دراسات قانونية

تحديد أجرة الوسيط التجاري وشروط استحقاقها (بحث قانوني)

ان الوسيط التجاري اذا ادى المهمة المكلف بها وقام بأداء التزامه وهو التقريب بين الطرفين ( الموسط والطرف المتعاقد معه ) وأدى ذلك الى إبرام العقد بينهما في هذه الحالة يستحق الاجر عن هذه الخدمة وعادة ما يتم تحديد أجرة الوساطة بناءً على اتفاق الطرفين ويكون ذلك بمبلغ محدد ابتداءً . او نسبة مئوية من قيمة الصفقة وقد تعين اجرة الوسيط بموجب القوانين والانظمة وهذا ما ينص عليه قانون الدلالة العراقي حيث حددت أجرة الوسيط كما يلي : –

أ- 2% من العشرة الالاف الاولى . ب- 1% عما زاد على العشرة الاف دينار . ثالثاً- لا يجوز ان تزيد الاجرة على الف وخمسائة دينار(1)، في حين نجد النص المصري في المادة (192) من قانون التجارة نصت على انه : ((اذا لم يعين اجر السمسار في القانون او في الاتفاق وجب تعيينه وفقا لما يقضي به العرف ، فإذا لم يوجد عرف قدره القاضي تبعا لما بذله السمسار من جهد وما استغرقه من وقت في القيام بالعمل المكلف به)) وكذلك نص قانون التجارة الاردني في المادة (100) على : (( اذا لم يكن اجر السمسار معينا بالاتفاق او بموجب تعريفه رسمية فيحدد وفقا للعرف او تقدر المحكمة قيمته بحسب الظروف)) ولهذا يتضح لنا ان كلا المشرعين المصري والاردني اختلفا عن المشرع العراقي في عدم تحديد اجرة الوسيط بنسبة معينة وانما يترك تحديد اجرة الوسيط للاتفاق اذا لم يعين في القانون ثم العرف فاذا لم يوجد عرف يقدره القاضي ، إلا اننا نرى ان موقف المشرع العراقي افضل من المشرعين المصري والاردني في تحديد اجرة الوسيط ذلك ان تحديد الاجر عند ابرام العقد بين الموسط والوسيط يمنع وقوع اختلاف على الاجرة فيما بعد ، ويشير الواقع العملي الى ان الوسطاء التجاريين في الوقت الحالي يأخذون اجرة بنسبة 2% من قيمة المتعاقد عليه دون تحديد حد اعلى لهذه الاجرة لذا نأمل من المشرع العراقي تعديل نص المادة السادسة من قانون الدلالة بما يتناسب مع التضخم الاقتصادي الحاصل في العراق. وهناك قرار قضائي صادر من محكمة النقض المصرية يقرر فيه ان تقدير اجر الوسيط في حالة عدم الاتفاق عليه يرجع تقديره الى العرف ومابذله الوسيط من جهد ومدى اهمية الصفقة وجاء في هذا القرار (( السمسار وكيل في عقد الصفقات وطبقا للقواعد العامة في عقد الوكالة يتولى قاضي الموضوع تقدير اجر الوكيل في حــالة عــدم الاتفاق مستعيناً في ذلك بأهمية العمل وما يقتضيه من جهد يبذله الوكيل وبما جرى عليه العرف في هذه الحالة ، ولما كان يتبين من الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه ان المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية قدرت للمطعون عليه الاول أجراً عن وساطته بنسة 2،5 % من قيمة الصفقة وأبانت في حكمها ان هذا التقدير يتفق مع ما بذله من مجهود واهمية الصفقة التي تمت ببيع الفيلا الى السفارة السوفيتية ، كما انه يتفق مع العرف في هذا الشأن لما كان ذلك فإن العرف يكون قد التزم صحيح القانون)) (2).

ويشترط لاستحقاق الوسيط الاجر ( العمولة ) ثلاثة شروط :

أولاً – وجود تفويض من جانب العميل ( الموسط ) .

