دراسات قانونية

تدبير توظيف الموارد البشرية لتحديث الإدارة العمومية (بحث قانوني)

تدبير توظيف الموارد البشرية كمدخل لتحديث الإدارة العمومية

مصطفى عبدي
باحث في سلك الدكتوراه في القانون
العام بكلية الحقوق سطات

تم إعادة النشر بواسطة محاماة نت

مقدمة

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

تعرف الإدارة العمومية تطورات متلاحقة على مستوى تحسين عملها الإداري، لذلك تسعى الإدارة العمومية لاتخاذ مجموع من الإجراءات التي من شأنها أن ترفع من فعالية الخدمات التي تقدمها.وباعتبار تدبير التوظيف العمومي عملية جوهرية تضمن ولوج الموارد البشرية المتخصصة والكفأة للإدارة العمومية، فإن تدبيرها يجب أن يتم بطريقة فعالة وجيدة لضمان الكثير من الجهد والوقت والمال، مما يجعل من هذه العملية مدخل استراتيجي لتحديث الإدارة العمومية. هذا إضافة إلى تبسيط المساطر الإدارية الأخرى[1]، وتحسين التواصل مع المرتفقين[2]، وتسهيل الولوج إلى المعلومة باعتباره حق دستوري[3]، وتعزيز الإدارة الإلكترونية.

ولتحديث الإدارة العمومية والرفع من أدائها العملي في علاقتها مع المواطنين والإدارات العمومية الأخرى، يجب تحديث منظومتها التدبيرية، على مستوى الكفاءات والخبرات التي تشتغل بها في ارتباط هذه الأخيرة مع القواعد القانونية المتعلقة بتدبير عملية التوظيف العمومي. لذلك يجب اختيار أفضل العناصر وأكفئها بناء الأليات التدبيرية الحديثة في مجال تدبير الموارد البشرية من جهة، وأجرأت هذه الأليات بشكل يضمن نجاعتها وفعاليتها في إطار القواعد والقوانين التي تحكم تدبير عملية التوظيف من جهة أخرى.
وبناء على ما سلف، فإن محاولة تحليل العلاقة بين تدبير التوظيف العمومي باعتباره حلقة أولية ومحورية ترتكز عليها منظومة تدبير الموارد البشرية، وبين تحديث الإدارة العمومية على مستوى الكفاءات والخبرات التي تحتاجها، تتطلب البحث بعمق في إشكالية جوهرية تتجسد في تحديد المكانة والعلاقة التي يحتلها كل واحد منهما في علاقته بالأخر؟ فالبحث في هذه العلاقة،يسهل معرفة ما إن كان تحديث الإدارة العمومية يمكن أن يتأتى دون تحديث لمواردها البشرية، أم أن هذه الأخيرة ركيزة أساس لعملية تحديث الإدارة؟ وما إن كانت الترسانة القانونية والتنظيمية المتعلقة بتدبير التوظيف وحدها آلية ناجعة في عملية تحديث الإدارة العمومية، أم أنها تحتاج إلى مقاربات تدبيرية حديثة تساهم في تطوير عملية التوظيف العمومي في سبيل الحصول على استقطاب كفأت جديدة ونشيطة لها القدرة على دعم تحديث وتجويد خدمات الإدارة العمومية؟ ومدى تجليات وتطبيقات هذا التحديث المتعلق بالموارد البشرية بالإدارات العمومية على مستوى تنظيموتدبير مباريات التوظيف العمومي؟

وعليه، سنتناول فيما يلي تحديث الإدارة العمومية من خلال تحديث الإطار القانوني والتدبيري الذي يحكم تدبير التوظيف بالإدارة العمومية (I)، ثم تدبير التوظيف العمومي والتعيين في المناصب العليا بناء على إحصائيات ولوج الوظائف العمومية سنة 2014 (II).

