دراسات قانونية

مسؤولية الدولة عن الغلط القضائي (بحث قانوني)

مسؤولية الدولة عن الغلط القضائي

يبدو أنّ المفهوم الحديث لمسؤولية الدول، كان نتاج تطورات كبيرة، حيث كان المبدأ السائد هو عدم مسؤولية الدولة عن أعمالها في أيّ ميدان، إذ كان هناك خلط بين سيادة الدولة وسيادة الحاكم، اين كانت الفكرة السائدة أنّ الملك لا يخطئ، وهذا ما انعكس على مسؤولية الدولة، ونتج عنه موجة عارمة من النقد وجهت إلى مبدأ عدم مسؤولية الدولة.[1]

وقد بدأت الأمور تسير تدريجيا نحو تقرير مسؤولية الدولة عن أعمال سلطاتها الثلاث، وهذا ما دفع بمجلس الدولة إلى تقرير مسؤولية الدولة عن جميع تصرّفاتها، غير أنّ مسؤولية الدولة رغم تطورها لم تصل إلى شمول أعمالها كافة، بل توقفت عند حدّ الأعمال الإدارية، ولا تزال بقايا قاعدة عدم مسؤولية الدولة تثار فيما يخص الأعمال التشريعية والقضائية.[2]

ولعلّ موضوع المسؤولية عن العمل القضائي، كان دائما من أصعب الموضوعات وأكثرها تعقيدا، باعتبار أنّ القضاء يمثل مظهرا من مظاهر الدولة وسلطتها، وهو يهدف إلى إقامة العدل في المجتمع، إلا أنّه يجب التنويه إلى أنّ القاضي “كبشر” يرتكب بدون شك أخطاء أثناء ممارسته لعمله، فقد يتهم شخصا بريئا ويحبسه على ذمة التحقيق، ثم يتحصل المتهم على أمر بانتفاء وجه الدعوى. وبالتالي فإنّ الوظيفة القضائية شأنها شأن الوظيفتين التنفيذية والتشريعية، قد تتسبب في إلحاق أضرار بالمتقاضين، وإزّاء هذه الحالة ألا يحق للضحية المطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي أصابتها؟

  موضوع هام للقراءة :  رقم هيئة الابتزاز

حيث ساد مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، حقبة طويلة من الزمن، وأمام تمسك القضاء الإداري بعدم اختصاصه عندما يتعلق الأمر بعمل يهم سير الموفق القضائي العادي، لجأ ضحايا المرفق القضائي إلى القضاء العادي، الذي تمسك هو كذلك بعدم اختصاصه بالحكم على الدولة بسبب غياب النصوص التشريعية، وظل هذا المبدأ قائما كعقيدة راسخة غير قابلة للنقاش، وتحت ضغوطات حقوق الإنسان وارتفاع نداءات الفقهاء، كل هذا دفع المشرع إلى أن يتدخل لتنظيم بعض المسؤوليات في بعض الحالات الخاصة، إذ شكل هذا التدخل نوع من العدول الجزئي أو بتعير أدق إيراد استثناءات على مبدأ عدم مسؤولية الدولة وهو ما سيكون محور دراستي من خلال التطرق الى مدى مسؤولية الدولة عن الغلط القضائي، واساس قيام هذه المسؤولية.[3]

المبحث الأول: مسؤولية الدولة عن الغلط القضائي في الأحكام الجزائية

نظرا لازدياد ضحايا المرفق القضائي العادي، وارتفاع نداءات الكتاب، جعل المشرع الفرنسي يتدخل بموجب قانون 08 جوان 1985 للنص على مسؤولية الدولة في حالة ثبوت خطأ قضائي، بعد التماس إعادة النظر، وسايره في ذلك المشرع المصري، والمشرع الجزائري في المادة 531 من قانون الإجراءات الجزائية الصادرة بالأمر 66-155 المؤرخ في 18 صفر 1386 الموافق ل 08 يونيو 1966، المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، وتحت تأثير الاتفاقيات الدولية، وما جاء ميثاق في ميثاق الأمم المتحدة، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان من حمائية، رضخت جل الدول لمبدأ مسؤولية الدولة عن الأضرار الناتجة عن الأعمال القضائية التحضيرية، لما لها من مساس بجوهر حقوق الإنسان، حيث أقرت الدول التعويض عن الحبس المؤقت.[4]