ان الشرط الاول لاستحقاق الوسيط التجاري الاجرة المستحقة له هو ان يكون هناك تفويض من جانب العميل بأداء العمل المكلف به الوسيط التجاري أي وجود عقد وساطة بين الوسيط التجاري والشخص الذي يطالبه الوسيط بدفع اجرته واثبات هذا العقد يقع على عاتق الوسيط لانه هو المدعي فإذا لم يفلح في ذلك وفشل في هذا الاثبات كان فضوليا ولم يكن امامه سوى دعوى الفضالة اذا توافرت شروطها (3) .ولذلك حكم بأنه ( اذا لم يفوض السمسار لامن البائع ولا من المشتري فلا تقبل دعواه بحقه في السمسرة مهما كانت المساعي التي بذلها لمجرد الامل في اقتناص عملية كان قد وعد الاخر بها او حصوله على انها عملية بيع لم تتم) (4) . إذاً الشرط الاساسي لاستحقاق الوسيط اجرة ان يكون هناك تكليف من الموسط بالبحث له عن متعاقد يقبل ابرام العقد معه وهذا التكليف قد يكون صريحا او ضمنيا كما قد يكون مكتوبا او شفاهة اذ لا يهم الشكل الذي يفرغ فيه هذا الاتفاق (5) ، فعقد الوساطة باعتباره احد العقود التجارية يمكن ان يثبت بطرق الاثبات كافة في مواجهة العميل اذا كان تاجرا عملا بمبدأ حرية الاثبات في المواد التجارية اما اذا كان العميل غير تاجر التزم الوسيط في الاثبات بوسائل الاثبات المقررة في القانون المدني التي تنص على ضرورة الكتابة اذا زادت قيمة الالتزام عن الحد المقرر قانونا (6) . ولكن محكمة استئناف القاهرة قد خالفت هذا الرأي في احد احكامها اذ اشترطت الايجاب والقبول الصريح لإبرام العقد ولا يستخلص ضمنا من ظروف العقد لذلك قضت بان ((السمسرة كسائر العقود لا تنعقد الا بإيجاب وقبول صريحين ولا تستنتج من مجرد حضور شخص اثناء عقد الصفقة مع احد المتعاقدين بل لابد من عمل ايجابي يدل على صفة هذا الماثل وعلى قبول المتعاقد معه وتفويضه اياه إتمام الصفقة نظير عمولة يدفعها له)) (7) . فسواء كان عقد الوساطة التجارية صريحا او ضمنيا فلا بد من وجود هذا العقد واستناد الوسيط التجاري الى تفويض صريح من قبل العميل لاستحقاق اجرته فإذا قام الوسيط بعمله من تلقاء نفسه بالتقريب بين المتعاقدين دون تفويض صريح او ضمني من أي الطرفين فلا يستحق عن ذلك اجرا ولو ادت جهوده الى ابرام العقد (8) ، ومع ذلك يكون للوسيط التجاري الرجوع على الطرفين على اساس اخر تطبيقا للقواعد العامة بقدر ما اثرى به كل منهما على حسابه والرجوع في هذه الحالة لا يستند الى عقد ولكنه يستند الى الفائدة التي عادت الى الطرفين بسبب تدخل الوسيط بقدر هذه الفائدة (9) . وكذلك لا يستحق الوسيط التجاري اجرة الوساطة اذا كانت الوساطة قد حددت بمدة معينة في العقد وانقضت هذه المدة دون ان يتمكن الوسيط من التوفيق بين وجهات نظر المتعاقدين ومع ذلك اذا استمر بعد انقضائه المدة المذكورة في بذل وساطته وتم العقد بين الطرفين بسبب هذه الوساطة فانه يحصل على تعويض من الطرفين بقدر ما عاد عليهما من فائدة بسبب تدخله (10) . من جهة أخرى فإن استحقاق الوسيط لأجره لا يتأثر بسبب الحظر الذي يكون مفروضا عليه من الاشتغال بالتجارة لكونه موظفا كالطبيب او المحامي اذ يبقى مستحقا لا جر الوساطة ويتعرض للجزاء التأديبي نتيجة مخالفته قوانين مهنته (11) .