير.
التركيز على مراقبة جودة الوحدات الإدارية. ومدى تحقيق الأهداف المخطط لها.
الإهتمام بملائمة المساطر المتبعة وتعديلها.
أن لا ينشغل المراقب في البحث عن الأخطاء والإنحرافات بقدر ما يجب أن يلعب دور الموجه والمساعد.
إبلاغ المراقبين بالتقارير وتمكينهم من إبداء ملاحظاتهم وبياناتهم
[11]
فإذا كان الهدف من الرقابة هو تقويم النتائج الفعلية فإنه من المفروض أن توجد معايير موضوعة يتم على أساسها هذا التقييم، و مكافحة كل أشكال الفساد الإداري والمالي، من أجلالوقوف على الاختلالات ومعرفة أسبابها، وإخطار الجهات المختصة باتخاذ القرارات العلاجية لمنع تكرارها.
إن فعالية التدقيق بالقطاع العامتجعلنا أمام تقاطعات مترابطة فيما بينها بحيث يمكن القول أن الإدارة الناجحة والتي تسعى إلى جودة التدبير من خلال نظام رقابي حديث “التدقيق” يحفظ لها ضبط الأداء الإداري، و يسعى إلى تجويدهوفق ترشيد علمي للقرارات التي يتخذها المسؤولون وتنفيذها بأفضل صورة ممكنة ،من خلال مقارنة ما تم وسيتم إنجازه وفقا للخطط الموضوعة التي تقاس نتائجها المتحققة بمعايير تمكن من معرفة أسباب الإنحرافات والأخطاء من أجل إتخاذ تقويم تصحيحي يحفض عدم تكرارها في المستقبل.
الهوامش
خالد راغب الخطيبالأصول العلمية والعملية لتدقيق الحسابات، عمان/ دار النشر، ص 56-[1]
– أحمد حامد حجاج و كمال الدين سعيد المراجعة بين التنضيم و التدقيق ص 74 [2]
– عبد الفتاح الصحن مبادئ وأسس المراجعة علما وعملا، المؤسسة الجامعية، 1983 ص 89-90[3]
– عبد الفتاح الصحن نفس المرج السابق ص 90[4]
– فريد الضحى الإدارة العامة و التدقيق، الدار الجامعية المكتبة الإدارية، الطبعة الأولى ص28 [5]
– محمد عبد العال السناري مبدأ المشروعية والرقابة على اعمال الإدارة في دولة [6]
الإمارت العربية المتحدة ، مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة طبعة أولى 2000.ص 102
– موسى خليل الإدارة المعاصرة، المبادئ الوظائف و الأهداف، المؤسسة الجامعية[7]
للدراسات والنشر والتوزيع 2005ص 29
-موسى خليل الإدارة المعاصرة المبادئ الوظائف و الأهداف، نفس المرجع السابق ص 114[8]
-عون محمد الكفراوي الرقابة المالية في الإسلام، مؤسسة الشباب الجامعية، الإسكندرية 1983ص 96[9]
-كامل بربر الإدارة عملية و نطام، الموسوعة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع بيروت 1976 ص 56[10]
-رمضان أحمد بطيخ الرقابة على أداء الجهاز الإداري، دار النهضة العربية، بدون سنة النشر[11]
ص98