المطلب الأول : مسؤولية الدولة بعد الحكم بإعادة النظر في الأحكام الجزائية

رغم الضمانات الممنوحة للمتهم، والتي تسبق الحكم، يمكن للقاضي أحيانا التطبيق بأحكام خاطئة، ولتجنب هذه الأحكام الخاطئة وجد هذا النظام التعويضي، إلا انه قبل التطرق إلى كيفية التعويض يتوجب بيان شروط التماس إعادة النظر وبالرجوع إلى القانون 01/08 المؤرخ في 26 يونيو 2001، المعدل والمتمم لقانون الإجراءات الجزائية السابق الإشارة إليه ج ر 34 نجد حد شروط وإجراءات:

الفرع الأول: الشروط الموضوعية لطلب إعادة النظر:

أولا: الأحكام الجائز فيها إعادة النظر:

باستقراء مواد قانون الإجراءات الجزائية نجده في كل من فرنسا، مصر، الجزائر، يسمح به ضد الأحكام الصادرة في جناية أو جنحة إذا حازت قوة الشيء المقضي عليه، وعليه يجب:

– أن يكون الحكم بالإدانة صادر في جناية أو جنحة، وعلى هذا الأساس نصت المادة 531 من الأمر 66-155 على وجوب أن تكون الجريمة المطعون فيها جنائية أو جنحة.
وثانيا أن يكون الحكم صادرا بالإدانة فالأحكام الصادرة بالبراءة لا يجوز طلب إعادة نظرها، ولو تبين أنها صدرت على أساس وقائع خاطئة.
وأن يكون الحكم نهائيا، أي حائز لقوة الشيء المقضي به وسواء كان صادر عن المجالس القضائية أو محاكم أول درجة.[5]

ثانيا: أوجه إعادة النظر:

بالرجوع إلى ذات المادة نجدها تحدد أربع حالات لالتماس إعادة النظر على سبيل الحصر لا المثال، إذ تنص في الحالة الأولى على ثبوت وجود المجني عليه المزعوم قتله على قيد الحياة، أي أنه يحكم على المجني عليه في جريمة قتلـ ثم يتبين أن هذا الشخص المزمع قتله، لا يزال على قيد الحياة، أو الحكم على الشاهد الذي كان سببا في إدانة المجني عليه، على أساس شهادة الزور في حق هذا الأخير، أو في إدانة متهم آخر من أجل ارتكاب نفس الجناية أو الجنحة، أو ظهور أدلة إثبات جديدة، من شأنها إثبات براءة المحكوم عليه ولو أدلى بها أثناء محاكمته.[6]
“وأضاف المشرع المصري حالة خامسة، في حالة ما إذا كانت الإدانة مبنية على حكم صادر من محكمة مدنية”.[7]

المطلب الثاني : الحبس المؤقت:

إذا كان الحبس المؤقت كما يقول الدكتور منير جهدان “شر لا بد منه وليس ثمة بديل آخر” فإنه لتبريره هناك بدائل كثيرة حتى وإن لم يكن ممكنا إلغاؤه والاستغناء عنه، ومن بين هذه البدائل هو إقرار حقه في التعويض، عن الضرر الذي يصيبه بسبب توقيفه توقيفا غير مبرر، أو الدعاوي الكيدية والافتراء، إلا أنه قبل التطرق إلى التعويض عن كل من الحبس المؤقت، والتماس إعادة النظر يتوجب تبيان الهيئات المختصة بإجراء الحبس المؤقت”.[8]
وقبل تبيان الهيئات المختصة بهذا الإجراء، يتطلب إلقاء نظرة على الجهود الدولية المناهضة لهذا الإجراء الماس بالحرية.