تحديث النصوص القانونية والأليات التدبيرية لتوظيف الموارد البشرية بالإدارة العمومية
انتقل تدبير الموارد البشرية من المرحلة التقليدية (مرحلة تسيير الموظفين) التي طبعها التواضع وكلاسيكية التسيير، ليدخل مرحلة جديدة أصبح فيها لتدبير الموارد البشرية دور استراتيجي وفعال بالإدارة.فقد خرجت وظيفة تدبير الموارد البشرية من ذلك الجهاز الفني المختص بمجال تسيير الموظفين، إلى وظيفة استراتيجية، ذات أبعاد جديدة تقوم على المنطلق التشاركي في صياغة القرارات الاستراتيجية بالإدارة[4].فتدبير الموارد البشرية لا يتشكل من عملية واحدة فقط، بل هو مسلسل من العمليات المترابطة والمتداخلة فيما بينها. إنه منظومة متناسقة بالإدارات العمومية. لذلكيعدمن الرهانات والتحديات الكبرى التي تسعى الإدارات العمومية لكسبها عبر إيجاد الحلول والسبل الكفيلة لترشيد منظومةتدبير الموارد البشرية[5].
ولتحديث الإدارة العمومية لا بد من تطوير منظومة تدبير الموارد البشرية وتثمينهاعبرالتدبير الجيد لعملية التوظيف العمومي من خلال مستووين اثنين: أولهماتحديث التأطير القانوني الذي يحكم تنظيم هذه العملية كونها مدخلاً اساساً ورئيساً لمنظومة تدبير الموارد البشرية. وثانيهما عبر تفعيل العمل بآليات التدبير الحديثةبغاية تجويد عملية التوظيف وتحديث الإدارة العمومية.

أولا: تحديث الإطار القانوني لولوج الوظائف العمومية

استناداً إلى مخرجات المناظرة الوطنية الأولى للإصلاح الإداري التي أولت اهتماماً كبيراً بمنظومة تدبير الموارد البشرية من خلال تأهيلها وتطوير أساليب تدبيرها، تمت الاستجابة إلى التوصية رقم 54 التي جاءت بضرورة اعتماد أسلوب المباراة كوسيلة للتوظيف، وذلك من خلال ترجمة هذه التوصية إلى قاعدة قانونية دستورية، حيث نص الفصل 31 من الدستور على أنه “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: … ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق”.

وتأسيساً عليه فقد اعتمدت مسطرة المباراة كوسيلة لولوج الوظائف بالإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية. وفى منحى تطوير وتحديث عملية تدبير التوظيف العمومي، وتكريساً لمبدأ المساواة والاستحقاق، تم العمل على تحديث النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الذي نص الفصل 22 منه في فقرته الأولى على أنه “يجب أن يتم التوظيف في المناصب العمومية وفق مساطر تضمن المساواة بين جميع المترشحين لولج نفس المنصب، ولا سيما حسب مسطرة المباراة”[6]. وأحال الفصل نفسه على مرسوم تحديد شروط وكيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العمومية لضمان الاستحقاق وتكافؤ الفرص بين المترشحين لشغل الوظائف العمومية[7].ولتكريس التوجه ذاته، أصدر رئيس الحكومة منشور متعلق بكيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العمومية[8]. كما أصدر منشور أخر يتعلق بكيفيات تدبير إجراءات التوظيف في المؤسسات والمقاولات العمومية[9].

أما على مستوى مباريات التوظيف بالجماعات الترابية فقد اصدر وزير الداخلية قراراً يتعلق بتحديد شروط وإجراءات وبرامج مباريات التوظيف في المناصب العمومية بالجماعات الترابية[10]. وتلاه منشور يتعلق بكيفيات تطبيق مقتضيات القرار المذكور[11].وفيما يتعلقبالتعيين في المناصب العليا الذي خول الدستور في الفصل 49 صلاحية المداولة فيه للمجلس الوزاري، وفي الفصل 92 لمجلس الحكومة الذي يرأسه رئيس الحكومة،فيخضع لمقتضيات القانون التنظيميالمتعلق بالتعيين في المناصب العليا[12]،ولمقتضيات المرسوم رقم 2.12.412 المتعلق بتطبيق أحكام المادتين 4 و 5 من القانون التنظيمي (رقم 02.12)[13].

يبدو أن تدبير التوظيف العمومي بمصالح الدولة، والمؤسسات والمقاولات العمومية، والجماعات الترابية يعرف تنوعاً على مستوى النصوص القانونية التي تحكم تنظيمه، إلا أن هذه النصوص القانونية لم تعرف أي جديد خلال سنة 2014 باستثناء القانون التنظيمي المتعلقبالتعيين في المناصب العليا، حيث أحالت الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة بتاريخ 06 مارس 2014 مشروع قانون تنظيمي رقم 12.14 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا على مجلس النواب. وقد تشكل مشروع القانون التنظيمي رقم 12.14 من مادة فريدة تقضي بتغيير الملحقان رقم 1 و 2 المرفقان بالقانون التنظيمي رقم 02.12[14].

