دراسات قانونية
رقابة البنك المركزي على العمل البنكي الإسلامي الجديد (بحث قانوني)
تأملات حول رقابة البنك المركزي على العمل البنكي الجديد ” الإسلامي” في اليمن والمغرب
عبدالقادر محمد أحمد عقبه
استاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية اكدال ـ الرباط .
يعد البنك المركزي مؤسسة مسؤولة عن تنفيذ السياسة النقدية للدولة، حيث يتخذ هذا البنك جميع الإجراءات المتعلقة بإدارة النقد والائتمان وتنظيم السيولة اللازمة للاقتصاد الوطني. كما يعد هذا البنك مؤسسة مالية تقف على قمة النظام البنكي في الدولة، حيث يلعب دورا مهما في تنظيم وتعزيز المؤسسات البنكية من خلال ممارسته لدوره الرقابي والإشرافي عليها، والتأكد من سلامة أوضاعها المالية والتزامها باحترام وتطبيق قواعد وإجراءات ومعايير النظام التشريعي البنكي.
بناءً على ما سبق، يقوم البنك المركزي برسم الخطوط العريضة للكيفيات التي يجب أن تسير على ضوئها المؤسسات البنكية في إطار ممارسة نشاطها الائتماني، والتي يهدف هذا البنك من خلالها إلى تحقيق هدف حماية وسلامة وأمان البنوك والأطراف المرتبطة بها من مودعين وعملاء وزبناء.
ونظرا لتأثير وتأثر المؤسسات البنكية بالحياة الاقتصادية للدولة سواء بالإيجاب أو بالسلب، باعتبار أن النظام البنكي يعد أهم أوجه الأنظمة الاقتصادية للدولة فقد وضعت التشريعات البنكية نظاماً لرقابة البنك المركزي يحتوي على مجموعة من الضوابط والأدوات الرقابية، وخولت هذه التشريعات للبنك المركزي صلاحية استخدام هذه الضوابط والأدوات، كأسلحة يستطيع من خلالها البنك المركزي التأثير على المؤسسات البنكية في إطار ممارسة أنشطتها وذلك تبعا لخطط وأهداف السياسة النقدية والائتمانية المرسومة من قبل الدولة.
وحيث إن البنوك “الإسلامية” وفروع ونوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي” التابعة للبنوك التقليدية تعتبر جزء لا يتجزأ من النظام البنكي في الدول التي تعمل فيها وخاصة في اليمن والمغرب باعتبارهما موضوع هذا البحث[1]، فإن الأمر يتطلب إخضاع هذه البنوك والفروع والنوافذ لأنظمة رقابية وإشرافية تناسب طبيعة عملها واحتياجاتها بما يضمن لها العمل في ظروف متساوية مع غيرها من البنوك التقليدية[2]، وهنا يتوجب على البنك المركزي أن يلعب دورا إيجابيا في تعامله مع مؤسسات العمل البنكي الجديد “الإسلامي”.
بناءً على ما سبق، سوف نحاول في هذا البحث تحديد مفهوم العمل البنكي الجديد “الإسلامي” (أولا)، لنستعرض بعد ذلك مفهوم رقابة البنك المركزي على النظام البنكي (ثانيا)، لنحدد بعد ذلك مدى خصوع مؤسسات العمل البنكي الجديد ” الإسلامي” لرقابة البنك المركزي(ثالثا).
أولا: مفهوم العمل البنكي الجديد “الإسلامي”
1- تعريف العمل البنكي الجديد “الإسلامي”
أ- تعريف البنك “الإسلامي” وفروع ونوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي”
تعددت التعاريف[3] التي جاء بها الباحثون في مجال الاقتصاد الإسلامي والعمل البنكي الجديد “الإسلامي” في تحديد معني بنك “إسلامي”، إلا أنه من خلال اطلاعنا على هذه التعاريف وجدنا أنها تدور حول العمليات التي يقوم بها هذا البنك والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، إلا أننا نرى أن نعرف البنك “الإسلامي” بناء على طبيعته وذلك كالتالي: مؤسسة مالية نقدية تقوم بالأعمال البنكية التي تتفق مع نظمها وأسسها ومبادئها، ولا تتعامل بنظام الفائدة أخذاً وعطاءً وإنما بناءً على نظام المشاركة في الأرباح والخسائر.