ولا يستحق الوسيط الاجر إلا عن الصفقة التي يتوسط في إبرامها فلو أدى تعارف الطرفين الى إبرام صفقات جديدة فليس للوسيط ان يدعى اجرا عنها وكذلك الحكم بالنسبة للتعديلات التي يدخلها الطرفإن على الصفقة بحيث تصبح اكبر قيمة ، كزيادة الكمية محل العقد مثلا (12). ويستحق الوسيط اجره من الشخص الذي كلفه بإبرام الصفقة فلا يحق له مطالبة الطرف الاخر بالأجر وهذا ما نصت عليه المادة (198) فقرة اولى من قانون التجارة المصري (( لا يستحق السمسار الاجرة الا ممن فوضه من طرفي العقد السعي في ابرامه )) وقد حكم في هذا الخصوص (13) ، الاصل في اجر السمسار انه انما يجب على من كلفه من طرفي العقد السعي في تمام الصفقة ولايجب على كليهما الا اذا اثبت انهما ناطا به سويا هذا السعي ذلك ما لم يقم اتفاق على غير ذلك اذن فمتى كانت الطاعنة قد تمسكت بانها لم تكلف المطعون عليه الاول بوصفها راغبة بالبيع بالسعي لايجاد مشتريٍ وانما كان مكلفا من قبل راغب الشراء وانه تقدم لها على هذا الاعتبار طالبا التصريح بمعاينة المحل المراد بيعه فأذنت له بمقتضى التصريحين المقدمين في الدعوى وكان الحكم المطعون فيه اذا قضى على الطاعنة بقيمة السمسرة التي طلبها المطعون عليه الاول لم يحفل بالتحقيق من ان الطاعنة كلفت بالسعي في الصفقة وانما اعتبر التصريح له بمعاينة المبيع كافيا وحده في الاثبات وهو استخلاص غير سائغ اذ ليس من شانه التصريح له من جانب البائع بمعاينة المبيع ان يقيد تكليفه كسمسار بالوساطة في البيع ومن ثم يكون الحكم قاصرا التسبيب في هذا الخصوص قصورا يستوجب نقضه )) . واذا كان الوسيط التجاري مفوضا من طرفي العقد استحق الاجر من كل منهما ويكون كل من المتعاقدين مسؤولا تجاه الوسيط بغير تضامن بينهما عن دفع الاجر المستحق عليه بل يكون للوسيط مطالبة كل منهما بنصيبه منها (14) ، ذلك لان كلاً من المتعاقدين كان في علاقته مع الوسيط يبتغي مصلحته الذاتية وهذا يكفي لاستبعاد افتراض التضامن وعلى ذلك لانكون بصدد التزام تضامني بل بصدد التزام مشترك وهو التزام تعددت اطرافه بدون تضامن والقاعدة في الالتزام المشترك انه ينقسم على اطرافه (15) ، وذهب رأي اخر الى ان للوسيط التجاري الحق في الرجوع بالاجر على كلا الطرفين لأنهما مدينان بدين تجاري ويفترض التضامن بين المدينين في الدين التجاري (16) ، ولا يشترط في هذه الحالة ان تكون الاجرة المستحقة على كل من الطرفين متساوية بل من الممكن ان يتحمل احدهما اكثر من الاخر اذ ان هذه المسالة يتضمنها الاتفاق الذي تم بين الوسيط وكل من الطرفين المتعاقدين . وفي القانون العراقي يتحمل كل من الطرفين المتعاقدين بالمناصفة اجرة الوساطة وبذلك يكون للوسيط التجاري حق تجاه كل من طرفي العقد ولكن من الممكن لطرفي العقد ان يتفقا على خلاف ذلك (17) . وموقف القانون العراقي هذا يوافق تماما موقف القانون الفرنسي اذ يتحمل كل من المتعاقدين أجرة الوساطة مناصفة ولو كان موسطا من احدهما على اساس ان خدمات الوسيط أفادت كليهما (18)، وعليه فإن من الممكن للطرفين المتعاقدين الاتفاق على ان يتحمل احدهما الوفاء باجرة الوساطة دون الطرف الاخر ويكون الاتفاق صحيحا وملزما لهما ولكن لا يجوز الاحتجاج به على الوسيط لانه لم يكن طرفا فيه فيجوز له مطالبة كل واحد منهما بأجرة الوساطة المستحقة له …. إن الوسيط التجاري في مطالبته بالآجر المستحق له بموجب عقد الوساطة لا يتمتع بامتياز خاص على اموال الموسط فليس له حق الامتياز ولاحق الحبس كما هو الحال في الوكيل بالعمولة ويتشابه بذلك مع الوكيل التجاري .

