دراسات قانونية

بطلان العقد بين مبدأ لزوم التصرف و استقرار المعاملات (بحث قانوني)

بطلان العقد في القانون المغربي بين مبدأ لزوم التصرف و قاعدة استقرار المعاملات

رشيد العنب
طالب باحث

ماستر القانون المدني بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكادير.

مقدمة

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

يعتبر العقد أهم وسيلة ابتكرها الفقه القانوني لتنظيم المعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ونظرا للدور الالزامي الذي أنيط به، كان لزاما على التشريعات قديمها وحديثها أن تحيطه بمجموعة من المبادئ والأحكام التي تكرس القوة الالزامية للرابطة العقدية من جهة، وتساهم من جهة أخرى في خلق ائتمان تعاقدي، هدفه استقرار التصرفات القانونية التي يجريها الأفراد من خلال معاملاتهم الخاصة والعامة.
ولهذه الغاية، فإن العقد ينبني على عدة أركان لا تقوم له قائمة بدونها، ويشترط لصحته شروطا يختل بفقدان أحدها، لذلك فإنه ليكون التصرف قائما وصحيحا منتجا لآثاره، لابد من أن يستكمل أركانه وشروط صحته، وأن لا يكون محط منع من المشرع، وإلا كان حينئذ معرضا لجزاء مدني يصطلح عليه ”البطلان”.

وتعتبر نظرية البطلان من أهم النظريات في القانون المدني، وذلك لما لها من خطورة من شأنها أن تمس باستقرار المعاملات، ولذلك فقد كانت ولازالت هذه النظرية محط اهتمام من لدن التشريع والفقه والقضاء، وهذا يبدو جليا في الاختلاف والنقاش الحاد حول أحكامها ومسائلها، ذلك أنها نظرية تضم مسائل دقيقة. ولعل ما يميزها أكثر هو اتصالها الوثيق بالنظام العام من جهة، وامتزاج فيها ما هو عملي بما هو نظري، من جهة أخرى .
فنظرية البطلان ليست نظرية حديثة المنشأ، وإنما هي نظرية قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، حيث نجدها في القانون الروماني، إذ الشكلية كانت العنصر السائد في العقود، وعدم مراعاة هذه الشكلية يستتبع بطلان العقد، ونجدها في الفقه الاسلامي الذي جعل مسائل العبادات مرتعا ومنشطا لها، دون أدنى إغفال لدورها في ميدان المعاملات بين الناس.

ولذلك، فنظرية البطلان إذن مرتبطة بالالتزامات والتصرفات القانونية، وبالتالي فهي مجال لتطبيقها، وعلى هذا الأساس فإنه ينبغي لمعالجة هذا الموضوع أن نطرح الاشكالية التالية : هل البطلان هو الإبطال أم أن هناك فرق بينهما؟ وباعتبار البطلان جزاء مدنيا يوقع على التصرف القانوني متى توفرت علته، فإلى أي حد استطاع المشرع المغربي التوفق في تنظيم أحكام البطلان بكيفية تضمن الحفاظ على مبدأ استقرار المعاملات، دون المساس بمدأ القوة الملزمة للعقد؟

ولكي نستطيع تناول هذه الإشكالية بشكل أفضل، فقد ارتأينا بسط عدة تساؤلات فرعية، سيتولى عرضنا هذا ملامستها و مقاربتها :
ماذا نقصد بالبطلان؟ وماهي طبيعته؟ وعلى أي أساس ينبني؟
ماهي حالات البطلان؟ وما أهم تقسيماته؟
ماهي أحكام دعوى البطلان؟ و ما أهم الآثار المترتبة عنها؟
ماهي الآثار المترتبة عن العقد الباطل في القانون المغربي؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة فإننا اتبعنا منهج التحليل والمقارنة، معتمدين على التصميم الآتي:

الفصل الأول: الأحكام العامة للبطلان في القانون المغربي.
الفصل الثاني: آثار البطلان في القانون المغربي.

الفصل الأول: الأحكام العامة للبطلان في القانون المغربي:

عندما يختل أحد أركان العقد، فان اجتماع إرادات الأطراف لا يمكن ان تنشأ التزامات، أي ان العقد في مثل هذه الفرضية يعتبر باطلا، بمعنى أنه لا يمكن للعقد ان يتواجد كما لا يمكنه أن ينتج أي أثر. ولذلك فان لبطلان الالتزامات أحكاما عديدة ينبغي لدراستها ان نقسم هذا الفصل الى مبحثين، نتطرق في الأول لماهية البطلان في القانون المغربي(المبحث الاول)، على أن نتناول في الثاني نظام البطلان في القانون المغربي(المبحث الثاني).

المبحث الأول: ماهية البطلان في القانون المغربي:

إن من شان البطلان أن يعدم أي أثر للعقد، وبذلك يكون قد أوقف إرادتي المتعاقدين عن ترتيب آثار اتفاقهما، ولذلك فان البطلان على جانب كبير من الخطورة، ولا يمكن أن نغوص في أحكامه و آثاره دون أن نتطرق لماهيته. ومن أجل تحديد هاته الماهية فإننا سنتطرق في البداية لتحديد مفهومه (المطلب الأول) قبل أن ننتقل للحديث عن أساسه وطبيعته القانونية (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم البطلان في القانون المغربي:

يعتبر تحديد مفهوم البطلان الخطوة الأولى في سبيل الإحاطة بأحكامه، ولذلك فإنه لابد لنا من ان نعطي تعريفا للبطلان(الفقرة الاولى) ثم ننتقل لتمييزه عن بعض الانظمة المشابهة (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى تعريف البطلان:

يمكن تعريف البطلان لغة بأنه: الضياع والخسران، أو سقوط الحكم[1]، يقال بطل الشيء يبطل بطل وبطلانا، بمعنى ذهب ضياعا وخسرنا أو سقط حكمه والباطل نقيض الحق وأبطلت الشيء جعلته باطلا.[2]
أما البطلان في الإصطلاح الشرعي، فإنه أخذ عند الفقهاء معنى يفيد عدم الصحة، إذ يعتبر وجود التصرف كعدمه ويختلف عندهم بين العبادات والمعاملات:
ففي العبادات البطلان هو عدم اعتبار العبادة، حتى كأنها لم تكن كما لو صلى أحد بغير وضوء.
أما في المعاملات، فهو أن تقع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله أو بوصفه أو بهما معا[3] .
أما العقد الباطل فهو الذي لا يكون صحيحا بأصله، وما لا يعتد به ولا يفيد شيئا، وما كان فائت المعنى من كل وجه من وجود الصورة، إما لانعدام الاهلية أو المحلية كبيع الصبي[4].

أما فيما يخص تعريف البطلان في الإصطلاح القانوني: فإن المشرع المغربي رغم أنه نظم أحكام البطلان إلا أنه لم يعرفه مما يحذو بنا النظر في التعاريف الفقهية، وفي هذا الصدد فقد عرفه الفقيه عبد الرزاق السنهوري بأنه:”الجزاء القانوني على عدم استجماع العقد لأركانه كاملة مستوفية لشروطها+[5]، وبذلك يكون البطلان هو ذلك الجزاء المدني الذي يقرره المشرع إما على عدم توافر ركن من أركان العقد ( كما إذا كان أحد المتعاقدين صغيرا غير مميز، أو كان المحل عملا مستحيلا أو كان الالتزام يفتقر الى سبب يحمل عليه) ، وإما بموجب نص قانوني يقضي في حالات خاصة ولاعتبارات تتعلق بالنظام العام ببطلان تصرف ما رغم توفر سائر أركان انعقاده[6].

ونرى أن التعريف الذي أعطاه الاستاذ شكري السباعي يبقى أكثر التعاريف إحاطة بهذه المؤسسة، حيث ذهب إلى أن البطلان هو: “وصف يلحق التصرف القانوني لعيب فيه ويحرمه من آثاره+[7]. ويتميز هذا التعريف بكونه استطاع أن يتجاوز النقد الموجه للتعاريف السابقة، وتبرز وجاهة هذا التعريف بشكل أوضح في النقاط التالية :
أنه لم يستعمل مصطلح الجزاء على اعتبار أن مصطلح ”الجزاء” واسع يمكن أن يدخل فيه ما ليس من البطلان، كالتعويض والعقوبة المدنية مما قد يؤدي الى الخلط.
كذلك هذا التعريف لم يحصر البطلان في مخالفة القواعد القانونية الصريحة، وإنما تركه شاملا لحالات أخرى تشمل البطلان
هذا وحين تم إيراد ”الحرمان من الآثار” فإنه أبلغ في التعبير من عبارات يوردها الفقهاء، كعدم النفاذ، ذلك أن عدم النفاذ لا شأن له بصحة العقد وبطلانه، وإنما يتعلق بمرحلة تنفيذ العقد، وإنتاج آثاره.

إلا أنه ما يمكن استدراكه على هذا التعريف، أنه لئن كانت وجازة التعاريف مطلوبة ومحمودة لدى الفقه، إلا أنها قد تصبح على جانب كبير من الخطورة حينما لا تشمل كافة جوانب المفهوم، ويصبح الاقتصار قصورا، أو أن هذه الوجازة تجعله مطلقا واسعا من اللزوم، وهذا التعريف عند تحديده لعلة البطلان،”لعيب في العقد”، فإنه جانب الدقة، باعتبار لأن هذه العبارة تحتاج الى تدقيق أكثر، وخصوصا إذا ما وجدت عيوب ليست من شأنها إبطال العقود، وإنما تكتفي بإلحاق جزاءات أخرى كالإبطال مثلا، ولذلك يخشى اختلاط البطلان بغيره من الانظمة الاخرى المشابهة.

