دراسات قانونية

جريمة غسيل الأموال – المفهوم و الخصوصية (بحث قانوني)

جريمة غسيل الأموال: المفهوم و الخصوصية

هذا الموضوع هو جزء من رسالتنا ” السياسة الجنائية في مواجهة جرائم غسيل الاموال ” المنجزة في اطار ماستر العدالة الجنائية و العلوم الجنائية ( الفوج الاول سنة 2009)

الاستاذ عدنان العوني
محامي متمرن بهيئة فاس
طالب باحث مركز الدكتوراه العلوم الجنائية
بجامعة سيدي محمد بن عبد الله- فاس

جريمة غسيل الأموال: المفهوم و الخصوصية

مقــدمـــــــــة :

شهد المجتمع الدولي عدة تغيرات، أثرت على أشكال الجريمة بحيث أصبحنا نتحدث عن الجريمة المحلية والدولية([1])، وبالتالي هذه الأنماط تشابكت وتشعبت فيها العلاقات بين المجموعات الإجرامية سواء الوطنية أو عبر الوطنية والتي تكتسب صبغة اقتصادية. ولعل ما أفرز هذا النوع من الجرائم هي التطورات الحديثة المصاحبة لظاهرة العولمة وخصوصا العولمة الاقتصادية والمالية، و أيضا التقدم التقني و التطور الهائل في مجالات الاتصالات و وسائل الانتقال، هذه الجرائم منها: جرائم الشابكة(الإنترنت)، و جرائم غسيل الأموال.
و الجدير بالذكر أنه رغم إدراكنا لطبيعة الموضوع الشائكة و ما يطرحه من إشكالات فقد دفعتنا بالإضافة للعلم و المعرفة بواعث عدة للكتابة في هذا الموضوع منها: صدور قانون جديد بتاريخ 17 أبريل2007 رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال، و يعد المغرب من الدول التي تأخرت نسبيا في إصدار هذا القانون، فقد سبقتنا العديد من الدول الأوروبية و العربية في هذا المجـال([2])، مما يجعل الموضوع يتميز بنوع من الجدة و الحداثة، ومن تم قلة الكتابـات و الدراسات المغربية في هذا المجال على المستـوى الأكاديمـي، في مقابـل تعدد و اختلاف المواقف الفقهية التي تناولت هذا الموضوع في الفقه المقارن.
وتعد ظاهرة غسيل الأموال([3])([4]) من أهم وأخطر الجرائم المالية التي ظهرت في عصر الاقتصاد الرقمي والتي يطلق عليها في نظريات علم الإجرام – بإجرام الياقات البيضاء-، وهي ترتبط بالجريمة المنظمة وإن كانت هذه الأخيرة أكثر اتساعا وشمولا. وقد انتشرت ظاهرة غسيل الأموال مع تعاظم الاتجار غير المشروع بالمخدرات، الأسلحة، الرقيق، النقود المزيفة، الأعضاء البشرية، الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية، والتحف والآثار، وأيضا تعاظم الفساد الإداري. و من تم ارتباطها ارتباطا وثيقا بالاقتصـاد الخفـي أو المـوازي أو غيـر الرسمـي أو السفلي أو السري أو اقتصاد الظل، مما يجعل إيراد إحصائيات دقيقة حول المبالغ التي يتم غسلها سنويا أمرا صعبا وذلك لتباينها بين الجهات المالية، فحسب صندوق النقد الدولي فإن حجم الأموال التي يتم غسلها ما بين 450 مليار إلى 5,1 تريليون سنويا أي ما يعادل 2% إلى 5% من الناتج المحلي العالمي)[5](، أما منظمة الشفافية العالمية تقدر مبلغ الأموال التي يتم غسلها سنويا يصل إلى 15% من الناتج الخام الإجمالي العالمي)[6](.
وبالتالي يمكن القول بأن جريمة غسيل الأموال تغطي في الواقع كل أنماط جرائم قانون العقوبات، ومن تم تعد بمثابة نشاط تكميلي للجرائم السابقة مصدر المال غير المشروع([7]).
ومن هنا يتضح لنا صعوبة إعطاء تعريف دقيق وواضح، حيث لا زال المنتظم الدولي لم يتفق على تعريف واحد وموحد، ولهذا نجد من يعرفها من الناحية الاقتصادية([8]) وآخر من الناحية القانونية([9]). وفي هذا الصدد، فقد عرف بعض الفقه غسيل الأموال بأنها: « أي عملية من شأنها إخفاء المصدر غير المشروع الذي اكتسبت منه الأموال المراد غسلها»([10]).
وعرفها البعض الآخر بأنها: « وجود أموال قذرة يراد تنظيفها أو تبييضها أو غسلها من أدرانها»([11]).
وعرفها “جون باردون ” بأنه:
” استبدال أو تحويل أموال مع العلم بأن مصدرها عمل إجرامي، أو ناتجة عن مشاركة في أعمال مماثلة، بهدف ستر أو إخفاء أصلها غير المشروع أو مساعدة كل متهم بهذه الأعمال لتجنب النتائج القانونية لأفعاله”([12]).
و بالرجوع لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988 نجدها لا تعطي تعريفا لغسيل الأموال، بل أوردت تعريفا لعبارتي الأموال([13]) والمتحصلات([14])، بحيث أوردت في المادة الثالثة الفقرة (ب) البندين الأول والثاني « يتخذ كل طرف ما يلزم من تدابير لتجريم الأفعال التالية في إطار قانونه الداخلي في حالة ارتكابها عمدا: « إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال أو مصدرها أو مكانها أو طريقة التصرف فيها أو حركتها، أو الحقوق المتعلقة بها، أو ملكيتها، مع العلم بأنها مستمدة من جريمة…إلخ»([15]).
وعرفتها مجموعة من القوانين([16])، إلا أنه يمكن ملاحظة أن اختلاف التجريم من دولة لأخرى، لا يؤثر على روح ومضمون مكافحة غسيل الأموال، وإنما هذا راجع لخصوصية كل مجتمع، ومع ذلك فإن هناك اتفاقا بين جميع قوانين الدول على تجريم الاتجار غير المشروع في المخدرات، وهو ما أدى إلى ربط تجريم غسل الأموال باتفاقية دولية شاملة.
و نلاحظ من خلال التعاريف السابقة أن جريمة غسيل الأموال تتميز بعدة خصائص تميزها عن العمليات و الأنشطة المالية المشابهة لها، نذكر من بينها:
– تعد جريمة غسيل الأموال سلوكا مكملا لسلوك رئيسي سابق نتج عنه تحصيل
كمية من الأموال غير المشروعة.
تتسم جريمة غسيل الأموال بسرعة الانتشار المكاني و الزماني ( دولية).
جريمة غسيل الأموال جريمة منظمة.
ترتبط جريمة غسيل الأموال ارتباطا وثيقا بعملية التحرير الاقتصـادي والمالي و تحرير التجارة العالمية.
لجوء غاسلي الأموال إلى الوسائل التقنية الحديثة لتفادي كشف عمليات غسيل الأموال.

و ترجع أهم الأسباب في انتشار ظاهرة غسيل الأموال القذرة إلى عدة عوامل هي على سبيل المثال لا الحصر:
– اتباع العولمة المالية نتيجة اتباع حركات التحرر و الانفتاح المالـي و اتجـاه
العالم نحو عقد اتفاقيات عالمية تتعلق بتحرير قيود التجارة و توريد الخدمات.

تعاظم الأرباح من عمليات غسيل الأموال المتأتية من الجرائم و الأعمال غير
المشروعة بارتفاع العولمة على هذه العمليات من 6% في فترة الثمانينات
إلى ما يزيد عن 50% حاليا.
تعاظم الأرباح المحققة من عدد كبير من الجرائم و الأعمال غير المشروعة، فتجارة المخدرات تحتل المرتبة الثانية في الأسواق الاقتصادية في العالم، وهي تلي تجارة الأسلحة مباشرة و تسبق سوق البترول.
تطور القنوات المالية التي تحجب أسماء و هويات المتعاملين بها، مثل العمليات المصرفية السرية و العمليات الائتمانية و غيرها.
اتساع ترابط الأسواق المالية، مما يقدم خيارا أوسع لمرتكبي جرائم غسيل الأموال.
تنافس الدول، خصوصا النامية لتقديم شتى أنواع المغريات لاستقطاب الأموال الساخنة دون الاستفسار عن مصادرها.
التطور التقني في مجال الاتصالات، حيث باتت العمليات تجري بسرعة مذهلة، حيث أصبح بالإمكان إبرام الصفقات مع تجاهل الهوية.
انغماس عدد من مكاتب الخبرة القانونية و المحاسبية و المالية و المعلوماتية في تقديم خبراتها لتسهيل عمليات غسيل الأموال بأساليب تحول دون المساءلة القانونية.([17])
ويمر غسيل الأموال بثلاث مراحل:

