دراسات قانونية

ما إمكانية اعتماد حق الكد والسعاية لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة بين الزوجين (بحث قانوني)

ما مدى إمكانية اعتماد حق الكد والسعاية كأساس لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة بين الزوجين وفق المادة 49 من مدونة الأسرة

عمر المزكلدي
باحث بصف الدكتوراه في القانون الخاص- كلية الحقوق طنجة –

1― ارتبطت مسألة إثبات مساهمة الزوجين في الأموال المكتسبة كثيرا بنظام الكد والسعاية، نظرا لما يمثله هذا النظام من آلية مهمة، ساهمت — في نطاق الأعراف المحلية— بقسط معتبر في حل إشكاليات تدبير الأموال المشتركة بين الزوجين.

وإذا كان البحث في مدى استلهام مشرع المدونة لقواعد حق الكد والسعاية كأساس لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة يبقى مستبعدا لمبررات متعددة .(الفقرة الثانية) فإن ذلك يقتضي بالضرورة البحث في مفهوم حق الكد والسعاية والقواعد الضابطة له قصد استجلاء طبيعة هذا الحق وعلاقته بتدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال العلاقة الزوجية (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى
مفهوم حق الكد والسعاية كآلية لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة

2― يمكن تعريف حق الكد والسعاية[1] بكونه « حق شخصي يقوم على أساس مساهمة السعاة في إطار شركة عرفية على تنمية الثروة الأسرية أو تكوينها، مقابل استحقاقهم جزء من المستفاد يتناسب وقدر مساهمتهم حين إجراء القسمة، وكل ذلك يتم وفق مقتضيات العرف المحلي وقواعد»[2]، فحق الكد والسعاية إنطلاقا من هذا التحديد يرتكز في مفهومه على العناصر التالية:

❶ حق الكد والسعاية يصنف ضمن الحقوق الشخصية، بما تمثله من «…رابطة بين شخصين، دائن ومدين، يخول للدائن بمقتضاه مطالبة المدين بإعطاء شيء، أو القيام بعمل، أو الامتناع عن عمل.»[3] فحق الكد والسعاية يقوم على أساس وجود علاقة دائنيه (شركة عرفية) تربط السعاة فيما بينهم وبين صاحب الدمنة (رأس المال)، على أن يكون السعاة في مركز الدائن، في مقابل اعتبار المطالب بهذا الحق في مواجهة السعاة كمدين؛ فالمطالب بحق الكد والسعاية ليس له حق مباشر على الشيء موضوع مطالبته، وإنما لابد من وسيط يمكنه من حقه، كما أن محله هوالعمل والكد، وليس شيئا معينا كما هو الحال بالنسبة للحق العيني[4].

❷ حق الكد والسعاية يرتكز على أساس وجود سعاة مساهمين، فنطاق تطبيق حق الكد والسعاية من حيث الأشخاص يشمل كافة أعضاء الأسرة المساهمين في تكوين الثروة أو نمائها[5]، ومن دون تمييز بين ذكر أو أنثى، صغيرا أو كبيرا، زوجا أو زوجة، آباء أو أبناء [6]، على أن ذلك يرتبط بتحقق شرطين:
انتماء السعاة إلى الأسرة التي ساهموا في تنمية أموالها أو تكوينها، وهنا لا يعتبر الأجنبي عن الأسرة ساعيا[7]، حتى ولو ضرب الكد والسعي، وإنما يخضع في ذلك لمقتضيات القواعد العامة من خلال إثبات مساهمته وسعيه في مراكمة ثروة الغير.
ضرورة مساهمة السعاة في تكوين الثروة الأسرية أو تنميتها، وهو ما يتطلب وجود نشاط إيجابي[8] يقوم به الساعي يؤدي إلى تكوين ثروة أسرية أو الزيادة في نمائها، على أن تكون تلك الزيادة راجعة في سببها إلى ذلك النشاط الإيجابي.
❸ حق الكد والسعاية حق شخصي مترتب عن “شركة عرفية”، وليس حقا عينيا من قبيل الحقوق العرفية الإسلامية،[9] أو حق الملكية الشائعة[10]، وإذا كان حقا شخصيا فهو حق لايجد أساسه في عقد إجارة الخدمة[11]، ولا يدخل ضمن أنواع الشركات التعاقدية المقررة فقها وقانونا،[12] فحق الكد والسعاية أساسه “شركة عرفية” تتميز بخاصيتين:

خاصية الاستثناء عن القواعد الخاصة بالشركة؛ ويعني ذلك أن العديد من العناصر المحددة لمقتضيات الشركة العرفية تمثل استثناء على بعض القواعد التي تستند إليها باقي أنواع الشركات الأخرى، من قبيل اعتماد الشركة العرفية في قيامها على العرف الذي يفترض في سلوك معين يتخذه أشخاص معينون مناطا لترتيب الشركة فيما بينهم دون الحاجة إلى إبرام تعاقد وفق الضوابط المحددة لنشوء العقد شكلا وجوهرا.

كذلك استبعاد عنصر الأهلية وعدم الاعتبار به كشرط أو ركن في قيام مثل هذه الشركات، كما هو الحال بالنسبة للشركات العقدية التي تتطلب الأهلية الكاملة في إجراء وصحة قيامها. ومنه أيضا انحصار إعمال مقتضيات هذه الشركة في حدود مكاني معين مرتبط بالعرف الجاري بها، دون أن يمتد إلى غيرها من المناطق التي تجهل العمل بمقتضيات حق الكد والسعاية، وهذا يقع خلافا لباقي أحكام الشركات المنصوص عليها فقها وقانونا. وأخيرا اقتصار نطاق تطبيق هذا النوع من الشركة العرفية، من حيث الأشخاص، على الأفراد الذين يمنحهم العرف إمكانية إجرائها فيما بينهم.

خاصية الطابع العرفي الذي يميزها عن أنواع الشركات الأخرى؛ ويعني ذلك أنه إذا كان تنظيم الشركات يستند إلى ضوابط تشريعية وقضائية في الجملة، فإن مقتضيات الشركة العرفية التي يستند إليها حق الكد والسعاية تقوم على أساس قواعد ذات طابع عرفي ابتداء من نشوئها، ومرورا بالقواعد الضابطة لها نطاقا وإثباتا وآثارا، وانتهاء بأسباب انقضائها وزوالها.

❹ إن حق الكد والسعاية، حق يرتب لصاحبه استحقاق جزء من المستفاد عند القسمة، كل حسب مساهمته وكده، وعلى أساس إخراج الدمنة(رأس المال) أولا ،[13] ثم اقتسام المستفاد فيما بين السعاة كل بقدر كده،[14] وحسب العرف الجاري،[15] مع مراعاة السن،[16] ومدة المساهمة،[17] وعدد السعاة، ومؤهلاتهم البدنية والحرفية[18].
❺ حق الكد والسعاية يخضع جملة وتفصيلا، ابتداء من نشوئه ومرورا بالقواعد الضابطة له، وانتهاء بقسمة المستفاد وإثبات المساهمة إلى مقتضيات العرف المحلي الذي نشأ به واستقر فيه.
هذه جملة العناصر المحددة لمفهوم حق الكد والسعاية والقواعد الضابطة له، فإلى أي حد يمكن اعتماده كأساس لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة بين الزوجين طبقا لمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة؟

الفقرة الثانية
مبررات استبعاد نظام الكد والسعاية كأساس لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة طبقا للمادة 49 من المدونة

3― تمثل المادة 49 من مدونة الأسرة، محاولة تشريعية تهدف إلى إيجاد حل لإشكالية تنازع الزوجين حول الأموال المكتسبة بينهما أثناء استمرار العلاقة الزوجية، وذلك عن طريق منح كل منهما إمكانية إجراء اتفاق لتدبير الأموال المذكورة استثمارا وتوزيعا بموجب عقد كتابي مستقل عن عقد الزواج، أو عن طريق منح الزوجين إمكانية قيامهما بالمطالبة بنصيب من تلك الممتلكات والأموال حتى مع غياب اتفاق كتابي بشأن ذلك، طبقا للقواعد العامة للإثبات.
ونظرا لهذا الارتباط الموضوعي من حيث المضمون بين حق الكد والسعاية ومقتضيات المادة 49 أعلاه، فإن السؤال المطروح، هو هل المادة 49 من مدونة الأسرة تمثل تكريسا تشريعيا لمقتضيات حق الكد والسعاية؟ ومن تم أساسا قانونيا لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة؟ وهل إعمال مقتضيات المادة 49 يؤدي إلى استبعاد تطبيق حق الكد والسعاية إذا تحققت شروطه؟ وإذا لم تؤدي إلى ذلك. فهل من الممكن ممارسة الخيار بين دعوى المادة 49 من مدونة الأسرة ودعوى حق الكد والسعاية؟