ثانياً- قيام الوسيط بمهمته ( إبرام العقد الموسط فيه ) .

الشرط الثاني الضروري لاستحقاق الوسيط اجرته هو إبرام العقد المكلف بالوساطة فيه ويعتبر هذا الشرط جوهر عقد الوساطة التجارية والسبب الذي دفع الموسط في اللجوء الى الوسيط طلبا لخدمته بإبرام العقد مع شخص يعثر عليه ويقبل التعاقد مع العميل . فالوسيط التجاري لا يستحق اجره الا عند انعقاد العقد بين الطرفين اللذين وسط بينهما مهما كانت الجهود التي بذلها في سبيل ابرام هذا العقد فشرط استحقاق الاجر هو ابرام العقد بين عميله والشخص الاخر الذي عثر عليه (19) . هذا ما نصت عليه الفقرة الاولى من المادة السادسة من قانون الدلالة العراقي (( يستحق الدلال الاجرة اذا ادت وساطته الى انعقاد العقد )) ويقابل هذه المادة المادة (101) فقرة اولى من قانون التجارة الاردني بقولها (( يستحق السمسار الاجر بمجرد ان تؤدي المعلومات التي اعطاها او المفاوضة التي آجراها الى عقد الاتفاق )) والمادة (194) فقرة اولى من القانون المصري (( لا يستحق السمسار اجره إلا إذا آدت وساطته الى إبرام العقد واذا لم يتم إبرام العقد بسبب تعنت من فوضه جاز للمحكمة ان تعوض السمسار عما بذله من جهد )) . والقضاء المصري مستقر على ذلك أيضاً فقد حكم بهذا الخصوص (( لا يستحق السمسار اجره إلا عند نجاح وساطته بإبرام الصفقة فعلا على يديه ولا يكفي لاستحقاقه هذا الاجر مجرد أفادت كل من الطرفين بقبول الاخر ، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد انتهى الى ان الصفقة لم تتم بين المطعون عليه والبائع في الفترة التي حددها المطعون عليه في تفويضه بالشراء للطاعن ( السمسار ) ورتب الحكم على ذلك عدم استحقاقهما للأجر المتفق عليه فأنه لا يكون قد اخطأ في تطبيق القانون))(20) . ولكن اذا كان الوسيط يستحق الاجر بإبرام العقد بين الطرفين فما هو مصير هذا الاجر اذا قام الوسيط التجاري بتنفيذ التزامه وعثر على شخص بنفس الشروط المقررة من قبل الموسط وجاء به الى هذا الاخير لإبرام العقد ولكن الوسيط عدل عن إبرام هذا العقد فهل يعتبر الوسيط التجاري مقصرا في اداء التزامه ولا يستحق أجراً أم نعتبره قد وفى بالتزاماته في هذه الحالة ؟ يرى د. اكثم الخولي إن أحكام القضاء متضاربة في هذا الشأن فبعض المحاكم قررت الاجرة للوسيط مادام قائما بالتزامه ووجد متعاقداً بذات الشروط المقررة من قبل الموسط وذهبت احكام اخرى الى عدم استحقاق الوسيط للأجر لارتباط الاجر بالعقد الموسط فيه ويرى ان الخلاف في احكام القضاء يرجع الى الخلاف في تحديد موضوع التزام الوسيط فإذا حدد التزام الوسيط بإيجاد متعاقد بشروط الموسط لانتهت مهمته بإيجاد هذا المتعاقد واستحق اجره كاملا وان لم يتم إبرام العقد اما إذا حدد موضوع التزام الوسيط بإتمام العقد بين الموسط والشخص الذي قبل التعاقد معه في هذه الحالة لا يستحق الوسيط اجره مادام العقد لم يتم آيا كان سبب تخلف إبرام العقد وهو يناصر التحليل الاول ويراه اسلم منطقيا واقرب لطبيعة هذا الالتزام اذ ان الوسيط لا يسأل عن اسباب لا يد له فيها (21) . في حين ان د. سميحة القليوبي تخالف هذا الرأي تماما وترى ان التحليل الثاني هو الذي يتفق وطبيعة مهمة الوسيط التي تنحصر في التقريب بين شخصين ليتعاقدا فإذا لم يتم هذا التعاقد فلا يستحق الوسيط اجره ولكن ذلك لا يمنعه من المطالبة بالتعويض في حالة رفض من وسطه للتعاقد ومن الممكن ان يتم الاتفاق بين الوسيط وموسطه على استحقاقه للأجر بمجرد العثور على متعاقد بنفس الشروط المحددة من قبل الوسيط دون اشتراط ان يتم العقد بين الطرفين (22)، واذا قام الوسيط التجاري بواجبه وتم ابرام العقد بين الطرفين فانه يستحق اجره بصرف النظر عن حصول التنفيذ او لا لان مهمته تقتصر على التقريب بين المتعاقدين وابرام العقد فقط دون ان تكون له علاقة بتنفيذه ولذلك اذا استوجب تنفيذ العقد اجراءات معينة كالتسجيل بالنسبة للعقار مثلا ولم يقم المتعاقدان لها فلا يؤثر ذلك في استحقاق الوسيط لاجره (23)، لذلك يكفي لاستحقاق الوسيط لأجره إبرام العقد الابتدائي ولا يلزم إتمام العقد النهائي او الانتهاء من إجراءات الشهر المقررة كالتسجيل كما ذكرنا لان استيفاء الشكل في مثل هذه الحالة من شان الاطراف وواجب عليهم ولا دخل للوسيط فيه (24) . ولكن محكمة التمييز في العراق ترى خلاف ما تقدم من استحقاق الوسيط للأجر بمجرد انعقاد العقد دون اشتراط تسجيل العقار في دائرة الطابو اذ صدر من المحكمة قرار تبين فيه ان الوسيط التجاري لا يستحق اجور الوساطة الا اذا تم تسجيل عقد بيع العقار الذي توسط فيه في دائرة الطابو (25) ، وفي قرار اخر قررت محكمة التمييز انه يجوز الاتفاق بموجب شرط صريح على استحقاق الوسيط للأجر بمجرد التوقيع على هذا العقد دون اشتراط التسجيل (26) . وقد يتم الاتفاق على ان الوسيط التجاري يضمن تنفيذ العقد وفي هذه الحالة لا يستحق الوسيط اجره الا عندما يتم تنفيذ العقد ويكون ضامنا لهذا التنفيذ والتنفيذ في هذه الحالة اما ان يتم عينا واما ان يتم عن طريق التعويض وقد حكم في هذا الخصوص ((ان تنفيذ الالتزام اما ان يكون تنفيذا عينيا فيقوم المدين بتنفيذ عين ما التزم به او تنفيذا بمقابل عن