دراسات قانونية

تقدير إلغاء دور النيابة العامة في مجال التعرض الاستثنائي (بحث قانوني)

تقدير إلغاء دور النيابة العامة في مجال التعرض الاستثنائي.

مصطفى مغاري

حاصل على دبلوم الماستر في قانون المنازعات مكناس

إن الأصل في مسطرة التحفيظ العقاري أنها مسطرة إدارية، إلا أنه في حالة وجود تعرضات على مطلب التحفيظ وعدم التوصل إلى صلح بين الأطراف أو عدم رفع التعرض أو قبوله من طرف طالب التحفيظ، فإن هذا يقتضي إحالة ملف التحفيظ إلى المحكمة المختصة قصد البث في النزاع وبالتالي تتحول إلى مسطرة قضائية. فالفصل 29 من قانون 07-14 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري (12 غشت 1913)، سد باب تقديم التعرضات بصفة نهائية في حالة إحالة الملف إلى القضاء بخلاف الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري الملغى، الذي منح هذا الحق لكل متعرض ثبت لديه دوافع قوية منعته من تقديم التعرضات داخل الأجل، وذلك بتقديم الطلب إلى وكيل الملك الذي يبقى له السلطة التقديرية في قبول أو رفض هذا الطلب.

فرغبة المشرع لحماية الملكية دفعه إلى إعطاء النيابة العامة هذا الحق، وذلك حفاظا على النظام العام وتطبيق القانون أو تحقيق المصلحة العامة. لكن أمام الإشكالات التي عرفتها مسطرة التحفيظ العقاري من تعقيد وطول الأمد وفتح مواعيد جديدة للتعرضات الاستثنائية وظهور التعرضات الكيدية بصورة كبيرة، عمد المشرع المغربي في الفصل 29 من ظ.ت.ع كما تم نسخه وتعويضه بالقانون 07-14، إلى إلغاء دور النيابة العامة في قبول أو رفض التعرضات الاستثنائية، واقتصار هذا الاختصاص للمحافظ على الأملاك العقارية.

إذ عرف نظام التحفيظ العقاري المغربي التعرض الاستثنائي منذ الوهلة الأولى التي أرسى فيها المستعمر الفرنسي هذا النظام ببلادنا بتاريخ 12 غشت 1913، وقد خصص له فصلا فريدا مجملا هو الفصل 29، وأعطيت بمقتضاه سلطة تقديرية واسعة للمحافظ على الأملاك العقارية وكذا (وكيل الدولة)، اللذان يعتبران موظفين تابعين للإدارة الفرنسية التي كانت تهدف من وراء ذلك تسهيل امتلاك الأراضي المغربية الصالحة للفلاحة من طرف المعمرين الفرنسيين بالنظر إلى الأمية التي كانت ضاربة أطنابها أثناء دخول المستعمر([1]).

والنص الذي وضعته سلطة الحماية سنة 1913 لم يستقر على حال، حيث عرف تعديلات متلاحقة كان آخرها سنة 2011، مست سلطة النيابة العامة واختصاصها بشأن التعرض الاستثنائي، ومن هنا يطرح التساؤل حول المراحل التي مر منها اختصاصها هذا، وكيف تطور مع التعديلات المتلاحقة للفصل 29؟ (المطلب الأول).

كما أنه تثار في الحياة العملية القضائية عدة تساؤلات حول الاختصاص بقبول التعرضات الاستثنائية خلال المرحلة القضائية من قبل النيابة العامة، حيث تطرقت هذه التساؤلات إلى النطاق الزمني لاختصاص النيابة العامة لإصدار قرار بقبول التعرضات الاستثنائية؟، وهل هي قاصرة على وكيل الملك وحده أم يمتد إلى الوكيل العام؟

أسئلة جعلت المشرع المغربي يقوم بتعديل ظهير 12 غشت 1913 حيث ألغى قانون 07-14 دور النيابة العامة في قبول أو رفض التعرض الاستثنائي، لكن من حقنا أن نتساءل عن ما هي مبررات إلغاء دور النيابة العامة في مجال التعرض الاستثنائي وتأثير ذلك على التدخل في الدعوى؟ (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مراحل تطور مؤسسة النيابة العامة بشأن التعرض الاستثنائي.

لم تحظ مؤسسة النيابة العامة بشأن التعرض الاستثنائي على مطلب التحفيظ بالاستقرار على حال واحد منذ أن تم وضع نظام التحفيظ العقاري المغربي سنة 1913. بل خضعت وعلى غرار مجموعة من مقتضيات ظهير التحفيظ العقاري لمجموعة من التعديلات المتلاحقة كان آخرها تعديل وتتميم ظهير التحفيظ العقاري بقانون 07-14.
ولكي نأخذ نظرة شمولية على هذه المؤسسة في وقتنا الراهن، أي بعد التعديل الذي لحق (ظ ت ع) في سنة 2011 (الفقرة الثانية)، لابد من رصد مراحل تطورها خلال حقبة ما قبل سنة 2011 (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: اختصاص النيابة العـامة بشأن التعرض الاستثنائي قبل تعديل 2011.

عرفت مؤسسة التعرض الاستثنائي ثلاث تعديلات متلاحقة بعد وضع النص الأصلي سنة 1913 وقبل سنة 2011، وقد مست هذه التعديلات اختصاص وكيل الملك بشأن التعرض الاستثنائي، إذ نقله من مجرد طلب فتح الأجل إلى قبول التعرض مباشرة، لذا يمكن تصنيف مراحل تطور مؤسسة التعرض الاستثنائي خلال هذه الحقبة إلى مرحلتين أساسيتين، المرحلة الأولى كان فيها اختصاص وكيل الملك ينحصر فقط في تمديد أو فتح أجل جديد لتقديم التعرض، وهي المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها مرحلة التعرض الاستثنائي قبل تعديل 1954 (أولا). والمرحلة الثانية ثم فيها إعطاء وكيل الملك سلطة كاملة في قبول التعرض الاستثنائي بصفة مباشرة، وهذه المرحلة تمتد منذ تعديل 1954 إلى غاية تعديل وتتميم ظهير التحفيظ العقاري بالقانون 07-14(ثانيا)

أولا: اختصاص النيابة العامة بشأن التعرض الاستثنائي قبل تعديل 1954.