أولا: الجهود الدولية المناهضة للحبس المؤقت:

تجلت النداءات المناهضة الحبس المؤقت عبر عدة مؤتمرات متتالية:
حيث بدأت الفكرة سنة 1864 بقلم الفقيه M.Bonneville de Mersay كتابه في إصلاح القانون الجنائي Ame national de la loi criminelle انتقد فيه نظام عقوبات الحبس المؤقت مصرحا “أن العقوبة المانعة للحرية يجب ألا ينط بها أبدا إذا كانت العقوبة المالية تفي بالعقاب، وتقدمت هذه الفكرة بعد ذلك وبحثتها المؤتمرات العلمية منها مؤتمر لندن في سنة 1872، ومؤتمر ستوكهولم في سنة 1878، ومؤتمر علم العقاب في روما سنة 1885، والمؤتمر الدولي لقانون العقوبات في بروكسل سنة 1989 وفي برلين 1890، وآخر مرة بحثت فيها الفكرة كانت في مؤتمر علم العقوبة في مدينة لندن سنة 1925.
وخلاصة هذه المباحث ترمي إلى استبدال عقوبات الحبس للمدد الوجيزة بعقوبات أخرى كون هذا الحبس لا فائدة منه وإهانة للنفس ومضيع للاعتبار ومفسد للأخلاق، ومخالفة قاعدة شخصية العقوبة.[9]

ثانيا: الجهات المختصة بالحبس المؤقت:

عهدت التشريعات المختلفة إصدار أمر الحبس المؤقت إلى عدة جهات، سواء جهة النيابة أو التحقيق أو جهات الحكم.

1- سلطة النيابة العامة في إصدار أمر الحبس المؤقت:

هذا الاتجاه يتبعه المشرع المصري إذ تعتبر النيابة العامة صاحبة الاختصاص الأصلي في إصدار الحبس المؤقت، وكما سايره في ذلك المشرع الجزائري إلا انه جعل من هذه القاعدة قاعدة استثنائية.[10]

ويتجلى ذلك في المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية السابق الذكر والتي تنص “إذا لم يقدم مرتكب الجنحة المتلبس بها ضمانات كافية للحضور، كان الفعل معاقبا عليه بعقوبة الحبس، ولم يكن قاضي التحقيق قد أخطر بالحادث، يصدر وكيل الجمهورية أمرا بحبس المتهم بعد استجوابه عن هويته، من الأفعال المنسوبة إليه”.[11] ونستخلص من هذه المادة أن وكيل الجمهورية ليس صاحب اختصاص أصلي وأنه لا يمارس هذا الاختصاص إلا استثناءا ووفق شروط:

أن يكون بصدد جنحة متلبس بها، وأن يكون معاقب عليها بعقوبة الحبس، وأن لا يكون قاضي التحقيق صاحب الاختصاص الأصلي قد أخطر.

2- سلطة قاضي التحقيق وغرفة الاتهام في إصدار أمر بالحبس المؤقت:

منح القانون الجزائري لقاضي التحقيق سلطة إصدار أمر إيداع ضد أي متهم وحبسه احتياطيا وهذا طبقا
لنص المادة 109 من القانون 66-155 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية، كما أشارت إلى ذلك المادة
124 وما يليها من نفس القانون.

