دراسات قانونية

واقع مؤسسة الكاتب العام للجماعة (بحث قانوني)

واقع مؤسسة الكاتب العام للجماعة بقلم ذعبد الصديق المجدوبي رئيس الفرع الجهوي للجمعية المغربية للكتاب العامين للجماعات المحلية

كان الهدف من إحداث مؤسسة الكاتب العام للجماعة هو تدعيم بنيات الإدارة الجماعية نتيجة تعقيد خدماتها التي يوجد على رأسها رئيسا منتخبا يمارس في أغلب الأحيان مهاما أخرى مهنية كانت، أو شخصية، وهذا يقتضي الأخذ بعين الاعتبار عدة عوامل سياسية واجتماعية وثقافية معقدة تؤثر في أداء مهام هذه المؤسسة.

يقتضي الواقع القائم لمؤسسة الكاتب العام للجماعة دراسة الإطار القانوني المنظم لمهام الكاتب العام للجماعة (الفقرة الأولى) والاكراهات التي تواجهه (الفقرة الثانية) وموقعه بين السياسي والعمل الإداري (الفقرة الثالثة).

الفقرة الأولى: تنظيم مهام الكاتب العام للجماعة

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

يثير تحليل الإطار القانوني المنظم لوضعية الكاتب العام للجماعة عددا من الملاحظات يمكن تصنيفها كما يلي:
أولا : الطابع الجامد للنصوص المنظمة لمهام الكاتب العام وعدم وجود نظام أساسي Statut حقيقي للمهام.
ثانيا : إحداث فصل بين الدرجةGrade والمهام Fonctions.
ثالثا : إمكانية التجديد من خلال الأحكام الجديدة للميثاق الجماعي كما وقع تعديله وتتميمه بالقانون 08-17.

أولا : الطابع الجامد للنصوص المنظمة لمهام الكاتب العام للجماعة:

ظلت المهام المسندة للكاتب العام للجماعة تخضع لمقتضيات نصين أساسيين ومجموعة من المناشير الصادرة عن وزارة الداخلية:
أحكام المواد من 16 إلى 18 من المرسوم رقم 738-77-2 بتاريخ 13 شوال 1397 (27 شتنبر 1977) بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات([1]).
المرسوم رقم 206-86-2 بتاريخ 29 ربيع الأول 1407 (2 دجنبر 1986) المتعلق بنظام التعويضات لفائدة الكتاب العامين([2]).
مجموعة من المناشير الصادرة عن وزارة الداخلية حول مهام الكاتب العام للجماعة أهمها في نظرنا، منشور عدد 294 ام ج م بتاريخ 24 نونبر 1982 حول مهام الكتاب العامين للجماعة، والمنشور عدد 320 م م م بتاريخ 4 يونيو 1993 حول تعيين الكتاب العامين للجماعات.

وأبرز ما نصت عليه هذه النصوص على وجه الإجمال هو:
أن تعيين الكاتب العام يقرره رئيس المجلس الجماعي، ولكنه يظل خاضعا لموافقة وزير الداخلية.
أن دور الكاتب العام للجماعة ينحصر في تنشيط وتنسيق المصالح التابعة للجماعة، وفي تنفيذ مقررات رئيس المجلس الجماعي.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن الكاتب العام للجماعة لا يستفيد إلا من تعويض زهيد جدا عن المهام، حدد مقداره الشهري كما يلي:

üالكاتب العام للجماعة الحضرية 500 درهم.
üالكاتب العام للجماعة القروية 300 درهم.

فطبقا لمقتضيات الفصل 17 من المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية الجماعية والفصل الأول من المرسوم الخاص بنظام التعويضات الممنوحة لفائدة الكتاب العامين ومنشور وزير الداخلية عدد 320 م م م بتاريخ 4 يونيو 1993 حول تعيين الكتاب العامين للجماعات، يتعين على المرشح لوضعية الكاتب العام للجماعة أن يستوفي الشروط النظامية الآتية :
يعين الكاتب العام من بين موظفي الجماعات المحلية والدولة بمقرر يصدره رئيس المجلس الجماعي بعد موافقة وزير الداخلية.
الحصول على الإجازة في الحقوق أو دبلوم يعادلها.
الانتماء لإطار مرتب على الأقل في سلم الأجور رقم 10 بالنسبة للجماعات الحضرية والسلم 8 بالنسبة للجماعات القروية([3]).
أن يكون ملحقا بشكل قانوني لدى الجماعة المعنية أو يتوفر على موافقة مبدئية للإدارة الأصلية بالنسبة لهذا الإلحاق.

تعيين الكتاب العامين يتوقف دوما على التوفر على تكوين متخصص ينظم لهذه الغاية من قبل وزارة الداخلية في سلك خاص بمركز التكوين الإداري التابع لوزارة الداخلية.
وبالإضافة إلى هذه الشروط يجب أن يكون المرشح لمهام الكاتب العام للجماعة متوفرا على تكوين سياسي واقتصادي وقانوني متين يؤهله إلى ضمان مطابقة نشاط المجلس والمصالح الجماعية للقواعد الإدارية والقانونية، كما ينبغي أن يتوفر على مؤهلات([4]) أخرى تسمح له بإضفاء طابع ديناميكي على النشاط الجماعي في مختلف المجالات التي تندرج ضمن اختصاص الإدارة الجماعية.
وعندما يكون الكاتب العام للجماعة مستوفيا للشروط المشار إليها أعلاه، وعندما تساهم عناصر العمل الجماعي الأخرى بشكل ايجابي، يتمكن الكاتب العام للجماعة من أداء دوره فيما يخص التنشيط والتنسيق وتنفيذ مقررات الرئيس.

