دراسات قانونيةسلايد 1

الحق في سرية الاتصالات والمراسلات الشخصية

كفلت الشرائع السماوية والمواثيق الدولية والتشريعات المقارنة للإنسان حقوقاً يتمتع بها. ويمارسها في حرية دون أن يعوقه الغير في ممارستها. ودون إخلال بتحقيق التوازن بين حقوق الأفراد وحقوق المجتمع في حماية النظام العام وقد أكدت الشريعة الإسلامية على تلك الحقوق بما ورد في القران الكريم في قوله تعالي (( ياايها الذين امنوا اجتنبوا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ولا تجسسوا )) كما ورد في السنة النبوية في قوله (ص) (( لو اطلع في بيتك أحد ولم تأذن له حذفته بحصا ففقأت عينه ما كان عليك من جناح))
وكذلك أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على هذا الحق في المادة (18) منه والتي تنص على ( لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته….الخ ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل)
أولاً : ـ الحق في سرية الاتصالات في القانون اليمني
سرية الاتصالات والمراسلات حق مكفول للإفراد في القانون اليمني بنصوص دستورية وقانونية صريحة وقد أكد على ذلك دستور الجهورية في المادة (52) منه والتي نصت علي (( حرية وسرية المراسلات البريدية والهاتفية وكافة وسائل الاتصالات مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفشيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي يبنيها القانون وبأمر قضائي ))

كما أكد المشرع على ذلك الحق في قانون الإجراءات الجزائية في المواد ( 16،14،12) منه واعتبر المساس بهذا الحق جريمة جنائية لا تسقط بالتقادم وقد جاءت تلك المواد القانونية مؤكدة على ذلك الحق في نصوصها كالتالي : ـ
* المادة (12ـ فقرة 2) إجراءات جزائية ونصت على الأتي : ـ
” حرية وسرية المراسلات البريدية والسلكية واللاسلكية وكافة وسائل الاتصال مكفولة وفقاً للدستور. ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلا في الحالات التي بينها القانون وبأمر من النيابة أو من المحكمة المختصة.
* م/ 14 إجراءات جزائية ونصت على ( لا يجوز المساس بحرية الحياة الخاصة للمواطن في غير الأحوال المصرح بها في القانون ويعتبر مساساً بها ارتكاب احد الأفعال الاتية: ـ
1) استراق السمع أو تسجيل أو نقل المحادثات التي تجري في مكان خاص أو عن طريق الهاتف أو عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه.
2) الإطلاع على الخطابات آو الرسائل أو البرقيات أو مصادرتها.
· م/ 16 إجراءات جزائية ونصت على ( … استثناء من أحكام المادة (37) لا تنقضي بمضي المدة الدعوى الجزائية الماسة بحرية المواطنين آو كرامتهم والتي تتضمن اعتداء على حرية الحياة الخاصة) لما أن قانون العقوبات قد اعتبر الاعتداء على ذلك الحق جريمة ورتب عقاب عليها المواد(255، 256) منه.
وكل تلك النصوص الدستورية والقانونية تعكس حق الفرد في الحفاظ على سرية اتصالاته ومراسلاته. لكن تلك النصوص وكما يلاحظ فيها أنها قد أشارت إلى أن هناك حالات يحددها القانون يجوز فيها مراقبة الاتصالات من قبل السلطات العامة لغرض الحفاظ على الحياة الامنه في المجتمع.
وتلك الحالات ما سنتناوله في الفقرات اللاحقة.
ثانياً: ـ حق السلطات العامة في الرقابة على وسائل الاتصالات.
الأصل أن لحياة المواطنين حرمة فلا يجوز الاعتداء عليها والمساس بها عن طريق ضبط المراسلات والإطلاع عليها ومراقبة المحادثات الهاتفية أو لتسجيل الأحاديث الخاصة. وهذه الحرمة كفلها الدستور والقانون كما اشرنا بل انه جعل الاعتداء على ذلك الحق جريمة لا تسقط بالتقادم.