المبحث الثاني
التعويض عن الغلط القضائي في كل من التماس إعادة النظر والحبس المؤقت والأساس القانوني لهذا التعويض

المطلب الأول: التعويض عن الغلط القضائي:

رغم أن كل مواد الدساتير الجزائرية سواء المادة 47 من دستور 1976 أو المادة 46 من التعديل الدستوري لسنة 1989 الجريدة الرسمية العدد 09، أو المادة 49 من التعديل الدستوري لسنة 1996 الجريدة الرسمية العدد 1996، تنص على الخطأ القضائي باللغة العربية، إلا أنه رغم التعديلات المتلاحقة لم يتم تصحيحها المصطلح باللغة الفرنسية فمن المفروض الخطأ يقابله باللغة الفرنسية La faute، في حين نجد المادة 49 من التعديل الدستوري لسنة 1996 تنص على ما يلي:”يترتب على الخطإ القضائي تعويض من الدولة” وتقابلها باللغة الفرنسية:
“l’erreur judiciaire entraine réparation par l’état” وعليه ورغم ان الأصل انه يؤخذ بالمدلول اللغوي الوارد باللغة العربية فإن النص يتكلم عن الغلط القضائي وليس الخطأ القضائي، وهنا فرق بين الغلط والخطأ.

فالخطأ لغة هو ضد الصواب، اتخاذ سبيل غير الذي كان يجب اتخاذه.[12] ضف إلى ذلك أن الخطأ قد يكون عمديا أو غير عمدي أي بالإهمال، فالخطأ العمدي فإنه مرتكبه أراد الفعل ولم يرد النتيجة الضارة، أما في الغلط فإن مرتكبه تولد في ذهنه شعور بأن تصرفه مطابق للقانون، لكن عندما يرى النتيجة يتبين له بأنها على خلاف ذلك، كما تضيف أن الغلط قد يكون من تلقاء نفس القاضي، كما قد يغلط من طرف أشخاص آخرين.
وعليه وبالرجوع إلى النص الفرنسي نجده يتحدث عن الغلط القضائي وليس الخطأ القضائي، الأمر يعبر عن عدم دقة الترجمة والصحيح هو الغلط وليس الخطأ، وعلى هذا سيتم دراسة الغلط القضائي من خلال تبيان شروط التعويض ثم تبيان الإجراءات المتبعة للحصول على التعويض.[13]

الفرع الأول: الشروط المتطلبة لطلب التعويض:

بالنسبة للشروط نجد شروط خاصة بطلب التعويض على الحبس المؤقت، وشروط خاصة بالتعويض عن الضرر الناتج عن الحكم بالإدانة:
نصت على هذه الشروط المادة 137 مكرر المذكور أعلاه، وعلى ذلك يجب أن تتوفر في المطالب بالتعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر الشروط التالية:
أن يكون محل متابعة جزائية، سواء تمت بمبادرة من النيابة العامة أو من الطرف المدني.

أن يودع الطالب رهن الحبس المؤقت تبعا لتلك المتابعة ولا تهم مدة الحبس.
أن تنتهي المتابعة لصالحه بصدور قرار نهائي من جهة التحقيق أو غرفة الاتهام بألاوجه للمتابعة، أو بالبراءة من جهة المحاكمة.
أن يثبت الطالب بأن الحبس المؤقت الحق به ضررا ذو جسامة متميزة، ذلك أن الحبس المؤقت قد يكون مبرر في بعض الحالات كأن يكون بغية حماية الطالب من الانتقام.[14]

أما بالنسبة للشروط المتطلبة للتعويض عن الحكم بالإدانة فتتمثل في:
صدور حكم أو قرار قضائي عند محكمة أو مجلس قضائي حائز لقوة الشيء المقضي فيه بتطبيق عقوبة جنائية أو جنحة وأن يرفع طلب إعادة النظر في ذلك. أو القرار أمام المحكمة العليا، بشرط أن لا يثبت بالنسبة لظهور أدلة جديدة أن عدم الكشف عنها منسوب للمحكوم عليه كليا أو جزئيا.[15]