4― الحقيقة أن القراءة المتأنية لمقتضيات المادة 49 مقارنة بحق الكد والسعاية، سواء من حيث الآليات أو المقاصد، تفضي إلى كشف مجموعة من عناصر التوافق بين المؤسستين، وتتجلى هذه العناصر في كون إقرار المشرع للمادة 49 كان المقصد منه هو معالجة إشكالية التنازع بخصوص الأموال المكتسبة بين الزوجين، وإعطاء كل منهما الحق في المطالبة بنصيب مما ساهم به في تكوين تلك الممتلكات أو تنميتها، حتى ولو انعدم اتفاق كتابي في شأن ذلك.

كما أن تكريس حق الكد والسعاية عرفا وقضاء كان مبنيا على أساس ما يقدمه هذا الحق من حل متميز لإشكالية تنازع السعاة بخصوص أموال الأسرة التي ساهموا في تكوينها وتنميتها بعملهم وجهدهم، ثم إن حق الكد والسعاية إذا كان حقا ناتجا عن شركة عرفية قائمة بين السعاة، وهو ما يعتبر تكريسا لمبدأ استقلال الذمة المالية لا خروجا عنها، فإن المادة 49 من مدونة الأسرة بتنصيصها على إمكانية إجراء اتفاق مكتوب بين الزوجين على كيفية تدبير الأموال المكتسبة استثمارا وتوزيعا تكون بذلك موافقة لمبدأ استقلال الذمة المالية للزوجين وغير متعارضة معه[19].
أضف إلى ذلك، فتأكيد المشرع انطلاقا من نفس المادة على فكرة الفصل التام بين عقد الزواج وتدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين هو انعكاس لمضمون حق الكد والسعاية باعتباره حقا شخصيا مستقلا عن عقد الزواج، ولا تأثير لأحدهما على الآخر.

وأخيرا فإقرار المشرع لمبدأ الرجوع للقواعد العامة مع ضرورة مراعاة القاضي لعمل كل واحد من الزوجين وما قدمه من مجهودات في سبيل تنمية أموال الأسرة، يكون قد «..استلهم واحدة من القواعد الأساسية لنظام الكد والسعاية المقررة من طرف بعض العمل القضائي المغربي…»[20]، وهو ما يشكل في النتيجة إقرارا بفكرة اعتبار حق الكد والسعاية كأساس لمفهوم المادة 49 وقواعدها الأساسية.
لكن، إذا كان الرأي المتقدم قد حاول تأكيد ارتباط مقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة بحق الكد والسعاية ومن ثم الخلوص إلى اعتبارها بمثابة تكريس تشريعي لمفهوم هذا الحق؟ فإن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: هل يمكن تأسيس مقتضيات المادة 49 خصوصا إثبات المساهمة في الأموال المكتسبة على مقتضيات حق الكد والسعاية؟.

