دراسات قانونية
طبيعة النزاعات المرتبطة بالديون العمومية (بحث قانوني)
” طبيعة النزاعات المرتبطة بالديون العمومية خلال مسطرة التحقيق و التصريح بالديون في إطار مساطر المعالجة “
ياسين المفيد
طالب باحث بماستر قانون الأعمال و المقاولات
جامعة محمد الخامس الرباط
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية
السويسي
مقدمة :
إن عملية التصريح بالديون وتحقيقها تعد من أهم إجراءات مساطر معالجة صعوبات المقاولة التي تمكن السنديك من التحديد الدقيق لخصوم المقاولة، حيث تمكنه من معرفة وضعيتها الدقيقة، الأمر الذي يمكنه من اقتراح الحل المناسب لظروفها.
فالتصريح بالديون، هو إجراء من خلاله يعبر الدائنون الذين يعود دينهم إلى ما قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة عن رغبتهم في الحصول على دينهم في إطار المسطرة المفتوحة في مواجهة المقاولة، في أن الفقه والاجتهاد القضائي الفرنسي حدد الطبيعة القانونية للتصريح بالدين، حيث اعتبره بمثابة طلب قضائي موجه من الدائن إلى القاضي المنتدب عن طريق السنديك يروم أداء الدين المصرح به وهو ما أيده بعض الفقه المغربي.
موضوع هام للقراءة : رقم هيئة الابتزاز
أما مسطرة تحقيق الديون فتكتسي أهمية بالغة من حيث كونها تشكل مرحلة حاسمة للبت في الديون المصرح بها لدى السنديك، وذلك لإبعاد الديون التي قدمت على سبيل الاحتياط أو خرقا للقواعد الخاصة بنظام التصريح أو خارج الآجال القانونية، ويتم من خلال هذه المسطرة البت أيضا في مختلف المنازعات التي قد تثار بهذا الخصوص، ليتم في نهاية المطاف إما قبول هذه الديون أو رفضها، إذ تبقى مسألة الرفض أو القبول من ضمن الصلاحيات المخولة للقاضي المنتدب.
ويتجلى الهدف من دراسة الموضوع بالأساس في الوقوف عند طبيعة النزاعات المرتبطة بمسطرتي التصريح بالديون وتحقيقها، وذلك على مستوى تطبيق النص التشريعي من طرف المحاكم التجارية ومحكمة النقض.
وسنعتمد في دراستنا لهذا الموضوع مقاربة ميدانية قائمة على أساس رصد تباينات موقف العمل القضائي بالمغرب بخصوص مسطرتي التصريح والتحقيق.
وإذا كانت الديون العادية لا تطرح أي إشكال على مستوى التصريح والتحقيق فقد طرحت الديون العمومية لبعض الإداريات تدوين الخزينة العامة أو إدارة الضرائب أو الإدارة العامة للجمارك والضرائب غير المباشرة أو بعض المؤسسات العمومية كالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إشكالية جوهرية تتجلى فيما يلي :
فما هي مجموع الصعوبات التي تواجه الديون العمومية على مستوى مسطرتي التصريح والتحقيق؟ وما هي طبيعة النزاعات المرتبطة بها؟
وللإجابة على هذه التساؤلات سوف نتبع خطة البحث التالية :
أولا : طبيعة المنازعات المرتبطة بمسطرة التصريح
ثانيا : طبيعة المنازعات المرتبطة بمسطرة التحقيق.
أولا : طبيعة المنازعات المرتبطة بمسطرة التصريح
إذا كانت طبيعة الديون العمومية لا تطرح إشكالا باعتبارها ديون امتيازية، فإن الخلاف مصدره مدى اعتبارها مضمونة بضمانات تم نشرها وفقا لما نص عليه الباب السادس من القسم الثاني من مدونة تحصيل الديون العمومية المتعلق بالضمانات والامتيازات وخاصة ما نصت المادة 113 منها من أن الخزينة تتمتع من أجل تحصيل الضرائب والرسوم وديون المحامين العموميين الناتجة عن قرارات العجز برهن رسمي على جميع الأملاك العقارية للمدينين الذين يدينون بمبلغ يساوي أو يفوق 20.000درهم، ويرتب الرهن السمي للخزينة حسب تاريخ تقييده بمحافظة الأملاك العقارية ولا يمكن تقييد هذا الرهن إلا ابتداء من التاريخ الذي يتعرض فيه المدين للزيادة الناتجة عن عدم الأداء»[1].