أما الفرع أو النافذة البنكية الجديدة “الإسلامية” فيمكن تعريفها بأنها تلك الوحدات التابعة للبنك التقليدي الذي يديرها ويقدم من خلالها العمليات والخدمات البنكية الجديدة “الإسلامية” وفقا لنظام العمل البنكي الجديد[4].
أما عن تسميتنا لهذا العمل بالجديد، فهو يعود لعدة أسباب نذكر أهمها فيما يلي:
أولا: قيام ونشأة المؤسسات البنكية التي تقدم هذا العمل في ظل النظام البنكي التقليدي وبين أحضانه، ثانيا: عدم التزام العديد من المؤسسات التي تقدم هذه العمليات في بعض الدول من حيث الواقع بأسس ومبادئ هذا النظام البنكي الجديد “الإسلامي”، ثالثا: عدم اقتناعنا بإسلامية جميع العمليات وخاصة عملية المرابحة للآمر بالشراء، وتركيز المؤسسات البنكية التي تقدم هذه العمليات على هذه العملية، نظرا لمضمونية الربح فيها، رابعا: سعي هذه المؤسسات وراء الربح أولا وأخيرا[5]. خامسا: تتلقى فوائد عن الاحتياطي القانوني المحتجز لدى البنك المركزي.
ب- أهداف العمل البنكي الجديد “الإسلامي”
حددت المادة (4) من قانون المصارف الإسلامية اليمني أهداف العمل البنكي الجديد “الإسلامي” المقدم من خلال البنوك “الإسلامية” وفروع العمل البنكي الجديد “الإسلامي” وبشرط أن لا تخالف هذه الأخيرة أحكام الشريعة الإسلامية فيما يلي[6]:
“1- توسيع نطاق التعامل مع القطاع البنكي عن طريق تقديم الخدمات البنكية مع الاهتمام بإدخال الخدمات الهادفة لإحياء صور التكافل الاجتماعي المنظم على أساس المنفعة المشتركة.
2- تطوير وسائل جذب الأموال والمدخرات واستثمارها الاستثمار الأمثل.
3- تمويل ومزاولة أنشطة التجارة الداخلية والخارجية والمساهمة في مشروعات التنمية الزراعية والصناعية والاستخراجية والعمرانية والسياحية والإسكانية وغيرها من مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
4- الاهتمام بصغار الحرفيين وصغار المستثمرين وأصحاب الأعمال والصناعات الصغيرة ومعاونتهم في توفير التمويل اللازم لمشروعاتهم”.
أما بنك المغرب فقد حدد الهدف من إدخال هذه المنتجات إلى السوق المالية المغربية فيما يلي[7]:
1- توسيع رقعة الخدمات البنكية.
2- الاستجابة إلى رغبة شريحة من المواطنين.
3- المساهمة في تحقيق استبناك أفضل للاقتصاد.
ج- أنواع العمليات البنكية الجديدة “الإسلامية”
حددت توصية بنك المغرب المتعلقة بالمنتجات البنكية الجديدة “الإسلامية”[8]، العمليات التي يمكن أن تقدمها النوافذ التابعة للبنوك التقليدية بشكل حصري في ثلاثة عمليات تتمثل في الإجارة والمشاركة والمرابحة وبشرط أن تتأكد النوافذ بكل وسيلة من مطابقة المنتجات المذكورة للمقاييس الدولية المعمول بها[9]. أما قانون المصارف “الإسلامية” اليمني فقد حدد العمليات في المشاركة والمضاربة والمرابحة ولكن على سبيل المثال والدليل على ذلك أن هذا القانون أعطى للبنوك “الإسلامية” وفروع العمليات البنكية الجديدة الحرية في تقديم أي عمليات أخرى ولكن بشرط عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية[10].
وعلى سبيل المثال يقدم بنك التضامن الإسلامي اليمني الدولي العمليات التالية: المرابحة، الإجارة، المضاربة، المشاركة، الاستصناع، السلم ويقوم أيضا بإصدار الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان[11].