الفقرة الثانية: تمييز البطلان عن بعض الانظمة المشابهة له:

فبعد تحديدنا لتعريف البطلان كجزاء مدني أو وصف يلحق العقد-على خلاف في ذلك-، فإنه لابد من أن نميز البطلان عن بعض المؤسسات والأنظمة الأخرى التي قد تختلط به وخصوصا الفسخ وعدم النفاذ والإبطال وإلغاء العقد وانعدامه.

أولا تمييز البطلان عن الفسخ[8]:

إذا ما رأينا للأثر المترتب عن كل من البطلان والفسخ، يتضح أنهما يتفقان في الآثار المترتبة عن كل منهما والمتمثل في انعدام الرابطة التعاقدية، بل ان زوال العقد الباطل والعقد القابل للفسخ يتم بأثر رجعي إلا أن هذا لا يمنعنا من إيجاد الفروق الجوهرية بين هذين النظامين:
من حيث الجزاء: فالبطلان بمثابة جزاء قانوني نتيجة عدم توفر أحد أركان العقد أو شرط من شروط الصحة في حين أن الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزاماته المحددة في العقد القائم بينهما.
من حيث النطاق: إذا كان البطلان يشمل سواء تعلق الأمر بالعقود الملزمة لجانب واحد أو الملزمة للجانبين، فإن جزاء الفسخ لا يمكن المطالبة به إلا في نطاق العقود الملزمة للجانبين[9].

من حيث تقريرهما: فالبطلان يتقرر بقوة القانون كما هو الشأن في الحالتين المنصوص عليهما في الفصل 306[10] من قانون الالتزامات والعقود، أما الفسخ فهو لا يتقرر –في الغالب- إلا بحكم من المحكمة، أي أن الحكم هو المنشئ له.

ثانيا: تمييز البطلان عن عدم النفاذ (عدم السريان)[11]:

قد يقع الخلط بين البطلان وعدم النفاذ حين نعتبر هذا الأخير نوعا خاصا من البطلان يتضمن عدم النفاذ الجزئي، أي أنه بطلان في حق الغير، إلا أنه في الحقيقة لا يسوغ أن يقع الخلط بينهما على هذا الأساس، ذلك أن البطلان جزاء يعدم العقد من أساسه ويمنعه من إنتاج أثاره بين عاقديه أساسا، أما عدم النفاذ فإنه يجعل العقد غير نافذ في حق الغير فقط، دون اعتبار لصحة العقد أو بطلانه، فيكون العقد صحيحا ومنتجا لكافة آثاره بالنسبة لعاقديه، ومع ذلك فإنه لا يسري في مواجهة الغير[12].
ولذلك فالبطلان شيء وعدم النفاذ شيء آخر، حيث أنه كفانا فرقا بينهما أن البطلان يعدم العقد من أساسه سواء بين المتعاقدين أو باتجاه الغير، أما عدم النفاذ فإنه يجعل العقد غير نافذ في حق الغير فقط.

ثالثا: تمييز البطلان عن الإبطال:

إذا كان البطلان والإبطال يشتركان في كونهما جزاءان مدنيان يوقعان في حالة نقصان في بنيان العقد، فإنهما يختلفان في كون البطلان يترتب عند انعدام احد أركان العقد أو اختلاله، أما الابطال فهو جزاء تخلف أحد شروط صحته[13] .
وبين البطلان والإبطال فارق هام يقوم على انعدام الوجود القانوني للعقد الباطل، وتوافره للعقد القابل للإبطال، فالعقد الباطل لا وجود قانوني له، ومن ثم فإنه عقد “منعدم+ أمام القانون لا ينتج عنه أي أثر قانوني، في حين أن العقد القابل للإبطال له وجود قانوني، فهو عقد قائم أمام القانون إلى أن يتقرر إبطاله[14].

رابعا: تمييز بطلان العقد عن الإلغاء:

فالبطلان والإلغاء يتفقان في مآل العقد وهو الإندثار، إلا أنهما يختلفان في كون الإلغاء يكون في الحالة التي يتكون فيها العقد صحيحا، لكنه يفقد بعد ذلك أحد مقوماته الأساسية بفعل خارج عن إرادة أطرافه مما يقتضي محو الآثار المستقبلية[15]، أما البطلان فهو يكون مختلا منذ بداية إنشائه بسبب انعدام أو اختلال أحد أركانه مثلا.

خامسا: تمييز بطلان العقد عن انعدامه:

لقد فرق جانب من الفقه التقليدي بين انعدام العقد وبطلانه، فالعقد المنعدم عقد غير موجود حتى على المستوى الحسي نظرا لتخلف أحد أركانه، أما العقد الباطل فهو عقد توافر له وجود حسي بحيث استجمع أركانه إلا أن أحد تلك الأركان لم تستوف شروطها باستثناء شرط الوجود، كأن يكون المحل مثلا غير مشروع أو غير معين رغم وجوده الحسي، أو كان الشكل متحققا لكنه لم يستجب للأوضاع القانونية المطلوبة[16].
وعلى هذا الأساس فإن الانعدام يتميز عن البطلان من وجهين:

أن العقد المنعدم لا يتطلب الحكم ببطلانه، فهو منعدم من تلقاء نفسه، أما العقد الباطل الذي تحققت له عناصر الوجود، لابد من الحكم ببطلانه.
أنه بخلاف العقد المنعدم الذي لا يرتب أي أثر، فإن العقد الباطل تترتب عليه آثار في بعض الصور والحالات[17].

المطلب الثاني: أساس البطلان وطبيعته القانونية:

بعد أن تطرقنا لتعريف البطلان و ميزناه عن ما يشابهه من بعض الأنظمة القانونية المشابهة، فإنه لابد من نتحدث عن الأساس القانوني الذي ينبني عليه(الفقرة الاولى)،ثم ننتقل بعد ذلك لتحديد طبيعته القانونية(الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى أساس البطلان:

بعد أن عرفنا البطلان بأنه وصف يلحق التصرف القانوني لعيب فيه فيحرمه من آثاره، فإنه يتضح من هذا التعريف أن الأساس الوحيد لنظام البطلان هو العيب الذي يلحق التصرف القانوني، إلا أن هناك من يؤسس على أساس الخطأ أو العمل غير المشروع.

أولا: الخطأ كأساس للبطلان:

لقد سلم جانب من الفقه بإمكانية قيام البطلان على أساس الخطأ وخاصة في حالتي الابطال للتدليس والإكراه، أي أن هذا الرأي يعتبر الإبطال تعويضا للضرر الذي نشأ عن الفعل الخاطئ الذي صدر عن أحد المتعاقدين.
إلا أن هذا الرأي لم يلبث إلا وظهر عواره، حيث إنه من المستحيل أن يكون الخطأ أساسا للبطلان، لأنه إذا كان الأمر كذلك اعتبر هذا البطلان تعويضا بالأحرى وليس بطلانا، ذلك من شأن ذلك أن يوسع في معنى التعويض، لكن هذا التوسع يهدد بإدخال أغلب نظم القانون المدني في نظام المسؤولية المدنية، ويعتبر حينئذ خروجا بهذا النظام عن دوره الحقيقي وتجاوزا للغاية المقصودة من تنظيمه، ولقد تنبه بعض الفقه الحديث لهذه المسألة، ونادى بالحيد عن هذا التوسع، مبينا أن التعويض في المسؤولية لا يمكن أن يتخذ صورة غير صورة منح مبلغ نقدي على قدر الضرر الواقع[18].
ومما تجدر الإشارة إليه كذلك أن دعوى البطلان تختلف عن دعوى التعويض، وهذا راجع إلى اختلاف الأساس الذي تقوم عليه كل منهما، فهو في الدعوى الأولى عيب في التصرف وفي الثانية العمل غير المشروع[19]، ويلاحظ أن الفقهاء الذين أقاموا البطلان على أساس الخطأ فإنه لا يعنون به الخطأ العادي وإنما الخطأ الموضوعي الذي لا يستلزم نسبة لشخص معين، بل يقوم بمجرد وقوع الفعل[20]، إلا أنه عموما يصعب القول بالخطأ كأساس للبطلان حتى في الحالات الإستثنائية كالتدليس والإكراه، لذلك لابد من تأسيس البطلان على أساس أخر أكثر واقعية وجدية.

ثانيا: العيب[21] كأساس للبطلان

إن التصرف القانوني يحتاج في قيامه لإرادة صادرة من ذي أهلية تتعلق بمحل قائم ومشروع ومستند إلى سبب قائم ومشروع أيضا، فإذا كانت كذلك فالتصرف قائم وصحيح، ولكن يجب لكي يستمر بقاءه أن تكون غير معيبة لأن تعيبها يهدد التصرف بالزوال بأثر رجعي[22].
فالبطلان يتقرر بتوفر العيب، إذ العيب هو مناطه وعلته، متى توفر عيب في عنصر جوهري في العقد كان مصير هذا الأخير البطلان.
وبهذا يكون القول بالعيب كأساس للبطلان أقرب إلى الصواب، ذلك أنه لا يستقيم اعتبار الخطأ كأساس يبنى عليه العقد، وخصوصا إذا ما وضعنا في الحسبان أن الخطأ ما هو إلا سبيل للعيب و موصل إليه.