طريق التعويض واذا كان الحكم المطعون فيه قد اقام قضاءه برفض دعوى الطاعن (السمسار) تأسيسا على ان هذا الاتفاق قد تم بين الطرفين على ان استحقاق اجر السمسار معلق على تنفيذ العقدين المبرمين بين المطعون عليها ( الشركة البائعة ) والشركة المشترية وان هذا الشرط قد تخلف بفسخ العقد وعدم تنفيذهما تنفيذا عينيا بفتح الاعتماد وشحن البضاعة دون ان يعني الحكم بالرد على دفاع الطاعن ( السمسار ) من انه يستحق اجره لان العقدين قد نفذا بطريق التعويض وهو دفاع جوهري قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى ، فإن الحكم يكون قد شابه قصور يبطله بما يستوجب نقضه(27))). وقد يحصل أحياناً ان يتوقف انعقاد العقد على اتخاذ إجراء شكلي معين كالرسمية التي تعتبر ركنا في بعض العقود كقد بيع السفينة مثلا فهل يكفي مجرد اتحاد الإيجاب والقبول بين الطرفين المتعاقدين لاستحقاق الاجر ام لابد من استيفاء الشكل الذي تطلبه القانون لانعقاد مثل هذا العقد ؟ ذهب رأي في الفقه الى ان دور الوسيط التجاري هو التوفيق بين المتعاقدين والوصول بها الى مرحلة تلاقي العروض وابرام العقد بينهما فإذا نجح في هذه المهمة استحق اجره لانه قد نفذ التزامه بموجب عقد الوساطة ولا شأن بعد ذلك بصياغة العقد وإفراغه في الشكل القانوني المطلوب فتلك مهمة المتعاقدين وليست مهمته(28) ، في حين يرى الرأي الراجح في الفقه ان الوسيط التجاري لا يستحق اجره الا اذا تم العقد في الشكل المقرر قانونا لان الشكل في هذه الحالة شرط للانعقاد لا ينعقد العقد بدونه ولان التزام الوسيط ليس قاصرا على مجرد التقريب او التعريف بل لابد من اتفاق بين الطرفين بالطريق القانوني على إبرام العقد فاتفاقهم لا يكفي للانعقاد في العقود الشكلية ولكن الوسيط اذا كان لا يستحق الاجر في هذه الحالة فإنه يستحق التعويض عن المجهود الذي بذله والوقت الذي أضاعه والكسب الذي فاته مادام عدم تمام العقد يرجع الى خطأ او تعنت احد الطرفين ولا ينسب الى الوسيط وخاصة ان المتعاقدين قد يقصدا من عدم اتمام الشكلية الحيلولة دون حصول الوسيط على حقه في الاجرة (29) . وان الباحث يميل الى الاخذ بالرأي الاول وهو ان يستحق الوسيط الاجرة بمجرد إبرام العقد دون اشتراط استيفاء الشكلية المقررة قانونا لان مهمته مقتصرة على التقريب بين الطرفين وابرام العقد فمتى تم هذا التقريب وانعقد العقد يكون الوسيط قد نفذ التزامه اما انتظار استيفاء الشكلية المقررة قانونا لاستحقاق الوسيط اجره ففيه إجحاف في حق الوسيط وعدم عدالة وخاصةً ان الطرفين المتعاقدين قد يتأخرا في تسجيل العقد مثلا اشهراً ففي ذلك إلحاق ضرر بالوسيط التجاري ونلاحظ ان قانون الدلالة العراقي لم يتضمن نصا لعلاج مثل هذه المسالة لذلك فمن الأفضل ان يأخذ بهذا الرأي ضمانا لحق الوسيط التجاري واستقراراً للتعامل في المجال التجاري . وقد يكون العقد معلقا على شرط واقف او شرط فاسخ فهل يعتبر العقد قد تم بالرغم من الشرط فيحصل الوسيط على عمولته او ان تمام العقد يكون متوقفا على نتيجة الشرط وهو ما يكون له تأثيره على استحقاق الوسيط للأجر ؟ في هذه الحالة يجب التفرقة بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ فإذا كان العقد معلقا على شرط واقف فإن ذلك يعني ان وجود العقد متوقف على حصول حادثة مستقبلية وان العقد لاوجود له مادام الشرط غير متحقق لذلك لا يستحق الوسيط اجره مالم يتحقق هذا الشرط (30) . اما اذا كان العقد معلقا على شرط فاسخ فإن العقد في هذه الحالة يكون موجودا ولكن وجوده غير مستقر اذ انه مهدد بالزوال بحصول حادثة مستقبلية لذلك يستحق الوسيط اجره باعتبار ان العقد قد تم وهو عقد موجود ولكن في حالة تحقق الشرط الفاسخ هل يظل الوسيط التجاري محتفظا بالاجر ام يجب عليه رده ؟ ذهب رأي في الفقه الى ان الاثر الذي يترتب على تحقيق الشرط الفاسخ هو عودة الطرفين الى الحال التي كانا فيها قبل التعاقد فتحقق الشرط ينهي العقد بأثر رجعي مادامت اجرة الوساطة اثراً من اثار العقد الذي انفسخ فيجب في هذه الحالة ان تنتهي اجرة الوساطة معه وبالتالي فإن على الوسيط ان يرد اجرة الوساطة التي قبضها من الموسط (31) . ويفرق البعض الاخر بين اذا ما كان الشرط الفاسخ متعلقا بأسباب شخصية بطرفي العقد فهنا لا يكون لتحققه اثر في ضرورة استيفاء الوسيط لاجره وبين اذا ماكان الشرط الفاسخ متعلقا بأسباب خاصة بموضوع العقد فإن تحققه يهدم العقد اصلا ويلزم الوسيط برد الاجر وسبب التفرقة ان الشرط في الحالة الاولى من فعل الطرفين ولاشان للوسيط فيه اما في الحالة الثانية فتحققه مستمد من ذات العقد ولاشان للطرفين به لذلك يلزم الوسيط برد الاجر (32). ولكن الرأي الراجح في الفقه يذهب الى ان الشرط الفاسخ لا يؤثر في أجرة الوسيط ولذلك لا يلتزم الوسيط التجاري برد الأجر الذي حصل عليه ولو تحقق الشرط الفاسخ لان الأثر الرجعي يقتصر على العقد الذي تضمن الشرط الفاسخ والذي ابرم بين العميل ومن تعاقد معه وليس من شانه ان يؤثر في حق الوسيط الذي تأكد بإتمام العقد بين الطرفين فهذا الشرط لا يمنع وجود العقد وتحقق الشرط امر لاحق على الاتفاق (33). ويستند احد الفقهاء في تأييد هذا الرأي الى اعتبارين ،