إن وضع القوانين وإقرارها ليس وحده الكفيل بتدبير حكاماتي للموارد البشرية بالإدارات العمومية، ليس فقط على مستوى التوظيف وحده، وإنما أيضاً على مستويات التكوين المستمر، تقييم الأداء، تحسين منظومة الأجور، والتحفيز. فتحديث هذه المنظومة يجب أن يخضع لضوابط وإجراءات تضمن حسن تطبيق القواعد القانونية بالاعتماد على الأليات التدبيرية الحديثة للموارد البشرية، وتعميمها على الإدارات العمومية والجماعات الترابية. فإلى أي حد تم اعتماد هذه الأليات التدبيرية الحديثة في تدبير الموارد البشرية؟

ثانياً: الوسائل الحديثةلتدبير منظومة الموارد البشرية كمدخل لتحديث الإدارة العمومية

تعتبرالوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارةالسلطة الحكومية المختصة بتدبير الوظيفة العمومية بالإدارات العمومية، وذلك باعتبار السلطة الموكول لها العمل على إيجاد الوسائل والأليات التدبيرية الحديثة في مجال الوظيفة العمومية وتفعليها بهدف تحديث الإدارة العمومية المغربية. ولتحقيق ذلكقامت بإعداد النسخة الأولى للمرجع المشترك لتدبير الموارد البشريةالذي يتكون من:دليل مفاهيم تدبير الموارد البشرية لوصف المفاهيم المتداولة في تدبير الموارد البشرية للوظيفة العمومية، ودليل المساطر ويضم النصوص القانونية التي تحكم منظومة تدبير الموارد البشرية وقواعد التدبير المتعلق بها، بالإضافة معجم المعطيات، التسميات، بروتوكولات التواصل، ونماذج المطبوعات[15].
وقدشمل هذا المرجع المشترك جل النصوص القانونية المنظمة للوظيفة العمومية بمختلف أنواعها، وبين كيفية تدبيرها من قبل المكلفين بتدبير الموارد البشرية في الإدارات العمومية. غير أن ما يلاحظ على السلطة المكلفة بتدبير الوظيفة العمومية هو غياب الإطار المرجعي للتدبير التوقع للموارد البشرية الذي جأت به التوصية رقم 73 للمناظرة الوطنية الأولى للإصلاح الإداريسعياًلعقلنة طرق وأساليب تدبير الموارد البشرية بالإدارات العمومية المغربية.وقد تمت التوصية بهذه الألية التدبيرية الحديثة المتبعة في مجال تدبير الموارد البشرية باعتبارهامنهجية استراتيجية تعتمد مخطط توقعي ينطلق من الأهداف المسطرة والتطور الحاصل داخل الإدارة[16].فالتدبير التوقعي، وكما هو الشأن بالنسبة لأي تدبير ذي بعد استراتيجي، يجب خلاله اتباع واحترام قواعد وإجراءات عند تحديد مواطن الضعف المتمثلة في الجوانب السلبية التي تحول دون قيام الإدارة بوظيفتها، ومواطن القوة المتمثلة في كل العوامل الإيجابية في الإدارة، والتي تعتمدها الإدارة عند بناء مخططها الاستراتيجي، والفرص المتاحة والمتجسدة في الإمكانيات التي تتوفر عليها الإدارة سواء الداخلية كالميزانية وأجهزة المنظمة، أو الخارجية المتمثلة في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمنظمة. واخيراً المخاطر وهي التحديات القائمة في محيط الإدارة والتي تشكل تهديداً على نشاط وخطة الإدارة[17].
إن عملية التوظيف العمومي باعتبارها الحلقة الأولى في ولوج الوظيفة العمومية، ينبغي أن تحظى باهتمام كبير ليس فقط على مستوى الإطار القانوني، وإنما أيضاً على المستوى التدبيري عبر تفعيل مقاربات ووسائل تدبيرية حديثة من شأنها عقلنة تدبير التوظيف العمومي.
تأسيساً عليه، لا يمكن تصور تحديث الإدارة العمومية دون تحديث لمواردها البشرية. لذلك يجب على الإدارات العمومية حصر ومعرفة الكفاءات البشرية التي تحتاجها بشكل دقيق من أجل الحصول على أعلى مستوى في الأداء الإداري الذي تقدمه للمرتفقين بها، حيث أن هذه المعرفة تمكن من الحصول على إدارة عمومية حديثة بمواصفات عصرية. ولتكريس هذا المنحى أسفرت المراجعة الشاملة للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية عن مقترحات وتوصيات على المستوى التدبيري من بينها:
عدم حصر مراجعة منظومة الوظيفة العمومية في الجانب القانوني فقط، وإنما يجب توفير الأليات الكفيلة للتطبيق السليم لهذه النصوص القانونية؛
ضرورة اعتماد آليات التدبير الحديثة كالتدبير التوقعي للوظائف والأعداد والكفاءات، مع ضرورة مأسسة مهنة تدبير والموارد البشرية وإرساء دعائمها؛
وضع قواعد كفيلة بتسهيل الانتقال إلى منظومة تدبير موارد بشرية تتأسس على الوظيفة والكفاءة[18].