وفي هذا الإطار يجب على الكاتب العام للجماعة خلق جو من التعاون بين مصالح الجماعة وإحداث روابط وعلاقات فعالة بين الموظفين على اختلاف مستوياتهم، حتى يتمكنوا من العمل جماعة وجلب فعالية ومردودية لمختلف الأعمال التي ينجزونها ويؤدونها داخل الإدارة الجماعية([5]).
وتأسيسا على ذلك فإن مهمة التنشيط والتنسيق بين مصالح الجماعة تتطلب من الكاتب العام للجماعة ربط اتصالات دائمة بين مختلف الفاعلين في الشأن العام المحلي، وهذه المهمة تفرض دراية بجميع الملفات الجماعية لأن العلم بهذه الملفات يسهل مهمته في التنشيط والتنسيق بين مصالح الجماعة من جهة، وهناك الرئيس والمنتخبين وإدارات الدولة التي يدخل معها في علاقات محدودة من جهة أخرى.

فعملية التنسيق والتنشيط تقتضي أن يكون الكاتب العام الوسيط بين السياسة والإدارة([6]) فمهمته تعني فعل كل شيء يدخل في إطار الشأن المحلي للجماعة بمعنى آخر فالكاتب العام للجماعة يعتبر المنسق بين جميع المصالح التي تساعد الجماعة على تلبية رغباتها في كل ما يرجع إلى تحقيق انتظارات سكان الجماعة ذات الارتباط بمجال التنمية المحلية.
وعلى هذا الأساس يلاحظ أن الكاتب العام للجماعة في إطار مساعدته لرئيس المجلس الجماعي يلعب دورين أساسيين، من جهة يعتبر مستشارا للرئيس وللمستشارين الجماعيين نظرا لإلمامه بالقضايا التي تهم الحياة الجماعية، ومن جهة أخرى فهو يسهر على تنفيذ مقررات الرئيس. وبناء عليه فتسيير الإدارة الجماعية يأخذ طابعين، طابع سياسي وطابع إداري، فدور الإدارة الجماعية ليس سياسيا، ولكنها عبارة عن إدارة لممارسة السلطة السياسية([7]) فالرئيس عندما يقرر يحتاج للإدارة من أجل تنفيذ السياسة التي ينهجها ويقررها المجلس الجماعي، فالكاتب العام باعتباره رجل الإدارة والمساعد الأول والمباشر لرئيس المجلس فهو مكلف بتنفيذ هذه القرارات.

إن الوضع الذي وصفناه سابقا هو الوضع المثالي لمؤسسة الكاتب العام للجماعة لكن مع الأسف لا يخفي عدد من الكتاب العامين اشمئزازهم وقلقهم من الوضع القائم والذي يمكن تفسيره على النحو التالي:
جمود وخمول أهم النصوص المنظمة لمهام الكاتب العام التي لم تخضع للمراجعة منذ أزيد من ثلاثين سنة؛
هذه النصوص وضعت في ظرفية تاريخية خاصة إلى حد ما، وعرفت تحولات في الزمن (مستوى المنتخبين، تطور اللامركزية، الانفتاح الديمقراطي الخ…)؛

مهام الكاتب العام للجماعة غير محددة بما فيه الكفاية. ونطاقها يخضع بصورة منتظمة لإرادة رئيس المجلس الجماعي؛
التعويضات عن المهام المخصصة للكاتب العام للجماعة زهيدة جدا، ولا توافق في شيء المهام المسندة إليه عادة. ويصح هذا خصوصا في الجماعات الكبيرة الحجم حيث يتولى الكاتب العام للجماعة المشاركة في تدبير وتنسيق المشاريع الجماعية بمئات ملايين الدراهم، مقابل تعويض غير مناسب على الإطلاق.

يبدو التمييز في التعويضات عن المهام بين الجماعة الحضرية والجماعة القروية (بغض النظر عن أهميته) غير مناسب.
وفي هذا الإطار، لابد من الإشارة إلى أن بعض المحاولات تمت في أوائل التسعينات من القرن الماضي بالتشاور مع الكتاب العامين للجماعات بغية مراجعة نظام وظيفتهم لكنها لم تؤد إلى إجراءات رسمية ملموسة.

ثانيا : إحداث فصل بين الدرجة والمهام:

ليس منصب الكاتب العام للجماعة بدرجة Grade، وإنما هو مهمة Fonction فحامل هذا المنصب يكون مرسما في درجته (السلم 10 أو11) ويتولى مهمة الكاتب العام للجماعة، التي هي مهمة غير دائمة بطبعها تعهد إليه لمدة محددة، ويكون ملحقا بشكل قانوني لدى الجماعة المعنية أو يتوفر على موافقة مبدئية للإدارة الأصلية بالنسبة لهذا الإلحاق.
ولا يملك الكاتب العام للجماعة أي حق في تجديد مهامه، فهذا التجديد من اختصاص الرئيس وحده الذي يستطيع أن ينهيه وفق الشروط المقررة في المقطع الأخير من الفصل 17 من المرسوم المتعلق بالنظام الأساسي لموظفي الجماعات، وذلك بمقرر يصدره رئيس المجلس الجماعي بعد موافقة وزير الداخلية.