لاشك بأن المشرع الذي وضع نظام التحفيظ العقاري، كان يعلم أن صدور الرسم العقاري يفيد ثبوت الحق لصاحبه، ولا يمكن الطعن في قوته الثبوتية حتى ولو أهمل التنصيص فيه على حقوق قائمة فعلا، ولعل هذا هو السبب الذي جعله يحتاط من النتيجة التي تمس حقوق صاحب الحق العيني أو الحق الشخصي القابل للتقييد بالرسم العقاري فتضيع إلى غير رجعة، ولهذا منح لمن له الحق إمكانية التعرض على مطلب التحفيظ قبل تأسيس الرسم العقاري فأعطى فرصة أخيرة لمن فاته أجل التعرض المنصوص عليه في الفصل 24 من ظهير 12 غشت 1913 المغير والمتمم بقانون 07-14 من أجل تقديم تعرض خارج الأجل([2])، حسب مقتضيات الفصل 29 الأصلي([3]) من الظهير، والذي كان يعطي للمحافظ على الأملاك العقارية بصفة استثنائية، إما تمديد أجل التحديد أو إيداع التعرضات، وإما إعادة فتح الأجل المحدد في الفصل 27 من (ظ ت ع) ([4])، وذلك إما بصفة تلقائية منه وإما بناء على طلب من الوكيل مندوب الحكومة (وكيل الملك حاليا).
وعليه، فالوكيل مندوب الحكومة يحتفظ فقط بحق طلب إعادة فتح أجل جديد للتعرض وذلك بعد إحالة ملف التحفيظ عليه من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، على اعتبار أن هذا الأخير لم يكن بإمكانه اتخاذ أي قرار بشأن مطلب التحفيظ قبل إحالة الملف على الوكيل مندوب الحكومة طبقا لمقتضيات الفصل 29 من (ظ ت ع) لسنة 1913([5]).

واختصاص وكيل الملك بطلب إعادة فتح أجل جديد للتعرض، لم يتغير رغم التعديل الذي لحق الفصل 29 بتاريخ 10 يونيو 1918([6])، والذي أصبح بمقتضاه هذا الفصل يقضي بأنه يمكن لمحافظ الأملاك العقارية أن يمدد أو يجدد بصورة استثنائية الآجال المشار إليها أعلاه المعينة للتحديد أو تقديم التعرضات، وذلك إما من تلقاء نفسه أو بطلب من وكيل مندوب الحكومة لمدة تعين لكل قضية لا تقل عن شهر واحد، ويمكن للوكيل مندوب الحكومة أن يطلب من المحافظ إطلاعه على كل مرافعة عند اختتامها([7]).
فهذا التعديل لم يمس اختصاص وكيل الملك وأبقى على نفس السلطة المخولة له بخصوص التعرض خارج الأجل، حيث يمكنه الطلب من المحافظ إعادة فتح أجل جديد للتعرض، لكن هذا الأجل يجب أن يعين لكل قضية على حدة على أن لا يقل عن شهر واحد، وهذا هو المستجد الذي جاء به التعديل.
ونفس المقتضى حافظ عليه التعديل الثاني للفصل 29 الذي جاء بتاريخ 5 أبريل 1938([8])، والذي أضاف فقرة ثانية تنص على ضرورة إشعار طالب التحفيظ أو غيره من الأشخاص الذي لهم مصالح في القضية بكل الطلبات المقدمة إلى المحافظ على الأملاك العقارية بشأن تمديد أو إعادة فتح أجل التعرضات([9]). ولم يمس التعديل الفقرة الأولى التي أبقت على سلطة وكيل الملك بشأن طلب إعادة فتح أجل جديد للتعرض.
وهكذا نلاحظ أن اختصاص النيابة العامة بشأن التعرض الاستثنائي قبل تعديل 1954، كان يتمثل فقط في الطلب من المحافظ إعادة فتح أجل جديد للتعرض، فرغم التعديلات المتلاحقة للفصل 29، فإن هذا الاختصاص لم يتغير وبقي الأمر على ما هو عليه إلى أن جاء تعديل 1954.

ثانيا: اختصاص النيابة العامة بشأن التعرض الاستثنائي بعد تعديل 1954.

بعد أزيد من 41 سنة من العمل بظهير التحفيظ العقاري بالمغرب، قامت سلطات الحماية سنة 1954 بتعديل هذا الظهير، وقد تناول هذا التعديل عدة فصول، ومن ضمنها الفصل 29، وذلك بمقتضى ظهير 25 غشت 1954([10]).
وقد أصبح الفصل 29 ينص بعد هذا التعديل على ما يلي “بعد انصرام الأجل المحدد في الفصل 27 أعلاه يمكن أن يقبل التعرض بصفة استثنائية من طرف المحافظ ما دام لم يوجه الملف إلى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية وكذا بعد توجيهه إذا اتخذ وكيل الدولة قرارا بذلك.
إن طلب قبول التعرض في الحالتين المنصوص عليهما في الفقرة السابقة يمكن أن يحرر في رسالة عادية وتبلغ هذه لطالب التحفيظ والأشخاص الآخرين المعنيين بالأمر على يد المحافظ أو وكيل الدولة لدى المحكمة التي رفعت إليها القضية، ويمكن لكل منهما أن يستمع أو يعمل على الاستماع إلى الأطراف قبل أن يبث في الأمر ولكل منهما نفس الصلاحيات في هذا الشأن”.