_ مرحلة الإيداع أو التوظيف أو الإحلال: حيث تقدم الأموال الوسخة أو القذرة للبنوك في شكل حصص صغيرة يتم إيداعها في الحسابات للتخلص من كمية النقود الكبيرة في يد مالكها و ذلك بنقلها إلى مكان الهدف.
_ مرحلة الترقيد أو التمويه أو الخداع أو التجميد أو التجميع أو التغطية: تتم من خلال مجموعة من العمليات المعقدة بهدف إخفاء أو طمس علاقة تلك الأموال مع مصادرها غير المشروعة من خلال القيام بالعمليات المالية و المصرفية المتتالية.
_ مرحلة الاندماج­­ أو الدمج أو التنظيف: حيث يتم من خلالها دمج الأموال المغسولة في الاقتصاد و ذلك بشراء العقارات أو الممتلكات لإصباغ الشرعية على الأموال الوسخة أو القذرة مما يمكَِّن من استخدامها بطريقة مربحة و علنية وبالتالي صعوبة الكشف عنها و التمييز بينهـا و بين الأموال المشروعة([18]).
و الحديث عن مراحل غسيل الأموال، يدعونا لتوضيح الأساليب المستخدمة لارتكابها، حيث يمكن إجمالها في ثلاث أساليب هي:
– غسل الأموال باستخدام المجال المصرفي: و التي تتم من خلال الخدمات
المصرفية التقليدية، بطاقات الائتمان، و البطاقات الذكية.
– غسل الأموال باستخدام المجال غير المصرفي: و التي تتم من خلال استخدام مكاتب و مؤسسات الصرافة، و مكاتب السمسرة، شراء السلع النفيسة، استخدام الشركات الوهمية أو ما يسمى بشركات الدمى.
– غسل الأموال باستخدام شبكة الإنترنت: و ذلك من خلال النقود الالكترونية(الرقمية)، و بنوك الإنترنت.
وتتشابك وتتداخل هذه المراحل في أغلب الأحوال بحيث يكون الفصل بينها في غايـــــــــــــــــــة الصعوبة ([19]).
وتجدر الإشارة إلى أن عمليات غسل الأموال تنصب على أموال غير مشروعة يطلق عليها تعبير المال القذر “L’argent sale” وهذه الأموال تختلف عن الأموال السـوداء ” L’argent noire ” التي تتسم بمشروعية مصدرها إلا أنه يتم الاحتفاظ بها سرا للتهرب من الضرائب على الدخل([20]).
تعود ظاهرة غسيل الأموال إلى زمن قديم، حيث ارتبطت بأعمال القرصنة البحرية، التي من أشهرها عمليات القرصنة التي قام بها ” Henry Every ” وعصابته في المحيطين الأطلسي والهندي استطاع هذا القرصان وعصابته من خلال هذه العمليات جمع أطنانا من المجوهرات والذهب، ثم قرر التقاعد والاستمتاع بغنائمه، حيث تسلل إلى قرية “بإيدفورد” إحدى قرى مدينة “دنفشير” الساحلية وعاش فيها باسم مستعار، وسعى إلى تحريك أمواله من خلال أعمال تجارية، إلا أن أسلوبه في غسل الأموال لم يكن موفقا، ورفض المتعاملون معه سداد ما عليهم من ديون له، ولم يستطع إبلاغ الشرطة بذلك خشية أن يكتشف أمره وتصادر أمواله، ففضل الصمت([21]).
وترجع عمليات غسيل الأموال بوسائلها الفنية الحديثة إلى سنة 1932، حيث بوشرت بشكل منظم بواسطة شخص يدعى “Meyer Lansky” كان يمثل حلقة بين المافيا الأمريكية والمافيا الإيطالية خلال الحرب العالمية الثانية وذلك لتسهيل دخول القوات البحرية للحلفاء لجزيرة صقلية. ومن أجل ذلك كان يتم اللجوء إلى البنوك السويسرية من أجل إخراج النقود من الولايات المتحدة الأمريكية وإيداعها في البنوك سويسرا من خلال قروض وهمية، وبفضل هذه الأموال المعاد توجيهها استطاع إقامة مدينة لألعاب القمار في منطقة Las Vegas الأمريكية([22]).
أما في العصر الحديث، تعتبر فضيحة “ووترجيت” حالة نموذجية لجريمة غسيل الأموال، فلم تكن مجرد فضيحة سياسية، حيث اكتشف المحققون في حيازة المتهمين قليلا من الدولارات التي تحمل أرقاما متسلسلة، فقاموا بتتبع هذه الأرقام، مما مكنهم من التعرف على مبالغ كبيرة، تم غسلها بالتدوير والنقل لتصل إلى لجنة انتخاب الرئيس الأمريكي- المتهم في هذه الفضيحة- كتبرع يخالف القانون([23]).
و لعل ازدياد الاهتمام بغسيل الأموال في السنوات الأخيرة هي الضربة التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في 11 شتنبر2001، حينها تنبه الساسة إلى خطورة انتقال رؤوس الأموال عبر المؤسسات المالية الكبيرة، و استخدامها من قبل ما أطلق عليه “المنظمات الإرهابية”.
أما عن موقف الشريعة الإسلامية من ظاهرة غسيل الأموال، نجده محدداً من خلال طرق اكتساب المال وإنفاقه، ومما لا شك فيه أن هذا الاكتساب عن طريق الجريمة ليس طريقا مشروعا و التي حددها الله تعالى لاكتساب المال بل يعتبر مالا خبيثا وليس مالا طيبا، وهو مال لا يحل الانتفاع به. قال تعالى: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَاكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالَباطِلِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، وَلاَ تَقْتُلُواْ أًنْفُسَكُمُ، إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}([24]).
كما نهى الإسلام عن اكتساب المال بالباطل، إذ نهى عن الانتفاع بالمال الخبيث من خلال التصرفات العينية أو المالية المتعددة التي تحقق اكتمال حلقات غسيل الأموال قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنْفِقُواْ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُواْ فِيهِ، وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}([25]) .
وقد أمر الله تعالى بالابتعاد عن الإثم ظاهره وباطنه، والإثم الباطن هو الخفي وهو جوهر عمليات غسيل الأموال، وقال تعالى:{ وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ}([26]).
ويبين القرآن الكريم أن الخداع والمكر وخلط المال الخبيث بالمال الطيب ذنب عظيم، قال تعالى: { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَّتُوبَ عَلَيْهِمُ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([27]) .
وقد روي عن جابر بن عبد الله –رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: “إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام” فقيـــل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن و يدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقـال: (لا، هو حرام)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ” قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه، فأكلوا ثمنه” ([28])([29]).
من هنا تبرز أهمية الموضوع، فيما تظهره ظاهرة غسيل الأموال من انعكاسات سلبية([30])، سواء أكانت اقتصادية، اجتماعية أو سياسية.
فالانعكاسات الاقتصادية([31]) يمكن أن نجملها في التأثير على الدخل القومي والتوزيع، ومعدل التضخم، وعلى قيمة العملة الوطنية، على معدلات البطالة، على البورصة وعلى سعر الفائدة([32]). أما الآثار الاجتماعية السلبية فتتمثل في سعي المنظمات الإجرامية بفضل هذه الأموال غير المشروعة المتحصلة من عمليات غسيل الأموال إلى التسلل إلى مواقع اتخاذ القرار، ونجدها أيضا سببا في انهيار القيم والسلوك الأخلاقي مثل قيم العمل والكسب المشروع وفي سيادة قيم سلبية مثل الرغبة في الإثراء السريع بأي وسيلة ولو كانت غير مشروعة([33]).
ولهذا كان إلزاما على المجتمع الدولي ومن ضمنه المغرب باعتباره عضوا فعالا في المنتظم الدولي خلق أجواء تنافسية اقتصادية شفافة وبسيطة بوضع استراتيجيات لتطويق ومكافحة هذه الآفة الإجرامية الخطيرة.
و من تم كان لا بد من إيجاد توافق بين السياسة الاقتصادية والسياسة الجنائية وذلك من أجل تحقيق نتائج إيجابية لمكافحة جرائم غسيل الأموال التي يجب أن يتصدى لها كلا من التشريع الاقتصادي و الجنائي في آن واحد، خصوصا و أنها تزداد خطورتها لبعدها الدولي مما يستلزم تعاونا دوليا في إطار انخراط كل الدول التي تهددها في وضع استراتيجيات فعالة للحد منها.
هذا يدعونا لطرح إشكالية، تتمحور حول أركان جريمة غسيل الاموال؟. و ما هي الخصوصية التي تتميز بها المسؤولية الجنائية في جريمة غسيل الاموال ؟.
وللإجابة عن هاته الإشكالية، ارتأينا أن نعالجها وفق المنهجية التالية:
المبحث الأول: اركان جريمة غسيل الأموال.
المبحث الثاني: المسؤولية الجنائية في جريمة غسيل الأموال.