إلا أن توسيع الاختصاصات الموكولة لرئيس المجلس الجماعي وهو توسيع يندرج في سياق تدعيم الاستقلال الذاتي المحلي، ليس مؤطرا بما يكفي لتفادي أي شكل من أشكال عدم استقرار المجلس الجماعي واستمرارية خدمات المرفق العام، وفي هذا الصدد يظهر أن مهمة الكاتب العام للجماعة تجسد استمرارية العمل الإداري المحلي وبالتالي ضمان استمرارية المرافق المحلية حتى لا تتعثر في سيرها اليومي([8]).
وتأسيسا على هذا ينبغي أن ينصب التأطير المذكور على كيفيات تنفيذ الضمانات التي يجب أن يستفيد منها الكاتب العام للجماعة في حالة إنهاء مهامه من طرف الرئيس وأولها مراعاة أجل الإشعار Le respect d’un délai de préavis التي يجب أن تتبع هدفين هما:
تمكين الكاتب العام للجماعة من ترشيح نفسه لجماعة أخرى أو من التماس وظيفة في إدارة عمومية أخرى.
تمكين رئيس المجلس الجماعي من تنفيذ إجراء إعلان عن شغور مهام الكاتب العام للجماعة.

ثالثا : إمكانية التجديد من خلال الأحكام الجديدة للميثاق الجماعي كما وقع تعديله وتتميمه بالقانون 08-17.

تندرج هذه الدراسة في سياق الأحكام الجديدة للميثاق الجماعي خاصة المادة 54 مكررة([9]) من القانون رقم 08-17 المعدل والمتمم للقانون رقم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي([10])، وفي هذا الصدد يجدر بنا التوقف، عند الدور الهام الذي أصبح يلعبه الكاتب العام للجماعة حيث جعل الميثاق الجماعي كما وقع تغييره وتتميمه كل جماعة تتوفر على إدارة تتألف من الكتابة العامة للجماعة والمصالح الإدارية المكلفة بالسهر على تنفيذ قرارات رئيس المجلس([11]) ويحدد تنظيم الإدارة الجماعية بقرار لرئيس المجلس الجماعي يؤشر عليه من لدن الوالي أو العامل طبقا لشروط ومعايير تحدد بقرار لوزير الداخلية بناء لاسيما على عدد ساكنة الجماعة ومواردها([12]).

إن الصلاحيات القليلة التي منحها المشرع للكاتب العام للجماعة في ظل الميثاق الجماعي لسنة 2002، قبل إجراء التعديل الأخير، حيث أصبح بحكم القانون عضوا في اللجنة الخاصة التي يتم تعيينها كلما وقع توقيف أو حل المجلس الجماعي([13]) فضلا عن إمكانية حصوله على تفويض بقرار من رئيس المجلس الجماعي في مجال التسيير الإداري([14])، والحالة المدنية([15]). هذه الصلاحيات لم ترق بالكاتب العام للجماعة إلى المستوى المطلوب، الشيء الذي حذا بالمشرع إلى إقرار اختصاصات جديدة لدعم مركز الكاتب العام للجماعة من أجل القيام بدور فعال لمساعدة رئيس المجلس الجماعي.

وهكذا أقر الميثاق الجماعي كما وقع تعديله، تعيين الكاتب العام للجماعة من بين موظفي الجماعات أو الإدارات العمومية بقرار لرئيس المجلس بعد موافقة وزير الداخلية([16])، وفتح ولوج هذا المنصب الحساس أمام موظفي الجماعات وموظفي القطاع العام، فيه دعم كبير لهذه المؤسسة، حيث نتمنى في هذا الصدد أن يتم التوجه بصفة خاصة إلى الأطر التقنية على اعتبار أن الوظائف الجماعية الأساسية يغلب عليها الطابع التقني وذلك لما للتقنيين من تأثير بالغ على اتخاذ القرارت العامة.

الفقرة الثانية : الإكراهات التي تواجه الكاتب العام للجماعة

تواجه الكاتب العام للجماعة عدة إكراهات تحول دون قيامه بالمهام المنوطة به في ظروف مناسبة وبالكفاءة المطلوبة، وسنحاول في هذا الإطار التعرض لأهم هذه الإكراهات التي نرى أنها تحد من إمكانات الكاتب العام للجماعة في لعب دور مهم داخل الإدارة الجماعية.

أولا : اختصاصات الكاتب العام للجماعة:

عمل المشرع على إسناد مهام جديدة للكاتب العام للجماعة في تدبير الإدارة الجماعية، وقام بوضع إطار قانوني مهم من أجل استيعاب تلك الأدوار والمساهمة في خلق شروط ملائمة تساعد على نجاعة وفعالية الإدارة الجماعية. لكنه في مقابل ذلك، وبالرغم من تلك المهام، فإن وظيفة الكاتب العام للجماعة ما زالت مبهمة وغير واضحة ولا تسمح بإبراز حدود ومجالات تدخله، ولتجسيد هذه المقاربة نأخذ مثال المادة 54 مكررة التي أضيفت بمقتضى القانون 08-17 المعدل للقانون 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي فهذه المادة في فقرتها الثالثة تنص على ما يلي: “يساعد الكاتب العام الرئيس في ممارسة مهامه…”، وفي فقرتها الرابعة تنص على: “يتولى الكاتب العام للجماعة تحت مسؤولية رئيس المجلس ومراقبته، الإشراف على الإدارة الجماعية. ويتولى إدارتها وتنظيمها وتنسيقها”، والفقرة الخامسة تنص على: “يتخذ لهذا الغرض، طبقا للمادة 54 أعلاه، كل القرارات المتعلقة بتدبير شؤون الموظفين…”.