الفقرة الثانية: الطبيعة القانونية للبطلان:

انطلاقا من التعريفات التي أعطاها الفقهاء للبطلان، يتضح لنا اختلاف وتباين في تلك التعريفات، وهذا الخلاف يستتبع خلافا آخر في الطبيعة القانونية للبطلان. فعلى نقيض الرأي الذي يرد طبيعة البطلان الى أنه مجرد جزاء يلحق بآثار التصرف (أولا)، نجد رأيا آخر يوجز الطبيعة القانونية للبطلان في كونها وصف يلحق بالتصرف وجزاء يلحق بالآثار (ثانيا).

أولا: الرأي القائل بان طبيعة البطلان مجرد جزاء يلحق بآثار التصرف:

يذهب أنصار هذا الرأي الى أن التصرف القانوني مجرد حيلة خيالية ، وليس بكائن قائم له وجود قانوني، والعبرة هي للآثار الي يرتبها التصرف القانوني، فهي التي يحسب حسابها، وهي التي يلحقها جزاء البطلان، فالتصرف القانوني عندهم مجرد نظام قانوني، يخدم غايات الأفراد في نطاق مصلحة الجماعة ، والحيلة القانونية مجرد وسيلة لتحقيق غاية معينة هي ترتيب الآثار المرغوبة من الأفراد.
فعند أصحاب هذا الرأي ان البطلان كجزاء قانوني لا يلحق إلا آثار التصرف، ولا يلحق التصرف ذاته لإنكارهم له، حيث يرون عدم وجوده القانوني حتى يلحقه الجزاء، فالتصرف القانوني عندهم ليس له قيمة في ذاته، وإنما القيمة هي للآثار التي يرتبها، وهي التي تنعت بالصحة والبطلان، فإذا صحت نفذت، وإذا بطلت شلت ولم تنفذ بين المتعاقدين[23].
ومن هذا المنطلق، فالبطلان ليس بصفة تلحق التصرف فينعت بأنه تصرف باطل ، بل هو جزاء يلحق آثار العقد المعيب فيشلها ويفقدها فعاليتها .
إلا أن هذا الرأي في نظرنا ليس صائبا، ذلك ان نفيه لوجود التصرف القانوني يتنافى مع ما استقر عليه النظر والعمل في الفقه والقضاء، حيث إن التصرف القانوني كسائر الكائنات ينعقد وتبعث فيه الحياة إذا استجمع أركان انعقاده، ويموت بإحدى وسائل انقضائه.
بالإضافة الى أنه لا يمكن ان نسلم بأن البطلان هو مجرد جزاء يمنع نفاذ آثار التصرف القانوني المعيب، ذلك أنه إذا كان الأمر كذلك فما الفرق إذا بين البطلان –بهذه الطبيعة- وبين عدم النفاذ؟ لذلك فهذا الرأي ينقصه كثير من الصواب، وبالتالي لابد من طبيعة أخرى نحمل عليها البطلان.

ثانيا: الرأي القائل بأن طبيعة البطلان هي وصف يلحق بالتصرف وجزاء يلحق بالآثار:

يعرف أصحاب هذا الرأي البطلان بأنه: عدم الصحة أو عدم النفاذ يلحق تصرفا لمخالفته لأمر أو نهي من القانون. لكنه ما ينبغي الاشارة اليه في هذا التعريف أنه اذا كان البطلان هو عدم الصحة ويصعب التمييز بينهما، فان الإشكال يطرح حول علاقة البطلان بعدم النفاذ، ذلك أنه لا يجوز ان نسوي بين عدم الصحة وعدم النفاذ، فالأولى تنصب على نفس التصرف فيقال تصرف باطل اي تصرف غير صحيح ، اما الثانية فتلحق بآثار التصرف، فيقال الآثار لا تلزم الطرفين و لا تنفذ في حقهما، فصفة عدم النفاذ تلحق بأمر خارج العقد هو آثاره ، أما عدم الصحة فيعلق العقد من الداخل اي تلحقه في ذاته ،لذلك فلا محل للتسوية بينهما، فالأولى (عدم الصحة) سبب الثانية (عدم النفاذ).
وقد تعرض هذا الرأي لنقد شديد من الفقه وخصوصا الفقه الفرنسي ، ذلك أن البطلان يلحق بالتصرف القانوني المعيب في ذاته، فهو حالة يكون عليها التصرف المعيب لخلل لحقه بسبب مخالفة النصوص القانونية المنظمة لإنشاء التصرف، ولذلك فلا وجود للأثر بدون تصرف، والتالي فالآثار هي الاخرى تلحقها صفة البطلان.
فالوصول الى الغاية من البطلان هو عدم نفاذ التصرف لا يمكن إلا عن طريق الوسيلة المؤدية اليها وهي التصرف القانوني الذي يجب نعته بالبطلان كمرحلة أولى، و أما المرحلة الثانية فهي توقيع الجزاء بشل فعالية الآثار ، وهاته النتيجة تتمثل في التأكد من المخالفة القانونية ونعت التصرف بالبطلان، ثم يأتي الجزاء ومضمونه كمرحلة لاحقة [24].
ويتبين أن أصحاب هذا الرأي حينما ألحقوا الجزاء بالأثر فقط ، قد خالفوا حتى العقل والمنطق، اذ يصلون بهاته النتيجة الى إنكار وجود التصرف حتى يمكن نعته بالبطلان. ويتجاوزن المراحل ليصلوا مباشرة الى الآثار لتوقيع الجزاء عليها، ذلك أن عندهم طبيعة البطلان هي جزاء قانوني مدني يلحق بالآثار فقط مباشرة.

وخلاصة ما تقدم، أنه يمكن القول أن البطلان نظام قانوني جزائي يشبه التكييف القانوني للفعل الإجرامي، فالقاضي ينظر في أركان العقد وشروط صحته. فاذا كان التصرف مستجمعا لآثاره كان عقدا صحيحا نافذا، أما في المقابل إذا كان يشوبه عيب أو نقص، أو كان مخالفا لنص قانوني، فإنه يضفي عليه وصف البطلان أو عدم الصحة ثم ينتقل الى تطبيق الجزاء، وهو شلُّ فعالية العقد وإفقاده قوته الإلزامية وذلك بتجريد العقد من آثاره فقط.

المبحث الثاني: نظام البطلان في القانون المغربي.

بعد أن تعرفنا على ماهية البطلان، و ذلك بأن حددنا مفهومه و أساسه و طبيعته القانونية، فإنه يحق لنا الحديث عن نظام البطلان في القانون المغربي، حيث إن المشرع تناوله في القسم الخامس من الكتاب الأول من قانون الالتزامات و العقود تحت عنوان (بطلان الالتزامات و إبطالها) و ذلك في الفصول 306 إلى 318، إضافة إلى فصول متفرقة منه كتلك المتعلقة بالأهلية و التراضي و المحل و السبب.
و يقتضي هذا المبحث أن نقسمه إلى مطلبين، نتناول في الأول حالات البطلان في القانون المغربي (المطلب الأول)، على أن نقف في الثاني على تقسيمات البطلان في القانون المغربي ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: حالات البطلان في القانون المغربي.

تنص المادة 306 من ق.ل.ع – السالفة الذكر – على أن الالتزام يكون باطلا بقوة القانون في حالتين:
إذا كان ينقص العقد أحد الأركان اللازمة لقيامه.
إذا قرر القانون في حالات خاصة بطلانه.
و انطلاقا من هذه المادة يتبين أن البطلان إما أن يكون بسبب تخلف أحد أركان العقد (الفقرة الأولى )، أو أن يكون راجع لنص في القانون (الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى: تخلف أحد أركان العقد كسبب للبطلان.

إن الأركان اللازمة لقيام أي عقد، و التي عند تخلفها أو نقصانها يقع بطلانه، هي التي نص عليها الفصل الثاني من ق.ل.ع[25]، هذا و يضاف إلى هذه الأركان الأساسية ركن آخر لا يقل أهمية عنها و هو الشكلية في العقود الشكلية و التسليم في العقود العينية. و سنقوم بدراسة كل ركن من هذه الأركان على حدة.

أولا: انعدام الأهلية[26] كسبب للبطلان:

نظم المشرع المغربي أحكام الأهلية في مدونة الأسرة (من المادة 206 إلى المادة 234)، و قد عرفها بعض الفقه أنها: صلاحية الشخص لأن تثبت له حقوق و تترتب عليه واجبات و تصح له التصرفات[27]. وهي نوعان أهلية وجوب و أهلية أداء.
و إذا كان الأصل هو كمال الأهلية، فإن هذا الأصل ترد عليه استثناءات أهمها انعدام الأهلية التي تعتبر من أسباب البطلان في ق.ل.ع.

و ثمة حالتين نصت عليهما المادة 217 من مدونة الأسرة، يعتبر فيهما الشخص عديم الأهلية هما:
حالة الصغير غير المميز
حالة المجنون.
فبالنسبة للأول فإن جميع تصرفاته يكون مصيرها البطلان المطلق. هذا ما نص عليه الفصل 224 من نفس القانون[28]. و يستوي هنا أن يكون التصرف نافعا أو ضارا، أو تصرف دائر بين النفع و الضرر[29].
أما بالنسبة لحالة الجنون فقد تعرض المشرع لحكم تصرفات المجنون الذي حجر عليه، بموجب الفقرة الرابعة من الفصل 217 من مدونة الأسرة، بأن تصرفات المجنون في الحالة التي يؤوب إليه فيها عقله تكون صحيحة منتجة لكافة آثارها. و بمفهوم المخالفة فإن تصرفاته تكون باطلة في الحالة التي يكون فيها فاقدا لعقله.
ويضاف الى الحالات المذكورة، حالة المحكوم عليه بعقوبة جنائية(في جناية) طبقا للفصل 38 من القانون الجنائي[30]،حيث يقع عليه الحجر القانوني و الذي بموجبه يحرم المحكوم عليه في جناية من مباشرة حقوقه المالية طوال فترة تنفيذ العقوبة الجنائية الاصلية عليه، حيث يصبح المحكوم عليه فاقدا للأهلية لا يمكنه التصرف في أمواله او إدارتها شخصيا إلا عن طريق اختيار وكيل أو تحت إشراف وصي قضائي، و عند انتهاء العقوبة تعاد إلى المحجور عليه أمواله و يقدم له الوصي حسابا عما قام به أثناء الإدارة[31].

