قضايا الساعه
تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة في الفقه والقانون (بحث قانوني)
مفهوم مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة :
قبل الخوض في مفهوم مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة يتعين علينا التعرض لمفهوم المسؤولية الجزائية بوجه عام ليكون معنى المسؤولية موضوع البحث واضحا. ففكرة المسؤولية بوجه عام تتحدد بمدلولين أخلاقي وقانوني، فالمسؤولية الجزائية وفقا للمدلول الأخلاقي: هي الموقف الخاطئ للجاني اتجاه النظام القانوني والذي يكمن في أن الجاني لم يوجه نفسه إلى الإتيان بفعل موافق للقانون على الرغم من إنه – هو أو غيره – لو كان في هذا الموقف لأختار الالتزام بالقانون وتجنب مخالفته، وهو مايصطلح عليه فقها بـ (أمكانية الفعل المعاكس)، فالمسؤولية تتميز باللوم الذي يوجه للجاني عن فعله في ضوء النية الآثمة الخارجة عن القانون التي تقام عليها المسؤولية(1). أما المسؤولية الجزائية بمدلولها القانوني: فهي مجموعة الشروط التي تنشأ عن الجريمة، مما يتيح مساءلة شخصية ضد الجاني، وهذه الشروط تظهر سلوك الجاني من الناحية القانونية على انه تعبير مرفوض لشخصية الجاني وليس للسلوك نفسه، إذ تنشأ المسؤولية قبـل الجاني حينما تتـوافر لديـه الأهلية الجزائية(2). فالأصل في المسؤولية الجزائية انها شخصية، أي لا تقوم إلا بالنسبة لمـن ساهم في الجريمة، والعقوبة بالتالي لا تنال إلا من يسأل عن الجريمة، لذلك تقضي القواعد العامة في المسؤولية الجزائية أن لا يسأل عن الفعل الاجرامي إلا من ساهم فيه مساهمة أصلية باعتباره فاعلا أو مساهمة تبعية باعتباره شريكا(3). لكن قد تقع جريمة غير تلك التي كان الشريك قصد الاسهام فيها بوصفها جريمة محتملا وقوعها بالتبعية لسلوكه، فيحق التساؤل عما إذا كانت مسؤوليته تمتد كذلك لتشمل تلك الجريمة على الرغم من أنها ليست الجريمة التي كان يقصدها ؟ ومثال ذلك لو حرض شخص صديقا له على ارتكاب سرقة في منزل ما مع علمه إن هذا الصديق عنيف يعتاد حمل السلاح، فإذا بهذا الصديق يرتكب جريمة قتل حارس المنزل فضلا عن جريمة السرقة موضوع التحريض0اختلف فقهاء القانون الجنائي في مساءلة الشريك عن النتيجة المحتملة من عدمها، فمنهم من يرى عدم مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة وان النصوص التي تقرر هذه المسؤولية تجعل الشريك مسؤولا عمدا عن جريمة لم يتجه إليها قصده، وفي هذا تناقض مع القواعد العامة للمسؤولية، إذ لا يمكن ان يسأل شخص عمدا عن جريمة إلا إذا أتجهت إرادته إليها(4). وتبريرهم سبب النص على مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة إنما هو مجرد إفصاح عن قصد المشرع في التوسع من نطاق المسؤولية الجنائية وحرمان المتهم من وسيلة دفاع يتصور التجاؤه إليها دون بيان السند القانوني لذلك. ويذهب البعض الآخر إلى القول بلزوم مسؤولية الشريك عن جميع النتائج التي تحدث بصورة طبيعية ولازمة متى كان بإمكانه ومن واجبه أن يتوقعها، ويبرر القائلون بمسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة بقاعدة أن المتهم لا يمكنه أن يدافع عن نفسه بالقول، انه لم يقصد النتائج التي كان من المحتمل ان يؤدي إليها عمله(5). في حين يبرر البعض خروج المشرع عن الأحكام العامة للمسؤولية في النص على مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة بالقول: كان من المفروض على الشريك ان يتوقع كافة النتائج التي يمكن أن تقع طبقا للمجرى العادي للأمور، ويكفي ان تكون هذه النتائج متوقعة في ذاتها بغض النظر عما لو كان الشريك قد توقعها أو لم يتوقعها(6). ويذهب اتجاه في الفقه إلى أن مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة مسؤولية موضوعيـة لا مسؤولية مبنية على الخطأ(7). ويقصد بالمسؤولية الموضوعية : هي المسؤولية التي تبنى على مجرد العلاقة السببية بين سلوك الشخص والنتيجة الجرمية، ومساءلة الشخص عن نتيجة اجرامية كان سلوكه سببا لها دون أن تنصرف إرادته إلى هذه النتيجة بشكل يصدق عليه وصف العمد، فلا حاجة فيها إلى أثبات الخطأ(8). وبدورنا نرجح الاتجاه الذي يقول بالمسؤولية الموضوعية لمسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة، طالما ان القانون يكتفي بتوافر الرابطة السببية بين (السلوك والنتيجة المحتملة) دون أن يتطلب أي بحث نفسي يتعلق بالنتيجة المحتملة، فمن الطبيعي ان المسؤولية عن هذه النتيجة تكون من قبيل المسؤولية الموضوعية لا المسؤولية المبنية على الخطأ. وان مسؤولية الشريك إذا كانت تتجرد من الركن المعنوي فإنها تقتضي كحد أدنى اكتمال عناصر الركن المادي(9). أما التشريعات الجنائية فقد اختلفت بشأن مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة، فطائفة من التشريعات حسمت، بشكل صريح الجدل الفقهي المثار بهذا الشأن، واعتبرت الشريك مسؤولا عن النتيجة غير المباشرة لفعل الاشتراك، حتى لو لم يكن قصده منصرفا لتحقيق تلك النتيجة(10). في حين البعض الآخر من التشريعات لم تتضمن نصا خاصا تعتمد فيه فكرة مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة، أنما تضمنته ذات النصوص التي أوردت القاعدة العامة للقصد الاحتمالي، ومنها قانون العقوبات اللبناني، إذ تنص (م189) على أنه (تعد الجريمة مقصودة وان تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أوعدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل المخاطرة)(11). ولذلك كان متعينا في هذه التشريعات الاحتكام إلى القواعد العامة في تفسير القوانين وتطبيقها، فمن خلال تفسير نص (م220) من قانون العقوبات اللبناني (المتدخل(12). الذي لولا مساعدته ما أرتكبت الجريمة يعاقب كما لو كان هو نفسه الفاعل). وبالرجوع للقواعد العامة وأخذا بالفكرة الأساس التي يقوم عليها نص (م189) من قانون العقوبات اللبناني يتحمل المتدخل مسؤولية الجريمة التي يقدم عليها الفاعل الاصلي إذا ثبت أنها نتيجة محتملة للجريمة محل التدخل(13). وهناك طائفة ثالثة من التشريعات، لم تنص صراحة ولا ضمنا على مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة ومنها قانون العقوبات الفرنسي وقانون العقوبات الالماني، وقانون العقوبات التونسي والمغربي والقطري والبحريني. أما (م53) من قانون العقوبات العراقي فقد نصت على أنه(يعاقب المساهم في جريمة- فاعلا أو شريكا- بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلا ولو كانت غير التي قصد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت) وهذا إنما هو أستثناء من الأحكام العامة للمسؤولية، ووجه الأستثناء فيها أنها تقرر بصريح العبارة المسؤولية عن فعل الغير. والملاحظ ان المشرع العراقي أشترط في (م53) لكي تسند مسؤولية الجريمة المغايرة لقصد الشريك أن تكون (نتيجة محتملة) لنشاطه (التحريض أوالاتفاق أوالمساعدة)، مما يعني أن المشرع في إسناد هذه النتيجة إلى الشريك ومساءلته عنها يقنع بتوافر رابطة سببية مادية، دون أن يشترط رابطة معنوية معينة، فسواء أنصرف قصد الشريك إليها أو لم ينصرف، فان الشريك يظل مسؤولا عنها طالما ترتبط بنشاطه برابطة الاحتمال(14). في واقع الأمر- باشتراط القانون توافر الرابطة السببية دون أجراء أي بحث نفسي يتعلق بالنتيجة المغايرة (المحتملة) – يكون المشرع العراقي قد أعتبر المسؤولية عن النتيجة المحتملة من قبيل المسؤولية الموضوعية لا المسؤولية المبنية على الخطأ. إلا إن مشرعنا بعد أن أوضح مبدأه العام في (م54) التي نصها (إذا اختلف قصد أحد المساهمين في الجريمة- فاعلا أو شريكا – أو كيفية علمه بها عن قصد غيره من المساهمين أوعن كيفية علم ذلك الغير بها عوقب كل منهم بحسب قصده أو كيفية علمه). ويتضح مبدأ المشرع في هذه المادة بمعاملة الشريك حسب قصده أوعلمه الخاص، إلا أننا نجده حاد عن هذا المبدأ في (م53). لذلك نرى بانه لا حاجة لنص (م53) وكان بأمكان المشرع أن يجمع بين نصي (م53) و (م54) كأن يضيف إلى نص (م54) : (ويفترض في هذه الحالة إن المساهم عنده قصد الفاعل وعلمه عند أرتكاب الاخير لجريمة مغايرة لقصد المساهم متى كانت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت). وقد أتجه القضاء العراقي في قرارته بعد أن يبين صفة الاشتراك في المتهم إلى إيضاح أن فعل المتهم مرتبط بعلاقة سببية مع الجريمة التي وقعت فعلا، وإنها نتيجة محتملة لما قصده من فعل أصلا، وهو في مسلكه هذا يساير التطبيق السليم للقانون. لقد قررت محكمة التمييز في قرار لها صادقت فيه على قرار محكمة الأحداث القاضي (بإدانة المتهم الحدث(ع) وفق المادة 406/1/ز من قانون العقوبات بدلالة مواد الاشتراك والمادة (53) منه وذلك لمساهمته مع الفاعل (ز) الذي قام باطلاق النار على المجني عليه (م) فأرداه قتيلا في الحال وأصيبت الطفلة (ش) التي كانت تنام في مهدها التي توفيت متأثرة باصابتها)(15). وفي قرار آخر تقول فيه (حيث ان إصابة المجني عليه ارتكبت عندما كان يرافق المجني عليه (خ) كما جاء في أقواله وعندما حاول التدخل كما جاء في أقرار المحكوم عليهما، ولما كان أرتكاب هذه الجريمة الثانية أصابة (ع) نتيجة محتملة لأرتكاب الجريمة الأولى التي اتفقا على ارتكابها لذلك يجب أيضا إدانتهما عنها وفق (م405/3) عقوبات بدلالة (م53).عليه قرر نقض كافة القرارات الصادرة في القضية…..)(16). أما بالنسبة للقضاء المصري فأن محكمة النقض لها قرارات عديدة قضت فيها بمسؤولية الشريك عن الجريمة المغايرة التي وقعت فعلا لكنها كانت من النتائج المحتملة لمساهمته في الجريمة الاصلية، وقد تواتر القضاء المصري على تطبيق المبدأ المذكور على الفاعل والشريك على حد سواء. ففي قرار لمحكمة النقض المصرية أوردت فيه (لما كان الاصل ان المتهم لايسأل إلا عن الفعل الذي ارتكبه أو اشترك في ارتكابه متى وقع ذلك الفعل، إلا ان الشارع قد توقع حصول نتائج غير مقصودة لذاتها، فخرج عن ذلك الاصل وجعل المتهم مسؤولا عن النتائج المحتملة لعمله، متى كان في مقدوره أو كان من واجبه ان يتوقع حصولها، على أساس إن إرادة الفاعل لابد أن تكون قد اتجهت نحو الفعل ونتائجه الطبيعية ولذا بات من المقرران المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الاجرامي، ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة. وإذ كان التقرير الطبي قد جاء قاطعا في إن الانفعال النفساني المصاحب للحادث قد أدى الى تنبيه القلب عن طريق الجهاز العصبي السبمثاوي وهو مما ألقى عبئا أضافيا على طاقة القلب والدورة الدموية اللتين كانتا متأثرتين أصلا بالحالة المرضية المزمنة المتقدمة بالقلب والأوعية الدموية وهذا مما مهد وعمل بظهور نوبة هبوط حاد بالقلب أنتهت بالوفاة، فأن ذلك يقطع بتوافره رابطة السببية بين الفعل المسند الى المطعون ضده ووفاة المجني عليه ويحقق بالتالي مسؤوليته عن نتيجة فعله التي كان من واجبه ان يتوقع حدوثها خلافا لما ذهب اليه الحكم المطعون فيه……………..) (17).
___________________________
1- د.ضياء مهدي حسين الصالحي، مفهوم المسؤولية الجزائية في القانون الجنائي، مجلة القضاء، ع1، س41، 1986، ص15.
2- د.ضياء مهدي حسين الصالحي، المصدر نفسه، ص12.
3- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات (القسم العام) ، القاهرة، 1983، ص461-462.
4- د.رمسيس بهنام، النظرية العامة للقانون الجنائي، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1971، ص825.
5- ينظر في ذلك:د.رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام، دار الفكر العربي، القاهرة، سنة النشر(بلا)، ص395.، جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، ج1، مطبعة دار الكتب، القاهرة، 1931، ص700.، مصطفى مجدي هوجة، التعليق على قانون العقوبات، ج1، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1987، ص271.، د.عبد العزيز عامر، شرح الأحكام العامة للجريمة، ليبيا، سنة النشر(بلا)، ص266.
6- ينظر في ذلك: د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، ج1، دار النهضة العربية، بيروت، 1981، ص651.، د.حميد السعدي، شرح قانون العقوبات الجديد، ج1، ط2، دار الحرية للمطبوعات، بغداد،1971، ص241.، محمد محي الدين عوض، قانون العقوبات السوداني، المطبعة العالمية، القاهرة،1970، ص139.، أنور العمروسي ومصطفى الشاذلي، قيود وأوصاف نصوص قانون العقوبات المعدل، ط1، القاهرة،1970، ص79.، حسن صادق المرصفاوي، قانون العقوبات، ط1، الاسكندرية، 1962، ص38.
7- WillIams Glonvilli ،Criminal Law (The General Part) ، London ، 1998 ، P. 238. 8- منيف صلبي الشمري، الجريمة ذات النتيجة المتعدية القصد، رسالة دكتوراه، كلية القانون – جامعة الموصل، 2004 ، ص93.
9- المستشار عزالدين الدناصوري و د.عبد الحميد الشواربي، المسؤولية الجنائية في قانون العقوبات، ط3، الاسكندرية، 1998، ص1-2.
10- ينظر في ذلك: ص7 هامش (4) من الرسالة.
11- كما جاءت بنص مشابه كلا من (م64) من القانون الاردني، و(م188) من القانون السوري. وقد عرفت القصد كلا من (م63) من قانون العقوبات الاردني، (م187) من قانون العقوبات السوري، (م188) من قانون العقوبات اللبناني بقولها: النية (ويرادف لفظ النية تعبير القصد الجنائي) انها (إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون). ينظر في تفصيل ذلك: د.كامل السعيد، الاحكام العامة للجريمة في قانون العقوبات الاردني، ط1، عمان، 1981، ص221.، القاضي فريد الزغبي، الموسوعة الجزائية، المجلد الثالث، ط3، بيروت، 1995، ص69.
12- تطلق قوانين لبنان (م219) وسوريا (م218) والاردن (م75) وعمان (م95) لفظ المتدخل على المساهم التبعي في الجريمة.
13- ومن خلال تفسير نص (م219) من قانون العقوبات السوري، و(م81) من قانون العقوبات الاردني، وبالرجوع للقواعد العامة والفكرة الأساس التي تقوم عليها (م188) من قانون العقوبات السوري، و(م64) من قانون العقوبات الاردني، نلاحظ ان القانونين قد نصا ضمنا على مسؤولية المتدخل عن النتيجة المحتملة.
14- ينظر في ذلك: د.ماهرعبد شويش، المصدر السابق، ص279وما بعدها.، د.سليم حربة، القتل العمد وأوصافه المختلفة، بغداد، 1988، ص94-95.، د.سامي النصراوي، المبادئ العامة في قانون العقوبات، ج1، ط1، مطبعة دار السلام، بغداد، 1977، ص279وما بعدها.
15- ينظر قرار محكمة التمييز256/ هيئة موسعة ثانية/1982 في 16/2/1983. ( غير منشور)
16- ينظر قرار محكمة التمييز389/ هيئة عامة/981 في 16/1/1982. (غير منشور)
17- ينظر قرار محكمة النقض المصرية في 19/ابريل/1981، مجموعة أحكام النقض، س32، ، ص280.