واضح من خلال هذا التعديل الجديد أن اختصاص وكيل الملك أصبح يتمثل في قبول التعرض الاستثنائي وليس مجرد الطلب من المحافظ إعادة فتح أجل جديد للتعرض واختصاص وكيل الملك في هذا الشأن، مقيد فقط بضرورة تواجد ملف التحفيظ بكتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية، إذ له صلاحية واسعة في قبول أو رفض طلب التعرض الاستثنائي شأنه في ذلك شأن المحافظ العقاري، حيث يمكنه الاستماع إلى الأطراف ودراسة الطلب وتقييم الأسباب التي حالت دون تقديم المعني بالأمر التعرض داخل الأجل القانوني، إلا أن الواقع العملي يوضح أن بعض وكلاء الملك في ظل الفصل 29 لتعديل 1954، سواء عن علم أو جهل كانوا يصدرون قرارات بمنح أجل جديد للتعرض ويحيلون الأطراف على المحافظ. وهو ما يتضح من خلال عدة قرارات بالمحاكم الابتدائية بالمملكة، من بينها قرار وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بوجدة([11])، الذي قرر فيه ” بفتح أجل جديد للتعرض مدته شهرين ابتداء من تاريخ التبليغ لفائدة الطالب وأمر بتبليغ هذا القرار للمعني بالأمر ولطالبي التحفيظ والسيد المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بوجدة”.
وفي نفس السياق أيضا، قرار وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بفاس([12])، جاء فيه ما يلي: ” بناء على الفصلين 27 و29 من ظهير 25/8/1954 المتعلق بالتحفيظ العقاري نقرر فتح أجل للتعرض لفائدة المذكورين أعلاه”.

فهذه القرارات تؤكد أن بعض وكلاء الملك، كانوا يطبقون النص القديم للفصل 29 الذي كان يحصر اختصاصهم في طلب إعادة فتح أجل جديد للتعرض، والسبب في ذلك، كما يرجعه أحد الفقهاء([13])، هو أن قضاة النيابة العامة قليلا ما يمارسون مسطرة التعرض الاستثنائي على مطلب التحفيظ فنجدهم على غير دراية ببعض النصوص الخاصة بالتحفيظ العقاري، فالفصل 29 بعد تعديل 1954، منح لوكلاء الملك حق قبول التعرض الاستثنائي أو رفضه، وليس فتح أجل جديد للتعرض([14])، لذلك يجب على وكيل الملك بعد تأكده من وجود الملف بالمحكمة وفي حالة اتخاذه قرار بقبول التعرض، أن يخبر المحافظة العقارية المعنية بوجود تعرض جديد قدم خارج الأجل، وتعمل هذه الأخيرة على تسجيله ضمن التعرضات الأخرى السابقة، وأن يجري التحقيق في شأنه ويحكم فيه كأي تعرض آخر.

فالمشرع منح لمؤسسة وكيل الملك هذه الصلاحية في قبول التعرض الاستثنائي نظرا للهالة التي تتمتع بها في نفوس المواطنين لارتباطها بالجانب الزجري في مخليتهم، تجعل كل متعرض سيء النية يعيد حساباته قبل التوجه إلى وكيل الملك من أجل تقديم تعرض استثنائي، نظرا للخوف من افتضاح أمره ومتابعته وفق الفصل 48 من (ظ ت ع)، الذي يعاقب على التعرضات الكيدية، بالإضافة إلى إمكانية تعويض المتضرر. لذلك كان على جهاز النيابة العامة سابقا، ممارسة هذا الاختصاص ممارسة إيجابية وسليمة وعدم التنازل عنه لصالح أية جهة.
ويبدو أن بعض وكلاء الملك واعون بهذه النقطة لذلك فهم يمارسون اختصاصهم بشأن التعرض الاستثنائي سابقا وفق ما هو مخول لهم قانونا، وهو ما نلامسه من خلال قرار وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالحسيمة، الذي قرر قبول التعرض الاستثنائي مباشرة وليس فتح أجل جديد للتعرض، حيث جاء في هذا القرار “… لأجله:

-1- نقبل تعرض السيد (…)
-2- نأمر بتبليغ هذا القرار إلى السيد المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بالحسيمة لاتخاذ المتعين وكذا جميع أطراف الدعوى ودفاعهم”([15]).

والأمر نفسه نجده في قرار وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرماني([16])، الذي جاء فيه ” نأمر بتسجيل تعرض السيد (…) على العقار ذي المطلب رقم … موضوع الملف العقاري الرائج أمام هذه المحكمة تحت رقم 24/88 وتبليغ أمرنا هذا إلى السيد المحافظ على الأملاك العقارية والرهون بالرماني بواسطة السيد رئيس كتابة الضبط لهذه المحكمة ونأمر بتبليغ نسخة من هذا القرار بواسطة مصلحة النيابة العامة إلى الطالب”.
فمن خلال هذين القرارين نلاحظ، أن بعض وكلاء الملك يسيرون في الاتجاه الذي رسمه لهم المشرع في تعديل الفصل 29 بمقتضى ظهير 25 غشت 1954. إلا أن ذلك ينم أيضا على أن العمل بالنيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة يعرف تناقضا واختلافا حول كيفية فهم وتطبيق الاختصاص الممنوح لهم بمقتضى الفصل 29 من ظهير أعلاه([17]).