أما بخصوص حالات نقصان الأهلية، فقد نصت المادة 23 من مدونة الأسرة أن الشخص يكون ناقص الأهلية إذا بلغ سن التمييز و لم يبلغ سن الرشد و السفيه و المعتوه. و بذلك فإن تصرفات ناقص الأهلية تختلف باختلاف نوع التصرف، فتعتبر صحيحة إذا كانت نافعة له نفعا محضا. و تكون عديمة الأثر إذا كانت ضارة، أما إذا كانت دائرة بين النفع و الضرر فإنها تكون متوقفة على موافقة نائبه الشرعي.

ثانيا: تخلف المحل[32].

فإذا كان محل الالتزام التعاقدي غير موجود، كأن يتعاقد على شيء قد هلك قبل التعاقد، أو كان مما لا يجوز التعامل فيه، كأن يكون المحل مواد مخدرة. فإن مثل هذا التعاقد يقع باطلا لتخلف ركن المحل[33]. و يكون العقد باطلا كذلك إذا كان المحل مستحيلا، أو غير محدد أو معين.
و المقصود بمشروعية المحل أن يكون محل العقد غير مخالف للنظام العام و الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة، فقد يكون محل الالتزام صحيحا، غير أن العقد باطلا، كما هو الحال في حالة التصرف في تركة شخص على قيد الحياة، حيث إن العقد يعتبر باطلا لكونه خارجا عن دائرة التعامل بمقتضى نص قانوني صريح.

ثالثا: تخلف السبب.

يعتبر العقد باطلا في حالة تخلف السبب تطبيقا للفصل 62 من ق.ل.ع الذي جاء فيه أن ” الالتزام الذي لا سبب له… يعد كأن لم يكن+، و قد ذهب الفقه إلى أن حالات انعدام السبب نادرة في الواقع، إلا أن ذلك لا يمنع من تصور بعض الصور التي ينعدم فيها السبب و من بينها:
الالتزام الذي يكون سببه راجع إلى دين المقامرة أو المراهنة و ذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 1092 من ق.ل.ع[34].
الالتزام الذي لا سبب له أو المبني على سبب غير مشروع. و قد نص افصل 62 من ق.ل.ع[35] على أن هذا الأمر يترتب عليه البطلان[36].

رابعا: تخلف التراضي

يتحقق ذلك بالخصوص في حالة انعدام الأهلية التي تتحقق بمناسبة الصغير غير المميز – الذي يقل سنه عن اثني عشر سنة-، و أيضا في حالة المجنون. و هذه الحالات تدخل ضمن ما يعرف بانعدام الأهلية.
كما أن الرضا يعتبر متخلفا عندما تكون الإرادة غير جدية، كأن يبدي الشخص رغبته في التعاقد دون أن تكون له نية التحمل بالالتزام. و في هذا الصدد ذهب الفقيه بلانيول إلى أنه يتوجب لإنشاء الالتزامات أن تكون الإرادة جادة و يعتبر كأن لم يكن الاتفاق مع الشخص الهازل.
و يعتبر الغلط المانع[37] من حالات تخلف الرضا الذي يجعل العقد باطلا، لأن من شأن هذا النوع من الغلط أن يمنع الرضا و يمنع بالتالي انعقاد العقد و يجعله باطلا و لذلك يسمى بالغلط المانع.

و يعتبر السكر إذا كان تاما من أسباب تخلف الرضا في القوانين الحديثة،لأن السكر التام يفقد التمييز و يعدم الرضا، أي يجعل العقد باطلا و هذا ما سار عليه الفقه و القضاء في فرنسا[38].
وفي الأخير نود الإشارة إلى أن أسباب تخلف الرضا كثيرة لا يمكن حصرها، ذلك أن من الفقه و بعض التشريعات من يأخذ بالحقد الدفين و التنكر و الغضب الشديد و الأمراض المعنوية أو السيكولوجية أو العقلية، كحالات لتخلف الرضا و بالتالي تؤدي إلى بطلان العقود و الالتزامات على هذا الأساس.

خامسا: تخلف الشكلية في العقود الشكلية و التسليم في العقود العينية.

إن العقود الشكلية عقود يتطلب تكوينها إفراغ التراضي عند إبرامها ضمن شكل معين يبينه القانون، و ذلك تحت طائلة البطلان و بتعبير آخر نكون أمام عقد شكلي عندما يكون الشكل مفروضا كشرط لصحة هذا العقد[39]، و نجد أمثلة كثيرة للشكلية في القانون المغربي و خير هذه الأمثلة ما جاء في المادة 4 من مدونة الحقوق العينية. التي جعلت الشكلية شرط صحة لازم لانعقاد التصرف القانوني المتعلق بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق العينية أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها. و بتخلف الشكلية (عقد رسمي أو محرر ثبت التاريخ) يكون العقد باطلا و لو توافرت فيه الأركان اللازمة لانعقاده.
أما بالنسبة لشرط التسليم في العقود العينية[40]، فإنه في حالة اشتراط المشرع للتسليم في بعض العقود فإنه إذا لم يتم استيفاءه يكون العقد باطلا بطلانا مطلقا و هذا الأمر ينطبق على عدة عقود أهمها الرهن الحيازي و الوديعة الاختيارية و القرض[41].

الفقرة الثانية: البطلان بنص القانون:

قد يحصل أن يكون العقد مستجمعا
لكافة أركانه الأساسية التي يقوم عليها، و ألا تشوبه شائبة من هذه الناحية. و لكن المشرع يرى لاعتبارات تتعلق بالنظام العام ، أن يقرر مع ذلك بطلانه[42].
و هكذا فقد قرر المشرع في نصوص عديدة بطلان التصرفات المبرمة بين الأطراف و من بينها:
ما نص عليه الفصل 61 من ق.ل.ع حيث قرر المشرع بطلان كل تصرف يتعلق بتركة إنسان على قيد الحياة.
كذلك ما جاء في الفصل 1034 من ق.ل.ع الذي ينص على بطلان عقد الشركة إذا تضمن شرطا يمنح أحد الشركاء نصيبا من الأرباح أو يحمله نصيبا من الخسارة يفوق ذلك ما يتناسب مع حصته في رأس المال.
ثم الفصل 112 من ق.ل.ع الذي ينص على أنه إذا علق إنشاء الالتزام أو تنفيذه على محض إرادة المدين، فإنه يؤدي إلى بطلانه[43].

ما نصت عليه المادة 57 من مدونة الأسرة بخصوص بطلان عقد الزواج إذا اختل فيه ركن من أركانه، أو في حالة وجود أحد موانع الزواج، أو عند انعدام التطابق بين الإيجاب و القبول.
هذا و تنبغي الإشارة إلى أن حالات البطلان بنص قانوني وارد على سبيل المثال فقط، أي أن هناك حالات أخرى لم يتم ذكرها[44].
و بذلك فإن العقود و الالتزامات التي تكون باطلة بمقتضى نص من القانون، لا تنتج أي أثر إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له طبقا لما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 306[45].

المطلب الثاني: تقسيمات البطلان

لا ريب أنه إذا ما نظرنا الى البطلان في ذات ماهيته، وجدناه واحدا لا يتنوع، فمؤداها هو عدم وجود الارادة في نظر القانون او عدم الاعتداد بها كتصرف قانوني، والعدم واحدا لا مراتب فيه، لكن الفقه يرى للبطلان أنواعا تفترق في الشدة يختص كل منها بأحكام تميزه عن النوع الآخر.
وللتعرف على أنواع أو تقسيمات البطلان فإننا سنبدأ بعرض النظرية التقليدية التي ترى تقسيما ثلاثيا (الفقرة الأولى) لنعرج بعدها على النظرية الحديثة القائمة على التمييز بين البطلان والإبطال (الفقرة الثانية)

الفقرة الأولى: النظرية التقليدية في تقسيم البطلان:

يقسم الفقه التقليدي البطلان الى ثلاثة أنواع تندرج في الشدة. وهي الإنعدام وهو أشدها (أولا) والبطلان المطلق (ثانيا)، ثم البطلان النسبي وهو أقلها شدة(ثالثا)

اولا: الانعدام

إن المقصود بالانعدام في الفقه التقليدي هو تخلف ركن من أركان العقد السالفة الذكر، فإذا نقص عنصري جوهري من عناصر العقد كان منعدما انعداما تاما لا باطلا بطلانا مطلقا، ومن خصائص الانعدام عندهم، انه لا يحتاج الى حكم القضاء لتقديره، لان الانعدام يتحقق بتخلف ركن من أركان التصرف القانوني الذي لا قائمة له بدونها، حيث يشترط في هذا الركن أن يكون جوهريا وحيويا، وكذلك ان يكون طبيعيا في العقد لا ركنا قانونيا فيه، وإلا كان الجزاء البطلان المطلق، ومن الاركان الطبيعية الرضاء، الغلط في طبيعة العقد[46].
إلا أن هاته النظرية (الانعدام) تعرضت للعديد من الانتقادات وذلك من حيث عدة أوجه:

من حيث اللجوء الى القضاء لتقرير البطلان: يؤخذ عليها تمييزها للانعدام عن البطلان المطلق في هذا الصدد، ذلك انه من الضروري الرجوع الى القضاء للحكم بالبطلان.
من حيث ترتيب الأثر: فهم يرون ان العقد المنعدم لا اثر له ، وهذا غير صحيح ذلك أنه قد يرتب آثارا احيانا شأنها شان البطلان المطلق[47] .
عدم جدوى التفرقة بين العقد المنعدم والباطل من الناحية العملية، فالإثنين منعدمين لا وجود لهما.
كذلك عدم منطقية الأساس الذي تقوم عليه نظرية الإنعدام ، وخصوصا تمييزها في الأركان بين طبيعة وقانونية، ذلك أن التراضي مثلا هو عنصر طبيعي في نظرهم، ولكنه عنصر قانوني أيضا، وذلك لتنصيص المشرع عليه.
[48]

ثانيا: البطلان المطلق:

هو النوع الثاني من أنواع البطلان في فقه التقليدين، والتصرف المتصف به له كل أركانه ولكنه يصطدم بعقبة قاطعة تنتج عن مخالفته للشروط التي يضعها القانون لهذه الأركان على صورة تجعل هذه المخالفة وان لم تمس وجود أركانه جميعا ماسة لاكتمال التصرف.[49]
هذا ولا يقتصر البطلان المطلق على تخلف ركن من أركان العقد، بل بتحقق اذا لم يتوافر في كل من المحل والسبب وصف المشروعية، وبصفة عامة الشروط التي يستلزمها القانون في كل منهما.
والعلة من تقرير البطلان المطلق هي أنه لا يمكن للمشرع ان يترك التصرفات القانونية التي تخالف أوامره أونواهيه بدون جزاء، ومن ثم نص على البطلان صراحة أو دلالة، وذلك لغرض حفظ المصلحة العامة والنظام العام واستقرار المعاملات أو اي مقصد آخر يراه[50].

ثالثا :البطلان النسبي:

أن البطلان النسبي جزاء يلحق بالتصرف الذي تعيبه بعض العيوب الخاصة كعيوب الرضى، وفي غير ذلك من الأحوال التي يقضي القانون بجعلها من أحوال البطلان النسبي، ومن طبيعة هذا الأخير أنه يترك التصرف صحيحا حتى يطلب بطلانه,أي أنه يسمح رغم وجوده بوجود قانوني للتصرف، و رغم أن هذا الوجود مؤقت فإنه يجعل البطلان هنا أقل شدة منه في النوعين السابقين(الانعدام والبطلان المطلق)وتترتب عليه فروق كثيرة بينه وبينها.
فالبطلان النسبي تختلف أحكامه تماما عن الأحكام السابقة، فالتصرف الذي يلحقه هذا النوع من البطلان صحيح حتى يتقرر بطلانه بحكم قضائي. أما التمسك به فلمن تقرر البطلان لمصلحته وحده، كما انه يقبل الاجازة ويسقط بالتقادم[51].

الفقرة الثانية: النظرية الحديثة في تقسيم البطلان
نظرا لكثرة الانتقادات الموجهة الى التقسيم الثلاثي السابق، فإنه ظهر في الافق القانوني اتجاها جديدا يجعل البطلان على درجتين هما البطلان والقابلية للإبطال، وينبغي أساسا التفريق بين البطلان والإبطال[52] في اطار النظرية الحديثة على تحديد نوعية المصلحة التي تم الاضرار بها، فإذا كان القصد هو حماية المصلحة العامة فجزاءه هو البطلان. أما إذا تعلق الأمر بمصلحة شخصية كان الجزاء هو الإبطال.

وبعد ان تخلص الفقه الحديث من نظرية الانعدام، بدأ ينتقد الإصطلاحين اللذين استعملا للتمييز بين نوعي البطلان، ذلك أن اصطلاحي (البطلان المطلق) و (البطلان النسبي) يفيدان في ظاهرهما أن هناك تفاوتا في درجة البطلان، في حين ان البطلان درجة واحدة فهو عدم والعدم لا تفاوت فيه، وأمام هاته الإنتقادات الجديدة ظهر في الفقه اصطلاح ”البطلان” دون نعت أو تخصيص للتعبير و ذلك بدل البطلان المطلق، و ”الإبطال” للتعبير عن البطلان النسبي، وهكذا أصبح التقسيم الثنائي للبطلان هو البطلان والإبطال، وهو نفس التقسيم الذي اعتمده القانون المدني الفرنسي وقانون الالتزامات والعقود.
ثم طرأ على هذا التقسيم الأخير تغيير بسيط وأصبح الفقه يستعمل كلمة “القابلية للابطال+ او “العقد القابل للابطال+ بدل الإبطال أي ان الإصطلاح اصبح البطلان والقابلية للبطلان.[53]
وخلاصة القول ان التطور انتهى الى تقسيم البطلان الى نوعين : البطلان والإبطال، وهو تقسيم يتفق مع المنطق القانوني السليم، ويحقق فوائد علمية كبرى من حيث وضوح نظرية البطلان وتفادي تعقيدها وتشبيكها.

الفصل الثاني : آثار البطلان في القانون المغربي :

إن أثر وصف التصرف بالبطلان هو عدم صلاحيته لإنتاج الآثار القانونية المقصودة منه، وعندما يتقرر البطلان فإنه يتعين الغاء مفعول العقد ما دام ذلك ممكنا، فإن تعذر ذلك لاستحالته ماديا أو قانونيا كان هناك إمكانية لإستحقاق التعويض المناسب للضرر اللاحق بأحد المتعاقدين، وفي بعض الأحيان قد يترتب على العقد الباطل بعض الاثار القانونية بالرغم من صدور الحكم بالبطلان، كما هو الأمر بالنسبة لحالة تحول التصرف و حالة انتقاص العقد و كذا بعض الحالات الإستثنائية التي لا يحول البطلان فيها دون سريان بعض الاثار القانونية تجاه الغير حسن النية، كما هو الشأن بالنسبة لمن انتقلت اليه الحيازة المادية للعقار أو المنقول بحسن نية.
و سنعرض في هذا الفصل لأهم أثار و مخلفات البطلان سواء ما كان متعلقا بالآثار المترتبة عن دعوى البطلان(المبحث الأول)، أو ما كان متعلقا ببطلان العقود (المبحث الثاني).

المبحث الاول : دعوى البطلان وآثارها في القانون المغربي:

تشكل دعوى البطلان أهمية كبيرة من ناحية المطالبة ببطلان الالتزامات القانونية ،حيث تعد الوسيلة الأنجع لتحقيق هذه الغاية ،كما تتضح ايضا هذه الأهمية من خلال الاثار التي قد تنتج عنها.
لذلك ارتأينا في هذا المبحث دراسة دعوى البطلان و اثارها بنوع من التفصيل ،حيث سنعالج دعوى البطلان في القانون المغربي في المبحث الاول ،على ان نخصص المبحث الثاني لأثار هذه الدعوى.

المطلب الاول:دعوى البطلان في القانون المغربي:

لما كانت المطالبة ببطلان تصرف معين تقتضي اثارة دعوى البطلان، فإن ذلك يقتضي منا دراسة جزئيات هذه الدعوى من خلال تحديد طبيعتها القانونية(الفقرة الاولى) ،وتبيان مسطرتها(الفقرة الثانية) ،ثم نعرض بعد ذلك للمعوقات التي تمنع من إثارتها (الفقرة الثالثة).

الفقرة الاولى : طبيعة دعوى البطلان في القانون المغربي:

تعتبر دعوى البطلان دعوى شخصية تهدف الى منع أو محو الاثار القانونية لتصرف باطل سواء تعلق الامر بتصرف باطل لم ينفذ ،او بتصرف باطل تم تنفيذه جزئيا ،وهذا التحديد لطبيعة دعوى البطلان هو تحديد منطقي و يتفق مع الواقع العملي ،فالعقد الباطل وان كان يعتبر عدما، وأن العدم لا يحتاج من الناحية النظرية الى حكم قضائي يقرر انعدامه، إلا ان الناحية العملية تفرض في غالب الأحيان على احد المتعاقدين اللجوء الى القضاء للاستصدار حكما قضائيا بتقرير البطلان وترتيب اثاره[54].
ويلاحظ في هذا الصدد ان الفقه التقليدي[55] كان يرفض فكرة اقامة دعوى تقرير البطلان في حالتي الانعدام والبطلان المطلق لأن البطلان يتقرر في هاتين الحالتين بقوة القانون ،ولكن الفقه الحديث[56] يرى – في كل الاحوال سواء اكانا العقد قابل للإبطال او كان باطلا بقوة القانون- ضرورة تدخل القاضي لتقرير البطلان ،لأنه لا يسوغ للشخص أن يأخذ حقه بيده، كما ان هناك مظهرا يستمد وجوده من السند او التعبير عن الارادة وأن المظهر لا يزول إلا بتدخل القاضي .
وفي هذا السياق يذهب الاستاذ احمد شكري السباعي الى القول بأن: ” تدخل القاضي ضروري لتقرير البطلان ،وأن حكم القاضي ببطلان العقد لا ينشئ هذا البطلان ،لان العقد كان من قبل باطلا بقوة القانون ولكن هذا الحكم قرره وكشف عنه+.