معـيـار الاحـتمـال :
الاحتـمـال: هو تصور ذهني، يربط بين مجموعة عوامل متوافرة في الحاضر وواقعة لم تقع بعد، وأنما يشير توافر هذه العوامل إلى أن تلك الواقعة قد تقع، فقد يتحقق ارتكاب جريمة وقد لا يتحقق، فالاحتمال يقوم على نوع من الشك ويحتل منزلة وسطية بين الحتمية والامكان(1). أما ما يقصد بمعيار الاحتمال(2). في مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة : هو أن الشريك يكون مسؤولا عن الجريمة المغايرة لقصده، متى كانت نتيجة محتملة لأفعال الاشتراك، وبهذا تتصل السببية بين فعل المساهمة وبين الجريمة المغايرة، وتكون على درجة احتمال لا درجة امكان أو تبعية، ومعيار السببية الذي تتطلبه النتيجة المحتملة لا يخرج عن معيار السببية الملائمة. أي ان تقوم العلاقة السببية بين فعل الشريك والنتيجة المحتملة على الرغم من تدخل سبب لاحق يتكون من فعل ثالث متى كان محتملا، فإذا انتفى ذلك الاحتمال انقطعت رابطة السببية ومن ثم تنتفي مسؤولية الشريك عن النتيجة(3). والسؤال الذي يثار بشأن شرط الاحتمال في مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة يدخل في تقدير انقطاع العلاقة السببية من عدمه، هل أن مؤداه خلط الركن المادي بالركن المعنوي للجريمة ؟ إن الأجابة لابد ان تكون بالنفي ذلك إن الاحتمال أو التوقع لا يشترط ان يكون متوفرا في الشريك نفسه من عدمه بل لم يأخذ بحالة توافره لدى الشريك ، وأن كل ما اشترط في هذا الشأن هو توافر الاحتمال ومساءلة الشريك على أساس توافر هذا الشرط فقط(4). وأنتساب الاحتمال إلى علاقة السببية والركن المادي للجريمة ليس مفاده الخلط بين الركن المادي والمعنوي، فالاحتمال أو التوقع ليس هو الركن المعنوي والا لتم أثبات مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة وفقا للقواعد العامة، ولم يكن هناك مقتضى للنص عليها صراحة فالاحتمال أو التوقع قد يدخل في تقدير الركن المعنوي ولكن ليس هو الركن المعنوي(5). فإذا لم يكن الاحتمال هو الركن المعنوي للجريمة التي يسأل عنها الشريك فأين يكون وضعه أذن ؟ ان مكان الاحتمال هو الركن المادي للجريمة وعلى وجه التحديد ذلك العنصر الذي يحدد توافر علاقة السببية من عدمها، فتحديد قيام علاقة السببية بين الفعل والنتيجة يصعب حينما تتدخل عوامل أخرى غير الفعل الارادي للشخص وتتداخل معه في احداث النتيجة، في مثل هذه الظروف يصعب الحكم بقيام رابطة السببية أو أنتفائها(6). ويتحدد نطاق تطبيق (م53) من قانون العقوبات العراقي بأعمال معيار الاحتمال، فالصراحة التي شرط بها القانون العراقي أن تكون الجريمة المغايرة نتيجة محتملة لنشاط الشريك، يجعل من المفروض التعبير عن النتيجة المحتملة بمعيار الأحتمال(7). لأن أحدهما مستمد من الآخر ولأنهما تعبير عن العلاقة السببية التي يجب ان تتصل بنشاط الشريك والنتيجة التي وقعت مغايرة لقصده. ولذلك فأن ما يمكن ان يدخل ضمن نطاق مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة في القانون العراقي هو عدد من الجرائم منها :
1- الجريمة المغايرة الواحدة :
لو فرضنا ان (أ) أتفق مع (ب) على سرقة (ج) فيقوم (ب) بقتل (ج). ففي هذا الفرض القتل جريمة مغايرة للاتفاق ويعد نتيجة محتملة للسرقة المتفق عليها. فهنا الأحتمال يتحقق كلما كان وقوع الجريمة المغايرة أمرا مألوفا باعتباره نتيجة لنشاط الشريك (التحريض أو الاتفاق أو المساعدة). وهذا ما نصت عليه (م53) من قانون العقوبات العراقي.
2- الجرائم المتعدية :
لو أتفق (أ) مع (ب) على ضرب (ج) ثم أفضى الضرب الذي قام به (ب) إلى موت (ج)، هنا يسأل (أ) عن هذه الجريمة التي تعدت قصده، بوصفها (نتيجة محتملة) للاتفاق على الضرب وفقا لنص (م410) و (م53) من قانون العقوبات العراقي، لأن الضرب يرتبط بالموت برابطة سببية (رابطة الأحتمال)(8).
3- الجرائم المتعددة :
لو قام شخص بتحريض موظف على الأختلاس فقام الموظف بعد إتمام الأختلاس بتزوير أوراقه ليخفي آثار الجريمة، أو لو ان شخصا حرض آخر على قتل ثالث، فأحرز سلاحا من دون ترخيص وأستعمله في القتل، أو لو حرض شخص آخر على ضرب ثالث ، وبعد ان أعتدى عليه تصدى للجاني صديق المجني عليه فأعتدى عليه الجاني أيضا وأفضى الضرب إلى موته. في هذه الظروف جميعا نكون بصدد تعدد في الجرائم يجعل منه القانون جريمة واحدة، لأرتباط هذه الجرائم بعضها ببعض برباط لا يقبل التجزئة(9). ولهذا فأن الشريك يسأل عن هذه الجرائم لأنها تعد نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة بتعدد الجرائم تعددا حقيقيا أو صوريا تنطبق (م53) من قانون العقوبات العراقي إذا توافرت رابطة الاحتمال بين الجريمة التي أنصرف قصد الشريك إلى المساهمة فيها والجرائم المتعددة.
4- الجرائم المقترنة بظروف :
أتفق (أ) مع (ب) على سرقة منزل (ج) فقام (ب) بتسور منزل المجني عليه وكسر الباب وسرقة المنزل ليلا، هنا تعد الجريمة التي وقعت مغايرة لقصد الشريك، ونتيجة محتملة للجريمة محل الأتفاق. ولما كانت السرقة ليلا مع التسور يعتبر ظرفا مشددا في السرقة فأن (أ) يسأل لا عن سرقة بسيطة وأنما عن جريمة سرقة مشددة وفقا (م443/ ف4،5)، ذلك انه يترتب على أقتران الجريمة بظروف مشددة أو مخففة أحيانا تغيير طبيعة الجريمة، فتصبح جريمـة مغايـرة لما قصـده الشريـك(10). وفي هذه الحالـة يمكن أعمـال الاحتمـال لتدخـل نطـاق تطبيـق (م53) من قانـون العقوبـات العـراقي.
5- جرائم القتل المقترنة بجناية أو جنحة(11):
يتفق (أ) مع (ب) على سرقة منزل (ج)، ويدخل (ب) منزل (ج) ليلا حاملا سلاحه إذ يشعر الأخير بحركة غريبة، يتأهب للاستغاثة يفاجئه (ب) بطلقة ترديه قتيلا. هنا يسأل (أ) عن الاشتراك في القتل مقترنا بجناية السرقة، إذ القتل وقع نتيجة محتملة لنشاطه الاجرامي، وفقا لنص (م406/ح) و(م53) معا من قانون العقوبات العراقي. ذلك ان جرائم القتل المقترنة بجناية أو المرتبطة بجنحة تدخل نطاق (م53) إذا وقعت نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة، ولا يتطلب القانون لتشديد العقوبة وتطبيق (الفقرة ج من المادة 406) في الفرض السابق أكثر من توافر رابطة زمنية بين جريمة القتل والجناية الأخرى(12). ومعنى هذا ان هذه الرابطة لا ترتب مساءلة الشريك عن جريمة القتل المشددة لاقترانها بجنايـة أخرى ما لم تتوافـر – وفقا لنص (م53) – رابطة سببية، أو بعبارة أدق رابطة احتمال.
__________________________
1- د.فخري عبد الرزاق الحديثي، النظرية العامة للأعذار القانونية، رسالة ماجستير، كلية القانون- جامعة بغداد،1973، ص214.
2- ويعبر البعض عن النتيجة المحتملة بمعيار الأحتمال لأن أحدهما مستمد من الآخر، ولأنهما جميعا تعبير عن رابطة السببية التي يجب ان تتصل بين نشاط المساهم والجريمة التي وقعت مغايرة لقصده. ينظر في ذلك: د.جلال ثروت، نظرية الجريمة المتعدية القصد، المصدر السابق، ص477.
3- ينظر في ذلك: د.جلال ثروت، المصدر نفسه، ص476-477.، د. مأمون سلامة، المصدر السابق، ص476.
4- د. علي راشد، المصدر السابق، ص483.
