دراسات قانونية

استقلال السلطة القضائية بين دستوري 1996 و2011 (بحث قانوني)

استقلال السلطة القضائية بين دستوري 1996 و2011

علوي محمدي سمية
حاصلة على شهادة ماستر قانون المنازعات العمومية بفاس

إن السلطة القضائية تكتسي أهمية خاصة باعتبارها أهم ضمانة لاحترام حقوق الإنسان وحماية مصالح الأفراد والجماعات، وباعتبارها الآلية المعهود إليها ضمان سيادة القانون، ومساواة الجميع أمام مقتضياته؛ ويترتب عن الثقة في استقلال ونزاهة القضاء دوران عجلة الاقتصاد بشكل فعال ومنتج، وتنشيط الاستثمارات، وتحقيق التنمية؛ وتشجيع الاستثمارات الخارجية، وتلميع صورة المغرب في وجه المستثمرين الأجانب الدين يبحثون عن قضاء ناجع وفعال وسريع يضمن لهم حقوقهم.

فالقضاء يعتبر إحدى أهم اللبنات الاساسية لبناء دولة الحق والقانون، وهو يضطلع بمهمة الفصل في الحقوق المتنازع حولها، وفق مساطر قانونية تضمن شروط المحاكمة العادلة شكلا ومضمونا. ولأهميته في حياة الأمم أضحى مقياسا لمؤشرات التنمية في دول العالم بصورة يحسم في طبيعة ومدى تقدم الدول أو تأخرها .

ومن جهة أخرى هناك العديد من الاختلالات التي يعرفها هذا المجال، والتي تظهر في صعوبة تحقيق استقلالية الجهاز القضائي في مواجهة السلطة التنفيذية على أرض الواقع، ذلك أن المنطق السليم يفترض أنه لا يمكن تحقيق استقلالية حقيقية في قرارات السلطة القضائية إذا لم تكن هذه الاستقلالية مترجمة على مستوى ظروف ووسائل اشتغال جهاز القضاء بشكل يجعل القضاة يحسون أنهم مستقلون فعلا، وأن العلاقة بينهم وبين باقي السلط هي علاقة ندية واستقلال، لا علاقة تبعية واحتياج، وهي علاقة لا تمنع من إمكانية وجود نوع من التعاون.

ففي خضم الاصلاحات التي يعيشها المغرب في العشرية الاخيرة ، يحتل ورش اصلاح القضاء مكانة جد مهمة، ويمكن اعتبار المبادرة التي أطلقتها عشر منظمات حقوقية في السنوات الاخيرة والمتمثلة في اصدار مشروع حول اصلاح القضاء، مساهمة في النقاش الذي شُرع فيه لوضع خارطة طريق نحو اصلاح هيكلي ومؤسساتي وتشريعي للنظام القضائي، والذي جاء الخطاب الملكي ل 20 غشت 2009 ليضعه ضمن الاولويات التي ترهن الاستقلال.

لقد وضع الدستور الجديد لبنة اساسية في استقلال السلطة القضائية، إذ من بين المرتكزات الاساسية التي أشار اليها الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 ضرورة الارتقاء بالقضاء ليصبح سلطة مستقلة، وبذلك تقرر احداث المجلس الاعلى للسلطة القضائية برئاسة الملك، وهذه اشارة الى ان المغرب سيدخل مرحلة فصل السلط .

ويتجلى مبدأ استقلال القضاء ايضا، على مستوى الفاعلين الأساسيين في منظومة العدالة ونعني بذلك القضاة، فمن خلال الفصل 109 من الدستور الجديد نجده ينص على أنه “يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ، ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط” وفي الفقرة الثانية من نفس الفصل أوجب على القاضي أنه كلما احس بأن استقلاله مهدد أن يحيل الامر على المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

كما اعتبر هذا الدستور، أن كل اخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد، يعد خطأ مهنيا جسيما بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة، حيت تم التنصيص في نفس الفصل على أنه : ” يعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة “. لا شك أن الدستور في فصوله المتعلقة بالسلطة القضائية لم يضمن فقط استقلال القضاة، بل تضمن اشارات صارمة تفيد بأن القاضي ملزم بتطبيق القانون واصدار أحكام وفق القانون.

وإذا كان لوزير العدل كنائب لرئيس المجلس الأعلى للقضاء في الدستور السابق سلطات واسعةفيما يخص المسار المهني للقاضي، حيث كان يعهد اليه بكل ما يتعلق بنقلهم وترقيتهم وتأديبهم بما في ذلك من تأثير سلبي على هؤلاء، فانه و بمقتضى الدستور الجديد، أصبح وزير العدل مُبعدا في هدا المجال، على الأقل حسب ما يفهم من نصوصه ، حيث ألحقت جميع الصلاحيات المتعلقة بالحياة المهنية للقضاة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي أصبح يهتم بتطبيق الضمانات الممنوحة لهم ولاسيما فيما يتعلق بتعيينهم، نقلهم، ترقيتهم وتأديبهم، كما نص على ذلك الفصل 113 من دستور2011 ، بل أضاف الفصل 114 ضمانة أخرى وهي أن المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة قضائية ادارية بالمملكة. إضافة إلى الفصل 108 الذي أضاف ضمانة أخرى تتعلق بإحاطة عقوبة عزل القضاة وسلطة تنقيلهم بالقانون: “لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون”.

ومن المستجدات التي جاء بها دستور2011 والتي تصب أيضا في مجال تعزيز استقلالية السلطة القضائية ما ينص عليه الفصل 111 من حق القضاة في التعبير، وذلك في حدود واجبات التحفظ والأخلاقيات القضائية، وكذا تنصيصه على حقهم في الانتماء الى الجمعيات وانشاء جمعيات مهنية، كل ذلك ضمن حدود احترام واجب التجرد والاستقلال ولتعزيز مبدأ الاستقلالية والتجرد في اصدار الأحكام، تم منعهم من الانتماء الى الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية.

غير أن ما يسجل هنا أنه بعد مجيء دستور 2011 والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية، أصبحت تلك المهمة التي كان يتمتع بها وزير العدل متناقضة، واليوم بمقتضى ميثاق العدالة فقد تحددت معالم استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية عن طريق الأهداف المسطرة.

