دراسات قانونية

إشكالية تعويض ضحايا جرائم الإرهاب في القانون (بحث قانوني)

إشكالية تعويض ضحايا جرائم الإرهاب في القانون الموريتاني والمقارن

إعداد الطالب الباحث: محمد / الشيخ/ باسي
باحث بسلك الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة محمد الأول، تخصص القانون الجنائي والعلوم الجنائية.

تعود فكرة تعويض المضرور من الجريمة في القانون الوضعي إلى مدونة حمورابي التي نصت في المادة 24 منها على أن الحاكم ملزم بأن يدفع لورثة المجني عليه قيمة معينة من النقود عندما لا يعرف القاتل[1]، وقد انتقل هذا المفهوم إلى القوانين الوضعية التي اعتنقت مفهوما للتعويض يركز على اجتماع عناصر المسؤولية[2]، كما نادت به قبل ذلك المدرسة التقليدية الأولى على لسان أحد فقهائها في القرن 19 وهو الفقيه “جيرمي بنتام” الذي نادي بأنه “على الدولة أن تبادر إلى تعويض المجني عليهم الذين وقعت عليهم الجريمة وتضرروا بسببها في أموالهم وأرواحهم، كما أنه على المجتمع الذي ترك له واجب حمايتهم والمحافظة عليهم أن يبادر إلى جبر ذلك الضرر ويسعى لتعويضهم كنتيجة طبيعية لعجزه عن وقايتهم من أخطار الجريمة، ونفس الشيء عرضه فقيه المدرسة الإيطالية إنريكو فيرى بقوله ” إن على الدولة واجب رعاية حقوق المجني عليهم عن طريق صرف تعويض فوري لهم عند وقوعهم كضحايا لإحدى الجرائم “[3] وقد توج هذا الطرح بالاعتماد من قبل العديد من الصكوك الدولية[4]، وأدرج في كثير من التشريعات الوطنية للدول[5]، وتناولته إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب عندما شجعت على وضع أنظمة وطنية لتقديم مساعدات من شأنها أن تلبي حاجيات ضحايا جرائم الإرهاب وأسرهم وتيسير إعادة حياتهم إلى مجراها الطبيعي[6].

إن تعويض ضحايا الجريمة بصفة عامة يجب أن يمثل الهم الأساسي للدول ومؤسساتها التي عليها بذل أقصى ما في وسعها للحيلولة دون وقوع الجريمة بتوفير الوسائل اللازمة للاستقرار الاجتماعي، وعند وقوع الجريمة توفير الإطار المناسب لمحاكمة عادلة تراعي بالإضافة إلى حقوق الجاني حقوق المجني عليه وكذا الضحايا[7].

إذا كان موضوع حقوق الجاني لا يثير صعوبات كبيرة في الوقت الراهن، فإن الوضع ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بالضحية، وخصوصا ضحايا الجرائم الإرهابية التي تكون العلاقة فيها بين الجاني والمجني عليه أو الضحية مفقودة .

إن السؤال الذي يثور هنا يكمن في ماهية القواعد والضوابط التي رسمها النظام القانوني الموريتاني والمقارن بخصوص تعويض ضحايا الإجرام الإرهابي؟
سنحاول الإجابة علي هذا السؤال من خلال التعرض لموقف القانون المقارن من هذه المسألة (مطلب أول) علي أن نتعرض لمدي إمكانية التعويض في القانونين الموريتاني والمغربي (مطلب ثان)

المطلب الأول: خطة بعض التشريعات المقارنة حول تعويض ضحايا الجرائم الإرهابية

يرجع التفكير في وضع نظام خاص لتعويض ضحايا جرائم الإرهاب على مستوى القوانين المقارنة إلى مجموعة من المبررات، ومن أهم هذه المبررات التزايد المطرد في الجرائم الإرهابية على الصعيد الدولي، وبالدرجة الأولى الدول العربية، والاختيار العشوائي للضحايا بقصد إشاعة الرعب في المجتمع، فضلا عن أن قوانين التعويض لا تعترف بالمسؤولية الحقيقية للدولة إذ يبقي الجاني هو المسؤول الأصلي عن التعويض الواجب دفعه للضحية، كما أن الدولة لا تعوض هذا الأخير إلا إذا استحال عليه الحصول على التعويض كليا أو جزئيا من المتسبب في الضرر، وهناك أيضا بعض الدول تقرر تعويضا للضحايا على شكل منح أسوة بما يقع في الكوارث العامة، وهذا لا يؤدي إلى المساواة في التعويض بين الضحايا الذين يتفاوت الضرر فيما بينهم من شخص لآخر، فضلا عن أن هذا التعويض يحول بينهم وبين لجوئهم للقضاء[8].