تبنيا لهذا الاتجاه اعتبرت محكمة الاستئناف التجارية بفاس في أحد قراراتها أنه مادام الملف لا يتوفر على ما يفيد إشعار المستأنفين بضرورة التصريح بمبلغ الدين أمام السنديك المعين من طرف المحكمة، خاصة أنهم متمتعون بحق الامتياز العام وفق أحكام القانون المنظم لتسيير صندوق الموازنة (القانون عدد 403/74/1، الصادر بتاريخ 19/09/1977، ج.ر بتاريخ 10/10/1977)، وبالتالي كان لزاما على السنديك قبول تصريحات هذا الصندوق ولو بعد انصرام الآجال طالما لم يتم إشعاره باعتباره من الدائنين الحاملين للضمانات، وبالتالي لا يمكن مواجهته بالسقوط لانصرام الأجل المحدد بالفصل 686 من مدونة التجارة[2].
وفي نفس هذا الاتجاه جاء في الأمر عدد 11/2002 الصادر عن السيد القاضي المنتدب لدى محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، بتاريخ 06/05/2002 في ملف التسوية عدد 5/16/1999 “وحيث إنه طبقا للباب السادس من الظهير الشريف رقم 1.00.175 الصادر بتاريخ 03/05/2000 بتنفيذ القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية المتعلق بالضمانات والامتيازات، تبين أن الخزينة العامة تتمتع بامتياز على الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين أينما وجدت، وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لاستغلالها، وكذا محاصيل العقارات المفروضة عليها الضريبة أيا كان مالكها، كما تتمتع برهن رسمي على جميع الأملاك العقارية للمدينين الذين يدينون بمبلغ يساوي أو يفوق عشرون ألف درهم، كما أن الباب الرابع من نفس القانون تضمن مجموعة من المقتضيات تلزم المفوت لهم، وكذا الموثقين والعدول، أوكل شخص آخر يمارس مهام التوثيق بضرورة الحصول على شهادة من مصالح التحصيل تثبت أداء حصص الضرائب والرسوم،
تحت طائلة إلزامهم بأدائها على وجه التضامن مع الملزم، كل هذا يفيد أن الخزينة العامة تتمتع بضمانات مقررة لها بقوة القانون أعلاه، كما أن شهرها واقع بمقتضى نشر القانون المذكور بالجريدة الرسمية، فهي إذن من الدائنين الحاملين لضمانات وقع شهرها، ومن تم يتعين على سنديك مسطرة التسوية القضائية إشعار القابض الجهوي باعتباره مكلفا بتحصيل الضريبة للتصريح بديون القباضة المذكورة على الشخص المفتوح في مواجهته مسطرة التسوية القضائية، وذلك طبقا للمادة 686 من مدونة التجارة-
وحيث أنه لا يوجد بالملف ما يفيد إشعار قابض سلا تابريكت للتصريح بدين القباضة على السيد…، وبالتالي فإنه وطبقا للمادة 690 من مدونة التجارة لا يواجه بالسقوط الدائنون الذين لم يشعروا شخصيا خرقا لمقتضيات المادة 686 أعلاه[3].
وبالرغم من هذا الموقف فقد سارت أغلب مواقف القضاء المغربي في اتجاه اعتبار الديون العمومية من الديون الممتازة التي يعين التصريح بها داخل أجل الشهرين من تاريخ نشر حكم فتح المسطرة بالجريدة الرسمية وليس من تاريخ إشعار الدائنين بها شخصيا بحيث لا تستفيد من الاستثناء الذي قرره المشرع لفائدة الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد ائتمان إيجاري تم شهرها وبالتالي عاملت هذه المادة الدائنين الممتازين بنفس المعاملة التي حظي بها الدائنون، العاديون وذلك بالرغم من أن أداء الديون الممتازة يتم قبل تلك المضمونة فقط بضمانات.