فحسب الميثاق فإنه لا يمكن تحقيق مسألة الاستقلالية للسلطة القضائية دون ضمان استقلالية المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك بسن قانون تنظيمي خاص بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يخصص له ميزانية سنوية تضمن له الاستقلال المالي والإداري، بالإضافة إلى توفره على مقر يحتوي في تنظيمه على أمانة عامة ومفتشية عامة تُسير بنظام داخلي.

وقد عزز الميثاق هذا التوجه بضرورة ضمان تمثيلية شاملة وفعالة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فتمثيلية النساء ضمن المؤسسات الوطنية أصبحت مسألة أساسية، ولهذا فإن الميثاق قد تعرض لهذه النقطة بالإضافة إلى وضعه لمعايير واضحة لترشيح القضاة بالمجلس، وتطرق كذلك إلى مدة انتخاب القضاة والتي حددها في مدة أربع سنوات، وخمس سنوات للأعضاء معينين من الملك.وتطرق كذلك إلى ضرورة النهوض بالوضعية المادية للقضاة، مع إسناد المسار المهني للقضاة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووضعه لمعايير اختيار القضاة. وتطرق إلى ضرورة تأسيس مفتشية بالمجلس الاعلى للسلطة القضائية، تكون مهمتها التحري والتحقق ومراقبة المحاكم، وفيما يخص التنسيق بين المجلس الاعلى للسلطة القضائية وباقي السلطات فقد تم إسناد رئاسة مجلس وإدارة معهد تكوين القضاة، إلى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع تقديم السلطات للتسهيلات اللازمة إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وضرورة تواصل المجلس الأعلى للسلطة القضائية مع محيطه، بوضع آليات لإعداد التقارير والدراسات، ووضع تقرير سنوي سيرصد تشخيص كامل لتوجهات السلطة القضائية.

وتعد مسألة استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، من أهم النقط التي عرفت جدالا واسعا في الماضي، فإسناد الميثاق رئاسة النيابة العامة للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، هي نقطة إيجابية تعزز مسألة الاستقلالية، فوزير العدل لم تبقى له أي سلطة على القضاء ماعدا مهمته في وضع السياسة الجنائية وتبليغها إلى الوكيل العام، وهذا الأخير الذي يكون معنيا بتقديم تقرير سنوي للملك حول المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

المبحث الأول: مطالب المجتمع المدني ومقترحات الاحزاب السياسية قبل التعديل الدستوري

شكل التعديل الدستوري لسنة 2011 نقلة نوعية في مجال إرساء دولة الحق والقانون بالمغرب، هذا التعديل الذي جاء في سياق العديد من المتغيرات سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي أو الدولي، جاء استجابة لمطالب العديد من الفعاليات الحقوقية و السياسية وخاصة الشبابية منها ومنظمات المجتمع المدني في المغرب.

فقد أعطى الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 انطلاقة لورش الإصلاح الدستوري الذي بادر من خلاله الملك إلى الإعلان عن التعديل الشامل وبتنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور حيث أوكل لها مهمة لتعديل دستور 1996، وقد تبنت مقاربة جديدة في إعداد مقاربة تشاركية إذ تم إشراك أغلب الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني، بحيث وصل عدد هذه الهيئات المستمع إليها إلى 100 وبلغ عدد المذكرات الدستورية الإصلاحية المقدمة إلى اللجنة 185 مذكرة.
وعليه فإن منهجية الإصلاح الدستوري الأخيرة تميزت بنوع من البراغماتية ونهجت أسلوب التواصل والشراكة المباشرة بدل الإجراءات الكتابية التي لجأت إليها الأحزاب الوطنية من خلال مذكراتها في التسعينات من القرن الماضي.

المطلب الأول: مطالب المجتمع المدني قبل التعديل الدستوري

لقد ارتكز الإصلاح الدستوري على سبع نقاط أساسية على رأسها توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها من خلال تقوية صلاحيات الوزير الأول، والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة.
وعليه سنعمل في هذه النقطة على تقديم موجز لمطالب الجمعيات المجتمع المدني بخصوص إصلاح القضاء من خلال إجراء قراءة لتوصياتها واقتراحاتها للوقوف على مدى استجابة الإصلاح الدستوري لتوصياتها في هذا الإطار.
فمن ضمن هذه الجمعيات نعرض مذكرة جمعية عدالة باعتبار تخصصها وقربها من مجال القضاء، ومن ضمن أهم النقاط الواردة في مذكرتها التي قدمتها للجنة الاستشارية المكلفة بتعديل الدستور:

أولا: الاعتبارات الأساسية والمرجعية المعتمدة في صياغة المذكرة:

انطلقت جمعية عدالة في مذكرتها من المسلمات التالية:

تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة في النص الدستوري لا يمكن فصلها عن القواعد المرتبطة بسمو الاتفاقيات الدولية وتلك المنظمة لفصل السلط بشكل يقوي المؤسسات الديمقراطية ويربط المسؤولية بالمحاسبة وتقديم الحساب، كما يرتبط بتقوية دور المجلس الدستوري وتفصيل البنود الحمائية للحريات بما في ذلك دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة .

تبني دستور ديمقراطي، يتم وفق مسطرة ديمقراطية، هو الأساس الذي يمنع تسخير القضاء كخدمة عمومية من طرف بعض الفاعلين ضد خصومهم السياسيين ويسمح بقبول قضاء مستقل ونزيه .
ضرورة سن قواعد دستورية دقيقة تضمن حقوق المتقاضين على قدم المساواة وتؤمن استقلال القضاة وتسمح بشفافية وتفتح الجهاز الذي يشرف على المسار المهني للقضاة وعلى تأديبهم وتدبير أمور القضاء.
إجبارية إحالة القوانين التي تهم الحقوق والحريات على المجلس الدستوري للنظر في دستوريتها يعد أفضل وسيلة لتلافي اعتماد قوانين ضد الحقوق وتخرق الضمانات الدستورية.
الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة،وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري توطيدا لسمو الدستور ولسيادة القانون والمساواة أمامه”
.
ثانيا: فيما يخص المجلس الأعلى للسلطة القضائية