2- نشأة العمل البنكي الجديد “الإسلامي”
يعود تاريخ نشأة البنوك “الإسلامية” في اليمن إلى عام 1996 الذي شهد صدور القانون رقم (21) لسنة 1996م بشأن المصارف الإسلامية، والذي بموجبه تم إنشاء بنوك “إسلامية” في اليمن[12]، ويعد البنك الإسلامي اليمني للتنمية والاستثمار أول بنك مارس العمل البنكي الجديد “الإسلامي” حيث تأسس في عام 1995 وبدأ في مزاولة نشاطه في عام 1996، ليشهد بعد ذلك الجهاز البنكي اليمني ميلاد ثلاثة بنوك “إسلامية” أخرى وهي بنك التضامن الإسلامي الدولي، بنك سبأ الإسلامي، بنك اليمن والبحرين الشامل[13].
أما في المغرب فقد ظل مطلب إنشاء بنوك “إسلامية” محل شد وجذب، حيث رفضت السلطات النقدية المغربية طلبا كان قد تقدمت به دار المال الإسلامي لإنشاء بنك إسلامي في المغرب[14]، وفي عام 1990 تقدم بنك الوفاء المغربي (قبل دمجه) بطلب للحصول على رخصة يستطيع من خلالها تقديم المعاملات المالية “الإسلامية”،
إلا أن بنك المغرب لم يُجب على هذا الطلب[15]، إلا أنه بسبب الإلحاح والمطالبة المتكررة من قبل الجمهور وفئة من البرلمانيين وبعض الجمعيات المغربية المهتمة بالاقتصاد الإسلامي، في مواجهة ضغط “اللوبي” البنكي على السلطات النقدية لعدم السماح بإنشاء بنوك “إسلامية” خوفا من منافستها وسحب البساط منها، اقتضى الحال أن يقوم بنك المغرب بإيجاد حل وسط يتمثل في السماح للبنوك التقليدية بفتح نوافذ للعمليات البنكية الجديدة “الإسلامية”، وقد برر بنك المغرب هذا الأمر أنه عند مقارنته بين تقديم هذه المنتجات في دول إما عن طريق البنوك المتخصصة أو عن طريق البنوك التقليدية، تبين له أن تسويق هذه المنتجات عبر البنوك التقليدية يحقق العديد من الإيجابيات وخاصة وجود خبرة بنكية في ميدان تسيير المخاطر ووجود شبكة وكالات منظمة، بالإضافة إلى العنصر البشري المؤهل[16].
وأعتقد بان هذا المبرر ضيق ولا أساس له من الصحة فمسألة وجود الخبرة البنكية والعنصر البشري المؤهل يتعلق بالعمل البنكي التقليدي وليس العمل البنكي الجديد “الإسلامي” فشتان بين الأمرين.
بناء على ما سبق، قام بنك المغرب بعد تنسيقه مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب بإصدار التوصية رقم (33/و/2007) بتاريخ 17 شتنبر 2007 المتعلقة بمنتجات الإجارة والمشاركة والمرابحة[17].
تبعاً لذلك، أبدت ثلاثة بنوك مغربية استعدادها لتقديم هذه المنتجات وهي التجاري وفابنك، البنك المغربي للتجارة الخارجية، البنك الشعبي. ويعتبر التجاري وفابنك أول بنك مغربي يقدم العمليات البنكية الجديدة “الإسلامية” من خلال إطلاقه لعملية المرابحة والتي أسماها “مفتاح الخير”، وعملية إجارة واقتناء والتي أسماها “مفتاح الفتح”[18]. أما البنك المغربي للتجارة الخارجية فقد أطلق عملية إجارة[19]، وبالرغم من إبداء البنك الشعبي رغبته في تقديم هذه المنتجات إلا أنه لم يطلق أي منتوج، وتبعا لذلك لم يقدم أي من هذه البنوك عملية المشاركة.
من خلال ما سبق، يمكن القول بأن تجربة اليمن في هذا المجال تعد أكثر تنظيماً وإحكاماً ويتضح ذلك من خلال قدم التجربة ومن خلال التنظيم القانوني لهذا العمل البنكي الجديد “الإسلامي”، حيث أصدر المشرع اليمني قانونا خاصا بتنظيم هذا الأخير، أما في المغرب فقد فشلت تجربة تقديم المنتجات البنكية من قبل البنوك التقليدية، والدليل على ذلك ضعف الإقبال على هذه المنتجات من قبل الجمهور.