ما يمكن استنتاجه مما سبق، إن اختصاص وكيل الملك بشأن التعرض الاستثنائي، قد انتقل من مجرد طلب إعادة فتح أجل جديد للتعرض –وهو ما كان معمولا به قبل تعديل 1954-، إلى قرار بقبول أو رفض التعرض الاستثنائي بعد تعديل 1954، إلا أن الواقع العملي أفرز إشكالات عديدة بخصوص تطبيق الفصل 29 المعدل، والسبب في ذلك يرجع في ما اعتقد إلى كثرة انشغالات النيابة العامة بالمجال الزجري وبالدعوى العمومية، لذلك لا يهتم وكلاء الملك بتتبع وتطبيق بعض المساطر المدنية كما هو الحال بالنسبة لمسطرة التعرض الاستثنائي، إذ يكتفي أغلبهم بقبول التعرض خارج الأجل القانوني ويحيلون الأطراف إلى المحافظ من أجل العمل بقرارها.

هكذا، نلاحظ أن المشرع بتاريخ 22 نونبر 2011، قد قام بإصدار القانون رقم 07-14 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري (12 غشت 1913)، الذي قام بإخراج النيابة العامة من قضايا التعرض الاستثنائي، مخالفا بذلك أحكام الفصل 29 من ظهير التحفيظ الذي كان يخول وكيل الملك إمكانية قبول التعرض الاستثنائي بعد توجيه المحافظ على الأملاك العقارية الملف إلى كتابة الضبط، حيث يبقى من صلاحية وكيل الملك قبول هذا التعرض ما دام الملف مدرجا بجلسات المحكمة الابتدائية المختصة.

الفقرة الثانية: اختصاص النيابة العامة بشأن التعرض الاستثنائي بعد تعديل 2011.

إن القانون 07-14 المغير والمتمم لظهير التحفيظ العقاري بتاريخ (22 نونبر 2011)، جاء بخصوص هذا الموضوع بتغيير هام وجوهري يتمثل في إلغاء أي دور لوكيل الملك في تلقي التعرضات خارج الأجل القانوني بعد إحالة ملف مطلب التحفيظ على المحكمة الابتدائية المختصة، وأبقى هذا الاختصاص حكرا على المحافظ على الأملاك العقارية لوحده، فما هو موقف الفقه من هذا التعديل في مؤسسة التعرض الاستثنائي ؟
يرى أستاذنا أحمد أجعون([18])، أنه بمقتضى القانون 07-14 لم يعد وكيل الملك يتوفر على صلاحية قبول التعرض الخارج عن الأجل القانوني، وهو أمر محمود سيؤدي إلى التقليل من اللجوء إلى التعرض الاستثنائي ووضع حد للخروقات القانونية التي شابت استعمال وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية لهذه الصلاحية. فقد أثبتت التجربة العملية ان بعض وكلاء الملك أقدموا في بعض الحالات على قبول تعرضات خارج الأجل قبل إحالة الملفات على أنظار المحاكم، أو بعد البث نهائيا من طرف القضاء في بعض الملفات أو قبول تعرضات استثنائية دون الالتزام بالمقتضيات المتعلقة بتحديد موضوع التعرض أو نطاقه([19]).

في نفس الاتجاه يرى الأستاذ أحمد دحمان([20])، أن القانون 07-14 قد نسخ مقتضيات الفصل 29 القديم، الذي كان يثير عدة إشكالات عملية تتمثل بالأساس في حدود صلاحية السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية التي أحيل عليها ملف الطلب بإصدار قرار من أجل قبول التعرض بصفة استثنائية بالنسبة للمتعرضين الذين لم يتمكنوا من تقديم تعرضاتهم داخل الأجل، ذلك أن فتح هذا الأجل كان يتسبب في تأخير البث في النزاع خاصة أن بعض القرارات بفتح أجل التعرض كانت تتخذ بعد أن تكون القضية جاهزة للحكم فيها، وبعد قيام المحكمة بإجراءات التحقيق من معاينات وخبرات وأبحاث، مما يفرض عليها أحيانا إعادة نفس الإجراءات بالنسبة للتعرض الجديد، كما أن بعض القرارات اتخذت بعد أن أصبح الملف معروضا على محكمة الاستئناف([21])، وقد يحدث أحيانا أن تتكرر طلبات فتح أجل التعرض وتصدر قرارات السيد وكيل الملك في فترات متباعدة مما يستدعي إرجاع الملف إلى المحافظة العقارية مرات متعددة بعدد القرارات المتخذة، ويرى الأستاذ أن هذا التعديل في محله، لأن من شأنه أن يتفادى الإشكالات المطروحة أعلاه.

عكس التوجهين السابقين فإن الأستاذ محمد خيري في معرض انتقاده للمقتضيات الجديدة بخصوص قانون التحفيظ العقاري 07-14 وبخصوص حصر إمكانية التعرض الاستثنائي في المحافظ العقاري دون غيره. فقد جاء على قوله([22]) “ونحن لا نشاطر هذا الرأي إذ كان يتعين فتح إمكانية التعرض الاستثنائي ليس أمام النيابة العامة، بل أمام رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للمستعجلات وذلك حينما يكون ملف التعرض محالا على المحكمة أو بواسطة التدخل الإرادي، وذلك حتى تتاح الفرصة للمتعرض للتدخل في النزاع ما دام الملف رائجا أمام المحكمة الابتدائية وهي تنظر في الموضوع”.
يبدو أن المشرع حينما ألغى بموجب الفصل 29 من قانون 07-14 إمكانية قبول التعرض من وكيل الملك بعد إحالة الملف على المحكمة بصفة استثنائية قد حسم في اختيار تشريعي أنما كان حريا به أن يستحضر مبدأ الحفاظ على المكتسبات لأن النزول عنها معناه الإضرار بمصالح طبقات قد يستحيل عليها إقامة التعرض وفقا لقنواته العادية ولا حتى إقامة التعرض الاستثناني أمام المحافظ، ولم يكن هناك حسب بعض الفقه([23])، من داع لحذف إمكانية قبول التعرض أمام وكيل الملك لأن الاستثناء المذكور لم يكن يثير مشاكل أكثر مما سيتيرها حذف هذه الإمكانية.