لقد وضع القانون الفرنسي القديم قاعدة مفادها أن ” التزام الفرد بتعويض غيره عن الأضرار التي سببها له بخطئه هو أمر يتفق وقواعد الأخلاق التي توجب عدم الإضرار بالغير” وبالتالي فلم يعد التعويض إتباعا غريزيا لعواطف المضرور،

أو تعبيرا عن حقه في الانتقام، وهذا هو المفهوم الذي ردده القانون المصري[9].

لم يقتصر المشرع الفرنسي في مواجهته لجرائم الإرهاب على تشديد العقوبة وإجراءات المحاكمة وغيرها من الإجراءات الأخرى، وإنما عمد كذلك إلى وضع قواعد لحماية ضحايا الجرائم الإرهابية، تعالج وتسد النقص الحاصل في القواعد العامة للمسؤولية المدنية، فأنشأ لذلك صندوقا للضمان يستمد موارده من رسم يضاف إلى عقود التأمين، بينما يستمد أساسه القانوني من مبادئ الضمان أو التضامن، ومع ذلك فإن صندوق الضمان لا يكفل سوى تعويض الأضرار الجسدية الناشئة عن جرائم الإرهاب دون غيرها من الأضرار المالية البحتة، ويحل الصندوق محل المضرور في مواجهة المسؤول إذا تم التعرف عليه[10].

لقد تميز قانون التعويض الفرنسي الذي أقره المشرع سنة 1986 بجمعه للقواعد المبعثرة والمطبقة في هذا الشأن بالإضافة إلى تطوره إذا ما قورن بالتقنين السابق، وقد حوي هذا القانون من النصوص ما يكفل حماية حقيقية لضحايا أعمال الإرهاب بوجه خاص، بتقريره أحقيتهم في الحصول على التعويض، بالإضافة إلى النصوص الأخرى التي تقرر تعويض الجرائم عامة عما يلحق بها من أضرار جسدية، فقد طور القانون الجديد من نظام تعويض الأضرار المادية وذلك بالنص على العديد من الشروط الإجرائية والموضوعية لاستحقاقه،ء مقارنة عما كان عليه طلب التعويض في السابق، حيث كانت مسألة النص على التعويض عن الجرائم الإرهابية مغفلة في وثائق التأمين، بالإضافة إلى أن معظم شركات التأمين لم تكن تقبل بحمل عبء عواقب الجرائم الإرهابية، لذا حرص القانون المذكور على النص في مادته التاسعة على إلزام جميع شركات التأمين بتعميم التعويض دون قصره على نوعية معينة من الضحايا، وهو ما حقق فائدة بالغة الأهمية لهؤلاء الضحايا باتساع الغطاء النقدي الذي يمكن أن يساعد في تعويضهم[11].

ومن الجدير بالذكر أن هذا القانون نص على تطبيق أحكام التعويض على الجرائم الإرهابية بأثر رجعي ابتداء من 31/1/ 1984، وذلك بهدف ضمان تعويض الأضرار التي نشأت عن جرائم الإرهاب التي وقعت خلال عامي 1985 و1986 وهي كثيرة، مما حدي بالمشرع الفرنسي إلى الأخذ بعين الاعتبار ذلك لمصلحة الضحايا[12].

تجدر الإشارة إلى أن أحكام التعويض وفق قانون الصندوق لا تطبق إلا على ضحايا جرائم الإرهاب، وهي الجرائم التي أوردها المشرع الفرنسي على سبيل الحصر في القانون الجنائي، إذ اتصلت بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى الإخلال الجسيم بالنظام العام، من أجل إثارة الرعب أو الترويع، ولذا لا يشمل التعويض المنصوص عليه، الجرائم التي لم يرد بشأنها نص في القانون الجنائي، ولا يشمل كذلك جرائم العنف إذا لم ترتكب بدافع إثارة الرعب والترويع أو أي وجريمة لا يتوافر فيها القصد الخاص المميز لجرائم الإرهاب.