وفي هذا الإطار جاء في قرار صادر عن محكمة النقض :”إن الدعوة إلى التصريح بالدين إلى السنديك بالنسبة للدائنين العاديين تتم عبر نشر إعلان الحكم القاضي بفتح المسطرة في الجريدة الرسمية، وأن من يجب إشعارهم طبقا للمادة 686 من مدونة التجارة بتقديم التصريح بديونهم من طرف السنديك هم الدائنون الحاملون لضمانات أو عقد ائتمان إيجاري تم شهرها دون غيرهم ولو تعلق الأمر بأصحاب الديون الممتازة..” [4]
وجاء في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة، حيث أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي باعتباره مؤسسة عمومية وأن استخلاص ديونه تكون امتيازية عن طريق الأولوية، فإنه مع ذلك لا يعد بدائن صاحب الضمانات التي تم شهرها وفق المفهوم الصريح للمادة 686 من مدونة التجارة، وبالتالي، لا يمكن اعتبار إشعار السنديك له قصد التصريح بديونه أمرا واجبا يترتب عن إغفاله رفع حالة السقوط وأن المشرع أوجب على الدائنين الإقدام بالتصريح بديونهم للسنديك المعين من طرف المحكمة تحت طائلة عدم قبولهم في توزيعات المبالغ بين الدائنين داخل أجل شهرين من تاريخ نشر الحكم القاضي بفتح التسوية القضائية بالجريدة الرسمية[5].
وجاء في قرار آخر من نفس المحكمة “إن الصفة الامتيازية لدين الخزينة العامة وإن كانت تخولها حق الأفضلية على غيرها من الدائنين الآخرين حلال مسطرة وفاء الديون في حدود ما هو مقرر لها قانونا فهي لا تعفيها من التصريح بديونها كما هو الشأن بالنسبة للمأجورين ولا تلزم بإشعارها بفتح المسطرة لعدم توفرها على ضمانة أو عقد ائتمان إيجا
ري تم شهرهما[6]، وهو نفس ما صارت إليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرار صادر عنها بتاريخ 12 يوليوز 2002 جاء فيه : «حيث جاء في موجبات استئناف الشركة أن أمر السيد القاضي المنتدب لما اعتبر أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من الدائنين الذين يتم إشعارهم بوجود مسطرة معالجة الصعوبة يكون قد أخطأ في القانون، ولم يطبقه التطبيق السليم، خاصة وأن مقتضيات الفصل 686 من مدونة التجارة تنص على أن السنديك يشعر شخصيا الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد الائتمان الايجاري تم شهرهما، وأن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وإن كان دائنا امتيازيا حسب زعمه فإن دينه لا يندرج ضمن الضمانات أو عقد ائتمان إيجاري[7].
وجاء في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة، وحيث أن الصفة الامتيازية لدين الخزينة العامة مسلم بها بمقتضى القانون، إلا أن المشرع لم يفرق بين الديون الامتيازية والديون العادية، بل فرق بين الدائنين الحاملين لضمانات أو عقد ائتمان إيجار تم شهرهما وبين غيرهم من الدائنين، واعتبر أن الفئة الأولى فقد هي التي لابد من إشعارها من طرف السنديك، لذلك فإن ما تمسك به الطاعن من أن الديون الممتازة لا تواجه بالسقوط غير مرتكز على أساس ويتعين رده[8].
إلا أن عمومية المادة 686 من م.ت التي عاملت الديون العمومية معاملة الديون العادية من حيث إلزام الدائنين بها بالتصريح داخل اجل الشهرين من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية، ستخضع لبعض التقييد النسبي لبعض الديون الضريبية، وذلك بمقتضى المادة 150 من المدونة العامة للضرائب «… استثناء من جميع الأحكام المخالفة يجب على مقاولة تطلب فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية أن تقدم إقرارا بذلك لمصلحة الوعاء الضريبي التابع لها مكان فرض الضريبة قبل إيداع طلبها لدى كتابة ضبط المحكمة ويترتب عن عدم تقديمه للإقرار المذكور لدى مصلحة الوعاء الضريبي عدم مواجهة إدارة الضرائب بسقوط الواجبات المرتبطة بالفترة السابقة لفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية».