ارتأت الجمعية تبني توصية هيئة الإنصاف والمصالحة في هذا الإطار والتيتقضي بضرورة تقوية الضمانات الدستورية لاستقلاليه وجعل نظامه الأساسي يحدد بقانون تنظيمي يتم بمقتضاه مراجعة تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية أطراف غير قضائية داخله، مع الإقرار له باستقلاله الذاتي بشريا وماليا، وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم، وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة، وفي هذا السياق، جاء مقترح جمعية عدالة بخصوص المجلس الأعلى للسلطة القضائية بخصوص تشكيلته، والتي ارتأت أنه لا مناص من توسيع التمثيلية في تشكيلته لأطراف أخرى إلى جانب القضاة، كما اقترحت أن يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على استقلال السلطة القضائية وعلى تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة فيما يرجع لترقيتهم وتأديبهم، كما يسهر على تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة.
وتجدرالإشارة إلى أن مذكرة جمعية عدالة جاءت مفصلة وشاملة لتصورها لهذه الهيئة وعيا منها بدور هذه المؤسسة في السهر على تحقيق العدالة بالمغرب.

ثالثا : تقوية استقلال واختصاصات المجلس الدستوري

انطلقت جمعية عدالة لبلورة مقترحها بخصوص المجلس الدستوري من الخطاب الملكي في 9 مارس2011 والذي جاء فيه ضرورة “الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري توطيدا لسمو الدستور ولسيادة القانون والمساواة أمامه”، وفي هذا الإطار جاء في مذكرتها ضرورة:

إعادة النظر في عدد الأعضاء الدين تعينهم كل مؤسسة
وضع شروط ومؤهلات لعضوية المجلس الدستوري، ذلك أن الدستور السابق والقانون التنظيمي لم يشيرا إلى أي شروط ومؤهلات لعضوية المجلس، كما لم ينصا على تنافي العضوية مع بعض المهن الحرة خلال فترة مزاوله العضوية كالمحاماة.
إضافة اختصاصات جديدة للمجلس الدستوري في مجال مراقبة دستورية القوانين خاصة بالنسبة للقوانين المتعلقة بالحقوق والحريات أو في مجال مراقبة دستورية المعاهدات.
تسهيل إحالة القوانين والمعاهدات من طرف الأقلية البرلمانية.
تقييد المجلس الدستوري بأجل للبث في المنازعات الانتخابية لا يتعدى سنة مند تقديم الطعن على أن ينظم القانون الانتخابي مساطر الطعون أمام مختلف المحاكم بشكل يمكن المجلس الدستوري من مراعاة هذا الأجل.

ومن جانبها عملت الودادية الحسنية للقضاة على بلورة تصورها في مذكرتها بشأن مراجعة الدستور المرتبطة بإصلاح القضاء معتبرة أن إرساء دعائم دولة مغربية قوية لا يمكن أن يتحقق بدون إرساء سلطة قضائية مستقلة، وفي سبيل ذلك لا بد من دسترة الضمانات المحققة لهذه الاستقلالية، والرفع من النجاعة القضائية، والانفراد بالبت في النزاعات القضائية، ترسيخا لدولة الحق والقانون، في إطار فصل ظاهر للسلط.

ومقترحاتها فيما يخص السلطة القضائية، ارتأت الودادية أنه تحقيقا للاستقلال الكامل القضاء، لا بد من التنصيص في صلب الدستورعلى تسمية القضاء بالسلطة القضائية للرفع من مكانته وجعله سلطة إلى جانب السلطة التشريعية والتنفيذية، كما اقترحت الودادية بأن يترأس السلطة القضائية الرئيس الأول للمجلس الأعلى على غرار ما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية في العالم، وفي نفس السياق ارتأت الودادية استبدال تسمية “النظام الأساسي لرجال القضاء” ب “النظام الاساسي للسلطة القضائية” الذي سيتولى تنظيم حقوق وواجبات القضاة، وبيان كيفية تعيينهم وترقيتهم …
وتحقيقا لاستقلالية قضاء النيابة العامة اقترحت الودادية وضعها تحت سلطة الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى.

أما فيما يخص اقتراحاتها المتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاء، فقد تضمنت مذكرتها فيما يخص التأليف، الاستمرار في إسناد رئاسته للملك، وأن يكون منصب نائب الرئيس يشغله رئيس المجلس الأعلى الاسمى درجة في السلك القضائي، وأن يكون أعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء بقوة القانون الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى، ورئيس الغرفة المدنية الأولى، إلى جانب هذه الفئة تقترح الودادية تأليف المجلس من عشرة قضاة كأعضاء منتخبون، خمسة يمثلون محاكم الدرجة الأولى وخمسة يمثلون محاكم الدرجة الثانية.
ووعيا منها بالدور الذي تلعبه كقوة اقتراحية في المجتمع، عملت عشر جمعيات تشتغل في المجال الحقوقي على بلورة مذكرتها حول إصلاح القضاء بالمغرب، مساهمة منها في النقاش العام حول الإصلاح الجذري لمنظومة العدالة هيكليا ومؤسساتيا وتشريعيا.فمن أهم ما تضمنته هذه المذكرة بعد تقديمها للسياق العام ودواعي الإصلاح سواء على الصعيد الوطني أو السياق الدولي، استعرضت المذكرة مجموعة من الضمانات القانونية والمؤسساتية الأساسية للإصلاح منها ما يهم إصلاح المجلس الأعلى للقضاء بتوسيع مهامه وتوضيحها بقانون تنظيمي باعتبار هذا المجلس الممثل الدستوري الضامن لاستقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى مستوى تأليفه ضرورة توسيع تمثيلية الكفاءات القانونية والفكرية والحقوقية المشهود لها بالنزاهة الأخلاقية والخبرة العلمية والفقهية والإدارية بناء على معايير محددة، وتولي نيابة الملك في رئاسة المجلس قاض سام ولفترة محددة وثابتة وكذا تعيين نائب الرئيس باقتراح من المجلس كل أربع سنوات.