ضف إلى ذلك هناك شروط متطلبة في الضرر. فطبقا للمادة 137 مكرر يجب أن يكون الضرر ثابتا ومتميزا أي خاصا وغير عادي، وما يزيد من صعوبة تطبيق هذا الشرط أن المشرع الجزائري لم يحدد مفهوم لهذا الضرر الثابت والمتميز وعليه وجب الرجوع إلى تطبيقات للجنة التعويض الفرنسية، وكيف عبرت عن أوصاف هذا الضرر.[16]
وعليه فتقدير الجسامة الخاصة بالضرر تتم من خلال النتائج المادية، المهنية والمعنوية الناتجة عن الحبس التعسفي، إما أن يكون الضرر متميزا فيقصد به أن يكون تقييم الضرر حسب كل حالة بالنسبة للنتائج المترتبة عن الحبس المؤقت.

الفرع الثاني: كيفية الحصول على التعويض:

بعد رفع دعوى طلب التعويض تمر بعدة مراحل حتى تصل إلى نهايتها. ويترتب عنها أثار إذ تميز احتمالين إما قبول التعويض أو رفضه.

أولا: المراحل التي تمر بها الدعوى:

يتم رفع دعوى التعويض من طرف ضحية الغلط القضائي أمام الجهة المختصة بالنظر في طلبات التعويض، وهي لجنة التعويض، تنشأ على مستوى المحكمة العليا (137 مكرر1) المتكونة من الرئيس الأول للمحكمة العليا أو ممثليه، رئيسا، قاضيين حكم لدى نفس المحكمة بدرجة رئيس غرفة أو رئيس قسم، مستشار أعضاء النائب العام لدى المحكمة العليا متوليا مهام النيابة العامة وأخيرا أمين ضبط اللجنة يعين من طرف الرئيس الأول للمحكمة.[17]
تجتمع اللجنة في غرفة المشورة وتصدر قراراتها في جلسة علنية، وللجنة طابع جهة قضائية مدنية، وقراراتها لا تقبل أي طريق من طرق الطعن ولها القوة التنفيذية وهذا طبقا للمواد 137 مكرر 03، 137 مكرر.

وأن يتم رفع هذه الدعوى في أجل لا يتعدى ستة (06) أشهر من صيرورة القرار القاضي بألا وجه للمتابعة، أو البراءة نهائيا، ويجب أن تتضمن القضية الوقائع وبيانات أخرى حددها القانون، وعلى إثر ذلك تقوم اللجنة بالتحقيقات اللازمة، وعلى الخصوص سماع المدعي، ويعتبر اختصاص اللجنة بالنظر في طلبات التعويض ضد الدولة استثناء عن القاعدة العامة المذكورة في المادة 07 من القانون الإجراءات الممدنية سابقا والمادة800 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي جعلت الاختصاص يعود للمحكمة الإدارية كلما كانت الدولة طرفا في قضية ما، وتطبيقا لذلك صدر قرار الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر بتاريخ 15 يونيو 2005 تحت رقم 3042 قضت فيه بعدم الاختصاص النوعي طبقا للمادتين 137 مكرر و137 مكرر 1. إذ أن الدعاوى القضائية الرامية إلى طلب التعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر إنما هي من اختصاص لجنة على مستوى المحكمة العليا. قرار اللجنة كما سبق إذ بينا إما يكون بالقبول أو رفض التعويض.[18]

ثانيا: الآثار المترتبة عن قرار لجنة التعويض عن الغلط القضائي:

قرار لجنة التعويض يحتمل أمرين إما القبول أو الرفض:
في حالة رفض التعويض يتحمل المدعي المصاريف إلا إذا قررت اللجنة إعفاءه جزئيا أو كليا منها.
أما في حالة قبول تعويض طالب التعويض: فإنه طبقا للمادة 137 مكرر يكون التعويض على عاتق خزينة الدولة، مع احتفاظ الدولة بحقها في الرجوع على الشخص المبلغ سيء النية، أو الطرف المدني أو شاهد الزور سيئ النية الذي تسبب في الحبس المؤقت أو الإدانة.