يمكن بتفعيل هذه التوصيات تحقيق تدبير معقلن وحكاماتي للموارد البشرية. فإنتاج النصوص القانونية ليس قادر لوحده على تدبير فعال للموارد البشرية، لذلك يجب أن يقترن تفعيل القوانين المؤطرة لولوج الوظائف العمومية بأليات تدبيرية حديثة تستطيع توفير النجاعة والفعالية في تنظيم مباريات التوظيف العمومي سعياً للرفع من فعالية ونجاعة الأداء الإداري بإدارات الدولة والجماعات الترابية.
تحديث الإدارة العمومية عبر تدبير التوظيف والتعيين في المناصب العلياسنة 2014
يتأتى تدبير التوظيف العمومي الجيد بوضع أسس وقواعد قانونية رصينة، ودعمها بوسائل وآليات

تدبيرية حديثة لمواكبة مسطرة التوظيف بوضع استراتيجيات ترمي إلى تشخيص الواقع القائم للوضعية الإدارية، من خلال معرفة احتياجات الإدارة للكفاءات البشرية كماً وكيفاً سعياً للحصول على الفعالية والنجاعة في تدبير التوظيف العمومية. تدبير التوظيف العمومي كما أسلفنا الذكر لا بد أن يقترن بوسائل تدبيرية تنبني عليها عملية التوظيف.وهنا يبرز دور التدبير التوقعي للموارد البشرية الذي يحدد احتياجات الإدارة من الموارد البشرية كماً ونوعاً الذي ينبنيأساساً على تحليل الوظائف وتوصيفها. فهو يحدد عدد الموظفين بالإدارة ومدى كفاءتهم، وحصر الوظائف والتخصصات. إنتحليل وتوصيف الوظائف، هوأسلوب يضمن التعرف على الواجبات التي تتضمنها الوظيفة، والمهارات والقدرات التي ينبغي توفرها في الموظف الذي سيشغلها[19].
يمكن رصد التطور الكمي والكيفي لأعداد الموظفين بالإدارات العمومية من خلال مباريات التوظيف التي أجريت خلال سنة 2014. وعليه سيتبين لنا مدى فاعلية النصوص القانونية والأليات التدبيري الحديثة المتعلقة بتدبير مسطرة التوظيف على الإدارات العمومية (أولاً). وايضاً على مستوى تدبير مسطرة التعيين في المناصب العليا (ثانياً).