لكن، ورغم ما قد يقال بالنسبة لمؤسسة النيابة العامة من مبررات، فإن التساؤل المطروح يبقى هو، لماذا تم التراجع عن إمكانية منح هذا الاختصاص لرئيس المحكمة الابتدائية طبقا للفصل 148 من قانون المسطرة المدنية في إطار الأوامر المبنية على الطلبات، حيث تكون تلك الأوامر قابلة للطعن بالاستئناف بدورها أمام محاكم الاستئناف داخل أجل 15 يوما من يوم النطق بها.

المطلب الثاني: مبررات إلغـاء دور النيابة العامة في مجال التعرض الاستثنائي وتأثير ذلك على التدخل في الدعوى.

حدد المشرع في (ظ ت ع) كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 07/14، أجل ممارسة حق التعرض على مطلب التحفيظ، في شهرين يبتدئ من تاريخ الإعلان عن انتهاء التحديد، غير أنه وضع استثناء لهذا المبدأ ويتجلى أساسا في الفصل 29 من ظ.ت.ع. كما تم نسخه وتعويضه بالقانون رقم 07-14، الذي سمح بقبول التعرض بعد انصرام هذا الأجل بصفة استثنائية من طرف المحافظ وحده، ما دام الملف لم يوجه إلى كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية، متجاوزا بذلك مقتضيات الفصل 29 من ظ.ت.ع قبل تعديل بالقانون رقم 07-14 التي كانت تعطي الصلاحية لوكيل الملك أيضا لقبول التعرض الاستثنائي، الأمر الذي يستدعي الوقوف على الإشكالات التي كان يطرحها تدخل النيابة العامة في فتح الأجل الاستثنائي للتعرض، والتي كانت سببا في إلغاء دورها بهذا الخصوص، وأيضا مدى تأثير هذا الإلغاء على إمكانية التدخل في الدعوى أمام قضاء التحفيظ، وذلك من خلال تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين، أما بخصوص (الفقرة الأولى) سأتناول فيها، مبررات إلغاء دور النيابة العامة في فتح الأجل الاستثنائي للتعرض، وبخصوص (الفقرة الثانية) سأتناول فيها، مدى تأثير إلغاء دور النيابة العامة في مؤسسة التعرض الاستثنائي على التدخل في الدعوى.

الفقرة الأولى: مبررات إلغاء دور النيابة العامة في فتح الأجل الاستثنائي للتعرض.

ألغى الفصل 29 من ظ.ت.ع. الذي نسخ وعوض بالقانون رقم 07-14، دور النيابة العامة في فتح الأجل الاستثنائي للتعرض، هذا الدور الذي كان يطرح أكثر من تساؤل، ولعل أول إشكال كان يتعلق بكون النيابة العامة لها اختصاصات متعلقة بالمجال الزجري، وبالتالي فهي بعيدة كل البعد عن قضايا التحفيظ، كما أن عدم تحديد المشرع قبل التعديل بالقانون رقم 07-14، لضوابط قبول التعرض الاستثنائي أدى إلى تزايد التعرضات الكيدية([24]).
إذا كان المشرع قد خول لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية سلطة تقريرية واسعة لفتح أجل جديد لقبول التعرض ضد مطلب التحفيظ، فإن هذه السلطة ليست مطلقة، بل إن الترخيص الممنوح له مقيد بشرط أساسي لا يصح القرار إلا بتوفره، وهو من بين الأسباب التي كانت وراء إلغاء مشرع قانون 07-14، لدور النيابة العامة في مجال التعرض الاستثنائي، ألا وهو توجيه ملف مطلب التحفيظ موضوع التعرض على المحكمة الابتدائية([25])، أما إذا لم تتم إحالة ملف مطلب التحفيظ، وانتهت أجل التعرضات ولم يسجل أي تعرض وشرع المحافظ في تأسيس الرسم العقاري، ففي هذه الحالة لا يمكن التقدم لدى النيابة العامة سابقا قصد قبول التعرض.

فقد رأى أحد الفقه([26])، أن وكلاء الملك كانوا يقبلون التعرضات الاستثنائية وملفات مطالب التحفيظ لا تزال بإدارة المحافظة العقارية([27])، مما كان يخلق عدة متاعب وصعوبات للمحافظ العقاري، ذلك أن المواطن يحمل للمحافظ وثيقة مطعون في صحتها نظرا لعدم الاختصاص. وقد دأب العمل القضائي على رفض مثل هذه القرارات التي تقبل التعرض الاستثنائي من طرف وكيل الملك والملف لازال بالمحافظة العقارية.

فقد ذهب المجلس الأعلى (سابقا)، في أحد قراراته جاء فيه([28]) ” إن قرار وكيل الملك بفتح أجل استثنائي للتعرض خلال المرحلة الإدارية للتحفيظ، لا يلزم المحافظ العقاري لأنه عديم الأساس القانوني، ويعتبر مخالفا لمقتضيات الفصل 29 من ظ.ت.ع”. وهو ما سارت عليه محكمة الاستئناف بطنجة([29])، لما اعتبرت ” أن القرار المتخذ من طرف وكيل الملك بقبول التعرض، يعتبر عديم الأساس القانوني، وخرقا للفقرة الأولى من الفصل 29 من ظ.ت.ع.، ذلك أنه صدر في وقت كان الملف لا يزال بالمحافظة العقارية وفي وقت لم تتم فيه إحالته على المحكمة الابتدائية حتى يمكنه استعمال هذا الحق المناط به قانونا، مما تعتبر معه دفوع الطرف المستأنف لا ترتكز على أساس قانوني”.