الاول : ان تحقق الشرط الفاسخ وزوال العقد بسبب ذلك مسألة ترد في اثناء تنفيذ العقد ومن المقرر ان الوسيط لا يضمن هذا التنفيذ ولا ينشغل به ولا يختلف الاثر المترتب على هذا الشرط الفاسخ عن حالة الفسخ بسبب عدم قيام المتعاقد بتنفيذ التزامه ففي الحالتين يفسخ العقد بأثر رجعي ومن المقرر ان الوسيط لايلتزم برد العمولة في حالة الفسخ فيجب ان يكون الحكم واحدا في حالة وجود الشرط الفاسخ .

والاعتبار الثاني : ليس من المقبول في العمل ان يظل مصير العمولة معلقا على حظ العقد الذي أبرمه المتعاقدان لان الوسيط لم يكن طرفا في العقد ولا يعنيه بعد انعقاده نفاذه او توقفه خصوصا ان اسباب انهيار العقد قد لا تظهر الا بعد فوات وقت طويل على انعقاده (34)،

ويرى الباحث ان هذا الرأي هو الاصوب وهو الجدير بالتأييد خصوصا انه يراعي مصلحة الوسيط التجاري في الحصول على حقه عند تحقق الشرط الفاسخ انتهاء العقد لاسباب لا يد له فيها .وكذلك قد ينعقد العقد ولكن يطلب احد المتعاقدين فسخه بسبب عدم قيام المتعاقد الاخر بتنفيذ التزامه او يطلب إبطاله بسبب عيب في تكوين العقد فما تأثير هذا الفسخ او البطلان في حق الوسيط في العمولة ؟ يجب التفرقة في هذه الحالة بين الفسخ والبطلان فإذا فسخ العقد الذي توسط الوسيط في ابرامه فلا يؤثر ذلك في عمولته اذ ان الوسيط يستحق هذه العمولة بإبرام العقد ومتى انعقد هذا العقد استحق عمولته لذلك فإن الفسخ لا يؤثر في حق الوسيط لانه لا يسأل عن تنفيذ العقد (35) . وقد نصت على ذلك المادة (195) من القانون التجارة المصري بقولها (( اذا فسخ العقد الذي توسط السمسار في إبرامه جاز له المطالبة بأجره او الاحتفاظ بالأجر اذا كان قد قبضه الا اذا اثبت الغش او الخطأ الجسيم من جانبه )) وحكمت محكمة النقض المصرية في هذا الخصوص (( متى تمت الصفقة نتيجة لسعي السمسار ووساطته فإنه لا يحول دون استحقاقه للأجر ان يفسخ العقد الخاص بالصفقة او يبطل فيما بعد بسبب كان السمسار يجهله وقت العقد او طرأ بعد تمامه )) (36) .أما فيما يتعلق ببطلان العقد فيذهب رأي الى عدم استحقاق الوسيط للاجر في هذه الحالة لان البطلان يتعلق بتكوين العقد والاصل ان الوسيط لا يستحق العمولة الا اذا انعقد العقد انعقادا صحيحا ولكن يكون له الاحتفاظ بالاجر الى حين الحكم بالبطلان واذا كان الوسيط لا يستحق الاجر فيكون له الحق في الرجوع على المتعاقد الذي قام به سبب البطلان من اجل تعويضه عن المجهود الذي بذله والوقت الذي اضاعه كما اذا كان المتعاقد قد ارتكب تدليسا او غشا وابطل العقد بسبب ذلك (37). في حين يذهب رأي اخر الى ان استحقاق الوسيط للأجر لا يتأثر ببطلان العقد اذا اثبت انه لم يكن يعلم بسبب هذا البطلان وقت تكوين العقد وذلك لانه مادام حسن النية فلا يسأل عن صفات واهلية الشخص الذي يقدمه وعلى الطرفين ان يتاكدا من صحة العقد (38)، وهذا الرأي مقبول ويراعى استقرار التعامل في المجال التجاري ويدعم الثقة فيه ويميل الباحث الى تأييده . وثار التساؤل عن حق الوسيط في الاجر عند تجديد العقد بين من وسطه والغير وترى د. سميحة القليوبي ان الوسيط التجاري لا يستحق الاجر في هذه الحالة لانه لا يستحق الاجر الا على ما تم على يده من عقود دون ما تم مستقبلاً لان الشرط الاساسي لاستحقاق الوسيط للاجر هو ان يتم العقد عن طريق الوسيط وفي حالة التجديد لادور للوسيط في العقد المبرم مجددا (39)، وهو رأي صحيح ومقبول لان الوسيط التجاري لا يمكنه ان يطالب بأجر عند انعقاد عقد لم يتوسط فيه وعن جهد لم يبذله في سبيل ابرام هذا العقد لذلك فهو لا يستحق أجراً عن مثل هذا العقد . ولابد من بيان ان الوسيط التجاري يفقد الحق في الاجر اذا قدم للعميل شخصا اشتهر بعدم ملاءمته او قدم له شخصا ناقص الاهلية (40)، وكذلك فإن الوسيط التجاري اذا تواطأ مع الغير ضد مصلحة عميله كما لو اتفق مع هذا الغير على اخفاء عيوب البضاعة عن العميل او غشه في نوع البضاعة مثلا او غير ذلك من اساليب الغش والتدليس مقابل الحصول على منفعة فإن ذلك يؤدي الى حرمانه من الحصول على اجره (41)، وتنص على ذلك المادة (102) من القانون التجارة الاردني (( يفقد السمسار كل حق في الاجر وفي استرجاع النفقات التي صرفها اذا عمل لمصلحة المتعاقد الاخر بما يخالف التزاماته او حمل هذا المتعاقد الاخر على وعده بأجر ما في ظروف تمنع فيها قواعد حسن النية من اخذ هذا الوعد )) . ولا مقابل لهذا النص في قانون الدلالة العراقي ومن الافضل تضمين القانون العراقي مثل هذا النص لقطع الطريق امام الوسيط التجاري في اتباع طرق ملتوية لزيادة اجره في الحصول على عمولة اضافية من المتعاقد الاخر نظير الاضرار بعميله.