المبحث الأول: أركان جريمة غسيل الأموال

قبل الحديث عن أركان جريمة غسيل الأموال، لابد من إثارة إشكالية تتعلق بتجريم غسيل الأموال، هل هي جريمة تبعية و بالتالي صورة من صور المشاركة و المساهمة أم هي جريمة يمكن أن يستوعبها القانون الجنائي من خلال جريمة إخفاء أشياء متحصل عليها من جناية أو جنحة؟.
للإجابة عن هذا السؤال انقسم الفقه إلى اتجاهين: البعض يرى أن جريمة غسل الأموال تندرج ضمن صور المساهمة و المشاركة، إذ يمكن تكييف أفعال الغاسل على أنها نوع من الاشتراك في الجريمة الأصلية و من تم يرى هذا الاتجاه الى ضرورة تجريم غسيل الأموال بموجب قانون خاص([34])، أما البعض الآخر فيرى أنه لا داعي لتجريم غسيل الأموال بقانون خاص و مسوغه في ذلك أن القانون الجنائي ينص على جريمة إخفاء الأشياء المتحصل عليها من جناية أو جنحة الذي يستوعب جريمة غسيل الأموال([35]). إلا أن هذا الرأي الأخير مردود عليه اعتبارًا لخصوصية جريمة غسيل الأموال و طبيعتها ، و إننا نؤيد الطرح الأول لما فيه من حماية أكثر للاقتصاد و المجتمع من سلبياتها.
و تقوم جريمة غسيل الأموال على الاركان الكلاسيكية ركن مـادي (المطلب الثانـي) و ركن معنوي (المطلب الثالث) بالاضافة لهذين العنصرين يتطلب لقيام هذه الجريمة شروط أولية أو عناصر مفترضة أو خاصة يكون لتخلفها أو توافرها انعكاس على وجود الجريمــة أو عدمها- الركن المفترض- (المطلب الأول).

المطلب الأول: الركن المفترض

حتى يمكن الحديث عن وجود جريمة غسيل الأموال، لا بد من التحقق من قيام الركن المفترض الذي يقوم على وجود جريمة سابقة على جريمة غسيل الأموال، وأن يتحصل منها محل جريمة غسيل الأموال نفسها، وهي العائدات غير المشروعة المراد إخفاؤها([36]).
وبالتالي نكون أمام أركان جريمة أخرى سابقة لارتكاب جريمة غسيل الأموال، والتي يطلق عليها الجريمة الأولى أو الجريمة المتبوعة أو الجريمة الأصلية والتي يتحصل منها
عائدات قد تكون منقولة أو غير منقولة([37]).
و قد اختلفت التشريعات التي تناولت جريمة غسيل الأموال حول وضع معيار يستند عليه لتحديد الجريمة الأولية، حيث يمكن أن نجمل هذا الاختلاف في ثلاث اتجاهات:
الاتجاه الأول: يحصر جريمة غسيل الأموال في الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات أو من جرائم معينة، كما هو الحال في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات (اتفاقية فيينا 1988) والقانون المصري (المادة 2) وكذلك القانون المغربي (المادة 2/574).
الاتجاه الثاني: هذا الاتجاه يجرم بوجه عام بحيث لا يتم مسبقا وضع تحديد للجرائم الأصلية، وبهذا يمكن ضم جل صور وأشكال الجرائم من جنايات أو جنح([38]) . و قد تم تبني هذا الاتجاه في اتفاقية ستراسبورغ في م 1/هـ ([39])، وكذلك القانون الجنائي الفرنسي في المواد 324/1-2.
الاتجاه الثالث: هذا الاتجاه يجمع بين الاتجاهين الأول والثاني، حيث يأخذ بنوع معين من الجرائم دون تحديد لمكوناته أو محتوياته كتحديد الجنايات بشكل عام، وفي نفس الوقت حصر بعض الجرائم وتجريم الغسيل الذي يقع على الأموال المتحصلة منها، ومن التشريعات التي أخذت بهذا الاتجاه التشريع الألماني([40]) و اتفاقية “باليرمو” في المادة السابعة.

وقد حدد المشرع المغربي لائحة حصرية بالجرائم التي تعتبر محلا لجريمة غسيل الأموال، وذلك في الفصل 574/2 من ق. 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال والذي جاء فيه: «يسري التعريف الوارد في الفصل 574-1 أعلاه على الجرائم التالية:
– الاتجار في المخدرات و المؤثرات العقلية،
المتاجرة بالبشر،
تهريب المهاجرين،
الاتجار غير المشروع في الأسلحة والذخيرة،
الرشوة والغدر واستغلال النفوذ واختلاس الأموال العامة والخاصة،
الجرائم الإرهابية،
تزوير النقود وسندات القروض العمومية أو وسائل الأداء الأخرى([41])».
وبهذا فقد أقام المشرع علاقة بين جريمة غسيل الأموال والجريمة الأصلية، هاته العلاقة تظهر في أن الجريمة الأصلية تعد الركن المفترض لجريمة غسيل الأموال مع الحفاظ على الاستقلال في باقي الأركان، والذي يتمثل في وجود الجريمة الأصلية بكافة عناصرها التي ينص عليها القانون لقيام جريمة غسل الأموال، وبناءا عليه، فإن الجريمة الأولية تعد متوافرة سواء تم تحريك الدعوى الجنائية، أم لم يتم تحريكها ما دامت قد توافرت عناصرها القانونية، لذا ليس هناك تلازم بين إدانة مرتكب الجريمة الأصلية وتحقق المسؤولية الجنائية، لمرتكب جريمة غسيل الأموال([42]).
ويمكن القول أنه لا يستوجب لإثبات توافر الجريمة الأصلية أن يصدر حكم يقضي بالإدانة على مرتكبها كي تقوم جريمة غسيل الأموال، فجريمة غسل الأموال تعتبر متوفرة ولو كانت الدعوى الجنائية لم تحرك ضد مرتكب الجريمة الأولية، أو حركت وقضت المحكمة ببراءته وذلك لتوافر مانع من موانع المسؤولية الجنائية، أو مانع من موانع العقاب ([43]). وكذلك لا يعتبر العفو الصادر بشأن العقوبة المقضي بها في الجريمة الأصلية مانعا من المتابعة عن جريمة غسيل الأموال.
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو هل يمكن أن يكون الجاني في الجريمة الأصلية نفسه هو في جريمة غسيل الأموال؟ .

في هذا المجال نجد الفقه انقسم الى اتجاهين: الاتجاه الأول يرى أنه لا مانع من أن يكون الجاني هو نفسه في كلا الجريمتين([44])، أما الاتجاه الثاني فإنه لا يقبل بهذه الفرضية (أي أنه لا يجوز اتحاد الجاني في الجريمتين) ([45]).
أما بخصوص المشرع المغربي، فإنه لم يشترط أن يكون مرتكب جريمة الغسل شخص آخر بخلاف مرتكب الجريمة الأولية، وهو ما كرسه الفصل 574/1 من ق.43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال، أي أنه قد تبنى رأي الاتجاه الأول الذي يقول باتحاد الجاني في كلا الجريمتين.
ونحن نؤيد الطرح الذي سلكه المشرع المغربي، والذي يجعلنا نؤمن بأنه يمكن معاقبة الجاني على كلا الجريمتين، فإنه يتم إعمال مبدأ هام ألا وهو مبدأ عدم محاكمة الجاني عن فعل واحد مرتين، وذلك طبقا للمادة 118 من القانون الجنائي المغربي بشأن التعدد المعنوي، وبالتالي توقيع عقوبة الجريمة الأشد في هذه الحالة، على اعتبار أن لا مجال لقياس وضع مخفي الأشياء المسروقة على وضع الغاسل، فإذا كان فاعل السرقة لا يعاقب على الإخفاء فلان ذلك مرجعه أن نشاط الإخفاء يعتبر مكملا للنشاط الأصلي المتمثل في السرقة، وذلك على عكس جريمة غسل الأموال، فالجريمة الأولية لا تستوجب حتما غسل الأموال المتحصل عنها. فالمشرع لا يعاقب على مجرد السلوك المادي المتمثل في اكتساب المال، وإنما يتطلب نتيجة معينة هي إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه، أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل عنها المال.

المطلب الثاني: الركن المادي

من القواعد المعروفة في القانون الجنائي أنه لا جريمة بدون ركن مادي، هذا الأخير يتحقق بالاعتداء الملموس والواقعي على المصلحة المحمية قانونا، وبه تتحقق الأعمال التنفيذية للجريمة([46])، وبهذا فالقانون لا يعاقب على مجرد النوايا والأحاسيس أو على مجرد اعتناق أفكار مهما كانت شاذة وخطيرة، إن هي ظلت كامنة في ضمير صاحبها واحتوتها نفسيته ودخيلته دون أن تتخذ لها مظهرا في العالم الخارجي في صورة نشاط مادي-إيجابي أو سلبي- يجرمه المشرع الجنائي في نص من النصوص صراحة([47]).
ويتكون الركن المادي من عناصر لا بد من توفرها، وهي السلوك والنتيجة الإجرامية، ثم العلاقة السببية التي تربط بين السلوك والنتيجة، وفي هذا الإطار فقد نص المشرع المغربي على مجموعة من الصور التي يتحقق بها الركن المادي لجريمة غسيل الأموال والمنصوص عليها في المادة 1/574 قانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال.