وأيا كان المضرور فإن الصندوق في القانون الفرنسي يلتزم اتجاه المضرور من جرائم الإرهاب بالتعويض عن الضرر الجسدي وما يتولد عنه من آثار مالية، تتمثل في الخسارة التي لحقت المضرور، مثل مصاريف العلاج أو الدواء، والكسب الذي فاته من جراء الإصابة أو الجرح أو الانتقاص من أعضاء الجسد، فضلا عن تعويض الأضرار الجسمية والنفسية التي تخلفت عن الجريمة الإرهابية،[13] لكن ما ذا عن الخطة التي انتهجها المشرع المصري بخصوص هذا النوع من الضحايا أيضا ؟

يبدو أن النظام القانوني المصري قد سار في نفس الاتجاه الذي عمدت إلى الأخذ به بعض المنظومات التشريعية في العالم، والتي اكتفت بسن قوانين خاصة بملاحقة الجناة الإرهابيين دون أن تضع التعويض موضوع اعتبار ملائم، لذلك أصدر المشرع المصري القانون رقم 97 لسنة 1992 الذي يعدل بعض نصوص قانون العقوبات والإجراءات الجنائية وبعض القوانين الأخرى، وذلك من أجل مواجهة ومكافحة الأعمال الإرهابية، ولم يتضمن هذا القانون أي نص بخصوص ضحايا العنف الإرهابي تاركا الأمر للقواعد العامة للمسؤولية وما تمنحه الدولة للضحايا على سبيل الشفقة والمساعدة، بل إن المشرع زاد الأمر تعقيدا بنصه في المادة 3 ف2 من القانون رقم 105 سنة 1980 المضافة بالقانون 97 سنة 1992 على اختصاص محاكم أمن الدولة العليا بنظر دعاوى الإرهاب، مما يعني حظر الإدعاء بالحق المدني على ضحايا مضرورى الأعمال الإرهابية، وبالتالي يكون بذلك الطريق الوحيد المتاح أمام المضرور من أعمال الإرهاب هو طريق القضاء المدني رغم ما يحول دونه من عوائق واقعية وقانونية تحول دون رفع دعوي التعويض، كعدم معرفة الفاعل، أو وفاته، أو إعساره، ناهيك عن طول الإجراءات وتعقدها وصعوبة تنفيذها ليخرج المضرور أو ورثته في حالة وفاته في النهاية صفر اليدين بلا تعويض، مما يمثل إجحافا بحقوق هؤلاء المضرورين[14]، إضافة إلى هذا فإن النظام القانوني المصري تضمن نصا آخر يقضي بأن كل اعتداء على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين هو جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء[15].

ما يلاحظ بخصوص هذا النص أنه يتحدث عن الجرائم الماسة بالحياة الخاصة بالمواطنين، وهي المعبر عنها حديثا بالتنصت والتسجيل ونقل المكالمات الهاتفية والمحادثات التي تجرى في الأماكن الخاصة، فالدولة وفقا للنص المذكور تنحصر كفالتها في تعويض الضحية المباشر فقط، فهي لا تشمل المضرور بصفة عامة… هذا وقد لاقت الدولة المصرية الكثير من النقد حول سياستها نحو المجني عليه، ذلك أن نص الدستور الوارد سلفا جاء متحدثا فقط عن الجرائم الماسة بحرمة الحياة الخاصة للمواطنين وتجاهل جرائم العنف العمدية وغير العمدية، بالإضافة إلى ذلك أن هذا النص لم يدعم بآليات تطبيق، وبالتالي فهو بحاجة إلى قانون مكمل، يحدد مجال وحدود وشروط التعويض وغير ذلك من القواعد اللازمة لطرح فكرة التعويض موضع التطبيق،[16] لأن عدم إصدار تشريع يضمن وينظم حقوق الضحايا عموما وضحايا الجرائم الإرهابية على وجه الخصوص، لا يساير توجه النظام القانوني العالمي لأن جل الصكوك الدولية تطالب بإصدار تشريعات تكفل حقوق ضحايا الأعمال الإرهابية، لكن هل استجاب كل من التشريعين المغربي والموريتاني لهذه النداءات ؟