أما ما يخص المسار المهني للقضاة وضمان استقلاليتهم فقد اقترحت مذكرة الجمعيات العشر على ضرورة أن يسهر المجلس الأعلى للقضاء فعليا على تعيين القضاة وتكوينهم ونقلهم وترقيتهم وتأديبهم وتقاعدهم، وضرورة تمكين المجلس من الوسائل الضرورية للقيام بالمهام المسندة إليه فعليا.
كما طالبت الجمعيات في مذكرتها بضرورة التنصيص في القانون التنظيمي للمجلس على مقتضيات تدعم استقلالية النيابة العامة عن وزير العدل، وتكريس حق القضاة في ممارسة الحريات العامة وحريات التعبير و تكوين الجمعيات .
فعموما، شكلت هذه المذكرة التي طالبت فيها هذه الجمعيات الحقوقية بالمغرب والتي طالبت من خلالها بإصلاح القضاء، مساهمة جادة في النقاش العام حول إصلاح القضاء بالنظر لانبثاقها من تجارب وعمل هذه الجمعيات على أرض الواقع مما انعكس على اقتراحاتها التي جاءت مدققة ومفصلة وعملية، فقد قدمت هذه المذكرة تصورا عاما وشاملا لإصلاح القضاء سواء على المستوى المؤسساتي أو التشريعي وذلك في أفق توفير الشروط الكفيلة بتحقيق المحاكمة العادلة.

وفي جانب آخر تضمنت مذكرة مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية حول مراجعة الدستور في الجانب المتعلق بتقوية استقلال القضاء النقاط التالية:
-الارتقاء بالقضاء دستوريا إلى مستوى سلطة
-تجريم كل إخلال أو مساس بحرمة القضاء ، أو التدخل أو التأثير على استقلاليته ، بما فيها عدم تنفيذ الأحكام القضائية من قبل الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية والهيآت التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشآت والهيآت الخاضعة للمراقبة المالية للدولة.
-دسترة انفتاح المجلس الأعلى للقضاء على محيطه بتطعيمه بكفاءات عليا، نزيهة ومستقيمة.

-احترام مقاربة النوع في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء ،
– حضور كل مكونات القضاء في تركيبة المجلس،
-إلغاء عضوية وزير العدل من تركيبة المجلس الأعلى للقضاء .
وتحقيقا لهذه الأهداف ارتأى المركز بأنه يجب دسترة الحق في محاكمة عادلة ، وكحد أدنى إعلاء مبدأ قرينة البراءة إلى مستوى حق دستوري كما طالبت بذلك هيئة الإنصاف والمصالحة، وضرورة العمل والحرص على الارتقاء بالقضاء إلى قضية “القاضي المستقل” عن طريق التكوين سواء الأساسي أو المستمر، وضبط وشفافية المسار المهني للقاضي وإيلاء وضعه الاجتماعي عناية خاصة ، علاوة على تجريم جميع المؤثرات الخارجية المتدخلة في عمل القاضي لأن “القاضي المستقل” هو صمام أمان لاستقلالية القضاء.

أما عن موقف المرصد المغربي للسجون، والذي عكسته مذكرته المقدمة للجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، والتي تهم القضاء، فقد انطلقت من تشخيصها لمختلف المعيقات التي تعاني منها العدالة بالمغرب والمتمثلة أساسا في:
فيما يخص المكانة الدستورية التي يحتلها القضاء، فقد عبر العديد من الخبراء الدستوريين والمهنيين القانونيين على انشغالهم بضعف المكانة التي يحتلها القضاء، فأجمعوا أن الأمن القضائي لن يتحقق في ظل قضاء بمؤسسات تابعة لسلطات أخرى، ولن يحققه قضاة موظفون لدى وزارة العدل.

على المستوى السياسي تبعية السلطة القضائية للمؤسسة الملكية.
أما على المستوى المؤسساتي، فالمكانة الضعيفة التي يحتلها المجلس الأعلى للقضاء في علاقتها مع باقي السلط والمؤسسات الدستورية الأخرى بالمغرب له تداعيات على صلاحيات المجلس في تدبير مجال العدالة، أو مساحة سلطاته لضمان استقلالية القضاء والقضاة.
على مستوى تهديد الأمن القضائي للمتقاضين، فقد اعتبر المرصد أن ما تعاني منه العدالة بالمغرب من اختلالات وغياب للمردودية والشفافية كلها مداخيل يجب استثمارها لإصلاح القضاء بالمغرب.

فإجمالا، عكست المذكرات التي تقدمت بها جمعيات المجتمع المدني والفعاليات المدنية بالمغرب تصور المواطنين والمواطنات لورش إصلاح القضاء بالمغرب ورؤيتهم للتغيير الديمقراطي المطلوب وبناء قضاء قوي ومستقل قادر على حماية الحقوق الدستورية خال من آفة الرشوة، فالإجماع حاصل على ضرورة إقرار سلطة قضائية مستقلة ذات صلاحيات قوية ونظام أساسي للقضاة كفيل بتحقيق هذه الاستقلالية.

المطلب الثاني : مقترحات الأحزاب السياسية قبل التعديل الدستوري

تعد الأحزاب السياسية تنظيمات تعمل على تأطير المواطنين والمواطنات وتكوينهم السياسي،وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية،وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين،والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية، هذا ا تعريف استقيناه من الفصل 7 من الدستور الحالي للمملكة.
فقد تم تقوية دور الأحزاب في الدستور الجديد، يعني الانتقال من مجرد قنوات التأطير إلى وجود ممارسة سياسية للأحزاب، تطمح من خلال ممارستها إلى الحصول على السلطة.

وما يميز المغرب هو تبنيه لنظام التعددية الحزبية، إذ تنبثق الأحزاب باستمرار في إطار حرية تأسيس الأحزاب مما يؤثر سلبا على الخريطة السياسية بالبلاد.
وباعتبارها أداة للتعبير على إرادة المواطنين فقد شاركت الأحزاب السياسية في بلورة الوثيقة الدستورية لسنة 2011، بحيث شملت المشاورات الأحزاب السياسية بكل تلويناتها، وبمختلف مرجعياتها من خلال تبني مقاربة إرسال المذكرات إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.
مما تجدر الإشارة إليه، أن مواقف الأحزاب السياسية المتعلقة بإصلاح القضاء تختلف باختلاف مرجعياتها ومواقعها السياسية.