لكنه وانطلاقاً مما قد تقتضيه المحافظة على كيان الحياة الآمنة في المجتمع وكذلك مما يهدف إليه القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي من ضمان مكافحة الجريمة وعقاب المجرمين فانه قد يترتب على ذلك كله المساس بهذا الحق عن طريق جواز الرقابة على الاتصالات والمراسلات من قبل السلطات العامة بالقدر الضروري اللازم للحفاظ على هدوء الحياة وأمنها. خاصة وان غاية القانون ليست قاصرة على حماية الحريات الفردية للإفراد. وإنما تمتد تلك الغاية لصيانة حقوق المجتمع في نفس الوقت لذلك جعل القانون للسلطات العامة الحق في الرقابة على الاتصالات والمراسلات وفق ضوابط معنية وذلك ما أشار إليه قانون الإجراءات الجزائية.

في المادة (148) منه والتي تنص على ( للنيابة العامة أن تأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والصحف والمطبوعات .. وان تأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية …. متى كان ذلك لازماً لكشف الجريمة )). إلا أن القانون لم يترك لتلك السلطات مطلق الحرية في الرقابة.

بل وضع ضوابط صارمة لذلك وجعل حق السلطات العامة في ذلك في أطار حالات محددة. كما انه كفل بتحديد الجهة العامة التي تقوم بتلك الرقابة. وجعل ذلك في إطار فترة زمنية محددة. وذلك كله كضمان لترشيد سلوك السلطات العامة في هذا الإطار حتى لا تفتئت على حقوق الأفراد تحت مبرر الضرورة وباسم القانون.

ثالثاً: ـ القيود الواردة على حق السلطة العامة في مراقبة الاتصالات والمراسلات .
لما أجاز القانون للسلطات العامة خروجاً عن الأصل العام مراقبة الاتصالات والمراسلات في الحالات التي حددها. فانه وبنفس تلك النصوص التي خولت السلطات العامة ذلك الحق. قد أورد الضوابط والضمانات. التي يجب على السلطات العامة أن تلتزم بها .
واهم هذه الضوابط والضمانات هي كالتالي: ـ
أ ) تحديد السلطة المختصة بالمراقبة:
أن مباشرة الرقابة على الاتصالات والمراسلات تقتضي أولاً إصدار أمر بذلك ولخطورة مثل ذلك الأمر الذي يعد خروجاً عن الأصل العام فقد تكفل الدستور بتحديد الجهة التي تملك إصدار أمر الرقابة حيث نص الدستور في المادة(52) منه على (حرية وسرية المراسلات البريدية والهاتفية …الخ مكفولة ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها……إلاَّ في الحالات التي بينها القانون وبأمر قضائي).

ويلاحظ على هذا النص الدستوري أنه وصف الأمر بالمراقبة بأن يكون قضائياً وذلك يعني القول بأن السلطة التي تملك إصدار أمر المراقبة في الحالات التي حددها القانون هي السلطة القضائية وحدها دون غيرها ممثله بالنيابة العامة أثناء التحقيق والمحاكم القضائية أثناء المحاكمة.

كما أن قانون الإجراءات الجزائية قد أتى موضحاً بدورة للسلطة المختصة بذلك والتي أشار أليها النص الدستوري السابق ضمناً حيث تكفلت المادة (12ـ2) أ .ج بتحديد تلك الجهة صراحة بنصها الأتي ((حرية وسرية المراسلات البريدية والسلكية واللاسلكية وكافة وسائل الاتصال مكفوله وفقاً للدستور ولا يجوز مراقبتها أو تفتيشها أو إفشاء سريتها أو تأخيرها أو مصادرتها إلاَّ في الحالات التي بينها القانون وبأمر من النيابة العامة أو المحكمة المختصة)) .