والتطبيقات القضائية عديدة في هذا الباب، وندرج ما قضت به محكمة الإستيناف بالرباط بتاريخ 5 مارس 1929 والذي جاء فيه :”كل اتفاق يتعلق بإيجار دار لاستعمالها في العهارة يعتبر باطلا ،وكأن لم يكن لأنه يخالف الاخلاق الحميدة”.[57]، والقرار في الحالة السابقة هو معلن أي كاشف لواقع سابق لا منشئ لوضع قانوني جديد [58].

الفقرة الثانية : مسطرة المطالبة بالبطلان:

يقتضي التعرف على مسطرة المطالبة بالبطلان ان نقف على مسألتين اساسيتين هما ضرورة رفع دعوى قضائية لرفع البطلان(أولا) ، ثم الاشخاص الذي يستطيعون إثارة البطلان (ثانيا).

أولا : ضرورة رفع دعوى قضائية لتقرير البطلان:

من المعلوم ان العقد الذي يثبت له نوع من الوجود الحسي -كتصرف قانوني ظهر في العالم الخارجي- يلزم الاعلان عن بطلانه قضائيا كيفما كانت خطورة الخلل الذي يعتريه ،وذلك لأنه لا يستطيع أي احد أن يقر العدالة بنفسه، ومن ثمة يظل العقد الباطل الذي تمسك احد اطرافه بتنفيذه ملزما ما لم تصرح المحكمة ببطلانه.
وللإشارة يتعين التمييز بخصوص مسطرة المطالبة بالبطلان بين فرضيتين :
الأولى اذا تم تنفيذ العقد الباطل –كليا أو جزئيا فانه يتعين على الطرف الذي يدعي بطلانه أن يطعن فيه أمام المحكمة بدعوى البطلان ،وهنا لا يترتب البطلان بصورة تلقائية، بل يتعين ان تصرح به المحكمة بطلب من ذي صفة الادعاء اومن تلقاء نفسها اذا تعلق الأمر بمساس النظام العام[59].
وأما الفرضية الثانية تتمثل في أنه اذا لم يحصل تنفيذ العقد الباطل فهنا يكتفي العاقد بانتظار مطالبة غريمه بتنفيذ مقتضياته للدفع بالبطلان.

ثانيا : الاشخاص الذين يستطيعون إثارة البطلان:

يختلف الاشخاص الذين يستطيعون اثارة البطلان حسب ما اذا كان هذا الاخير بطلانا مطلقا أو نسبيا. فمادام ان البطلان المطلق قد قرر لرعاية مصلحة عامة لا لصيانة مصلحة خاصة، فإنه يستطيع ان يتمسك به كل ذي مصلحة . كما للمحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها[60].
وجاء بهذا الخصوص في المادة 141 من القانون المدني المصري أنه : “اذا كان العقد باطلا جاز لكل ذي مصلحة ان يتمسك ببطلانه وللمحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها+.
ويقصد بالمصلحة في هذا الصدد كل حق يؤثر في صحة العقد أو بطلانه. ويعتبر صاحب مصلحة في البطلان كل من المتعاقدين. فإذا كنا بصدد عقد بيع كان لكل من البائع والمشتري ان يتمسك بالبطلان، البائع ليسترد المبيع و المشتري ليسترد الثمن، كما يستطيع أن يتمسك بالبطلا كذلك الخلف العام و الخلف الخاص[61].

اما بالنسبة للبطلان النسبي فان هذا الاخير لا يتعلق بالنظام العام ،لذلك لا يجوز اثارته إلا من قبل المتعاقد الذي شرع لحماية مصالحه الخاصة. فمثلا اذا تعلق سبب القابلية للإبطال بنقص الاهلية فانه يجوز للقاصر او ولي أمره التمسك بالإبطال ،و اذا تعلق السبب بعيب في التراضي فانه يحق للعاقد الذي فسدت ارادته ان يثير هذا الابطال. حيث ينص الفصل 315 من ق.ل.ع انه:” يسوغ التمسك بالدفع بالبطلان[62] لمن ترفع عليه الدعوى بتنفيذ الاتفاق في جميع الحالات التي يمكنه فيها هو نفسه أن يباشر دعوى الإبطال+.

وللإشارة فان التمسك بالإبطال ينتقل الى الخلف العام، خصوصا الورثة الذين ينص بخصوصهم الفصل 313 من ق ل ع على أنه: “تنتقل دعوى الابطال الى الورثة فيما بقي لمورثهم من مدتها مع مراعاة الاحكام المتعلقة بقطع التقدم او بوقفه[63].
كذلك ينتقل حق العاقد في اثارة البطلان النسبي الى نائبه القانوني ، في مقابل هذا لا يجوز للعاقد الاخر الذي لا يتصل به سبب الابطال ان يتمسك بالقابلية للبطال[64]، و أيضا لا يجوز للمحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها[65].

الفقرة الثالثة : معوقات المطالبة بالبطلان:

تمكن بعض التقنيات او المؤسسات القانونية من الابقاء على العقد الذي يحمل بين طياته سبب بطلانه، وهذه التقنيات التي من شأنها أن تمنع كل مطالبة بالبطلان هي :

أولا : التصحيح

يفيد معنى تصحيح العقد الباطل جعله مطابقا للمقتضيات القانونية ،ويتم ذلك وفق أحد الطرق التالية:
1-­ سعي أحد المتعاقدين نحو تحقيق العنصر الذي كان بنقص لصحة العقد عند ابرامه.
2- اتفاق العاقدين عقب التعاقد على حذف الشرط الباطل الذي يؤدي الى بطلان الرابطة العقدية ككل(مثلا شرط التعامل بالفائدة بين المسلمين في معاملة مدنية) .
3- تجنيب العقد العيب الذي يعتريه و يتهدد صحته و ذلك في حالات خاصة ليس إلا.

ورغم عدم شيوع فرضيات تصحيح العقد الباطل، فالثابت أنها تؤدي الى تطهير العقد الباطل من العيب الذي يشوبه بأثر رجعي يرتد الى تاريخ إبرام العقد ،وذلك مع مراعاة بعض الوضعيات الخاصة، كتصحيح العقد المشوب بالغبن و الذي يتعين معه تقدير فارق القيمة في تاريخ تقديمه. إلا أنه لا يسري الأثر الرجعي لتصحيح العقد الباطل، إلا على العيب الذي يشوب تكوينه ،وبالتالي فهو لا يزيل الجزاءات الأخرى التي قد تترتب عن عدم صحة العقد سواء أكانت زجرية أو مدنية[66].

ثانيا : الاجازة[67]

تعرف الاجازة بأنها تنازل من تقرر الإبطال لمصلحته عن الحق في طلب هذا الإبطال، فهي بهذا المعنى تصرف قانوني يصدر من جانب واحد يؤدي الى تطهير العقد من العيب الذي يشوبه أو الى رفع الخطر الذي يتهدده[68]، فهي كما قال الكزبري : الرضى ببقاء العقد ،و استقراره نهائيا ممن له حق ابطاله [69].
وفي هذا الصدد فان التشريعات القديمة و الحديثة لم تأخذ بفكرة تطبيق نظام الاجازة على البطلان ،وهو ما نص عليه الفصل 310 من ق.ل.ع ،وأيضا ما اكدته الفقرة الأولى من المادة 141 من القانون المدني المصري و الليبي و الفقرة الأولى من المادة 142 من القانون السوري[70].

وقد خرج القانون المصري – الليبي في المادة 487 و السوري في المادة 457- عن القاعدة السابقة ،و اقر إجازة الهبة الباطلة -الاجازة الضمنية- لعيب في الشكل و هو ما نصت المادة 489 من القانون المدني التي جاء فيها “اذا قام الواهب أو ورثته مختارين بتنفيد هبة باطلة لعيب في الشكل ،فلا يجوز لهم أن يستردوا ما سلموه+.
لكن يجب ان لا يتخذ من هذا المسلك ذريعة للقبول بتطبيق الاجازة على البطلان و الابطال، لان هذه الحالة وردت في التشريعات السابقة على سبيل الاستثناء ،و الاستثناء يجب ان يفسر تفسيرا ضيقا، أخذا بالقاعدة الفقهية:”لا يتوسع في الاستثناء” ،كما أن القضاء المصري يبرر هذا الموقف باعتبار ان الهبة تخلف التزاما طبيعيا ،فان حدث ان وفي به الواهب او ورثته ما حق له الرجوع فيه[71].

ثالثا : التقادم[72]

يقضي المنطق المجرد بأن لا يتأثر البطلان بالتقادم ،لان الباطل معدوم كما تقدم ،و المعدوم لا يصبح موجود بمضي الزمن .فلو تم تنفيذ عقد بيع باطل ،ومضت على العقد مدة التقادم العادي ثم رفع البائع دعوى بطلب استرداد المبيع استنادا الى بطلان البيع ،ينبغي نظريا ان تسمع دعواه و أن يقضي له بالاسترداد اذا أقام البينة على صحة ادعائه و اثبت البطلان .
غير انه يلاحظ في هذا الشأن، أن قبول الادعاء بالبطلان رغم مضي مدة التقادم من تاريخ العقد الباطل ينافي استقرار المعاملات لنقضه اوضاعا تم تنفيذها و استقرت مدة طويلة، لهذا السبب،ورغم انتفاء النص على تقادم دعوى البطلان في القانون الفرنسي ،فان الاتجاه الغالب في الفقه و الاجتهاد يميل الى القول بتقادمها بمرور ثلاثين سنة استنادا لنص المادة 2262 التي تقضي بتقادم جميع الدعاوى بمضي ثلاثين عاما.