5- وكون الاحتمال يدخل في أنقطاع العلاقة السببية من عدمه ليس مؤداه الخلط بين علاقة السببية والركن المعنوي .فكما ان هناك ركنا معنويا للفعل يتكون من الأرادة والأدراك، وهناك أعتبارات معينة تجعلنا نقيم الفعل على أنه تعبير عن مادة وروح، فالأمر كذلك أيضا حينما نريد تقييم سببية ذلك الفعل فأنه يستحيل علينا مساواة الفعل الانساني بأي عارض من عوارض الطبيعة، كما يستحيل علينا الفصل بحد قاطع بين ماديات الفعل ومعنوياته اللذين يعبران عن شخصية فاعله. ينظر في تفصيل ذلك: د. مأمون سلامة، المصدر السابق، ص475.
6- د. مأمون سلامة، المصدر نفسه، ص473.
7- ينظر في ذلك: د. أكرم نشأت أبراهيم، المصدر السابق، ص225-226.، د. ماهر عبد شويش الدرة، المصدر السابق، ص279-280.، د.سامي النصراوي، المصدر السابق، ص279-281.
8- ان الاشتراك في الجرائم المتعدية القصد في قانون العقوبات العراقي نصت عليه المواد (417/ف2)، (418/ف2)، (419)، (424) يسأل الشريك وفقا لنصوص هذه المواد و (م53) معا إذا كانت النتيجة المتعدية القصد في هذه الجرائم متصلة بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة برابطة احتمال.
9- د.جلال ثروت، نظرية الجريمة المتعدية القصد، المصدر السابق، ص483.
10- ينظر في ذلك: د.صباح عريس، الظروف المشددة في العقوبة، ط1، المكتبة القانونية، بغداد، 2002، ص285.، د.هشام أبو الفتوح، النظرية العامة للظروف المشددة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1982، ص352.
11- ويتحقق هذا الظرف إذا كانت جريمة القتل نتيجة محتملة للجريمة الأخرى (جناية أو جنحة) فإذا لم تكن كذلك أقتصرت مسؤولية الشريك على الجريمة التي أشترك فيها، وعلى ذلك إذا دخل عدة أشخاص يحملون سلاحا في أحد المنازل ليلا لأرتكاب السرقة فقاوم صاحب المنزل أحدهم فقتله، فأن ظرف الأقتران يتوافر بين القتل وجناية السرقة بالنسبة للقاتل وللمساهمين معه في السرقة لأن القتل كان نتيجة محتملة للسرقة. ينظر في تفصيل ذلك: د.فوزية عبد الستار، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص) ، المصدر السابق، ص403.
12- د.واثبة السعدي، المصدر السابق، ص304.
موقـف التشـريـع من مذهـب الاستعارة والتبعية والمسـاواة في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة :
بأستقراء خطة المشرع العراقي من عقوبة الشريك، نجد انه لم يلزم نفسه بمذهب معين، إنما حاول أن ينتقي من كل مذهب أصلح الحلول فيه، وبهذا المنهج يكون قد حذا حذو أغلب التشريعات الجزائية الحديثة، فقد أخذ بنظرية الاستعارة المطلقة في (م50/1)(1). من قانون العقوبات العراقي، إذ يتضح من نص هذه المادة ان المشرع قد ساوى بين مسؤولية الفاعل الاصلي والشريك مع الأخذ بمبدأ وحدة الجريمة. كذلك أقر بنظرية الاستعارة النسبية فقد أشار في (م51) (2). إلى حكم الظروف المادية وبسريانها على كل من ساهم في الجريمة فاعلا أو شريكا. وفي الاتجاه نفسه سار قانون العقوبات الالماني في (م49)، قانون العقوبات السويدي الفدرالي في (م52)، قانون العقوبات الاردني في (م81/2)، قانون العقوبات السوري في (م219)، قانون العقوبات اللبناني في (م220)، قانون العقوبات المصري في (م235). أما مبدأ وحدة الجريمة فقد أخذ به المشرع العراقي أيضا، الا انه أتخذ لنفسه خطا وسطا بين نظرية الاستعارة المطلقة ونظرية الاستعارة النسبية إذ جمع بين مبادئ النظرتين(3). وتمثل مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة التي نصت عليها (م53) من قانون العقوبات التي تحمل الشريك عقوبة الجريمة المغايرة التي يرتكبها الفاعل، أقرار من المشرع العراقي بمبدأ وحدة الجريمة المتمثل بمذهب الاستعارة. إذ يعلق نص المادة عقاب الشريك على وقوع الجريمة من الفاعل الاصلي، وفي حدود ما يرتكبه هذا الاخير، وأن لم تكن إرادة الشريك منصرفة إلى تلك الجريمة. وعليه فان الشريك – وفقا لنص المادة المذكورة آنفا – يستعير أو يستمد اجرامه من اجرام الفاعل الاصلي للجريمة. أما القانون المصري فقد أخذ بمذهب التبعية (م40) إذ نصت هذه المادة على (إن الاشتراك بجميع وسائله يتوقف قانونا على وقوع الجريمة بناء على هذا الاشتراك)، وهو ما يؤكد الصفة لتبعية للاشتراك(4). أما ما نصت عليه (م42) من قانون العقوبات المصري يؤكد الصفة التبعية المقيدة للشريك ولو كان فاعل الجريمة غير معاقب لانتفاء مسؤوليته الجنائيـة. وتبني المشرع السوري لنظرية التبعية يتجلى في علاقة المتدخل بالفاعل، فالأول تابع في اجرامه للثاني، ولا يغير هذه التبعية ان يكون عقاب المتدخل أخف من عقاب الفاعل ومن مظاهر هذه التبعية سريان الظروف المشددة والمخففة للعقوبة والمعفية منها على المتدخل (م215) من القانون السوري(5). وأخذ المشرع الاردني بتبعية المتدخل، إذ نصت (م81) من قانون العقوبات الاردني على ان عقوبة المتدخلين والمحرضين تحدد على أساس عقوبة الفاعل(6). ومن القوانين التي أخذت بمذهب أستقلال المساهمين في الجريمة الواحدة قانون العقوبات الايطالي الصادر سنة 1931، أذ نصت (م110) منه على انه (إذا ساهم في الجريمة الواحدة أكثر من شخص فان كلا منهم يخضع للعقوبة المقررة لها مع مراعاة أحكام المواد التالية). والعبارة الأخيرة من هذه المادة تشير بوجه خاص الى مراعاة أحكام (م114) التي تسمح للقاضي تخفيف العقوبة على من ساهم بقدر قليل في أعداد الجريمة أو تنفيذها. ومن خلال ما تقدم ومن أستقراء النصوص التي أوردتها التشريعات الجنائية في تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الشريك يتضح إنها تنسجم مع مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة(7). إذ تعلق نصوص مواد هذه التشريعات عقاب الشريك على وقوع الجريمة من الفاعل الاصلي، وفي حدود ما يرتكبه هذا الاخير، عليه فان الشريك– وفقا لنصوص التشريعات يستعير أو يستمد اجرامه من اجرام الفاعل الاصلي.
_______________________
1- نصت (م50/1) من قانون العقوبات العراقي (1- كل من ساهم بوصفه فاعلا أو شريكا في أرتكاب جريمة يعاقب بالعقوبة المقررة لها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك).
2- نصت(م51) من قانون العقوبات العراقي (إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على كل من ساهم في أرتكابها فاعلا كان أو شريكا. علم بها أو لم يعلم).
3- ينظر في ذلك: د. ماهر عبد شوشي، المصدر السابق، ص240.، د.سامي النصراوي و د.سلطان الشاوي، المصدر السابق، ص185-186.
4- د.احمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات، المصدر السابق، ص627.
5- القاضي نوري الحسني، المصدر السابق، ص87.
6- خالد خضير دحام، المصدر السابق، ص17-27.
7- ينظر في ذلك : ص42-43 من الرسالة.
مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة في ضوء التشريعات الجنائية :
النتيجة المحتملة، هي تلك التي جاءت عكس ما تعمده الجاني، فلقد كان الجاني يقصد من وراء نشاطه الإجرامي تحقيق جريمة معينة، إلا انه وقعت جريمة أخرى مغايرة لقصده(1)،ففي الأصل لا يسأل الشريك المساعد إلا عن الجريمة التي اشترك فيها والتي انصرف قصده إليها. ولكن في بعض الأحوال يحدث ان تقع جريمة أخرى خلافاً لما اشترك فيها ولكنها تكون نتيجة محتملة لها(2)، فهل يسأل الشريك المساعد في هذه الحالة عن الجريمة الإضافية أم تقتصر مسؤوليته عن الجريمة التي يساهم في ارتكابها وانصرف قصده إليها؟ في الواقع لقد تباينت التشريعات الجنائية في تحديد موقف الشريك تجاه الجريمة المحتملة(3)، التي يأتيها والتي لم ينصرف إليها قصده(4)، فبعض التشريعات لم تتعرض نصوصها الى وجوب مسؤولية الشريك عن الجريمة المغايرة لقصده متى كانت محتملة لنشاطه على خلاف التشريعات الأخرى(5)، ووفقاً لذلك ينبغي التفرقة بين طائفتين من التشريعات:
أولاً- التشريعات التي لم يرد نص فيها:
هناك طائفة من التشريعات أغفلت تحديد المسؤولية تجاه الجريمة المحتملة التي يرتكبها الفاعل والتي لم تنصرف إرادة الشريك إليها، كالقانون الفرنسي الذي ترك استخلاص هذه الأحكام الى الفقه والقضاء الفرنسيين، ولقد ميز الفقه الفرنسي بين فرضيتين تختلف فيها الجريمة المرتكبة عن الجريمة التي قصدها الشريك وهما فيما إذا كانت الجريمة المرتكبة اقل جسامة من الجريمة التي قصدها الشريك والفرض الآخر إذا كانت الجريمة المرتكبة اشد جسامة من الجريمة التي قصدها الشريك، ففي الفرض الأول، بما ان الأفعال المرتكبة من قبل الفاعل اقل جسامة من التي أرادها الشريك فذهب الفقه في تقرير مسؤولية الشريك عن الجريمة إذا شملها بقصده، كما لو ساهم الشخص في جريمة قتل فارتكب الفاعل جريمة ضرب ، إذا لم ينصرف قصد الشريك الى ماديات الجريمة الأقل جسامة لا يسأل الشريك عنها(6). ففي المثال السابق فالقصد المتجه الى القتل يشمل في الوقت ذاته الضرب لذلك يسأل عن الضرب أما إذا قام الجاني بإعارة شقته للفاعل لكي يقتل المجني عليها فيها فارتكب جريمة اغتصاب أو انتهاك عرض فان الشريك لا يسأل عن الاغتصاب أو هتك العرض(7)، أما الفرض الثاني إذا كانت الجريمة المرتكبة اشد جسامة من الجريمة التي قصدها الشريك فهنا يميز بين حالتين، حالة ما إذا كان الاختلاف بين الجريمتين في جميع العناصر المكونة لها، وفي الحالة الثانية ينحصر الاختلاف في بعض الظروف المصاحبة للجريمة(8)، فالرأي السائد في الفقه والقضاء الفرنسيين ان الشريك لا يسأل عن الجريمة المرتكبة من قبل الفاعل إذا كانت تختلف عن الجريمة التي قصدها الشريك بجميع العناصر المكونة لها فلا يعد شريكاً في اغتصاب من أعطى الفاعل مفاتيح مصطنعة التي استخدمها إذا كان قاصداً من مساعدته ارتكاب الفاعل لجريمة السرقة. ويبرر الفقه عدم مسؤولية الشريك في حالة انتفاء القصد الجنائي لديه بالنسبة للجريمة المرتكبة فإذا لم يعد بالإمكان ربط الفعل الأصلي بقصد الشريك إلا عن طريق علاقة سببية مادية فان الشريك لا يسأل. ويستند الفقه الى أحكام القضاء فقد قضت محكمة النقض ان حكم الاستئناف الذي اعتبر المتهم شريكاً في جريمة قتل حارس عقار احد المدينين للمتهم باستخدام مسدس أعطاه المتهم للفاعل وطلب منه التوجه الى مدينه وتهديده بالسلاح لأخذ قيمة الدين وعند توجهه إليه تشاجر مع حارس العقار وأطلق عليه النار من المسدس الذي معه، ولكن محكمة النقض رأت ان الفقرة (2) من المادة (60) قضت على ان الشريك بالمساعدة هو من (يقدم مساعدته بوسيلة من الوسائل مع علمه باستخدامها) وبالتالي فلا يوجب علاقته بالقتل المرتكب من الفاعل وإعطاء السلاح المستخدم في ارتكاب الجريمة فاعتبره في هذه الحالة شارعاً في قتل المدين ولم يعتبره شريكاً في قتل حارس العقار ولكن إذا كانت الجريمة تختلف في ظروفها فقط هي الجريمة التي قصدها الشريك فهنا يسأل الشريك عنها(9). وذهب رأي آخر في الفقه… ان الشريك يكون مسؤولاً عن الظروف المشددة التي تقترن بالفعل إذا وقع بناءً على مساعدة الشريك للفاعل. لان طبيعة الجريمة واحدة أما إذا كانت الجريمة التي ارتكبت مختلفة تماماً مع المساعدة التي قدمت من قبل الشريك فلا يسأل الشريك عنها لأنه لم يتوقع ولا يمكن ان يتوقع حصول تلك النتيجة(10).
ويرجع سبب اختلاف الفقه بشأن ذلك لعدم وجود نص في القانون الفرنسي يحمل الشريك عبء النتيجة المحتملة(11). ومن التشريعات العربية التي سارت على نهج التشريع العقابي الفرنسي التشريع العقابي اللبناني، والسوري، والأردني فقد جاءت خالية من النص حول مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة وإنها ساوت بين القصد الاحتمالي والقصد المباشر(12). فإذا ارتكب الفاعل جريمة غير التي قصدها الشريك ولكنه ثبت انه توقعها وقبل احتمال حدوثها فقصده الاحتمالي متوافر بالنسبة لها وتقوم مسؤوليته الجنائية تبعاً لذلك وإذا لم يتوقع ولكن في استطاعته توقعها فلا يسأل عنها لانعدام القصد لديه ومن ثم لا يتوافر سوى الخطأ غير العمدي وهو غير كافٍ لوحده لمساءلة الشريك المساعد عن الجريمة مسؤولية عمدية(13). وذهب جانب من الفقه السوري الى ان الشريك يكون مسؤولاً عن النتائج المحتملة أو المتوقعة والنتيجة المتوقعة هي التي يحتمل وقوعها فعلاً وبحكم المجرى العادي للأمور الناتجة عن الأفعال المقصودة ، إلا ان هذا الرأي انتقد بحجة ان القصد الاحتمالي لا يقوم لمجرد كون النتيجة المتوقعة ذاتها ومحتملة عقلاً وبحكم المجرى العادي للأمور لابد ان يتوقعها الجاني ويقبلها، وإذا كانت النتيجة متوقعة فكان في استطاعة الجاني ان يتوقعها ولكن لم يتوقعها فعلاً فذلك هو الخطأ غير العمدي ولا يكون كافياً لمساءلة الشريك عن جريمة الفاعل مسؤولية عمدية(14).
ثانياً- التشريعات التي ورد نص فيها:
من التشريعات الجنائية التي بينت مسؤولية الشريك تجاه الجريمة المغايرة التي يرتكبها الفاعل وذلك من خلال النص عليها متى كانت تلك الجريمة نتيجة محتملة لنشاطه ووفقاً للمجرى العادي للأمور التشريع الإيطالي(15)، الذي يقرر مسؤولية جميع المساهمين عن الجريمة الأشد وتترتب المسؤولية بتوافر علاقة سببية بين نشاط المساهم وهذه الجريمة فلا يقتضي توافر علاقة معنوية بينه وبين الجريمة المرتكبة، وتكون مسؤولية الشريك عن الجريمة مسؤولية موضوعية، وبالتالي يعتبر خروجاً على القواعد العامة للمسؤولية الجنائية(16)، اتجه جانب من الفقه الإيطالي الى انه يتعين لإعمال النص القانوني ان يكون باستطاعة الشريك ان يتوقع حدوث الجريمة فان لم يتوقع فلا محل لقيام مسؤوليته وهذا الرأي مخالف للقانون الذي يقيم المسؤولية للمساهم عن الجريمة الأشد على ضوء المسؤولية الموضوعية(17). أما التشريع الإنكليزي(18) ، فاتجه المشرع فيه الى مسألة الشريك بالمعاونة عن جريمة الفاعل التي لم تنصرف إرادته إليها ان تكون متوقعة عقلاً ومحتملة وفقاً للمجرى العادي للأمور، أما إذا كانت الجريمة شاذة وغير مألوفة لنشاطه فلا تنهض مسؤوليته الجنائية عنها. وقد اخذ بهذا الاتجاه قانون العقوبات المصري والليبي والكويتي والإماراتي(19) .