وهذه المادة قد حددت الجهات التي تملك إصدار أمر المراقبة على الاتصالات أو ضبط الرسائل تحديداً حصرياً وهي النيابة العامة والمحاكم.
لذلك فلا تملك أي جهة عامة إصدار امر بمراقبة الاتصالات والمراسلات مطلقاً حتى ولو كانت تلك الجهة هي وزارة الداخلية أو وزارة الاتصالات لإننا أما نصوص دستورية وقانونية قد تكفلت بتحديد الجهة التي تملك ذلك.

(ب ) أن يكون أمر المراقبة بخصوص واقعة محددة
لما كان الدستور والقانون قد اشترطا في أمر المراقبة ان يكون ذا طبيعة قضائية فإنه تبعاً لذلك يجب أن يكون ذلك الأمر صادراً بخصوص واقعة معينة تحقق فيها السلطات القضائية وبتعبير أوضح فإنه لا يمكن للنيابة أو المحكمة إصدار مثل ذلك الأمر إلا أثناء التحقيق في قضية أو واقعة معينة وبغرض الكشف عن تلك الواقعة وهذا ما أكدت عليه المادة(148)أ.ج التي تنص على(للنيابة العامة أن تأمر بضبط الرسائل والصحف والمطبوعات لدى مكاتب البرق وأن تأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية بتسجيل المحادثات التي تجرى في مكان خاص متى كان ذلك لازماً لكشف الجريمة وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر مسبباً ولمدة لا تزيد على 30 يوماً) أما أن يكون الأمر بالمراقبة صادر قبل أن تنظر النيابة أو المحكمة في الواقعة المتعلق بها فإن ذلك يعد مخالفاً للقانون لأنه من المتفق عليه فقها وقانوناً أن الولاية القضائية لا تنعقد لمثل هذه الجهات إلاّ بعد طرح النزاع أو الواقعة عليها وفقاً للطرق والإجراءات القانونية وبذلك فإنه لا يجوز إصدار أمر مراقبة إلا لغرض الكشف في واقعة معينة أو التحقيق فيها وإزاء الأشخاص المرتبطين بتلك الواقعة الجنائية دون غيرهم.

وطبقاً لذلك فإن النيابة أو المحكمة لا تملك أياً منهما إصدار أمر مراقبة على اتصالات أو مراسلات أشخاص لا علاقة لهم بالواقعة التي تحقق فيها.
ج) عدم إفشاء سرية الاتصالات والمراسلات بعد ضبطها.
على الرغم من أن القانون رخص للنيابة أو المحكمة في رقابة الاتصالات والمراسلات إذا استدعت الضرورة بحق الأشخاص المرتبطين في الواقعة محل التحقيق القضائي إلا أنه ومع ذلك قد أحاط ذلك الإجراء بضمانات تحول دون إفشاء سرية تلك المراسلات وذيوعها على العامة من الجمهور حيث جعل القانون لعضو النيابة الذي يحقق في الواقعة وحده دون غيره من الإطلاع على الخطابات والرسائل المضبوطة على أن يكون ذلك بحضور المتهم أو الحائز لها أو المرسلة إليه.

لذلك فإنه لا يجوز لغير عضو النيابة أو القاضي الإطلاع على مضمون تلك الرسالات والاتصالات المضبوطة وذلك تمشياً مع غاية مثل ذلك الإجراء كدليل استثنائي في التحقيق فقط.

وعليه لا يجوز لغير عضو النيابة أو القاضي الإطلاع على مثل تلك الخطابات والاتصالات المضبوطة وهذا ما أكدته المادة(146) إجراءات جزائية حين نصت على (لعضو النيابة وحده الإطلاع على الخطابات والرسائل والبرقيات والأوراق المضبوطة الأخرى على أن يتم ذلك بحضور المتهم أو الحائز لها أو المرسل إليه…الخ).