المطلب الثاني: مدى إمكانية التعويض عن الضرر المترتب عن الجرائم الإرهابية في التشريعين الموريتاني والمغربي

عالج النظام القانوني الموريتاني مسألة تعويض ضحايا الجرائم الإرهابية بنص يتيم هو نص المادة 12 من قانون الإرهاب الذي جاء فيه أنه “يخصص ناتج الغرامات المالية أو العينية المحكوم بها على الأِشخاص المسؤولين عن الأعمال الإرهابية لصندوق تعويض لصالح ضحايا أعمال الإرهاب وغيرها من المخالفات، ويحدد نظام هذا الصندوق وطرق تسيره بموجب مرسوم”.

من خلال هذا النص يتضح أن المشرع الموريتاني لم يتناسى ضحايا العمل الإرهابي من التعويض مفسحا المجال أمام إنشاء صندوق لتعويض ضحايا الإرهاب كما توصي بذلك الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب[17]، ونحن إذ ننوه بهذا التوجه التشريعي المساير للاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا الشأن، إلا أننا نلاحظ على هذا النص أنه أحال بخصوص نظام الصندوق وطرق تسيره إلى مرسوم سيصدر لاحقا، ومن المعلوم وحسب ما اطلعنا عليه أن هذا المرسوم لم يصدر بعد، كما أن هذا النص أيضا حدد موارد الصندوق في ناتج الغرامات المالية والعينية المحكوم بها على الجناة الإرهابيين، وهو أمر لا يتماشى والفلسفة التي أنشئت من أجلها صناديق التعويض، فلو كان من المحتمل أن يكون ناتج الغرامات المحكوم بها على الجناة كافيا للتعويض، لما احتجنا إلى صندوق للتعويض، فمن المعروف أن السبب الذي وضعت من أجله صناديق التعويض يعود بالأساس إلى نقطتين رئيسيتين الأولى: تتعلق بعدم معرفة الجناة عادة في مثل هذا النوع من الجرائم أو عدم إلقاء القبض عليهم، وهذه هي الصورة الغالبة في جرائم الإرهاب بالذات، حيث إن معظم الجناة يلوذون بالفرار بعد ارتكاب جريمتهم وهذا بدوره يعود إلى ظاهرة تدويل الإرهاب فغالبا ما يكون مرتكبو الجرائم الإرهابية عناصر دولية تنتمي إلى أكثر من دولة… و

من هنا يتبين لنا أن البعد الدولي لجريمة الإرهاب أحد الأسباب الرئيسية وراء عدم معرفة الجناة، وبالتالي صعوبة الرجوع عليهم من أجل التعويض، كما أنه وفي كثير من الحالات ـــ وأثناء المواجهات الأمنية بين الإرهابيين والشرطة ـــ ما يلقي الإرهابيون حتفهم من قبل الشرطة توقيا للاعتداء وبالتالي يكون الشخص المراد التعويض منه قد توفي، وهنا تضيع حقوق المجني عليهم[18]، أما النقطة الثانية: فتتعلق بإعسار الجناة فحتى لو تم اعتقالهم، فإنه قد يقف عامل الإعسار دون إمكانية التعويض للضحايا المتضررين جراء العمل الإرهابي، ومن المعلوم أن ممارسي الأعمال الإرهابية أيضا عادة ما يكونون قد امتهنوا هذه الأعمال نتيجة لأسباب معينة يأتي في مقدمتها الفقر والبطالة حيث أن المتصفين بهذه الصفات في الغالب يكونون في حالة فراغ ذهني تجعل استقطابهم من جانب جماعات التطرف والعنف أو انضمامهم إليها مسألة سهلة، ولا شك أن مثل هؤلاء ليس بإمكانه القيام بتعويض كل الأضرار التي يمكن أن تنتج عن عمله[19].
إذا كان هذا هو موقف المشرع الموريتاني من مسألة تعويض ضحايا الجرائم الإرهابية، فإن نظيره المغربي الذي كان عليه أن يتعرض للمسألة نفسها في القانون رقم 03/03 المتعلق بمكافحة الإرهاب في المغرب لم يعمد إلى ما أشرنا له، بل إن أحكام هذا القانون جاءت خالية من النص على إمكانية تعويض ضحايا الجرائم الإرهابية مكتفية بتحديد الأعمال الإرهابية وتشديد العقوبات بخصوصها، وسن إجراءات مسطرية غير عادية في البحث التمهيدي والتحقيق الإعدادي، تاركا مسألة التعويض للقواعد العامة للمسؤولية المدنية في إطار الدعوى المدنية التي نظم أحكامها في قانون المسطرة الجنائية ولا سيما في المواد 2 ومن 7 إلى 14 منه، فالفعل الإرهابي يشكل جريمة يترتب عنها الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات، والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه تلك الجريمة، ويعود الحق في إقامة تلك الدعوى لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة.[20]