وفي هذا الإطار، سنعمل على عرض بعض مقترحات ومطالب الأحزاب السياسية بخصوص تعزيز مكانة القضاء بالمغرب ،من خلال إجراء قراءة في مذكرة تحالف اليسار، وعيا منا بأن المجال لا يتسع لعرض كل المواقف والمذكرات التي تقدمت بها الأحزاب لهذه اللجنة والمتعلقة اساسا باقتراحاتها في مجال السلطة القضائية.
وبالفعل فقد شكلت بعض الأحزاب “اليسارية” تحـــالفا تحت اسم “تحالف اليــــسار الديمقــراطي” مشكلا من ثلاثة أحزاب وهي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي الموحد, وقد عمل هذا التحالف على صياغة مذكرته حول إصلاح القضاء المغربي والتي تضمنت مرتكزات أساسيا وهي:

أولا: بعض مظاهر اختلالات القضاء المغربي

اعتبر هذا التحالف أن تجاهل الدولة لإصلاح القضاء نتج عنه اختلالات عميقة وممارسات أثرت سلبا على تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين أمام القضاء، وعلى تدفق الاستثمارات الخارجية ببلادنا ، كما أساءت لصورة المغرب داخليا وخارجيا، كما اعتبر في مذكرته أن القضاء النزيه والمستقل هو من بين أسس دولة الحق والقانون ورافعة ضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولا يمكن تحقيق الأمن للمواطنين والعدل بينهم بدون قضاء نزيه ومستقل يثق فيه الجميع.

وبخصوص تصوره لمنهجية إصلاح القضاء إصلاحا شاملا وعميقا ، يتمثل أساسا فيتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لتحقيقه، واعتماد المقاربة التشاركية لكافة المعنيين والتفاعلحول المقترحات.

ثانيا: المبادئ المؤطرة لإصلاح القضاء

بخصوص المرجعية ارتأى التحالف ضرورة اعتماد المرجعية الكونية المتمثلة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والمواثيق الأخرى وكذامبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية والمعتمدة بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 في 29 نونبر 1985 ورقم 40/146 في 13 دجنبر 1985.
بالإضافة إلى مبادئ توجيهية بشأن دور النيابة العامة التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا من 27 غشت إلى 7 شتنبر 1990. ومبادئ أساسية بشأن دور المحامين التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في هافانا من 27 غشت إلى 7 شتنبر 1990.

ثالثا: بعض المقترحات لإصلاح القضاء

تضمنت مذكرة التحالف ثلاثة أهداف أساسية متوخاة من إصلاح القضاء هي:

أ‌- تحقيق استقلالية القضاء وذلك من خلالمراجعة تركيبة واختصاصات ودور المجلس الأعلى للقضاء وذلك بـ:

إسناد رئاسة المجلس لأحد القضاة بالانتخاب ووفق معايير محددة ودقيقة.
إسناد المجلس دورا تقريريا وليس استشاريا في مسائل الترقية والتأديب والنقل والتعيين والعزل، سواء لقضاء النيابة العامة أو لقضاء التحقيق أو لقضاة الحكم
إلغاء صلاحيات وزير العدل فيما يخصتغيير قضاة التحقيق،والتحكم في تأديب القضاة وترقيتهم وانتخاب ممثليهم بالمجلس الاعلى وإلغاء تحكم وزارة العدل في تفتيش المحاكم والقضاة. وإسناد تلك الاختصاصات إلى المجلس الأعلى للقضاء.
منع تدخل السلطة التنفيذية في سير عمل المجلس الأعلى للقضاء أو في التأثير على مجرى الحياة النقابية أو الجمعوية للقضاة.
توسيع تركيبة المجلس الأعلى للقضاء لتشمل ممثلين عن هيئات المحامين والأساتذة الباحثين في التخصصات القانونية ، يتم انتخاب كل منهم وفق مسطرة يحددها قانونين تنظيميين ، وممثلين عن المنظمات الحقوقية يختارهم البرلمان.
معاقبة القضاة الذين يطبقون تعليمات السلطات التنفيذية بما فيها وزارة العدل .
منح القضاة حق التنظيم النقابي والجمعوي الحر.
إلغاء محاكم الجماعات والمقاطعات، والمحاكم الاستثنائية بما فيها المحكمة العسكرية.
ربط الشرطة القضائية بالنيابة العامة وليس بإدارة الأمن الوطني.
تحديد آجال لتنفيذ الأحكام القضائية.
استقلال القضاء مرتبط باستقلال المهن الموازية له من خبراء وموثقين وتراجمة وكتابة الضبط وعدول وشرطة قضائية
.
ب – الكفاءة

التدرج في المسؤوليات القضائية على مستوى المحاكم.
التخصص في القضايا.
إسناد رئاسة المحاكم ووكلاء الملك لذوي تكوين عال من الناحية القانونية والفقهية والإدارية، ومراعاة خصوصية كل محكمة من حيث التخصص والدرجة.
التكوين المستمر للقضاة وكتاب الضبط وبقية المهن الموازية من عدول وموثقين وتراجمة وخبراء،ووضع برامج محددة لذلك ، والعمل على تنفيذها وفق جداول مضبوطة ومعلنة.
تشجيع القضاة على البحث العلمي والإنتاج الفقهي،ونشر تلك الاجتهادات والانتاجات دون ربطها بإذن من وزارة العدل وتخصيص مكافآت على ذلك مادية وإدارية وإعطائهم حق التعبير عن الرأي.
إحداث موقع الكتروني لوزارة العدل يسهل الولوج إليه من طرف القضاة ورجال القانون للحصول على النصوص القانونية والتعديلات التي طرأت عليها والاجتهادات القضائية والفقهية وتبويب تلك النصوص .
تجهيز المحاكم بالآليات الحديثة ( حواسيب ، وطابعات وماسحات ضوئية…الخ) و بمكتبات خاصة بالنصوص القانونية والاجتهادات القانونية والفقهية والقضائية الصادرة عن المجلس الأعلى للقضاء.
استعمال الوسائل الحديثة في التوثيق والتعامل مع المواطنين والمتقاضين .
إحداث هيآة للترجمة على مستوى كل محكمة
.
ج- النزاهة

وتتطلب :
إعادة النظر في القانون المتعلق بالتصريح بممتلكات القضاة ليشمل الأزواج والفروع.ووضع آليات لتفعيله .
الزيادة في أجور وتعويضات القضاة وتشجيعهم عبر ترقية المجدين، وسن قوانين صارمة لمعاقبة الفاسدين.
الاهتمام المادي والإداري بمساعدي القضاء من كتاب للضبط وتراجمة وموثقين وشرطةقضائية…الخ

المبحث الثاني: ضمانات استقلالية السلطة القضائية في دستور 2011

المطلب الأول: الضمانات العضوية لاستقلالية السلطة القضائية

سندرس الضمانات العضوية من خلال التعرض لضمانات ادارة المسار المهني للقضاة و تحسين الوضع الاجتماعي لهممن خلال الاشراف الاداري على الجهاز القضائي و ضمانات تعيين و اختيار القضاة وضمانات حصانة القضاة وعزلهم.