وإذا كان هناك من الظروف والوقائع ما تستدعى قيام أحد موظفي إدارة الهاتف بالاستماع إلى المحادثات التلفونية ومن ثم نقلها بدورة للجهات المختصة فإن القانون قد اشترط لذلك أن يصدر أمر من رئيس النيابة بتكليف أحد موظفي إدارة الهاتف بعد تحليفه اليمين القانونية بالاستماع إلى المحادثات وتسجيلها ومن ثم نقل مضمونها على أنه يجب في أمر رئيس النيابة أن يتضمن تحديداً واضحاً ودقيقاً للمكالمات المطلوب تسجيلها وقد أكد قانون الإجراءات الجزائية على ذلك في المادة(146) منه والتي تنص على(……..ويجوز بأمر من رئيس النيابة تكليف أحد رجال إدارة الهاتف بعد تحليفه اليمين القانونية بالاستماع إلى المحادثات الها تفيه وتسجيلها لنقل مضمونها ويجب أن يتضمن الأمر تحديداً واضحاً ودقيقاً للمكالمة المطلوب تسجيلها في خلال مدة 30 يوماً من تاريخ صدور الأمر).
د) تسبيب الأمر الصادر بالمراقبة :
اشتراط القانون في أمر المراقبة الصادر من النيابة أو المحكمة أن يكون مسبباً وذلك حتى يفهم منه أن صدر بناءاً على ضرورات استدعته ظروف الواقعة والتحقيق فيها ووفقاً للإجراءات المحددة بالقانون واشتراط التسبيب يعد ضمانه لمن صدر بحقه الأمر.

وقد أكد قانون الإجراءات الجزائية الضرورية على ضرورة تسبيب الأمر بالمراقبة في المادة ( 148) المشار إليها والتي تنص على ( ……. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر مسبباً )
هـ) مدق نفاذ الأمر بالمراقبة
بعد أن تصدر النيابة أو المحكمة قرار المراقبة وفقاً للطرق والحالات المحددة فإن القانون قد وضع حداً زمنياً لاستمرار نفاذ مثل ذلك القرار وذلك حتى لا يظل شبحاً يطارد الأفراد إلى ما لا نهاية حيث قيد القانون قرار المراقبة بثلاثين يوم من تاريخ إصداره وهذا ما أكدته المواد (146، 148) إجراءات جزائية وبعد انتهاء مدة الثلاثين اليوم لا تملك النيابة استمرار المراقبة لأن القيام بالمراقبة بعد انتهاء المدة يعد جريمة يعاقب عليها القانون.

ومن كل ما سبق يتضح أن الدستور والقانون قد كفل للأفراد الحق في سرية اتصالاتهم ومراسلاتهم لشتى أنواعها ومنع التعدي عليها من أياً جهة كانت. لكنه وبنفس الوقت ورعاية لاستقرار حياة المجتمع ككل قد وضع استثناءات يجوز فيها للنيابة والمحكمة دون غيرهما المساس بذلك الحق ورقابته ووضع لذلك الاستثناء العديد من الشروط والضوابط والضمانات واعتبر تجاوزها جريمة يعاقب عليها القانون.

وبناء عليه فإن قيام أي فرد أو جهة عامة عدا النيابة والمحكمة بمراقبة اتصالات ومراسلات الأفراد بكافة أنواعها يعد ممارسة لسلوك إجرامي مهما كانت مبررات تلك الجهة من كشف الجريمة أو تعقيب مرتكبها ..الخ من الأسباب حتى ولو كانت الجهة هي وزارة الداخلية والأساس في ذلك أنه لا يجوز كشف الجرائم عن طريق انتهاك القيم والمساس بالحريات فالجريمة لا يجوز كشفها بجريمة أخرى وسلامة الهدف يجب أن تتكافئ سمواً مع سلامة الوسيلة والأسلوب.

والله الموفق،،،

المحامي اليمني أمين حفظ الله الربيعي

إغلاق