الفقرة الأولى: السلوك المادي

نص المشرع المغربي في القانون 43.05 في مادته 1/574 على أنه: «
تكون الأفعال التالية جريمة غسل الأموال عندما يرتكب عمدا؛
اكتساب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل الممتلكات بهدف إخفاء؛ أو تمويه مصدرها، لفائدة الفاعل أو لفائدة الغير.
عندما تكون متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2/574 بعده؛
مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2/574 بعده على الإفلات من الآثار التي يرتبها القانون على أفعاله؛
تسهيل التبرير الكاذب، بأية وسيلة من الوسائل لمصدر ممتلكات أو عائدات مرتكب إحدى الجرائم المشار إليها في الفصل 2/574 بعده التي حصل بواسطتها على ربح مباشر أو غير مباشر؛
تقديم المساعدة أو المشورة في عملية حراسة أو توظيف أو إخفاء أو استبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة في الفصل 2/574 بعده…»([48]).
ومن هنا يتبين لنا أن الركن المادي لجريمة غسيل الأموال يتجلى في الأفعال المرتكبة بهدف تمويه مصدر العائدات والممتلكات الناتجة من الجرائم المحددة على سبيل الحصر في الفصل 2/574 ق. 43.05، وفي أعمال المساعدة المرتكبة بهدف مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجرائم المذكورة. وقد توسع المشرع المغربي في الأفعال المكونة للفعل المادي عندما استعمل عبارة “تسهيل التبرير الكاذب” التي تعتبر عبارة فضفاضة تشمل عدة أفعال([49]).
و أدخل أيضـا ضمن الأفعـال المـادية تقديم المسـاعدة أو المشـورة في عملية حـراسة أو توظيـف أو إخفـاء أو استبدال أو تحويل العائدات المتحصل عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المحددة حصرا في الفصل 2/574، وبالتالي فالمشرع المغربي خرج عن القواعد المنصوص عليها في الفصلين 128 و 129 ق.ج. و توسع في نطاق الأفعال التي تدخل في إطار المشاركة في الجريمة، مع العلم أنها في الأصل تدخل ضمن أعمال المشاركة المنصوص عليها في الفصل 129 ق.ج والمعاقب عليها أيضا بنفس العقوبة المقررة للجريمة الأصلية طبقا للفصل 130 ق.ج.
وإذا كان المشرع المغربي استعمل عبارة فضفاضة فإن المشرع المصري حدد أنماط النشاط المادي في جريمة غسيل الأموال في المادة 1/ب من قانون مكافحة غسل الأموال 80 لسنة 2002 و ذلك على سبيل الحصر بقوله : « كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيهـا أو إداراتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلهـا أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون»([50])، وبالتالي يمكن حصر صور السلوك المادي في: الاكتساب، الحيازة، التصرف، الادارة، الحفظ، الاستبدال، الإيداع، الضمان، الاستثمار، النقل، التحويل، التلاعب في القيمة([51]).

أما المشرع الفرنسي فقد نص على مظهرين للسلوك: الأول هو تمويه مصدر الأموال أو الدخول غير المشروعة والتبرير الكاذب لمصدر الأموال أو الدخول المتحصلة من جناية أو جنحة، بالإضافة إلى المساعدة في عمليات إيداع أو إخفاء أو تحويل العائد المباشر أو الغير المباشر من جناية أو جنحة.
و في ما يخص محل جريمة غسيل الأموال في القانون المغربي، فقد تناولته المادة الأولى من القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال، حيث عرفت “العائدات” بأنها جميع الممتلكات المتحصلة بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة من ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 2/574 من ق.ج. كما عرفت “الممتلكات” بأنها جميع أنواع الأملاك المادية أو غير المادية، المنقولة أو العقارية المملوكة لشخص واحد أو المشاعة، و كذا العقود القانونية، أو الوثائق التي تثبت ملكية هذه الممتلكات أو الحقوق المرتبطة بها.
وبذلك يلاحظ أن المشرع المغربي حصر محل جريمة غسيل الأموال في “العــائدات” و عرفها تعريفا موسعا وفضفاضا يسمح بإدخال جميع الأملاك سواء كانت مادية أو غير مادية (المادة الأولى فقرة الثانية).

في حين أخذ المشرع المصري بالتعريف الموسع، حيث عرف في المادة الأولى “الفقرة أ” الأموال بأنها « العملة الوطنية والعملات الأجنبية والأوراق المالية والأوراق التجارية وكل ذي قيمة من عقار أو منقول مادي أو معنوي وجميع الحقوق المتعلقة بأي منها والصكوك والمحررات المثبتة لأي منها». أما المتحصلات حسب المادة الأولى/د: فهي « الأموال الناتجة أو العائد بطريق مباشر أو غير مباشر من ارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون».
وهكذا نلاحظ أن التعريف الذي أعطاه المشرع المصري للمال موسع، بحيث يمكن أن يشمل كل ما يتحصل من جريمة من الجرائم التي حددها المشرع، سواء تم الحصول عليه بطريق مباشر أو غير مباشر، كما أنه لا عبرة بطبيعة هذه الأموال سـواء كانت ماديـة أو غير مادية أو عقارية أو منقولات([52]).
أما المشرع الفرنسي فقد استعمل في المادة 324/1 من القانون العقوبات الفرنسي مصطلح “الأموال أو الدخول” “Biens ou revenus” لمرتكب جناية أو جنحة، بينما أشارت الفقرة 324/2 إلى لفظ “العائد المباشر أو غير المباشر” مستـعملة تعبيـر “رؤوس الأمـوال” أو “الأصول”. والإختلاف في الصياغة لا ينفي توحد معناها وهو المال المتحصل من مصدر غير مشروع في كافة صوره وفي سائر الأشكال التي يندمج أو يتحول إليها أو يتبدل على شاكلتها([53])، ومن تم لم يشترط القانون الفرنسي أن يكون محل النشاط الإجرامي في جريمة الغسل متحصلا من الجريمة الأصلية، وإنما يكفي أن يكون متحصلا عليه من جناية أو جنحة ولو كان بطريق غير مباشر، وبذلك يختلف موقف القانونين المصري والمغربي عن القانون الفرنسي حينما اشترطا أن يكون المال أو العائدات محل الغسل متحصل عليه من إحدى الجرائم التي حدداها، خلافا للمشرع الفرنسي الذي اكتفى بأن يكون المال لمرتكب الجناية أو الجنحة ولو لم يكن متحصلا منها.

الفقرة الثانية: النتيجة الإجرامية

النتيجة الإجرامية هي الأثر المترتب عن نشاط الجاني (إيجابًا أو سلبًا) في مدلوله المادي الذي يظهر في التغيير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر ملازم لهذا النشاط([54]). والنتيجة لا تكون عنصرا من عناصر الركن المادي في الجريمة إلا بالنسبة لجرائم “النتيجـة” أو جرائم “الضرر” أو الجرائم المادية([55]) دون الجرائم التي يطلق عليها جرائم “الخطر” أو الجرائم “الشكلية” التي لا يتوقف قيامها والمعاقبة عليها على حدوث نتيجة([56]).
ولمعرفة النتيجة الإجرامية في جريمة غسيل الأموال، فإنه يتوجب معرفة ما إذا كانت هذه الأخيرة من جرائم الضرر أو الخطر اعتمادا على طبيعة الضرر الذي يلحق بالمعتدى عليه.
فبالنسبة للمشرع المغربي، يتفق مع المشرع المصري، كونهما يعتبران أن جريمة غسيل الأموال من الجرائم ذات النتيجة المادية التي تتطلب تحقق نتيجة بذاتها، وهي إحداث التغيير على جوهر المال المتحصل من الجريمة الأصلية أو الأولية سـواء كـان ذلك بـالإخـفـاء، أو التمويه([57])، بمعنى أن النتيجة هي تطهير أموال لم يكن بالإمكان التعامل فيها إلا من خلال إضفاء صفة المشروعية عليها، بسبب أنها كانت ناتجة عن عمل غير مشروع، بعد مرورها بعدة عمليات معقدة([58]). أما المشرع الفرنسي فإنه لم يشترط تحقق نتيجة معينة بذاتها، وإنما جرم
السلوك بحد ذاته، و بذلك نكون أمام جرائم “شكلية”([59]).