ويرى جانب من الفقه .. ان التشريعات التي أخذت بمسؤولية الشريك عن جريمة لم يردها ولم يتجه قصده إليها وعلى الرغم من ذلك يسأل عنها كما لو كان قد أرادها لمجرد كونها نتيجة محتملة لنشاطه فهذا منافٍ لقواعد المسؤولية الجنائية العامة ولقانون العقوبات، ولهذا أصدر مؤتمر أثينا توصيته الآتية ((لا يسأل شخص عن جريمة يقوم بها غيره إلا إذا أحاط بعناصرها واتجهت إرادته الى المساهمة فيها)) (20).
وفقاً لذلك انتقد مبدأ المسؤولية عن النتيجة المحتملة لتعارضه مع مبدأ شخصية المسؤولية وشخصية العقوبة وهما من المباديء التي تحرص عليها مختلف الدساتير في النص عليها والراسخة في الفقه الجنائي الوضعي، وانتقد أيضا ً لتعارضه مع نظرية اتجاه الإرادة التي سادت في الفقه الألماني فالفعل هو نشاط إرادي هدفه تحقيق غاية معينة وتوقع النتائج القانونية المترتبة على هذا الفعل والمرتبطة به ولا يقتصر دوره الإرادي على إنها اصل الفعل وسببه، غير ان النتيجة المحتملة تتناقض مع ذلك فمن المستحيل التسليم بان الشريك قد وجه نشاطه الإرادي الى نتيجة لم يردها لأنه لم يكن يتوقعها وحتى ولو توقعها فلا يمكن ان يسأل عنها لأنه لم يوجه نشاطه إليها. وبالتالي فان هذا الرأي الفقهي تماشى مع التشريعات التي خلت من النص على حكم النتيجة المحتملة(21).
في حين ذهب جانب آخر الى ان مسؤولية الشريك من النتيجة المحتملة تتحقق بتوافر رابطة السببية مع فعل المساهمة ليتمكن من مسائلته عن النتيجة المحتملة لم ينصرف إليه قصده والتي اشترك مع الفاعل لا لتحقيقها بل لتحقيق الجريمة التي كان على الفاعل ارتكابها ولكن لم يرتكبها بالفعل، فهذا الرأي اكتفى بمسائلة الشريك هنا بتوافر الركن المادي فقط دون الركن المعنوي(22).
أما مشرعنا العراقي فقد نص في المادة (53) عقوبات على انه (يعاقب المساهم في جريمة فاعلاً أو شريكاً بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلاً ولو كانت غير التي قصد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت)، فالقاعدة العامة في الاشتراك تستوجب توافر ركنين مادي ومعنوي . والركون الى هذه القاعدة يجرنا الى القول بعدم مساءلة الشريك عن الجريمة التي أراد الاشتراك فيها أي النتيجة المغايرة التي يحققها الفاعل لا يسأل عنها إلا هو، إذ الأصل يستمد الشريك إجرامه من إجرام الفاعل الأصلي، فإذا لم تقع الجريمة أصلاً أو إذا وقعت جريمة أخرى مغايرة تماماً لما حصل الاشتراك فيه فلا يسأل الشريك لأنه لا اشتراك فيما لم يقع ولا اشتراك في حالة المغايرة إذ لا صلة بين قصد الفاعل والشريك في الجريمتين، إلا ان المشرع قرر استثناء يقضي بمسؤولية باقي المساهمين عما حققه الفاعل وان لم يكن ما تحقق فعلاً مقصوداً من لدنهم وقد عبَّر عن ذلك (نتيجة محتملة) (23)، والنتيجة المحتملة تكون بصورة واضحة فيما إذا كانت الجريمة التي وقعت هي التي كونت الفعل الأصلي للاشتراك ويشترط ان تكون هذه الجريمة قد شملها قصد الجاني وتكون هذا إذا اشتركت الجريمتان في اغلب مادياتها أي ان تتوفر للجريمة الأشد ذات العناصر المادية للجريمة الأخف(24)، أي ان الشريك يتحمل تبعتها دون ان يكون قد توقعها فعلاً، إذ يكفي ان تكون متوقعة في ذاتها(25) وهي كل جريمة يكون ارتكاب الجريمة الأساسية متضمناً خطر حدوثها(26)، فالمشرع يكتفي إذن بإمكان التوقع وليس بالتوقع الفعلي، فالمعيار موضوعياً مفاده الشخص المعتاد، أي ان النتيجة تعد محتملة إذا كان بإمكان الجاني أو كان من واجبه ان يتوقع حصولها وفق المجرى العادي للأمور كنتيجة تترتب على الجريمة التي أراد الاشتراك فيها(27)، إلا ان هذا المعيار ليس موضوعياً خالصاً وإنما تدخل في تكوينه عناصر شخصية، لأننا لابد ان نقف على ظروف الفاعل لامكان القول باستطاعة التوقع أو وجوبه(28). إذا كان هذا هو معيار الاحتمال فما هي صلته باركان الجريمة؟ والإجابة الصحيحة تتطلب ربط الاحتمال بالركن المادي خصوصاً فيما يتعلق بتوافر رابطة السببية بين الفعل والنتيجة، وذلك لان المشرع إنما وضع شرط الاحتمال لتنظم به حالات تعدد الأسباب ومدى تأثيرها على قيام النتيجة، فتدخل سبب لاحق كونه غير محتمل كفيل بقطع العلاقة السببية، فإذا ما تدخل الفاعل بإرادته وارتكب جريمة ليس محل الاشتراك فلا يسأل عنها الشريك بوصفها محتملة، والذي يدلل على صحة ذلك هو ان القانون لا يشترط سوى الاحتمال الذي يأخذ به جانبه الموضوعي وليس جانبه الشخصي، ومن الجدير بالذكر ان المشرع العراقي في المادة (53) عقوبات قرر مساواة الفاعل مع الفاعل الآخر إذا ما تحققت نتيجة محتملة، وذلك بخلاف المشرع المصري الذي حصر المسؤولية عن النتيجة المحتملة بالشريك فقط حيث تنص المادة (43) عقوبات مصري على انه ((….. من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها ولو كان غير التي تعمد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة للتحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت))، على ان المادة (54) عقوبات عراقي قررت ان اختلاف القصد أو كيفية العلم بالجريمة محل المساهمة يؤدي الى توقيع العقوبة على حسب قصد المساهم أو كيفية علمه بها، وحيث ان هذا ما تقرره أحكام القصد الجنائي من ان الجاني يسأل وفقاً لما توفر لديه من قصد، وحيث ان المسؤولية عن النتيجة المحتملة فيها خروج عن القاعدة العامة في المسؤولية وحيث ان القصد الجنائي يقوم على العلم والإرادة، فانه يتعين القول بان انتفاء احد هذين العنصرين لدى الجاني ينفي القصد الجنائي عنده وان مسؤولية الجاني يجب ان لا تخرج عن نطاق قصده ، وتعد النتيجة محتملة إذا كانت بالإمكان توقعها من قبل المساهم طبقاً للمجرى العادي للأمور(29). ومن التطبيقات القضائية في العراق التي ذهبت الى الأخذ بالقصد الاحتمالي والتي قضت (ان تصدي قوات الشرطة للمهربين الذين غالباً ما يحملون أسلحة نارية وتعقبهم ومطاردتهم بقصد ضبطهم تقديمهم للقضاء، فعند مقاومتهم للشرطة ومنعهم من أداء الواجب الرسمي من المحتمل عندها ان تحصل للشرطة إصابات يكون كل واحد من المساهمين بجريمة التهريب مسؤولاً عنها لكونها نتائج متوقعة ومحتملة لجريمة التهريب وهذا ما صدقته محكمة التمييز في قرارها الذي قالت فيه ان جريمة مقاومة الشرطة من النتائج المحتملة لجريمة التهريب ولا حاجة فيها لتعيين الفاعل وإنما يكون مسؤولاً فيها كل فرد عن عمل الآخرين(30). وقضت أيضا ً ان القانون عاقب الشريك بعقوبة الجريمة المرتكبة ولو كانت غير التي قصد الاشتراك فيها متى كانت الجريمة نتيجة محتملة للاشتراك بالمساعدة فإذا ساعد المتهم الجناة على ضرب المجني عليه على رأسه بالآت راضة أو جارحة فأدى فعلهم الى قتله عوقب بعضهم بعقوبة جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار فيعاقب الأخير بالعقوبة ذاتها ولو اقتصر دوره على المراقبة لكونه قد توقع النتيجة التي حصلت وقـبِّـل بها(31).
_____________________
[1]- رفعت محمد علي رشوان، مصدر سابق، ص33.
2- د.عبد العظيم مرسي وزير، مصدر سابق، ص572. و د.مدحت محمد عبد العزيز إبراهيم، مصدر سابق، ص142.
3- وتسمى لدى بعض الفقهاء بالجريمة المتعلقة أو المغايرة.