أولا: دور المجلس الأعلى للسلطة القضائية في دعم استقلالية القضاة

أ: تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية

يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، والذي يحدد بقانون تنظيمي، انتخابه وتنظيمه وسيره والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة ومسطرة تأديبهم.

وهو يتألف من الرئيس الأول لمحكمة النقض بصفته رئيسا منتدبا؛ والوكيل العام للملك لديها؛ ورئيس الغرفة الأولى بها؛ وأربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛ وستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم؛ ناهيك عن تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي؛ والوسيط؛ ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ وخمس شخصيات يعينها الملك مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون، من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى.
كما يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، لاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم، ويساعده في المادة التأديبية قضاة مفتشون من ذوي الخبرة.

ب: سير عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية

يعقد المجلس الأعلى للسلطة القضائية دورتين في السنة على الأقل ويضع بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاة ومنظومة العدالة ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها.
ويصدر بطلب من الملك أو الحكومة أو البرلمان، آراء مفصلة حول كل مسألة تتعلق بالعدالة مع مراعاة مبدإ السلط،على أن يراعي في القضايا التي تهم قضاة النيابة العامة تقارير التقييم المقدمة من قبل السلطة التابعين لها. علما بأن مقرراته بشأن الوضعيات الفردية تكون قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة قضائية إدارية بالمملكة.

ثانيا: حصانة القضاة في التعيين وفي النقل والعزل

أ: حصانة التعيين

يقضي الفصل 57 من الدستور بأن:
“الملك يوافق بظهير على تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية”. وهو نص يؤلف حصانة بالنسبة لقضاة الأحكام، ذلك أن الجهة المؤهلة لتعيينهم – بل وكذلك تدبير مسارهم المهني ككل– تتمثل في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي يرأسه جلالته، والذي عهد إليه الدستور نفسه بمهمة السهر على تطبيق كافة الضمانات التي تتعلق بهذا المجال.

ب: حصانة النقل والعزل

ينص الفصل 108 من الدستور المغربي الجديد على أنه:
“لا يعزل قضاة الأحكام ولا ينقلون إلا بمقتضى القانون”. وهو من هذه الزاوية يعد حصانة خاصة بقاضي الحكم وضعها المغرب في مصاف المبادئ الدستورية إذ بناء عليها لا يجوز نقله أو عزله عن عمله سوى في الأحوال المحدد قانونا.

المطلب الثاني: الضمانات الوظيفية لاستقلالية السلطة القضائية

أولا: حياد القاضي

من أجل توفير عدالة جيدة، يجب على القاضي الذي يفصل في خلافات الأفراد والجماعات ويعد المرجع الأساسي في تطبيق القانون وحماية الحقوق، أن يؤدي مهمته وفق ما يفرضه مبدأ الحياد، الذي يبعث في نفس المتقاضي الثقة والاطمئنان لكونه يجسد نزاهة القاضي وموضوعيته، لاسيما وأنه يحمل على عاتقه أمانة تحقيق العدل والارتفاع بالعمل القضائي عن كل شبهة.

وهكذا، فلا غرابة إن يؤكد الدستور الجديد يؤكد –بمفهوم المخالفة– على ضرورة حياد القاضي، ويعتبر كل إخلال به خطأ جسيما، تترتب عليه المساءلة، بقوله في الفصل109:
“يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة”، بل “ويعاقب كل من يحاول التأثير عليه بكيفية غير مشروعة”.
والحياد بصورة عامة، هو ذلك الوازع الذي يجعل القاضي يلازم موقفا سلبيا تجاه الخصوم ومبدئيا إزاء الدعوى، بحيث يتعينعليه أن يبت في حدود ما أدلى به هؤلاء معتمدا على الوقائع التي تعرضوا إليها في طلباتهم ودفوعاتهم ومكتفيا بما احتوته أوراق الملف من عناصر.ويفيد بعبارة أخرى، عدم تحيز القاضي وتمسكه بموقف موضوعي في مواجهة أطراف النزاع، أي تجرده من سائر العوامل التي من شأنها أن تجعله يقضي في الدعوى على خلاف مبادئ العدالة والإنصاف.

أ: وسائل تأمين مظاهر الحياد لدى القاضي

بالرغم من الضمانات التي حضي بها القضاة، فانه يجب الامتثال لمجموع من الضوابط الضرورية لبناء دولة الحق والقانون ومنها :