5― الحقيقة أنه رغم وجود بعض الارتباطات بين كل من حق الكد والسعاية ومقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة، خصوصا فيما يتعلق بعدم وجود اتفاق كتابي بين الزوجين على تدبير الأموال المكتسبة، إلا أن هذا الحق يبقى مستبعدا من حيث اعتباره كذلك من وجوه عدة :
❶ أورد المشرع نص المادة 49 ضمن مجال الشروط الإرادية لعقد الزواج،[21] وهذا يعني أن مقتضياتها ليست بقواعد آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وإنما هي تنتمي إلى دائرة القواعد المكملة التي يجوز مخالفتها وإهمالها، مثلما يجوز الاتفاق على إعمالها، ولذلك فالمادة 49 وبالتحديد الفقرة الأولى[22] ارتكزت— كما تقدم بيانه— على الإرادة كأساس لنشوء نظام تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، وفي مقابل هذه الصورة، فحق الكد والسعاية لا يعتمد من حيث نشوؤه على آلية اتفاقية تتحدد وفق شكل قانوني معين، بما يقتضيه ذلك من صدور إيجاب وقبول، و تطابق الإرادتين على إحداث أثر قانوني، وإنما يستمد مقوماته انطلاقا من العرف المحلي[23]، الذي يمنح لكل مساهم في مال الأسرة الحق في المطالبة للحصول على حقه في الكد والسعاية المستخلص من المال المستفاد، أي أن إمكانية المطالبة بهذا الحق لا تستند إلى فكرة سلطان الإرادة أو على وجود اتفاق مسبق ومباشر على طريقة تدبير أموال الأسرة استثمارا وتوزيعا كما هو الحال بالنسبة لمضمون المادة 49، وإنما تعتمد على العرف المحلي الذي يحل محل الإرادة في التعبير عن ذلك الاتفاق، فهي بهذا المعنى تتأسس على الإرادة الجماعية التي أنشأت العرف القاضي بإعمال مقتضيات حق الكد والسعاية.

❷ يرى بعض الفقه أن المادة 49 لم تأت بجديد يذكر ، سواء في الفقرة الأولى أو الأخيرة؛ فالأولى سمحت «… للزوجين القيام بتصرف هو أصلا مباح شرعا وقانونا، ويجوز القيام به من غير التنصيص عليه، ما دامت تصرفات لا تمس النظام العام، ولا مقاصد ولا غايات عقد الزواج، وليست من الشروط المنافية لهذا العقد..»[24].

أما الأخيرة فقد أحالت على القواعد العامة للإثبات التي كان العمل بها جاريا حتى قبل صدور مدونة الأسرة، وهو ما يعني أنه كان من الممكن الاستناد إلى نفس المقتضى حتى قبل صدور مدونة الأسرة. وعليه، يبدو أن المشرع لم يتجه نحو الإقرار بحق الكد والسعاية كحق عرفي، وإنما كرس مقتضيات كان بالإمكان إعمالها حتى مع غياب نص مدونة الأسرة الجديد، وهو ما يدفع أكثر نحو الاقتناع باستبعاد حق الكد والسعاية كأساس لمقتضيات المادة 49 من مدونة الأسرة.

❸ إن المادة 49 عند حديثها عن مسألة التوزيع أو قسمة الأموال المكتسبة أثناء الزواج لم تتعرض مطلقا لطبيعة هذه القسمة ولا القواعد التي يجب مراعاتها في ذلك، وإنما اكتفت في فقرتها الأولى بإسناد مسألة التوزيع لإرادة الزوجين التي تظهر في اتفاقهما لتدبير الأموال المكتسبة، وفي فقرتها الأخيرة بتحديد بعض العناصر التي تفيد القاضي في تقدير نصيب كل من الزوجين من تلك الأموال، مع أنه كان من المفروض على المشرع أن يتبنى قواعد القسمة المتبعة في فرز حق الكد والسعاية القائمة على أساس التمييز بين مناب الدمنة وحظوظ العاملين فيها[25] حتى تكون بالفعل قد جسدت فكرة هذا الحق ومقتضياته.
❹ المادة 49 قصرت إمكانية الاستفادة من الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة على الزوجين فقط، دون باقي أفراد الأسرة الآخرين، و من ثم فإن هذا المقتضى إذا كان لا ينسجم مع ما قرره المشرع نفسه في إطار المادة الأولى من نفس المدونة، والتي تقتضي باعتبارها مدونة للأسرة وليست للزوجين فقط،[26] فهو يتعارض مع مفهوم حق الكد والسعاية باعتباره حقا يستفيد منه كل ساع في إطار الأسرة وكل مشارك في تكوين أو تنمية أموالها، دون استثناء أو تمييز بين ذكر أو أنثى، ولا بين صغير أو كبير[27].
على هذا الأساس، يتضح أن اعتماد حق الكد والسعاية كأساس لمقتضيات المادة 49 من مدونة يبقى مستبعادا، وهو ما يدعو إلى البحث في إطار القواعد العامة لإثبات المساهمة في الأموال المكتسبة من طرف الزوجين.

 

(محاماه نت)

إغلاق