وفي نفس الاتجاه نصت المادة 54 من الميثاق الجماعي على ما يلي :” يسير رئيس المجلس الجماعي المصالح الجماعية ويعتبر الرئيس التسلسلي للموظفين الجماعيين في جميع المناصب الجماعية، ويدير شؤون الموظفين الرسميين والمؤقتين والعرضيين…”.

إن القارئ لهذه النصوص القانونية يجد صعوبة في فهم مقتضياتها ومحتواها وأبعادها، والسبب في ذلك كونها جاءت بصيغ فضفاضة وعمومية، تضفي نوعا من الصعوبة في تحديد المقصود من العبارات الواردة في النصوص أعلاه، مما يفتح الباب لكثرة التأويلات واختلاف الاجتهادات، بحيث قد يحمل الاعتقاد ان لكل كاتب عام للجماعة إمكانية التدخل بلا حدود في كل المجالات والميادين المتعلقة بالإدارة الجماعية، وهو ما سيؤدي إلى تشابك وتداخل واختلاف الأدوار بين الرئيس والكاتب العام للجماعة ونواب الرئيس المفوض لهم في بعض القطاعات، وهذا يكون سببا في سوء تدبير الشأن المحلي ويضيع فرص حقيقية لفعالية الإدارة الجماعية.
فالمنطق يحتم معرفة من يقوم بماذا؟ وكيف يتم ذلك؟ وحدود ذلك؟ فالعبارات المستعملة في الفقرات المشار إليها أعلاه كلها عمومية ومبهمة إذ اكتفى المشرع بسرد عبارات لا تدل على المعنى بشكل دقيق مثل يساعد الكاتب العام الرئيس في ممارسة مهامه، ويتولى الكاتب العام تحت مسؤولية الرئيس ومراقبته الإشراف على الإدارة الجماعية، يسير رئيس المجلس الجماعي المصالح الإدارية، يتخذ الكاتب العام كل القرارات المتعلقة بتدبير شؤون الموظفين، يدبر الرئيس شؤون الموظفين الرسميين والمؤقتين والعرضيين…

فهذه الصياغات يصعب معها تحديد اختصاصات الكاتب العام للجماعة بشكل دقيق. ويمكن أن تثير أكثر من سؤال حول أين تبتدئ مهام الكاتب العام للجماعة؟ وأين تنتهي؟
هذا فقط مثال بسيط من جملة الإشكاليات التي قد يطرحها غموض المادة 54 مكررة من الميثاق الجماعي ومعها تداخل الاختصاصات والوظائف والمسؤوليات وهو ما يقلص من فعالية الكاتب العام للجماعة، ويجعله لايتوفر على سلطات فعلية بسبب غموض النصوص القانونية في هذا الشأن.
وفي هذا الإطار، يمكن إبداء ملاحظة ألا وهي ضعف مساهمة البرلمان في إعطاء نصوص قانونية جيدة تملأ الثغرات وتزيل الغموض وترفع اللبس، فالبرلمان بغرفتيه ولجنة الداخلية وفرقه البرلمانية ما زال عاجزا عن إصدار قانون للجماعات المحلية متكامل واضح الجوانب والأهداف، ويمكن من تدبير الشأن العام المحلي تدبيرا فعالا ومستجيبا لتطلعات المواطنين ورهاناتهم.

ثانيا : عدم وجود إطار قانوني للكاتب العام للجماعة:

هناك جدل كبير حول الوضعية القانونية للكاتب العام للجماعة، هل يجب إعطاؤه إطارا خاصا به ضمن هيئة موظفي وزارة الداخلية أم الاستمرار في ظل الوضع الحالي باعتبار الكتابة العامة للجماعة بمثابة مهمة يتم التعيين بها من بين موظفي الجماعات أو الإدارات العمومية بقرار لرئيس المجلس الجماعي بعد موافقة وزير الداخلية؟
والواقع أن منح الكاتب العام للجماعة إطارا قانونيا يعطيه قوة معنوية، وصفة تميزه عن باقي الأطر الجماعية، كما أنه من شأن ذلك أن يعطيه حصانة تجنبه الإعفاء من مهامه في بعض الأحيان لأسباب لاترتكز على أسس مثينة. فقد ظهر من خلال التجارب الجماعية أن دور الكاتب العام وأهمية اختصاصاته رهينة بمزاج رئيس المجلس الجماعي، ونوعية العلاقات التي تربطهما، فاختصاصات الكاتب العام للجماعة تتسع أكثر عندما تكون علاقته برئيس المجلس علاقة تبعية مطلقة، في حين تكون ضيقة عندما يحاول الكاتب العام للجماعة أن يتخذ موقفا خاصا إزاء بعض القضايا أو الملفات. بالإضافة إلى إمكانية رئيس المجلس الجماعي أن يقترح على وزير الداخلية قرارا بتعيين عنصر آخر مكانه، تشكل هذه السلطة بيد الرئيس عصا يهدد بها الكاتب العام في حالة حدوث خلاف بينهما.