وتثير هذه المادة عدة ملاحظات.
أولا : أن المقاولة المدينة تكون ملزمة بتقديم إقرار لدى مصلحة الوعاء الضريبي التابع لها، برغبتها في فتح مسطرة التسوية أو التصفية، وذلك قبل إيداع طلب لدى المحكمة.
ثانيا : أن السنديك لا يكون ملزما بإشعار إدارة الضرائب بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية عند طلب فتحها من طرف رئيس المقاولة، وإنما يكون هذا الأخير هو الملزم ليس بإشعارها بفتح المسطرة، وإنما بطلب فتحها من طرف المحكمة.
ثالثا : أن واقعة العلم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية لا يتحقق بالنسبة لإدارة الضرائب إلا في الحالة التي يطلب فيها رئيس المقاولة فتح هذه المساطر دون غيرها، ذلك من الحالات التي تم فيها ذلك بواسطة المحكمة تلقائيا أو بطلب من الدائنين أو النيابة العامة.
رابعا : أنه لا يمكن مواجهة إدارة الضرائب بجزاء السقوط الذي ترتبه المادة 690 من م.ت إذا لم تقدم المقاولة طالبة فتح المسطرة إقرارا بذلك، لدى مصلحة الوعاء الضريبي التابع لها مكان فرض الضريبة قبل إيداع طلبها لدى كتابة ضبط المحكمة، ويبقى على رئيس المقاولة عبئ إثبات أنه تقدم بهذا الإقرار.
ثانيا : طبيعة المنازعات المرتبطة بمسطرة التحقيق
مما لا جدال فيه، تمر مسطرة تحقيق الديون بمرحلتين أساسيتين، المرحلة الأولى يمكن تسميتها بالتحقيق القبلي التي تباشر أمام السنديك، وهي مرحلة إدارية يقوم بها السنديك تحت مسؤوليته باستلام التصريحات وإعماد قائمة بالديون المصرح بها مع تضمين اقتراحاته بالقبول أو الرفض أو الإحالة على المحكمة، أما بالنسبة للمرحلة الثانية فهي مرحلة التحقيق القضائي يبرز فيها دور القاضي المنتدب بشكل جلي ويتخذ أوامر قضائية تشكل بحق منعطفا أساسيا لوضعية الدائنين.
ومما تجب ملاحظته بهذا الخصوص أن القاضي المنتدب وهو ينظر في التصريحات المتعلقة بالديون لا يحكم على المدين بالأداء وإنما يرمي فقط إلى قبول الدين أو رفضه.
فما مدى اختصاص القاضي المنتدب في النزاعات المتعلقة بتحقيق الديون العمومية؟
من خلال استقرائنا لمجموعة من الأحكام والقرارات القضائية يتبين وجود موقفين مختلفين :
الموقف الأول : تمثله محكمة النقض التي اعتبرت في قرار صادر عنها أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مؤسسة عمومية وأنه بموجب المادة 9 من مدونة تحصيل الديون العمومية، فإن أوامر المداخيل الصادرة عنه تذيل بصيغة التنفيذ بمجرد إصدارها من لدن الآمر بالصرف للهيأة المعنية، وبالتالي فإنها تسلك في تحصيل ديونها المسطرة المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية، مما يعني أن القاضي المنتدب عند تحقيق الدين المتعلق بها، وكذا محكمة الاستئناف التي تبت في الطعن المرفوع في شأنه لا تملك سوى قبول الدين المصرح به فلا يمكنها تخفيضه ما لم يدلي المدين بما يفيد منازعته في الدين المذكور، وفي السند المعتمد في تحديده أمام الجهة المختصة وهي المحكمة الإدارية، إذ عليه في هذه الحالة التصريح بعدم الاختصاص، والمحكمة التي أيدت الأمر المستأنف الذي قبل الدين المصرح به جزئيا على أساس سقوط الباقي بالتقادم تكون قد خرقت قواعد الاختصاص النوعي ببتها في نقطة يرجع أمر النظر فيها إلى المحكمة الإدارية، مما يتعين معه نقض قرارها بخصوص ذلك”[9].