كما أنه يجب الإشارة إلى ضعف وهشاشة توصية بنك المغرب سواء من خلال الصياغة أو الأحكام الخاصة بتنظيم هذه المنتجات، كما أن هذه التوصية لا تعد تشريعاً بالمفهوم القانوني لعدم صدورها من قبل السلطة التشريعية المختصة بإصدار القوانين في المملكة المغربية، مما يستدعي الأمر إلى إعداد تشريع خاص بهذا العمل يمر بجميع مراحل إصدار القوانين.
هذا الأمر وغيره دفع بالسلطات العمومية بالمغرب إلى إعداد مشروع قانون رقم 103.12 يتعلق بمؤسسات الائتمان و الهياَت المعتبرة في حكمها، تضمن إطار قانوني يحكم نشاط البنوك التشاركية ” الإسلامية” وخصص لها القسم الثالث الذي يحتوي علي 17 مادة، ومن أهم المبررات والاعتبارات التي تم من أجلها إدخال المقتضيات المتعلقة بهذه البنوك حسب ما جاء في المذكرة التقديمية للمشروع ” تعبئة الادخار والتمويل الإضافي للاقتصاد الوطني، نضج النظام المالي الوطني، اَفاق الاستثمار و التمويل التي يختزلها هذا المجال، إحداث قطب مالي يتميز بإشعاع على المستوى الجهوي والعالمي والذي يستوجب توافر هذه الفئة من المالية العالمية، بالإضافة إلى ضرورة توفير منتوجات وخدمات مالية لفائدة المواطنين المقيمين وكذلك الجالية المغربية المقيمة بالخارج التي يوفر لها القطاع المالي لبلد إقامتها منتوجات منبثقة عن المالية التشاركية.”
3- قضية فروع ونوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي” التابعة للبنوك التقليدية
أجاز المشرع البنكي اليمني[20] للبنك المركزي السماح للبنوك التقليدية والبنوك الإسلامية الموجودة مقارها في الخارج بفتح فروع مستقلة تقدم من خلالها العمليات البنكية الجديدة “الإسلامية”، وذلك بشرط أن يتوافق عملها مع الشريعة الإسلامية، وأن تشرف على هذه الفروع هيئة رقابة شرعية، وأن تتقيد بالشروط والمعايير والضوابط التي يضعها البنك المركزي، إلا أن المشرع اليمني منع هذا الأخير بشكل صريح من السماح للبنوك التقليدية بفتح نوافذ للعمل بالصيغ الجديدة “الإسلامية”.
أما بنك المغرب[21] فقد أوصى البنوك التقليدية الراغبة في تقديم العمليات البنكية الجديدة “الإسلامية” بفتح نوافذ خاصة يتم من خلالها عرض هذه المنتجات، ولم يشر هذا الأخير إلى إمكانية تقديم هذه المنتجات عن طريق فروع مستقلة كما أنه لم يمنع ذلك، بالإضافة إلى ذلك لم يتقدم أي بنك مغربي بطلب لفتح فرع في الآونة الأخيرة أي بعد صدور التوصية المتعلقة بالمنتجات الجديدة “الإسلامية” لنعرف مدى استجابة بنك المغرب لهذا الأمر، مما يجعل مساءلة تقديم أي بنك لطلب فتح فرع مستقل في المستقبل متروكا للسلطة التقديرية لبنك المغرب.
وتعتبر الفروع والنوافذ تابعة للبنك التقليدي من حيث الملكية، كما أنها لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة عن البنك الرئيسي، وبالتالي فإنها لا تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، حيث تعتبر تابعة للبنك التقليدي في نظر البنك المركزي الذي يتعامل مع البنك ككل وليس كفرع أو نافذة مستقلة.
هذا الأمر وغيره، أدى إلى تعدد آراء المهتمين بالعمل البنكي الجديد “الإسلامي” حول مسألة السماح للبنوك التقليدية بإنشاء فروع مستقلة أو فتح نوافذ تقدم من خلالها الصيغ الجديدة “الإسلامية” ما بين مؤيد ومعارض لها.