فالممارسة العملية في الإدارة الجماعية أثبتت لنا أن هذه العلاقة اتسمت في غالبية الأمور بالحيطة والحذر بحيث نجد كلما صعد رئيس جديد، إلا وتبدأ المشاكل والانتقالات العشوائية خاصة مع الكاتب العام للجماعة وفي صفوف رؤساء الأقسام والمصالح، وذلك تحت غطاء أن هؤلاء كانوا يتعاملون مع الرئيس السابق أو لأنهم لاينفذون نزوات الرئيس الجديد… إلى غير ذلك من الأسباب غير المقنعة متجاهلا هذا الرئيس أن جميع الموظفين كانوا يتعاملون مع الرئيس السابق لأنه كان رئيسهم بحكم القانون([17]).

وقد وردت في هذا الإطار دورية السيد وزير الداخلية رقم 90/م ع ج م الصادرة بتاريخ 05 شتنبر 1997([18]) والتي نصت على أنه: “قد بلغ إلى علم الوزارة أن بعض الجماعات قد قامت من تلقاء نفسها بتغييرات وانتقالات وتعيينات في أسلاك رؤساء المصالح والأقسام التابعة لها، وحتى لا تتكرر مثل هذه الأعمال التي تخالف القوانين الجاري بها العمل خاصة الفصل 15 من المرسوم رقم 733-77-2 بتاريخ 27 شتنبر 1977 المتعلق بالنظام الخاص بالموظفين الجماعيين، والذي أخضع التعيين في مهام رئيس قسم ورئيس مصلحة بالنسبة للجماعات المحلية إلى موافقة وزير الداخلية، هذه الموافقة يجب أن تكون صريحة يقصد منها المحافظة على المستوى الإداري والأخلاقي اللائق بمثل هذه الوظائف من جهة، والإخلاص في العمل من جهة أخرى. ولكي تضمن الموافقة المذكورة على تلك التعيينات يجب أن تكون مصحوبة بتقرير مفصل على المرشح([19]).

ثالثا : عدم وجود هيكلة حقيقية للإدارة الجماعية:

المقصود بالهيكلة الإدارية الجماعية في معناها الضيق، هو ذلك التصميم التوضيحي لمختلف الأقسام والمصالح والمكاتب التي تشرف على الأنشطة الإدارية والتقنية المنوطة بالإدارة الجماعية طبقا لمقتضيات القانون رقم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي كما وقع تغييره وتتميمـه بالقانـون 08-17. أما المعنى الواسع للتنظيم الهيكلي فهو يعني ذلك الإطار العام لتوزيع الأدوار والمسؤوليات والسلطات بين أفراد التنظيم، فهو يوضح نسق العلاقات بينهم كما يبين كيفية إنجاز المهام.
إن مسألة الهيكلة الإدارية من أكبر المعوقات التي تؤثر في مردودية الكاتب العام للجماعة وبالتالي الوظيفة الجماعية. فالجماعات التي تتوفر على هيكل تنظيمي، خصوصا الجماعات الحضرية، فإنها تكتفي فقط بتحديد المستويات التنظيمية وذلك وفق عناوين (أقسام، مصالح، مكاتب) دون القيام ببقية الإجراءات التنظيمية الأخرى المتمثلة في تحديد الأهداف وتحديد الأعمال والأنشطة والوسائل للوصول إلى تلك الأهداف([20]) دون إعداد المتطلبات التكميلية الأخرى حتى يكون الهيكل التنظيمي فعالا، كتحديد الاختصاصات، وتوصيف الوظائف، وتوزيعها على مختلف التقسيمات. إن هذه العملية تخضع لسلطات التقاليد وما أخد الخلف عن السلف، بدل اتباع قواعد علمية دقيقة وثابتة في مقاربة القضايا، فالمسؤولون بالإدارة الجماعية يحاولون تجاوز بعض المشاكل التي تعترضهم بأية طريقة كانت ولا سيما الطرق المؤقتة.

إن إشكالية الهيكلة الإدارية الجماعية من القضايا التي يكتنفها الغموض والتي كان لها أثر سلبي على سير الإدارة الجماعية وعلى مردودية الكاتب العام للجماعة.
ومن أجل تمكين الكاتب العام للجماعة من تنظيم وتدبير وتنسيق أحسن لمختلف أنشطة الإدارة الجماعية، يبدو من الضروري إمعان التفكير في اعتماد هيكل تنظيمي واقعي، فعال، مرن ومتطور يسمح للجماعة بالاضطلاع بالمسؤوليات التي خولها إياها المشرع. ويجب أن يرتكز هذا التنظيم على مراعاة المهام المسندة لكل وحدة إدارية ومراعاة صنف الجماعة فضلا عن عدد ساكنتها ومواردها([21]).

كما أن إسناد المسؤوليات يجب أن يخضع لشروط نظامية ويستدعي الكفاءة المناسبة حتى تتحقق الفعالية المتوخاة من الإدارة الجماعية. فالإسناد المحكم لمختلف مناصب المسؤولية للأطر العليا يشكل في الواقع ضرورة موضوعية حتى يتمكن كل إطار من ممارسة المهام الملائمة لتكوينه وتخصصه، وذلك في سبيل استغلال أمثل للموارد البشرية والكفاءات التي تتوفر عليها الجماعة ويتعين كذلك تحديد مهام رؤساء الأقسام والمصالح بموجب هيكل تنظيمي في إطار توزيع منسجم وعقلاني للأدوار والوظائف المسندة ولكل وحدة جماعية.