إلا أن هذه المحكمة قصرت تبني هذا الموقف على الحالة التي يتم فيها الدفع من طرف أحد الأطراف بعدم اختصاص القاضي المنتدب لتحقيق هذا الدين العمومي، بحيث لم تنقض بمقتضى قرار آخر صادر عنها القرار الاستئنافي الذي أيد قرار القاضي المنتدب الذي عاين سقوط الدين العمومي وهو دين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لعدم احترام المسطرة القانونية المقررة لفرصة وتحصيله ومرور المدة القانونية لتقادم المطالبة به مادام لم يثر أمامه أي دفع يسلب عن القاضي المنتدب الاختصاص وإسناده لجهة القضاء الإداري أو غيره، وبالتالي قررت أن هذا القرار لم يخرق أي مقتضى وأتى مرتكزا على أساس[10].
*الموقف الثاني : تمثله محكمة الاستئناف التجارية بمراكش التي جاء في قرار صادر عنها : «وحيث ولأن التقادم سبب من أسباب انقضاء الالتزام تطبيقا للمادة 319 من قانون الالتزامات والعقود وأثير ممن له المصلحة تطبيقا للفصل 372 من نفس القانون كان ثابتا من بيان الوضعية المالية المدلى به من المستأنف إثباتا للتصريح بالدين أنه يتعلق بمستحقات هذا الأخير في مواجهة المستأنف عليها عن سنوات 1997 إلى غاية 2004، وكانت المادة 76 من القانون المتعلق بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تنص على تقادم ديونه بمرور 4 سنوات على تاريخ استحقاقها، ولأن القاضي المنتدب يعتبر قاضيا للموضوع في مساطر تحقيق الديون، فإنه بذلك يكون له التأكد من انقضاء الدين بالتقادم قد طال المستحقات المطالب بها إلى غاية 2003 مادام التصريح بالدين للسنديك كان بتاريخ 23/01/2007 ولما كان الأمر كذلك فإنه وبالنتيجة يبقى قبول رئيس المقاولة للدين في حدود مبلغ 82.898.94 درهم غير ملزم له قانونا لتحلله من الالتزام أصلا بالتقادم مادام هذا الأخير قد وضع استقرارا للمعاملات، مما يكون معه الأمر المستأنف مرتكزا على أساس وغير خارق لأي مقتضى قانوني[11].
وقد تم بمقتضى هذا القرار تأكيد ما سبق لنفس المحكمة أن قررته بمقتضى قرار صادر عنها بتاريخ 19/02/2008 بخصوص دين للخزينة العامة، حيث جاء فيه ” وحيث أن الأمر المطعون فيه قضى بعدم اختصاص القاضي المنتدب على أساس أن المستأنف عليهم أثاروا تقادم الدي
ن الضريبي، لكن حيث أن الدفع بالتقادم لا يغل يد القاضي المنتدب للبت في المنازعة على اعتبار أن المنازعة الضريبية التي تخرج من اختصاص القاضي المنتدب هي المنصبة على الوعاء الضريبي أي أسس فرض الضريبة، وكذا المنازعة في إجراءات التحصيل وأن الدفع بتقادم دين الخزينة لا يشكل منازعة في الدعاء على أساس أن الضريبة مؤسسة بموجب الجداول المدلى بها، كما أنها لا تشكل منازعة في إجراءات التحصيل، وأن القاضي المنتدب يبقى مختصا للبت في الدفع المتمسك به من الملزم على أساس تاريخ فرض الضريبة وتاريخ إحالتها على الجهة المكلفة بالتحصيل[12]”، وهذا الموقف تم تبنيه أيضا من طرف محكمة الاستئناف التجارية بفاس بمقتضى القرار عدد 9 الصادر عنها بتاريخ 04/02/2009 في الملف عدد 37/2008.