الفقرة الثالثة: العلاقة السببية

العنصر الثالث في الركن المادي للجريمة هو ضرورة توافر العلاقة السببية بين النشاط المحظور والنتيجة التي حصلت، بحيث لا يمكن تصور قيام جريمة قانونا إذا انتفت الرابطة السببية([60]).
فهذه الأخيرة في علاقة بجريمة غسيل الأموال تتوفر بارتباط سلوك إجرامي انصب على مال غير مشروع متحصل عليه من إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 2/574 من قانون 43.05 (وكذا القانون المصري والفرنسي)، بالنتيجة الجرمية التي توخاها الجاني والمتمثلة في تمويه أو إخفاء المصدر غير المشروع للممتلكات أو اكتسـابهــا، أو حيازتهـا أو استعمالها أو استبدالها أو تحويلها.

المطلب الثالث: الركن المعنوي

يتضمن الركن المعنوي العناصر النفسية للجريمة، ويعني ذلك أن الجريمة ليست كيانا ماديا صرفا قوامه الفعل المادي وآثاره بل إنها كذلك كيانا نفسيا، وهذا الركن هو سبيل المشرع إلى تحديد المسؤول عن الجريمة، بحيث لا يسأل شخص عن الجريمة ما لم تكن هناك علاقة بين ماديات الجريمة ونفسية الجاني([61])، والركن المعنوي يأخذ صورتين: الأولى هي القصد الجنائي ومن خلالها توصف الجريمة بأنها عمدية، والثانية تتحقق في صورة الخطأ إما بسبب رعونة أو إهمال، ومن هنا توصف الجريمة بأنها غير عمدية.
من خلال ما سبق، يتبين لنا أن جريمة غسيل الأموال هي من الجرائم العمدية التي يلزم فيها أن تتوافر عند الجاني قصد نحو العناصر المفترضة والمادية معا للجريمة([62])، وتعني أن يكون للجاني القصد الجنائي للقيام بفعل التمويه لأموال متحصل عليها من جريمة أولية، إذ من المستحيل وقوعها بطريق الخطأ أو الإهمال.
ونظرا لطبيعة جرائم غسيل الأموال باعتبارها جرائم مركبة من جريمتين، فما هو القصد الجنائي المطلوب لقيامها؟ (الفقرة الأولى) وما هي خصوصية هذا القصد في جرائم غسيل الأموال؟ (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: القصد الجنائي المطلوب

من خلال تفحصنا للقوانين المتعلقة بجريمة غسيل الأمـوال، يمكن أن نلحـظ شكلين أو نوعين من تطلب العمد لوقوع جريمة غسيل الأموال، الأول صريح، والثاني ضمني.

فالنوع الصريح، معبر عنه في العديد من التشريعات، منها المشرع الكويتي في المادة الثانية من القانون رقم 35 لسنة 2002، الذي ينص على توفر العلم بعناصر الركنين المفترض والمادي، وأيضا المشرع المصري نص في المادة الأولى، الفقرة ب من القانون رقم 80 لسنة 2002 باستعماله مصطلح القصد صراحة “… متى كان القصد من هذا السلوك…”، وهذا ما نهجه المشرع المغربي أيضا في قانون رقم 43.05 لسنة 2007، حيث استعمل في الفصل 574/1 عبارة العمد “تكون الأفعال التالية جريمة غسل الأموال عندما يرتكب عمدا”.
وهذا الاتجاه أي سياسة النص الصريح على القصد الجنائي، يساير توجه اتفاقية فيينا التي نصت في المادة الثالثة على أن العمد هو فحوى الركن المعنوي، وتطلب العلم بشكل صريح بالعناصر المادية للجريمة.
إلا أن هناك استثناء نصت عليه بعض القوانين كالقانون الكويتي والمصري والمغربي([63]) يتمثل بتقرير مسؤولية المؤسسات المالية غير العمدية عن التمويه، مادام أن هذا التمويه قد وقع بسبب الإخلال أو الإهمال بواجب إلتزام الرقابة المفروضة عليها، وبالتالي نكون أمام جريمة غير عمدية بعيدة عن جريمة غسيل الأموال، والتي لا تقبل إلا إذا وقعت عمدا.
و سلك المشرع الفرنسي النوع الضمني، رغم عدم تطرقه للركن المعنوي (المادة 324/1 من قانون الجنائي الفرنسي) مؤكدًا على ضر

ورة تطلب العمد في هذه الجريمة، باستلزام وقوع كل الجنايات والجنح عمدا دون الحاجة إلى النص عليه في كل جريمة على حدة، وهذا يعني بمفهوم المخالفة أن النص على الركن المعنوي لا يوجد إلا إذا كانت الجريمة من جرائم الإهمال أو الخطأ، وهذا ما كرسته المـادة 121/3 من القانون الجنائي الفرنسي بنصها على أنه ” لا توجد جناية أو جنحة دون توافر القصد على ارتكابها”.
والحديث عن القصد الجنائي المطلوب في جرائم غسيل الأموال يجرنا للحديث عن نوعي القصد الجنائي: فهناك قصد جنائي عام أو قصد عام وخاص، والأصل أن الاكتفاء بصورة العمد العامة دون التطرق إلى نية إضافية بشكل صريح يفيد القول بأن مراد المشرع من القصد المطلوب لاكتمال الركن المعنوي هو توافر القصد العام دون الحاجة إلى القصد الخاص([64]).

فبالرجوع لموقف المشرع المصري، نجده ينص على القصد العام والقصد الخاص، والذي يتوافر في حالة إذا كان الغاسل قد قصد من نشاط إخـفـاء المـال أو تمويه طبـيعـته أو مصدره أو مكانه أو صاحب الحق فيه وتغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلــــك، أو عرقلة التوصل إلى أي شخص من ارتكب الجريمة الأولية([65]).
فالمشرع المغربي نص في الفصل 574/1 ق. 43.05 على أن “فعل اكتسـاب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل الممتلكات بهدف إخفاء أو تمويه مصدرها، لفائدة الغير” وبهذا لا يكفي أن يعلم مقترف هذه الأفعال الجرمية بكون الأموال التي اكتسبها أو يحوزها أو يستعملها أو يقوم باستبدالها أو نقلها هي أموال غير مشروعة، بل ينبغي أن يكون هدفه هو تمويه أو إخفاء مصدرها غير المشروع، ولم يشترط توافر القصد الجنائي الخاص إلا في هذه الحالة، وذلك على غرار اتفاقية فيينا. أما في الحالات الأخرى المنصوص عليها في نفس الفصل([66])، فيكتفي فيها بالقصد العام، على عكس قانون مكافحة غسل الأموال المصري الذي اشترط ضرورة ثبوت قصد جنائي خاص في جميع صور النشاط الإجرامي (المذكورة أعلاه).
أما المشرع الفرنسي، فهو أيضا يتطلب توفر علم الجاني بأن المال موضوع الجريمة متحصل عن نشاط إجرامي معين وأن يكون الجاني على علم بأن ما يقوم به من أفعال تتجلى في إخفاء مصدر هذا المال، أو ينطوي على تعامل فيه، وبذلك يكون القانون الفرنسي قد اشترط القصد الجنائي العام والخاص.

الفقرة الثانية: خصوصية القصد الجنائي

تتجلى هذه الخصوصية، في الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه العلم بعدم مشروعية المال المكون لجريمة غسل الأموال، ولتحديد هذا الوقت يجب الرجوع بالضرورة لطبيعة جريمة غسل الأموال، التي تم تحديدها سابقا- هل هي جريمة وقتية أم جريمة مستمرة؟ فإذا ما سلمنا بأنها جريمة مستمرة، فإنه لا يشترط توفر العلم لحظة ارتكاب السلوك المادي المكون للجريمة، بل يكفي توافر العلم بمصدر المال غير المشروع في أي لحظة تالية على ارتكاب السلوك المادي للجريمة.
أما إذا كانت جريمة وقتية، فإنه يتعين توافر العلم بحقيقة المال محل الغسل لحظة ارتكاب السلوك المادي لهذه الجريمة. ومن ثم ينتفي الركن المعنوي إذا توافر العلم بالمصدر غير المشروع للمال عقب ارتكاب السلوك المادي([67]).
و بالرجوع للمادة الثانية من القانون غسيل الأموال المصري، نجد أنه اعتبرها ثارة جريمة مستمرة وثارة جريمة وقتية. بالنسبة للحالة الاولى تتجلى في حيازة الأموال ذات المصدر غير المشروع أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظهـا أو ضمانهـا أو استثمارهـا، وعندئـذ لا يشترط توافر العلم بالمصدر غير المشروع للمال لحظة ارتكاب السلوك المادي المعاقب عليه.
غير أن الحالة الثانية فهي على نقيض الحالة الأولى، التي يتمثل سلوكها المادي في نقل الأموال أو تحويلها، خصوصا إذا علمنا أن استخدام التقنيات الحديثة يساعد على ارتكاب السلوك المادي في لحظة وجيزة، وبهذا ففي هاتين الحالتين أي النقل والتحويل للمال يتعين تزامن العلم بالمصدر غير المشروع للمال مع لحظة ارتكاب السلوك المادي.