وعليه يجب في قرار وزير الداخلية المرتقب([22]) والذي سيحدد الشروط والمعايير التي يجب من خلالها تعيين رئيس قسم ورئيس مصلحة، أن ينص صراحة على تحديد تعويض لهؤلاء الأطر، كما أن تعيينهم يجب أن يخضع لمسطرة دقيقة وذلك لتفادي تعيين أعوان وموظفين غير أكفاء في مناصب رؤساء الأقسام والمصالح.

إن النجاح في بلورة هيكلة إدارية للجماعة تتماشى وطبيعة العمل الجماعي يقتضي إرساء إدارة قوية شفافة وحديثة، قادرة على كسب رهان إدارة محلية فعالة بمواردها المؤهلة والمحفزة، وتنظيمها الملائم المبني على أشكال تدبيرية عصرية، تحكمها النتائج، تسهل وتيسر ممارسة الكاتب العام للجماعة لمهامه، وتحقيق ما يسمى بـ “إدارة القرب” وما يطلق عليه كذلك بـ “الإدارة المواطنة” هاته الإدارة التي تضع مصالح المواطن فوق كل اعتبار وليس العكس.

فعدم احترام الاختصاص في إسناد المهام والمناصب حسب الشهادات التكوينية والمهنية، واحترام هرمية التنظيم الإداري في التكليف برئاسة الأقسام والمصالح والمكاتب لننأى بالإدارة الجماعية عن كل سلوك يمكن أن يحدث خللا داخل الجهاز الإداري، مما يلزم تحصين النظام الإداري الجماعي بشبكة من المبادئ مع ما يلزم من مراقبة مستمرة على مكونات الإدارة الجماعية([23]). وفي سبيل ذلك ينبغي أن يرتكز تنظيم المصالح الجماعية على هيكل تنظيمي محكم، يتطور حسب حجم الخدمات المسداة لفائدة السكان والمسؤوليات المنوطة بالجماعة حتى يتسنى إنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحيث أن التنظيم الحالي للمصالح الجماعية يرتكز على هياكل تنظيمية لا تتماثل مع الواقع الراهن للامركزية الإدارية، وتنعكس هذه الوضعية سلبا على فعالية ومردودية الإدارة الجماعية نظرا لهيمنة واقع يتميز بازدواجية ممارسة المهام، وتداخل المسؤوليات الإدارية والتقنية بين مختلف المصالح الجماعية. وهذا يجعل الكاتب العام للجماعة لا يلعب دوره الكامل لتفعيل دواليب الإدارة الجماعية، لذلك يتعين اعتماد رؤية مستقبلية شاملة وتصور متكامل حول مختلف المهام والمصالح بدلا من القيام بمحاولات ظرفية و تلقائية لإعادة تنظيم الإدارة الجماعية.

رابعا : عدم توفر الإدارة الجماعية على الإمكانيات البشرية المؤهلة:

إذا كانت العملية الإدارية تتم داخل المؤسسة الجماعية، فينبغي أن تحظى بدعم بالموارد البشرية المؤهلة. وفي هذا الإطار نشير أن مرسوم 27 شتنبر 1977 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة الجماعية قد أحدث منصبا لدعم الإدارة الجماعية وهو منصب الكاتب العام للجماعة([24]) لكي يتم توظيفه للغاية التي أحدث من أجلها، وهي على الخصوص إعطاء دفعة قوية للإدارة الجماعية في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتعتبر الموارد البشرية دعامة أساسية لحسن سير وتدبير الإدارة الجماعية، ولضمان التسيير المحكم وجب مد الجماعات بالأطر المؤهلة لتنفيذ المهام المسندة إلى مختلف المصالح. فتحديث وعقلنة الممارسة الإدارية الجماعية من أجل تحسين المردودية والإنتاجية والفعالية في الإدارة الجماعية، يفرض أن يكون رهن إشارتها مجموعة من الموظفين الجماعيين يتوفرون على تكوين نظري وعملي مناسب، وتوصيف الوظائف، لأن عدم توصيف الوظائف يؤدي إلى إسناد مناصب المسؤولية إلى أعوان لا يشغلون سلما إداريا مناسبا، ولا يتمتعون بتكوين وكفاءة مناسبين للاضطلاع بهذه المهام، وتنعكس هذه الوضعية سلبا على فعالية ومردودية الكاتب العام للجماعة على مستوى تسيير الإدارة الجماعية وجودة الخدمات المقدمة للسكان، ولذلك يجب تأهيل الموظفين عن طريق تنظيم دورات تكوينية وحلقات لاستكمال التكوين وإعادته كما أن عمليات التكوين هذه لا يجب فصلها عن الواقع الجماعي ولا عن متطلبات سير المرافق الجماعية.