أولاً: تدبير التوظيف على مستوى الإداراتالعمومية

يشكل مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص في ولوج الوظائف العمومية دعامة أساسية لتكريس الديمقراطية وقيم العدالة الاجتماعية بين المواطنين. وتجسيداً للشفافية والمساواة، وفي ظل تحديث الإدارة العمومية معلوماتياً، فقد اصبحالإعلان عن مباريات التوظيف العمومي إجبارياً، وذلك عبر بوابة الخدمات العمومية التي تنشرعليها وجوباً قرارات فتح مباريات التوظيف العمومي[20].
وبما أن الإعلان عن مباريات التوظيف العمومي يتم وجوباً على بوابة الخدمة العمومية، فقد بلغ عدد المباريات 205مباراة إلى حدود 12 شتنبر 2014 لشغل13527 منصب[21]. أما خلال سنة 2014 فقد أعلن عن7150منصبهمت مختلف مصالح الدولة، ولشغل هذه المناصب نُظمت 269 مباراة.وعلى مستوى الجماعات الترابية فقد أعلن عن 482 منصب، وتنظيم 238 مباراة توظيف خلال سنة 2014. أما بالنسبة للمؤسسات والمقاولات العمومية أعلن عن 4492 منصب، ونظم لشغلها 846مباراة[22].

وفي هذا الصددنظمتوزارة التربية الوطنية مثلاً،3مباريات منذ بداية سنة 2014 وإلى حدود 12 شتنبر من السنة نفسها لشغل 8045 منصب، بمعدل 2682 منصب شغل لكل مباراة. إلا أنه بالرجوع إلى قانون المالية لسنة 2014، نجد أن عدد المناصب المالية المخصصة لوزارة التربية الوطنية هو 7000 منصب، وهنا يبرز عدم تطابق بين المناصب المخصصة برسم السنة المالية 2014، وبين المناصب التي تم شغلها وكانت أكثر من المناصب المالية المخصصة لسنة نفسها ب 1045 منصب. وبالمقابل نجد وزارة الثقافة التي منحها قانون المالية 15 منصب سنة 2014 لم تنظم سوى مبارتين لشغل 3 مناصب شغل فقط. في حين نجد وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارةنظمت 3 مباريات من أجل شغل 6 مناصب، بمعدل 2 مناصب في كل مباراة[23].
بناء على هذه الإحصائيات يتضح أن تدبير مباريات التوظيف العمومي يختلف باختلاف القطاعات الوزارية. فنلاحظ أن وزارة التربية الوطنية تتبع تدبير معقلن إلى حدٍ ما في تدبير مباريات التوظيف، ويبرزهذابمقارنة عدد المناصب المراد شغلها، مع عدد المباريات المنظمة، حيث استطاعت تدبير 8045 منصب شغل خلال تنظيم 3 مباريات فقط. أماوزارة الثقافة فيلاحظ عليها اختلال في تدبير الوظائف العمومية يبرز بمقارنة عدد المناصب مع عدد المباريات التي نظمتها. كذلك نجد أن الوزارة الوصية على قطاع الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة،ورغم المناصب القليلة جداً التي تتوفر عليها لم تدبرها بشكل جيد، حيث نظمت 3 مباريات لشغل 6 مناصب فقط، ما يعني تنظيم مباراة واحدة فقط لشغل منصبين.

مع الإشارة إلى أن الوزارتين الأخيرتين لم تشغل المناصب المالية المخصصة لها بموجب قانون المالية رغم أن كلاهما نظمت 3 مباريات توظيف[24].إن تنظيم مباريات التوظيف العمومي وربطه بالمناصب المالية المخصصة لكل قطاع وزاري يعكس سوء تدبير توظيف الموارد البشرية على المستوى الكمي والكيفي. فتخصيص المناصب المالية لكل قطاع يأتي للتغلب على الخصاص الحاصل على مستوى بعض التخصصات التي تحتاجها الإدارة، غير أن استقطاب أعداد الموظفين عبر تنظيم مباريات التوظيف، لا يأتي مطابق للمناصب المالية المنصوص عليها، رغم أن المباريات تنظم لشغل مناصب قليلة، وبالتالي لا تغطي الخصاص الحاصل في الإدارة[25].

إن تنظيم مباريات التوظيف العمومي بمختلف القطاعات الوزارية ليس بالأمر السهل، فهو يحتاج كثير من الجهد، ويتطلب العديد من الوسائل البشرية، والمالية، واللوجيستيكية التي ينبغي على الإدارة تسخيرها لإنجاح هذه المباريات. ويبقى تنظيم مباريات كثيرة خلال السنة نفسها من أجل شغل الوظائف العمومية، سواء كانت هذه المناصب المتبارى بشأنها قليلة، أم كثيرة،مشوب باختلالات على المستوى التدبيري ما يستدعي إعادة النظر في هذه الاختلالات لتجاوزها في المستقبل.