في حين المشرع الفرنسي، نجده يميز في المادة 324-1 من ق.ج.ف بين صورة تسهيل التبرير الكاذب لأصل الأموال أو الدخول، وفي هذه الصورة يتطلب توافر القصد الجنائي العام. وبهذا يجب أن يكون الغاسل عالما بأن الأموال ترجع لشخص أو أشخـاص ارتكبـوا جنايـة أو جنحة وإن كان لا يشترط توافر العلم لديه بأن هذه الأموال مصدرها الإجرامي([68])، وبين الصورة التي تقوم على المساهمة في عملية التوظيف أو الإخفاء. فهي تتطلب قصدا جنائيا خاصا، بتوافر العلم لدى الغاسل بأن المال محل الغسل ناتج بطريق مباشر أو غير مباشر عن جريمة تعد جناية أو جنحة([69]).
فبالرجوع إلى القانون المغربي يلاحظ أنه كرس من خلال المادة 1-574 من ق.43.05 الركن المادي عند استعماله مصطلحات للدلالة على هذا الركن: «اكتساب أو حيازة أو استعـمال أو استبدال أو تحويل الممتلكات، تسهيل التبرير الكاذب» ومنه يمكننا التمييز بين ثلاث صور، فالأولى تتجلى في الاكتساب أو الحيازة أو الاستعمال، وفي هذه الحالة تكون جريمة مستمرة وبالتالي لا يشترط العلم بالمصدر غير المشروع للمال وقت ارتكاب السلوك المادي.
أما الصورة الثانية فتتمثل في الاستبدال أو التحويل. وفي هذه الحالة تكون جريمة مؤقتة، وبالتالي يتعين تزامن العلم غير الشروع للمال مع لحظة ارتكاب السلوك المادي.
أما الصورة الثالثة والمتمثلة في تسهيل التبرير الكاذب، فإنه يتعين أن يوافر العلم بالأموال المحصل عليها من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2-574 من ق.43.05.

المبحث الثاني: المسؤولية الجنائية في جرائم غسيل الأموال

إذا توفرت جريمة غسيل الأموال بأركانها السابقة، فإنها تترتب عنها قيام مسؤولية جنائية تقتضي متابعة مرتكبيها جنائيا ( المطلب الأول) و يعاقب بالعقوبات المقررة لها في القانون ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: المتابعة الجنائية

سنتناول في هذا المطلب الجهة المختصة بتحريك الدعوى العمومية (الفقرة الأولى) والمحكمة المختصة بالنظر في جرائم غسيل الأموال (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الجهة المختصة بتحريك الدعوى العمومية

تعتبر النيابة العامة، مبدئيا هي المختصة بتحريك وممارسة الدعوى العمومية وفقا لما جاءت به المادة3 و المادة 36 من قانون المسطرة الجنائية ([70])، ويمكن تحريكها من طرف أجهزة أخرى متمثلة في:
ـ الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى (267 و268 ق.م.ج)،
ـ إدارة الجمارك وإدارة المياه والغابات (ف 249 من مدونة الجمارك وف 57 من ظهير 10/10/1917 المتعلق بالمياه والغابات)،
ـ مجلس النواب (ف 83 و48 من الدستور)،
ـ المتضرر(م 92 و 348 ق.م.ج) ([71]).

وتجدر الإشارة إلى أن المغرب يعتمد على تقنيات خاصة للتحريات بتعاون مع الدول الأوروبية تحت إشراف النيابة العامة التي تطبق في هذا المجال مبدأ ملائمة المتابعة (principe de l’opportunité) هذا المبدأ يقتضي نوعا من المرونة تتماشى مع السرعة والسرية التي يجب أن تتسم بها التحريات المتعلقة بالإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية كجريمة غسل الأموال.
أما قانون مكافحة غسل الأموال المصري رقم 80 لسنة 2002 فقد نص في مادته الخامسة على أنه “تتولى الوحدة أعمال التحري والفحص عما يرد إليها من إخطارات ومعلومات في شأن العمليات التي يشتبه في أنها تتضمن غسل الأموال وتقوم بإبلاغ النيابة العامة بما سيسفر عنه التحري عن قيام دلائل على ارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون…”.
وبهذا نجد أن النيابة العامة هي الجهة المختصة بتحريك الدعوى العمومية وممارستها، وذلك عندما تتلقى إخطارات أو معلومات من طرف الوحدة التي تعتبر هيئة مستقلة عن الجهاز القضائي أو الجهاز الشرطي (كما سبق ذكره).
وأيضا نص القانون الفرنسي على دور النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية، وذلك من خلال المعلومات والإخطارات التي تتلقاها من طرف هيئة (TRACFIN) وهي هيئة للمراقبة تابعة للجمارك في وزارة الاقتصاد والمالية الفرنسية (كما سبق ذكره).

وهذا ما تبناه المشرع المغربي في القانون 05-43 في المادة 18 التي تنص على أنه “بمجرد أن تتوصل الوحدة بمعلومات تبرز وجود أفعال من شأنها أن تكون جريمة غسل الأموال تحيل الأمر على وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط مبينة، إذ اقتضى الحال ذلك، مصالح البحث أو التحري أو مصالح الإشراف والمراقبة التي تم إبلاغها من أجل القيام بالتحريات”.
وقد نص نفس القانون على مجموعة من المقتضيات التي من شأنها تسهيل عمل النيابة العامة وضمان فاعليتها في مثل هذه الجرائم، من خلال المادة 19 التي خولت لوكيل الملك باتخاذ مجموعة من الإجراءات خلال مرحلة البحث وذلك لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا قابلا للتمديد مرة واحدة.

كما أن لقاضي التحقيق نفس صلاحيات النيابة العامة باستثناء إجراء التجميد المنصوص عليه في البند الأول من المادة 19 الذي يرجع للنيابة العامة.
وقد نصت المادة 21 من قانون 05-43 علـى أنه تؤهل الوحدة لإطـلاع وكيل الملك
أو قاضي التحقيق بناء على طلب منهما ولإنجاز مهامهم على الوثائق والمعلومات المحصل عليها أثناء القيام بمهامها، باستثناء التصريح بالاشتباه. ويمكن للوكيل العام للملك بمناسبة إجراء بحث قضائي أن يطلب معلومات حول عمليات أو تحركات أموال يشتبه أن لها علاقة بتمويل الإرهاب، من البنوك وفقا لمقتضيات مواد من 595-1 إلى 595-5 من القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، وعلى المؤسسات البنكية المشار إليها أعلاه تقديم المعلومات المطلوبة منها داخل أجل أقصاه 30 يوما من تاريخ التوصل بالطلب.

الفقرة الثانية: المحكمة المختصة

إن المحاكم الموجودة بالمملكة المغربية متعددة ومختلفة، وانطلاقا من هذا التعدد والاختلاف فإن حدوث أي جريمة يطرح السؤال حول الجهة المختصة بمحاكمتها. والاختصاص في مدلوله العام هو الصلاحية أو السلطة المخولة بموجب القانون لجهة قضائية معينة لاتخاذ مقرر معين أو للبث في نازلة معينة([72]).

وفي هذا الإطار، نجد أن المغرب يتوفر على قضاء متخصص في مجالي مكافحة الإرهاب والجرائم المالية والتي تعد جريمة غسيل الأموال من ضمنها. بناء على مقتضى المادة 7 من القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب والتي تنص على أنه “بصرف النظر عن قواعد الاختصاص المقررة في قانون المسطرة الجنائية أو في نصوص أخرى، تختص محكمة الاستئناف بالرباط بالمتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم الإرهابية. يمكن للمحكمة المذكورة لأسباب تتعلق بالأمن العمومي، أن تعقد جلساتها بصفة استثنائية بمقر أي محكمة أخرى”.
إضافة إلى المادة 38 من القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال التي تنص على أنه “…تختص محاكم الرباط فيما يتعلق بالمتابعات والتحقيق والبث في الأفعال التي تكون جرائم غسل الأموال”([73]).
أما بالنسبة لاختصاص البث في قضايا الجرائم المالية فإنه بعد إلغاء محكمة العدل الخاصة أسند الاختصاص إلى تسعة محاكم استئناف عبر مختلف تراب المملكة متى تعلق الأمر بجرائم اختلاس المال العام أو تبديده أو الرشوة أو استغلال النفوذ أو الغدر شريطة أن تكون قيمة المبالغ المالية المحصلة أو المبددة من جراء هذه الجرائم تتجاوز100 000درهم([74]).