إضافة إلى ذلك طرح التساؤل، بخصوص مسألة إرجاع الملف إلى المحافظة لتقييد التعرض الاستثنائي المقبول من قبل وكيل الملك في سجل التعرضات من عدمه، إذ في ظل غموض الفصل 29 من ظ.ت.ع. الذي نص على تبليغ طالبي التحفيظ والأشخاص الآخرين المعنيين بالأمر، طرح التساؤل حول ما إذا كان بالإمكان إدراج المحافظ والقاضي المقرر في مفهوم الأشخاص الآخرين المعنيين بالأمر؟

في اعتقاد إحدى الباحثات([30])، أن المشرع كان يقصد بهذه العبارة المتعرض طبقا للفصل 29 من ظ.ت.ع. وكذا المتعرضين الآخرين إن وجدوا، ولكن هذا لا يمنع من تبليغ المحافظ والقاضي المقرر حتى يتأتى خلق انسجام بين أطراف العلاقة الثلاثية، وكيل الملك والمحافظ والقاضي المقرر، طالما أن الأمر يتعلق بملف واحد تتجاذبه ثلاثة أطراف، وحتى لا تخلق مشاكل عملية نحن في غنى عنها، كما هو الحال بالنسبة للحكم الصادر عن ابتدائية بركان، والذي جاء فيه([31]) ” … وبناء على قرار السيد وكيل الملك القاضي بمنح أجل استثنائي لنظارة الأوقاف قصد التعرض على المطلب المذكور… وبناء على عدم إدلاء السيد المحافظ بما يفيد فتح أجل استثنائي لتعرض نظارة الأوقاف والشؤون الإسلامية…”.
ولكن، هل يكفي التبليغ أم لابد من إرجاع الملف برمته إلى المحافظة العقارية، إن مسألة الخيار بين أحد الأمرين، يدفعنا إلى الخيار بين أحد الإشكالين، فإذا اخترنا التبليغ فقط، ستثار مسألة الوجيبة القضائية، والتي أعطاها الفصل 32 في فقرته السادسة قبل التعديل بالقانون رقم 07-14، إلى المحافظة العقارية عوض كتابة الضبط بالمحاكم، وبالتالي كيف سيتم استخلاصها؟، أما إذا اخترنا مسألة إرجاع الملف برمته إلى المحافظ، فإضافة إلى ما سيترتب عنه من بطء في المسطرة، سيثار إشكال آخر يتمثل في مدى استعادة المحافظ لصلاحيته بفتح أجل استثنائي آخر بمجرد إرجاع الملف إليه، طالما لم تصدر بعد أحكام قضائية([32]).

وإذا كان اختصاص وكيل الملك ينعقد بمجرد إحالة ملف التحفيظ على القضاء، فإن انعقاد الاختصاص هذا يقتضي ويفرض في هذا الإطار تحديد فترة سريانه، لكون هذا السريان وكلما امتد في الزمن إلا وانعكس إيجابيا على حقوق الأغيار من زاوية إمكانية إثارتهم للتعرض متى كان هذا الاختصاص ساري المفعول، فالإشكال متى تنتهي، وبتعبير آخر مدى جواز ممارسة هذا التعرض بعد إصدار الأمر بالتخلي، وكذا في المرحلة الإستئنافية ؟
لم يشير الفصل 35 من ظ.ت.ع. كما تم تعديله وتتميمه بالقانون 07-14 إلى إصدار أمر بالتخلي على خلاف الفصل 335 من قانون المسطرة المدنية، ومع ذلك دأبت بعض المحاكم إلى إصدار هذا الأمر في قضايا التحفيظ، ومن ثم يمكن القول أن إصدار أمر بالتخلي لا يحول دون قبول التعرض الاستثنائي، أولا لكون الفصل 29 من ظ.ت.ع. قبل التعديل ربط مسألة التعرض الاستثنائي الممنوح من طرف وكيل الملك بوجود الملف في المحكمة، وثانيا لكون قفل باب المرافعة مجرد إجراء ولائي وبالتالي يمكن فتحه على شرط أن تعلل المحكمة قرارها([33]).
أما فيما يتعلق بقبول التعرض الاستثنائي أمام محكمة الاستئناف يرى أحد الفقه([34])، بهذا الخصوص أنه عندما ترفع وثائق الملف إلى محكمة الاستئناف يكون النزاع قد خرج من ولاية المحكمة الابتدائية رئاسة ونيابة، أي أن وكيل الملك لم يبق مختصا، أضف إلى ذلك أنه لا مغزى من قبول التعرض الاستثنائي والملف معروض على محكمة الاستئناف لأن المتعرض المفتوح له الأجل الاستثنائي في هذه المرحلة لن يتمكن قانونا من الانضمام إلى طرفي الدعوى وهي بمحكمة الاستئناف لأن التعرض لابد أن يسجل بالمحافظة العقارية، والمحافظ بهذه الأخيرة لا يرفع الوثائق إلى محكمة الاستئناف، وإنما إلى المحكمة الابتدائية، والحال أن هذه الأخيرة قد نفضت يدها وأنهت ولايتها بإصدار حكمها المطعون فيه أمام محكمة الاستئناف.