4- د.محمد عيد غريب، مصدر سابق، ص846. و د.عمر السعيد رمضان، شرح قانون العقوبات القسم العام، دار النهضة بالقاهرة، 1990/1991، ص454.
5- د.حسام محمد سامي، مصدر سابق، ص311. و د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص453 وما بعدها.
6- د.حسام محمد سامي، مصدر سابق، ص311.
7- د.علاء الدين راشد، مصدر سابق، ص153.
8- د.مدحت عبد العزيز، مصدر سابق، ص153.
9- من يساعد الفاعل على السرقة ليلاً يسأل الشريك عنها بالوصف المشدد وبالتالي يكون الشريك مسؤولاً جزائياً على أساس ان الشريك يجب ان يتوقع جميع الظروف التي يمكن ان تصاحب الجريمة سواء كان عالم بها أو لم يعلم فهو مسؤول عنها لقبوله المساهمة فيها بجميع مخاطرها. انظر مؤلف د.علاء الدين راشد، مصدر سابق، ص403،405.
10- د.مدحت عبد العزيز، مصدر سابق، ص153.
11- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص417، 418.
12- انظر نص المادة (189) عقوبات لبناني والمادة (188) سوري والمادة (64) عقوبات أردني بقولها (تعد الجريمة مقصودة وان تجاوزت النتيجة الجرمية الناشئة عن الفعل أو عدم الفعل قصد الفاعل إذا كان قد توقع حصولها فقبل بالمخاطرة).
13- د.محمد زكي أبو عامر و عبد القادر القهوجي، مصدر سابق، ص204. و د.نظام توفيق الجمالي، مصدر سابق، ص396.
14- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص456. و د.حسام محمد سامي، مصدر سابق، ص313.
15- المادة (116) عقوبات إيطالي نصت على انه (إذا اختلفت الجريمة المرتكبة تلك التي أرادها احد المساهمين فإنهم يسألون مع ذلك عنها إذا كانت نتيجة لفعلهم أو امتناعهم، وإذا كانت الجريمة المرتكبة اشد جسامة من الجريمة التي أريدت خففت بالنسبة للمساهم الذي أراد الجريمة الأقل جسامة). انظر د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص457. ومنى محمد عبد الرزاق، مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة، رسالة ماجستير في القسم العام مقدمة الى كلية القانون جامعة بابل، 2005، ص105.
16- د.حسام محمد سامي، مصدر سابق، ص317.
17- د.مأمون محمد سلامه، مصدر سابق، ص488.
18- نصت المادة (26) عقوبات إنكليزي (ويسري هذا الحكم على كل من يعاون في ارتكاب أي فعل يشكل جريمة بقصد تسهيل وقوعها يكون مسؤولاً عن ارتكاب أي فعل آخر يشكل جريمة يرتكبه ذلك الشخص إذا كان الفعل الآخر نتيجة للمعاونة).
19- نصت المادة (43) عقوبات مصري بقولها (من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها ولو كانت غير التي تعمد ارتكابها متى كانت نتيجة محتملة للتحريض أو المساعدة التي حصلت). والمادة (103) عقوبات ليبي والمادة (53) كويتي والتي تنص بقولها (على ان يعاقب الشريك في الجريمة قبل وقوعها بالعقوبة المقررة لها ولو كانت قد ارتكبت بكيفية غير التي قصدت أصلاً وكانت الجريمة التي وقعت غير التي تعمد الاشتراك بها متى كانت كيفية التنفيذ أو الجريمة التي وقعت بالفعل نتيجة محتملة لأفعال الاشتراك التي ارتكبها). ونصت المادة (51) عقوبات إماراتي (يعاقب الشريك في الجريمة مباشراً كان أو متسبباً بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلاً ولو كانت غير التي قصد ارتكابها متى كانت الجريمة محتملة للمشاركة التي حصلت). انظر د.حسام سامي، مصدر سابق، ص320. و د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص458 وما بعدها.
20- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص429.
21- د.محمد رشاد أبو عرام، مصدر سابق، ص428، 230.
22- د.محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات –القسم العام، مصدر سابق، ص476.
23- محروس نصار الهيتي، النتيجة الإجرامية في قانون العقوبات، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون بجامعة بغداد، 1989، ص119.
24- د.محمود نجيب حسني، المساهمة في التشريعات العربية، مصدر سابق، ص412.
25- د.علي بدوي، مصدر سابق، ص304.
26- عبد الستار البزركان، مصدر سابق، ث316 وما بعدها.
27- د.رؤوف عبيد، مناط مسؤولية المتهم عن النتائج المحتملة، المجلة الجنائية القومية، العدد2، ص127.
28- د.محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص433.
29- د.حميد السعدي، مصدر سابق، ص227.
30- قرار تمييزي المرقم 110/ج/ 942 في 12/4/ 1942، مجلة القضاء العدد3، 1942، ص348.
31- قرار رقم 1041/ جنايات/ 1975 في 20/4/1976، مجموعة الأحكام العدلية، العدد الرابع، السنة السابعة، 1977، ص392.
موقف الفقه الاسلامي من مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة :
لم يتعرض فقهاء الشريعة الاسلامية الغراء لمسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة بشكل مباشر، ولم يفردوا لها بحثا مستقلا كما فعل فقهاء القانون الجنائي. ولكننا لو تتبعنا كتب فقهاء الشريعة لوجدنا ان معظم الفقهاء تكلموا عن المسؤولية موضوع البحث بطريقة غير مباشرة. إذ يقسم فقهاء الشريعة الاسلامية الاشتراك إلى: اشتراك مباشر، واشتراك بالتسبب(1). والقاعدة العامة إن الاشتراك بالتسبب لا يكون في جرائم الحدود أو القصاص، ذلك ان الشريك المتسبب الذي يشترك في هذه الجرائم لا يعاقب بالعقوبة المقررة لها وإنما يعاقب بالتعزير(2). فإذا أرتكب المباشر فعلا غير الذي قصده المتسبب فلا يعاقب الأخير بعقوبة هذا الفعل إلا إذا كان داخلا في قصده باعتباره نتيجة محتملة لاشتراكه، فإذا حرض شخص على ضرب آخر فضربه فأحدث به إصابة أدت لبتر يده أو شللها فالشريك المتسبب مسؤول عن جريمة أبانة الطـرف أو أذهـاب معنـاه، لأن هـذا مـن النتائـج المتوقعـة للضـرب(3). (وورد فـي الشـرح الكبيـر للدرديـر ((يقتـل الجمـع غيـر المتمـاثلين بواحـد إذا ضربوه عمـدا أوعدوانـا ومـات مكانـه أو رفـع مغمـورا واستقـر حتـى مات ويقتل المتمالئون على القتـل أو الضـرب بـان قصـد الجميـع الضـرب وحضـروا وان لم يتولـه إلا واحـد منهـم إذا كـان غيــر الضـارب لـو لـم يضـرب غيـره لضـرب هـو)). عنـى هنـا ولـو انـه لـم يضـرب ألا انـه كـان يقصـد موتـه فيلـزم أن يدخـل في قصـده الاحتمـالي إن تعـدى غيـره باتفاقـه سيـؤدي للوفـاة وهـو نـوع مـن أنـواع الاشتـراك المعروفـة فـي الفقـه الغربـي وبذلك يكون مسـؤولا عمـدا عمـا أحـدثه غيـره مـن قتـل)(4). أمـا فقهـاء الشيعـة الأماميـة لـم يأخـذوا بعقـوبة المتسـبب عـن النتيجـة المحتمـلة، إذ ان القصـاص لـديهم علـى مـن يباشـر القتـل دون إيقـاع العقـاب علـى الـذي يمسـك شخصـا ليضـربه شخصـا آخـر فيـؤدي ذلـك الى قتله، وتبريـرهم فـي ذلـك إن فعـل الماسـك سـبب، وفعـل القاتـل مباشرة، والمباشرة تغـلب السـبب، والقصـاص ينـدرئ بالشبهـات(5). ويذهبـون إلـى القـول بأنه: (إذا اشتـرك جمـاعة فـي قتـل واحد قتـلوا بـه، وللـولي الخيـار بيـن قتـل الجميـع بعـد أن يـرد عليـهم مـا فضـل عـن ديـة المقتـول، فيـأخذ كـل منـهم مـا فضـل مـن ديتـه عـن جنايتـه، وبيـن قتـل البـعض، ويـرد الباقـون ديـة جنايتـهم. فـان فضـل للمقتـولين فضـل قـام به الـولي وتتحـقق الشـركة، بـان يفعـل كـل واحـد منـهم مـا يقتـل لـو أنفـرد أو مـا يكـون لـه شـركة في السـراية مـع القصـد الـى الجنايـة)(6).