وقد أسند قانون مكافحة غسيل الأموال في المادة 17 الفقرة الثانية ” لرئيس المحكمة الابتدائية بالرباط، بناء على طلب من الوحدة، وبعد تقديم وكيل الملك بهذه المحكمة لمستنتجاته. أن يمد الأجل المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة، لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ انتهاء هذا الأجل، ويكون الأمر الصادر بالاستجابة لهذا الطلب قابلا للتنفيذ على الأصل”.
وبهذا يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية بالرباط أن يمدد أجل إرجاء تنفيذ العملية، التي كانت موضوع التصريح بالاشتباه التي تتقدم بشأنها الوحدة باعتراض على تنفيذها لمدة لا تتعدى يومي عمل، وذلك ابتداء من تاريخ التوصل بالتصريح المذكور لمدة 15 يوما.
والهدف من منح الاختصاص لمحاكم الرباط في جرائم غسيل الأموال حسب وزير العدل([75])، هو كونها المكلفة بقضايا الإرهاب التي ترتبط بالجرائم المنصوص عليها في قانون غسيل الأموال.

المطلب الثاني: الجزاء في جرائم غسيل الأموال

بالرجوع لقانون مكافحة غسيل الأموال المغربي يلاحظ تنوع العقوبات الواردة فيه، تبعا لاختلاف جسامة الأفعال المرتكبة والخطورة الإجرامية التي يجسدها مرتكب كل فعل من الأفعال المذكورة على حدة والواردة في هذا القانون.
كما أن مرتكبي جريمة غسل الأموال ليسوا دائما أشخاصا طبيعيين، فقد يكونون أشخاصا معنويين أو اعتباريين، ومن ثم كان لزاما علينا توضيح طبيعة هاته العقوبات والتي أوردها المشرع المغربي في القانون 43.05.

الفقرة الأولى: العقوبات الأصلية

تتمثل هاته العقوبات في عقوبتي الحبس والغرامة سواء في صورة الجريمـة البسيطة أو المشددة.

أولا: عقوبة الجريمة في صورتها البسيطة

نص المشرع المغربي على هذه الصورة في الفصل 574-3 من ق.43.05، حيث يعاقب عليها:
بالنسبة للأشخاص الطبيعيين بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000 درخم إلى 100.000 درهم.
و بالنسبة للأشخاص المعنويين بغرامة من 500.000 درهم إلى 300.000 درهم، دون الإخلال بالعقوبات التي يمكن إصدارها على مسيريها أو المستخدمين العاملين بها المتورطين في الجرائم.
وتجدر الإشارة إلى أن قانون مكافحة غسل الأموال عاقب على المحاولة بنفس العقوبات المقررة للجريمة في صورتهما البسيطة.

ثانيا: عقوبة الجريمة المقترنة بظروف التشديد

نص الفصل 574-4 من ق.43.05 على رفع عقوبات الحبس والغرامة إلى الضعف في الحالات التالية:
– عندما ترتكب الجرائم باستعمال التسهيلات التي توفرها مزاولة نشاط مهني: خصوصا إذا علمنا أن جريمة غسل الأموال تتم عن طريق تظافر جهود مجموعة من خبراء المال والمصارف وخبراء المعلوميات في حالة غسل الأموال بالطرق الالكترونية وخبراء القانون.
– عندما يتعاطى الشخص بصفة اعتيادية لعمليات غسل الأموال، والاعتياد هو حالة مرتبطة بنفسية الجاني تجعل العمل الجرمي مألوفا أو متعودا عليه، ويتم ذلك من خلال تكرار نفس الفعل الجرمي ليصبح سلوكًا عاديًا و ممنهجاً لديه.
– عندما ترتكب الجرائم في إطار عصابة إجرامية منظمة.
وهذا ما يبرز طبيعة الجريمة المراد مكافحتها والتي تكتسي صفة الإجرام المنظم والدولي، حيث ثبت أن هناك علاقة وثيقة بين غسيل الأموال وحركات الإرهاب والتطرف، فضلا عن نشاط عصابات المافيا الدولية.
والمشرع المغربي لم يشدد العقاب بسبب تعدد الجناة إلا في جرائم محدودة كجريمة العصيان([76])، الاغتصاب([77])، وجرائم تكوين عصابة إجرامية([78]).

– حالة العود: و قد عرفها الفصل 154 من القانون الجنائي بأنه «يعتبر في حالة عود طبقا للشروط المقررة في الفصول التالية :
من يرتكب جريمة بعد أن حكم عليه بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم به من أجل جريمة سابقة».
وأيضا عرفها في قانون 05-43 في الفصل 574-4 الفقرة الثانية “يوجد في حالة العود من ارتكب الجريمة داخل الخمس سنوات الموالية لصدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به من أجل إحدى الجرائم المنصوص عليها في الفصل 547-1 أعلاه».

وفي هذا الإطار يبدو أنه لا تنازع بين التعريفين، إلا أن الذي يعاب على التعريف الوارد في قانون 05-43 هو استعماله لعبارات فضفاضة وغير واضحة، بخلاف ما نص عليه القانون الفرنسي في المادة 324/6، الذي نص على أنه «في حالة الاعتياد أو العود، فإن جريمة تبييض الأموال تأخذ حكم الجريمة التي انصبت على عوائدها عمليات تبييض الأموال »([79]).

الفقرة الثانية: العقوبات الإضافية

هاته العقوبات هي عقوبات يحكم بها القاضي، بالإضافة إلى عقوبات أخرى لا بد من الحكم به، حيث لا يمكن تطبيقها منفردة، بل إنها لا بد أن تأتي مضافة إلى عقوبات أصلية.
وقد نص قانون 05-43 على عقوبات تكميلية حددها الفصل 574-5 كما يلي:
1- المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة من هذه الأموال مع حفظ حق الغير حسن النية ويحكم بها إلزامياً في حالة الإدانة.
2- حل الشخص المعنوي، إلا أن هذه العقوبة لا يتم اللجوء إليها إلا بعد فشل مسطرة معالجة صعوبات المقاولة.
3- نشر المقررات المكتسبة لقوة الشيء المقضي به الصادرة بالإدانة بواسطة جميع الوسائل الملائمة على نفقة المحكوم عليه.
4- يمكن علاوة على ذلك الحكم على مرتكب جريمة غسيل الأمـوال بالمنع المـؤقت أو النهائي من مزاولة -بصفة مباشرة أو غير مباشرة- واحدة أو أكثر من المهن أو الأنشطـة أو الفنون التي ارتكبت الجريمة أثناء مزاولتها.

وما جاء في هذا الفصل لا يختلف عما جاء في الفصل 36 من قانون غسيل الأموال إلا في حالة واحدة وهي المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه (الفصل 36) الذي تعداه الفصل 574-5 إلى المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والعائدات المتحصلة من هذه الأموال زيادة على أن هذا الفصل نص على مبدأ إلزامية الحكم بعقوبة المصادرة في حالة الإدانة، وهذا يجعل من القاضي مجردًا من السلطة التقديرية في الحكم أو عدم الحكم بهذه العقوبة، وذلك تماشيا مع ما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المنعقدة في فيينا سنة 1988 في المادة الأولى التي اعتبرت المصادرة حرمان دائم من الأموال بأمر من محكمة أو سلطة مختصة.
وهذا ما أكدته أيضا اتفاقية المجلس الأوروبي سنة 1990 ([80]) التي ألزمت الأعضاء على وضع تشريعات تتضمن نصوصا تجيز مصادرة عائدات الجريمة وتحديد وتعقب الممتلكات القابلة للمصادرة ومنع التصرف فيها أو نقل ملكيتها.

الفقرة الثالثة: العقوبات المخفضة والإعفاء منها

يقصد بتخفيف العقوبة تلك الحالات التي يؤدي توافر أسبابها([81]) إلى تخفيف العقوبة عن الحد المقرر لها قانونا. وتكمن علة التخفيض في الرغبة لتخفيف أقصى قدر من الملاءمة بين اعتبارات الصياغة القانونية المجردة لنوع العقوبة ومقدارها، وبين المقتضيات الواقعة وفقا لظروف وملابسات ارتكابها الفعلية([82]).
أما الإعفاء من العقاب فيقصد به تلك الحالة التي يقرر فيها المشرع ولأسباب خاصة يقدرها، ضرورة عدم عقاب الجاني عما ارتكبه من جرائم تقديرا منه لاعتبارات خاصة قد رآها أولى بالاهتمام والرعاية من مجرد الرغبة في عقاب الجاني عن تلك الجرائم وتسمى تلك الأسباب بالأعذار القانونية المعفية من العقاب([83]).

وفي هذا الصدد نجد المشرع المغربي في القانون الجنائي ميز بين الأعذار القانونية والظروف القضائية المخفضة، حيث نص على الأولى في الفصول 143-144-145 من القانون الجنائي، ونص على الثانية في الفصول من 146-151 من ق.ج، وأكد على أن الأولى محددة على سبيل الحصر في القانون ويترتب عليها مع ثبوت الجريمة وقيام المسؤولية أن يتمتع المجرم إما بعدم العقاب إذا كانت أعذارا معفية، وإما بتخفيض العقوبة، إذا كانت أعذاراً مخفضة. أما الثانية فهي موكولة لتقدير القاضي الذي يمكن له منحها في جميع الجرائم ما لم يوجد نص صريح يمنعه من ذلك([84]).
وهذا ما قرره قانون غسيل الأموال 43.05 في الفصل 574-7 ليؤكد استفادة الفاعـل أو المساهم أو المشارك من الأعذار المعفية وفقا للشروط المنصوص عليها في الفصول من 143 إلى 145 ق.ج، إذا بلغ السلطات المختصة قبل علمها عن الأفعال المكونة لمحاولة ارتكاب جريمة غسيل الأموال. كما نص على تخفيض العقوبة إلى النصف إذا تم التبليغ بعد ارتكاب الجريمة.