إلا أن الواقع العملي كان يثبت أن بعض وكلاء الملك كانوا يصدرون قرارات بقبول التعرض الاستثنائي رغم أن ملف القضية يروج أمام محكمة الاستئناف في خرق واضح للقانون. ومن بين هذه القرارات نجد قرار وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بوجدة، الذي فتح بمقتضاه أجل استثنائي للتعرض جاء فيه ما يلي ” وحيث أن الطالب عزز طلبه بشهادة للإقامة تفيد أنه كان يقيم بالدار البيضاء مما يجعل ادعاءه بخصوص عدم علمه بعملية الإشهار، ادعاء مبررا.
وحيث أن القضية لازالت رائجة أمام محكمة الاستئناف (…)
وحيث أنه أمام توفر المعايير المشار إليها أعلاه يكون طلب المعني بالأمر مؤسسا ومبررا”([35]).
فهذا التوجه الذي نهجه وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بوجدة يبقى معيبا وغير ذي أساس قانوني سليم، لأن الفقرة الأولى من الفصل 29 من ظ.ت.ع. قبل -التعديل بالقانون رقم 07-14، واضحة الدلالة ولا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، فهي سمحت لوكيل الملك بقبول التعرض الاستثنائي متى أحيل الملف على كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فقط، وهذا ما قررته صراحة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء عندما قضت بأن([36]) ” ما جاء في مذكرة السيدة (…) من أنه لا يوجد نص يحول دون قبول تعرضها أثناء المرحلة الإستئنافية هو مردود بأن نص الفصل 29 المشار إليه يحول دون ذلك ما دام المشرع قصر الأمر على السيد المحافظ والسيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية، الشيء الذي يفهم منه أن المشرع سمح بقبول التعرض الاستثنائي مادام النزاع معروضا على المحكمة ذات الدرجة الأولى ولم يقع البث فيه بعد من طرفها، فإذا ما وقع البث من طرفها وانتقل النزاع إلى محكمة الاستئناف ذات الدرجة الثانية، فإن قبول تعرض جديد غير مسموح به لأنه سيقع تخطي الدرجة الأولى للتقاضي وهذا أمر مخالف للنظام القضائي الذي له صبغة النظام العام”. ذلك أن قبول التعرض الاستثنائي أمام محكمة الاستئناف، يتناقض مع الفصل 143 من ق.م.م. الذي ينص على مبدأ التقاضي على درجتين.

يثار إشكال آخر (سابقا)، متعلق بمدى اختصاص الوكيل العام للملك بقبول التعرض الاستثنائي ما دام الملف معروضا على أنظار محكمة الاستئناف، وما دام وكيل الملك لا يختص في هذه المرحلة القضائية كما سبق القول؟
بخصوص مدى اختصاص الوكيل العام للملك بقبول التعرض الاستثنائي فقد أثير بشأنه خلاف بين مؤيد له ومعارض، إذ كان يستند القائلون بجوازه بكون عبارة وكيل الدولة كانت توجد في التنظيم القضائي القديم الذي كان يضم محاكم السدد، والمحاكم الإقليمية، وأنه بعد إعادة النظر في التنظيم القضائي الذي أحدثت على إثره المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف، أصبح الاختصاص بالبث في التعرضات الاستثنائية يعود لوكيل الملك وللوكيل العام للملك، بحسب ما إذا كان ملف التحفيظ معروضا أمام المحكمة الابتدائية أو الاستئنافية([37]).
كما يستند أصحاب هذا الرأي([38])، إلى كون التشدد في التطبيق الحرفي للفصل المنظم للتعرض الاستثنائي، من شأنه أن يفرغ مؤسسة التعرض الاستثنائي من محتواها، إذ ما جدوى من فتح أجل للتعرض الاستثنائي ما دام سيقيد بوقت محدد، وأي ضمانة لذوي الحقوق الذين سيحرمون من هذا الأجل طالما أن الرسم العقاري لم يشرع في إنجازه.

إلا أنه في المقابل، هناك من([39]) لا يمنح الصلاحية للوكيل العام للملك في قبول التعرضات الاستثنائية أثناء المرحلة الاستئنافية، استنادا إلى عدم جدوى فتح أجل التعرض الاستثنائي والملف معروض على محكمة الاستئناف، لأنه سيثير إشكالا حول طريقة تدخل هذا المتعرض في الدعوى، والحال أن المشرع حصر التدخل في المرحلة الاستئنافية([40]) فيمن له الحق في التعرض الخارج عن الخصومة، وهذا الطعن غير مقبول في قضايا التحفيظ، وبالتالي ما جدوى قبول مثل هذا التعرض من طرف الوكيل العام للملك ما دام تفعيله على مستوى محكمة الاستئناف غير ممكن([41]).
وأمام كل هذه الإشكالات التي يطرحها موضوع التعرض الاستثنائي ثم سلب هذا الاختصاص من يد النيابة العامة بمقتضى الفصل 29 من ظ.ت.ع. كما تم نسخه وتعويضه بالقانون رقم 07-14، فما تأثير ذلك على إمكانية التدخل في الدعوى أمام قضاء التحفيظ؟

الفقرة الثانية: مدى تأثير إلغاء دور النيابة العامة في مؤسسة التعرض الاستثنائي على التدخل في الدعوى.

نظم قانون المسطرة المدنية مسطرة إدخال الغير بمقتضى الفصول من 103 إلى 108، ومسطرة التدخل بمقتضى الفصول من 111 إلى 113 بالنسبة للمرحلة الابتدائية، وبمقتضى الفصل 144 بالنسبة للمرحلة الاستئنافية، وبمقتضى الفصل 377 بالنسبة للتدخل أمام المجلس الأعلى. غير أنه بالرجوع إلى ظ.ت.ع. لا وجود لمقتضيات مماثلة، كما أنه لم يحل على ق.م.م. بهذا الخصوص، ولعل السبب يرجع لكون أطراف الدعوى تحدد مسبقا أمام المحافظ العقاري، حيث يتعين على أي متدخل سلوك مسطرة التعرض. وخارج هذه المسطرة لا مجال للتدخل مباشرة أمام القضاء، خاصة أمام إلغاء دور النيابة العامة في فتح الأجل الاستثنائي للتعرض بمقتضى الفصل 29 من ظ.ت.ع. كما تم نسخه وتعويضه بالقانون رقم 07-14، هذا الفصل الذي حافظ على اختصاص المحافظ بهذا الخصوص، وسلبه من يد النيابة العامة، هذا الفصل الذي سبق أن طالب البعض بإلغائه([42]).
في حين أن بعض الفقه([43])، قد استند إلى مقتضيات هذا الفصل قبل التعديل بالقانون 07-14، لإجازة التدخل في الدعوى أمام المحكمة الابتدائية، حيث اعتبر قبول التعرض خارج الأجل من قبل وكيل الملك أثناء عرض نزاع التحفيظ على المحكمة الابتدائية، لا يمكن اعتباره إلا تدخلا في الدعوى بالمفهوم المسطري لهذا الإجراء، لأنه يقع بعد وضع المحكمة الابتدائية يدها على النزاع.