يرى المعارضون أن هذه النوافذ أو الفروع مجرد لافتة تستقطب من خلالها البنوك التقليدية الجماهير الرافضة التعامل معها، كما أنها تُعرض البنوك “الإسلامية” لمنافسة غير عادلة، بالإضافة إلى عدم وجود هيئات رقابة شرعية تشرف عليها[22]، وتوليدها لازدواجية غير مرغوبة في فلسفة العمل البنكي ما بين العمليات التقليدية والعمليات الجديدة “الإسلامية” ويروا أيضا، أن تلك الفروع والنوافذ تعتبر واجهة شكلية أرادت البنوك التقليدية من خلالها عدم تفويتها لجزء من حصة سوق العمل البنكي الجديد “الإسلامي”، ويضاف إلى ذلك تعذر منع اختلاط أموال الفروع والنوافذ وأموال البنك التقليدي التابعة له تلك الفروع والنوافذ، بل أن البعض حمل هذه النوافذ والفروع المسؤولية عن بعض التجاوزات الشرعية في العمل البنكي الجديد “الإسلامي” وتشويشها على البنوك “الإسلامية” الأخرى مما يفقد مصداقية هذه التجربة الجديدة في المجال البنكي[23].
أما المؤيدون[24] فيرون أن إنشاء البنوك التقليدية لفروع أو فتحها لنوافذ يعتبر اعترافا بنجاح العمل البنكي الجديد “الإسلامي”، كما أن هذا الأمر يؤدي إلى تكامل هذه الفروع والنوافذ مع البنوك “الإسلامية” في الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد، يضاف إلى ذلك الاستفادة من خبرة البنوك التقليدية، ويعتبرها البعض خطوة أولى نحو التحول إلى النظام البنكي الجديد “الإسلامي”[25].
وبالرغم من أهمية المبررات التي جاء بها المعارضون، وبناءً على الآراء التي جاء بها المؤيدون، فإننا نرى أن فتح فروع ونوافذ تابعة للبنك التقليدي تقدم الصيغ الجديدة “الإسلامية” له دور كبير في تحقيق أهداف العمل البنكي الجديد “الإسلامي”، كما أنه يعتبر نجاحا وانتصارا للفكر الاقتصادي الإسلامي، إلا أنه يجب أن تتقيد الفروع والنوافذ التابعة للبنوك التقليدية بالضوابط والشروط التي تتمثل فيما يلي:
1- عدم مخالفة نظام العمل البنكي الجديد “الإسلامي”[26].
2- يجب أن تتوفر على أنظمة أساسية داخلية ونظام رقابي داخلي خاص بها، وأن تتمتع بذمة مالية ونظام محاسبي مستقل[27].
3- عدم اختلاط الأموال الخاصة بالفروع والنوافذ بأموال البنك التقليدي، ويتحقق ذلك عن طريق الالتزام بالشرط الثاني المذكور أعلاه[28].
4- الإعداد المناسب للأطر البشرية، لتكون قادرة على تشغيل فروع ونوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي” بشكل سليم.
5- وجود هيئة رقابة شرعية[29].
6- خضوع فروع ونوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي” لرقابة البنك المركزي[30].
ثانيا: مفهوم رقابة البنك المركزي
1- أهداف ووظائف البنك المركزي
يعتبر البنك المركزي اليمني شخصاً معنوياً عمومياً يتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويقوم بأداء مهامه وفقاً لقانون البنك المركزي مستقلا تماما عن أي سلطة أخرى في تحقيق أهدافه وأداء مهامه، ولا يتلقى أي تعليمات من أي شخص أو جهة إلا وفقا لأحكام القانون السالف الذكر، وعلى جميع الجهات احترام استقلاليته وعدم التدخل في أنشطته أو العمل على التأثير في قراراته[31]، وإذا كان بنك المغرب يعد أيضا شخصا معنوياً عمومياً إلا أنه يتمتع فقط بالاستقلال المالي، وهذا واضح من نص المادة (1) من قانون بنك المغرب التي جاء فيها “يعتبر بنك المغرب… شخصا معنويا عموميا يتمتع بالاستقلال المالي، يحدد موضوعه ومهامه وعملياته وكذا كيفيات إدارته وتسييره ومراقبته بمقتضى هذا القانون وكذا النصوص المتخذة لتطبيقه”[32]، مما يعني أن بنك المغرب لا يتمتع بالاستقلال الإداري، بالرغم من الصلاحيات والاختصاصات التي أعطيت له بموجب ق.م.ا لعام 2006 وقانون بنك المغرب لعام 2005[33]، وبالتالي يمكن القول بأن المشرع البنكي اليمني تميز عن نظيره المغربي في مسألة الاستقلال الإداري، كما أن المشرع اليمني أكد على استقلالية البنك المركزي عن أي سلطة أخرى، ومنع أي جهة من التدخل في أنشطته أو إصدار تعليمات له أو العمل على التأثير في قراراته.