و لنفس السبب، و رغم انتفاء النص في بحث البطلان يرجح القول بتقادم دعوى البطلان بخمس عشرة سنة عملا بالفصل 387 من ق.ل.ع التي تنص على ان “كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمس عشرة سنة+.
وعليه لو تم تنفيذ عقد بيع باطل مثلا ،ثم ادعى البائع او المشتري بالبطلان ،و طالب البائع باسترداد المبيع او المشتري باسترداد الثمن ،فان مثل هذه الدعوى لا تسمع اذا ما رفعت بعد خمس عشرة سنة من تاريخ البيع[73].

المطلب الثاني : اثار الحكم بالبطلان في القانون المغربي:

يظهر من خلال ما نص عليه الفصل 316 من ق.ل.ع[74]، أن العقد الباطل أو القابل للإبطال إذا تقرر بطلانه يعتبر كأن لم يكن فيما بين العاقدين (الفقرة الاولى) و بالنسبة للغير (الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى : فيما بين المتعاقدين:

ينتج عن الحكم بالبطلان فيما بين المتعاقدين أثرين هما :

أولا : زوال كل اثر للعقد

إذا تقرر البطلان زال كل أثر له، و أرجع كل شئ الى اصله، و جاز الحكم بالتعويض على اساس المسؤولية التقصيرية لا المسؤولية العقدية .فإذا كان العقد بيعا و تقرر بطلانه، رد المشتري المبيع الى البائع، ورد البائع الثمن الى المشتري .وهكذا يعاد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، و استرداد كل متعاقد لما اعطاه يكون على أساس استرداد ما دفع دون حق بعد أن تقرر بطلان العقد[75].
واذا أصبح الإسترداد مستيحلا ،بأن هلك المبيع مثلا في يد المشتري و بخطأ منه حكم القاضي بتعويض معادل، فيلزم المشتري برد قيمة المبيع وقت الهلاك طبقا لقواعد المسؤولية التقصيرية لا على اساس العقد الذي تقرر بطلانه، وألزم البائع برد الثمن على اساس الدفع غير المستحق.

ثانيا : حالة نقص الاهلية

يرد على مبدأ اعادة المتعاقدين الى حالهما قبل التقاعد الباطل استثناءا ورد النص عليه في الفصل 6 من ق.ل.ع بأنه: “يجوز الطعن في الالتزام من الوصي أو من القاصر بعد بلوغه رشده…ويبقى القاصر مع ذلك ملتزما في حدود النفع الذي استخلصه من الالتزام…+.
يتضح من النص ،انه اذا كان العقد قابلا للإبطال لنقص أهلية أحد المتعاقدين وأبطل الالتزام، فان ناقص الأهلية يسترد ما دفع تطبيقا للقواعد التي قدمناها، أما المتعاقد الاخر فلا يسترد من ناقص الاهلية إلا مقدار ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد[76].

الفقرة الثانية :بالنسبة للغير:

1 تأثر حق الغير بالبطلان

لا يقتصر البطلان على العلاقة فيما بين المتعاقدين، بل يجاوزها الى الغير ممن قد تكون لهم حقوقا تتأثر بصحة العقد أو بطلانه.
وعلى ذلك فلو باع شخص شيئا لأخر ثم رهن هذا الاخير الشئ ذاته الى شخص ثالث ،ثم تقرر إبطال البيع، فإنه يترتب على ذلك أن المشتري لم يتملك الشئ لان عقده كان باطلا.ولذا فان عقد الرهن الصادر منه للدائن المرتهن لا ينشئ لهذا الاخير حقا، لأنه صادر من غير المالك، فتعود ملكية الشئ خالصة للمالك الأصلي وهو البائع، فإذا كان هذا الاثر بالنسبة للغير هو ما يقضي به بطلان العقد من حيث المنطق ،إلا ان إعمال اثر البطلان في مواجهة الغير قد يسبب له اضرارا جسيمة، لذلك عمل المشرع على الحد من أثر البطلان بالنسبة للغير اذا كان حسن النية[77].

2: استثناء الغير حسن النية الذي اكتسب حقا عينيا على المنقول او العقار:

قرر المشرع حماية الغير حسن النية الذي اكتسب حقا عينيا على العقار المحفظ او على المنقول الذي هو محل العقد الباطل .فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 66 من القانون رقم 14.07 المتعلق بالتحفيظ العقاري على انه “لا يمكن في اي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة +.
و بناء عليه، فلو فرض مثلا ان صدر عقد رهن من شخص لا يملك العقار المرهون-اذ ان سند الملكية قد أبطل- فان الرهن يبقى بالرغم من بطلانه مترتبا عليه اثاره الأصلية ،ومن أهمها قيام حق الدائن المرتهن شريطة أن يكون حسن النية ،او يكون جاهلا سبب البطلان[78].

المبحث الثاني : الاثار المترتبة عن العقد الباطل في القانون المغربي :

الأصل ان العقد الباطل الذي حكم بإبطاله يعتبر عدما ،و لا ينتج أي اثر إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له.إلا ان هذه القاعدة ليست مطلقة ،اذ قد تتقيد بطائفتين من الآثار: الطائفة الاولى تتولد عن العقد الباطل ،و الذي حكم بإبطاله بصفة جوهرية او أصلية حماية لحسن النية، وحفاظا على مبدأ استقرار المعاملات (المطلب الاول) ،والطائفة الثانية تتولد بصفة عرضية عن هذا العقد باعتباره عملا ماديا ،أو واقعة مادية (المطلب الثاني).

المطلب الاول : الآثار الأصلية المترتبة عن البطلان:

ينتج عن البطلان مبدأ اساسي يتمثل في ان العقد الباطل لا يترتب عنه أي أثر(الفقرة الاولى)، غير ان هذا المبدأ ترد عليه عدة استثناءات تخفف من حدته (االفقرة الثانية).

الفقرة الاولى : مبدأ انعدام اي اثر للعقد الباطل :

سبق و ان قلنا بان القاعدة هي انعدام أي أثر للعقد الباطل سواء فيما بين المتعاقدين(أولا) ،او بالنسبة للغير(ثانيا).

اولا: انعدام اي اثر للعقد الباطل و القابل للإبطال فيما بين المتعاقدين:

أن المبدأ هو ان العقد الباطل و العقد القابل للإبطال لا ينتجان أي أثر فيما بين المتعاقدين إلا استرداد ما دفع بغير حق، ذلك ان القاعدة هي انه يجب اعادة الاطراف الى الحالة التي كانوا عليها قبل إبرام هذين العقدين ،أي الغاء مفعول العقد الباطل و القابل للإبطال يتم بأثر رجعي تطبيقا للفصلين 306[79] و 316[80] من ق.ل.ع. ومن ثم فانه يتبين ان العقد القابل للإبطال بمجرد تقرير بطلانه يصبح كالعقد الباطل عدما ،ومن ثم يموت بأثر رجعي و لا ينتج أي أثر إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له، بمعنى ان الأثر الرجعي للبطلان و الإبطال لا يسري من تاريخ الحكم بهما فقط بل إن مفعوله يمتد الى الماضي و المستقبل[81].

ثانيا : انعدام اي اثر للعقد الباطل و القابل للابطال بالنسبة للغير :

إن اثر البطلان بالنسبة للغير هو نفسه بالنسبة للمتعاقدين ،فالغير الذي تلقى حقا على الشئ الذي ورد عليه العقد الباطل ،يزول حقه تبعا بالبطلان ،و ذلك عملا بمقتضيات القاعدة العامة التي تقول ان الشخص لا يستطيع ان ينقل الى غيره اكثر مما يملك. فلو أن شخصا اشترى عينا بعقد باطل ثم باعها، وتقرر بعد ذلك بطلان البيع الاول، فان البائع في العقد الباطل يجب ان يكون له مبدئيا استرداد العين من المشتري الثاني، وإذا كان هذا المشتري الثاني قد رتب على العين حقوقا، فان البائع يجب ان يكون له مبدئيا استرداد العين خالية من هذه الحقوق[82].

الفقرة الثانية : الاستثناءات الواردة على مبدأ انعدام أي أثر للعقد الباطل:

إن القاعدة التي قررها الفصل 306 من ق.ل.ع[83]، ترد عليها بعض الإستثناءات، وذلك خروجا عن المبدأ العام، ولعل أساس الخروج عن هذا المبدأ يهدف بالأساس الى الحفاظ على استقرار المعاملات و حماية القانون الظاهر.ومن أمثلة هذه الإستثناءات نورد على سبيل المثال لا الحصر كل من فكرة الشركة الفعلية (اولا) ،و حالة الزواج الظني او العرفي(ثانيا).

اولا :فكرة الشركة الفعلية[84]:

الاصل العام ان الشركة تكتسب الشخصية المعنوية بمجرد تكوينها و نشرها ، و تكون لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الاعضاء، و مقر خاص متميز ،وتبدأ في ممارسة الأعمال التي قامت من أجلها.وتترتب على هذا كله نتائج مهمة كأن تصبح هذه الشركة دائنة او مدينة ،وقد تحقق ارباحا ،او تمنى بخسارات ،و اذا حدث في العمل ان تقرر بطلان هذه الشركة او حكم بإبطالها، فإنه يستحيل اعادة الشركاء الى الحالة التي كانوا عليها قبل إبرام العقد وخاصة اذا كانت هذه الشركة قد منيت بخسارة او حققت ربحا ،وعلى هذا الاساس اعتبر القضاء الشركة قائمة فعلا في الفترة ما بين تكوينها ،والحكم ببطلانها اي تعتبر في الواقع كما لو كانت شركة صحيحة وبعبارة اخرى يكون البطلان بمثابة حكم يحل الشركة قبل الميعاد المحدد لها[85].