وبالرجوع إلى المرسومالمتعلق بتحديد شروط وكيفيات تنظيم مباريات التوظيف في المناصب العمومية كما وقع تغييره وتتميمه، قد عمل على تجاوز الاختلال الحاصل على مستوى تدبير مباريات التوظيف العمومي، حيث خول لرؤساء الإدارات، والجماعات الترابية تنظيم مباراة مشتركة إذا تعلق الأمر بولوج الدرجة نفسها[26]. يمكن القول بأن إنتاج القواعد القانونية والتنظيمية، وخروجها إلى حيز التنفيذ ليس وحده الكفيل بتدبير جيد لعملية التوظيف العمومي، وإنما ينبغي أن يقترن تطبيقهذه القواعد آليات تدبير حديثة تساعد عل تطبيقهاتماشياًمع ما تقتضيه النجاعة والفعالية والاقتصاد. ومما لا شك فيه أن اقتران القواعد القانونية بآليات تدبيرية حديثة سيبسط كثيراً من إجراءات ومراحل عملية التوظيف العديدة، وبالتالي الحؤول دون

تضخم في أعداد الموظفين، وتفادي سوء توزيعهم على مستوى الأقسام والمصالح بالإدارات العمومية.

ثانياً: تدبير مسطرة التعيين في المناصب العليا وتكريس مقاربة النوع الإجتماعي

خول الدستور في فصله 49 سلطة التداول للتعيين في الوظائف المدنية للمجلس الوزاري، وبالمقابل خول الدستور سلطة التداول للتعيين بعض المناصب لمجلسالحكومة الذي يرأسه رئيس الحكومة بموجبالفصل 92. فسلطة التعين هذه تخضع لمقتضيات القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا،وأيضا إلى مقتضيات المرسوم رقم 2.12.412 المتعلق بتطبيق أحكام المادتين 4 و 5 من القانون التنظيمي رقم 02.12[27]. بالإضافة إلى قرار الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة رقم 3448.12 القاضي بتحديد المطبوع النموذجي الموحد المنصوص عليه في المادة 3 من المرسوم المذكور[28].

وعليه فقد تداول المجلس الحكومي في 404 منصب سامي خصصت 13% منها لفائدة النساء إلى غاية شهر يونيو من سنة2014[29]. وتجدر الإشارة إلى أن الرقم المذكور شمل جميع التعيينات التي تمت المصادقة عليها منذ دخول المتعلق بالتعيين في المناصب العليا حيز التنفيذ بتاريخ 17 يوليوز 2012. أما خلال سنة 2014 فقد كان مجموعها 149 منصب توزعت على عدد من المهام الإدارية بإدارات الدولة، وشملت: 9 مناصب للكتاب العامون، و5 مناصب لشغل مهمة مفتش عام، و104 منصب مدير.

أما بالنسبة للمؤسسات التعليمية الجامعية فشملت 4 مناصب لرؤساء الجامعات، و27 عميد كلية[30]. وبالنظر إلى هذه الأرقام نجدها قليلة همت وظائف محددة، الشيء الذي يتأتى معه سهولة تدبير شغل هذه المناصب من قبل السلطة المعنية بالأمر سيما في ظل مساطر قانونية وإدارية محددة للتعيين في هذه المناصب. في حين نجد أن مسطرة التوظيف العمومي تنظم بترسانة كبيرة جداً من النصوص التنظيمية، حيث بلغ عدد القرارات التي صدرت بشأن تحديد شروط وإجراءات وبرامج مباريات التوظيف في مجموعة من الدرجات في بعض القطاعات الوزارية 52 قرار[31].

وفيما يتعلق بتكريس مقاربة النوع الإجتماعي في الإدارة العمومية، فإنه يتسم بضعف نسبته. إذ عرفت الإدارة العمومية سنة 2013تواجد النساء بنسبة 39,4%، وبمقارنة هذه النسبة مع تلك المسجلة سنة 2012 التي وصلت إلى 38,6%[32]، نجد أن نسبة التطور المسجلة لتواجد المرأة بالإدارة العمومية ما بين سنة 2012 و 2013 هي 0,8% وهو رقم هزيل جداً، ولا يتوافق والخطاب الرسمي الداعي إلى تكريس الفصل 19 من الدستور من خلال نهج مقاربات لدعم تواجد المرأة بالوظيفة العمومية[33].أما خلال سنة 2014 فقد بلغت نسبة تواجد المرأة في الإدارة العمومية. أما على مستوى وصول المرأة إلى مراكز القرار فقد سجلت نسبة 13% من أصل 404 منصب سامي تم التداول فيه في المجلس الحكومي منذ دخول القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا حيز التنفيذ إلى غاية 12 شتنبر سنة 2014[34].