ويعود تاريخ تأسيس البنك المركزي في المغرب إلى مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي أحدث البنك المخزني المغربي وذلك في 7 أبريل 1907. وفي فاتح يوليوز 1959 تم تأسيس معهد إصدار وطني صرف يحمل اسم (بنك المغرب) [34]. أما عن الوضعية في اليمن، فقد تم تأسيس البنك المركزي عام 1971 في اليمن الشمالي سابقا، وفي عام 1972 تم تأسيس مصرف اليمن الجنوبي سابقا، وفي 22 مايو 1990 تاريخ قيام الوحدة اليمنية بين شطري اليمن، تم دمج مصرف اليمن في البنك المركزي اليمني، ليكونا معا مؤسسة بنكية واحدة تسمى “البنك المركزي اليمني”[35].
ويتجلى الهدف الرئيسي لكل من البنك المركزي اليمني[36] وبنك المغرب[37] في تحقيق استقرار الأسعار داخليا وخارجيا والمحافظة على ذلك الاستقرار وتوفير السيولة المناسبة والملائمة لإقامة نظام مالي مستقر.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف الرئيسي[38] والأهداف الأخرى المنبثقة عنه، أعطى المشرع البنكي اليمني للبنك المركزي مجموعة من الوظائف والصلاحيات تتشابه إلى حد كبير مع المهام التي حددها المشرع البنكي المغربي لبنك المغرب، يتجلى أهمها فيما يلي:
تحديد وتدبير نظام سعر الصرف[39].
القيام بالعمليات الخاصة بالذهب والعملات الأجنبية[40].
إصدار الأوراق البنكية والقطع المعدنية النقدية[41].
العمل كمستشار ووكيل مالي للحكومة[42].
اتخاذ التدابير التي من شأنها تسهيل وحسن سير وسلامة أنظمة الأداء[43].
التحقق من حسن سير النظام البنكي، والسهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بنشاط ومراقبة البنوك[44].
2- تعريف نظام رقابة البنك المركزي
يمكن تعريف الرقابة البنكية بأنها: نظام يحتوي على مجموعة من القواعد والإجراءات والأساليب التي يسير على نهجها البنك المركزي ويطبقها على الجهاز البنكي من أجل تحقيق الأهداف المرسومة في إطار السياسة النقدية للدولة.
وينبثق نظام رقابة البنك المركزي في اليمن والمغرب من التشريعات البنكية والتي تتجلى بصفة أساسية في قانون البنوك (ق.م.ا في المغرب) قانون البنك المركزي (قانون بنك المغرب)، بالإضافة إلى قانون المصارف الإسلامية في اليمن هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى جميع المناشير والدوريات والتعليمات السارية المفعول الصادرة عن البنك المركزي[45]، والقرارات السارية المفعول الصادرة عن الوزير المكلف بالمالية في المغرب[46].
وبناء على ذلك، أعطى المشرع البنكي المغربي لبنك المغرب، والمشرع البنكي اليمني للبنك المركزي مجموعة من الأدوات الرقابية وترك لهما حرية تحديد واختيار الأدوات المناسبة التي يمكن أن يستخدماها وذلك بما يتفق مع أهداف السياسة النقدية للدولة[47]، كما أوكلَّ إليهما القيام بعمليات السياسة النقدية[48].
مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة ملاءمة المعايير المعمول بها في القطاع البنكي المغربي واليمني مع القواعد الدولية وخاصة اتفاقية بازل، بالإضافة إلى تحديد الشروط الواجب على البنوك التقيد بها عند نشر بياناتها المالية وفق المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS).