المطلب الثالث: أحكام خاصة
في هذا المطلب سنتناول بعض الأحكام الخاصة، والتي لا نجد لها نظيرًا في القانون المغربي المتعلق بمكافحة غسيل الأموال 05-43 ([85])، هذه الأحكام لها علاقة بخطورة هذه الجرائم وتأثيرها العميق على المجتمع وانعكاساتها الضارة على الاقتصاد، حيث تعتبر خروجا عن القواعد العامة في القانون الجنائي كعدم سقوط الدعوى العمومية بالتقادم، وعدم سقوط العقوبة بمضي المدة، ووقف التنفيذ، التي كان على المشرع المغربي أن ينص عليها – حسب رأينا- وذلك لتفادي كل الأمور التي تساعد على الإفلات من العقاب والمحاكمة، في الوقت الذي نصت عليها مجموعة من القوانين المتعلقة بغسيل الأموال، مثل القانون الكويتي الذي نص عليها صراحة، و سنتناول في الفقرات الموالية هذه الأحكام الخاصة في القانون الكويتي.

الفقرة الأولى: عدم سقوط الدعوى الجزائية بالتقادم

هذا الحكم الاستثنائي نصت عليه المادة التاسعة الفقرة الأولى من قانون غسيل الأموال الكويتي على أن: «لا تسقط بمضي مدة الدعوى الجزائية في أي من الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 من هذا القانون، والتي تقع بعد العمل به». فهاته المادة تشكل خروجا عما هو منصوص عليه في قانون الجزاء الكويتي في مادته الثالثة : «تسقط الدعوى الجزائية في الجنايات بمضي عشر سنوات من يوم وقوع الجريمة([86]) ، وبما أن جريمة غسيل الأموال تعتبر من الجنايات طبقا للقانون الكويتي، فإن مرور عشر سنوات من وقوع تلك الجريمة لا يؤدي إلى سقوط الدعوى الجنائية، ومسوغ هذا الحكم الاستثنائي يكمن في ملاحقة مرتكبي مثل هذه الجرائم مهما طالت المدة، من تمويه وتعتيم»([87]).

الفقرة الثانية: عدم سقوط العقوبة بمضي المدة

نص قانون غسل الأموال الكويتي في المادة التاسعة الفقرة الثانية على أنه: « ولا تسقط بمضي مدة العقوبة المحكوم بها بعد العمل بهذا القانون في الجرائم المنصوص عليها في المادة 2 منه». هذه المادة تعتبر استثناء من القاعدة العامة التي يقررها، قانون الجزاء الكويتي في مادته الرابعة والتي تقضي بأنه تسقط العقوبات المحكوم بها في الجنايات بمضي عشرين سنة من وقت صيرورة الحكم نهائيا، وبهذا فصدور حكم يعاقب الجاني في إحدى جرائم غسل الأموال المنصوص عليها في المادة الثانية من نفس القانون، و منه فالعقوبة لا تسقط مهما طالت المدة حتى ولو مرت عشرون سنة على صدور الحكم النهائي بالعقاب.
وهذا الحكم يبرز لنا رغبة المشرع الكويتي في إنزال العقاب على الجناة في جرائم غسيل الأموال مهما تهربوا من التنفيذ.

الفقرة الثالثة: عدم تطبيق قاعدة وقف التنفيذ في جرائم غسيل الأموال

بالرجوع للمادة 82 من قانون الجزاء الكويتي، والذي يجيز للمحكمة إذا قضت بحبس المتهم مدة لا تتجاوز سنتين أو بالغرامة أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم إذا ما تبين من أخلاق المتهم أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها جريمته ما يحمل على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الإجرام.
أما المادة التاسعة الفقرة الثالثة من قانون غسيل الأموال، فتمثل خروجا عن هذا الحكم من خلال نصها على أنه لا يجوز تطبيق قاعدة وقف تنفيذ الحكم الجنائي المقررة في قانون الجزاء. ومن هنا يتبين لنا موقف المشرع الكويتي الصارم في رفض تخفيف العقاب وعدم جواز الأمر بوقف تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجناة بالحبس.

خاتمــــــــــــــــة:

و في إطار جمع المعلومات و تحليلها و صياغتها، انتهينا إلى جملة من النتائج حاولنا إيرادها في شكل اقتراحات و هي كالتالي:
– رغم توقيع المغرب على اتفاقية محاربة الفساد لسنة 2002، فإنه لم يصادق عليها حتى الآن، كما أنه وقع أيضا على الاتفاقية العربية لمكافحـة المخدرات المبـرمة في تـونس والعديد من الاتفاقيات الأخرى، إلا أنه تبقى هذه الجهود رغم أهميتها قاصرة ما لم يتم تخليق الحياة العامة و تكريس مبادئ المساءلة و حماية المال العـام و محاربـة الرشـوة و الفسـاد واستغلال النفوذ من خلال التفعيل الجيد للمفهـوم الجديـد للسلطـة و مفهـوم دولـة الحـق والمؤسسات.
– يعتبر قانون 43.05 خطوة جد هامة لمواجهة ظاهرة غسيل الأموال ولو بشكل نسبي، إلا أنه غير كاف، في ظل انتشار و تنامي ظاهرة الفساد بالمغرب، مما يحتم تعديل القوانين المتعلقة بمواجهة الفساد لتتماشي و روحه و جوهره من جهة، و سن قوانين أخرى تتعلق بتحديث الإدارة و ترسيخ أخلاقيات المرفق العام، من خلال الإقدام على التصريح الإجباري بالممتلكات، بإجبار الأشخاص المسؤولين بالتصريح بشكل منتظم بممتلكاتهم.

– قانون 43.05 تظل فعاليته محدودة في مكافحة غسيل الأموال، في ظل غياب أمرين: أولهما هو تطبيق القانون على الجميع، أي على كل من ارتكب جرائم الفساد المالي، و ثانيهما هو إصدار قانون جديد للتصريح بالممتلكات خصوصا إذا علمنا أن قانون 1993 أصبح متجاوزا لأنه لا يلزم أقارب المشتبه بهم بإقرار ذممهم المالية.

– كان على المشرع المغربي أن ينص على بعض الأحكام الخاصة صراحة في القانون 43.05 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال وهي عدم سقوط الدعوى العمومية بالتقادم، وعدم سقوط العقوبة بمضي المدة، وقف التنفيذ، باعتبارها خروجاً عن القواعد العامة المنصوص عليها في القانون الجنائي.
– في نظرنا، يجب ألا تكون غاية المشرع المغربي بإصداره قانون 43.05 هي وسيلة للتسويق الخارجي و إنما يجب أن يكون قاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني، و لن يتم هذا إلا بنهج أسلوب الجرأة و الإرادة السياسية، بشكل يستحضر واقعنا الاقتصادي و السياسي المعاش.

– تخويل آلية مراقبة تطبيق القانون للوزارة الأولى يطرح عدة خلافات بين الحكـومة و المؤسسات المالية التي تتمسك بأن تكون هي صاحبة الاختصاص في مجال المراقبة.
– من خلال مقارنة قانون 43.05 مع قوانين أخرى من جنسه، وجدنا أنه لم يتضمن العديد من المقتضيات و التي ندعو المشرع أخذها بعين الاعتبار، مثل النص على أن جرائم غسيل الأموال لا تسقط بالتقادم، و لا يقبل الحكم في نطاقها وقف التنفيذ…
– إن ما يجعل الحد من غسيل الأموال تحد حقيقي في المغرب هو عدم وجود إحصائيات تتعلق بحجم الأموال المشبوهة، وفي هذا المجال أثارت مؤسسة ترانسبارنسي فرع المغرب أن هناك حوالي 15 مليار دولار من الأموال المغسولة دخلت المغرب، زيادة على مليار درهم سنويا من فائض تجارة المخدرات التي يتم غسلها.
– العمل على تفعيل لجن تقصي الحقائق البرلمانية و العمل على توسيع اختصاصها في مجال التتبع و التدقيق، و اعتبار الجرائم المالية خطر يهدد المجتمع ككل…
و أخيرا، نتمنى أن يكون هذا البحث ساهم في تسليط الضوء على ظاهرة غسيل الأموال و لو بشكل نسبي، آملين أن تأتي بحوث أخرى تغني هذا المجال خصوصا لحداثته و تطوره باستمرار.

 

(محاماه نت)

إغلاق