1ـالمنع من ممارسة أي نشاط يتنافى مع طبيعة المهنة أو يمارس خارجها

يجب أن يكون القاضي محايدا، ولعل أول شرط في هذا الحياد أن ينأى في ممارسة رسالته النبيلة عن أي نشاط أو موقف يكتسي صبغة سياسية، لذا أبى المشرع إلا أن يؤكد هذه الفكرة في صلب القانون المنظم لمهنته، ذاهبا إلى أنه:
“يمنع على الهيئة القضائية كل نشاط سياسي وكذا كل موقف يكتسي صبغة سياسية”.
“يمنع على القضاة كيفما كانت حالتهم في سلك القضاء، تأسيس نقابة مهنية أو الانتماء إليها”.
وهو نفس التوجه الذي انتهجه الدستور المغربي الجديد، الذي بعد أن صرح بأن للقضاة الحق في حرية التعبير والانخراط في الجمعيات، نص على منعهم من ممارسة النشاط السياسي، بقوله في الفصل 111 على أن:
“للقضاة الحق في حرية التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية.
يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون.
يمنع على القضاة الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية”.
غير أن هذا لا يعني تعطيل فكرهم السياسي وعزلهم عن مشاكل وطنهم، أو حرمانهم من التعبير عن آرائهم البناءة كقوة اقتراحية لإصلاح القضاء، وإيجاد كل الوسائل الكفيلة بتمكينهم من ممارسة حقوق المواطنة كاملة في التزام بقانون وأخلاقيات وخصوصيات رسالتهم النبيلة، لكن داخل إطار مؤسسي يتمثل في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والودادية الحسنية للقضاة، والمؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل.
كذلك لا يحق للقضاة ممارسة أي نشاط كيفما كان نوعه، خارج مهمتهم الأصلية، الشيء الذي عبر عنه المشرع في قانونهم الأساسي بقوله :
“يمنع على القضاة أن يباشروا خارج مهامهم ولو بصفة عرضية نشاطا أيا كان نوعه بأجر أو بدونه.
غير أنه يمكن مخالفة هذه القاعدة بقرارات فردية أو لوزير العدل لصالح التعليم أو المستندات القانونية.
لا يمتد هذا المنع إلى التأليف الأدبية أو العلمية أو الفنية، غير أنه لا يمكن لمؤلفيها الإشارة بهذه المناسبة إلى صفتهم القضائية، إلا بإذن من وزير العدل.
إذا كان زوج قاض يمارس نشاطا خاصا يدر عليه نفعا، صرح القاضي بذلك لوزير العدل، ليتخذ، أو يأمر باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على استقلال القضاء وكرامته.
تتبع نفس المسطرة إذا كان قاض أو زوجه يملك في مقاولة مصالح من شأنها أن تمس بالمهمة المنوطة به”.

2 ـ التصريح الإجباري بالممتلكات

يقضي الفصل 16 من النظام الأساسي لرجال القضاء كما تقدم بالقانون 53.06، بأنه يجب على كل قاض أن يصرح داخل أجل أقصاه الثلاثة أشهر الموالية لتعيينه بمجموع أنشطته المدرة لدخل، وبكل ما يملكه هو وأولاده القاصرين، وكذا بالمداخيل التي استلمها بأية صفة كانت خلال السنة السابقة لتاريخ تعيينه، وبالممتلكات المشتركة مع الأغيار وتلك التي يدبرها لحسابهم.
وإذا كان الزوجان معا ينتميان إلى الهيئة القضائية، وجب على كل منهما أن يدلي بتصريح انفرادي، على أن يتكفل الأب بالتصريح الخاص بالأولاد القاصرين، كما يلزمه أن يقدم تصريحا تكميليا كلما طرأ تغير على ثروته أو ثروة هؤلاء، وأن يجدد التصريحات كل ثلاث سنوات في شهر فبراير.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن القاضي يظل مقيدا بهذا الالتزام حتى بعد انتهاء مهمته لسبب غير الوفاة حيث يتطلب المشرع تقديم التصريح المذكور داخل أجل ثلاثة أشهر تحسب من تاريخ ذلك الانتهاء.
أما فيما يخص الأموال الواجب التصريح بها، فتشمل العقارات والمنقولات – وما يدخل في عدادها- علما بأن تحديد الحد الأدنى لقيمة هذه الأخيرة يتم بنص تنظيمي.

ب: إجراءات لمنع تحيز القاضي

هناك حالات يخشى معها تحيز القاضي أو المحكمة لأحد الخصوم، لذا خصها المشرع بنوع معين من الإجراءات يكمن فيما يلي:

1 ـ عدم الصلاحية للنظر في بعض القضايا

مبدئيا لا يجوز للقضاة المتواجدين بنفس المحكمة، والذين تربطهم صلة نسب أو قرابة أو علاقة زواج، أن يقضوا فيما يعرض على نظرهم من دعاوى، ويسري نفس الحكم على القاضي والمحامي متى كانت تجمعهما قرابة أو مصاهرة، عملا بما ذكره المشرع في ظهير التنظيم القضائي:
“لا يمكن للأزواج والأقارب والأصهار، إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو أبناء الإخوة، أن يكونوا بأية صفة كانت، قضاة في آن واحد بنفس المحكمة، عدا في حالة ترخيص يمكن منحه بقرار للمجلس الأعلى للقضاء(أي المجلس الأعلى للسلطة القضائية حاليا) ، عندما تشتمل المحكمة على أكثر من غرفة واحدة، أو إذا كانت المحكمة تعقد جلساتها بقاض منفرد، وبشرط ألا يكون أحد الأزواج والأقارب والأصهار المشار إليهم أعلاه، رئيسا من رؤساء المحكمة.
لا يمكن في أي حال من الأحوال ولو بعد الترخيص المذكور أن ينظر الأزواج والأقارب والأصهار المشار إليهم بالمقطع السابق أن ينظروا في قضية واحدة”.
“ولا يسوغ لأي قاض يكون أحد أقاربه وأصهاره إلى درجة العمومة أو الخؤولة أو ابناء الإخوة، محاميا لأحد الأطراف، أن ينظر في ذلك النزاع، وإلا اعتبر الحكم أو القرار باطلا”.
إذن كلما قامت الريبة في مدى موضوعية القاضي وتجريده لتوافر سبب معين يجعله القانون قرينة على عدم الحياد، وجبت تنحيته عن الفصل في القضية، وإلا كان الحكم أو القرار الذي يصدره باطلا.

2 ـ التجريح

على عكس الحالة الأولى التي يقع فيها الحكم تحت طائلة البطلان إذا أصدره القاضي أو شارك في إصداره، تتميز هذه الحالة بترك زمام الأمر للقاضي ولأطراف النزاع، وبالتالي يبقى الحكم صحيحا إذا لم يثر القاضي أو لم يتمسك أحد الخصوم بوجود ما يقتضي عدم النظر في الدعوى.
وقد نظم المشرع المغربي التجريح في الفصول من295 إلى 299 من قانون المسطرة المدنية، إذ من ناحية اعتنى بعرض أسباب تجريح القضاة – قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة ما لم يكونوا أطرافا أصليين في الدعوى – ومن ناحية ثانية، بين كيفية طلب التجريح.
فأسباب التجريح ساقها المشرع في الفصل 295، أما فيما يخص كيفية طلب التجريح، فإنه ينبغي تقديمه وفق القواعد المقررة في المقال الافتتاحي للدعوى، وتبليغه إلى القاضي المجرح مع إعطائه مهلة عشرة أيام ليصرح كتابة بقبول أو برفض التجريح.