ونشير في هذا المقام إلى ما جاء في الرسالة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ملك المملكة المغربية نصره الله، الموجهة إلى المشاركين في الدورة الاعتيادية السنوية الثانية والثلاثون لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية كما يلي: “… حرصنا على مواصلة تطوير القطاع المصرفي والمالي فضلا عن تدعيم الرقابة والأنظمة الاحترازية، مما أدى إلى تنمية الأسواق المالية، وكل ذلك في ظل حكامة جيدة ورقابة حازمة وإستراتيجية هادفة ينهجها بنك المغرب، في ظل استقلالية مضبوطة ومهنية عالية…” [49].
وبناءً على ذلك، عرفت القواعد الاحترازية في المغرب تغييرا شاملا في مضمونها لتواكب المقتضيات الجديدة للقانون البنكي ولتطابق هذه القواعد المعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال وفقا لما جاءت به اتفاقية بازل (II) المتعلقة بالأموال الذاتية[50].
ويتولى مهمة الرقابة والإشراف والتفتيش البنكي في البنك المركزي اليمني قطاع الرقابة على البنوك، ويبين الرسم الهيكلي التالي التنظيم الداخلي لهذا القطاع[51].
أما في بنك المغرب فتتولاها مديرية الإشراف البنكي بالإضافة إلى مديرية الافتحاص والوقاية من المخاطر[52]، ولم نستطع الحصول على التنظيم الداخلي لهاتين المديرتين، وذلك لعدم نشر هذا التنظيم، و اعتذار المسئولين إفادتنا به، ليس هذا فحسب بل جميع الوثائق وتمت إحالتنا على التقارير الصادرة والمنشورة من قبل المديرية المذكورة أعلاه.
والجدير بالذكر أن قانون المصارف الإسلامية اليمني[53]، أوجب على البنك المركزي اليمني إنشاء وحدة تابعة له تتولى الرقابة على البنوك “الإسلامية” وفروع العمل البنكي الجديد “الإسلامي” المرخص لها بالعمل في الجمهورية، على ألا تتعارض اللوائح والإرشادات الصادرة عن هذه الوحدة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وعلى أن يتم تأهيل وتدريب موظفي هذه الوحدة بما يضمن أدائهم لدورهم على الوجه الأكمل. إلا أنه لم ينشأ البنك المركزي اليمني هذه الوحدة إلى حد الآن. أما في المغرب فلم تشر توصية والي بنك المغرب السالفة الذكر لهذا الأمر، إلا أنه يمكن لبنك المغرب إنشاء هذه الوحدة وذلك بناءً على الصلاحية المخولة له بموجب المادة 120 من ق.م.ا في إحداث وتدبير كل مصلحة ذات اهتمام مشترك لفائدة الهيئات الخاضعة لـ ق.م.ا أو لفائدة المنشآت أو الإدارات[54].
3- أنواع وأهداف رقابة البنك المركزي
أ- أنواع الرقابة البنكية:
يمكن تقسيم رقابة البنك المركزي إلى نوعين، الأول ما يسمى بالرقابة السابقة أو الرقابة الوقائية وهي التي يقوم بإجرائها البنك المركزي قبل مزاولة المؤسسة البنكية لنشاطها، والتي تتمثل في ضرورة توفر المؤسسة المزمع إنشائها على رأس المال، واتخاذ شكلا قانونيا معينا (الشكل القانوني)، بالإضافة إلى مجموعة من الشروط الواجب توفرها للحصول على رخصة الاعتماد، والثاني ما يسمى بالرقابة اللاحقة والتي تتمثل في ضرورة احترام المؤسسة البنكية لضوابط التغييرات التي يمكن أن تطرأ على الجانب الهيكلي والمالي والقانوني، بالإضافة إلى ضوابط انقضاء النشاط البنكي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أدوات رقابة البنك المركزي سواء المكتبية أو الميدانية (التفتيش البنكي).