إن إلغاء دور النيابة العامة في فتح أجل استثنائي للتعرض، يجعلنا([44])، نقر أن المشرع تناسى الارتباط الوثيق بين التعرض الاستثنائي المخول من طرف وكيل الملك، وإمكانية التدخل في الدعوى أمام قضاء التحفيظ، إذ لا يمكن التكلم عن الأول بمعزل عن الثاني، فسحب الاختصاص من يد النيابة العامة يعني الجزم بعدم إمكانية التدخل في الدعوى مباشرة أمام المحكمة، ويبدو هذا التوجه منسجما مع مقتضيات ظهير التحفيظ إذ ما جدوى من تنظيم التعرض وتحديد أجله، إذا كان بوسع أي كان التدخل في الدعوى خارج هذه المسطرة، غير أن إلغاء هذا الدور سيؤدي إلى طرح بعض الإشكالات، التي ما كانت لتطرح لو تم الاحتفاظ به مع تقنينه، ولعل أول إشكال سيطرح بخصوص الشفيع الذي ألزمته المادة 305 من القانون 08-39، بممارسة دعواه في صيغة تعرض دون أن تأخذ بعين الاعتبار أن أجل الشفعة يختلف عن أجل التعرض، ذلك أن المادة 304 من نفس القانون نصت في فقرتها الثانية على أن حق الشفعة يسقط في جميع الأحوال بمضي سنة كاملة من تاريخ التقييد إذا كان العقار محفظا أو الإيداع إذا كان العقار في طور التحفيظ، وبالتالي فهذا الأجل العام للشفعة يتعارض مع الأجل الخاص للتعرض، إذ سيحرم الشفيع من ممارسة حقه رغم أن أجل الشفعة لازال مفتوحا، على أساس أن أجل التعرض المحدد في شهرين من تاريخ نشر الإعلان عن انتهاء التحديد قد انتهى، ليبقى له فقط تقديم طلب إلى المحافظ ليفتح له أجل استثنائي للتعرض استنادا إلى الفصل 29 من القانون العقاري، ما لم يتم اتخاذ قرار التحفيظ، ويزداد الأمر تعقيدا دائما بحسب نفس الباحثة،

في الحالة التي يحال فيها ملف مطلب التحفيظ على القضاء للبث في التعرض، إذ كيف سيتمكن الشفيع من تقديم تعرضه، والحال أن التدخل غير مقبول في قضايا التحفيظ، والتعرض الاستثنائي المقبول من قبل وكيل الملك تم سحبه، وتعرض الغير الخارج عن الخصومة غير مقبول.
ونفس الإشكال سيطرح في حالة التعرض على الحقوق المعلن عنها طبقا للفصل 84 من ظ.ت.ع. كما تم تعديله وتتميمه بالقانون رقم 07-14، حيث نص الفصل 24 من قانون التحفيظ العقاري على إمكانية التعرض عليه، متناسيا كون هذه الحقوق قد تنشأ بعد فوات أجل التعرض، ذلك أنه لو فرضنا أن شخصا ما قام بإيداع شرائه وفق الفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، بعد انتهاء أجل التعرض، فإن المتعرض سيصعب عليه تقديم تعرضه خاصة في الحالة التي يكون فيها الملف محالا على القضاء، وبالتالي أية حماية للمتعرض في هذه الحالة، طالما أن التعرض الاستثنائي المقبول من قبل وكيل الملك لم يعد مقبولا.
عموما، إن تنصيص قانون التحفيظ العقاري على إمكانية التعرض على الحقوق المعلن عنها طبقا للفصل 84، وكذا التعرض الصادر عن الشفيع، لم توازها حماية، إذ لا يعقل أن يكون المتعرض صاحب حق غير أن الطريق الموصل له غير متاح. لهذا كان الأجدر بالمشرع أن يحافظ على مؤسسة التعرض الاستثنائي، في الحالة التي يكون فيها الملف محالا على القضاء مع تقنينها بوضع ضوابط محددة تفاديا للتعرضات الكيدية، وحتى تسهم هذه المؤسسة في حل بعض الإشكالات ومنها الإشكالين السالفي الذكر([45]).

إن إلغاء دور وكيل الملك في تلقي التعرضات الاستثنائية نتج عنه أن المشرع قد رجح كفة طالب التحفيظ في مقابل إضعاف موقف المتعرضين، إذ بعد أن يحيل المحافظ على الأملاك العقارية مطلب التحفيظ رفقة التعرضات المسجلة على المحكمة المختصة، لن يعود بإمكان المتعرضين أية فرصة في تقديم تعرضهم في حالة ما إذا فاتتهم فرصة التعرض أمام المحافظ على الأملاك العقارية خاصة وأن القانون رقم 07-14 لم يترك الباب مفتوحا للمحافظ لتلقي التعرضات خارج الأجل بدون تقييد زمني وإنما حدد له سقفا زمنيا أوجب عليه احترامه.
وكخلاصة عامة يمكن القول أن المشرع لم يكن موفقا في صياغة الفصل 29 من قانون التحفيظ العقاري المعدل لمجموعة من الأسباب نقتصر في حدود الموضوع بالسبب التالي:
– عندما أبعد القضاء من مجال فتح أجل استثنائي للتعرضات المقدمة خارج الأجل، إذ كان من الأفيد منح هذا الاختصاص لمحكمة الموضوع إذا بذا لها أن هناك مبررات معقولة ومقبولة لذلك، وخاصة في المرحلة الابتدائية.

 

(محاماه نت)

إغلاق