____________________
1- الاشتراك المباشر : هو المساهمة الاصلية في الجريمة ويقال للمشترك فيه فاعل اصلي. أما الاشتراك بالتسبب : هو المساهمة التبعية في الجريمة ويقال للمتسبب بالشريك أو المتدخل.
ينظر في تفصيل ذلك : د.عبد الخالق النواوي، التشريع الجنائي في الشريعة الاسلامية والقانون الوضعي، دار الثقافة، بيروت، سنة النشر(بلا)، ص332.، احمد فتحي بهنسي، نظريات في الفقه الجنائي الاسلامي، ط2، مكتبة دار العروبة، القاهرة، 1983، ص79.
2- ينظر في تفصيل : د. مصطفى أبراهيم الزلمي، المسؤولية الجنائية في الشريعة الاسلامية، ج1، مطبعة أسعد، بغداد، 1982، ص186.، نظام الدين عبد الحميد، جناية القتل العمد في الشريعة الاسلامية، مطبعة اليرموك، بغداد، 1975، ص358.
3- د.محمد فاروق النبهان، مباحث في التشريع الجنائي الاسلامي، دار القلم، بيروت، 1977، ص77 .
4- د.احمد فتحي البهنسي، المسؤولية الجنائية في الفقه الاسلامي، ط4، دارالشروق، القاهرة، 1977، ص160.
5- نظام الدين عبد الحميد، المصدر السابق، ص3570-358.
6- قاسم نجم الدين جعفر بن الحسن، شرائع الأسلام في مسائل الحلال والحرام، القسم الرابع، ط1، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1983، ص973-974.
مـوقـف القـضـاء من مذهـب الاستعارة والتبعية والمسـاواة في تحديد مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة :
يلاحظ من أستقراء الأحكام الصادرة عن القضاء العراقي، انه لم يلزم نفسه بمذهب معين في تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية الشريك، متبعا النهج الذي أنتهجه المشرع العراقي في ذلك. وهذا ما قررته محكمة التمييز في معرض تصديقها لقرار محكمة جنايات الكرادة بقولها (أما بالنسبة للعقوبة المقضي بها على المحكومة (م) الملقبة (ل) وهي السجن المؤبد استدلالا بـ(م132) من قانون العقوبات فانها جاءت مناسبة ومتوازنة مع دورها في الجريمة الذي لم يكن دورا رئيسيا لذلك قرر تصديق فرض العقوبة بحقها……الخ)(1). وقضت محكمة التمييز بانه (يعتبر فاعلا اصليا لا شريكا من قام بعمل من أعمال السرقة يسهل عمل الفاعل الآخر(2). أي ان المحكمة ذهبت إلى أعتبار المساهم مع الفاعل في جريمة السرقة عند قيامه بعمل من أعمالها فاعلا مع غيره تطبيقا لنظرية الاستعارة المطلقة وليس شريكا. ومن التطبيقات القضائية التي أخذت فيه محكمة التمييز في العراق بنظرية الاستعارة النسبية، قرارها الذي تقول فيه (تسري الظروف المادية للجريمة التي من شأنها تشديد أو تخفيف العقوبة على كل من ساهم فاعلا أو شريكا علم بتلك الظروف أو لم يعلم)(3). ويستنتج من ذلك إن ظروف الجريمة المادية، تسري على كل من ساهم في الجريمة بوصفه فاعلا اصليا أو شريكا، وهو تطبيق سليم لحكم (م51) من قانون العقوبات العراقي. أما تطبيقات القضاء المصري بشأن نظرية الاستعارة المطلقة ما قضت به محكمة النقض المصرية (بان عدم وجود القصد الجنائي لدى فاعل الجريمة لا يستطيع براءة الشريك ما دام الحكم قد أثبت الاشتراك بحقه(4). ويفهم من هذا القرار انه طالما الشريك يستمد صفته الأجرامية من فعل الفاعل الاصلي وليس من شخص الفاعل فانه لا يتأثر بما يتخذ من قرار بشأن الفاعل لأسباب شخصية لم تكن متعلقة بفعله وإنما لها علاقة بشخصه، وهذا النهج هو تطبيق واضح لنظرية الاستعارة المطلقة. وقررت (بان لا مصلحة للمحكوم عليه باعتباره فاعلا أن يطعن في الحكم الذي أدانه محتجا بأنه مجرد شريك)(5). وفي قرار آخر تقول فيه (إذا كان صحيحا إن الاشتراك لا يتحقق الا في واقعة معاقب عليها تقع من الفاعل الاصلي، وإن الشريك لا يجوز عقابه إذا كان ما وقع من الفاعل الاصلي غير معاقب عليه……الخ)(6). وما جاء في القرار المذكور يؤكد الصلة التي تقرن مسؤولية الشريك بفعل الفاعل الاصلي، باعتبار إن الشريك يستمد صفته الاجرامية من فعل الفاعل. وللقضاء المصري تطبيقات بشأن مذهب الأستعارة النسبية التي تأخذ بعقاب الشريك بالعقوبة المقررة نفسها للفاعل الاصلي قانونا، مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف المادية للجريمة، إذ جاء بقرار لمحكمة النقض المصرية (لما كان القانون يعاقب الشريك بالعقوبة المقررة للجريمة، التي بناء على اشتراكه ارتكبت، ويجعله مسؤولا عن جميع الظروف المشددة التي تقترن بالجريمة نفسها ولو كان يجهلها، ويحاسبه على كل جريمة ولو كانت غير تلك التي قصد ارتكابها لمجرد كونها نتيجة محتملة لفعل الاشتراك الذي قارفه……)(7). كما أتجهت محكمة النقض المصرية إلى الأخذ بمذهب التبعية، والتأكيد على الصفة التبعية للاشتراك، فأوضحت محكمة النقض هذه التبعية في قولها (إن الأصل في الشريك أن يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه ومن قصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء على أشتراكه، فهو شريك في الجريمة لا شريك مع فاعلها)(8). ومن تطبيقات القضاء الليبي الذي يؤيد مذهب الاستعارة ما نجده في القرار الصادر من المحكمة العليا الليبية لجلسة يوم7/ أبريل/1970 والذي جاء فيه (الشرط الأساس في العقاب على الاشتراك تمام الجريمة أو تمام الشروع فيها، بدخول الأفعال التي قام بها الفاعل الاصلي في مرحلة التنفيذ، ويكون عقاب الشريك في هذه الحالة، العقوبة المقررة للجريمة التي تم الاشتراك بصددها)(9). كما أخذ القضاء الاردني بتبعية المتدخل وفقا لمذهب التبعية، أذ قضت محكمة التمييز الاردنية بهذا الشأن (ان عقوبة المتدخلين والمحرضين معينة في (م81) من قانون العقوبات على أساس عقوبة الفاعل ذلك ان الاشتراك تابع للفعل الاصلي يستمد منه أجرامه فينقص أو يزول تبعا له مادام الجرم قد نشأعن الفعل الذي أقترفه الفاعل الاصلي تنفيذا للاتفاق وبحضور المتدخلين الذين ساعدوه……)(10).
______________________
1- ينظر قرار محكمة التمييز117/ هيئة عامة/ 1989 في 17/ 12/ 1989. (غير منشور)
2- ينظر قرار محكمة التمييز485/ هيئة عامة/ 79 في 17/11/ 1979. (غير منشور)
3- ينظر قرار محكمة التمييز417/ جنايات/ 76 في14/ 4/ 1976، منشور في مجموعة الأحكام العدلية، ع2، س7، 1977.
4- ينظر نقض مصري12/ أبريل/ 1957، مجموعة أحكام النقض، رقم90، ص339.
5- ينظر نقض مصري2/ نوفمبر/1931، مجموعة القواعد القانونية، ج2، رقم111، ص348.
6- ينظر نقض مصري4/ مايس/1942، مجموعة القواعد القانونية، ج1، رقم111، ص483
7- ينظر نقض مصري41/ نوفمبر/1938، مجموعة القواعد القانونية، ج4، ص333.
8- ينظر قرار محكمة النقض28/ أبريل/ 1969، مجموعة أحكام النقض، س20، ص59.
9-ينظر قرار المحكمة العليا الليبية 7/ أبريل/1970،مجلة المحكمة العليا الليبية،ع4، س6،1970، ص206.
10- ينظر قرار محكمة التمييزالاردنية/ جزاء/50/75، مجلة نقابة المحاميين، س32-ص1317.
المؤلف : منى محمد عبد الرزاق
الكتاب أو المصدر : مسؤولية الشريك عن النتيجة المحتملة