ب- أهداف الرقابة البنكية:
تتجلى أهم أهداف الرقابة البنكية فيما يلي:
تنظيم الجهاز البنكي وتوجيهه الوجهة السليمة والمناسبة بما يكفل حسن إدارة البنوك وتنفيذ التزاماتها تجاه المودعين والمساهمين؛
توفير الحماية والضمان للأموال المودعة لدى البنوك؛
التحكم في حركة النقود والائتمان؛
توجيه الاستثمارات والتمويلات في إطار أولويات السياسة الاقتصادية؛
المحافظة على سلامة المراكز المالية للبنوك؛
تعبئة وجذب المدخرات؛
ثالثا: مدى خضوع مؤسسات العمل البنكي الجديد” الإسلامي” لرقابة البنك المركزي .
أن المسألة الأساسية في هذا السياق تتجلي في الكيفية التي سيتم من خلالها إخضاع البنوك “الإسلامية” وفروع ونوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي” لنظام رقابة البنك المركزي الذي يعتبر وليد الفكر الاقتصادي الغربي والذي جاء أساسا لينظم الجهاز البنكي التقليدي، وبالتالي فقد جاءت قواعده ملائمة لهذا الأخير الذي يعتمد أساساً على نظام الفائدة في العمليات والأنشطة التي يقوم بها، هذا النظام الذي يتعارض مع مبادئ وأسس العمل البنكي الجديد “الإسلامي” الذي يتسم بطبيعة خاصة تميزه عن النظام السالف الذكر، حيث يعتمد مبدئيا على نظام المشاركة في الأرباح والخسائر والهوامش الربحية، إلا أن ذلك لا يعني إعفاء البنوك “الإسلامية” وفروع ونوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي” من رقابة البنك المركزي، مادام أنها تمارس أنشطة تتسم بدرجة عالية من المخاطر، وتتلقى الأموال من المودعين، بالإضافة إلى أنها تعتبر أحد أجهزة النظام البنكي القائم بكل ما يحتويه من سلبيات وإيجابيات، ومادام أن نظام الرقابة يسعى إلى خلق بيئة بنكية سليمة وإلى حماية النظام البنكي بجميع مكوناته (البنوك التقليدية و”الإسلامية”) والأطراف المرتبطة به.
نظراً لذلك، كان لابد من خضوع البنوك “الإسلامية” وفروع (في اليمن) ونوافذ (في المغرب) العمل البنكي الجديد (الإسلامي) لرقابة البنك المركزي، وبالفعل أخضع المشرع البنكي اليمني والمغربي هذه الأخيرة لرقابة البنك المركزي[55].
إلا أن المشرع البنكي اليمني[56] استثني البنوك “الإسلامية” وفروع العمل البنكي الجديد “الإسلامي” من جميع الأدوات الرقابية التي تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون نظريا، حيث أثبت الواقع نقيض ذلك. ولم يرد مثل هذا الاستثناء في التشريع البنكي المغربي، وبالرغم من ذلك يمكن لبنك المغرب أن يستثنى نوافذ العمل البنكي الجديد “الإسلامي” من بعض القواعد الاحترازية وذلك بناءً على المادة (63) ق.م.ا التي جاء فيها ما يلي: “يمكن بصفة استثنائية ومؤقتة أن يسمح بنك المغرب باستثناءات فردية من القواعد المحددة تطبيقا لأحكام المادة (50) (المتعلقة بالقواعد الاحترازية) من هذا القانون ويحدد شروطها”[57].
ولقد ثار الجدل بين الباحثين والمفكرين في مجال العمل البنكي الجديد “الإسلامي” حول مسألة خضوع البنوك “الإسلامية” لرقابة البنك المركزي وتعددت آراء الباحثين في هذه المسألة، فالبعض يرى أنه بناءً على الطبيعة الخاصة للبنوك “الإسلامية” يجب إخراجها من دائرة الرقابة التقليدية للبنوك المركزية، ويرى البعض الآخر ضرورة التزام البنوك “الإسلامية” بالقوانين البنكية السائدة وخضوعها للأدوات الرقابية المطبقة على البنوك التقليدية، ويرى اتجاه آخر أنه على الرغم من كون خضوع البنوك “الإسلامية” لرقابة البنك المركزي يعد أمرا ضروريا، إلا أنه يجب على البنك المركزي أن يراعي الطبيعة الخاصة للبنوك “الإسلامية” وألا يستعمل من أدواته إلا ما لا يتعارض مع مبادئ وأسس العمل البنكي الجديد “الإسلامي”[58].
(محاماه نت)