الفرع الثاني: الأساس القانوني لمسؤولية الدولة عن الغلط القضائي:

تبين مما سبق دراسته بأن ضحية الأعمال الجزائية القضائية له الحق في طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت به سواء من جراء الحبس المؤقت غير المبرر أو من جراء الحكم بالإدانة، غير أن هذا الحق في التعويض يؤدي بنا إلى البحث عن معرفة أساس هذا التعويض.
فإذا كان التعويض عبارة عن مساعدة اجتماعية، فهو عبارة عن معروف ويعود للإدارة طبقا لسلطتها التقديرية منحه أو رفضه، أما إذا اعتبر التعويض كحق للضحية فهنا يمكن القول أن الضحية اكتسبت حقا في مواجهة الدولة.

1- التعويض مساعدة اجتماعية:

قبل صدور القانون الفرنسي 8 جوان 1895، كان التعويض غير مفروض بصفة قانونية، وإن منح الملك تعويضا للمتضرر، فإنما ذلك يكون عطفا منه، وكان سائدا أن الدولة غير ملزمة بتعويض الأخطاء القضائية، وإنما تتدخل بصفة عفوية، وتمنح مساعدة للضحايا، إذ نجدها حرة في منح أو رفض هذه المنحة لضحية الخطأ القضائي.
ويظهر بأن هذا الاتجاه كان متأثرا إلى حد ما بفكرة سيادة وبالتالي فهي غير ملزمة بالتعويض عن وظائفها العمومية.[19]

2- التعويض حق للضحية:

إذا كان التعويض حق للضحية فإنه يتولد لهذا الأخير حقا أساسيا لطلب التعويض من الدولة، إذن يجب تحديد أساس هذا التعويض إما الخطأ أو بدون خطأ.

3- الخطأ كأساس للمسؤولية:

طبقا لهذا الاتجاه فإن أساس التعويض هو الخطأ الناتج عن الإهمال، مما يتطلب من الدولة التدخل والتعويض عن الأخطاء الصادرة من مرفق القضاء.
وإذا كان الخطأ هو الأساس التعويض، فإنه يمكن تصور حالة عدم إمكانية التعويض رغم وجود ضرر. إذ قد يكون مرفق القضاء غير مسؤول كون الأعمال التي قام بها تتسم بالمشروعية نظرا لاحترامه كافة الإجراءات هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مسألة إتباع الخطأ من أصعب المسائل، نظرا للمداولات وهذا ما يحول دون تعويض المضرور[20]، وهذا كله يدعم ما سبق الإشارة إليه كون أن المشرع تطرق للمسؤولية عن الغلط القضائي وليس الخطأ فالقاضي لا يخطئ وإنما يغلط، كما أن ما يدعم فكرة الخطأ كون الدولة تمارس دعوى الرجوع ضد من أوهم القاضي، وليس ضد القاضي، وهذا ما يتطلب البحث عن أساس آخر المسؤولية الدولة.

4- مسؤولية الدولة بدون خطأ كأساس للتعويض:

ولقد اختلف الفقه حول أساس مسؤولية الدولة بدون خطأ أن المساواة أمام الأعياد العامة أم على أساس المخاطر.
يرى الأستاذ مسعود شيهوب أن أساس التعويض عن الغلط القضائي هو المساواة أمام الأعياد العامة التي تستجيب لفكرة العدالة الاجتماعية، وطبقا لهذا الأساس فإن المجتمع مكلف بضمان السير الحسن لموقف القضاء.