خامسا : محدودية النظام الأساسي الخاص بموظفي الجماعات:

لقد أبان مرسوم 27 شتنبر 1977 المتعلق بالنظام الأساسي الخاص بموظفي الجماعات عن تبعية الوظيفة الجماعية لنفس القواعد المنظمة للوظيفة العمومية، وعن عدة سلبيات انعكست على مسار الحياة الوظيفية لكل الموظفين الجماعيين. ويرجع ذلك لاختلاف واقع كل من الوظيفتين الجماعية والعمومية.
فالنص المذكور أعلاه ليس بنظام خاص حقيقي، ولكنه مجموعة مقتضيات استثنائية للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، وهو ما يفرض تغيير أو تعديل هذا النص لأنه لم يعد يواكب التطور الكمي والكيفي الذي عرفته الجماعات على مستوى العنصر البشري، كما أن هذا النص يطبق فقط على موظفي الجماعات الحضرية والقروية، وإذا ما رجعنا إلى الفصل 100 من الدستور([25]) الحالي للمملكة نجده ينص على أن “الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية، ولايمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إلا بقانون”، وعليه فإننا نقترح في إطار المشروع المرتقب لقانون الوظيفة الجماعية ما يلي:

أن يشمل هذا القانون جميع موظفي الجماعات المحلية كما حددها الدستور في الفصل 100.
إقرار تعويضات كافية للموظفين الجماعيين خاصة من هم في مناصب المسؤولية.
إحداث آليات جديدة للتغلب على الصعوبات المتعلقة بنقل الموظفين والأعوان الجماعيين وتطوير الحركية الوظيفية على المستوى الجغرافي والمهني.
تحسين وسائل العمل داخل الإدارة الجماعية.

سادسا : تقوية قدرات المصالح المكلفة بتدبير الموارد البشرية:

إن تقوية قدرات هذه المصالح ستكون لها آثارا إيجابية سواء بالنسبة للجماعة أو بالنسبة للكاتب العام للجماعة بأن تضمن له القيام بمهامه على أحسن وجه وتوفر له مناخ مشجع للعمل. فالتشجيع هو حاجة إنسانية أساسية لتحريك دوافع الإنسان نحو العمل، فمن المتعارف عليه في الإدارة الحديثة أن إنتاجية الموظف تتناسب طرديا مع درجة ارتياحه في العمل.
ومن المسلم به أن السلطة تبحث دائما عن موظفين أوفياء من أجل ضمان فعالية عملها وازدهار مردودية نشاطها. ولتحقيق هذا الهدف فإنها تسعى إلى إضفاء مسحة سياسية نوعا ما على قطاع الوظيفة العمومية التي تشرف عليه لتجعل الموظف خاضعا للأوامر ومنفذا لاستراتيجيتها([26]).

وتلعب الكفاءة الإدارية ومدى توفرها على المستوى الجماعي دورا أساسيا في نجاح الإدارة الجماعية في وظيفتها وإدارة الموارد البشرية على المستوى الجماعي بكفاءة، ويتحدد ذلك في ممارسة المجالس الجماعية لاختصاصاتها وسلطاتها في إدارة المرافق والمنشآت الجماعية، مما يمكن الكاتب العام للجماعة أن يزيد من خبراته ويصقل مواهبه الإدارية.

وتهدف تقوية قدرات المصالح المكلفة بتدبير الموارد البشرية إلى:
تحقيق كفاءة الأداء الإداري وخفض التكلفة وتخفيف الأعباء على الجهاز التنفيذي.
تحقيق السرعة في البث في المسائل الإدارية.
خلق موارد بشرية إدارية قادرة على العمل الإداري وإتاحة الفرصة لإبراز المواهب والمؤهلات والقدرات المغمورة.

الفقرة الثالثة : موقع الكاتب العام للجماعة بين السياسي والعمل الإداري

من المألوف القول، عادة، إن الكاتب العام للجماعة ينبغي له ان لا يتدخل في المجال السياسي، كما يستحب ألا يتدخل المنتخبين في المجال الإداري بالحلول محل رؤساء المصالح أو بتنظيم علاقات قد لا تؤدي إلا إلى تهميش الكاتب العام للجماعة.

لقد أثبتت التجربة العملية لظهير 30 شتنبر 1976([27]) أن بعض المستشارين في بعض الأحيان ينصبون أنفسهم رؤساء للمصالح والأقسام الجماعية. وكان لذلك انعكاسات سلبية على الإدارة الجماعية كحدوث اصطدامات بين رؤساء الأقسام والمصالح الفعليين والموظفون المعينين بقرار وبين المستشارين المفوض لهم في هذه الأقسام والمصالح([28])، وهذا أدى إلى التصادم بين وظيفة المنتخب المتمثلة في توجيه العمل الجماعي وتحديد الاختيارات وترتيب الطلبات، وظيفة التقني/الموظف الجماعي المتمثلة في التصريف التقني لهذه الاختيارات بشكل عقلاني، من خلال تصاميم وأشغال، بشكل تحول معه المستشار إلى شبه إداري يزاحم التقني في وظيفته، كما قد تجاوز التقني حدود التصريف الإجرائي للاختيارات. وتحول المجال إلى تصادم البرامج والمقررات الجماعية مع ما يترتب عن ذلك من تأخر في البرمجة والتنفيذ الأمر الذي أدى إلى انعكاسات سلبية وخطيرة على مصالح سكان الجماعة.

وتفاديا إذن للخلط الذي ظهر في الممارسة اليومية في ظل تجربة ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي بين الجهاز التنفيذي والجهاز التداولي، أقرت المادة 23 من القانون رقــم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي الفصل بين الجهازين من خلال حصر مهام السلطة التنفيذية في الرئيس ونوابه، بحيث يمنع على أي عضو مزاولة مهام التسيير أو التوقيع على الوثائق الإدارية والتدخل في تدبير المصالح الجماعية، ورتب على عدم احترام ذلك، العزل والمتابعة القضائية بسبب مزاولة مهام منظمة بدون صفة قانونية. كما صرح القانون الجديد على رد الاعتبار لنواب الرئيس، وذلك من أجل منع أي تفويض للمهام التي يقوم بها الرئيس إلى باقي المستشارين.
ولذا أجازات المادتين 51 و55 من القانون رقم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي لرئيس المجلس الجماعي إمكانية التفويض في بعض المهام وفي الإمضاء إلى نوابه أو إلى الكاتب العام للجماعة.