ونعتقد أنه لا يتعين القول بإطلاقية عدم أحقية القاضي المنتدب في تحقيق الديون العمومية على اعتبارها غير مستثناة من التحقيق، مما يتعين معه التمييز بين المنازعة أثناء التحقيق والمنازعات المتعلقة بالوعاء والتحصيل والتي تدخل في اختصاص المحكمة الإدارية، ووعيا من المشرع بهذا التمييز نص في مشروع القانون المعد من وزارة العدل والحريات من أجل تتميم وتغيير الكتاب الخامس من مدونة التجارة المادة 695 من م.ت من أجل التنصيص على أن قاضي التحقيق يتولى عملية تحقيق الديون مع مراعاة أحكام المادة 8 من القانون 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية.
وفيما يتعلق بعرض الطعن في أوامر القاضي المنتدب بشأن تحقيق الديون يكون أمام محكمة الاستئناف التجارية إذا كان النزاع من اختصاص المحكمة التجارية طبقا للمادة 697 من مدونة التجارة، وحينما يكون النزاع من اختصاص محكمة أخرى، فإن تبليغ المقرر القاضي بعدم الاختصاص يؤدي إلى سريان أجل مدته شهران يتعين على الدائن أن يرفع خلاله دعواه إلى المحكمة المختصة.
وقد قيد المشرع المغربي الطعن في أوامر القاضي المنتدب، إذ لا يمكن للدائنين ممارسته في حالة عدم الرد على السنديك داخل الأجل القانوني، وهذا ما يمكن استخلاصه من قرار صادر عن محكمة النقض، حيث إن المحكمة التي تبت لها أن الدائن لم يرد على إشعار السنديك المتضمن منازعة المدين في مبلغ الدين رغم منحه أجل ثلاثين يوما بعد توصله، تكون قد رتبت عن صواب عدم قبول الطعن في مواجهة الأمر الصادر عن القاضي المنتدب المؤيد لاقتراح السنديك[13].
خاتمة :
نستنتج مما سبق أن الإدارة العمومية تعتبر من أبرز دائني المقاولة المتعرضة لصعوبات مما يحتم عليها حمايتها والحفاظ عليها كباقي الدائنين، لذلك فإن التخفيف من وطأة الآثار السلبية التي يرتبها صدور الحكم القاضي بفتح مساطر صعوبات المقاولة رهين بالتفكير في آليات محكمة من شأنها توفير الحماية اللازمة لهذه الديون، وبالتالي حماية المال العام.
المقترحات :
سد الفراغ التشريعي الموجود ضمن مقتضيات القانون الجبائي، وذلك عبر إضافة نصوص قانونية تتعلق بوضعية الدين الجبائية من مسطرتي الفحص والتصحيح الجبائي، وكيفية التصريح بها بالنظر إلى خصوصية وطبيعة هذه الديون.
ضرورة إخبار الإدارة الجبائية بأي فتح لمساطر صعوبات المقاولة، سواء تم طلب ذلك من لدن المقاولة أو من المحكمة أو من الدائن، وذلك حتى تتمكن الإدارة من التصريح بديونها داخل الآجال المقررة قانونا، وهو ما قامت به الإدارة الجبائية حينما قامت بتعديل المادة 150 من المدونة العامة للضرائب، وذلك عبر إضافة الفقرة 3 التي تنص على أنه : «استثناء من جميع الأحكام المخالفة، يجب على كل مقاولة تطلب فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية أن تقدم إقرارا بذلك لدى مصلحة الوعاء الضريبي التابع لها مكان فرض الضريبة، ويترتب عن عدم تقرير الإقرار المذكور لدى مصلحة الوعاء الضريبي، عدم مواجهة إدارة الضرائب بسقوط الواجبات المرتبطة بالفترة السابقة لفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية».
ولقد سعت الإدارة من خلال هذه الإضافة التشريعية إلى حمايتها من سقوط الديون الجبائية لعدم التصريح بها داخل الآجال القانونية.
(محاماه نت)