المطلب الثاني: التعويض عن الخطأ الشخصي للقضاة

إذا كانت القاعدة العامة هي عدم مسؤولية الدولة عن أعمال القضاء، فإن هذه المسؤولية يمكن أن تتحقق في الواقع بطريقة غبر مباشرة وهو طريق مخاصمة القضاة، إلا أنه نظرا لأهمية مهمة القاضي وموقف المتقاضين منه، فإنه لا يسمح بمقاضاته إلا وفقا لإجراءات محددة تضمن حفظ كرامته[21]. وهي إجراء استثنائي يسمح بمقاضاة القاضي شخصيا أثناء مباشرته لمهامه القضائية، وإجراءات دعوى المخاصمة التي كانت معروفة في قانون الإجراءات المدنية الملغى.
حيث لا يجوز مخاصمة القاضي شخصيا إلا إذا وقع منه غش أو تدليس أو غدر، أو حالة أخرى ينص عليها القانون. وتضمن في فرنسا بموجب قانون الإجراءات المدنية لسنة 1806، وعدلت بموجب قانون 07 فيفري 1933 والمعلق بحماية الحريات الفردية. وبقيت سارية المفعول إلى حين إلغائها في سنة 1972.[22] كما طبق في الجزائر في قانون الإجراءات المدنية إلى أن تم إلغاؤه في سنة 2008.

وعليه فمسؤولية القاضي عن أخطائه الشخصية كانت ذات أساس مدني.
إلا أن تطور وظيفة الدولة من دولة حارسة إلى دولة متدخلة وما صاحبه من تغيرات على وضعها القانوني، وقبولها قيام مسؤوليتها عن جميع أعمال السلطة التنفيذية، وتلبيتها أعمال السلطة التشريعية دفعها إلى التخلي عن فكرة المرافق السيادية، وإقرار مسؤوليتها عن العمل القضائي تماما مثلما هو الحال بالنسبة لمسؤوليتها عن نشاطها التنفيذي إذن تحول كما يرى البعض من مسؤولية ذات أساس مدني إلى مسؤولية تقوم على مفاهيم القانون الإداري المتمثلة في الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي.

خاتمة:

حيث أنه نظرا لأعباء هذا المرفق و أهميته في فض النزاعات بين الأفراد و تحقيق العدالة في المجتمع، و نظرا لصعوبة المهمة المنوطة به و تعقيداته، فإنه يعفى من المسؤولية عن الخطأ اليسير، و لا يسأل إلا متى بلغ الخطأ حدا معينا من الجسامة، وذلك حتى يحجم مرفق القضاء عن القيام بأعماله بصرامة و حزم، لاسيما في أعمال سلطتي الإدعاء و التحقيق، لما لأعمال هاتين السلطتين من أثر هام في مكافحة الجريمة و ملاحقة المخلين بأمن المجتمع واستقراره و تقديمهم إلى سلطة الحكم لتسلط عليهم العقاب الذي يستحقونه
أما بالنسبة لتقرير مسؤولية الدولة عن الغلط القضائي المنشأ بموجب القانون رقم 01-08 المؤرخ في 26/06/2001، المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية، قرر العديد من الضمانات، كتحديد إجراءات التعويض ،كفرضه تسبيب أوامر الإيداع بالحبس المؤقت (م123 ق إ ج )، و نصه على جواز تنحية قاضي التحقيق (م71 ق إ ج)،

وتم الحصول على تطبيق قضائي للقانون (01ـ08)وقد كانت هناك عدة تطبيقات عملية لهذا القانون ، وبالتالي فما يمكن قوله أن هذا النص التشريعي أثمر بتقرير تعويض ومسؤولية الدولة عن الغلط القضائي.
أما فيما يتعلق بآجال رفع دعوى التعويض، فإنه ما يقال عنها أنها قصيرة جدًا، مما يجعل الدعاوى التي ترفع خارج نطاق هذه المواعيد عرضة للرفض، وبالتالي التضييق من نطاق القضائي من مسؤولية الدولة عن الغلط القضائي، فالأجل القانوني المقرر لرفع دعوى التعويض قدر بستة أشهر ، إبتداءا من التاريخ الذي يصبح فيه القرار القاضي بألا وجه للمتابعة أو البراءة نهائيا ( م 137مكرر4ف1،ق إ ج) ..

 

(محاماه نت)

إغلاق