والغاية من ذلك هو التخفيف من عبء مسؤوليات رئيس المجلس الجماعي في ممارسة بعض الاختصاصات التي تتطلب جهدا متواصلا وحضورا يوميا مستمرا حتى يتفرغ أكثر للمهام الإستراتيجية ويكرس جهده للمشاريع الكبرى المتعلقة بالتنمية المحلية من جهة، وعدم تركيز السلطة بيد الرئيس وإشراك مساعديه في تحمل المسؤولية في تسيير وتدبير شؤون الجماعة وهو ما سيضمن سير المرفق العام الجماعي بانتظام وأداء الخدمات للمواطنين باستمرار.
ولتجاوز هذه الصعوبات جاء القانون رقم 08-17 المعدل للميثاق الجماعي بمقتضيات جديدة في هذا المجال تهدف في المقام الأول إلى تحديد دقيق لمجالات التفويض في المهام وكذا الشروط والآثار القانونية المترتبة عليه مع تحديد المسؤوليات في ممارسة المهام الجماعية في إطار من الشفافية واحترام قواعد الحكامة المحلية في تدبير الشأن المحلي، حيث نصت المادة 55 من الميثاق الجماعي كما تم تعديلها على أنه يجوز لرئيس المجلس الجماعي أن يفوض بقرار بعض مهامه إلى نوابه شريطة أن ينحصر التفويض في قطاع محدد لكل نائب([29]) باستثناء التفويض المتعلق بالتسيير الإداري والذي أجاز القانون لرئيس المجلس الجماعي أن يفوض إمضاءه بقرار إلى الكاتب العام للجماعة.

إن قرارات التفويض المتخذة طبقا لهذه المادة تعتبر باطلة ويصدر الإبطال بشأنها قرار معلل من الوالي أو العامل.
وإذا كانت المادة 55 جاءت كقاعدة عامة في مجال التفويض، فإنه بموازاة ذلك يجب مراعاة بعض الاستثناءات المتعلقة بمهام الحالة المدنية والإشهاد على صحة الإمضاء ومطابقة النسخ لأصولها.

فيما يتعلق بمهام الحالة المدنية، جاء في المادة 55 من الميثاق الجماعي إن الرئيس يعتبر ضابطا للحالة المدنية ويمكنه تفويض هذه المهمة إلى النواب وأيضا إلى الكاتب العام للجماعة كما يقوم الرئيس بالإشهاد على صحة الإمضاء والإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها ويمكنه تفويض هذه المهام إلى النواب والى الكاتب العام للجماعة ورؤساء الأقسام والمصالح بالجماعة.
وبذلك يستشف أنه يجوز لرئيس المجلس الجماعي أن يفوض في هذه المهام استثناءا من القاعدة العامة لأكثر من نائب واحد وللكاتب العام للجماعة.
وهكذا أصبح إجراء التفويض يخضع لقواعد مسطرية محددة، وشروط دقيقة وأن أي قرار اتخذ خرقا لهذه القواعد يترتب عنه بطلان لمخالفته القانون.
وبالرغم من الانتقاد القائل بأن حصر التفويض على النواب دون باقي المستشارين يساهم في تهميش المنتخب، وفي تكريس غياب تدبير تشاركي بين الرئيس والمنتخب، ويصعب من موقع هذا الأخير، فإن هذه المقتضيات من شأنها أن تقوي مركز الجهاز التنفيذي، وتضفي صبغة العقلنة على النظام الجماعي، رغم أن العقلنة في العمل الإنساني صعبة للغاية وربما ستنتج عنها بعض الشقوق.
كما أن هذه المقتضيات وإن كانت تعزز وضعية الكاتب العام للجماعة فقد تؤدي إلى تنازع الاختصاص مع الرئيس.
ومهما يكن من أمر فإنه توجد منطقة بين السياسي والإداري، يمكن نعتها بأنها “استراتيجية” وهذا هو المكان المفضل للتفاعل والتآزر والتضامن بين المنتخب والكاتب العام للجماعة، فمهام الكاتب العام للجماعة والموظف بصفة عامة تنصب اتجاه خدمة المواطنين وتلبية رغباتهم، وقضاء حاجياتهم في نطاق الصالح العام. فهو إذن مطالب بالاتصال بهم، أي الدخول في علاقات معهم خصوصا بالمرتفقين الذين يتوافدون على الإدارة لحل مشاكلهم.
وتتخذ هذه العلاقات في نطاق مزاولة مهامه صورتين:
علاقات مع المجلس الجماعي ورئيسه (السلطة السياسية) الذي هو ملزم بتنفيذ تعليماته وتنفيذ قراراته؛
– علاقات مع العموم نظرا لكون المدارين هم بالأساس المعنيين بقرارات المجلس ورئيسه (السلطة السياسية) والتي تتوجه لهم، ومن المفروض أن يعيرها الكاتب العام للجماعة اهتماما بالغا لضمان تطبيقها.

 

(محاماه نت)

إغلاق