يرجع بعض الباحثين عدم تقنين إلزام الدولة المغربية بالتعويض إلى كون المغرب لم يعش هذه الظاهرة حتى حدثت تفجيرات الدار البيضاء في 16 مارس 2003[21]، حيث أبانت هذه الأحداث عن عجز المقتضيات العامة الواردة في قانون الالتزامات والعقود وقانون المسطرة المدنية عن جبر الأضرار الجسيمة التي لحقت بضحايا الإرهاب، بسبب عدم معرفة المسؤولين الحقيقيين عن هذه الجرائم من جهة، أو إعسارهم وعدم قدرتهم على الوفاء بقيمة التعويضات في حال معرفتهم من جهة ثانية[22]، وهذا ما جعل القصر يتبنى مبادرة ملكية بأمر من صاحب الجلالة محمدا السادس نصره الله، تفيد بالعمل علي تخصيص تعويضات ومساعدات مالية لضحايا العمليات الإرهابية المذكورة وأسرهم، وقد مكنت هذه المبادرة من وضع حد للآثار السلبية التي أفرزتها هذه الأحداث، وسدت الفراغ والعجز الذي طبع المنظومة التشريعية المطبقة والمنظمة للتعويض في المملكة[23]، ويمكن القول إن المشرع المغربي رغبة منه في تخفيف العبء على المتضرر، كان سباقا في إقرار المسؤولية على أساس المخاطر لكونه لم يجعل هذه المهمة تقع على عاتق الاجتهاد القضائي كما هو الشأن في بعض البلدان الأخرى[24]، وعليه فإنه من مصلحة الدولة المغربية إعداد إطار قانوني يتم بمقتضاه إحلال مؤسسة عمومية تدعى الصندوق الوطني لتعويض ضحايا الإرهاب محل الإدارة في تعويض قضايا الجرائم الإرهابية أخذا بالتجربة الفرنسية سنة 1986 وتمشيا مع بعض الفقه الذي ذهب إلى القول بأن جرائم الإرهاب تدخل ضمن حالات القوة القاهرة[25].

انطلاقا مما تقدم يمكن القول إن موقف الفقه والنظام القانوني الجنائي المقارن تجاه تعويض مضروري الأعمال الإرهابية يسير نحو تكريس مسؤولية الدولة عن حقوق المجني عليهم وإعطائها أهمية كتلك التي كان يحظى بها الجاني،

على اعتبار أن كلا منهما طرفا في الخصومة الجنائية يجب أن يحظي بأكبر قدر ممكن من الحماية القانونية، التي هي بالنسبة للأول: تتمثل في حصوله علي محاكمة عادلة تتوافر فيها جميع الضمانات والمعايير الدولية والوطنية للمحاكمات العادلة، وبالنسبة للثاني: حمايته اجتماعيا من الآثار الفتاكة التي لحقت به جراء العمل الإرهابي سواء كانت تلك الآثار اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها، ولن تتمكن أي دولة من وضع حد لهذه الآثار إلا إذا اعتمدت في نظامها القانوني مسألة تعويض ضحايا الإجرام الإرهابي، بإنشاء صناديق خاصة ومنشأة لهذا الغرض، وتعرف تعددا في مصادر التمويل لا يقتصر علي الغرامات والأشياء المصادرة فحسب، وإنما تشارك في تمويله مؤسسات عديدة، ولم لا إنشاء صندوق عربي أو عالمي لتعويض ضحايا الإرهاب تشارك في تمويله مختلف بلدان العالم.

 

(محاماه نت)

إغلاق