على أنه إذا كان الطلب موجها إلى قاض من قضاة المحكمة الابتدائية، فإنه يحال خلال ثلاث أيام من جوابه أو سكوته، إلى محكمة الاستئناف لتبت فيه غرفة المشورة في أجل عشرة أيام، بعد استماع الرئيس الأول إلى أقوال كل من طالب التجريح والقاضي المجرح.
وتطبق نفس الإجراءات وتسري نفس الآجال بالنسبة لأحد قضاة محاكم الاستئناف ومحكمة النقض.

ويستلزم المشرع في كل قاض يعلم بوجود أحد أسباب التجريح المومإ إليها، أن يصرح بذلك لرئيس المحكمة الابتدائية، إذا تعلق الأمر بأحد قضاتها أو قاض بغرفة الاستئنافات بها، وللرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، إذا تعلق الأمر برئيس محكمة ابتدائية، ولقضاة الغرفة الذين يحكمون معه، إذا تعلق الأمر بقاض من محكمة النقض، أو من محكمة الاستئناف، حيث يتعين على هؤلاء أن يقرروا ما إذا كان يجب على القاضي المجرح التخلي عن الحكم في القضية.
ومما تجدر ملاحظته أنه يترتب على رفع طلب التجريح إلى المحكمة المختصة وقف الدعوى الأصلية وعدم جواز عرضها على قاض آخر- لما يعنيه هذا التصرف من حكم مسبق بصحة التجريح- ما لم يصرح القاضي بموافقته على التجريح، لكن لو رفض ادعاء الطالب، فإنه يحكم على هذا الأخير بغرامة لا تفوق خمسة مائة درهم، علاوة على تعويض القاضي عن الضرر عند الاقتضاء، مع الإشارة إلى أنه لا يمكن للقاضي الذي يقيم أو ينوي إقامة دعواه أن يشارك بعد ذلك في الحكم في القضية الأصلية، لأنه إذا ساهم فيها سقط حقه في رفع دعوى التعويض.

3 ـ طلب الإحالة من أجل التشكك المشروع أو من أجل الأمن العمومي أو لصالح حسن سير العدالة

إن هذا الإجراء لا يمس قاضيا واحدا بل عددا من القضاة، وبعبارة أخرى فإن المحكمة التي عرضت على نظرها القضية تكون مختصة، لكن تطرأ ظروف تحول دون الفصل فيها- كوجود سبب يدعو إلى الشك في نزاهة المحكمة مما يحتم رفع يدها عنها، أو الخشية من حدوث اضطراب أو الإخلال بالنظام العام فيما لو أصدرت الحكم- فيقدم طلب إحالتها من المحكمة المتشكك فيها إلى محكمة أخرى من نفس درجتها لتتولى النظر فيها.
وقد تعرض المشرع للإحالة من أجل التشكك المشروع- التي تعتبر من بين اختصاصات محكمة النقض- في الفصول من 383 إلى 385 من قانون المسطرة المدنية، التي يتبين من استقرائها أن طلب الإحالة يقدم إما من قبل الأطراف، أو من لدن وزير العدل، وأنه لا يقبل بتاتا ضد محكمة النقض.

ثانيا: مخاصمة القاضي

أ: معنى المخاصمة

المخاصمة هي تقرير مسؤولية القاضي مدنيا عن خطإ- محدد قانونا- ارتكبه اثناء قيامه بمهامه، بيد أنها مسؤولية من نوع خاص، إذ روعي فيها من جهة الاحترام الواجب للقاضي ولعمله ومن جهة ثانية، حماية حقوق المتقاضي من خلال عدم إعفاء الأول من كل مسؤولية تكريسا لمبادئ الإنصاف.

ب: حالات المخاصمة

يمكن مخاصمة القضاة في الأحوال الآتية:
إذا ادعى ارتكاب أو غش أو غدر من طرف قاضي الحكم، أثناء تهييئ القضية أو الحكم فيها، أو من طرف قاض من النيابة العامة أثناء قيامه بمهامه.
إذا قضى نص تشريعي صراحة بجوازها.
إذا قضى نص تشريعي بمسؤولية القضاة يستحق عنها تعويض.
عند وجود إنكار العدالة.

وهكذا فإن مجرد الخطإ في تطبيق القانون لا يرقى سببا لمخاصمة القاضي، باعتبار أن المشرع حين تعداده لحالات المخاصمة اشترط صدور تدليس أو غش أو غدر من لدن قاضي الحكم أو قاضي النيابة العامة خلال قيامهما بمهامهما.
ثم إن القاضي لا يعتبر منكرا للعدالة إلا إذا رفض البت في المقالات أو أهمل إصدار الأحكام في القضايا الجاهزة التي حل دور تعيينها في الجلسة على أن يثبت ذلك بإخطارين يبلغان إليه شخصيا، من طرف رئيس كتابة الضبط بالمحكمة التي تعلو مباشرة، المحكمة التي ينتمي إليها القاضي، أو رئيس كتابة الضبط بمحكمة النقض، إذا تعلق الأمر بقضاة من محكمة الاستئناف، أو من محكمة النقض.
إلا أن الإجراءات لا تتم إلا بطلب مكتوب يوجهه المعنى بالأمر مباشرة إلى رئيس كتابة الضبط المختص، الذي يجب عليه القيام بالمسطرة القانونية اللازمة، تحت طائلة عزله، ناهيك عن أن القاضي لا تصح مخاصمته إلا بعد مرور خمسة عشر يوما بين الإخطار الأول والثاني وبقائهما دون جدوى، إذ يسوغ عندئذ رفع طلب المخاصمة إلى محكمة النقض لتبت فيه حسب المسطرة المعمول بها قانونا.

 

(محاماه نت)

إغلاق