الشرط الثالث : ان ينعقد العقد نتيجة سعي الوسيط وجهوده .

الشرط الاخير لاستحقاق الوسيط التجاري لاجره ان يتم العقد بين الطرفين نتيجة سعي الوسيط وجهوده فلا بد اذن من وجود رابطة سببية بين جهود الوسيط وابرام التعاقد حتى يمكن القول بأحقية الاجرة (42). وليس معنى ذلك ان يشترك الوسيط في جميع مراحل المفاوضات او ان يحضر صياغة العقد وانما يكفي ان يتم العقد بناءا على تدخله ولو لم يكن هذا التدخل بارزا في كل مراحل الصفقة (43)، ولكن اذا بذل الوسيط جهوده في سبيل ابرام العقد بين الطرفين ولكن لم يتوصل الطرفإن الى هذا الابرام فانه لايستحق الاجر ولكن يستحق تعويضاً عن جهوده التي بذلها في سبيل ذلك وكذلك اذا تعاقد الموسط مع شخص اخر غير العميل الذي جلبه الوسيط فإن الوسيط لايستطيع ان يطالب بالاجر لان هذا التعاقد لم يتم عن طريق جهوده(44) ، فإذا اثبت الطرفإن انهما كانا على اتصال وان المفاوضات بينهما كانت ستؤدي الى ابرام العقد ولو لم يتدخل الوسيط فلا يستحق في هذه الحالة أجراً (45) ، ويكون له الحق في المطالبة بالتعويض عما بذله من جهد اذا كان لهذا الجهد اثر ما في التعاقد وقاضي الموضوع هو الذي يقدر دور الوسيط ومدى هذا الدور في اتمام التعاقد ويستوي ان تكون هذه المفاوضات سابقة على عقد الوساطة او لاحقة له كما اذا وجد الموسط متعاقدا للصفقة ليس عن طريق الوسيط ثم يعلم هذا الأخير فيتدخل لإبرام العقد (46). واذا نجح الوسيط في مساعيه الايجابية وتم ابرام العقد بين الطرفين فإن حقه في العمولة قاصر على هذه الصفقة فقط ولا حق له في اية اجرة اخرى عن أي اتفاق اخر يتم بين الطرفين دون وساطة هذا الوسيط حتى لو كان هذا الاتفاق راجعاً الى تعرفهما على بعضهما البعض نتيجة جهوده في عقود اخرى فحقه في الاجرة يقتصر على انعقاد العقد الذي توسط في ابرامه ولايتعداه الى غيره من العقود التي تبرم بين الطرفين فيما بعد (47). ويعتبر توافر رابطة السببية بين جهود الوسيط وابرام الصفقة من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع وله مطلق الحرية في ذلك وهو الذي يقرر توافر هذه الرابطة من عدمها (48). وبذلك نكون قد انتهينا من الشروط التي يستلزم توافرها لاستحقاق الوسيط للاجر فمتى توافرت هذه الشروط كان للوسيط الحق في المطالبة بأجره واذا استحق الوسيط اجره على النحو المتقدم فهل يجوز تعديل هذا الاجر من قبل محكمة الموضوع سواء بالتخفيض او الزيادة في حالة رفع مثل هذا الطلب اليها سواء من الوسيط التجاري او من قبل العميل ؟ نلاحظ ان هذا الامر قد اختلف عليه في مصر قبل صدور قانون التجارة الأخير حول جواز تخفيض اجر الوسيط المتفق عليه فذهبت بعض الأحكام القضائية الى جواز ذلك وإخضاع تقدير اجر الوسيط لتقدير المحكمة قياسا على الوكالة باعتبار ان اجر الوكيل يخضع لتقدير القاضي بقولها (( ان أتعاب السمسار كأتعاب الوكيل خاضعة دائما لتقدير المحاكم مهما كان اتفاق الطرفين )) (49)، لكن مثل هذه الاحكام قد تعرضت لنقد كبير من جانب الفقهاء وذهب رأي الى انه لا يجوز قياس الوساطة على الوكالة في هذا المجال وبالتالي لا يجوز للمحاكم تعديل الاجر المتفق عليه مهما كان مبالغا فيه بالقياس الى الجهد الذي بذله الوسيط في هذا المجال لان النص الوارد في مجال الوكالة نص استثنائي لايجوز القياس عليه فضلا عن ان الوكالة عمل تبرعي بحسب الاصل وتختلف الوساطة في ذلك عنها اذ انها تكون بأجر دائما ولذلك لامجال لان يمتد الحكم اليها في هذا الشأن (50). ولا مجال لهذا الاختلاف في الوقت الراهن لان قانون التجارة المصري الاخير قد نص صراحة على جواز تخفيض اجر الوسيط اذا كان مبالغا فيه وغير متناسب مع الجهد الذي بذله الا اذا تم دفع هذا الاجر بعد ان تم ابرام العقد الذي يتوسط فيه بموجب المادة (196) فيه وكذلك نص القانون الاردني في الفقرة الثانية من المادة (100) من قانون التجارة على نص مماثل (51).