ثانيا : حالة الزواج الظني او العرفي

هذه الحالة نصت عليها المادة 201 من القانون المدني الفرنسي التي جاء فيها :”اذا تقرر بطلان الزواج فان العقد يرتب مع ذلك اثاره المدنية بالنسبة الى الزوجين ،وبالنسبة الى الاولاد اذا كان قد عقد بحسن نية+.
ويتبين لنا من خلال هذا النص ان عقد الزواج الباطل ينتج كافة اثاره المدنية كما لو كان عقد صحيحا بالنسبة للزوج حسن النية و بالنسبة للأولاد الى حين صدور الحكم.
و يلاحظ ان هذه الاثار المدنية التي تنتج عن الاخذ بفكرة الزواج الظني لا يقتصر مفعولها على الماضي فقط و انما يستمر هذا المفعول في المستقبل ايضا .ومثال ذلك ان الاولاد الين ازدادوا قبل بطلان الزواج يعتبرون اولاد شرعيين ،وتبقى لهم هذه الصفة حاضرا او مستقبلا الى جانب ثبوتها لهم في الماضي كنتيجة لتحول عقد الزواج الباطل الى زواج ظني او عرفي ،اما الاولاد الذين يزدادون بعد بطلان الزواج فلا يعتبرون شرعيين[86] .

المطلب الثاني : الاثار العرضية المترتبة عن البطلان:

من الاثار العرضية التي يرتبها العقد الباطل ،و التي لم تكن مقصودة أصلا من المتعاقدين، انتقاص العقد(الفقرة الثانية)،وتحوله(الفقرة الاولى)،و الخطأ عند تكوين العقد(الفقرة الثالثة)،فهذه الاثار ليست مقصودة أو مباشرة، بل هي عرضية ثانوية غير مباشرة، ترتبت لإنقاذ العقد، ولحسن استقرار المعاملات و مراعاة لأوجه العدالة.

الفقرة الأولى :نظرية تحول العقد:

يقصد بالتحول إنقاذ ما يمكن انقاذه من العمل القانوني، و الاستفادة منه في شكل اخر ،اخذا بالقاعدة الشرعية القائلة “اعمال العقد أولى من إهماله+ ،فإذا كان العمل القانوني الباطل يصلح لان يشكل عملا قانونيا آخر، فلا مانع من الاخذ بهذا العمل[87].
وتعود جذور هذه النظرية الى القانون المدني الألماني ،الذي أخذ بها بمقتضى المادة 140 منه، كما أخذت بها العديد من التشريعات العربية، ومن ذلك قانون الالتزامات و العقود المغربي ،الذي نص عليها بمقتضى الفصل 309 الذي جاء فيه “اذا بطل الالتزام باعتبار ذاته وكان به من الشروط ما يصح به التزام آخر، جرت عليه القواعد المقررة لهذا الالتزام الآخر+.
ويستشف من خلال كل هذا ان حرية القاضي في اعمال فكرة التحول ليست مطلقة ،و انما تتقيد بتوافر الشروط التي وضعها المشرع ،وهي ثلاث شروط:

الشرط الاول :يتعين ان يكون العقد الاصلي باطلا او قابل للإبطال، على اعتبار انه لو كان العقد الاصلي صحيحا ،فانه لا حاجة لنظرية التحول حتى ولو تضمن اركان عقد اخر ،حيث انه في هذه الحالة يمكن سلوك طرق اخرى كالتجديد.

الشرط الثاني : استجماع العقد الباطل او القابل للإبطال عناصر عقد اخر صحيح، يقصد بهذا الشرط ،ضرورة استجماع العقد الباطل و القابل للإبطال جميع عناصر العقد الاخر الصحيح، تطبيقا للفصل 309 من ق.ل,ع[88]. اما اذا كان العقد الاصلي مستجمعا فقط لبعض عناصر العقد الجديد ،فانه لا يمكن اضافة العناصر المتخلفة لكي ينعقد العقد الصحيح[89].

الشرط الثالث : انصراف ارادة المتعاقدين المحتملة الى تبني العقد الصحيح[90]،بخلاف موقف المشرع المغربي الذي اغفل الاشارة الى هذا الشرط ،فان هناك العديد من التشريعات المقارنة التي نصت عليه بشكل صريح ،من ابرزها القانونين المصري و الاردني[91]،فالاول نص على هذا العنصر في مادته 144 التي جاء فيها “…اذا تبين ان نية المتعاقدين كانت تنصرف الى ابرام هذا العقد+[92].

الفقرة الثانية : نظرية انتقاص العقد :

يعنى بالانتقاص التخلص من الجزء الباطل و الإبقاء على الجزء الصحيح طالما احتمل هذه التجزئة، فإذا لم يحتملها لم يكن هناك محل لهذا الانقاص[93].
وقد أخذ المشرع المغربي هذه النظرية عن القانون الالماني الذي يرجع له فضل السبق في اكتشافها ،واعتنقها في الفصل308 الذي تنص على أنه :” بطلان جزء من الالتزام يبطل الالتزام في مجموعه، إلا إذا أمكن لهذا الالتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي لحقه البطلان، وفي هذه الحالة الأخيرة يبقى الالتزام قائما باعتباره عقدا متميزا عن العقد الأصلي+.
ويلاحظ ان التشريع المغربي كالتشريع الالماني ميز في هذا المضمار بين البطلان و الابطال، اي أنه أخذ بنظرية انتقاص العقد في مواد البطلان دون الإبطال ،على خلاف بعض التشريعات العربية التي اخذت بنظرية الانتقاص سواء بالنسبة للبطلان او الابطال[94] .
ويمكن القول بأن الهدف من اعمال هذه النظرية هو صون ما يمكن صونه من العقد تطبيقا للقاعدة الفقهية التي تقضي بأنه “ما لا يدرك كله لا يترك كله+، غير اعمال هذه النظرية يتطلب تحقق شرطين وهما:

الشرط الاول : كون الاجزاء الباطلة او الموجبة للإبطال قابلة للانفصال عن بقية الالتزامات السليمة الاخرى:
طبقا لهذا الشرط يتعين ان تثبت امكانية تقسيم الاشتراطات الواردة في العقد و قصر البطلان او الابطال بالتالي على تلك المعيبة منها ،من ذلك مثلا ان يبرم رجل مع خادمة عقدا بموجبه تتعهد الاخيرة بخدمته و معاشرته ،حيث يبطل شرط المعاشرة و يقتصر العقد على الخدمة مع تحفيظ الاجر المتفق عليه اذا تبين انه حدد ليشمل مقابل الامرين[95].
الشرط الثاني : ان نكون بصدد بطلان جزئي
بمعنى ان يكون سبب البطلان قائم في شق من العقد فقط ،مع بقاء الشق الاخر سليما ،فإذا سرى العيب في كل العقد، فإننا نكون بصدد بطلان كلي ،ويكون البحث عندئذ في امكان تحول العقد من عدمه ويستوي ان نكون بصدد ابطال راجع الى تعيب الارادة او نقص الاهلية ،المهم ان ينصرف الوصف الى شق من العقد[96].

الفقرة الثالثة :نظرية الخطأ عند تكوين العقد:

قد يحدث في العمل أن يلحق العقد الباطل ،او الذي حكم بإبطاله ضررا بأحد الطرفين ،دون ان يكون للطرف المضرور اي يد في هذا البطلان فيكون من حق هذا الاخير ان يلزم المتعاقد الاخر بالتعويض اصلاحا لهذا الضرر الذي لحقه ،ويعتبر هذا التعويض في مثل هذه الحالات اثرا عرضيا للعقد الباطل ،او الذي قضي بإبطاله. و المشرع المغربي كنظيره الفرنسي لم يأخذ بنظرية الخطأ عند تكوين العقد كنظرية عامة ،وإنما أورد لها بعض التطبيقات القانونية[97].

خـــاتــمة:

انطلاقا مما سبق بيانه في هذا العرض، فإن خير ما نختم به بعض الاستنتاجات والخلاصات
المركزة التي نأمل من خلالها ترسيخ أهم ما تم تناوله في هذا العرض:
– أن المشرع لم يعرف البطلان، وخيرا فعل، مادام ذلك يدخل ضمن اختصاص الفقه والقضاء.
– أن البطلان قد يختلف في بعض الأحيان مع بعض الأنظمة المشابهة له، إلا أنه تبقى له خصائصه
ومميزاته الخاصة به.
– أن هناك خلاف حول أساس البطلان وطبيعته القانونية، وذلك راجع للإختلاف حول تعريف
البطلان.
– أن المشرع تناول حالات البطلان، وذلك في حالتي تخلف أحد أركان العقد أو حالة التنصيص
القانوني عليه.
– قسم البطلان تبعا لنظرتين تقليدية وحديثة، واستقر الأمر على تقسيمه إلى نوعين، بطلان
وقابلية للإبطال.
– أنه لابد من تقرير البطلان من إقامة دعوى قضائية تحكم به.
– أن لدعوى البطلان مسطرة خاصة.
– أن هناك أثار عدة تترتب عن العقد الباطل، منها ماهو أصلي، ومنها ماهو عرضي.
– تولدت عن أثار البطلان عدة نظريات، كنظرية تحول العقد ونظرية انتقاص العقد.

 

(محاماه نت)

إغلاق