إجمالاً، يمكن القول بأن ما يدل عليه هذا التصاعد الهزيل في معدلات ولوج المرأة إلى الإدارات العمومية بمختلف قطاعاتها، ونسب تولي مراكز المسؤولية والقرار، هو دليل على غياب مبدأ المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة في ولوج الوظائف وتولي مناصب المسؤولية ومراكز القرار. ولتجاوز هذه الوضعية ينبغي إعادة النظر في وضعية المرأة في ولوج الوظائف العمومية، كما يجب إعطاء مزيد من الاهتمام للنساء الموظفات اللائي لهن الكفاءة والجرأة العلمية والعملية في تولي مناصب المسؤولية، واتخاذ قرارات لها تأثير على مستوى السياسة العامة للدولةتثميناً لجهود المرأة الموظفة، وتحفيز لها لبدل جهد أكبر وتفجير طاقاتها الوظيفية، وقدراتها الشخصية، في سبيل تحديث الإدارة العمومية، وتعزيز مقاربة النوع الإجتماعي[35].

خاتمة

لا شك أن تحديث الإدارة العمومية يتحقق بوسائل وآليات متقاطعة فيما بينها مثل تبسيط المساطر الإدارية المتبعة أمام الإدارة العمومية، تعميم الإدارة الإلكترونية، تخليق المرافق العامة. وتبقى نقطة تقاطع هذه الوسائل والأليات التدبيرية المحورية هي الموارد البشرية. فتنفيذ استراتيجية الإدارة العمومية بفعالية ونجاعة على مستوى تبسيط المساطر الإدارية، أو تحديثها بوسائل التكنلوجيا الحديثة، لا يتأتى إلا بوجود موظفين عموميين لهم الكفأة العلمية والقدرة العملية اللازمة. وباعتبار الموظف محور تواصل الإدارة العمومية مع المواطنين، فإنه ينبغي أن يتم الحرص على ولوج موارد بشرية متمكنة وتتوفر على كفاءة للقيام بالأعمال الإدارية التي تضطلع بها الإدارة العمومية، وهنا تبرز أهمية عملية التوظيف العمومي التي تعد الخطوة الأولى في تحديث الإدارة العمومية وتتخذ بعدين رئيسين: أولهما البعد القانوني والمؤسساتي الذي تضطلع به الهيئات المعنية بالوظيفة العمومية، وذلك بوضع قواعد قانونية وتنظيمية قادرة على تدبير عملية التوظيف بشكل فعال وناجع، ويحترم المساطر والقواعد الموضوعة.

وثانيها وضع آليات ووسائل تدبيرية حديثة خلال تدبير توظيف الموارد البشرية، إذ أن هذه لهذه الوسائل والأليات، لها القدرة على تحديد الكفاءات والتخصصات المطلوبة التي تحتاجها الإدارة وسد العجز والخصاص الحاصل في بعض المهام الإدارية من جهة، ومن جهة ثانية تيسير تطبيق المقتضيات القانونية والتنظيمية المتحكمة في عملية التوظيف العمومي وضمان الغاية من وضعها وإقرارها.

إنه لتحديث الإدارة العمومية والرفع من جودة الخدمات التي تقدمها، ينبغي إجراء دورات تكوينية منظمة تنصب أساساً على دعم القدرات والكفاءات للموظفين بها. فالإدارة العمومية الحديثة لا يتوقف تطورها عند عملية تدبير التوظيف وجلب موظفين متخصصين في مجالات ووظائف تحتاجها فقط، بل يجب أن تواكب التطورات المستمرة في مجال تدبير الموارد البشرية، على اعتبار أن الرأس مال البشري هو الخيار الاستراتيجي والفعال لضمان إدارة عمومية حديثة على جميع المستويات والأصعدة.

 

(محاماه نت)

إغلاق