واستنادا الى النصوص المتقدمة فلا مجال لقياس الوساطة على الوكالة لان القانون قد جعل اجر الوسيط خاضعا لتقدير المحكمة على حالة التخفيض فقط وهذا ما يتفق وطبيعة عقد الوساطة لان الوسيط التجاري يكون محترفا لهذا النشاط ويحسن تقدير اجره لذلك أعطى المشرع الحق للطرف الاخر في طلب تخفيض هذا الاجر في حين ان الوكالة غالبا ما يكون أطرافها غير تجار وهم لا يحسنون عادة تقدير الاجر لذلك اعطى القانون الحق للمحكمة بالتدخل في هذا التقدير بالزيادة او النقصان ، اما في فرنسا فلا وجود لمثل هذا النص في قانون التجارة الفرنسي ولكن القضاء مستقر على جواز تخفيض المحكمة لأجر الوسيط وقضت محكمة النقض الفرنسية في هذا الخصوص بجواز استعمال القاضي حقه في إعادة تقدير اجر الوسيط في ضوء الجهد الذي بذله حيث خفضت المحكمة هذا الاجر وجعلته متناسباً مع مابذله من جهد في وساطته للصفقة (52). مما تقدم نلاحظ انه يجوز للمحكمة ان تخفض اجر الوسيط اذا كان لا يتناسب مع اهمية العملية والجهود الذي بذلها الى الحد العادل للخدمة المقدمة والعلة في هذا ان أجرة الوسيط تحدد باتفاق سابق بين الوسيط والعميل فيبالغ الوسيط عادة في رفع هذا الاجر مستندا الى حجة ان هذه الصفقة معقدة وتحتاج الى مجهود كبير من قبله والى نفقات ومصاريف كثيرة ولكن قد يتبين للعميل ( الموسط) بعد ان تتم الصفقة ان هذه الادعاءات غير صحيحة وانه كان مبالغا فيها لذلك اعطى القانون له الحق في ان يلجا الى القضاء من اجل تخفيض هذه الاجرة الى الحد الذي يتناسب والجهود المبذولة من قبل الموسط (53)، لذلك إذا تم الاتفاق على الاجر بعد ابرام الصفقة او دفع الاجر المتفق عليه بعد هذا الوقت لا يجوز في هذه الحالة المطالبة بتخفيض الاجر (54). ومن ناحية اخرى فإن القاضي لا يجوز له ان يزيد من مقدار الاجر المتفق عليه اذا وجد انه لا يتناسب مع الجهد الذي بذله الوسيط استنادا الى مفهوم المخالفة للنصوص المذكورة انفاً المادة (196 مصري ، والفقرة الثانية من المادة 100من القانون الاردني) وتعليل ذلك ان الوسيط المحترف تاجر وهو ليس بحاجة الى هذه الحماية فهو خبير بالعمليات التي يقوم بالوساطة فيها وعلى دراية كاملة بكل ظروفها وهو لابد من ان يكون قد قدر جهوده تقديرا جيدا متناسباً مع جهده (55). غير ان هناك اعتباراً أخر اكثر اهمية في الميدان التجاري هو استقرار التعامل واطمئنان العملاء اذ ان زيادة اجر الوسيط عما تم الاتفاق عليه من شانه ان يثير القلق والارتباك في المعاملات التجارية لذلك من الافضل حتى إذا أساء تقدير اجره ان يتحمل وحده تبعة هذا التقدير (56). ان قانون الدلالة العراقي لا يتضمن نصا يعطي الحق للمحكمة الصلاحية في تخفيض اجر الوسيط اذا كان مبالغا فيه ولا يتناسب مع الجهود المبذولة من قبله لان هذا القانون قد حدد الأجرة بنسبة معينة من قيمة الصفقة ووضع لهذه الاجرة حداً أعلى لا يجوز الزيادة عليه وفي ذلك حماية للموسط من غبن الوسطاء في هذا المجال اذ ان اجرة الوسيط محددة بمبلغ معين لا يجوز الزيادة فيه وهذا ما جاء في المادة السادسة منه في الفقرة الثالثة اذ جاء فيها انه(( لا يجوز ان تزيد الاجرة عن الف وخمسمائة دينار )).

 

(محاماه نت)

إغلاق